الفصل
الثالث عشر
وهنا
أيضًا: أكان ممكنًا لله أن يسكت، وأن يترك للآلهة الكاذبة أن تكون هى المعبودة
بدلاً من الله؟ إن الملك إذا عصته الرعية يذهب إليهم بنفسه بعد أن يرسل إليهم
الرسائل. فكم بالأحرى يعيد إلينا الله نعمة مماثلة صورته. هذا مالم يستطع البشرأن يتمموه لأنهم ليسوا هم صورة الله. لهذا كان لزامًا أن يأتى
الكلمة نفسه ليجدّد الخلقة وليبيد الموت في الجسد.
1
وإذ صار البشرهكذا كالحيوانات غير العاقلة، وسادت غوايةالشيطان فى كل مكان حتى حُجِبت معرفة الإله الحقيقي[1]، فما
الذى كان على اللهأن يفعله؟ أيصمت أمام هذا الضلال العظيم ويدع البشر يضلون بتأثير
الشيطان ولا يعرفون الله؟[2]
2
وما هي الفائدة من خلق الإنسان
أصلاً
على صورة الله؟ كان من الأفضل له لو أنه خُلق مثل مخلوق غير عاقل من أن يُخلق
عاقلاً ثم يعيش كالحيوانات غير العاقلة[3].
3
أو هل كانت هناك ضرورة على الإطلاق أن يُعطَى فكرة عن اللهمنذ البداية؟ لأنه إن كان حتى الآن هو غير جدير بأن ينالها، فكان
الأولى ألاّ تُعطى له من البداية[4].
4
وما الفائدة التى تعود على اللهالذي خلقهم وكيف يتمجد إن كان البشرالذين خلقهم لا يعبدونه بل يظنون أن آلهة أخرى هي التي خلقتهم؟[5] لأنه
بهذا يظهر أن الله قد خلقهم (أي خلق البشر) لا لنفسه بل للآخرين.
5
ومرة أخرى نقول: أي ملك[6]،
وهو مجرد إنسان بشري، إذا امتلك لنفسه بلادًا يترك مواطنيه لآخرين يستعبدونهم[7]؟ وهو
لا يدعهم يلتجئون لغيره، لكنه ينذرهم برسائله ثم يُرسل إليهم أصدقاءه[8] مرارًا،
وإن اقتضى الأمر يذهب اليهم بشخصه[9]،
لكى يوبخهم بحضوره[10]،
كآخر وسيلة يلجأ إليها. وكل ذلك لكى لا يصيروا خدامًا لغيره فيذهب عمله هباءً[11].
6
أفلا يشفقاللهبالأولى على خليقته[12]
كى لا تضل عنه وتعبد الأشياء التي لا وجود لها[13]،
وبالأكثر عندما يظهر أن هذه الضلالة هي سبب هلاكهم وخرابهم؟[14]
وليس لائقًا أن يهلكهؤلاء الذين قد كانوا مرة شركاءفي صورة الله.
7
إذن فما هو الذى كان ممكنًا أن يفعله الله؟[15]
وماذا كان يمكن أن يتم سوى تجديد الخليقة التي وُجدت على صورة الله، مرة أخرى،
ولكي يستطيع البشرأن يعرفوه مرة أخرى؟ ولكن كيف كان ممكنًا لهذا الأمر أن يحدث إلاّ
بحضور نفس صورة الله مخلّصنايسوعالمسيح؟ كان ذلك الأمر مستحيلاً أن يتم بواسطة البشر[16]
لأنهم هم أيضًا خُلِقوا على مثال تلك الصورة[17].(وليس
هم الصورة نفسها)، ولا أيضًا بواسطة الملائكة لأنهم ليسوا صورًا[18]
(لله) ولهذا أتى كلمة الله بذاته[19]
لكي يستطيع وهو صورة الآب أن يجدّد خلقة الإنسان،
على مثال الصورة.
8
وإضافة إلى ذلك فهذا[20]
لم يكن ممكنًا أن يتم أيضًا دون أن يُباد الموت والفساد.
9
ولهذا فقد كان من اللائق أن يأخذ جسدًا[21]
قابلاً للموت حتى يمكن أن يُبيد فيه الموت ويجدّد خلقة البشرالذي خلقوا على صورته. إذن فلم يكن كفءًا لسد هذه الحاجة سوى صورة
الآب[22].
1 يوضح القديس
أثناسيوس نتيجة أخرى للسقوط وهى أن معرفة الإله الحقيقى قد حُجِبت وسبق أن بيّن
النتيجة المباشرة للسقوط وذلك في فصل 6/1 حيث ذكر أنه ” لأجل هذا إذ سادالموت أكثر وعم الفساد على البشر“.
2 هذا السؤال
يماثل السؤال الذي ورد في فصل 6/7 ” فما الذي كان يجب على اللهالصالح أن يفعله؟ أيترك الفساد يسيطر على البشروالموت ليسود عليهم؟ “.
3 ويوجد تقابل
مع باقى السؤال الوارد فى فصل 6/7 “ما المنفعة إذن من خلقهم منذ البدء؟ لأنه
كان أفضل بالحرى ألاّ يُخلقوا بالمرة من أن يُخلقوا وبعد ذلك يُهملون
ويفنون”. والملاحظ أن الحديث في فصل 6 هو عن صنعة اللهالتي كانت في طريقها للهلاك إذ قد طالها الفساد ولهذا كان من
الأفضل ألاّ تُخلق بدلاً من أن تُخلق وبعد ذلك تُهمل وتُفنى، أما في فصل 13 فإن
الحديث هو عن أنه نتيجة للسقوط فإن معرفة اللهحُجِبت عن الإنسان المخلوقوالموجود بالفعل، ولهذا فالاشارة هنا ليست إلى أنه كان من الأفضل
في هذه الحالة عدم خلق الإنسان بالمرة بل إلى خلقه لكن كمخلوق غير عاقل (أى لا
يعرف الله).
2 في فصل
6/7ـ8 يذكر القديس أثناسيوس أن اللهلو كان قد أهمل ولم يبال بهلاك صنعته لأظهر هذا الاهمال ضعفه وليس
صلاحه. وهنا في هذا الفصل يوضح أن الله لو كان قد ترك البشرالذين خلقهم بدون أن يعرفوه لظنوا أن آلهة أخرى هى التي خلقتهم.
وكلا الأمرين لا يحققان الهدف من خلق البشر. وفي فصل 11/2 يتسائل القديس أثناسيوس
: لأنه أية منفعة للمخلوقات إن لم تعرف خالقها؟
3 التشبيه
المأخوذ من حياة الملك وقدرته والمذكور في فصل10 والذي يوضح به القديس أثناسيوس
كيف أنه بالتجسد قد أُبطل الموت والفساد، هذا التشبيه يستخدم مرة أخرى هنا في فصل
13 لكن يوضح كيف أنه بالتجسد صارت معرفة اللهالحقيقى ممكنة لنا.
5 الرسائل
والأصدقاء يرمزان هنا بالطبع إلى الناموسوالأنبياء. وفي الفصل 12/2 الأنبياءهم أُناس معروفين بين البشرويستطيع الآخرون أن يتعلّموا منهم عن الإله الحقيقى.
1 وفي مجال
المقابلة بين ما جاء في الفصلين10، 13 نجد أنه بينما يشير القديس أثناسيوس في
فصل10 إلى أن الملك “ينتقم” لعمله فيقضى على الموت كعدو، فإننا نجده هنا
في فصل 13 يوضح بالأكثر ضرورة القضاء على “عدم معرفة” اللهالحقيقى وذلك بحضور “شخص” الملك نفسه.
4 استخدم
القديس أثناسيوس عدة مرات ـ منها ما جاء في فصل 10/1 ـ تشبيهات من أعمال الملك
الأرضى ليبين بها أعمال اللهالخلاصية وأوضح أن أعمال الكلمة المتجسد هى بالحرى أعظم
جدًا من أعمال الملك البشرى. وهنا أيضًا في فصل 13/6 يشدّد مرة أخرى على هذه
النقطة موضحًا أنه بينما لم يترك الملك الأرضى الأمور هكذا بل انتقم من اللصوص
(10/1) نجد هنا أن الله أشفق على خليقته. وتعبير أن الله يشفقهو تعبير كتابى ” الذي لم يشفق على ابنه ” رو 33:8.
واشفاق الله على خليقته اتضح جليًا في أنه لم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله من أجل
الكل.
6 هنا يربط
القديس أثناسيوس بين ضلالات الشياطين كسبب والموت كنتيجة. ومن مقارنة فصلى 10، 13
نلاحظ التشديد على أمرين هما القضاء على الموت، واستعادة معرفة اللهالحقيقية. ورغم أنه قد يكون هناك تمييز بين الأمرين إلاّ أنهما لا
ينفصلان. فعندما تنحجب معرفة اللهفهذا يعنى حجب نعمة الخلق على صورة الله ومثاله وهذا يؤثر بالطبع
على وجود الإنسان في حالة عدم فساد.
7 كرر القديس
أثناسيوس نفس هذا السؤال في الفصل 7/2 والاجابة التي يعطيها هناك توضح أن ما فعله الكلمة
بتجسده هو القضاء على الموت. وهنا يجيب على نفس السؤال والأسئلة التي تليه موضحًا
أن ما فعله الكلمة المتجسد هو أنه جعل البشريعرفون اللهالحقيقى. وأيضًا في فصل 7/4 يذكر أن البشر الذين خُلقوا من العدم
أمكنهم بالتجسد استعادة نعمة الخلق على صورة الله ومثاله، أما هنا في فصل 13 فيذكر
أنه بعد التجسد أمكن تجديد هذه الصورة. وفي الحالة الأولى يتكلم عن القضاء على
الموت الذي تم بالكلمة الخالق وفي الحالة الثانية يتكلم عن تجديد الصورةفي الإنسان الكائنبالفعل وهذا حدث بواسطة الكلمة الذي هو صورة الآب.
1 يرى القديس
أثناسيوس أن الإنسان المخلوقلا يمكن أن يعين المخلوق نظيره. انظر المقالة الثانية ضد
الآريوسيين. فقرة 67.
2 حسب تعاليم القديس أثناسيوس يوجد فرق بين
التعبيرين “صورة الله” و “على (مثال) صورة الله”. ففي فكره أنه لايمكن
بأى حال من الأحوال اعتبار الإنسان “صورة الله”. “فكلمة
الله” فقط هو “صورة الله”. وحيث إنه مولود من جوهرالآب فهو الصورة الطبيعية والحقيقية الوحيدة للآب.
3 الملائكة
ليسوا صورة اللهوهم ليسوا خالقين بل مخلوقات. وبهذا التعليم يرد القديس أثناسيوس
على تعاليم الغنوسيين. انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 21.
4 انظر فصل
40/6 حيث يستشهد القديس أثناسيوس بالنص الكتابى ” لا رسول ولا ملاك بل الرب
نفسه خلصهم ” إش 8:63 س.
6 القول بأنه
كان من اللائق بكلمة اللهأن يأخذ جسدًا بدون ذكر أى شئ عن النفسالبشرية ليس معناه أن المسيحاتخذ جسدًا خاليًا من النفس البشرية. فالقديس أثناسيوس يتكلم هنا
عن ضرورة تغيير حالة الجسدبالقضاء على الموت الذي فيه ولهذا اتخذ الكلمة جسدًا.
والنفس أيضًا لابد أن تتحرر من الخطية وهذا تم أيضًا بواسطة الكلمة إذ هو
صورة الله. انظر فصل 15 حيث يوضح القديس أثناسيوس أن المسيح بظهوره في الجسد قد
حرر النفس البشرية من نتائج الخطية.
تم نسخ الرابط