الفصل الثامن

الفصل الثامن

إذ
رأى كلمة الله
كل هذه الشرور لهذا نزل إلى الأرض، آخذًا جسدًا من طبيعتنا من عذراء طاهرة عفيفة إذ حل في أحشائها،
وذلك لكى يعلن نفسه فيه، ويقهر الموت، ويعيد الحياة.

1
لأجل ذلك إذن نزل إلى عالمنا كلمة الله
الذى بلا جسد، عديم الفناء وغير المادي[1]
مع أنه لم يكن ببعيد عنا من قبل. لأنه لم يترك جزءًا من الخليقة خاليًا منه إذ هو
يملأ الكل، وفي نفس الوقت هو كائن مع أبيه. لكنه أتى إلينا في تنازله، ليُظهر
محبته لنا ويفتقدنا[2].

2
وإذ رأى[3]
الجنس (البشري) العاقل يهلك
وأن الموت يملك عليهم بالفناء وإذ رأى أيضًا أن عقوبةالتعدي (الموت) قد خلّدت الفناء فينا وأنه من غير اللائق أن يبطل
الناموس
قبل أن ينفذ، وإذ رأى أيضًا عدم اللياقة فيما هو حادث بالفعل، وهو
أن الخليقة التي خلقها هو بنفسه قد صارت في طريقها إلى الفناء، وإذ رأى في نفس
الوقت شر البشر
المفرط، وأنهم يتزايدون فيه شيئًا فشيئًا إلى درجة لا تطاق وضد
أنفسهم[4]،
وإذ رأى أن كل البشر تحت سلطان الموت، فإنه رحم جنسنا وأشفق على ضعفنا وتراءف على
فسادنا. وإذ لم يحتمل أن يرى الموت وقد صارت له السيادة علينا، لئلا تفنى الخليقة ويتلاشى
عمل الله
[5]، فقد أخذ
لنفسه جسدًا[6]
لا يختلف عن جسدنا.

3
لأنه لم يقصد أن يتجسد أو أن يظهر فقط[7]،
وإلاّ لو أنه أراد مجرد الظهور لأمكنه أن يتمم ظهوره الإلهي بطريقة أخرى اسمى
وأفضل[8].

لكنه
أخذ جسدًا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل أخذه من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلاً،
جسدًا طاهرًا وبدون زرع بشر[9].
لأنه وهو الكائن
الكلّى القدرة وبارئ كل شئ، أعد الجسدفي العذراء[10] ليكون
هيكلاً له وجعله جسده الخاص
متخذًا إياه أداة[11]
ليسكن فيه ويُظهر ذاته به.

4
وهكذا إذ اتخذ جسدًا مماثلاً لطبيعة أجسادنا[12]،
وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقد بذل جسده للموت عوضًا عن الجميع، وقدّمه
للآب. كل هذا فعله من أجل محبته للبشر أولاً: لكى إذ كان الجميع قد ماتوا فيه،
فإنه يبطل عن البشر
ناموسالموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب، فلا
يعود للموت سلطان على أجساد البشر[13]
(المماثلة لجسد الرب). ثانيًا: وأيضًا فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية
يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد[14]
الذي جعله جسده الخاص
، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تُبيد النارالقش[15].


1 الصفات التى يستخدمها القديس أثناسيوس عن الكلمة
بأنه بلا جسد، عديم الفناء، غير المادى لا ترد بالطبع في كتابات الفلاسفة عن الله
، إذ هى تحديدات من العصر المسيحى، ويقصد بها هنا القديس أثناسيوس
توضيح الفرق بين طبيعة كلمة الله وطبيعة البشر
المادية المخلوقة. انظر دفاعه عن قانون إيمان مجمع نيقية. فصل10.
وتعبير “غير المادى” يوضح ألوهية الكلمة. انظر فصل 2/3، 4.

2 يعود القديس
أثناسيوس لشرح هذه الحقيقة في فصل 17.

3 في فصل (6)
يذكر القديس أثناسيوس “.. فقد كان من غير اللائق بالمرة أن تفنى المخلوقات
أمام عينى الخالق”، وهنا في فصل (8) يوضح حالة الجنس البشرى وما قد رآى الله
أنها وصلت إليه، مستخدمًا فعل “رأى” خمس مرات، وهذه
الحالة التي رآها الله هى التي ” لأجلها إذن نزل إلى عالمنا كلمة
الله.. وأخذ لنفسه جسدًا لا يختلف عن جسدنا “.

1 انظر فصل
5/3.

2 انظر فصل
6/6.

3
انظر
حياة أنطونيوس 5 ” الرب الذى من أجلنا أخذ جسدًا “.

4 انظر فصل
4/2.

5 انظر فصل43
حيث يجيب القديس أثناسيوس على السؤال لماذا لم يظهر عن طريق أجزاء أخرى من الخليقة
أكثر سموًا وأن يستخدم أداة أشرف كالشمس أو القمر أو النجوم أو الكواكب أو النار
أو الهواءبدلاً من الإنسان وحده؟

6 انظر
المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 7.

7 الولادة من
العذراء
تثبت ألوهية الكلمة كخالق انظر فصل 18/5.

8 هيكل “NaÒj“وأداة “Órganon” مصطلحان يردان باستمرار عند القديس أثناسيوس. انظر فصل 22/5
41/7 ،43/4 ، 44/4، وأيضًا

A. Grillmeier, Christ in Christian Tradition (London 1955 pp.205ff)

اصطلاح
“هيكل” لوصف الجسد
الذي أعده الكلمة في العذراءليحل فيه يمكن أن يفسر على أنه بديل عن هيكل أورشليمالذي نقض كعلامة وبرهان على مجىء كلمة الله، الذى قدم هيكل جسده ذبيحةبدل ذبائح العهد القديم. انظر فصل 40/1.

1 وهذا معناه
أنه كان جسدًا حقيقيًا لا خياليًا. انظر فصل 18/1.

2 أنظر فصل
21/1ـ2.

3 وهذا معناه
أن اصلاح البشرية وخلاصها كان لابد أن يتم بتجسد الله
الكلمة وليس بمجرد نطق.

4 انظر فصل 44
حيث يشير فيه أيضًا تشبيه النار
والقش.


تم نسخ الرابط

هل تبحث عن  كنيسة مارجرجس الروماني القبطية الأرثوذكسية، سمالوط البلد، المنيا، مصر

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي