الإصحاح العاشر

 

الآيات
(1-11):           راجع تفسير إنجيل متى (مت37:9-16:10)

الآيات
(12-16):         في إنجيل متى (20:11-24)

الآيات (21-24):         في كتاب إنجيل متى
(مت25:11-30)

الآيات (23،24)           في كتاب إنجيل متى
(مت29:11،30 وما بعده)

الآيات (25-29)          (سؤال الناموسي)

الآيات (30-37)          (مثل السامري
الصالح)

الآيات (38-42)          (مريم ومرثا)

 

في
إنجيل متى نجد تعليمات السيد للإثني عشر قبل إرساليتهم وفي إنجيل لوقا هنا في هذه
الآيات نجد تعليماته للسبعين رسولاً وهي متشابهة. والسيد المسيح أرسل الإثني عشر
ليكرزوا في الجليل ثم أرسل السبعين ليكرزوا في اليهودية، وكان إرسال السبعين قبل
صلب السيد بستة أشهر ولاحظ قوله أرسلهم.. إلى كل مدينة= في هذا رمز لأنه
سيرسلهم بعد ذلك للعالم أجمع أي للأمم. والسيد إختار الإثني عشر بحسب عدد أسباط
إسرائيل وإختار السبعين بحسب عدد شعوب العالم والتي ورد ذكرها في (تك10). وبهذا
تشير الإرساليتين للكرازة وسط اليهود ووسط الأمم. إرسالية الإثني عشر تشير للكرازة
وسط اليهود وإرسالية السبعين تشير للكرازة وسط الأمم.

ولاحظ
قول الكتاب أرسلهم إلى.. حيث هو كان مزمعاً أن يأتي= وذلك ليعدوا الناس
لسماع السيد وقبوله. والسيد كان بعد أن ترك الجليل نهائياً متجهاً لأورشليم، كان
سيمر في بيرية، وسكانها أمميون وهذا يؤكد أن إرسالية السبعين تشير للكرازة وسط
الأمم. ولذلك قال لهم السيد أقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم=
فاليهودي يشعر أنه يتنجس من طعام الأمم ولكن السيد هنا يفتح أذهانهم أنه جاء للكل.

ويقال
أن لوقا كان أحد السبعين رسولاً.

ولاحظ
أن متى إذ يكتب لليهود لم يشر لإرسالية السبعين. أما لوقا الذي يكتب للأمم فأشار
لهم.

 

آية
(1): "وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه
إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتي."

وبعد ذلك= بعد تركه الجليل نهائياً وبعد الأحداث في إصحاح (9). سبعين رسولاً آخرين=
غير الإثني عشر السابق إرسالهم (لو1:9) وهؤلاء كانوا كأساقفة. اثنين اثنين=
ليشددا بعضهم البعض (جا9:4،10+ مر7:6) وهؤلاء أقيم منهم كهنة وشمامسة لكن لم
يكن لهم درجة الأسقفية.

 

آية
(2): "فقال لهم أن الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن
يرسل فعلة إلى حصاده."

فأطلبوا من رب الحصاد= فإختيار الخدام يأتي بالصلاة أولاً.

 

آية
(3): "اذهبوا ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب."

حملان
بين ذئاب=
هي
نبوة مسبقة بالإضطهادات التي ستواجههم ولكن قوله ها أنا أرسلكم يجعله هو
المسئول عنهم وهو الذي سيحميهم، ويحول لهم الذئاب لحملان.

 

آية
(4): "لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية ولا تسلموا على أحد في
الطريق."

ولا
تسلموا على أحد في الطريق=
حتى لا يرتبك الكارز بالمجاملات الكثيرة بلا هدف
روحي، ويحفظ قلبه وفكره منحصرين في الله، كثير من أولاد الله يسيرون في الشارع
مرددين مزاميرهم أو صلاة يسوع "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ".
وقطعاً لا يمكننا أن نفهم هذا حرفياً وإلاّ تخاصمنا مع الناس، وإنعدم الود بيننا
وبين الناس. ولكن المقصود هو عدم تضييع الوقت في المجاملات والأحاديث التافهة غير
البناءة. الكيس= لحمل النقود. المزود= لحمل الطعام. المقصود أن الله
هو الذي سيدبر كل إحتياجاتهم، فيعتمدوا عليه وليس على الماديات.

 

آية
(6): "فإن كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه وإلا فيرجع إليكم."

فإن
كان هناك ابن السلام=
فالرسول حين يلقي السلام فهو يعطي من عند الله
سلاماً يملأ القلب فعلاً، ولكن الإنسان الشرير والمقاوم لا يقبل هذا السلام. وإذا
لم يكن هناك من يقبل يعود هذا السلام وهذه البركة للرسول الذي قالها، ويمتلئ هو
سلاماً.

 

الآيات
(7،8): "وأقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم لأن الفاعل مستحق
أجرته لا تنتقلوا من بيت إلى بيت. وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم
لكم."

في المسيحية لن نعود لنقول هناك طعام نجس
وطعام طاهر. هنا المسيح يوسع أذهانهم ويشفيها من اليهودية
الضيقة= كلوا
مما يقدم لكم.
وإكتفوا بما يقدم لكم. لا تنتقلوا من بيت إلى بيت= سعياً
وراء طعام أفضل. والتركيز في الخدمة.

 

آية
(9): "واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله."

اشفوا
المرضى=
المسيح
عضد تلاميذه بالمعجزات لتأكيد بشارتهم.

 

الآيات
(10،11): "وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا. حتى
الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ولكن اعلموا هذا أنه قد اقترب منكم
ملكوت الله."

اخرجوا
إلى شوارعها=
إعلنوا لكل الناس. الغبار= لم نأخذ منكم شيئاً حتى
الغبار نتركه لكم. لكن إعلموا أن ملكوت السموات إقترب منكم ورفضتموه.

 

(لو
12:10-16):-

وأقول
لكم انه يكون لسدوم في ذلك اليوم حالة اكثر احتمالا مما لتلك المدينة. ويل لك يا
كورزين ويل لك يا بيت صيدا لأنه لو صنعت في صور وصيدا القوات المصنوعة فيكما
لتابتا قديما جالستين في المسوح والرماد. ولكن صور وصيدا يكون لهما في الدين حالة
اكثر احتمالا مما لكما. وأنت يا كفرناحوم المرتفعة إلى السماء ستهبطين إلى
الهاوية. الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي
أرسلني.

كما
نفهم أن هذه الأيات فى إنجيل متى (20-24) بمقارنتها بنظيرتها فى إنجيل لوقا. قد
قالها السيد المسيح فى عقب إرسالية السبعين رسولاً. وملخص القول الذى يسمع منكم
يسمع منى
لو 16:10 ومن يرذلكم يرزلنى ويا ويل من يرذل رسل المسيح فهو
بهذا يرذله، أيضاً هو يرذل الآب السماوى. والذى يرذلنى يرذل الذى أرسلنى. ويل
لكِ يا كورزين ويلٌ لك يا بيت صيدا =
كورزين وبيت صيدا غرب بحر الجليل.
وكورزين مدينة فى الجليل بجوار بيت صيدا وكفر ناحوم. وبيت صيدا هى على بحيرة طبرية
أى فى الجليل. وبيت صيدا اى بيت صيد السمك. وصور وصيدا هما مدينتين
فينيقيتين وثنيتين على البحر المتوسط. والمعنى أن السيد المسيح بالرغم من عمله
معجزات كثيرة فى كورزين وبيت صيدا رفضوه فالويل لهم. ومما يحزن قلب الله جحود
أولاده بالرغم مماّ يقدمه لهم والسيد يقول أن هذه العطايا لو قدمت للغرباء لتابوا
وأكرموا الله. ويلٌ لكِ يا كورزين = إن الذى يعرف كثيراً ويخطئ يضرب أكثر.
لذلك فعقوبة سدوم أخف من عقوبة كورزين وبيت صيدا. ولنلاحظ أن سدوم رفضت ملاك الله
بينما أن كورزين رفضت الله نفسه.

لو
12:10 فى ذلك اليوم =
يوم خراب أورشليم أولاً ثم يوم الدينونة. ففى
حرب تيطس ضد أورشليم سنة 70م كانت كورزين وكفر ناحوم من المدن التى ضربت بشدة
وكانت الجثث تملأ الشوارع وليس من يدفن = وأنت يا كفر ناحوم.. ستهبطين إلى
الهاوية
آية (15) من هنا نفهم أن هناك درجات فى العذاب الأبدى، كما أن هناك
درجات فى المجد الأبدى (1كو 41:15) * هى مرتفعة إلى السماء = لأنها مبنية
على ربوة عالية

 

الآيات
(17-20): "فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال
لهم رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا
الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح
تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السماوات."

فرح الرسل إذ رأوا الشيطان ينهار أمام الإنسان
خلال كرازتهم بالملكوت، والسيد هنا يؤكد أن إنهيار الشيطان بالصليب. لكن ما يفرحنا
ليس إنهيار الشيطان أو صنع المعجزات بل في أن نتمتع بالملكوت السماوي خلال الحياة
الفاضلة التي ننالها بنعمة الله. بهذا تكتب أسماؤنا في ملكوت السموات، أما إخراج
الشياطين فهي موهبة قد يعطيها الله لشخص أو لا يعطيها. بل أن هناك أشرار حصلوا على
هذه الموهبة، ألم يتمتع يهوذا الإسخريوطي بهذه المواهب ثم هلك. ونلاحظ هنا أن
السيد المسيح أشفق على تلاميذه ورسله أن فرحة النجاح بالخدمة تنسيهم الإهتمام
بخلاص نفوسهم. فالفرح بالنجاح فيه شئ من عبادة النفس، لكن الفرح بالخلاص فيه عبادة
لله والشكر له.

الدرس المستفاد هنا أن لا نفرح بالمواهب، بل
بأن نتمتع بثمار الروح القدس فالموهبة لا تبرر صاحبها إن لم يتب ويحيا مع الله. رأيت
الشيطان ساقطاً=
لقد نال الشيطان سلطاناً على الإنسان خلال الإرتداد، هذا السلطان
قد فقدُه بالصليب، ولكن يكون للشيطان سلطان على كل من يترك المسيح ويرتد للخطية،
ثم يعود الشيطان ويفقد سلطانه على هذا الشخص إن رجع هذا الشخص بالتوبة إلى الله.
وقول السيد رأيت= جاءت بصيغة الماضي لأن هذا سيتم حتماً. فسقوط الشيطان
يعني سقوطه من مركز السيادة والقوة على الإنسان وهي رؤية تشمل ما بعد الصليب. البرق=
فإبليس كان مخلوقاً نورانياً، أضاء لحظة من الزمان، وبخطيته فقد نوره وإستحال
ظلاماً، فهو كان نوراً لفترة وجيزة ثم صار ظلاماً. والبرق لا ثبات له فهو ينير
للحظة ثم يأتي ظلام وهكذا إبليس. أما المسيح فيقال عنه أنه في نوره كالشمس
(رؤ16:1) أي نور ثابت، وهكذا الملائكة وهكذا نحن حين نكون في السماء (1يو2:3 +
في21:3).

والكنيسة المقدسة أخذت هذه الآية ووضعتها في
صلاة الشكر التي نصليها دائماً، فنحن نشكر الله الذي أعطانا السلطان أن ندوس كل
قوة العدو. ولكن للأسف فهناك بعض المؤمنين ذوي الإيمان المهتز والضعيف، مازالوا
يصدقون أن هناك حسد وأعمال.. الخ كيف والمسيح أعطى المؤمنين سلطان أن ندوس كل
هذا؟!

الحيات= مكر وخداع وإنقضاض وسم مميت والعقارب= شر مستتر مع سرعة إختفاء.

تهلل= سمعنا عدة مرات أن يسوع بكى. وهنا نسمع للمرة الوحيدة أنه تهلل. فهو لهذا
أتى ليخضع الشيطان تحت أقدام عبيده وهذا قد حدث. وقال أحمدك أيها الآب= هذا
حديث داخل الذات الإلهية مثلما يتحاور الإنسان مع نفسه داخل عقله. تهلل بالروح=
فهو ليس تهليل جسدي كما نتهلل بالملذات العالمية. بل هو تهليل روحي لخلاص
البشر.

 

(لو
21:10-24):-

وفي
تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت
هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال نعم أيها الآب لان هكذا صارت المسرة
أمامك. والتفت إلى تلاميذه وقال كل شيء قد دفع إلى من أبى وليس أحد يعرف من هو
الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له.والتفت إلى
تلاميذه على انفراد وقال طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه. لآني أقول لكم أن
أنبياء كثيرين وملوكا أرادوا أن ينظروا ما انتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما
انتم تسمعون ولم يسمعوا.

فى
ذلك الوقت=
نفهم من إنجيل لوقا أن السيد قال هذه الكلمات بعد ما رجع
الرسل السبعون وأخبروه بخضوع الشياطين لهم بإسمه. هذا ما جعل يسوع يتهلل
بالروح،
فهو أتى لهذا وهاهو يرى نجاح رسالته تهلل يسوع بالروح = هناك
من يتهلل بالجسد أى يفرح بملذات العالم ولكن يسوع يتهلل بالروح، فما يفرحه هو
الروحيات. وهنا نراه يتهلل أى يبتهج بنجاح الإنجيل، وخضوع الشياطين بإسمه لرسله.
ولم يذكر فى كل الإنجيل أن يسوع تهلل سوى فى هذا الموضع، فهو يتهلل فقط لأن الخطاة
فازوا بالخلاص.

أحمدك = ليست
بمعنى الشكر على إحسان، بل إعلان الرضا عن المشهورة الإلهية، وكأنه يقول لأبيه
حسناً فعلت إذ أعلنت الإنجيل لهؤلاء السبعين وحجبتها عن المتعجرفين، وحرفياً تعنى
أعترف لك. ومن المهم أن نقارن المناسبة التى قيلت فيها هذه الأيات فى كلا
الإنجيلين. فمتى يذكرها عقب تقسيم المؤمنين أو الناس عموماً إلى فئتين:- الأولى هم
من يبرون الله وهم الذين يفرحون بإحكام وحكمة الله والثانية هم من يرفضون مشورة
الله أمثال الفريسيين وكفر ناحوم وكورزين.. الخ. ومعنى كلام السيد المسيح هنا أن
حكمة الله تُعلن لمن يؤمن بالمسيح ويقبله ويبرر الله ويتصرف فى بساطة قلبه بإتضاع
= أعلنتها للأطفال. أما من يرفض مشورة الله، لأنه حكيم فى عينى نفسه يسلك
بلا تواضع فلن يفهم مشورة الله وحكمته ولن يفرح بها = أخفيت هذه عن الحكماء
والفهماء=
أى الحكماء فى أعين أنفسهم.

أماّ
فى إنجيل لوقا فلقد وردت هذه الأيات فى عقب نجاح إرسالية السبعين رسولاً وخضوع
الشياطين لهم، ومن هذا نفهم أن الشياطين لا تخضع سوى للمتضعين وليس للمتكبرين.

أخفيت
هذه=
حكمتك
ومشورتك وتدبيراتك فيما يخص الخلاص سواء على المستوى العام للناس كلها أو تدبير
الله للشخص نفسه.

الأطفال=
من
يقبل المسيا فى بساطة قلب ويحمل صليبه فى إتضاع، هو من يرتمى فى حضن أبيه، لا
ينتقم لنفسه بل يشكو لأبيه، إطمئنانه وقوته هو ابوه السماوى، يجد لذته فى حضنه،
هؤلاء يدخل بهم السيد إلى معرفته. لذلك إختار المسيح تلاميذه من البسطاء (1كو
18:3) الحكماء والفهماء= هؤلاء متثقلين بالأنا، فلا يقدرون أن يدخلوا طريق
المعرفة الإلهية الحقة. ولنلاحظ أن الله لم يقل أعلنتها للجهلاء والأغبياء، بل
للأطفال، فالأطفال هم البسطاء المتضعين، ولكنهم فى الحقيقة مملوئين حكمة وفهم،
هؤلاء يعطيهم الله. من يعترف أنه جاهل يعطيه الله حكمة وفهم قلب. وهذه هى مسرة
الآب أن يعطى حكمة للمتضعين كل شئ قد دُفع إلىّ من أبى = يقول هذا حتى لا
يظن التلاميذ أن كل سلطان المسيح هو فى إخراج الشياطين. وقول المسيح هنا يفيد
مساواته للآب فى الجوهر. وأنه صار وارثاً لكل شئ (عب 2:1). طبعاً وارثاً لكل شئ
بجسده، فكل مجد وكل سلطان صار لجسد المسيح هو لحساب كنيسته جسده (يو 22:17+ أف
30:5 + أف 12:4). ولكن لا يصح أن نقول أن المسيح بلاهوته صار وارثاً، فهو والآب
واحد فى الجوهر الإلهى.

ليس
أحد يعرف الإبن إلاّ الآب =
الإبن بطبيعته الإلهية غير المحدودة لا يعلمها
سوى الله غير المحدود. وبنفس المفهوم = ولا من هو الآب إلاّ الإبن فالآب
يعرف الإبن والإبن يعرف الآب خلال وحدة الجوهر، وهذه المعرفة غير متاحة
لمخلوق سواء ملاك أو إنسان.

ومن
أراد الإبن أن يعلن له =
لهذا تجسد المسيح حتى يعلن لنا الآب، فإذ
كان الله محتجب عن الإنسان، والإنسان غير قادر على الإقتراب منه، بل حين أراد الله
أن يظهر لبنى إسرائيل إرتعبوا مماّ حدث، وطلبوا من موسى أن لا يظهر لهم الله ثانية
حتى لا يموتوا، بل أن موسى نفسه إرتعب (عب 18:12-20 + تث 15:18-19). فكان تجسد
المسيح هو ليعلن الله الآب، ولهذا قال المسيح من رأى فقد رآنى الآب (يو 9:14).
فالمسيح حين أقام موتى كان يعلن إرادة الآب فى أن يعطينا حياة وحين فتح أعين عميان
كان يعلن إرادة الأب أن تكون لنا بصيرة روحية بها نراه وهكذا. وحين صُلبَ رأينا
محبة الله الذى بذل إبنه الوحيد عنا وحين تجسد وقبل الإهانة رأينا تواضعه العجيب.
إذاً جاء الإبن يحمل طبيعتنا لكى يدخل بنا إلى المعرفة الإلهية. حملنا فيه حتى
نقدر أن نعاين ما لا يُرى ونُدرك ما لا يُدرك. وليس هناك سوى طريق واحد لندرك به
الله ونتعرف عليه، وهذا الطريق هو الإتحاد بالإبن.

وكلمة
يعرف تعنى فى لغة الكتاب المقدس " الوحدة أو الإتحاد " فحين يقول "
عرف آدم حواء امرأته " (تك 1:4) فهذا يعنى أنهما صارا جسداً واحداً، أى إتحد
بها جسدياً وهذه المعرفة أو هذا الإتحاد يكون له ثمر. فلقد أنجبت قايين، لذلك يقول
" وعرف أدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين " وهكذا قيل هنا " ليس
أحد يعرف الإبن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن " لأنهما فى وحدة. هما
واحد.

وهذه
تساوى تماماً " أنا فى الآب والآب فىَّ " (يو 10:14) وتساوى " أنا
والآب واحد " (يو 30:10)

وبنفس
المفهوم حين يقول " لا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له
" فهذا يعنى أن المسيح يعطينا أن نتحد به. فالمعرفة تعنى أتحاد يعطى حياة،
فالمسيح يوحدنا فيه لنكون أحياء فهو الحياة.

ونفهم
هذا من قول بولس " وأوجد فيه… لأعرفه…" (فى 9:3-10) فالثبات فيه
والإتحاد به يعنى معرفته. وهذا معنى " وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت
الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته " (يو 3:17). والإتحاد به أشار
إليه المسيح فى صلاته الشفاعية (يو 21:17-26).

والاتحاد
به له شروط

1)
الإيمان به     2) المعمودية التي تعطي إستنارة 3) حلول الروح القدس الذي يشهد
للإبن وللآب 4) القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عب14:12) وهذه تحتاج لتوبة
مستمرة. ومن يحيا في طهارة يثبت في المسيح. 5) تكون لنا الأعمال الصالحة التي تمجد
إسم الله ومن يوفي هذه الشروط يريد الإبن أن يعلن له الآب= ومن أراد الإبن أن
يعلن لهُ.
فالإبن يود لو أعلن الآب للجميع. ولكنه لا يعلن الآب سوى لمن يستحق
بإيمانه العامل بمحبة، وبتمتعه بأسرار الكنيسة. تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين..=
هم المتعبين من الخطايا والمثقلين بحملها وأيضاً المتعبين من آلام العالم.
وهذه الآية تشير أن المسيح يريد أن يعلن الآب للكل. ولكن خطايانا تمنعنا من هذا.
والحل هو أيضاً أن نلجأ للمسيح ليحمل عنا خطايانا ويريحنا من أتعابنا. ومن يقبل
للمسيح طالباً غفران خطاياه، فمثل هذا يريد المسيح أن يعلن له الآب. فأريحكم= هي
ليست وعد بان يزيل المسيح الآلام بل يعطي الراحة خلالها.

ولاحظ
أن الخطية هي حمل ثقيل. وحين يغفر المسيح يرفع هذا الحمل فيبطل وخز الضمير، ونكتشف
محبة الآب وحنوه من نحونا. وسنشتاق لمحبة الآب بالأكثر فنقول للإبن عن الآب مع
عروس النشيد "ليقبلني بقبلات فمه" (نش2:1) أي ليعلن لي محبته أكثر
فأكثر.

 

(لو10 : 23-24):-

طوبى
للعيون التي تنظر ما تنظرونه=
هؤلاء التلاميذ الذين عاشوا بإتضاع ورأوا المسيح
وعرفوه فعرفوا الآب ومحبته هم أفضل من قديسي العهد القديم الذين آمنوا بالمسيح
وتنبأوا عنه لكنهم لم يروه، هم عاشوا في الظلال ولكن التلاميذ رأوا المسيح حقيقة.
ولا نقصد بالرؤية رؤية جسدية فالفريسيين رأوه ولم يؤمنوا به ولا قبلوه. أمّا رؤية
التلاميذ فكانت رؤية حقيقية إذ عرفوا المسيح وآمنوا به. والسبب كبرياء الفريسيين
وبساطة التلاميذ لذلك قال المسيح في (مت29:11) تعلموا مني فإني وديع ومتواضع. وهذه
الآية هي التي نصليها دائماً في أوشية الإنجيل، فالآن نحن بالإنجيل نرى ونسمع
المسيح الذي إشتهى أباء العهد القديم أن يروه ويسمعوه فلم يروا ولم يسمعوا. فإننا
كلما نسمع كلمات الإنجيل نتأمل شخص المسيح فنعرفه، فالكتاب المقدس هو كلمة الله
المكتوبة التي تكشف المسيح كلمة الله. قارن أيضاً أوشية الإنجيل بالآية (مت17:13).

 

الآيات (25-29): "وإذا ناموسي قام يجربه قائلاً يا
معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرأ.
فأجاب وقال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك
مثل نفسك. فقال له بالصواب أجبت إفعل هذا فتحيا. وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه
قال ليسوع ومن هو قريبي؟"

الناموسيون يتخصصون في ناموس موسى أي كتب موسى
الخمسة، أمّا الكتبة فيهتمون بالكتاب كله. وهذا الناموسي في أدب مصطنع= قام ليس
إحتراماً إنما بخبث لكي يجربه= فهو تصوًّر أن المسيح سيهاجم الناموس وبهذا
يوقعه. ولاحظ أن هذا عمل الشياطين، فهم يجربون الإنسان ليوقعوه في فخ.

كيف تقرأ= لو كان هذا الناموسي يقرأ بروح الصلاة لطلب فهم كلمات الله، لكان الروح
القدس قد أرشده لإحتياجه للمسيح الذي تنبأت عنه النبوات. لكن هذا الناموسي كان
يقرأ ليزداد معرفة فينتفخ على الناس. ونحن كيف نقرأ؟ هل للمعلومات فقط، أم لمعرفة
المسيح الذي يشفي طبيعتنا. إفعل هذا فتحيا= في سؤال مماثل، حينما سألوا
المسيح "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله.. أجاب يسوع.. أن تؤمنوا بالذي أرسله
(يو28:6،29) وبهذا نفهم أن المسيح لن يعلن وصايا جديدة، هو لم يأتي ليعلن وصايا
جديدة، بل إذ رأى الإنسان عاجزاً عن تنفيذ وصايا الناموس أتى المسيح ليعطينا طبيعة
جديدة بها نحفظ الناموس، ولكن هذا لمن يؤمن أولاً. وبدونه لا نقدر أن نفعل شئ
(يو5:15+ رو3:8،4). وكأن قول المسيح للناموسي يعني.. إن كنت تستطيع بدوني أن تنفذ
الناموس فنفذه، ولكنك لن تقدر أن تنفذه وحدك، وها أنت تحيا كناموسي ولكنك بسؤالك
تكشف فشلك في أن تعرف طريق الحياة الأبدية الذي هو أنا. ولقد عبر التلاميذ صراحة
عن صعوبة حفظ وصايا الناموس (أع10:15). والناموسي سأل سؤال آخر ليبرر نفسه= إذ
أن إجابة المسيح أحرجته أمام الناس، إذا أظهرته أمامهم غير عارف بالناموس، فكيف
وهو ناموسي معلم للناموس يسأل سؤالاً بسيطاً واضحاً كهذا، وهل هو لا يحفظ الوصايا.
ولاحظ رقة المسيح في إجابته إذ يعرف أن هذا الناموسي يجربه، لكنه يشجعه قائلاً بالصواب
أجبت
لعله يجذبه للإيمان. تحب الرب إلهك من قلبك= القلب هو مركز الشعور
والقرار والعواطف والكيان. لذلك حينما يطلب الله "يا ابني إعطنى قلبك"
المقصود أن تكون لله بالكلية، لا ينقسم قلبك بين الله والعالم. ومن كل نفسك= النفس
هي مركز العواطف (كالحزن والقلق والفرح..) والغرائز كالشهوات. والإنسان الجسداني
يشتهي الجسدانيات أمّا الروحاني فهو يشتهي الحياة مع الله "إلى إسمك وإلى
ذكرك شهوة النفس. بنفسي إشتهيتك في الليل" (إش8:26،9). وبولس الرسول يقول
"لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح". فالقلب الذي إتخذ قراراً بإختيار
الله يفرح بالله ويتذوق الله، وهنا تبدأ النفس تشتهي لذة العشرة مع الله.

ومن كل قدرتك= القدرة هي الإرادة للعمل، فنحن نجد شهوات في النفس لتتلذذ بالله، ولكن قد
يكون الجسد بلا همة، ومتكاسلاً عن الصلاة وعن حياة التسبيح. هنا المطلوب التغصب أي
الجهاد لنتلذذ بالله ومن كل فكرك= يا ترى ماذا يشغل الفكر؟ هل نهتم
بالماديات والغنى أو بهموم هذا العالم، أم نلهج في كلمات الله ومن يفعل يفرح بالله
(مز111:119،148،97،103). وكانت هذه وصية الله لشعبه (تث6:6-9).

والسؤال هل كان شعب العهد القديم قادراً على
هذا؟ بلاشك كان هناك إستثناءات مثل داود المملوء من الروح القدس. ولكن الشعب
العادي ما كان قادراً على هذا الحب لله. فالمحبة هي ثمرة من ثمار الروح القدس
(غل22:5) وهذه هي عطية العهد الجديد لكل مُعَمَّدْ ممسوح بالميرون. والروح هو الذي
يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). من هو قريبي= هو السؤال الذي يبرر به
هذا الناموسي جهله بالناموس ولكن السيد إستغل السؤال بمثل السامري الصالح.

 

الآيات (30-37): "فأجاب يسوع وقال إنسان كان نازلاً
من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت. فعرض
أن كاهناً نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاوي أيضاً إذ صار عند
المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامرياً مسافراً جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم
وضمد جراحاته وصب عليها زيتاً وخمراً واركبه على دابته وآتى به إلى فندق واعتنى به.
وفي الغد لما مضى اخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما أنفقت
اكثر فعند رجوعي أوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريباً للذي وقع بين اللصوص.
فقال الذي صنع معه الرحمة فقال له يسوع اذهب أنت أيضاً واصنع هكذا"

المعنى الأساسي للمثل هو أن قريبي هو كل إنسان
يحتاج لمعونة، حتى لو كانت هناك عداوة بيني وبينه. ولاحظ أن كل خدمة نقدمها هي
محسوبة لنا، فالله لا ينسى من يقدم كأس ماء. ولاحظ أن ليس هناك ما يسمى الصدفة في
أن يجد الكاهن واللاوي والسامري هذا الإنسان الجريح. فالصدف في حياتنا الأرضية
إنما هي توفيقات السماء. وقد خسر الكاهن واللاوي هذه الفرصة التي من السماء ليقوما
بهذه الخدمة، وكسبها هذا السامري الصالح. ولكن القصة لها معنى رمزي:

إنسان= هو رمز لآدم وللبشرية كلها.

نازلاً من أورشليم= بسبب الخطية نزل آدم من أورشليم أي الجنة أو الفردوس الذي
أعده له الله، وأورشليم تعني سلام الله ورؤيته. هي مكان السلام مع الله والحياة مع
الله.

إلى أريحا= ترمز لأرض الشقاء الذي نزل إليها آدم. فأريحا مدينة اللعنة (يش26:6) وترمز
للأرض الملعونة بسبب الخطية (تك17:3). هي مكان يمثل العالم وشهواته.

لصوص= هم القوى العدوانية ضد الإنسان أي إبليس وجنوده وإغراءاته. وإبليس دائماً
يترقب أي نفس تخرج خارجاً عن أسوار أورشليم (أي الكنيسة فيهاجمها إذ هي بلا حماية،
إبليس لص يريد أن يسرق أولاد الله.

فعروه= نزع الفضائل عن الإنسان وفضحه. وجعله بلا طهارة ولا كرامة ولا حكمة. أي فقد
صورته الإلهية.

جرحوه= هي أثار الخطايا المدمرة للإنسان روحياً ونفسياً وجسدياً.

الطريق من
أورشليم إلى أريحا هو طريق مملوء بالصخور ويختبئ اللصوص فيه (18ميلاً) ويمر
بصحراء، حتى أنه لقب بالطريق الدموي. وأريحا تقع في وادٍ لذلك فهي منخفضة عن
أورشليم (بحوالي 1000متر). وكان يقيم فيها 12.000كاهن ولاوي من خدام الهيكل.

بين حي وميت= هو حي جسدياً ولكن لفترة قصيرة سيموت بعدها حتماً. وحتى في خلال هذه الفترة
فهو ميت روحياً بسبب الخطية لإنفصاله عن الله. فكل من ينفصل عن الله يموت.

الكاهن واللاوي= الكاهن رمز للناموس واللاوي رمز للنبوات وكلاهما عجزاً أن يعطيا شفاء وحياة
للبشرية، هما شخَّصا الداء فقط، لكن لا يمكنهما أن يضمدا جراحات البشرية، ولا
يمكنهما أن يعطونا طبيعة جديدة، أو يعيدوننا للطبيعة الأصلية التي على صورة الله.

جازا مقابله= هما وقفا أمام الإنسان الجريح ولكنهما كانا عاجزين عن شفائه، والمعنى أنهما
كانا مرحلة من المراحل التي جاز فيها الإنسان في إنتظار أن يأتي المسيح.. السامري
الصالح.

سامرياً مسافراً= المسيح كان في الأرض لمدة مؤقتة، ولكنه من السماء وسيعود
للسماء، فكأنه كان مسافراً غريباً. والإنسان الذي سقط وجُرِحَ كان أيضاً مسافراً
من أورشليم. فأولاد الله أيضاً هم غرباء عن هذا العالم، وسيعودون لأورشليم
السماوية. وكلمة سامري تعني حارس فهي رمز للمسيح الذي أشفق على البشرية.

الخمر والزيت= الخمر بما فيها من كحول تستخدم لقتل الميكروبات والزيت يعزل الجرح عن الجو
الملوث، يعمل كفاصل ويلين الجروح. والخمر رمز للدم والزيت رمز للروح القدس. وعمل
المعمودية هو قتل الخطية كما يقتل الخمر الميكروبات. والروح القدس في سر الميرون
يعطي نعمة وقوة لنا حتى ننعزل عن هذا العالم فلا نهلك، ويكون هذا بأن يعطينا طبيعة
جديدة رافضة للخطية، وتمنعنا من أن نخطئ بعد ذلك. إذاً هناك قتل للخطية وهذا إشارة
لغفرانها، وهناك قوة تحفظنا من السقوط (رو14:6). والخمر مؤلم للجرح والزيت ملطف
له. وهكذا الروح القدس يعالجنا ببعض من إحسانات الله وأيضاً ببعض التجارب.

أركبه على دابته= الدابة هي جسدنا، فالدابة تشير للشهوة الجسدية وحقيقة فإن
المسيح بدمه أو خمره وبروحه أو زيته شفى طبيعتنا ولكننا مازلنا في الجسد نعاني من
شهواته (غل17:5). لكن لنا سلطان عليها بنعمة المسيح.

فندق= هو الكنيسة التي تستقبل الناس وتشفيهم بالمسيح الذي فيها لذلك قال= وإعتني
به.

ترك دينارين= رقم 2 يشير للتجسد فهو الذي جعل الاثنين واحداًَ والمسيح أعطانا جسده نتحد
به، وهذا سر حياة الكنيسة. وترك لنا المسيح الكتاب المقدس بعهديه (2) نتغذى بهما،
وبهما نتعرف عليه.

صاحب الفندق= هو إشارة للكهنوت وللخدام في كل كنيسة ووظيفتهم إستقبال المؤمنين فيها وأن
يعطمونهم بكلمة الله ليشفوا.

فعند رجوعي= فالمسيح سيأتي ثانية في مجيئه الثاني.

أوفيك= على الخادم أن يعمل في خدمة أولاد الله والمسيح سيجازيه.

إذهب أنت أيضاً وإفعل هكذا= أي تشبه أيها الناموسي بهذا السامري في العمل بمقتضى شريعة
الحب. ولكن لاحظ إجابة الناموسي فهو تحاشى أن يقول السامري بل قال الذي صنع معه
الرحمة.
فاليهود لا يحتملون التعايش مع السامريين وهم لم يحتملوا المسيح
ورفضوه وقالوا عنه أنه سامري وهذه عند اليهود هي نوع من السباب (يو48:8). ولكن مثل
السامري الصالح يشير لمحبة الناس جميعاً بدون تمييز، لكن هذا الناموسي لم يفهمه.

 

الآيات (38-42): "وفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته
امرأة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه أخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع
وكانت تسمع كلامه. وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة فوقفت وقالت يا رب أما
تبالي بأن أختي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها أن تعينني. فأجاب يسوع وقال لها مرثا
مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد فاختارت مريم
النصيب الصالح الذي لن ينزع منها"

في الآيات السابقة شبَّه المسيح نفسه بالسامري
المرفوض. وهنا صورة عكسية= فقبلته امرأة فمريم جلست عند قدميه، ومرثا
خدمته. فهناك من يرفضونه. لكن هناك من يحبونه.

مثل السامري الصالح يشير للخدمة والعطاء في
محبة، وقصة مريم التي جلست عند قدمي المسيح تكمل الصورة، فنحن لن نستطيع أن نخدم
في محبة متشبهين بالسامري الصالح ما لم تكن لنا هذه الجلسة الهادئة والخلوة
اليومية مع المسيح، نشبع به ونتشبه به فنستطيع أن نقوم بخدمتنا كسامريين صالحين
نشبه مسيحنا السامري الصالح.

المسيح في إجابته على مرثا المرتبكة لم يقل
لها "إمتنعي عن العمل" وإلاّ لما الناس جوعاً، وهلك المخدومين من عدم
الخدمة، لكن المسيح يشرح لها أننا نحتاج بالدرجة الأولى إلى الجلوس عند قدميه نشبع
به ونعرفه فنمتلئ سلامً ويزول إرتباكنا فالواحد الذي نحتاجه هو المسيح، أمّا باقي
الأشياء فهي فانية وسوف تنتهي بإنتهاء الجسد (الأكل والشرب..) فعلينا أن لا نرتبك
بسببها كما إرتبكت مرثا، ونسيت أن تجلس عند قدمي المسيح. للأسف هذا حال الكثيرين
في هذه الأيام، فهم مرتبكين بأمور هذه الحياة، لا يذهبون لكنيسة إلاّ فيما ندر، لا
وقت لديهم للصلاة ولا للكتاب المقدس. بل هذا حال كثير من الخدام، كل وقتهم في
الخدمة، دون خلوة فردية يشبعون بها من المسيح، ولكن بهذا تتحول الخدمة إلى
اجتماعيات.

والمسيح لم يَلُمْ مرثا على خدمتها بل
لإرتباكها في أمور كثيرة تاركة كلمة الحياة الأبدية، إذاً هو ينبه على أهمية
الشعور بالحاجة لكلمة الحياة الأبدية= الحاجة إلى واحد أي إلى شخص المسيح
ومعرفته، وليس الاهتمام الزائد بالجسديات وفي نفس الوقت فعلي الخادم أن يعرف أنه
لا يكفي أن يجلس يتأمل ويدرس ويصلي، ويهمل خدمته. ما يريده المسيح هو التعقل. لا
نترك هذا ولا نهمل ذاك. المسيح يريدنا أن تكون لنا خلوتنا ولكن ليس على حساب
الخدمة، ويكون لنا خدمتنا ولكن ليس على حساب خلوتنا. أي المطلوب التوازن.

في آية (38): سائرون= ذاهبون إلى
أورشليم. قرية= هي بيت عنيا وهي بالقرب من أروشليم. في بيتها= هي
بيت لعازر ومريم ومرثا.

وفي آية (42): لن ينزع منها= فمحبة
المسيح تدوم وتثبت في قلب الإنسان، هنا على الأرض وهناك في السماء. أما الأطعمة أو
الجسدانيات أو الماديات عموماً فهي إلى زوال، إما نتركها ونمضي بالموت أو تزول هي
عنا.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مخدع مخادع ع

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي