الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

(يو1:1-18)
المسيح الأزلي صار جسداً

آية
(1): "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله."

هذه
الآية تحمل طابع الإملاء الإلهي وليست من وضع بشر (ذهبي الفم/ أغسطينوس) وهذه
الآية من 3 مقاطع يتكرر فيها اسم الكلمة وفعل كان الدال على الكينونة وليس على
الزمن. والثلاث مقاطع في هذه الآية تحدثنا عن الابن الكلمة في أزليته وبمقارنتها
بالآية (14) والكلمة صار جسداً وحل بيننا نجد مقابل لكل مقطع من المقاطع الثلاث
ولكنها تشير لتجسده

*
في البدء كان الكلمة


والكلمة كان عند الله

#
وكان الكلمة الله

=
كينونة أزلية دائمة

البدء
يشير للأزل

كان
= تشير للكينونة

=
الكلمة حالُُ في الله لكن في تمايز. كل له عمله وشخصيته لكنهم واحد

=
جوهر واحد مع الله أي في طبيعة الله.

*
صار


حل بيننا

#
صار جسداً

=
أي دخل الزمن في ملء الزمان

=
حل وسط الناس

=
صار في طبيعة الإنسان دون أن يترك طبيعته الإلهية.

هذه
الآية تشير لأن المسيح هو الله وهو موجود منذ الأزل ولا ينفرد بوجوده من دون الله،
بل هو كائن في الله ، كما يوجد العقل في الإنسان، وكما توجد الكلمة في عقل
الإنسان. إذن هو ليس مخلوقاً. ولذلك حين ظهرت الكلمة إلى الوجود (أو ظهر الكلمة
إلى الوجود بالتجسد) كان المسيح يستعلن الله لنا.

في
البدء=
الديباجة
التي بدأ بها يوحنا إنجيله تذكرنا بديباجة سفر التكوين فبينهما أوجه تشابه وأوجه
تباين.

ومن
أوجه التشابه أن الديباجتين تبدآن بكلمة واحدة "في البدء" وفي العدد
الثالث من كل منهما تتجلى لنا علة الخلق "قال الله" (تك3:1). كل شئ به
كان (أي بالكلمة) (يو3:1) وقال الله أي قال بكلمته الذي خلق كل شئ. وفي (تك2:1،3)
نسمع عن الحياة والنور وهكذا في (يو4:1)

وأما
عن أوجه التبادين فإن موسى ويوحنا التقيا معاً عند كلمة في البدء ثم إنحدر موسى
متمشياً مع التاريخ حتى حدثنا عن المخلوقات. وإرتقى يوحنا صاعداً حتى أرانا من هو
علة الخلق. مثلهما مثل شخصين التقيا عند نقطة في نهر، ثم إنفصلا. فمضى أولهما
متتبعاً مجرى النهر حتى بلغ مصبه وارتقى ثانيهما إلى أعالي النهر حتى اكتشف منبعه.

لذلك
فهم البعض أن كل منهما، موسى ويوحنا، قصد شيئاً مختلفاً بكلمة "في
البدء" فالبدء في مفهوم موسى هو بدء الخليقة ولكن البدء عند يوحنا هو البدء
المطلق الذي عنده يتوقف فكر الإنسان، هو البدء السابق للزمن قبل كون العالم
(يو5:17،24) في البدء هنا هو الأزل أي الذي لا بداية له وباليونانية أرشي أي ما
قبل الزمن. ففي بدء أي بداية لأي شئ ولأي زمن كان المسيح كائن. البدء في إنجيل
يوحنا هو ما قبل الخلق وما قبل الزمن، وليس قبل الخلق إلا الله أما البدء في سفر
التكوين فهو بدء الزمن. وبداية إنجيل يوحنا تتشابه مع بداية سفر التكوين، لأن سفر
التكوين يتحدث عن الخليقة الأولى، وإنجيل يوحنا يتكلم عن الخليقة الجديدة. والمسيح
هو بدء الخليقة الجديدة. فالعهد القديم يبدأ بالخليقة الجسدية، والعهد الجديد يبدأ
بالتجسد والخليقة الجديدة. العهد القديم يقدم صورة العالم المادي والعهد الجديد
يقدم ما سوف يصير إليه العالم الروحي من سماء جديدة وأرض جديدة حيث تعمل النعمة في
الطبيعة البشرية. لذلك لم يقل يوحنا في البدء كان الله، لأنه يقصد الحديث عن
الكلمة الذي بتجسده صار الخلاص والخليقة الجديدة. من هذا البدء ارتفع يوحنا بجناحي
النسر، فرأى المسيح موضوع بشارته ورآه في أزليته في حضن أبيه، أما متى ولوقا
اللذان رجعا بتاريخ المسيح لآدم وإبراهيم ليثبتوا أن ابن الله صار إبناً للإنسان
وتجسد ليرفع الإنسان فيصير ابناً لله. لذلك ينهي لوقا سلسلة نسب المسيح بقوله ابن
آدم ابن الله. وفي سفر التكوين حين قال موسى في البدء فهو لا يعنى زمناً معيناً،
إذ لم يكن الزمن قد أوجد بعد، فلم تكن الكواكب والشمس قد تكونت بنظمها الدقيقة.
لكنه يعني أن العالم المادي له بداية وليس كما إدعى بعض الفلاسفة أنه أزلي، يشارك
الله أزليته. ولكن تعبير في البدء هنا يعني حركة أولى لا كماً زمنياً وذلك كالقول
"بدء الحكمة مخافة الله" (أم10:9         )

ويأخذ
كثير من الآباء بجانب هذا التفسير الحرفي أو التاريخي، التفسير الرمزي والروحي
فيرون أن "في البدء" = في المسيح يسوع أو "في كلمة الله
الأزلي" وتصير الآية (تك1:1) "في المسيح يسوع كلمة الله خلق الله
السموات والأرض". وأغسطينوس يقول أن الابن نفسه هو البدء. فعندما سأله اليهود
من أنت أجابهم أنا من البدء أو أنا هو من البدء (يو24:8،25) فالمسيح هو بكر
كل خليقة أو هو خالق كل شئ وبهذا يتفق يوحنا وموسى في أن المسيح هو الذي "في
البدء" وأنه خالق كل شئ. وهذا التفسير الروحي الرمزي يرى البدء أنها لا تحمل
معنى زمني بل معنى العلة. وبنفس المفهوم بدأ يوحنا رسالته بقوله الذي كان من
البدء= (الكلمة- الأزلي) الذي سمعناه.. .. = (تجسد).

ونلاحظ
أن اسم الأسفار المقدسة بالعبرية هو أول كلمة في السفر. لذلك يسمى اليهود سفر
التكوين "في البدء" وحينما تُرجم إلى اليونانية اسموه التكوين
GENESIS. وهنا نلاحظ أن الاسمين لهما إشارة للمسيح. الاسم العبري لسفر
التكوين أي في البدء يشير للمسيح الابن الكلمة الأزلى. والاسم اليوناني للسفر وهو
التكوين
GENESIS يشير للمسيح الذي تجسد وصار ابناً للإنسان. ولذلك فإنجيل متى الذي
بدأ بقوله كتاب ميلاد وبالإنجليزية
THE
BOOK OF THE GENERATION OF JESUS CHRIST 
 وكلمة GENERATION هي من نفس أصل كلمة GENESIS.

وإثبات
لاهوت المسيح اهتم به يوحنا وإثبات تجسد المسيح اهتم به متى.

كان=
حينما
سأل موسى الله عن اسمه، قال الله ان اسمه "أهية الذي أهية" أي أكون الذي
أكون، أي أنا الكائن بذاتي أو أنا الكينونة وبهذا نرى أن كان تشير لكيان
المسيح الإلهي القائم منذ الأزل. ولغوياً كان المفروض أن يقال في البدء كانت
الكلمة، ولكن الترجمة هنا جاءت من "في البدء كان اللوجوس (عقل الله) واللوغوس
مذكر. هو الكلمة مشخصاً، فالكلمة هنا لا تعني اللفظ بل هو شخص. والمسيح سُمِّي
الكلمة لأن به وفيه تكلم الله غير المنظور (عب1:1،2) فاللوغوس هو العقل الإلهي
ظاهراً في الوجود، فقبل الكلمة أي اللفظ يوجد العقل أو الفكر الذي يلد الكلمة.

ونلاحظ
في (56:8-58) أن المسيح يقول عن نفسه "أنا كائن" فهو ليس فقط موجود قبل
إبراهيم بل هو كائن. فالمقارنة هنا بين المسيح وبين إبراهيم هي مقارنة بين الخالق
والمخلوق، بين الأزلى والزمنى لذلك لم يقل المسيح أنا كنت قبل إبراهيم بل كائن قبل
إبراهيم.

الكلمة=
كما
رأينا فالكلمة أي اللوغوس (هكذا هي الآية في الأصل اليوناني في البدء كان اللوغوس)
لها أصول يهودية ويونانية فهي كلمة معروفة تشير للعقل الإلهي. ولكن أيضاً نلاحظ في
(مز6:33) قول المرتل بكلمة الرب صنعت السموات.." فتعبير الكلمة الخالقة ليس
جديداً على اليهود ولا على اليونانيين. فاللوجوس يشير للفكر. والكلمة هي تعبير عن
الفكر. وكان العبرانيون يعبرون عن الفكر بأنه الكلام في القلب والباطن. والعرب
يقولون "من بنات أفكاره" وفي (رؤ12:19،13) نسمع فيها أن اسم المسيح هو
كلمة الله وأن ثوبه مغموس بدم وهذه علامة أبدية لإنهزام وقهر العدو إبليس
(رؤ11:12). ولكن نلاحظ أن الاسم كلمة الله يشير لحالة خروج من الله وإرسال للإعلان
عن مشيئة الله وتتميمها، فالاسم كلمة الله هو اسم المسيح بعد أن إضطلع بالعمل
والرسالة. أما اسم الكلمة فقط كما جاء في هذه الآية فهو يعبر عما قبل الخروج
والإرسال والإعلان عن الله. هو اسمه الذاتي وليس صفة عمل. ولذلك فحينما أُرْسِلَ الكلمة
ليعلن الله ومشيئته قال الكتاب الابن الوحيد .. هو خَبَّر (يو18:1).

وكثير
من الآيات في إنجيل يوحنا أتت بلفظة لوغوس وترجمتها الترجمة العربية
"كلامي" مثل (24:5+ 3:15+ 51:8،31،32+ 24:14+ 14:17). ويصير المعنى ليس
كلاماً عادياً. فإذا كان اللوغوس هو المسيح كلمة الله، فمن يقبل اللوغوس (كلامي)
يقبل المسيح فتكون له حياة أبدية. ومن يثبت في اللوجوس (كلامي) يثبت في المسيح يو
(7:15). لذلك قال المسيح عن نفسه أنا هو الحق (يو6:14) وقال كلامك حق (17:17)
ونلاحظ في آية (43:8) أن هناك فرقاً واضحاً بين الكلام العادي واللوغوس (الكلمة)

"لماذا
لا تفهمون كلامي. لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي"

"لماذا
لا تفهمون (كلامي العادي). لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا اللوغوس (أي تقبلوني)

والمعنى
أنتم لا تفهمون كلامي لأنكم لا تقبلونني. والمترجم للعربية استخدم هنا كلمة (قولي)
لأن لوغوس بالعبرية هي قول.

ونلاحظ
أن الكتاب المقدس هو كلمة الله والمسيح هو كلمة الله وهذا كما فسره الآباء أن من
يتأمل في الكتاب المقدس يكتشف شخص المسيح كلمة الله ،فالمسيح هو الحق المخفي في
كلامه وفي الكتاب المقدس كلمة الله، هو ينطق بين السطور كومضات نور أو دفقات حياة
تنطلق بلا توقف، فالمسيح لا يعطي كلام يصلح للحياة، بل هو يعطي الحياة، فكلامه روح
وحياة.

والكلمة
كان عند الله=
كلمة عند باليونانية (بروس) وتترجم أيضاً مع. وتشير لعلاقة
متصلة كما في (يو19:5) فهناك اتصال دائم فعال وشركة كاملة مع الله الآب وأيضاً نرى
في (1يو2:1) نرى الحياة عند الآب بمعنى الاتصال وكذلك في (يو24:17) فالمسيح كائن
في الآب متصل به له ملء حياة الله وله المجد معه. ولكن قوله عند الله تفيد أيضاً
تمايز الأقانيم فالآب ليس هو الابن والابن ليس هو الآب. وقوله عند الله تفيد أيضاً
أزلية المسيح فالآب لم يكن أبداً بدون الكلمة (العقل) ولم يكن أيضاً بدون قوة.
فالكلمة هو قوة الله التي كانت مستعدة دائماً أن تخلق. إذاً كلمة عند تفهم عن أن
الابن شريك للآب أزلياً بدون إنفصال.

وكان
الكلمة الله=
قوله وكان الكلمة عند الله تفيد التمايز بين الأقانيم وقوله
وكان الكلمة الله تشير للوحدانية الإلهية. وفكرة ألوهية المسيا المخلص لم تكن
غائبة عن أذهان من يقرأ العهد القديم بفكر وقلب مفتوح (هو7:1+ أر6:23). ونلاحظ في
الآية السابقة وكان الكلمة عند الله أن الكلمة والله جاءتا في اليونانية معرفتين
بألـ توضيحاً أن لكل منهما وجوده الشخصي. والعكس في هذه الآية فالله جاءت بدون
أداة التعريف ألـ وهذا يشير إلى:

1-    أن
طبيعة جوهر الكلمة هي طبيعة إلهية.

2-  لو
ذُكِرَ هنا الله مُعَّرف بألـ يصبح لا تمايز بين الأقانيم، أي يكون الله هو الكلمة
وبالتالي لا فرق بين الآب والابن. وهذه بدعة سابيليوس الذي قال أنها مجرد أسماء وقال
أن الله كان فترة آب ولما نزل للأرض صار ابن ولما صعد صار معنا باسم روح قدس.
والمعنى أن الكلمة اللوغوس ليس بمفرده الذات الكلية لله، ولكن الله والكلمة (طبعاً
والروح القدس) هو الله.

مقارنة
بين كلمة الله وكلمة الإنسان

الكلمة
في الإنسان تُصوِّر شخصية الإنسان تصويراً جزئياً، وقد تخطئ فتبقى كلمة الإنسان
شيئاً ويبقى الإنسان شيئاً أخر.

أما
كلمة الله فهو صورة كاملة لله كمالاً مطلقاً، هناك تطابق بين الله وكلمته وهناك
تساوي ووحدة، ولا توجد ثنائية قط.

ولذلك
فهناك تطابق بين إرادة الله وفعل كلمته، فالكلمة يقول ويعمل بحسب مشيئة الله
بالتمام والكمال (يو49:12،50). ونفس الكلام يقال عن الأعمال التي عملها المسيح
(يو19:5+10:14)

إذاً
كلمة الله، اللوغوس، يحمل طبيعة الله ويُعبِّر عن ذاته تعبيراً كلياً مطلقاً
وولادة الكلمة من الله هي ولادة مستمرة أزلية أبدية، ومع هذا يظل قائماً في الله
يمثل الحضرة الإلهية بكل طبيعتها وقوتها وجلالها. وهذا نفسه ما حدث بعد أن تجسد إذ
هو دائماً يحمل اسم الله وسلطانه كذات الله "من رآنى فقد رأى الآب"

"أنا
في الآب والآب فيّ" راجع (يو20:5-23+ 44:12،45+ 30:10+ 9:14)

في
هذه الآية رأينا:

1)    
متى
كان المسيح .. .. .. منذ الأزل/ لا بداية له/ هو بداية كل خليقة.

2)    
أين
كان .. . . .. .. .. .هو عند الله.

3)    
من
هو .. .. .. .. .. .. هو الله/ هو عقل الله (اللوجوس).

أية
(2): "هذا كان في البدء عند الله."

هذا=
أي
الكلمة. وهنا نلاحظ أن التكرار مقصود لتأكيد أن الكلمة أزلي وأنه من جوهر الله
وطبيعته وأنه قبل أن يكون خليقة فهو عند الله، فهو قوة الله وحكمة الله اللتان خلق
بهما العالم. والله لم يكن قط بدون قوته ولا بدون حكمته. ولكن التكرار له هدف ثانٍ
خاصة إذا نظرنا للآية التالية "كل شئ به كان" والتي نرى فيها الكلمة
خالقاً. وبذلك تصير آية (2) لها مفهوم آخر، وهو أن الكلمة الذي كان منذ الأزل عند
الله (آية1) بدأ في عملية الخلق وبدء أن يكون هناك زمن وهناك خليقة. أزلياً الآب
يحب الابن الذي عنده والآن هذا الحب أمتد للعالم فبدأت الخليقة زمنياً علامة الحب
الإلهي للخليقة.

أية
(3): "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان."

الكلمة
هو خالق كل شئ ما يرى وما لا يرى، في السماء وعلى الأرض (أف9:3) والخليقة أخذت
كيانها منه ووجودها منه، ولا توجد خليقة تتخذ لها وجوداً بدونه، فالكلمة أزلى ولكن
الخليقة أخذت مبدأها الزمني منه، وهي مرتبطة به تأخذ كيانها منه. وكلمة كان في هذه
الآية تختلف عن كان في آية (1). ففي آية (1) تعنى الكينونة ولكنها هنا تعني صار
الشيء
become.

به
كان=
الأصل
اليوناني يفيد به صار الشيء وظهر بحسب تدبير العناية الإلهية. وبه في
الإنجليزية
Through him وهذه أدق من
صار أو كان في العربية فالكلمة بعد أن خلق، ظل حافظاً ومقيماً وماسكاً ومدبِّراً
للخلق. كنا في عقل الله أولاً ثم صرنا خليقة "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا
شيئاً" (يو5:15) لذلك هو ضابط الكل "به نحيا ونتحرك ونوجد" أما من
ينفصل عنه فيقال له "لك اسم أنك حي وأنت ميت" (رؤ1:3)

وبغيره
لم يكن شيئاً مما كان=
بدونه لا يصير لها وجود وكيان. فهو يخلق أولاً
ثم يحفظ، فهو ضابط الكل. وإذا كان الكلمة هو الذي يخلق ويحفظ ويضبط العالم فهو ليس
أقل من الله، بل هو الله نفسه. راجع (عب2:1،3+ أع28:17+ رو19:1،20+ كو16:1،17+
مت29:10-31+ لو6:21+ أم23:8-31)

أية
(4): "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس."

فيه
كانت الحياة=
الكلمة فيه الحياة كإحدى خصائص الجوهر الإلهي الأزلى
(يو26:5). وهي حياة أزلية أبدية، وهي قادرة أن تحيي أي لها القدرة أن تخلق حياة
(يو21:5) فالمسيح الكلمة هو أساس الحياة لكل كائن حي ولكل ما في الوجود. هو فيه
الحياة كينبوع فهو ليس فقط حي بل هو الحياة، وهو حياة أبدية لا تنتهي ولا تموت
(وإن كان هو الحياة فلا يمكن أن يوجد وقت لم يكن موجوداً فيه، أي لا يمكن أن يكون
مخلوقاً) وهذا هو سر إرتباط الخليقة به فهو مصدر حياتها. ولكننا لا نفهم حتى الآن
سوى الحياة بالمفهوم الزمني فالإنسان لا يرى سوى ما يلمسه ويراه بعينيه المادية.
أما الحياة الأبدية سنفهمها فيما بعد، وهي التي بلا حزن ولا كآبة. والحياة التي
يقصدها بقوله فيه كانت الحياة، هي الحياة الأبدية (1يو2:1) "الحياة
أظهرت" بصورة أساسية. ولكنه هو أيضاً يحفظ الحياة الآن لقد فقد الإنسان
الحياة بسبب خطيته فجاء المسيح وهو الحياة ليعيدها له.

والحياة
كانت نور الناس=
الله الكلمة أعطى حياة لكل الخليقة ولكن تميز الإنسان عن
باقي الخليقة بأنه صار له نوراً به يعرف الله ويدركه ويتكلم معه. ويوحنا هنا يرى
أن أهم ما في الحياة للإنسان أن يدرك الله ويتصل به ويعرفه، هذه رسالة الكلمة
(يو3:17) فمن له حياة المسيح فبنوره ندرك الله نفسه ومجده، بل سأدرك هدف ومعنى
حياتي فنحن لا يمكننا أن ندرك الله سوى عن طريق المسيح:-

نحن
يمكننا أن نرى الله في الطبيعة التي خلقها ولكن نكون كمن يرى الشمس في صورة.
ويمكننا أن نرى الله من خلال العهد القديم والناموس ونكون كمن يرى الشمس من خلف
غيمة. ولكننا في المسيح نراه في كامل محبته.. أليس هو بهاء مجد الله ورسم جوهره.
فالمسيح الذي هو الحياة الحقيقية وهو مصدرها وهي حياة قدسية كاملة أبدية الوجود،
هو صار نوراً للإنسان يعرف به الله ويرى به الله . إتحادنا بالمسيح وثباتنا فيه هو
الوحيد الذي به ندرك الله ونراه وندرك الأمجاد المعدة لنا، ولذلك بالروح القدس
الذي يملأنا عند ثباتنا في المسيح. والله قد خلق آدم في جنة ليحيا للأبد، ويرى
الله ويفرح به للأبد، لكنه حرم نفسه بنفسه من هذه الحياة فحُرِم من أن يرى الله
وصار في ظلمة. والظلمة في إنجيل يوحنا تشير للخطية، فيهوذا حين خرج قيل وكان ليلاً
(يو30:13) وقيل عن نيقوديموس أنه جاء ليلاً إظهاراً لعدم المعرفة عند نيقوديموس
قبل إيمانه. ولكن على الرغم من أن الناس قد سقطوا في ظلمة الخطية إذ خالفوا وصايا
الله، فإن السيد المسيح وهو خالقهم وهو الحياة الذي أعطاهم الحياة، وهو أيضاً
النور جاء بتجسده ليبدد ما يكتنفهم من ظلمات، ويعطي الحكمة لمن يريد.

الله
في ملء الزمان أرسل ابنه ليرد الحياة إلى آدم وبنيه، أرسله كخبز الحياة ليأكل منه
الإنسان فترتد إليه روحه ويعيش للأبد وتنفتح عيناه ويعاين نور الحياة وهذه هي
العلاقة بين الحياة والنور "وهذه هي الحياة .. أي يعرفوك" (يو3:17).
فمعرفة الله هي الحياة الأبدية فهي الثبات في الله. ولأن المسيح هو النور الذي
عَرَّفنا الآب قال أنا هو الطريق والحق والحياة وقال أنا نور العالم. ورؤية النور
الإلهي لا تكون بالعين الجسدية بل خلال الروح حينما تنشط من الداخل فتدخل لها
القوة الإلهية المنيرة. كما ظهر نور لبولس الرسول في الطريق لدمشق فعرف الله وصارت
له حياة (يو12:8) وغياب النور عن الإنسان يكون باختياره حين يرفض الحياة في النور
أي في الحق والمحبة والقداسة، وغياب النور معناه غياب الله.

أية
(5): "والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه."

والنور
يضئ في الظلمة=
كان آدم في الجنة يرى الله، فكان آدم في نور. وسقط آدم
فإنفصل عن الله وصار في ظلمة. ولا شركة للنور مع الظلمة. وسادت الظلمة العالم
فانتشرت الوثنية والخطية، فلقد تبع الإنسان، (ما عدا قلة) الشيطان سلطان الظلمة.
والمسيح أتى للعالم وهو النور لينير للعالم، فيعرف العالم الله ويعبده تاركاً
الخطية (إش1:9-6+ 5:49) فالمسيا الآتي هو النور للجالسين في الظلمة. فبنورك يا رب
(المسيح) نعاين النور ولكن كل من يرفض المسيح يظل في الظلمة ونهايته تكون الظلمة
الخارجية "اطرحوه في الظلمة الخارجية" أي خارج عن جسد المسيح (النور
الحقيقي). وكما يضئ النور المخلوق للعينين الجسديتين فنرى الأشياء، هكذا فالنور
الحقيقي وهو الله ،(هو طبيعة الله) يضئ للإنسان ويرشده كعطية سخية من طبيعته الإلهية.
وتجسد المسيح كان مجيئاً للنور إلى العالم (يو19:3) فهو شمس البر. فمن قَبِلَهُ
صار إنسان النور الذي له حياة أبدية، ومن لا يقبله يبقى في الظلمة. ولكن بصفة عامة
فالله يعطي لكل إنسان نوراً يستطيع به أن يميز الله ويعرفه (رو14:2،15+ 19:1،20)
ويعطي لكل إنسان نوراً هو الضمير يميز به الخير من الشر، لذلك فالنور يضئ في
الظلمة بصورة عامة منذ بدء الخليقة، لذلك قال الكتاب أنهم بلا عذر (رو1:2+ 20:1)

والظلمة
لم تدركه= ما هي الظلمة؟=
هي غياب النور. فإذا كان الله هو النور فالإنسان
الذي يخلو من النور (نور الله) هو الظلمة. والشيطان حين إنفصل عن نور الله صار
سلطان الظلمة (لو53:22). وإذا كان النور أي الله هو المحبة والرحمة والسلام والحق
والأمانة، تكون الظلمة هي الكراهية والقتل والقسوة والقلق  والغش والكذب
والخيانة.. الخ لذلك صار إبليس قتالاً للناس منذ البدء وصار كذاباً وأبو الكذاب
(يو44:8،45) فهو ظلمة وهكذا كل من يتبعه. ومن كان له المسيح الحياة يكون له المسيح
نور ينير له الطريق للحق فتكون له مصدر لكل الإيجايبات. ولكن الإنسان فشل في أن
يتمسك بالنور ابتداء من آدم الذي اختار الظلمة (رو21:1-23+ 1كو21:1).

ونلاحظ
أن من يُصِّرْ على أن يعيش في الخطية، فهو يعيش في الظلام ولن يدرك المسيح أي لن
يعرفه ولن يعرف حقيقته، وكلما إزدادت ظلمة الإنسان يبدأ يهاجم المسيح النور
الحقيقي إذ هو لا يعرفه ولكنه لن يستطيع أن يدركه أي يظفر به. فالظلمة درجات تبدأ
بإهمال حقيقة النور ثم اختيار الخطية، فالحياة في ظلمة ثم رفض المسيح ثم الهجوم
عليه.

وكلمة
لا تدركه بالتالي تشير لأن من اختار الظلمة لن يعرف المسيح وإذا بدأ في هجومه عليه
لن يظفر به فالنور الإلهي غير قابل للإنطفاء أو الإندحار. بل نرى في (مت44:21) أن
من اختار الظلمة هو من سقط على هذا الحجر، إذ هو لا يرى وهذا بسقوطه وعثرته يترضض،
وأما من يقاوم المسيح يسقط هو عليه ويسحقه. ودائماً يشرق الله بنوره ليضئ للإنسان
(إش2:9). ودائماً فالظلمة تطارد الإنسان (بالذات الذي فيه نور المسيح) (تك15:3)
ولكن الغلبة ستكون للنور (رؤ2:6) وحرب الظلمة هي حرب خداع وتزييف (تك1:3+2كو3:11).
ولكن الظلمة لم تدرك المسيح بمعنى ما قاله المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس
له فيّ شئ" (يو30:14+46:8). فالشيطان أثار اليهود والرومان فصارت ظلمة لاحقت
المسيح حتى الصليب، ولكنها لم تدركه، بل هو الذي أمسك سلطان الظلمة وقيده
(كو14:2،15+ رؤ1:20،2). لاحظ أن النور يضئ في حجرة مظلمة وينهي ظلامها ولكن لا
يمكن أن الظلمة تنتصر على النور فتظلم حجرة بها مصدر إضاءة.

الآيات
(6-8): "كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور،
لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور."

هنا
نرى الكلمة يبدأ يدخل للتاريخ الإنساني، ويوحنا المعمدان كان سابقاً للمسيح، وهذا
ما سجلته كل الأناجيل ويسجله يوحنا هنا أيضاً، فيوحنا الإنجيلي كان تلميذاً
للمعمدان ثم صار تلميذاً للمسيح. ولأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو
لم يذكر قصة ميلاده بالجسد. ويوحنا الإنجيلي أورد قصة المعمدان هنا بعد أن تحدث عن
ألوهية وأزلية المسيح ليعقد مقارنة بين ألوهية المسيح وإنسانية يوحنا المعمدان.
والنور لا يحتاج لأحد يشهد عنه، لذلك المسيح غير محتاج لشهادة يوحنا المعمدان. لكن
النور يحتاج لمن يراه. وكان المعمدان هو المبصر الذي يشهد للعميان. فالأعمى يحتاج
لمبصر يرى ويخبره.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ط طمس س

اسمه
يوحنا=
معنى
اسمه الله يتحنن، فالمعمدان حتى باسمه كان يكرز بعمل المسيح المخلص. هذا= أي
يوحنا المعمدان.

وعمل
يوحنا المعمدان كان هو الدعوة للتوبة، وكل من يقدم توبة تنفتح عينيه فيعرف المسيح
الآتي. (وهذا حدث مع التلاميذ مثلاً). أما من رفض تقديم توبة فلقد ظل في ظلام
خطيته ولم يعرف المسيح.

جاء
للشهادة=
فلأن
يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو يهتم بأن يضع الشهود الذين يشهدون بهذه
الحقيقة، ولذلك فكلمة الشهادة ترد في إنجيل يوحنا 14مرة، والفعل يشهد ورد 33مرة.
بينما كلمة الشهادة وردت في إنجيل مرقس 3مرات ولوقا مرة واحدة ولم ترد في متى
نهائياً. وهناك 7 شهادات للمسيح:

1-   
شهادة الآب: (31:5،34،37 + 18:8)
"الآب الذي أرسلني يشهد لي"

2-   
شهادة المسيح نفسه: (14:8،18+ 11:3،32+
37:18 "وإن كنت أشهد لنفس فشهادتي حق"

3-   
شهادة الروح القدس: (15:26+ 14:16)
"فهو يشهد لي"

4-   
شهادة الأعمال التي يعملها المسيح: (36:5+
25:10+ 11:14+ 24:15) (معجزاته وحياته وطهارته واتضاعه)

5-   
شهادة الأسفار المقدسة: (39:5،46) "موسى
شهد لي" وكل رموز العهد القديم والنبوات.

6-   
شهادة التلاميذ ويوحنا الإنجيلي وتوما: (27:15+
35:19+ 24:21+ 28:20)

7- 
شهادة يوحنا المعمدان: (راجع يو34:1) وراجع
أقوال وشهادة المعمدان عن المسيح في (يو19:1-39) + (يو27:3-36) وهذه الآية التي
نحن بصددها. ويسجلها الإنجيلي الذي كان تلميذاً للمعمدان وصار تلميذاً للمسيح، فقد
سمع كل ما قال المعمدان عن المسيح.

8-   
شهادة نثنائيل ثم السامرية ثم المولود أعمى:

لم
يكن هو النور=
يبدو أن هناك كثيرين ظنوا أن المعمدان هو المسيح فتبعوه على
هذا الأساس ولم يعرفوا المسيح. ويوحنا الإنجيلي هنا يشير إلى أن المعمدان مجرد
شاهد ليظهر المسيح للناس. راجع (لو15:3+ أع24:18،25+ أع1:19-7)

ليشهد
للنور=
الإنجيلي
هنا يتحدث عن المسيح كنور فهو لم يأتي بعد للحديث عنه كإنسان بعد ن تجسد وصار
إلهاً متأنساً. لذلك فما زال يشير له بطبيعته الإلهية.

لكي
يؤمن الكل=
أي اليهود الذين شهد لهم المعمدان (يو34:1) بل للعالم أجمع.

أية
(9): "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم."

النور
سيأتي للعالم بالتجسد. وهنا نسمع عن أن المسيح هو النور الحقيقي= فهو وحده
الذي يكشف الحق الكلي. وكل نور غيره هو غير دائم وغير كامل وغير مستمر فالمعمدان
نور ولكنه:

1)    
يستمد
نوره من المسيح النور الحقيقي.

2)     مستمر
لوقت محدد ثم ينطفئ بالموت.

3)     المسيح
وحده هو القادر أن يكشف لنا كل أسرار الآب ويعلنه لنا.

ينير
كل إنسان=
هو
الذي يعلن الله لكل إنسان، وكل من أتى لهذا النور يُستعلن الله فيه، ويرى هو نفسه
على حقيقتها أمام الله. وكل من لا يأتي لهذا النور يفقد رؤيته لله ويفقد رؤية نفسه
رؤية حقيقية ويصير في ظلام. (1بط9:2).

كل
إنسان=
الله
يريد أن الجميع يخلصون ولكن ليس الجميع يريدون ويقبلون.

العالم=
قد
تعني الكلمة [1] الوجود [2] الأرض [3] سكان الأرض [4] الغرباء عن الله. والمقصود
هنا أن المسيح سيأتي إلى الأرض بالتجسد، لكل الساكنين فيها حتى من هم غرباء عن
الله ليجمعهم فيه إلى واحد.

أية
(10): "كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم."

كان
في العالم=
فهو كان يعطي لكل إنسان نوراً يعرف به الله، ليقترب إلى الله
بإدراكه. وكل فكر صالح وكل حق ظهر في العالم الوثني كان مصدره المسيح فهو مصدر كل
حق (يع16:1،17) (وتعني أنه كان في العالم يحفظه ويدبره). وكون العالم به= فهو
الذي خلق كل الخليقة وهو الذي يعطيها حياتها وهي متصلة به دائماً. لم يعرفه
العالم=
لم يستجب له العالم إيمانياً وأخلاقياً، فهو يدعوهم ليكونوا في النور
وهم يرفضوا، بل وقفوا مع الظلمة ضد الله وساروا وراء أوثانهم وشهواتهم وملذاتهم.
هم كونوا علاقات مع الشيطان وليس مع الله. فالظلمة في الإنسان صنعها الإنسان برفضه
النور وسيره في الخطيئة والشر أما من يستجيب لنداء الله الذي يجذبه للنور يعرف
الله ويترك الظلمة ويعود لله وهذا هو الخلاص. ومن يرفض يكون له الدينونة أي
الحرمان من الله. إذاً سبب عدم معرفة العالم لله ليس أن الله كان مختفياً بل لم
يكن هناك من يستقبل النور، فالخطية أعمت عيون البشر.

أية
(11): "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله."

العالم
عرف الله منذ بدئه وعرف اسمه (تك26:4، 24:5). ولكن نرى من الكتاب المقدس كيف سادت
الظلمة وفسدت الأرض وعاقب الله بالطوفان. ولكننا نرى أيضاً وسط هذه الظلمة نوح
البار الذي شهد للنور.

وكان
إسرائيل هو شعب الله الخاص والمختار من وسط الشعوب ليسكن الله وسطهم وكان هو ابنه
البكر (خر22:4+ تث8:32-12+ زك10:2-12+ خر5:19،6+ تث6:7،7+ تث1:14،2+ 18:26،19).
ولكن هذا الشعب رفض الله وأعطاه القفا لا الوجه (أر24:7+ تث1:32.. ..) ولأنهم
انغمسوا في زناهم ووثنيتهم إنحجب عنهم نور الله. وأخيراً أتى لهم المسيح (عب1:1،2)
ولكنهم أيضاً رفضوه (يو37:12-41+ إش1:6-10). وهنا نرى أنه بسبب خطاياهم إنطمست
بصيرتهم وأنحجبت رؤية الحق. وهذا ما حدث مع المسيح فهم بسبب حسدهم رفضوا المسيح
وصلبوه. بل كان الرفض جماعياً ملوكاً وكهنة وشعب.

جاء=
بنفسه
ولم يرسل ملاكاً ولا أنبياء (1يو1:1). ولمسناه وشاهدناه. ظهر النور بطريقة محسوسة
مرئية.

سؤال:
إذا كان خاصة الله قد رفضوه فهل فشل الله في خطته، أنه إختار شعباً ثم رفضه هذا
الشعب؟ قطعاً لا:

1- 
اليهود
بزلتهم صار خلاص الأمم، إذاً ماذا عن قبولهم؟ من المؤكد أنه خلاص جبار وغني لكل
العالم (رو11). برفضهم تم الخلاص إذ صلبوا المسيح. ولكن هذه القساوة حصلت جزئياً
لإسرائيل ليدخل ملء الأمم. فالله أغلق عليهم أي سمح بهذا ليدخل الأمم ولكن هناك
بقية ستدخل في نهاية الأيام إلى الإيمان. إذاً رفضهم للمسيح كان جزء من خطة الله
للخلاص. خلاص الكل.

2-   
خطة
الله نجحت بدليل إيمان كل العالم، وأن الله أعطى سلطان لكل من يؤمن أن يصير ابناً
لله.

3-   
هم
حفظوا النبوات فكانوا أمناء مكتبة المسيحية. وظهر أن خطة الله للخلاص هي خطة أزلية
ليست وليدة الأحداث.

أية
(12): "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي
المؤمنون بأسمه."

هناك
قلة قبلته من بين اليهود فطردوهم من المجمع واضطهدوهم وعاملوهم كوثنيين، وبهذا
فتحوا الطريق للوثنيين ليصير الأمم أبناء الله (أف6:3). لقد كان إسرائيل هو الابن
البكر (خر22:4) فصار كل المؤمنين أبناء بل أبكار، باتحادهم بالابن البكر (يع18:1).
كل= أي ليس لشعب معين.

سلطاناً=
قد
تعني امتياز أو حق إقامة علاقة بنوية مع الله. وإذا كان الله أباً لي فماذا يخيفني
في هذا العالم. لكن بالمعمودية نصير أولاد الله باتحادنا بالمسيح في موته وقيامته.
ومن يثبت في المسيح يصير ويستمر ابناً لله. ومن يرتد للخطية لا يصير ابناً لله.
فالثبات في المسيح يعني الثبات في القداسة. والله أعطانا قوة وسلطان على الخطية
حتى لا تسود علينا (رو14:6). فإن كان هذا هو الوعد لقايين (تك7:4) فكم وكم السلطان
الذي لأولاد الله. وبهذا نفهم أن اللم ينقسم إلى [1] أولاد الله وهؤلاء لهم سلطان
[2] أناس عاديين تسود عليهم الخطية. فماذا لا أتمتع بهذا السلطان وأصير ابناً لله
حينما أسلك كما يحق كابن لله.

أولاد
الله=
إذاًَ
كلنا أخوة، كلنا جسد واحد للمسيح (أف30:5)

بإسمه=
الاسم
هو المعبر عن الشخص، أي الحضرة الذاتية الإلهية.

أية
(13): "الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من
الله."

ليس
من دم
(أي
زرع بشري) = الولادة من الله لا يدخل فيها أي عنصر من العناصر الطبيعية،
ولم يعد الإنتساب للدم الإسرائيلي أو الديانة الإسرائيلية سبباً ليكون الإنسان
ابناً لله. ونلاحظ أن اليهود يفتخرون بأن دمائهم نقية وهم جنس مختار مولودين من
إبراهيم واسحق ويعقوب (مت9:3+ يو33:8) فهم لهم كبرياء ويفتخرون بحسب الجسد بجنسهم.
أما المسيحي فلا يفتخر بهذا بل نحن مولودين من دم يسوع المسيح، لا نحيا حياة
طبيعية لحساب العالم الطبيعي، حياتنا هي حياة المسيح يعطيها لنا لا تورث من السلف
ومحررة من الغرائز والشهوة.

ولا
من مشيئة جسد
(أي الشهوة الجسدية) ولا من مشيئة رجل(إرادة إنسان
وزواجه لينجب)= الولادة من الله لا مجال فيها للغرائز الطبيعية ولا لمشيئة إنسان،
وبالتالي فالمولود من الله لا يخضع جبرياً لسطوة الغرائز ولا لأي مشيئة بشرية.
وبالتالي يتخلص المولود من الله من كل ما يتعلق بالخليقة الحيوانية عامة والخليقة
البشرية خاصة، فهو ميلاد خليقة أخرى للإنسان من فوق، فيها يصير الله أباً جديداً
للإنسان.

وقوله
مشيئة جسد ومشيئة رجل فهي ربما تشير لمشيئة المرأة (الجسد) ومشيئة
الرجل (رجل) أو تشير للغريزة الجنسية (جسد) وللإرادة والقرار
الإنساني في أن يكون للإنسان نسل (رجل).

ولدوا
من الله=
الولادة
من الله تكون [1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] طاعة الوصية (يو31:20+ يو3:3،5+
أع16:22+ أف26:5+ مت11:3+ لو16:3+ 1يو1:3،2) والله من محبته اتخذنا أولاداً له،
وليس لشئ صالح فينا. وفي مقابل محبته علينا أن نحبه ونحب إخوتنا ومن يحب يصير
ابناً لله (1يو7:4)

أية
(14): "والكلمة صار جسداً وحل بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيد من الآب،
مملوء نعمة وحقاً."

بدأ يوحنا الإنجيلي
رؤيته للكلمة في أزليته ثم في خلقته للعالم، وأنه كان ينير للخليقة، ثم إرسال
المعمدان ليشهد له، ثم رفض خاصته له والآن نراه يأتي متجسداً.

والكلمة
صار جسداً= والكلمة=
حرف الواو تعني أن الكلام عائد على ما قبله
وتعني أن الكلمة الذي هو الله صار جسداً وهنا نسمع لآخر مرة عن الكلمة إذ سنراه
بعد ذلك في شخص المسيح الذي ظهر كإنسان. وكون أن المسيح أخذ له جسداً فهو لم يتوقف
عن أن يكون الكلمة، ولكنه إتخذ له جسداً حتى نراه وندركه "الله ظهر في
الجسد" (1تي16:3). فالإنسان قد فشل في أن يتعرف على الكلمة ويدركه، وهذا ما
جعله يأخذ حالة أكثر اقتراباً لإدراكنا. وهو صار جسداً ليكون رأس الخليقة الجديدة.
أما قوله كل شئ به كان فيشير للخليقة القديمة. وصار بكر كل خليقة (كو15:1) لأنه
أيضاً كان أول من قام من الأموات. وجسداً هنا تشير لأنه صار إنساناً كاملاً (جسداً
ونفساً وروحاً). أي أخذ الطبيعة البشرية بكل خصائصها أي صار بشراً. وقوله صار تعني
أنه لن يتراجع عن اتحاده بالجسد الذي اتخذه للأبد. وهذا ما نعنيه في قانون الإيمان
بقوله تجسد وتأنس. وهو لكي يأخذ شكل الإنسان تخلى عن مجده وأخلى ذاته (في6:2،7).
وهذا الإخلاء لم ينقص اللاهوت شيئاً ففيه حل كل ملء اللاهوت جسدياً (كو9:2). هذا
الإخلاء يعني أنه حجب مجد ونور لاهوته أخذاً صورة عبد. لكن استعلن لاهوته في بعض
الأحيان كما في التجلي وهو حجب لاهوته فنحن في جسدنا الحالي لن نحتمل مجده بسبب
خطايانا. وتجسده هذا فتح لنا طريق الأقداس (عب19:10،20) وصار جسده طريقاً ومعبراً
لنا للأمجاد السماوية، بل هو أعطانا جسده ودمه مأكلاً ومشرباً حق لنحيا بهما
(يو55:6،57) ولقد ظهرت هرطقات كثيرة بخصوص التجسد مثل هرطقة أبوليناريوس الذي
إدَّعى أن الجسد الذي أخذه المسيح لم يكن جسداً كاملاً. ولكننا نؤمن أن جسد المسيح
كان جسداً كاملاً. وقال أوطاخي أن المسيح كان له طبيعة واحدة إنسحبت منها الطبيعة
البشرية وكأن لا وجود لها. وقال الغنوسيون أن المسيح أخذ جسداً حسب الظاهر فقط
ولمدة قصيرة، ولكننا نؤمن أن جسده كان حقيقي ودائم، وقال غيرهم أن جسد المسيح كان
خيالي وهذا خطأ.

نحن
نؤمن أن لاهوته أتحد بناسوته (الذي كان جسداً حقيقياً كاملاً) وكان هذا الاتحاد
للطبيعتين إتحاداً كلياً وكاملاً وصارا واحداً، طبيعة واحدة من طبيعتين كاتحاد
الحديد بالنار (تشبيه البابا كيرلس عمود الدين) والناس بالنار (رؤ15:1) والفحم
والمشتعل في المجمرة (الشورية) إشارة للمسيح في بطن العذراء. صار الكلمة إلهاً
متأنساً (ولا يقال إلهاً وإنساناً معاً) فحينما أقام لعازر من الموت أقامه بقوة
لاهوته وبصوت فمه أيضاً، فأعماله الإلهية قد اشترك فيها جسده. والمسيح المتأنس قال
عن نفسه أنا هو (يهوه) (يو24:8) وحينما مات المسيح انفصلت روحه الإنسانية عن جسده
وظل اللاهوت متحداً بكليهما لذلك لم يفسد الجسد ولذلك أيضاً قام. لقد اتحدت
الطبيعتين وصارا طبيعة واحدة بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير لذلك يقول بولس
"كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20)

وإذا
لم يكن اللاهوت متحداً بالناسوت كان من المستحيل أن يتم الفداء، فالفداء هو موت
المسيح غير المحدود (لاتحاد لاهوته بناسوته) ليغفر خطايا غير محدودة. أما لو كان
اللاهوت منفصلاً عن الناسوت لصار الناسوت محدوداً ولما حدث الخلاص غير المحدود.
ولما قال أنا القيامة والحياة قالها على أساس لاهوته الكائن في جسده المتحد به.
ولما قام قام بقوة لاهوته وبالجسد. ولما بكى على قبر لعازر كان هذا دليلاً أن الله
بلاهوته يشترك مع الإنسان في ضيقته "في كل ضيقهم تضايق" (إش9:63). وبعد
الاتحاد كان له مشئية واحدة لا مشيئتان فلا ازدواج في شخصيته. وكان اتحاد اللاهوت
بالناسوت بركة للمؤمنين لأنهم سيصيروا واحداً في الله (هذا لا يعني قطعاً تأليه
الإنسان أي لن يصير الإنسان إلهاً، بل سيأخذ الإنسان بركات كثيرة نتيجة هذا
الاتحاد، فنحن كشركاء للطبيعة الإلهية لن نشترك في لاهوت الله بل في قداسته ومحبته
بل وفي مجده والجلوس في عرشه) (يو21:17) وشركاء الطبيعة الإلهية (2بط4:1) والمسيح
أخذ شكل جسدنا ومَجَّدَهُ ليعطينا أن نكون على صورته في الأبدية (1يو2:3)

وحل
بيننا
=
حلًّ في اصلها اليوناني خَيَّم أي اتخذ له خيمة. وهي تشير للسكنى أو الحلول، كما
يضرب الإنسان خيمته على الأرض. وقوله بيننا فهو يريد السكنى وسط شعبه. وكون جسدنا
الحالي يُعَبَّرْ عنه بالخيمة هو تراث فكري يهودي (راجع 2بط14:1+ 2كو1:5) وقول
بطرس هنا عالِماً أن خلع مسكني.. أي خيمتي. فالخيمة (خيمة الاجتماع) كان يطلق عليها
المسكن. ويكون قوله حل بيننا أي أن المسيح أتخذ له جسداً بشرياً ليحل بيننا كما
كانت الخيمة سابقاً وسط الشعب.

كانت
الخيمة رمزاً للمسيح الذي يحل بمجده وسط شعبه (خر34:40،35+ زك10:2) ورأينا
مجده=
كيف رأي يوحنا مجد المسيح:

1- 
التلاميذ
آمنوا بالمسيح، وإيمانهم أعطاهم أن يروا في المسيح ما لم يراه غيرهم من ذووا
القلوب المتحجرة، فالمسيح استعلن نفسه لهم بسبب إيمانهم. وهذا هو مفهوم قول المسيح
"طوبى لمن آمن ولم يرى" .. أي لم يرى رؤية عينية.

2-   
يضاف
لهذا رؤيتهم للمسيح في حالة تجلى وهذه الحادثة رآها بطرس ويعقوب ويوحنا وذكرها
بطرس لأهميتها (2بط16:1-18).

3- 
لقد
رأى التلاميذ معجزاته التي تنطق بلاهوته مثل تحويل الماء إلى خمر وتفتيح عيني
المولود أعمى وإقامة لعازر. بل رأوه يصنع أعمالاً ويتكلم بسلطان بل أن اليهود
أنفسهم شهدوا بهذا السلطان (مت29:7)

4-   
سمع
يوحنا المسيح يطلب أن يتمجد، وربما ميزَّ الصوت الذي أتاه من السماء بأن الآب مجده
وسيمجده (يو5:17،24+ يو28:12)

5-   
يوحنا
رأى المسيح في مجده (سفر الرؤيا) وسقط عند رجليه كميت (رؤ17:1)

مجداً
كما لوحيد من الآب=
كلمة وحيد تعني الفريد أو الوحيد في نوعه (KIND). والمجد الذي ظهر به الابن يليق به كابن وحيد للآب. وكلمة وحيد
هي ترجمة لمونوجينيس (يو16:3،18+ 1يو9:4) ولكي نفهم عظم عمل الفداء، علينا أن نعلم
أنه الابن المحبوب (أف6:1) موضع مسرة أبيه (2بط17:1). هذا هو الابن الوحيد الذي
بذله الآب عنا حتى لا نهلك. وقوله وحيد من الآب نرى فيها ارتباط وجودي جوهري بين
الآب والابن، وأن الآب أرسله لأجل رسالة يؤديها.

مملوءاً
نعمة وحقاً=
هذا ما لمسه يوحنا بنفسه حين عاش مع المسيح. ورأى كلماته
وتصرفاته ومحبته حتى مع أعدائه. والمسيح حين تجسد أراد أن يمنحنا صفاته هذه لتكون
لنا.

نعمة=
المسيح
هو مصدر كل نعمة، نسأله فيعطينا إياها مجاناً، ليس عن استحقاق فينا. وهكذا فعل
بولس الرسول (رو7:1) وباقي رسائله ويوحنا (2يو3). وهذه هي صيغة البركة الرسولية
"محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد.. تكون معكم" (2كو4:13) بل العرش
الإلهي صار يعرف بعرش النعمة (عب16:4). والنعمة تشمل الفداء المجاني والخلاص بنتائجه
والذي به صرنا بنيناً وأحباء وأحراراً من سلطان الخطية ووارثين  مع المسيح، وحل
فينا الروح القدس. نحن في المسيح حصلنا على كل النعم. ونلاحظ أن يوحنا وضع النعمة
في مقابل الناموس (آية17) وتعني النعمة أن المسيح أبرع جمالاً من بني البشر، وأن
طبيعته هي المحبة وكل عطاياه مجانية.

وحقاً=
المسيح
هو الحق نفسه. والحق هو الحقيقة في مقابل الشبه أو الظل وليس الصدق وعدم الكذب.
والعهد القديم كان ظل وأشباه السماويات، كان ألغاز ورموز ولكن في العهد الجديد جاء
الحق (عب5:8+ عب2:1+ يو63:6+ يو9:14،6) لذلك وضع الحق في مقابل الناموس آية _17).
فالحق هو استعلان الله في ذاته استعلاناً حقيقياً كآب وابن. ومن يعرف الابن يعرف
الحق ويتحرر (يو31:8-36) ويصير ابناً حراً لله. والحق هو الشيء الثابت وتعني أن
الله أمين وصادق ودائم. الحق هو شخص المسيح والنعمة هي القوة التي تحفظنا كأولاد
لله من الخطية. والحق هو اختيار حر للمسيحي. وهو ترك العالم الباطل.

أية
(15): "يوحنا شهد له ونادية قائلاً: "هذا هو الذي قلت عنه: إن الذي يأتي
بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي"."

يوحنا
الإنجيلي يورد هذه الآية الاعتراضية لأن فيها يشهد المعمدان أن المسيح كان قبله
كائن. وكأن يوحنا الإنجيلي يقول أن المسيح كائن قبل التجسد وقد شهد المعمدان له
بهذا. نادى= في اصلها اللغوي نادى بصراخ لأهمية ما يقول . (كان قبلي= هو
خالقي وهو قبلي في المكانة والزمن).

أية
(16): "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة."

هذه
الآية مبنية على (آية14) والتي قال فيها يوحنا الإنجيلي أن المسيح كان مملوءاً
نعمة. وفي هذه الآية (16) يكمل الإنجيلي ما بدأه في (14) بعد الآية الاعتراضية
(15) من ملئه= تشير للكثرة والفيض، والمسيح هو الوحيد المملوء، له كل ملء
اللاهوت (أف22:1،23+ 19:3+ 13:4+ كو19:1+ 9:2،10). والمسيح له كمال الملء.

نحن
جميعاً أخذنا=
من ملئه تمتلئ الكنيسة كلها، تمتلئ قيامة وفداء وتبرير وصعود
وحياة أبدية ومجد وشركة في الطبيعة الإلهية وعطايا ومواهب وتبني وحب إلهي فائق.
ولكن من الذي يمتلئ؟ هم من شابهوا يوحنا في إيمانه وقداسته وينضمون إليه ليقول
عنهم يوحنا نحن جميعاً، فمن يؤمن يرى ومن يرى يأخذ والعكس فالعالم لا يقبل فلا يرى
ولا يأخذ (يو17:14).

نعمة
فوق نعمة=
كل
نعمة ننالها تنادي نعمة أخرى لنأخذها. كل نعمة تسلمنا لنعمة. إذاً النعمة في
إزدياد. وكل بركة تُمْتَلَكْ تصير أساساً لبركة أعظم. فمثلاً من ينال نعمة الإيمان
ينال وراءها إيماناً ينمو ويزداد وفي النهاية ينال نعمة الحياة الأبدية. وبهذا
المفهوم فالتلاميذ الذين أطاعوا الناموس أخذوا فوق بركة العهد القديم نعمة
اختيارهم ليكونوا كارزين بالعهد الجديد. ونحن بجهادنا نمتلئ نعمة فوق نعمة. فالله
خلق الإنسان وهذا نعمة ثم أعطاه الناموس، والناموس نعمة (فصار هذا نعمة فوق نعمة،
وهكذا نعمة فوق نعمة). ومن أطاع الناموس عرف المسيح فآمن، فصار هذا نعمة فوق نعمة
وهكذا.

 

في الإصحاح الأول رأينا كلمة الله اللوغوس (آية1) وهو إبن
الله (آية14،34،39). صار جسداً أي تجسد وصار إبن الإنسان (آية51). فلماذا فعل ذلك؟
الإجابة نجدها في الإصحاحات2-4 وتسمى إنجيل التجديد.

 

النعمة:

النعمة
هي عطية مجانية يعطيها الله لأولاده. وأصل الكلمة في اللغة اليونانية
"خاريزما" وهي منحة كان يعطيها الملك في يوم عيد ميلاده أو عيد جلوسه
على العرش. وكان يعطيها للجنود وموظفي الدولة ليس لاستحقاقهم لها ولا لشئ عملوه،
بل دليل على كرم الملك. واقتبس بولس الرسول التعبير ليشير به لعطية الله لنا
بالمسيح. فالله أرسل المسيح والمسيح فدانا على الصليب، وبناء على الفداء أرسل
المسيح روحه القدوس ليحل فينا، كل هذه العطايا أعطاها لنا دون استحقاق منا ولا لبر
عملناه، بل بمقتضي رحمته ومحبته أعطانا هذه النعمة أي العطايا المجانية.

لكن
من الذي يمتلئ من النعمة. نجد أن بولس الرسول، أكثر من تكلم عن النعمة والخلاص
بالإيمان، نجده يقمع جسده ويستعبده (1كو27:9). ونجده يجاهد الجهاد الحسن (2تي7:4).
فالنعمة لا تعطي إلا لمن يستحقها ولمن يجاهد ويطلب بإلحاح.

ولابد
أن نفرق بين نوعين من النعمة:

1. 
نعمة
أخذناها دون عمل منا ودون استحقاق منا مثل (خلقنا بل خلقنا على صورة الله/ كل
عطايا الله لنا مادية وروحية/ الفداء/ الروح القدس الذي حل فينا/ المجد المعد لنا/
القيامة من الموت/ التبني.

2. 
النعمة
بمفهوم القوة التي تعمل فينا فتغير طبيعتنا فنصير خليقة جديدة، وهذه تستلزم
الجهاد.. فحتى نمتلئ نعمة يجب أن نمتلئ من الروح القدس، وهذا يستلزم الصلاة بلجاجة
.

·       
إذاً الله قدم نعمة مجاناً لكن حتى نستفيد منها
علينا أن [1] نؤمن [2] نعتمد [3] نجاهد.

والنعمة
بهذا تكون هي عمل الروح القدس في المؤمن بالمسيح وفدائه. وطالما هي عمل الروح
القدس، فنحن نعلم أن الروح القدس يُعطى لمن يسألونه (مت11:7+ لو13:11), ومن هاتين
الآيتين نفهم أن الروح القدس هو عطايا الله الصالحة التي أعطاها لنا نحن المؤمنين،
ولكنه يُعطى لنا حينما نسأله بلجاجة، أي حينما نشعر باحتياجنا له فنصرخ طالبين
الإمتلاء بالروح. وهذا هو معنى كلام السيد المسيح في (يو37:7-39) فالذي تجري من
بطنه أنهار الماء الحي، أي الذي يمتلئ ويفيض من الروح القدس هو من يشعر بالاحتياج.
وهذا يتفق مع قول السيد المسيح طوبى للجياع والعطاش للبر لأنهم يشبعون (مت6:5).
فكلما جاهد المؤمن في حياته، يمتلئ من الروح القدس، أي يمتلئ من النعمة ولذلك يطلب
منا الرسول بولس قائلاً: "إمتلئوا بالروح" (أف18:5). وكلما جاهدنا كلما
امتلأنا نعمة فوق نعمة.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر إرميا 15

وبولس
حينما قال امتلأوا بالروح هنا، لم يقل هذا وسكت. فالإمتلاء بالروح هو نعمة أي عطية
إلهية. لكن لا توجد نعمة دون جهاد، لذلك أكمل بولس بالجهاد المطلوب ووضع لنا
المنهج وقال (سبحوا/ اشكروا/ اخضعوا..) وكلما فعلنا امتلأنا نعمة فوق نعمة.

إذاً
قول القديس يوحنا "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة يعني أن الروح
القدس حلًّ بملئه على المسيح ونحن بثباتنا في المسيح الرأس صار لنا أن نحصل على
الروح القدس، ونحن لا نمتلئ من الروح القدس كما امتلأ المسيح، وإلا صرنا آلهة، لكن
نحن نأخذ قدر احتمالنا وكلما جاهدنا نمتلئ أكثر ولكن في حدود محدودية بشريتنا،
نمتلئ نعمة فوق نعمة، لنصل لصورة المسيح (غل19:4) وجهادنا لكي نمتلئ من الروح أو
من النعمة ينقسم إلى:

1-   
جهاد
إيجابي: وهذا يعني جهادنا في الصلاة والأصوام.. الخ

2- 
جهاد
سلبي: وهذا يعني أن نعتبر أنفسنا أموات أمام الخطية والجهاد الإيجابي والسلبي لهما
معنى التغصب، أي أن أغصب نفسي على عمل الشئ المطلوب، وبالتغصب نحصل على ملكوت
السموات (مت12:11). فيجب علينا أن نغصب أنفسنا على الصلاة ونغصب أنفسنا على
الصوم.. وهكذا. وأيضاً من جهة الجهاد السلبي يجب أن نغضب أنفسنا ونمتنع عن الخطايا
المحبوبة (فمن عينه تجول لتشتهي العالم عليه أن يسير واضعاً عينه في التراب،
ناظراً للأرض ويقول في نفسه.. أنا ميت فلماذا أشتهي. ومن يُعْثَرهُ مكان معين عليه
ألا يذهب إليه غاصباً نفسه ضد إرادته المنحرفة).

ومن
يجاهد غاصباً نفسه يمتلئ نعمة، وهذه النعمة تكون معيناً له وتسنده، فمن يغصب نفسه
على الصلاة تعطيه النعمة أن يتذوق حلاوة الصلاة، ومن يغصب نفسه أن يمتنع عن خطية
معينة تعطيه النعمة معونة، ويصبح له طبيعة جديدة (2كو17:5) خليقة كارهة للخطية،
فينظر ولا يشتهي، بل يصبح لا يريد الخطية وهذا معنى قول بولس الرسول فإن الخطية لن
تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة (رو14:6) وهذه النعمة هي عمل الروح
القدس في المؤمن المجاهد حتى يتحول لخليقة جديدة بها يخلص (غل15:6).

النعمة
والناموس:

خلق الله
الإنسان وفي داخله ناموس طبيعي هو الضمير، به يميز ما بين الخير والشر، ولما سقط
الإنسان أنحرف الناموس الطبيعي وأصاب الإنسان حالة عمي، فأصبح لا يبصر ولا يميز
الخير عن الشر، مندفعاً في هذا وراء شهوته التي أنحرفت وأصبحت تشتهي الخطية.
والإندفاع وراء شهوة الخطية يعني الموت، وكما يقول القداس الغريغوري "أعطيتني
الناموس عوناً" فالله أعطانا الناموس كمرشد، لنميز الخير من الشر، ولكن
الناموس كان عاجزاً عن تغيير الإنحراف الذي حدث للطبيعة البشرية، لكنه كان عوناً.
فمن غصب نفسه وإلتزم بالناموس خوفاً من العقاب كان يحيا لذلك قيل أن الناموس كان
مؤد بنا إلى المسيح (غل24:5). أما النعمة فهي القوة المغيرة لطبيعتنا التي نحصل
عليها بالروح القدس وهذا ما كان ينقص الناموس، فالناموس يُحَرِّمْ ويمنع دون أن
يغير طبيعتي، ولكن النعمة تعطيني أن أكون خليقة جديدة كما يقول الرسول بولس
"إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو17:5). هذه الطبيعة الجديدة تكون
كارهة للخطية، فالخطية فيها قد أدينت (رو3:8). ومعنى أن الخطية قد أدينت أن الخطية
صارت كأنها مكتومة، لا سلطان لها على المؤمن. وكلما زادت النعمة، تموت الخطية، ولا
يعود المؤمن شاعراً بشهوة تجاهها.

 

هناك تشبيه للخطية
وشهوة الخطية، بلعبة معروفة تسمى "عفريت العلبة" وهي عبارة عن وجه أسود
قبيح مخيف مركب على ياي أي سوستة مضغوطة داخل علبة، ومن يفتح العلبة قفز هذا الوجه
القبيح تحت تأثير السوستة في وجهه.

وشهوة
الخطية داخل الإنسان العتيق هي هذا الوجه القبيح ولكن النعمة تضغط هذه الشهوة
الخاطئة فتكون كأنها غير موجودة. ولكن من يهمل في جهاده، تقل النعمة في داخله،
فتطل الخطية بوجهها القبيح في داخله. وكلما زاد جهاد الإنسان كلما امتلأ نعمة فوق
نعمة فتدان الخطية داخله أي تصبح مكتومة أو كأنها غير موجودة فيمتلئ القلب سلاماً
وفرحاً.وهذا الحال سيستمر حتى نموت ونتخلص من الجسد الحالي، ونحصل على الجسد الممجد
الذي سيكون مملوءاً نعمة وبلا خطية إطلاقاً. ولكن الصراع بين الجسد والروح سيظل
طالما نحن في هذا الجسد. وهذا ما جعل بولس الرسول يقول "ويحي أنا الإنسان
الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24:7).

 

عمل
النعمة في المؤمن

1-   
النعمة
هي قوة يعطيها الروح القدس تكتم فينا شهوة الخطية.

2- 
النعمة
هي قوة يعطيها الروح القدس فيعيننا على حفظ الوصية ويصير تنفيذها سهلاً بالمسيح
الذي فينا وهذا ما لا يستطيعه الناموس. وهذا معنى قول أرمياء النبي ".. أجعل
شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم" (أر33:31) وهذا كما يقول أرمياء هو
العهد الجديد (أر31:31). وهذه الآيات اقتبسها بولس الرسول (عب16:10). ولكن كيف
تكتب الشريعة على القلب؟ هذا يكون بالحب الذي يسكبه الروح القدس في قلوب المؤمنين
(رو5:5) "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا".
فالروح القدس يعطينا أن نحب الله، ومن يحب الله يحفظ وصاياه كأنها مكتوبة على
قلبه، فمن يحب لا يقوى على خيانة من يحبه (يو21:14،23). حينما خلق الله آدم كان
آدم يحب الله. والقلب الذي يحب هو قلب لحم فكان يطيع الله لأنه يحبه. ولما سقط آدم
تحجر قلبه. فأعان الله الإنسان بناموس هو وصايا كتبها الله على لوحين حجر إشارة
لقلب الإنسان الذي تحجر، والله كتب الوصايا بإصبعه أي بالروح القدس (مت28:12+
لو20:11) أما العهد الجديد فكان إصبع الله (الروح القدس) يكتب الوصايا على قلب
أولاد الله بأن يحول قلبهم لتصير بالمحبة قلوب لحم بدلاً من قلوب حجرية (حز19:11)

3- 
النعمة
تعطى المؤمن قوة على احتمال تجارب وآلام هذا العالم وذلك بأن تملأ القلب محبة لله،
والمحبة تتحول إلى فرح قادر أن يحتمل التجربة وهذا عمل الروح القدس المعزي، فالفرح
الذي يعطيه الله هو فرح لا يمكن لتجربة أن تؤثر فيه، وهذا عكس الأفراح العالمية،
التي لا تستطيع أن تصمد أمام التجارب الأليمة؟ فالتجارب الأليمة تقدر أن تنزع
أفراحنا العالمية منا، بينما أن الفرح الذي يعطيه الله لنا لا تستطيع التجارب
الأليمة أن تنزعه منا (يو22:16) والمحبة تتحول لفرح.. وحتى ندرك هذا فلنتصور كيف
نفرح حينما نرى إنساناً نحبه جداً، وقد كنا محرومين من رؤيته . لذلك، الله يطلب
منا أن نحبه من كل القلب (تث5:6) ليس لأن الله في احتياج لمحبتنا، بل لأن الله
يعرف أن محبته قادرة أن تملأنا فرحاً. فنعود للحالة الفردوسية الأولى حين خلق الله
الإنسان في جنة عدن التي تعني الفرح والابتهاج فالله خلقنا لكي نفرح. ولذلك يطلب منا
بولس الرسول أن نفرح فهذه هي إرادة الله (4:4) بل هو اختبر هذا الفرح وهو مقيد في
سلاسل منتظراً حكماً بالموت قد يصدر ضده (في18:1) فالرسول كتب رسالة فيلبي (رسالة
الفرح) وهو مقيد في سجن نيرون، لكنه تغلَّب على الشدة الخارجية. فالغلبة والنصرة
على الألم في المسيحية لا يعني الخروج من الشدة، بل يعني حالة من الفرح تسود على
القلب بينما هو مازال في شدته "كحزانى ونحن دائماً فرحون" (2كو10:6+
2كو7:4-9)

والله
خلق الإنسان بشهوات مقدسة، وكلمة مقدسة أي مكرسة أو مخصصة لله، أي أن كل الحب متجه
لله، لهذا كان آدم في جنة عدن أي الفرح والابتهاج، بسبب الحب الذي في قلبه لله.
والحب في قلب آدم لله، هذا لأنه مخلوق على صورة الله والله محبة. وكما يقول الله
لذاتي مع بني آدم (أم31:8) يقول آدم لذاتي مع الله. ولما سقط الإنسان إنحرف الحب
وأنحرفت الشهوة وصارت متجهة للعالم (المال والجنس والمراكز والعظمة والقوة .. الخ)
واستعبد الإنسان للعالم وفقد الفرح الحقيقي، لقد ظن أن اللذة الوقتية هي الفرح،
والشيطان دائماً يؤكد هذا، بأن يلفت أنظارنا للذات العالمية فننسى أن نطلب الفرح
الحقيقي "أعطيك كل هذه .. لكن خر واسجد لي" (مت10:4)

والعبودية
لإبليس مذلة ولا يأتي من وراءها سوى الغم. عموماً فهناك لذات عالمية كثيرة، ولكن
هل هي قادرة على نزع الغم من قلب أم فقدت ابنها، أو من قلب إنسان مقبل على الموت
بسبب مرض خطير. قد نجلس أمام التليفزيون أو غيره من الملاهي ساعات طويلة ظانين أن
وراء هذا نوع من الفرح، ولكن هيهات أن ينزع هذا الفرح العالمي الغم من القلوب، لا
يستطيع هذا سوى عمل النعمة الإلهية.

لذلك
أرسل الله الروح القدس للإنسان ليعيد المحبة داخله لوضعها الفردوسي الأول (الفردوس
كان اسمه جنة عدن، وعدن تعني بهجة وفرح)، أي تكون محبة مخصصة ومكرسة لله، فيحصل
على الفرح الحقيقي القادر على الانتصار على الألم، الألم الذي هو سمة لهذا العالم.
وحيث أنه سمة لهذا العالم فنحن في حاجة دائمة للامتلاء من النعمة لنغلب الألم.

ولنلاحظ
أن الشيطان دائماً يعمي أعيننا عن طلب الفرح الحقيقي الذي نحصل عليه بالنعمة أي
بالإمتلاء من الروح القدس، وهذا نحصل عليه بجهادنا. والشيطان يعمي أعيننا عن هذا
بأن يشغلنا عن الجهاد بملذات العالم وهدفه من هذا، أنه حين تأتي التجارب والآلام
لا نجد ما يعزينا ولا حتى ملذات العالم فهي غير قادرة على هذا فنندفع لليأس، بل
نتصادم مع الله ونخسر أنفسنا ولأن عمل الروح القدس هو أن يملأ القلب محبة لله
(رو5:5) ومن ثم يمتلئ القلب فرح نسمع أن أول ثمار الروح القدس هي المحبة
(غل22:5،23) فالروح القدس يصحح الأوضاع ويعيد الحياة للحالة الفردوسية الأولى,.
وإذا امتلأ القلب محبة، يمتلئ بالتالي فرحاً، فالمحبة تتحول إلى فرح لذلك نجد أن
ثاني ثمار الروح القدس هو الفرح، ثم يأتي السلام، سلام الله الذي يفوق كل عقل.
حقاً يعطينا الروح القدس أن نكون خليقة جديدة.

وهذا
معنى كلام السيد المسيح "احملوا نيري.. لأن نيري هين تعالوا إلىّ يا جميع
المتعبين .. وأنا أريحكم" (مت28:11-30) فالوصية نير ثقيل والتجارب الأليمة
نير ثقيل. ومن يأتي للمسيح ويرتبط معه، يحمل عنه المسيح كل هذا.

والنير
هو الخشبة التي تربط ثورين معاً لجر المحراث ولكن تصور أننا ربطنا ثور مع جدي صغير
في محراث بنير واحد، فعملياً يحمل الثور كل الحمل، فالثور هو الأقوي وإذا ارتبطنا
مع المسيح بنير واحد، وحيث أنه هو الأقوى فهو سيحمل كل الحمل سواء وصية أو تجربة
أليمة.

من
هم من خارج سيستغربون كيف نحمل التجربة بفرح، أو كيف ننفذ الوصية بسهولة ولن
يعلموا أن المسيح هو الذي ينفذ ويحمل أحمالنا فبدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً
(يو5:15). فقط حاول أن تنفذ الوصية وأن تصلي تجد الوصية سهلة وتنفيذها سهل وإذا
أصبت بتجربة صلي فترتبط بالنير مع المسيح ولا تشعر أنت بهم أو غم بل يكون الفرح
الذي في داخلك أقوى مما في الخارج من هم أو حزن. فبالصلاة نرتبط مع المسيح،
فالصلاة هي صلة معه.

باختصار
فالنعمة تعطينا أن نكون خليقة جديدة على صورة المسيح (غل19:4) قادرين بسهولة أن
ننفذ  الوصية، نحيا في فرح غالبين الآلام التي في العالم، الخطية وشهوتها ميتة
فينا، لا سلطان لها علينا، بهذا أي بعمل النعمة نخلص (أف8:2) فالخلاص هو هذه
الحياة الجديدة التي تنتصر وتغلب العالم والخطية، الحياة التي يقودها المسيح الذي
خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6) يغلب فينا، فنحن هو الفرس الأبيض الذي يقوده المسيح.
والنهاية بعد حياة كلها نصرة وفرح، ونصرة على الآلام وفرح خلالها، ونصرة على
الخطية وشهوات هذا العالم، فهناك مجد معد لمن آمن وجاهد وقادته النعمة ورافقته
خلال رحلة غربته.

 

أية
(17): "لأن الناموس بموسى أعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا."

بعد
أن قدًّم يوحنا الإنجيلي المسيح في الآيات السابقة على أنه الكلمة الأزلي والحياة
الذي صار نوراً للناس وأنه الخالق الآتي للعالم فترفضه خاصته، وهو كان مملوءاً
نعمة وحقاً وفيه نحن نمتلئ. يقول الآن أنه هو يسوع المسيح= ويسوع تعني
مخلص، والمسيح أي هو المسيا المنتظر بحسب الأنبياء. لأن الناموس بموسى أعطى،
أما النعمة..=
الناموس كان مؤد بنا إلى المسيح، أما النعمة أي القوة التي تعين
على الخلاص فهذه قد كانت بالمسيح. الناموس لم يكن يستطيع سوى أن يحرم ويمنع
ويعاقب، والإنسان تحت الناموس كان يمتنع عن الخطية خوفاً لا حباً، كان الإنسان قد
فسد من الداخل، وأما النعمة فهي تجعل المؤمن خليقة جديدة لها قوة مستمدة من المسيح
الذي يحيا فينا. هنا يضع يوحنا الناموس في مقابل النعمة. لأن الناموس يدين والنعمة
تعين وهذا لا يستطيعه الناموس. الناموس شَخًّص وحكم على الإنسان بالموت، شخص
الخطية وأجرة الخطية موت. والحق= عكس الحق هو الباطل. والباطل أي العدم
كظاهرة السراب. وسليمان الحكيم قال عن العالم بكل ما فيه باطل الأباطيل. فمن يجري
وراء لذات العالم يكون كمن يجري وراء سراب، هو لن يجني شيئاً. لذلك قال أرمياء
بلسان الله "تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم أباراً أباراً
مشققة لا تضبط ماء" (أر13:2). وبنفس المعنى يقول معلمنا يوحنا "لا تحبوا
العالم .. والعالم يمضي" (1يو15:1-17). فمن هو أعمى سيظل يجري وراء العالم
ظاناً أن فيه شبع، لكنه لا يدري أنه يجري وراء سراب باطل. وأما من فتح المسيح
عينيه وحرره من حب هذا العالم، مثل هذا سيطلب الحق أي المسيح. أليس المسيح هو
الحياة والحياة كانت نور الناس. فبالمسيح ندرك بطلان هذا العالم، بل ندرك المجد
المعد لنا في السماء. ففي المسيح وحده شبع الإنسان "تعرفون الحق والحق
يحرركم" (يو32:8) فمعرفة المسيح ستشبع النفس والروح فلا تعود النفس تجري وراء
أوهام باطلة، والروح القدس يعطي استنارة فنختار المسيح المشبع دون العالم الباطل.
ولنعرف صدق ذلك، لنرى أن أعلى نسب انتحار وأعلى نسب تردد على الأطباء النفسانيون
هي في أغنى دول العالم حيث كل شئ متاح. حقاً كل المطالب المادية متاحة ولكن بلا
شبع حقيقي، فهو ظنوا الإنسان جسد فقط بلا روح. والروح لا تشبع سوى في الله خالقها.
والمسيح ما جاء لينقض الناموس (مت17:5) ، بل ليكمله (مت38:5،39) والناموس كان
ناقصاً لسببين:

1-   
كان
اليهود غير قادرين على ما هو أكثر(مر2:10-9).

2- 
الناموس
كان أداة تأديب وليس قوة تغيير، لأن الناس كانت تمتنع عن الخطية خوفاً من عقوبات
الناموس. أما النعمة فجاءت ليتكمل الإنسان، لذلك قال المسيح على الصليب "قد
أكمل" وفي ظل النعمة يمتنع الإنسان عن الخطية بإرادته الحرة حباً في المسيح.

 

أية
(18): "الله لم يره أحد قط  الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو
خبَّر."

يسوع
المسيح الابن الوحيد لأبيه هو الوحيد الذي يستطيع أن يخبر عن أبيه، بل هو
الاستعلان الكامل لله، والاستعلان الوحيد لله، به وفيه نرى الله الآب (يو26:8،40+
32:10+ 7:14+ 15:15). بينما كان كل من يتكلم عن الله في العهد القديم يتكلم عن
أشباه السمويات وظلها (خر18:33-20)

في
حضن الآب=
الآب
ليس له حضن فهو روح، إنما هي تشير لذات الآب وعمق الآب وصميم جوهره. فالابن قائم
في الآب وكائن معه في ذات الجوهر. عبارة في حضن الآب تشير لعلاقة سرية خفية جداً،
وهي تعبير يشبه قوله "والكلمة كان عند الله" (آية (1) وهي تفيد أن الابن
كائن بالحب في الآب (يو16:8+ 10:14) ولنفهمها بتشبيه بشري، فنحن نقول أن الكلمة
تكون في حضن عقولنا أو أن الفعل يكون في حضن إرادتنا مختفياً. العبارة تعني في
اليونانية متداخل مع الآب أي ليس هناك ثنائية. الله لم يره أحدٌ قط= كان
هناك بعض الظهورات في العهد القديم، لإبراهيم ولموسى وليشوع ولإشعياء.. لكن كل هذا
كان مجرد ظهورات:

1-   
إما
بشكل إنساني كما حدث مع إبراهيم ، وبصورة يفهمها البشر مثل قوله
"جالساً" مثلاً.

2-   
في
حدود ما يحتمله الإنسان كما حدث مع موسى حينما خبأه الله في نقرة في جبل.

·   لكن
لم يرى أحد الله في مجده لأنه كما قال الله "لا يراني إنسان ويعيش"
ومستحيل أن يدرك إنسان طبيعة الله ونحن في هذا الجسد، لذلك قيل عن حزقيال أنه رأي
"شبه مجد الله" كما أن رؤية الله تعني معرفته، ولم يستطع أحد ذلك، لذلك
جاء المسيح.

هو
خبًّرْ=
خبَّر
تعني أعلن وأوضح فكل ما قاله أو عمله المسيح أظهر لنا الآب فهو وحده الذي يعرفه.
فالمسيح حين أقام ميتاً كان يعلن أن إرادة الآب هي أن نحيا ولا نموت وحين فتح أعين
أعمى كان يعلن أن الآب يريد لنا الاستنارة وهكذا عرفنا ورأينا الآب "من رآني
فقد رأى الآب"

وكلمة
يخبر باللغة اليونانية هي "اكسيجيساتو" وتعني حل الألغاز. ومنها أخذت
اللغات الأخرى كلمة علم التفسير
EXEGESIS أي التفسير والشرح والتوضيح للأمور الخفية فالمسيح هو الله
المعلن. والله هو من أعلنه المسيح في ذاته وفي أقواله وفي أعماله. وهكذا رأينا حب
الله الذي لا يوصف وتواضعه العجيب على الصليب وفي غسل الأرجل. لقد عرفنا صفات الله
حين رأينا المسيح.

 

(يو19:1-37)

آية
(19): "وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه
من أنت."

وهذه
هي شهادة يوحنا=
ركز الإنجيلي يوحنا على شهادة المعمدان للمسيح لأن المعمدان
رأى الروح القدس يستقر عليه وسمع صوت الآب شاهداً للمسيح أنه ابنه الحبيب. ولأن
يوحنا الإنجيلي كان يتكلم عن لاهوت المسيح فهو اهتم بأن يكون هناك شهود، لأن
المسيح لم يكشف لاهوته بصورة علنية. والمسيح أشار لشهادة المعمدان عنه
(يو32:5،33). اليهود= هم رؤساء اليهود أي السنهدريم (وكانت هذه مهمة
السنهدريم بحسب الناموس أن يحققوا من أي إنسان يدعى النبوة (تث1:13،2) وهؤلاء إذ
وجدوا أفواجاً من البشر بالآلاف تذهب للمعمدان، تعترف وتتوب عن خطاياهم وتعتمد،
وسمعوا أنه يوبخ بعنف، وبالذات كان اهتمام السنهدريم بأنه وبخ الفريسيين وهم أئمة
الأمة علماً وتعليماً، والصدوقيين وهم طبقة الكهنوت شكلوا لجنة من الكهنة
واللاويين
لتقصي الحقائق ودراسة الأمر رسمياً. وهم أرسلوا كهنة ولاويين لأن
يوحنا يقوم بعمل طقسي فيه تعميد واعتراف بالخطايا، وأعمال التطهير هي عمل الكهنة
واللاويين، ويوحنا كان كاهناً فهو ابن كاهن ولكن طريقة يوحنا في التعميد في الأردن
كانت جديدة عليهم. فهم كانوا يعمدون الأمم الداخلين لليهودية لكن كون يوحنا يعمد
يهوداً بل وفريسيين (المعتبرين أنقياء وبلا لوم) فهذا كان غريباً وغير مقبول ولاحظ
أن النبوة متوقفة من 400سنة. وكانت أسئلة لجنة السنهدريم ليوحنا.. هل أنت المسيا؟!
فاليهود كانوا يقدرون ويحترمون يوحنا المعمدان فهو ابن كاهن عظيم وله هيئة
الأنبياء في إعراضه عن الدنيا وفي ملبسه. ومن أعجابهم به ظنوه المسيح. وهو كان
شخصية جبارة قال عنها السيد المسيح "ماذا خرجتم لتنظروا. هل قصبة تحركها
الريح" ولكنه كان متواضعاً جداً. اليهود= يعني بهم يوحنا الشعب
المعارض والمقاوم للمسيح.

آية
(20): "فاعترف ولم ينكر واقر أني لست أنا المسيح."

نفي
يوحنا أنه المسيح، وكان نفيه قاطعاً إذ أن كثيرون ظنوا أنه المسيح (لو15:3). اعترف
ولم ينكر وأقر=
كل هذا التأكيد لأن جماعة من تلاميذ يوحنا ظلت تؤمن بالمعمدان
وترفض المسيح.

آية
(21): "فسألوه إذا ماذا إيليا أنت فقال لست أنا النبي أنت فأجاب لا."

إيليا
أنت=
هم
يعلمون بحسب نبوة ملاخي أن إيليا يسبق مجيء المسيح. والمعمدان أخذ روح وقوة إيليا
وكان هو السابق للمسيح في مجيئه الأول. وإيليا سيكون السابق في مجيئه الثاني.
وحينما ظهر إيليا مع المسيح يوم التجلي تصور التلاميذ أن إيليا سيبقى حتى يظهر
المسيح في قوته وملكه (مت10:17) فلما اختفى إيليا تحيَّر التلاميذ وسألوا المسيح
"أليس ينبغي أن يأتي إيليا أولاً" والمسيح لم يكن يريد في هذا الوقت أن
يشير لأن هناك مجيء أول (ملا1:3) يسبقه فيه المعمدان، ومجيء ثانٍ (ملا5:4) يسبقه
فيه إيليا، فأشار لمجيء المعمدان كسابق له ولكن بروح وقوة إيليا واكتفى بذلك.

النبي
أنت=
هم
لم يسألوه هل أنت نبي، فهو كان عند الشعب في نظرهم كنبي ولكنهم يشيروا لنبوة موسى
(تث18:18) والتي يتكلم فيها عن مجيء المسيح ولكن الصورة لم تكن واضحة في أذهانهم
عن هذه النبوة. وقولهم نبي معرفة بالـ يقصدون به النبي الذي تنبأ عنه موسى
(يو14:6). وهذه النبوة استخدمها بطرس واسطفانوس (أع22:4+ 37:7)

الآيات
(22،23): "فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك.
قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي."

(راجع
إش3:40) فيوحنا كان صوت إنذار للشعب حتى يقبلوا المسيح الكلمة. وهو صارخ فهو مملوء
بقوة الروح القدس الذي يملأه. قوموا طريق الرب= حينما يذهب الملك إلى مكان
وعر (جبال ووديان) يعبدوا له الطريق. برفع الأماكن الواطئة وإزالة المرتفع.
وروحياً فالأماكن الواطئة تشير للدونية وصغر النفس والتواضع الكاذب والأماكن
العالية تشير للكبرياء والتعلق بعظمة العالم واشتهاؤه. وبدون هذا وذاك نعد الطريق
للرب ليسكن في حياتنا.

الآيات
(24،25): "وكان المرسلون من الفريسيين. فأسالوه وقالوا له فما بالك تعمد أن
كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي."

هذا
سؤال خبيث ليصطاوا المعمدان ويدينوه:-

1-    التهمة
الأولى
: أنه يعمد بدون إذن السنهدريم، فكأنه سحب منهم سلطانهم.

2-  التهمة
الثانية
: هم كانوا يعمدون الأمم في حالة إنضمامهم لليهودية، فكيف
يعمد المعمدان الشعب المقدس وهو ليس المسيا. هم يريدون إلصاق تهمة إهانة الأمة
اليهودية له لكنهم لم يتخذوا قراراً ضده بسبب محبة الشعب له بالرغم من رفضهم له،
لذلك أحرجهم سؤال المسيح لهم "معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس
(مر30:11)

الآيات
(26،27): "أجابهم يوحنا قائلاً أنا اعمد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم
تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق أن احل سيور
حذائه."

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أوهد 1

نرى
هنا تواضع المعمدان بالرغم من سمو مركزه فالمسيح شهد له بأنه أعظم مواليد النساء.
وإجابة المعمدان هنا حيَّرت لجنة السنهدريم. ولا نعرف بقية قصة هذه اللجنة التي
غالباً ما انسحبت ورجالها في حيرة. وجواب المعمدان هنا كأنه يقول "تسألونني
عن المعمودية ولماذا أعمد هل أنا المسيح، والحقيقة فإن المسيح الذي تبحثون عنه هو في
وسطكم
الآن ولكنكم لا تعرفونه= وهنا نقف لكي نتأمل .. كم من مرة كان
المسيح وسطنا، ولم ندرك أنه بيننا، بسبب خطية فينا. في وسطكم قائم= هذه
تساوي لهم عيون ولكنهم لا يبصرون. أحل سيور حذائه= جاء في التلمود أن
التلميذ يجب أن يقوم لمعلمه بكل الخدمات التي يقوم بها الخادم لسيده ما عدا حل
سيور حذائه، ويوحنا بقوله هذا كأنه يقول أنا لست مستحقاً أن أكون تلميذاً للمسيح
بل خادماً له. إذاً لا تنشغلوا بي ولا بمعموديتي بل بمن هو أعظم منى بما لا يقاس.

آية
(28): "هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يعمد."

بيت
عبرة=
هي
عبر الأردن جنوب بحر الجليل على بعد 14 ميلاً. والمكان ضحل يمكن عبوره لقلة عمق
مياهه لذلك سميت بيت عبرة (ويقال أنه كان هناك عبارة لنقل الناس والبضائع في ذلك
المكان، ويقال في هذا المكان عبر بنو إسرائيل مع يشوع). والمعمدان بدأ كرازته في
اليهودية على الشاطئ الغربي (مت1:3). ولكنه يبدو وأنه بدأ العماد عبر الأردن في
هذا المكان (يو4:10). وشهادة المعمدان عن المسيح أثارت أذهان تلاميذه عمن هو
المسيح الذي شهد له معلمهم.

آية
(29): "وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع
خطية العالم."

هوذا=
تقال
للفت الأنظار لشخص عجيب أو ضالة كان ينشدها أحدهم فوجدها. ونفهم أن المسيح سبق
وأتى للمعمدان ليعمده، وهذا ما ذكره متى ومرقس ولوقا ربما في اليوم السابق لهذه
الآية. وفي خلال المعمودية رأى المعمدان ما رآه من انفتاح السماء للمسيح. والآن يرى
المعمدان المسيح فيعرفه ويشير له أنه حمل الله. وترتيب الحوادث في هذا
الأسبوع الذي بدأ فيه المسيح خدمته:-

1-    أتي
المسيح للمعمدان ليعمده.

2-    ذهب
للبرية ليجرب من إبليس.

3-    أتى
للمعمدان في هذا اليوم ليشهد له.

4-    بدأ
في اختيار تلاميذه.

ونلاحظ
تكرار كلمة في الغد هنا 3 مرات، فيوحنا الإنجيلي يتابع المسيح يوماً بيوم في أول
أسبوع لخدمته.وكما أن (تك1) يتابع الخليقة القديمة يوماً بيوم. هكذا في بداية
الخليقة الجديدة يتابع يوحنا أعمال الخالق يوماً بيوم. وفي الغد هنا تعني غد يوم
أرسل اليهود البعثة لتسأله. نظر يوحنا يسوع مقبلاً= أتى يسوع بعد أن انتصر
على إبليس ولكن لماذا أتى؟! المسيح في بدء خدمته يحتاج شهادة وإعلان حتى يعرفه
الناس فهذه اللحظة هي لحظة تسليم وتسلم، المسيح أتى للمعمدان ليعطيه فرصة أن يشهد
له ويستلم المسيح تلاميذه الذين أعدهم له المعمدان مثل يعقوب ويوحنا أبنا زبدي وبطرس
وأندراوس. هوذا حمل الله الذي يرفع..= قالها المعمدان بروح النبوة، إذ رأي
مجمل الفداء في لحظة. هذه أوضح شهادة عن المسيح قدمها إنسان، لكنه إنسان مملوء
بالروح الذي فتح عيني قلبه. وقوله حمل الله أي المعين من الله والمقدم والمقبول من
الله. وربما كانت عين المعمدان وهو يقول هذا على خروف الفصح أو الحمل الذي يقدم
كذبيحة صباحية وذبيحة مسائية. واسم الحمل يدل على وداعة المسيح ولطفه وحنانه
وتسليمه [فالحمل صامت وديع. لا يفتح فاه أمام من يجزه (إش7:53)] وغفرانه.

خطية
العالم=
قالها
بالمفرد لتشير للمعنى الكلي للخطايا، ولأصل الخطايا ومبدأها ونبعها. والمسيح قدم
الخلاص لكل العالم ولكن من يخلص هو من يؤمن ويعتمد (مر16:16). يرفع= جاءت
في المضارع بمعنى يرفع ويظل يرفع خطايا العالم (1يو5:3) ويوحنا شعر بأن معموديته
لا ترفع خطايا الناس بل هذا الحمل سيرفعها، بل هو سينهي سطوتها (رو14:6+ رو3:8).

آية
(30): "هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي."

هو
يأتي كسابق للمسيح (ملا1:3). ولكن المسيح الأزلي كان قبله. صار قدامي= في
البهاء والعظمة والمجد.

آية
(31): "وأنا لم اكن اعرفه لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت اعمد بالماء."

أنا
لم أكن أعرفه=
لقد عاش يوحنا المعمدان في البراري، ولم يرى أحد إلى يوم
ظهوره لإسرائيل (لو80:1). ويقول التقليد أن زكريا أو المعمدان حينما جاء عساكر
هيرودس ليقتلوا الأطفال أن زكريا قال للجند سأسلمه إليكم من المكان الذي أخذته
منه، وجري إلى الهيكل يحمل ابنه بين ذراعيه والجند يجرون وراءه فلما بلغ الهيكل
أمسك بقرون المذبح وصرخ لله فخطفه ملاك الرب من بين ذراعيه وطار به إلى البرية،
فلما لم يجده الجند قتلوا أباه زكريا بالسيف، وأما يوحنا فقد ظل في البرية حتى كبر
وصار يافعاً، فهو لم يرى المسيح بالرغم من أن له قرابة جسدية معه. والمعمدان يقول
هذا حتى لا يظن أحد أنه يشهد للمسيح بسبب هذه القرابة. وهو يؤكد أنه يشهد له بسبب
ما رآه من انفتاح السموات له حين جاء ليعتمد منه، فعرف من هذه العلامة أنه ابن
الله. وربما هو عرفه بالجسد ولكن الروح أعلن له من هو. ونحن حتى نعرف المسيح علينا
أن نتوب فيعلن لنا الروح عن المسيح.

الآيات
(32،33): "وشهد يوحنا قائلاً أني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء
فاستقر عليه. وأنا لم اكن اعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى
الروح نازلاً  ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس."

هنا
نجد شهادة يوحنا الإنجيلي بأنه سمع من المعمدان شهادته عن المسيح. رأيت الروح= هو
رأى رؤيا غير عادية، رأى حمامة وعرف أنها هي الروح القدس وقد استقر على المسيح.
وكانت هذه علامة معطاة له ليعرف أن هذا هو المسيح ابن الله. ونلاحظ أن الله حين
ظهر في العهد القديم لبني إسرائيل حدثت بروق ورعود وزلازل، ولكن العهد الجديد عهد
السلام، يحل فيه الروح القدس على هيئة حمامة رمزاً للسلام. فالمسيح أتي وهو ملك
السلام. مستقراً= ثابتاً لأنه أرتاح وصار حلوله في الكنيسة ثابتاً فالكنيسة
هي جسد المسيح.

آية
(34): "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله."

هنا
نجد شهادة علنية من المعمدان، أن المسيح هو أبن الله المسيا المنتظر، ولأن
المعمدان عرف أنه ابن الله، قال "أنا لست أهلاً أن أحل سيور حذائه" وهذه
لا تقال عن إنسان مهما كان مركزه. وقال عنه سيعمد بالروح القدس، ومن الذي له هذا
السلطان سوى ابن الله، وكانت العلامة التي بها يعرف أنه المسيح هي حلول الروح
القدس كحمامة عليه. وكثيرون أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا بأن المسيح هو ابن الله
(بطرس مت17:16، نثنائيل يو49:1، مرثا يو26:11،27، والأعمى أول مدافع عن المسيح آمن
بهذا يو38:9). ومن يرى ويعرف يشهد.

الآيات
(35-37): "وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفا هو واثنان من تلاميذه. فنظر إلى
يسوع ماشياً فقال هوذا حمل الله. فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع."

هنا
نجد أن يوحنا يحُوِّل تلاميذه للمسيح بعد أن عرف أنه ابن الله. هوذا حمل الله=  لقد
سبق المعمدان وقالها (آية 29) فلماذا يكررها؟ المعنى هنا، أنه يقول لتلاميذه لماذا
لا تتبعاه، لقد انتهت مهمتي معكم.

والدارسين
يقولون أن هذه الأحداث جرت قبل الفصح الأول للمسيح.

ونحن الآن في نهاية
خدمة المعمدان وبدء خدمة المسيح. وهذه الأحداث هنا جرت في اليهودية قبل أن ينطلق
الرب إلى الجليل.

ولقد
التصق يوحنا الإنجيلي بالسيد المسيح منذ أول يوم لخدمته، فهو كان تلميذاً
للمعمدان. وهو أحد التلميذين المذكورين في آية (35) والتلميذ الآخر هو أندراوس آية
(40). وكعادة يوحنا فهو لا يذكر اسمه تواضعاً منه. ولكن من المؤكد أن التلميذ
الآخر هو يوحنا الإنجيلي كاتب الإنجيل الذي يروى القصة بدقة شديدة حتى أنه يذكر
الساعة (آية 39)

وهو
في آية (35) يذكر أنهم تلميذين فالشهادة تكون باثنين (يو17:8) وأندراوس هو أخو
سمعان بطرس.

والتلميذان
سارا وراء يسوع دون أن تكون لهما الجرأة على الحديث معه.

 

آية (38): "فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان
فقال لهما ماذا تطلبان فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث."

فيما سبق رأينا المعمدان كسابق للمسيح وشاهد
له بأنه إبن الله. ورأيناه يحول تلميذين له وهما يوحنا الإنجيلي نفسه وأندراوس
للمسيح قائلاً هذا هو حمل الله ورأينا التلميذين يسيران وراء المسيح في خجل دون أن
يسألاه شيئاً، ولكنهما في أعماقهما كانا قد إتخذا قراراً بأن يتبعاه. والمسيح الذي
يختار تلاميذه بدأ هو وبادرهما بالسؤال ماذا تطلبان= هذه تشبه بالعامية
"عاوزين إيه" حتى يسهل مهمتهما فيتكلمان ويعلنا أنهما يريدان أن يكونا
تلاميذاً له. هو يشجعهما ليتكلما. والآن السيد يطلب من كل منا أن يحدد موقفه، ماذا
نريد منه؟ هل نريد ماديات أو نريده هو لشخصه.

رابي أو ربي= لقب يطلق على أعظم علماء
اليهود ومعلميهم. والمعلم هي درجات (راب/ رابي/ رابوني).

 

آية (39): "فقال لهما تعاليا وانظرا
فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم وكان نحو الساعة العاشرة."

تعاليا وأنظرا= فالمسيح
أراد أن يعرف كلاهما أنه إنسان متواضع يقيم في مكان متواضع حتى لا يظنا أنه يقيم
في قصر، يعرفاه على حقيقته. إنساناً فقيراً لا يملك شيئاً، وحتى لا يتوهما أنهما
سيملكان معه ويكون لهما جاه أرضي. ولكن.. تعاليا وأنظرا= هي دعوة للخبرة
الشخصية مع يسوع هذه تشبه قول داود "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" فمن
يريد أن يعرف المسيح يأتي لينظر ويتذوق فيفرح ويقرر الإلتصاق به فكلام الحياة
الأبدية هو عنده. حقاً هو لم يَعِدْ بالجاه الأرضي بل بالحياة الأبدية والفرح السماوي
الذي يملأ القلب هنا على الأرض وفي السماء. وهذه دعوة الروح القدس والكنيسة لكل
واحد "تعال" (رؤ17:22). وقد قضى يوحنا وأندراوس اليوم مع المسيح (ما
أحلى أن نقضي يوماً مع يسوع) حتى الساعة العاشرة بالتوقيت اليهودي أي الرابعة بعد
الظهر، وكانوا منبهرين بتعليمه وكلامه وأقواله، ويوحنا بعد 60سنة مازال يذكر
الساعة التي ترك فيها بيت يسوع مساءً والتي قرر فيها أن لا يتركه العمر كله إذ
عنده الحياة. الساعة التي أدرك فيها أنه يحب المسيح لأن المسيح أحبه أولاً.

 

الآيات (40-42): "كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحداً
من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه. هذا وجد أولاً أخاه سمعان فقال له قد وجدنا
مسيا الذي تفسيره المسيح. فجاء به إلى يسوع فنظر إليه يسوع وقال أنت سمعان بن يونا
أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس."

أندراوس بعد زيارته للمسيح عرف وآمن أنه المسيح فدعا أخوه
سمعان قد وجدنا= أي أنا ويوحنا، وقد يعني أن الأمة اليهودية وجدت المسيا،
فهم كانوا يفتشون الكتب وينتظرون المسيا. وهذه لابد أن تكون كرازة كل خادم، علينا
أن نتذوق حلاوة المسيح، ونقول قد وجدنا مسيا. ولكن من لم يجد المسيح أولاً لن
يستطيع أن يأتي بأحد للمسيح. أندراوس أخو سمعان= فسمعان بطرس صار الأشهر. هذا
وجد أولاً=
هذه تعني واحدة من إثنين:-

1) 
إن كل من أندراوس ويوحنا
ذهب ليدعو أخاه فأندراوس ذهب ليدعو سمعان ويوحنا ذهب ليدعو يعقوب ليتتلمذا على
المسيح، وأندراوس وَجَدَ سمعان أولاً وأتى به للمسيح قبل أن يأتي يوحنا
بيعقوب للمسيح.

2) 
ربما ذهب أندراوس ويوحنا
ليبحثا عن سمعان أخو أندراوس ووجده أندراوس أولاً قبل أن يجده يوحنا. ولاحظ
أن أندراوس لم يحسد أخوه بطرس إذ صار أحد الأعمدة، وأندراوس هو الذي دعاه. ولاحظ
أن من يعرف يسوع يسعى لأن يعرفه الآخرون (مز14:45،15+ نش4:1)

صفا= كيفا بالآرامية وتعني
حجر. وباليونانية بتروس
petros أي بطرس ونلاحظ أن في (مت18:16) المسيح يعيد التأكيد على هذا
الإسم بعد أن إعترف بطرس أن المسيح هو إبن الله. ونلاحظ أن المسيح هنا عرف إسم
سمعان بن يونا من نفسه ولم يخبره أحد. وأن المسيح غَيرَّ إسم سمعان إلى بطرس كما
غَيرَّ إسم إبرام إلى إبراهيم وساراي إلى سارة.. إشارة لبدء حياة جديدة. وغير
المسيح إسم يوحنا ويعقوب أخيه فصارا بوانرجس أي إبني الرعد. وهكذا تغير الكنيسة
إسم الكاهن بعد سيامته أو الراهب أو الأسقف أو البطريرك إشارة لحياته وخدمته
الجديدة تاركاً حياته القديمة.

ونلاحظ أن بعد هذا التعارف عاد التلاميذ إلى حياتهم
القديمة ومهنتهم السابقة في صيد السمك، إلى أن دعاهم المسيح ليتركوا مهنتهم
القديمة ويتبعوه (مت18:4-22). وما جاء هنا في هذه الآيات من إنجيل يوحنا من
التعارف الذي حدث بين المسيح وبين بطرس وأنداروس ويوحنا ويعقوب يفسر ما جاء في (مت18:4-22)
من حيث الإستجابة الفورية لدعوة المسيح وتركهم الشباك، إذ هم كانوا قد سبق وأعجبوا
بالمسيح وقرروا أن يتتلمذوا له. (وبعد هذا ثبت المسيح إيمانهم بمعجزة صيد السمك
الكثير (لو3:5-11). فالمسيح لا يجبر أحداً أن يتبعه، ولا هو عنده عصا سحرية يشير
بها لأحد أن يتبعه فيتبعه. بل أقنع هؤلاء التلاميذ فتبعوه (أر7:20). أنت سمعان=
إذاً هذا إعلان بأنه يعرف إسمه. تدعى صفا= إعلان بأن المسيح كشف
مستقبله ومجاهرته بالإيمان. مسيا الذي تفسيره المسيح= مسيا هي الصيغة
اليونانية للكلمة الآرامية مشيحا والعبرية مشيح والعربية مسيح، ولأن يوحنا كان
يكتب للأمم فسر كلمة مسيا. والمسيح أي الممسوح بالروح القدس ليقوم بعمل الفداء.

 

الآيات (43،44): "في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى
الجليل فوجد فيلبس فقال له اتبعني. وكان فيلبس من بيت صيدا من مدينة أندراوس
وبطرس."

في الغد= هذه ثالث مرة يقال
فيها في الغد. فهنا يوحنا الإنجيلي يتابع أحداث الأسبوع الأول لخدمة المسيح يوماً
بيوم. ومن هذه الآية إنتقل المسيح من خدمة اليهودية إلى خدمة الجليل. وفي خلال هذه
المدة للمسيح في اليهودية لم يصنع شئ سوى إختيار تلاميذه والتعرف عليهم.

وفيلبس كان قد سمع من
بطرس وأندراوس عن يسوع فهو من مدينتهما فتبع يسوع إذ دعاه. ويسوع دعاه هو أيضاً
قبل ذهابه إلى الجليل. وكان فيلبس أول من دعاه يسوع.

 

من بيت صيدا

من مدينة أندراوس وبطرس.

من: هنا تفيد مدينة المعيشة والإقامة

من: هنا في اللغة اليونانية تفيد مدينة الميلاد وهي
كفرناحوم.

 

إذن فيلبس كان من بيت صيدا (في الجليل وتعني بيت الصيد
فأغلب سكانها صيادي سمك وهؤلاء تحولوا صيادين للناس). وهي مدينة أندراوس وبطرس
وكان أول صيد لأندراوس هو بطرس وأول صيد لفيلبس هو نثنائيل، وهو من مواليد
كفرناحوم مثل بطرس وأندراوس فكان صديقاً لهما منذ فترة الطفولة. ويقول التقليد أن
فيلبس هو الذي إذ دعاه المسيح إعتذر قائلاً أنه يطلب أن يدفن أباه أولاً فقال له
المسيح دع الموتى يدفنون موتاهم وإتبعني (مت22:8).

 

آية (45): "فيلبس وجد نثنائيل وقال له
وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة."

وجدنا= إذاً كان هناك
نفوس كثيرة تدرس وتفتش وتنتظر المسيح بأمانة. وهؤلاء وجدوه. ويبدو أن كل من أتته
الدعوة وإستقبلها بفرح تحول إلى كارز. ونثنائيل من قانا الجليل (يو2:21). وغالباً
وجد فيلبس نثنائيل في قانا نفسها. ونثنائيل هو برثولماس وندرك هذا من مقارنة (مت3:10
مع مر16:3-19) فكلاهما ألصق إسم برثولماس بفيلبس فمن يذكر نثنائيل لا يذكر
برثولماس. وبمقارنة (يو2:21 مع أع13:1) نجد أن يوحنا يضع إسم نثنائيل بعد توما
ويضعه لوقا في سفر أعمال الرسل على أنه برثولماس بعد توما أيضاً. كتب عنه موسى=
(تث15:18+ يو46:5) إذاً فيلبس كان دارساً للكتاب المقدس. يسوع إبن
يوسف=
هذا هو الإسم الذي عرف به المسيح في الناصرة التي قضى فيها أغلب فترات
حياته على الأرض.

 

آية (46): "فقال له نثنائيل أمن الناصرة
يمكن أن يكون شيء صالح قال له فيلبس تعال وانظر."

هم كيهود كانوا يتصورون أن المسيح يكون عظيماً ويخرج من
مدينة عظيمة (يو52:7) (أو بحسب النبوات يخرج من بيت لحم). وكان اليهود حتى
الجليليين يحتقرون سكان الناصرة ربما لأنها صغيرة وربما لإختلاط أهلها بالوثنيين
وتجارتهم معهم. فهل يخرج المسيح من مدينة صغيرة كالناصرة؟! وكان رد فيلبس العملي
تعال وأنظر، ليختبر المسيح كما إختبره فيلبس وآمن به.. "ذوقوا وأنظروا ما
أطيب الرب" هذه طريق كل من تذوق الرب.

 

آية (47): "ورأى يسوع نثنائيل مقبلاً
إليه فقال عنه هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه."

لا غش فيه= أي مستقيماً لا
يلتوي ولا يكذب ولا يعرف الغش والرياء. يطلب بصدق أن يعرف الله، ويطلب وجه الله
كما ينبغي أن يكون الإسرائيلي (رو28:2،29). وإسرائيل هو الإسم الذي أخذه يعقوب
لأنه جاهد مع الله والناس وغلب (تك28:32). ولا يقصد جنسيته أو قوميته.

 

آية (48): "قال له نثنائيل من أين تعرفني
أجاب يسوع وقال له قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك."

من أين تعرفني= يبدو
أن وصف السيد المسيح عن نثنائيل كان له معنى عند نثنائيل جعله يشعر أن يسوع يعرفه
وتفسير وأنت تحت التينة رأيتك= حسب ما جاء في تقليد قديم.. أن جنود هيرودس
إذ جاءوا ليقتلوا أطفال بيت لحم، أخفت أم نثنائيل إبنها في سفط وضعته تحت التينة
وخبأته فيها فلم يجده جنود هيرودس، وهذه القصة لا يعرفها سوى نثنائيل وأمه فقط،
لذلك ذُهِلَ نثنائيل إذ أخبره بها المسيح، إذ شعر أن لا شئ مخفي عن عينيه. تحت=
لغوياً تشير لإختفاء شئ تحت شئ. وقد يشير المعنى عموماً لأن التينة لها معنى
في حياة نثنائيل كأن يكون له ذكريات روحية وهو يصلي تحتها إذاً بهذا فهم نثنائيل
أن المسيح مطلع على المشاعر الروحية أيضاً. إذاً هو فاحص القلوب.

 

آية (49): "أجاب نثنائيل وقال له يا معلم
أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل."

آمن به إذ رآه قادراً مقتدراً يعرف كل شئ فآمن أنه المسيا
المنتظر. واليهود يفهمون أن الله هو ملك إسرائيل الحقيقي. وكان إختيارهم لشاول
ملكاً رفضاً لله كملك لهم. وكان نثنائيل هو أول من اعترف من التلاميذ بأن المسيح
هو إبن الله (المعمدان قالها قبله).

 

آية (50): "أجاب يسوع وقال له هل أمنت
لأني قلت لك أني رأيتك تحت التينة سوف ترى أعظم من هذا."

المسيح يقصد أنه سوف يرى أعمال ومعجزات عجيبة يفعلها
المسيح بسلطان بل هو في المستقبل سيدرك أن المسيح بلاهوته مختفي وراء هذا الجسد
المتواضع.

 

آية (51): "وقال له الحق الحق أقول لكم
من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان."

من بدء تجسد المسيح صار هو الصلة بين السماء والأرض،
فالصلح قد تم وصار الإبن هو طريقنا للسماء [لقد صار جسد المسيح طريقاً حياً حديثاً
ندخل به للأقداس (عب19:10-20)] وهذه الآية فيها إشارة لرؤيا يعقوب إذ رأى سلم
منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها
(تك12:28). والسلم هو رمز للمسيح فبه نصعد للسماء وهو الذي نزل ليصعدنا. وبه صار
الصلح فصعدت الملائكة ونزلت على البشر، والمسيح بلاهوته يسمو إلى أعلى السموات
وبناسوته نزل للأرض ليصعد به وبنا للسماء لنكون في المجد. ولقد رأى إسطفانوس فعلاً
السماء مفتوحة، ثم رآها بولس الرسول في الرؤيا في طريقه إلى دمشق، ورآها بعد ذلك
يوحنا في رؤياه. ولكن المقصود أن السماء إنفتحت لتنسكب مراحم الله على البشر.
والملائكة فعلاً ظهرت في ميلاد المسيح وجاءت ملائكة تخدمه بعد تجربته (مت11:4)
وجاء ملاك يقويه في يوم خميس العهد وهو يصلي، وظهرت الملائكة بعد قيامته وكل هذا
أعظم من ذكر قصة التينة، فالملائكة هم خدام له. وكما حدث مع المسيح سيحدث مع
الكنيسة جسده والملائكة تصعد وتنزل لتخدم العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب14:1)
والكنيسة تؤمن أن الملائكة موجودة معنا دائماً وفي شركة معنا. وفي نهاية كل قداس
يصرف الكاهن ملاك الذبيحة. لقد وحَّدَ المسيح بصليبه السمائيين والأرضيين وجعلهما
واحداً. وهم يفرحون بكل خاطئ يتوب. ونحن وهم نقف أمام عرش الله مسبحين. والمسيح
قال يصعدون قبل أن يقول ينزلون. فهو أتى بهم عند تجسده أولاً ثم صاروا يصعدون
وينزلون.

ولاحظ أن نثنائيل قال إبن الله، والمسيح يقول عن نفسه أنه
إبن الإنسان. فهو إبن الله الذي صار إبن إنسان ليحملنا فيه إلى السماء، فصار السلم
الذي به نصعد للسماء. فحلم يعقوب تحقق في تجسد المسيح وصارت السماء مفتوحة
للإنسان. هناك كثيرين شهدوا بأن المسيح هو إبن الله، لكن المسيح أطلق على نفسه إبن
الإنسان.

نرى هنا في هذه الآيات شهادات مختلفة عن المسيح :

1- شهادة يوحنا المعمدان….. هوذا حمل الله           (آية29،36)

2- شهادة يوحنا المعمدان….. هذا هو إبن الله          (آية34)

3- شهادة إندراوس……… قد وجدنا مسيا  (آية41)

4- شهادة فيلبس………. من كتب عنه موسى       (آية45)

5- شهادة نثنائيل………. أنت إبن الله أنت ملك(آية49)

والشهادة تقوم على فم إثنان بحسب الناموس.

ونلاحظ أن هناك تدرج في شهادات التلاميذ.

ونرى طرق مختلفة يجذب بها المسيح تلاميذه والمؤمنين.

للمسيح طرق مختلفة يجذب بها تلاميذه ويجذب بها المؤمنين
لكي يؤمنوا، كل بحسب حاجته، فهو يعرف الطريقة التي يجذب بها خاصته.

1. 
يوحنا وأندراوس أتيا
نتيجة شهادة معلمهما المعمدان، ثم توطد إيمانهما بعد محادثة مع المسيح في البيت،
وحوار في الطريق دعاهما المسيح إليه.

2.    
سمعان جاء نتيجة شهادة
أخيه أندراوس، وتوطد إيمانه بعد أن كلمه المسيح وغيَّر إسمه كاشفاً له مستقبله،
ومعجزة صيد السمك (لو5).

3. 
فيلبس أتى بدعوة مباشرة
من المسيح، إستأسرته فيها شخصية المسيح القوية فلم يتردد. لقد ذهب المسيح إلى
فيلبس ليدعوه. فهناك من أتى للمسيح وهناك من ذهب إليه المسيح.

4.    
نثنائيل جذبه المسيح بكشف
أسرار لا يعرفها سواه.

وحتى الآن فهناك من ينجذب بعظة، أو بدعوة من أب إعترافه،
أو بمعجزة شفاء، أو بضربة تأديب، الله له وسائله المتنوعة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي