الإصحاح الثالث عشر

 

آية (1): "لتخضع
كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة
من الله."

إنتهي كلام الرسول في
ص12 عمن يضطهد المسيحي من وسط إخوته وكيف يتم التعامل معه. وهنا يكلمني عن إضطهاد
الدولة، فقد يتصور أحد أنه يجب أن نثور علي الدولة التي تضطهدنا. فبولس يكتب هذا
الكلام أيام الدولة الرومانية التي إضطهدت المسيحيين إضطهاداً عنيفاً. وهنا يشرح
الرسول أنه علي المسيحي أن يخضع للدولة التي تضطهده ويصلي عنها، فالمسيحي يصلي عن
الملك أو الرئيس وعن الدولة، والله هو الذي يتصرف معه، فنحن لا نفهم مبدأ الثورة
علي الملك أو الرئيس فهو مُعَيّن من الله. قد يكون الملك ظالماً ولكن وجوده هو
بسماح من الله ولحكمة يعلمها الله وحده. ولنسمع أن الله يقول لفرعون "إني
لهذا بعينه أقمتك" (رو17:9)، فقسوة وغباء فرعون كانا السبب في إيمان اليهود
بل والمصريون الذين عرفوا من هو يهوه. وإذا كان بولس قد رفض ثورة  المرأة علي
زوجها في خلع غطاء الرأس (1كو1:11-16) فهل يسمح بثورة المسيحيين ضد الملك. ولاحظ
أن الدولة الرومانية كانت تتوجس شراً من المسيحيين لإيمانهم بالمسيح كملك لهم، فهم
لم يفهموا معني الملك السماوي، ثانياً لأن المسيحية كانت لا ترتاح لنظام العبيد
السائد، ولكن مع هذا لم تدعو المسيحية لثورة العبيد، فالمسيحية لا تصلح الأخطاء
بالثورات بل بإصلاح الداخل. ثالثاً فالدولة الرومانية قد عانت من ثورات اليهود،
فكان اليهود يطبقون الوصية "إنك تجعل عليك ملكاً من وسط إخوتك"
(تث15:17) بطريقة حرفية، فأثاروا الشغب حتى في روما ضد قيصر فطردهم من روما
كلوديوس قيصر (أع2:18) حوالي سنة 49م. وعموما كان فكر اليهود أنهم إنتظروا المسيا
ليخلصهم من السلطة الرومانية. ويبسط نفوذهم إلي كل العالم (وهذا فكرهم للآن) ولما
لم يجدوا هذه الصورة في المسيح صلبوه. أمّا المسيحي فيدرك أن السماء هي دائرة 
إهتماماته الداخلية (كو1:3،2).

وهكذا فنحن لا نطمع في
مراكز سياسية عالمية لأن كنيستنا هي مؤسسة سماوية ونحن أيضاً لا نهتم بالإضطهاد
الذي يقع علينا ونحن لا نثور ضد من يضطهدنا. ونحن نخضع للرئيس أو الملك في كل شئ
إلا في شئ واحد هو أن يأمرنا بترك المسيح. ولاحظ أن الرومان نظروا للمسيحية علي
أنها شيعة من اليهود، ولأن اليهود ثائرين علي الدولة، ظن الرومان أن المسيحيين
مثلهم. ومع ملاحظة أنه في الوقت الذي كان فيه نيرون يضطهد الكنيسة لم يري بولس
الرسول أن علي الكنيسة أن تقاومه، بل رأي أنه أقيم بسماح إلهي لخير الكنيسة، بل
طلب أن ترد الكنيسة بالحب علي إضطهاده وأن تصلي لأجله وتخضع له. ومع كل هذا إتهم
المسيحيين أنهم مثيري فتن وسبب تكدير للأرض، وهذا ليجدوا مبرراً لوحشيتهم. وكان
أقل خطأ من مسيحي يشنع به في الحال. ومع هذا يقول الرسول لتخضع= الخضوع هنا
لا يعني ضعفاً بل طاعة في الرب، فنحن لا نخاف من الناس بل من الشر.

والمسيحي يشعر أن حياته
ليست في يد الملك، بل في يد الله ضابط الكل الذي عَيَّن الملك، فالسلطة مرتبة من
الله، لذلك علينا أن نخضع للملك مهما كان شريراً، وليس للملك وحده بل لكل الهيئة
الحاكمة معه، وهكذا يتواصل هذا الكلام مع الإصحاح السابق الذي قال فيه لا تجازوا
أحدا عن شر بشر. والكنيسة تصلي من أجل الملك والرئيس ومشيريه لكي يعطيهم الرب حكمة
وسلام لصالح الكنيسة. والسلاطين الكائنة= مهما كان نوعها ملكية أو جمهورية مرتبة
من الله
.

وهذا هو سبب خضوعنا
للسلطان. (دا 20:2،21،28،37 + دا 17:4 + أر27: 6-8 + يو11:9). ونفس الفكر في هذه
الآية نجده في (1بط2: 13-17 + 1بط21:2 + تي1:3 + 1تي2: 1-4). وبولس يكتب هذا
الكلام وهو طالما وقع في يد الرومان وقيد بسلاسل.

 

آية (2): "حتى أن
من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة."

الله هو الذي عَّين
الملك، (أم15:8) به تملك الملوك، فمن يقاوم الملك فأنه يقاوم الله.

 

آية (3): "فإن
الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة أفتريد أن لا تخاف السلطان أفعل
الصلاح فيكون لك مدح منه."

من يعمل أعمالاً صالحة
لا يخاف من الحاكم. ومن يعمل الشر يخاف منه.

 

آية (4): "لأنه
خادم الله للصلاح ولكن إن فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل السيف عبثاً إذ هو خادم الله
منتقم للغضب من الذي يفعل الشر."

الحاكم هو خادم الله،
الله وضع السيف (العقاب) في يده لقمع كل شر وذلك حتى لا تعم الفوضى.

 

آية (5): "لذلك
يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل أيضاً بسبب الضمير."

علينا أن نخضع للحاكم
ليس خوفاً فقط بل من أجل الضمير، لأن الله عَيَّنَهُ أي علينا أن نفهم أننا لا
نتعامل مع إنسان عظيم فنخاف منه لعظمته، بل نحن نتعامل مع الله الذي أمرنا أن نخضع
لمن عينه. لذلك نحن نخضع حتي في الخفاء، فالسلطان هو الله، والله يرانا حتى لو كنا
في الخفاء، والضمير سيثور ضدي لو خالفت أوامر الله. والروح القدس الذي فينا أصلح
ضميرنا فصار حساساً، وبنفس المفهوم، فلو وجدت طريقة للتهرب من الضرائب عليَّ أن لا
أستغلها.

 

آية (6): "فأنكم
لأجل هذا توفون الجزية أيضاً إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه."

 فأنكم لأجل
هذا
..=
أي لأجل الضمير. ولاحظ أنه علي المسيحي أن يكون أميناً في موضوع الضرائب المستحقة
عليه.

 

آية (7): "فأعطوا
الجميع حقوقهم الجزية لمن له الجزية الجباية لمن له الجباية والخوف لمن له الخوف
والإكرام لمن له الإكرام."

هذه مثل إعط ما لقيصر
لقيصر. علينا أن نعطي لهؤلاء الذين في يدهم السلطان حقوقهم وهذا واجب علينا. الجزية=
ضريبة الأرض وما يدفع من ضريبة علي الأملاك، وهذا النوع من الضرائب دائمة منتظمة. الجباية=
هذه تدفع بين الحين والآخر حسبما تقتضي الظروف فهي ضريبة خاصة بالتجارة.

الخوف= من الحاكم
لأنه ينفذ مشيئة الله. الإكرام= لكل من كانوا فوقنا من رؤساء وللأب وللأم
حسب الوصية.

 

آية (8): "لا
تكونوا مديونين لأحد بشيء إلا بأن يحب بعضكم بعضاً لأن من أحب غيره فقد أكمل
الناموس."

علي المؤمن أن لا
يستريح إلاّ بعد أن يسدد الديون التي عليه، وهذا من شأنه أنه يبطل أسباب الشجار
والنزاع والكراهية واللجوء إلي القضاء.

ألاّ بأن يحب بعضكم
بعضاً
=
تسديد ديوني يعطيني شعوراً بالراحة، ولكن من ناحية المسيح، فلن يحدث هذا الشعور أبداً،
فالمسيح أعطاني الكثير جداً، فماذا قدمت له، أو ماذا قدمت من أعمال محبة لأولاده.

المسيحي شاعر دائماً
أنه مديون لله وللناس فهم أولاد الله، وهذا ما عَبَّرَ عنه بولس الرسول "بأنه
مديون لليونانيين والبرابرة للحكماء والجهلاء فهكذا أنا مستعد لتبشيركم.."
(رو14:1،15) فالدين الذي في رقبة بولس يسدده بالتبشير والدين الذي في رقبتي أسدده
بخدمة الله وخدمة الناس، وأبداً لن يهدأ الإنسان، وسيشعر دائماً أنه مديون. الله
أحبنا وسنعيش كل حياتنا نرد حب الله بحب الناس أولاد الله. وهذا الحب لله وللناس
هو ملخص الناموس كله (مت35:22-40).

 

آية (9،10): "لأن
لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في
هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك. المحبة لا تصنع شراً للقريب فالمحبة هي تكميل
الناموس."

 قال الرسول في الآية
السابقة إنَّ من أحب غيره فقد أكمل الناموس وهنا يقول لماذا. ملخص الوصايا كلها أن
يمتلئ القلب بالحب الحقيقي وبهذا يمتلئ بالله نفسه الذي يشبع القلب والنفس والعواطف
والأحاسيس، فلا يحتاج الإنسان إلى ملذات العالم والجسد ولن تخدعه الخطية. وملخص
هذه الوصايا أن نعامل الآخرين كما نحب أن يعاملوننا، والذي يحب الآخرين لا يمكن أن
يفعل الشر بهم، وعلي ذلك سيسلك نحوهم بموجب وصايا الناموس، لذلك فالمحبة هي تكميل
الناموس.

 

 

 

آية (11):
"هذا وأنكم عارفون الوقت أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن
اقرب مما كان حين آمنا."

 

 

 

 

خلاصنا= يقصد
الخلاص النهائي الذي سيكون حين يأتي الرب يسوع في مجيئه الثاني ودخولي للسماء
بالجسد الممجد.

كل يوم يمر علينا نقترب
من يوم خلاصنا النهائي أي يوم مجيء المسيح النهائي. ولكن هذا اليوم هو يوم دينونة
للأشرار، إذاً لنستيقظ من النوم= نوم الغفلة والخطية والانغماس في شهوات
هذا العالم. لنكن أمناء ومحبين للكل ولله أولاً لأن أيامنا علي الأرض مقصرة، كل
يوم تقل عن اليوم الذي قبله. هذه الآية تشبه قولي لإبني "يا إبني شد حيلك
فاضل كام يوم علي الامتحان". وقوله لنستيقظ إشارة لحياة القيامة والنصرة علي
الخطية (نوم وموت). ومن يستيقظ ويبدأ جهاده بالصلاة والعبادة تتحول الساعات
الزمنية لحساب الأبدية، لأنه سيحيا الحياة الأبدية من الآن. وأيضاً ينتقل من الموت
إلي الحياة، من موت الخطية لحياة فيها المسيح يحيا فيه، وبهذا يخرج من ليل العالم
إلي نهار الأبدية. هذه الآية تتمشي مع نداء المسيح إسهروا (مر35:13) العريس علي
الأبواب، أفيكون بيننا وبين السماء خطوة واحدة ونتثاقل.

 

آية (12): "قد
تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور."

تناهي الليل= لقد
إقتربت نهاية الأيام التي تنتشر فيها الخطية. تقارب النهار= لحظة مجيء
المسيح أو إنتقالي أنا من هذا العالم. أعمال الظلمة= فأعمال الخطية تنشأ في
الظلمة وتحب الظلمة لتختبئ فيها وتنتهي بظلمة جهنم. أسلحة النور= النور هو
المسيح والأسلحة نقرأ عنها في (أف6) (صلاة/إيمان/صوم/كتاب مقدس …)ولكن مطلوب
قرار مني أن أسلك مع الله ملتزماً بوصايا الله. ولا تقل في قلبك أن الخطية قوية،
بل أن الأسلحة التي معي أقوي بل تجعلني أكره الخطية. إن الحياة الحاضرة تشبه الليل
المظلم وهي في طريقها للزوال، والحياة الآتية إقتربت وهذا ما يحفزنا علي حمل
أسلحتنا للجهاد ضد الخطية، لكن النهار يشرق فينا حين يسكن المسيح شمس البر فينا
(1كو29:7 + 1بط7:4).

 

آية (13): "لنسلك
بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام
والحسد."

هذه الآية هي التي غيرت
القديس أغسطينوس من حياة الخطية إلي القداسة، فقد كان في حديقة أحد أصدقائه وسمع
ولداً ينادي خذ وإقرأ وكان مع الصبي بضع وريقات، فأخذها أغسطينوس، فكانت من رسالة
رومية، وبالذات هذه الآية، التي قرر بعدها تغيير حياته. والخطايا المذكورة هنا هي
في صورة ثنائيات، فكل واحدة مرتبطة بالأخرى.

فلنسلك بلياقة= حقاً كل
الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء توافق أو تليق بي كمسيحي. كما في النهار=
فلنسلك كما لو كانت أعين الجميع تراقب تصرفاتنا كمن في وضح النهار. فلنسلك بكل أدب
وخشوع ولياقة دائماً ولنفهم أن أعين الله علينا كل الأوقات في الليل والنهار.

البطر= عربدة
وإفراط في الأكل وتهييص خارج الحدود، يسمي المرح بوقاحة وقطعا فهذا مرتبط بالسكر.
المضاجع= ممارسة الشذوذ والزنا وتشير لأماكن الرذيلة. والعهر=
النجاسات من الأفكار والعواطف والرقص والنظرات والكلمات والكتب الرخيصة. بل كل ما
يؤدي للنجاسة. لا بالخصام والحسد= فالخصام ينتج عن الحسد.

 

آية (14): "بل
إلبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات."

إلبسوا الرب يسوع= معناها
تشبهوا بالرب يسوع أو لتكن لكم صورة الرب يسوع. ونحن بالمعمودية نتحد بجسد المسيح
السري فنلبس الرب يسوع (غل27:3) ولكن بالانغماس في خطايا العالم نفقد هذه الصورة،
وتعود لتظهر فينا متي صلبنا الجسد مع أهوائه وشهواته "مع المسيح صلبت فأحيا
لا أنا بل المسيح يحيا فيّ (غل20:2). وكلما تجددنا عموما نقترب من صورة الرب يسوع
(أف24:4 +غل19:4 +1كو49:15). وهناك رمز لهذا في العهد القديم يوم ألبس الرب الإله
آدم جلد الذبيحة. فالذبيحة هي رمز للمسيح المصلوب. فالمسيح يحيا فينا ويدخل فينا
ويصير هو المنظور فينا ونحن المستورين فيه يظهر هو في كل عمل (أف14:3-18). هنا
إختفي إنسان الليل وظهر إنسان النور. المسيح فيّ يعطيني فضائله تظهر فيّ،
محبة/لطف/وداعة/تواضع… وحينما أتحلي بكل هذه الصفات أكون قد لبست الرب يسوع.

كل شئ عدا المسيح هو
أوراق مهلهلة لا تستر، نحن بغيره مشوهون وعرايا. إذاً نحن نلبس المسيح في
المعمودية فلنستمر لابسين المسيح بإخلاص وحق، بحب الفضيلة وبغض الشر والإبتعاد
عنه، وتدريب أنفسنا علي العفة وإماتة شهواتنا والالتصاق به اليوم كله (وهذا ما
نسميه الجهاد).

ومن يلبس الرب يسوع لن
يصنع تدبيراً للجسد لأجل الشهوات
= أي عدم الإنغماس في الشهوات الزائدة والسعي
لإثارة الإنسان العتيق بإثارة شهوات الجسد، وعدم الإرتباك والسعي وراء ملذات هذا
العالم. وهذا لا يتعارض مع تدبير حاجات الجسد الضرورية، ولكن المقصود هو عدم السعي
بإلحاح نحو ملذات هذا العالم، والذين يسلكون في الروح لن يكملوا شهوة الجسد
(غل16:5).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 98

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي