الإصحاح السادس

 

آية 1:- جميع الذين هم
عبيد تحت نير فليحسبوا سادتهم مستحقين كل إكرام لئلا يفترى على إسم الله و تعليمه.

نادت المسيحية
بالمساواة بين جميع الناس المعمدين (غل 3 : 28) ولكنها لم تشأ أن تقحم نفسها في
محاربة الأوضاع الاجتماعية السائدة، ومنها نظام الحكم أو نظام العبودية. وكانت
رسالتها روحية لتحرير الإنسان من خطاياه وبناء شخصيته لحياة أبدية، فلم تطالب
العبيد بالثورة طلباً للمساواة بل أن يكرموا سادتهم. لو تمرد العبيد بسبب المسيحية
لكان في هذا سبباً للتجديف علي المسيحية. ولقد عالج بولس موضوع العبيد في (أف 6 :
5 – 9) + (كو 3 : 22) + (فل 8، 21) وهذه الآية. ونجده هنا في هذه الآية ينظر من
وجهة نظر العبد وفي رسالة فليمون ينظر من وجهة نظر السيد وفي كلاً من كولوسى وأفسس
يخاطب كلاً السادة والعبيد دون أن يهاجم الرسول أحقية الأسياد في ملكيتهم للعبيد.
فالثورة لا تلد إلا ثورة مضادة والعنف والدماء لا يجلبا سوي عنف ودماء أما المحبة
فلا تسقط أبدا.

بل أن بولس إهتم بأن
العبد عليه أن يلتزم بالخضوع لسيده، كما قدم للسادة وصايا بالحب لعبيدهم فكأنه كان
يهدم النظام من جذوره، هذا لنظام الذي كان يسمح للسيد أن يقتل عبده وقتما شاء.

شعر الرسول بآلام
العبيد وأنهم تحت نير رهيب وأنه لا يستطيع أن يعمل لهم شئ لرفع هذا النير، فقدم
لهم السيد المسيح ليرفع عن نفوسهم كل نير مادي أو نفسي بحياتهم الجديدة في المسيح،
إذ يشعرون أنهم محبوبين من المسيح وانه شريك آلامهم، بل هو بالمسيح الذي فيه
وطاعته ومحبته لسيده سيعلن المسيح لسيده، وياسر سيده بالحب، وتاريخياً إستطاع كثير
من العبيد أن يجذبوا سادتهم للمسيحية، وهكذا سلك يوسف في بيت فوطيفار فأحبه
فوطيفار. وكثير من السادة ثاروا علي هذا النظام الجائر.

 

آية 2 :- و الذين لهم
سادة مؤمنون لا يستهينوا بهم لأنهم إخوة بل ليخدموهم أكثر لأن الذين يتشاركون في
الفائدة هم مؤمنون و محبوبون. علم وعظ بهذا.

كثير من السادة كانوا
مؤمنين فما موقف العبيد المسيحيين منهم ؟ علي العبد طاعة سيده بأمانة والخضوع له
بكل طاعة، حقاً المسيحية أعلنت الأخوة بين الجميع (غل 3 : 28) + (كو 3 : 11) ولكن
علينا أن لا نسلب كرامة أحد، فالابن يخضع لأبيه، والعامل لرئيسه.

وإن كان يجب خضوع العبد
لسيده هكذا، فكم ينبغي أن يخضع لله. لأن الذين يتشاركون في الفائدة = لأن هؤلاء أى
السادة الذين يستفيدون من خدمتك أيها العبد هم سادتك وهم مؤمنون وهم محبوبون منك
لأنهم مؤمنون، فلماذا تعطل فائدتهم بتمردك. والترجمة في الإنجليزية هي " لأن
هؤلاء الذين يستفيدون من خدمتكم هم أيضاً مؤمنون ومحبوبون". علم وعظ بهذا =
بأن العبد يخضع لسيده، ويحيا حياة التقوى في المسيح.

 

آيات 3 – 5 :- إن كان
أحد يعلم تعليما أخر و لا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة و التعليم الذي هو
حسب التقوى. فقد تصلف و هو لا يفهم شيئا بل هو متعلل بمباحثات و مماحكات الكلام
التي منها يحصل الحسد و الخصام و الإفتراء و الظنون الردية. و منازعات أناس فاسدي
الذهن و عادمي الحق يظنون أن التقوى تجارة تجنب مثل هؤلاء.

غالباً كان قد أنتشر في
أفسس أفكار من بعض المعلمين المسيحيين عن ثورات ضد السادة، وكان هناك خطباء يثيرون
العبيد، وكان هذا ضد ما يعلم به الرسول عن طريقة المسيح في تغيير النفوس، فالمسيح
هو الذي علَّم أن نخضع في حب ونترك الرداء ونسير الميل الثاني. فخضوع العبيد هو
التعليم الصحيح ومن يقول بغير ذلك فتعليمه مرفوض من الله وهو يعارض التقوى ويكون
كلامه سفسطة وصلف أي هو معجب بأفكاره فيتسبب في منازعات ينتج عنها الخصام. أما
الرسول فكان مهتماً أن كل إنسان يهتم بالتقوى وليس بالثورات مهما كان مركزه. وهذا
ما قصده في الآية السابقة "علم وعظ بهذا" أن العقيدة المسيحية هي امتزاج
العقيدة بالسلوك العملي، روح التقوى العملية. ومن ينحرف عن ذلك فهو يعلم من عنده
ومن فلسفته وهذا يكون متكبراً وهو لا يعلم بأفكار الروح القدس. والكبرياء يحول
الإيمان إلي مماحكات ومباحثات غبية تفسد حياة الإنسان الروحية وتنزع عنه روح
التقوى وتدفع بالكنيسة إلي الخصام والإفتراءات والظنون الرديئة، وتنشأ نزاعات
فاسدة كلها خبث ودهاء وإحتيال ليس فيها شئ من الحق. بهذا تتحول التقوى إلي تجارة
إذ يعمل أصحاب المنازعات لا لحساب المسيح وبنيان الكنيسة وإنما لحسابهم الخاص..
لذا يؤكد الرسول تجنب مثل هؤلاء" ولا ينبع التصلف عن المعرفة إنما عن عدم
المعرفة، فمن يعرف تعاليم التقوى يميل بالأكثر إلي الإتضاع " من أقوال يوحنا
فم الذهب.

 

آية 6 :- و أما التقوى
مع القناعة فهي تجارة عظيمة.

الرسول إذ تكلم عن من
يحولون الحياة التقوية إلي تجارة كان المقصود هؤلاء المتكبرين الذين يريدون بأفكار
فلسفاتهم إكتساب جماهير تؤيد آرائهم الخاصة وتزداد شعبيتهم وكان هذا من خلال
مواقفهم الداعية للثورة ضد الأسياد، وهنا في الآية يلمس الرسول طائفة أخري من
المعلمين يكتسون بثياب الدين من أجل ربح مادي، هؤلاء يتاجرون بالدين، مثل من يدعو
لتجارته عن طريق التبرع للكنيسة، أو أى طريق يبدو كأنه طريق روحى ولكن الهدف منه
الكسب المادي. والرسول يقول إن التجارة الحقيقية العظيمة هي التقوى مع القناعة،
فيها يربح الإنسان السلام علي الأرض والفرح الحقيقي وينعم بالمجد في السماء. يعيش
علي الأرض في سلام يفوق كل عقل شاعراً بغني النفس، فمن هو قانع تجده شاكراً دائماً
لا يظلم أحد. علي من يظن أن الدين تجارة عليه أن يعلم أنه تجارة فعلاً ولكنها ليست
كسب ماديات بل تجارة نكسب بها السماء، هذا إن كان هناك تقوي وقناعة، ولنرى مثالاً
فإن أبينا إبراهيم ترك للوط النصيب الأكبر فخسر لوط كل شئ وكسب أبينا إبراهيم كل
شئ، فكلما ترك الإنسان محبة العالم وراء ظهره أشبعه الله روحياً ونفسياً ومادياً
أيضاً، كلما زهد الإنسان فيما للعالم يعطيه الله بالأكثر إذ لا يخشي عليه من أمور
العالم.

 

آيات 7، 8 :- لأننا لم
ندخل العالم بشيء و واضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء.فان كان لنا قوت و كسوة
فلنكتف بهما.

ما يدعو للقناعة أننا
لن نأخذ معنا شيئاً حين نغادر الدنيا والأجدر بنا أن نعمل للحياة الأخرى الأبدية،
نعمل هنا لمجرد أن نعيش فنحن عابرون في هذه الحياة غير خالدين فيها، نريد منها ما
يكفي قوت الجسد وما نلبسه فقط ولكن نحيا بقوة الروح حتي نخرج منها، أما من يشتهي
غني هذا العالم فيعيش في فقر داخلي لا تقدر أمور العالم أن تشبعه.

 

آيات 9، 10 :- و أما
الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة و فخ و شهوات كثيرة غبية و مضرة
تغرق الناس في العطب و الهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ إبتغاه قوم
ضلوا عن الإيمان و طعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة.

أما الذين يريدون أن
يكونوا أغنياء = ولم يقل الذين هم أغنياء فالغني ليس شراً إن:

1.إستخدم الغني ماله
بطريقة صحيحة وخدم به من هم فقراء محتاجين.

2.لا يبالغ في تقييمه
للمال.

3.لا يسعى بشراهة لزيادته
فمن يحبون المال لذاته يدفعهم حب المال لارتكاب الشرور كالرشوة والسرقة والظلم
والكراهية بل والقتل (مت 6 : 24) + (يع 4 : 4). وينطبق هذا على الفقير الذى يظل
يحلم بالغنى ولا يقتنع بما هو فيه (مر10: 24، 25).

ليس الغني وإنما
الاستعباد للغني هو الذي يدفع الإنسان إلى الدخول فى تجارب وفخاخ وشهوات كثيرة
غبية مضرة تدفع الناس للهلاك. ومن وجد الشبع في يسوع حقاً سيدرك تفاهة كل العالم (في
3 : 8) + (1 كو 1 : 5).

 

آية 11 :- و أما أنت يا
إنسان الله فإهرب من هذا و إتبع البر و التقوى و الإيمان و المحبة و الصبر و
الوداعة.

هي دعوة لتيموثاوس أن
يترك ويهرب من محبة الغني الزمني ويطلب الغني الذي في المسيح، فكل مؤمن حقيقي يكون
مختلفاً عن العالم أما من يغرق في لذات العالم فليس إنسان الله، والرسول يذّكره
أنه إنسان الله وليس إنسان العالم. ونحن كلنا إنسان الله فلنطلب غنانا فيما هو
لله.

 

آية 12 :- جاهد جهاد
الإيمان الحسن و إمسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت أيضا وإعترفت الإعتراف
الحسن أمام شهود كثيرين.

هذه الحياة الغنية
والمجيدة في المسيح، التي ترفعنا فوق الزمنيات تتطلب في المؤمن الجهاد المستمر
والتمسك بالوعود الأبدية وأعلان إعترافنا أو شهادتنا الإيمانية أمام الجميع. جاهد
جهاد الإيمان الحسن إذاً هناك جهاد حسن وهو الصلاة والصوم والخدمة والتعليم، وهذا
في مقابل جهاد الأغنياء للحصول علي المال، فهو بجهاده الحسن يحصل علي أكاليل لا
تفنى، وهؤلاء الجشعين يحصلون على أكاليل تفنى.الجهاد الحسن هو مثل الرياضي الذي
يحرم جسده من الأكل الكثير ومن الراحة حتي يفوز بإكليل. واعترفت الإعتراف الحسن =
هذا كان يوم قبل المعمودية. بجحد الشيطان وإعلان الإيمان بالمسيح، وعليه أن يظل
شاهداً ومدافعاً عن إيمانه طول العمر.

 

آيات 13 – 16 :- أوصيك
أمام الله الذي يحيي الكل و المسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس البنطي بالاعتراف
الحسن. أن تحفظ الوصية بلا دنس و لا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح. الذي سيبينه
في أوقاته المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك و رب الارباب. الذي وحده له عدم الموت
ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس و لا يقدر أن يراه الذي له
الكرامة و القدرة الأبدية امين.

المعني إعترف وجاهر
بالحق كما فعل المسيح نفسه. وإذ هي وصية خطيرة يشهد عليه الله الآب وإبنه المسيح
لكي يحفظ إيمانه بلا دنس حتي النهاية، أي حتي المجيء الأخير، إلي ملاقاة السيد
نفسه = الذي يحيي الكل إذاً أهمية حفظ هذه الوصايا أننا سنقوم مرة أخرى وندان على
كل ما فعلناه، علينا أن نتمسك بإيماننا بالمسيح إلي يوم ظهوره = الذي سيبينه في
أوقاته = أي أن الأب سيظهر إبنه في مجده آتياً للدينونة في الوقت المحدد، فمن شهد
له وإعترف به سيعترف به المسيح ويمجده معه.

بلا دنس ولا لوم = أي
يعترف إيمانياً بالمسيح ويحيا أيضاً بطهارة وبلا خطية، خصوصاً محبة المال وشهوته
التي أشار إليها الرسول فيما سبق، ومجاهداً الجهاد الحسن منتظراً إكليله في
السماء. والمسيح شهد أمام بيلاطس بالاعتراف الحسن حين قال ولهذا قد آتيت إلي
العالم لأشهد للحق وأيضا حين سأله بيلاطس " أفأنت ملك " فأجاب أنت
تقول" فهو لم ينكر أنه ابن الله ولم يؤكد أيضاً حتي يظل السر مخفياً عن
الشياطين حتي الصليب. وأيضاً قال يسوع إن مملكته ليست من هذا العالم وأنه لهذا
ولد. فالمسيح لخص عمله الفدائي وتأسيس ملكوته في كلمات قليلة أمام بيلاطس وأنه أتي
ليؤسس مملكة الحق في مقابل مملكة الباطل التي أسسها إبليس، راجع (يو 18 : 33 – 19
: 11). وعلي كل منا أن يشهد لهذا الحق الذي شهده المسيح.

المبارك = أي الذي نقدم
له تسبحة البركة بكونه واهب البركات.

العزيز = أي صاحب العزة
والقوة والسلطان الذي لا يعلو عليه سلطان فإن كان يسمح لنا هنا ببعض الآلام فذلك
ليس عن ضعف و إنما كطريق لدخولنا معه إلي أمجاده. بل أننا نري في شهادة المسيح
الإله الجبار والذي كان في صورة ضعف أمام بيلاطس الضعيف أمامه صورة نقتدي بها،
فنحن بالمسيح الذى فينا أقوياء جداً لكننا نبدو أمام العالم في صورة ضعف. فلنشهد
به أمام العالم بلا خوف، لقد شهد بالحق فنشهد نحن بالحق خلال إتحادنا به، بهذا
نقدم له الكرامة حينما نحمل إعترافه الحسن وتظهر سماته فينا. له وحده عدم الموت =
إذ نشهد له هو وحده قادر أن يقيمنا ويعطينا حياة كلها مجد.

 

آيات 17 – 19 :- أوص
الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا و لا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى
بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع.و إن يصنعوا صلاحا و أن يكونوا
أغنياء في أعمال صالحة و أن يكونوا أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع.مدخرين
لأنفسهم أساسا حسنا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الأبدية.

لئلا يفهم من حديثة
السابق أنه هجوم علي الأغنياء نجده هنا يقدم وصايا للأغنياء، وأن عليهم أن يفهموا
أن لا يضعوا رجاءهم في أموالهم فهي زائلة = غير يقينية الغني بل يضعوا رجاءهم في
الله الحي. أن لا يستكبروا = هذه سقطة يسقط فيها الأغنياء عادة إذ يشعرون بقوة
أموالهم، أما الأغنياء روحياً فنجد أنهم متواضعين، هم أغنياء بالسيد المسيح واهب
الإتضاع. أما أغنياء الدهر الحاضر بالأموال نجدهم في اعتدادهم بالذات وثقتهم في
أموالهم يستكبرون وبالتالي فالنصيحة التي يقدمها الرسول للأغنياء هي أن يكونوا
أسخياء في العطاء أي يمارسوا أعمال الحب التي يبقي رصيدها سر غناهم الأبدي، فالغني
وزنة مقدمة لهم لا لاكتنازها بل لتحويلها إلي كنز في السماء.

 

آيات 20 – 22 :- يا
تيموثاوس إحفظ الوديعة معرضا عن الكلام الباطل الدنس و مخالفات العلم الكاذب
الإسم. الذي إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان. النعمة معك امين.

إحفظ الوديعة = أي
الإيمان الحي المسلم مرة للقديسين (يه 3) أي حفظ نفسه وحفظ نفوس رعيته الذين أقيم
عليهم رقيباً ثابتين في الإيمان والتقليد الذي سلمه له الرسول من قبل دون أن يتأثر
هذا الإيمان بتشويش المعلمين الكذبة كالمتهودين أو الغنوسيين الذين كلامهم هو
هرطقة وكلام باطل دنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم = فالغنوسيون إستبدلوا الإيمان
بالمعرفة، فسقطوا في العلم الكاذب فحيث لا يوجد إيمان لا توجد المعرفة الحقة، يتحول
الإيمان الحي إلي تعبيرات وألفاظ لغوية بلا حياة أو خبرة، هذا الذي يفقد الإنسان
حياته.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عَدْن ن

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي