الإصحاح الثاني والعشرون
نري
هنا هجوم أليفاز الثالث علي أيوب، وفيه إتهمه بالظلم والسلب والنهب.
الأيات
1-4:- "فاجاب
اليفاز التيماني وقال، هل ينفع الانسان الله بل ينفع نفسه الفطن، هل من مسرة
للقدير اذا تبررت او من فائدة اذا قومت طرقك، هل على تقواك يوبخك او يدخل معك في
المحاكمة".
هل
ينفع الإنسان الله= تقوي الإنسان لا تنفع
الله، بل ينفع نفسه الفطن الفطن أي الحكيم هو من يتقي الله وهذا لن يزيد
الله شيئاً بل هو سوف ينفع نفسه وهذا ما نقوله في القداس الغريغوري "لست أنت
المحتاج إلي عبوديتي بل أنا المحتاج إلي ربوبتيك". هل من مسرة للقدير إذا
تبررت= الله لن تزيد قداسته لو تقدسنا، ولن يستفيد هو شخصياً من ذلك. كما أن
الله لن تضيره أثامنا. لكن الله وضع الشريعة لصالح الإنسان وسعادته. هل علي
تقواك يوبخك= قطعا لا! فالله لا يوبخ سوي علي الشرور وليس علي التقوي.
إذاً يا أيوب كل تعاستك سببها أن الله يوبخك علي شرورك
الأيات
5-11:- "اليس
شرك عظيما واثامك لا نهاية لها، لانك ارتهنت اخاك بلا سبب وسلبت ثياب العراة، ماء
لم تسق العطشان وعن الجوعان منعت خبزا، اما صاحب القوة فله الارض والمترفع الوجه
ساكن فيها، الارامل ارسلت خاليات وذراع اليتامى انسحقت، لاجل ذلك حواليك فخاخ
ويريعك رعب بغتة، او ظلمة فلا ترى وفيض المياه يغطيك".
فيها
أليفاز يتهم أيوب بالسلب والنهب. وعجيب أن يتهم أليفاز أيوب بكل هذه التهم، فإن
كان أيوب شريراً هكذا فلماذا أتوا ليعزوه. وكيف إستطاع أيوب أن يقول لهم إظهروا لي
خطأ واحداً. والمعني أن أليفاز يتصور أن الله لا يمكن أن يعاقب أيوب بكل هذا
العقاب إن لم يكن أيوب شريراً جداً. وأليفاز وبلدد وصوفر سبق لهم إن إتهموا أيوب
بأنه شرير ولكن أليفاز زاد هنا بأن حدد هذه الشرور وذكر التفاصيل بينما لم يذكر
أحدهم تفاصيل من قبل. وفي هذا أخطأ أليفاز خطيئة شنيعة في حق أيوب لا تقل عن خطية
السبئيين والكلدانيين، فهو لم يكن عنده دليل واحد علي ما قاله. فقال عنه أنه كان
قاسياً مع المساكين= لأنك إرتهنت أخاك بلا سبب= أي أخذت أخاك الذي إستدان
منك ولم يكن عنده ما يسدد به الدين فأودعته السجن، أو أخذته عبداً لك وأنه كان
يحابي الأغنياء= أما صاحب القوة فله الأرض= لم يسأل أيوب عن أحقيته في
الأرض لكن طالما هو القوي فله الأرض، فكان يبرئ ساحة القوي وينصفه، فقط لأنه قوي. ذراع
اليتامي إنسحَقَت= كانت قسوتك مع اليتامي حتي جعلتهم عاجزين غير قادرين أن
يساعدوا أنفسهم. لأجل ذلك حواليك فخاخ العنآية الإلهية تقتص من الأشرار
مثلك. يريعك رعب بغتة= لا يوجد خطية أشر من عدم الرحمة، ومرتكبها يفقد
سلامه تماماً. وهذا الخاطئ يفقد بصيرته فيتخبط في قراراته= أو ظلمة فلا تري.
وفيض المياه يغطيك= كأنك تكاد تغرق وتختنق.
الأيات
12-14:- "هوذا الله في علو السماوات وانظر راس الكواكب ما اعلاه، فقلت كيف
يعلم الله هل من وراء الضباب يقضي، السحاب ستر له فلا يرى وعلى دائرة السماوات
يتمشى".
هنا يتهمه بالإلحاد الذي تسبب في فساده. هوذا الله في علو السموات.
وأنظر رأس (أعلي كوكب) الكواكب ما أعلاه. حين ننظر الكواكب نجدها عالية
جداً والله أعلي من أعلاها. وكان هذا دافعاً لك يا أيوب أن تخشع أمام الله، لكنك
تصورت أن علو الله يجعله لا يري ما يحدث علي الأرض من ظلم فقلت كيف يعلم الله.
هل من وراء الضباب يقضي= هل يري الله من وراء السحاب ومن علي هذا البعد
الشاسع. ربما تصور أليفاز أن أيوب قصد هذا حين قال أن الله لا يجازي الأشرار بمعني أنه لا يري شرهم، فتمادي أيوب في شره لأن
الله لا يري. علي دائرة السموات يتمشي= هو في علو مجده يمتع نفسه بمجده
وكمالاته، ولا يتعب نفسه بنا. هذا فكر الحادي ومن الظلم أن ينسبه أليفاز لأيوب.
الأيات
15-20:- "هل تحفظ طريق القدم الذي داسه رجال الاثم، الذين قبض عليهم قبل
الوقت الغمر انصب على اساسهم، القائلين لله ابعد عنا وماذا يفعل القدير لهم، وهو
قد ملا بيوتهم خيرا لتبعد عني مشورة الاشرار، الابرار ينظرون ويفرحون والبريء
يستهزئ بهم قائلين، الم يبد مقاومونا وبقيتهم قد اكلها النار". هل تحفظ طريق
القدم= هل تسير في شرك يا أيوب في الطريق الذي سلكه آدم،
طريق السقوط الذي جلب الشقاء للبشر، أو طريق الأشرار الذين هلكوا أيام نوح،
فالخطية قديمة قدم البشرية وهلاك أصحابها معروف.
الذي
داسه رجال الأثم= الطريق الذي تسلك فيه يا أيوب سبق
وداسه أي سلكه كل الأشرار القدماء وهلكوا. الذين قبض عليهم قبل الوقت=
أي ماتوا قبل أوانهم. الغمر إنصب علي أساسهم= يقصد الطوفان. وأساسهم هو
الأرض التي بنوا عليها كل أحلامهم وأمالهم. وهذا إشارة لإنقلاب سدوم وعمورة تحت
مياه البحر الميت التي غمرت مدنهم التي أسسوا عليها إقامتهم وظنوها دائمة. القائلين
لله إبعد عنا= هم أسكتوا ضميرهم وتحدوا الله وتركوا التدين. وماذا يفعل
القدير لهم ماذا يفعل لهم سوي ان يقطعهم. فهذا رأي أصحاب أيوب أن الخاطئ لابد
أن يقطع ويضرب كما حدث لأيوب. وهو قد ملأ بيوتهم خيراً= ما يزيد خطيتهم أن
الله وفر لهم خيرات كثيرة (هذا ما حدث لسدوم). لتبعد عني مشورة الأشرار=
هذه قالها أيوب سابقاً بمعني لا أريد طريقهم حتي ولو جاءني منها خير فنهايتها
خراب. الأبرار ينظرون ويفرحون بهلاك الأشرار، لأن
بذلك تمجد الله وكلمته تمت وسلطان الظالمين تحطم.
البرئ
يستهزىء بهم= الأبرار حين يروا نهآية الأشرار
يكتشفوا حمق طريقهم وسخافة مبادئهم. ألم يُبد مقاومونا وبقيتهم قد أكلها
النار= النار أكلت سدوم وعمورة لكن الآية تنطبق أيضاً بصفة عامة علي إبادة
الأشرار وفرح الأبرار بهذا.
الأيات
21-30:- "تعرف به واسلم بذلك ياتيك خير، اقبل الشريعة من فيه وضع كلامه في
قلبك، ان رجعت الى القدير تبنى ان ابعدت ظلما من خيمتك، والقيت التبر على التراب
وذهب اوفير بين حصا الاودية، يكون القدير تبرك وفضة اتعاب لك، لانك حينئذ تتلذذ
بالقدير وترفع الى الله وجهك، تصلي له فيستمع لك ونذورك توفيها، وتجزم امرا فيثبت
لك وعلى طرقك يضيء نور، اذا وضعوا تقول رفع ويخلص المنخفض العينين، ينجي غير
البريء وينجي بطهارة يديك".
نجد
هنا مشورة أليفاز الطيبة لأيوب وفيها يدعوه للتوبة.
تعرف
به وأسلم= تقرب إليه وصالحه (يسوعيين) تعرف به وكن في سلام(إنجليزية)
وبالتأكيد فمن يقترب إلي الله يكون في سلام (مع الله ومع نفسه ومع الناس ومع كل
الخليقة). أنت يا أيوب تشكو من أن الله قد صار عدواً لك، فإقترب إليه يقترب هو
إليك عوضاً عن أن تظل مصراً علي الصدام معه(وهذا كلام رائع). إقبل الشريعة من
فيه لم يكن في عصر أيوب كلام إلهي مكتوب فأول كتاب إلهي كتبه موسي، ولكن فيما
قبل موسي كان هنالك إعلان عن إرادة الله يتطلب من البشر أن يقبلوه، وهذا مما يثبت
فكرة التقليد التي تتبعها كنيستنا الأرثوذكسية. وضع كلامه في قلبك= لا يكفي
أن نقتنع عقلياً بكلام الله، بل يدخل إلي أعماقنا ونحيا به. إن رجعت إلي القدير
تبني= ترجع لحالتك الأولي والأيات(24-26) معناها لو
ألقيت ذهبك الذي حصلت عليه ظلماً من الفقراء عنك، ووزعته علي الفقراء الذين
ظلمتهم، وتركت تمسكك وإتكالك علي ثروتك التي حصلت عليها بطرقك الشريرة، وحسبت هذه
الثروة كلا شئ عندئذ تفرح وتتلذذ بالله. لقد تحصنت بثروتك سابقاً والأن أنا أدعوك
أن تتحصن بالقدير فتجد سلاماً.
بل
يكون القدير تبرك= التبر هو الذهب غير
المضروب، والمعني يكون الله هو غناك وهو الذي يدافع عنك من السبئيين وخلافهم. وفضة
أتعاب لك= سيكون الله أجرتك عن جهادك. ترفع إلي الله وجهك= ولا يكون
ساقطاً كما هو الأن، بل يكون لك ثقة بالله. تصلي= تكلم الله. ونذورك
توفيها= وتكون مقبولاً عند الله وصلاتك مقبولة. وكما قبل الله صلاتك إلتزم
أمام الله بتعهداتك ونذورك توفيها. وآية(28) معناها تنجح كل أمورك حسب ما
خططت لها، لأن الله أنار بصيرتك فتكون قراراتك صحيحة وبلا تخبط. إذا وضعوا تقول
رفع= حتي في أيام المصائب العامة التي تصيب كل المحيطين يرفعك الله، وهذا حدث
مع إسحق الذي أصاب 100 ضعف أثناء
المجاعة تك 12:26. ويخلص المنخفض العينين= الله يرفع المتضعين ولذلك لو
تواضعت فإن الله يخلص، يخلصك ويخلص من حولك ببركتك، ينجي غير البرئ وينجي
بطهارة يديك أي الله يخلص وينجي جيرانك إستجابة لصلواتك الطاهرة. وفي
الترجمة الإنجليزية جاءت" ينجي جزيرة البرئ فتنجو بطهارة يديك. وهذه قوة
الشفاعة.