الإصحاح السابع والثلاثين

 

يستمر
هنا أليهو في وصف عظائم الله في خلقه للطبيعة، فيري يد الله في الرعد والبرق(1-5)
وفي الثلج والمطر والريح (6-13). وتحدي أيوب أن يجد تفسيراً لكل ما يراه.

الأيات
1-5:-
"فلهذا
اضطرب قلبي وخفق من موضعه، اسمعوا سماعا رعد صوته والزمزمة الخارجة من فيه، تحت كل
السماوات يطلقها كذا نوره الى اكناف الارض، بعد يزمجر صوت يرعد بصوت جلاله ولا
يؤخرها اذ سمع صوته، الله يرعد بصوته عجبا يصنع عظائم لا ندركها".

 أليهو أنهي الإصحاح السابق بقوله أن حتي الماشية تخاف من صوت الرعد
وتفهم أن هناك عاصفة مطيرة قادمة. وهنا يقول فلهذا إضطرب قلبي= فربما هو
شعر أن غضب الله أت بسبب تعديات أيوب في أقواله علي الله. فالله لا يبقي نفسه بلا
شاهد. ومن خلال الطبيعة فالبرق والرعد الذين يرعبون الناس هما شاهدان لله، وعلامة
لقدرته ومجده. فكما أن المطر والزرع يشهدان لصلاح الله فالبرق والرعد يشهدان
لجبروته وأنه إله جبار قادر أن يخيف ويرعب أعدائه (ومن الذي لا يخاف من صوت الرعد
ومن البرق الذي يق
تل
بصواعقه، وهذا نموذج بسيط لما يمكن أن يفعله الله بالعالم الخاطئ، والأشرار لهم
هذه العلامات مرعبة، ويقال أن الإمبرطور الروماني كاليجولا كان يحتمي تحت السرير
أو في أي ركن إذا سمع الرعد) والله قادر دائماً أن يرعب الأشرار.

ولكن
غالباً حين بدأ أليهو أقواله عن الرعد كان السحاب قد تجمع بصورة عجيبة وبدأت
البروق والرعود، فأشار أليهو لما يسمعه الجميع ويرونه كدليل علي عظمة الله،
وغالباً كان يشير في هذه الأيات لعاصفة رعدية كانت قد بدأت فعلاً، لأنه بعد أن
أنهي أليهو كلامه في هذا الإصحاح تكلم الله من العاصفة (1:38) وأليهو إضطرب قلبه
لأنه تصور إن كان صوت الرعد مخيفاً هكذا فكم بالأولي صوت الله. وربما من صوت الرعد
إضطرب قلبه ولكن غالباً هو كان قد بدأ يشعر بأن قوة غريبة تسيطر علي المكان، وهذا
صحيح تماماً فالله تكلم بعد دقائق فعلاً. ولكن صوت الرعود والبروق هو فقط مجرد
علامات مقدمة تسبق كلام الله كما حدث علي جبل سيناء ثم مع إيليا، ولكن الله حين
يتكلم، يتكلم في صوت هادئ، والبروق والرعود مقدمة لمجيئه، يلقيان الخ
شية والرهبة في قلوب السامعين ليكونوا مستعدين لسماع صوت
الله. وعموماً فمن لا يري يد الله الصالحة في أعماله فيؤمن ويتوب يري بروقه
فيرتعب، ومن لا يسمع صوت الله الخفيض داخله يسمع صوت الرعد فيرتعد.

والزمزمة
الخارجة من فيه
= الرعد يسمي صوت الله مز 3:29. كذا
نوره
= البرق أكناف الأرض= أطرافها وأقاصيها. بعد يزمجر صوت= هذه
تفهم أنه بعد البرق يزمجر صوت الرعد. فالصوت أبطأ من الضوء. ولا يؤخرها=
أي الأمطار وهذا هو التسلسل الطبيعي برق فرعد فأمطار. وقد يفهم من قوله بعد يزمجر
صوت أنه بعد هذه العلامات من الرعود والبروق فالله نفسه سيتكلم. وقوله في (5)
لا ندركها
= أي أننا لا ندرك كل أسرار الطبيعة من حولنا، ولا كل حكمة الله
فيها.

الأيات
6-8
:-
"لانه
يقول للثلج اسقط على الارض كذا لوابل المطر وابل امطار عزه، يختم على يد كل انسان
ليعلم كل الناس خالقهم، فتدخل الحيوانات الماوي وتستقر في اوجرتها".

 لأنه
يقول للثلج=
أليهو وكل الموجودين من العرب
الذين يسكنون مناطق ساخنة، وهؤلاء يندهشون إذا رأوا الثلج. ويندهشون كيف أن السماء
تمطر ماءً وبعد ذلك تمطر ثلجاً، ويرون من وراء هذا كله يد الله. الوابل=
المطر الشديد. يختم علي يد كل إنسان= مع تساقط الثلوج أو المياه
الغزيرة من الوابل لا يذهب الإنسان إلي عمله، بل يحتمي في منزله، فكون الإنسان لا
تمتد يده للعمل كأن الله ختم علي يده بواسطة أعماله في الطبيعة(الوابل والثلج)
فيتعلم الإنسان أن رزقه ليس بيده، فالله حين يريد أن الإنسان يعمل يهيئ له الجو،
بصمة الله وختمه واضحان في رزق الإنسان. بل حتي الحيوانات التي يستخدمها الإنسان
في عمله تهرب وتختبئ في أوجرتها.

الأيات
9-13:-
"من
الجنوب تاتي الاعصار ومن الشمال البرد، من نسمة الله يجعل الجمد وتتضيق سعة المياه،
ايضا بري يطرح الغيم يبدد سحاب نوره، فهي مدورة متقلبة بادارته لتفعل كل ما يامر
به على وجه الارض المسكونة، سواء كان للتاديب او لارضه او للرحمة يرسلها".

 في
(9) من الجنوب تأتي الأعصار=الجنوب مصدر الرياح الساخنة ومن
الشمال
= الشمال مصدر الرياح الشمالية الباردة. من نسمة الله يجعل الجمد
نسمة الله هي إما الرياح الشمالية الباردة التي تجمد الأنهار والبحيرات أو هي
إشارة لكلمة قدرته التي إذا شاءت تجمد الماء. والتفسير ا
لأول متمشى
مع فكر أليهو فكما أن الرعد يشير به لصوت الله فالريح يشير إليها أنها نسمة الله. وتتضيق
سعة المياه
= في اليسوعية "تتخثر سطوح المياه" أي مع مجئ البَرْدْ
يبدأ الماء السائل يأخذ أشكال ثلجية جامدة وسط المياه، كما يتخثر الجبن وسط اللبن.
وفي الترجمة الإنجليزية "والمياة العريضة الواسعة تتجمد" بمعني أن
الأنهار أو البحيرات الواسعة التي كانت تتحرك بحرية وتفيض تتوقف عن سيرها وحركتها.

أيضا
برىٍ يطرح الغيم=
في اليسوعية "ثم إنه يشحن
السحاب بالندي" ونفس الترجمة في الإنجليزية. فالله يشحن السحاب بالندي ليعيده
السحاب للأرض يرويها. يبدد سحاب نوره= في اليسوعية "يشق الغمام
بنوره" إذا فهمناها هكذا يكون الكلام عن البرق، وفي الإنجليزية "يشتت
السحب المنيرة" وفي هذا تتفق ترجمتنا العربية مع الإنجليزية، ويصبح المعني،
أن هناك سحاب خفيف منير لا يحمل مطراً، وهذا النوع ينقشع دون أن يمطر. [ففي آية (12)
نجد نوعين من السحاب، السحاب المشبع بالمطر وهو سحاب كثيف مظلم، والسحاب الخفيف
المنير وهذا غير ممطر]

والآية
برىٍ يطرح الغيم= تشير للسحاب الممطر الذي شحنه الله مطراً ثم بدأ يمطر علي
الأرض ليرويها وهو يظل يمطر حتي آخر قطرة فيه، فأصل كلمة يطرح أنها تظل تقطر حتي
تتعب وذلك لتعطي للإنسان ما يروي أرضه به. والمعني من هذا كله أن في يد الله أن
يحدد نوع السحاب، فإما يكون سحاب مفيداً للإنسان يروي أرضه، أو مجرد سحاب منير
ينقشع دون أن يرزق الإنسان بالمطر.

فهي
مدورة متقلبة=
أي السحب هي بيد الله يدورها
وينقلها من مكان لآخر كما يشاء وهو يرسلها أحياناً للتأديب(13) أو لأرضه
(لريها). أو للرحمة= للرزق والفرق بين قوله لأرضه وقوله للرحمة:- أن في
قوله لأرض يشير لسقوط المطر في مواعيده حسب ما تعود الإنسان وكقطرات وليس كسيل
مدمر. وفي قوله للرحمة يشير لعودة المطر بعد أن كان الله قد أمر بقطعه للتأديب.

الأيات
14-20:-
"انصت الى هذا يا ايوب وقف وتامل بعجائب الله، اتدرك انتباه الله
اليها او اضاءة نور سحابه، اتدرك موازنة السحاب معجزات الكامل المعارف، كيف تسخن
ثيابك اذا سكنت الارض من ريح الجنوب، هل صفحت معه الجلد الممكن كالمراة المسبوكة، علمنا
ما نقول له اننا لا نحسن الكلام بسبب الظلمة، هل يقص عليه كلامي اذا تكلمت هل ينطق
الانسان لكي يبتلع
".

 ما
زال أليهو في خطته أن يذكر أيوب بأعمال الله العجيبة، ليعلم أيوب ضعفه وجهله فيسلم
لله ويخضع. وهنا يضع أليهو أمام أيوب بعض الأمور في الطبيعة التي لا يستطيع أيوب
أن يفهمها، ولا أن يسيطر عليها، ولا يتوقع المستقبل بالنسبة لها. ففي (14) قف
وتأمل=
إعط نفسك فرصة للتأمل في أعمال الله. والكتاب المقدس يدعونا في مناسبات
عديدة إلي أن نقف ونتأمل عمل الله في خليقته لنري عظمة الله وعنايته ورعايته
لخليقته. فسليمان طلب دراسة النمل والمسيح قال أنظروا لزنابق الحقل وأشعياء طلب أن
ينظروا للسموات ي
تعرفوا
من خلق كل هذا

وفي
(15) أتدرك إنتباه الله إليها=

أي هل تفهم كيف يصرف الله أمورها وكيف هي مضبوطة بأعمال عنايته. أو إضاءة نور
سحابه=
قد يكون البرق أو قوس قزح. وفي (16) أتدرك موازنة السحاب=
(راجع 8:26) ال
له يُصِر مياه الأمطار
الغزيرة في سحبه، والتصوير هنا بمعني أن السحاب كنسيج رقيق من الحرير ومع هذا لا
يتمزق. وقد تعني موازنة السحاب كيف يقف وسط ال
سماء معلقاً بمياهه ومتزناً ولا يسقط بفعل الجاذبية الأرضية، وكيف تنهمر
المياه منه كقطرات ولا تندفع مرة واحدة. وفي (17) كيف تسخن ثيابك=
كيف تسخن ثيابك من رياح الجنوب الساخنة التي تندفع بعد إنتهاء موسم الشتاء
بأمطاره. أي كيف تفسر تغير درجات الحرارة علي التوالي. وفي (18) المرآة
المسبوكة
= كانت المرايا قديماً تصنع من النحاس المصقول صنعة سباكة، أي بصهره
وتشكيله. والتشبيه هنا هل كنت مع الله حين أسس السماء وصنعها فكانت كالمرأة
المسبوكة جمالاً. والمرآة نري فيها وجوهنا ولكن مرآة السماء نري فيها نقاء وعظمة
ولمعان العالم العلوي ومجد ساكنيه. ونلاحظ أن الجلد الصافي أي منظر السماء
بنجومهاحين لا يكون هناك سحاب يكون كمنظر قبة عظيمة راكزة علي أطراف الأرض. وفي (19)
الظلمة هي ظلمة عقول الناس وقلة معرفتهم بأمور الله، وأليهو هنا يقول أنا عاجز ولا
أفهم فهل تساعدني يا أيوب، يقول هذا في سخرية، بمعني إن كنت قد وجدت نفسك كفؤاً أن
تجادل ال
له وتنسب له ظلماً
وتنسب له أخطاء فعلمنا ماذا نقول. ولذلك فحينما نتكلم عن الله ينبغي أن نتكلم
بتواضع شديد وبخجل فهل نحن ن
حسب أنفسنا عارفين شيئاً، نحن أجهل من أن نصف الله أو نتكلم عنه.

وفي
(20) أليهو في تواضع حقيقي يقول أنه خائف مما تكلم به عن الله، خائف أن
يكون قد أخطأ فيبتلعه الله بسبب جهله وأخطاؤه. وهو ليس خائفاً من القضية التي
يناقشها وهي بر الله، لكنه خائف أو خجل من الطريقة التي عالجها بها فهو يري نفسه
أنه أحقر من أن يدافع عن الله. هل ينطق الإنسان لكي يبتلع= إذا تكلم أحد عن
الله بكبرياء وغرور يبتلعه غضب الله أي يفنيه. بل حتي لو تكلم حسناً سوف لا يجد
نفسه أمام عظمة ومجد جلال الله وغموض معرفته عنه. وربما بهذا أراد أليهو أن يوبخ
أيوب إذ طلب أن يبسط دعواه أمام الله 3:13 + 3:23، 4.

الأيات
21-24:-
"و الان لا يرى النور الباهر الذي هو في الجلد ثم تعبر الريح
فتنقيه، من الشمال ياتي ذهب عند الله جلال مرهب، القدير لا ندركه عظيم القوة والحق
وكثير البر لا يجاوب، لذلك فلتخفه الناس كل حكيم القلب لا يراعي".

 في
(21) رجاء حلو معزي. فبعد السحاب الذي يحجب نور الشمس، تهب الريح فتنقشع
السحب ويظهر النور. وفي هذا عزاء لأيوب فالسحب التي تحجب نور الشمس رمز للضيقات
التي حلت به فلم يري مراحم الله، ولكن كما ذكر الله نوحاً تك 1:8 فأجاز ريحاً
لتهدأ المياه، فأليهو رأي في هذه الرياح دليل علي عودة إحسانات الله

وفي
(22) من الشمال يأتي ذهب=
الذهب هو نور
الشمس الذهبي، وقيل أنه من الشمال لأن الريح التي تطرد السحاب هي ريح شمالية،
وتأتي لتنقي الجلد، أم 23:25. وهنا إحساس بأن مراحم الله قريبة وسوف تشرق علي أيوب
كما تشرق الشمس. ونلاحظ أن الذهب يرمز للسماويات، فإحسانات الله الأتية من السماء
لابد وأن تأتي علي التائبين كما تشرق الشمس من خلف الغيمة

وفي
(23) القدير لا ندركه
= يجب علي البشر أن لا
يحكموا علي تصرفات الله بل يخافوه ويسلموا له أمورهم في خضوع، وهو لا يجاوب، لأهم
لا يقدرون أن يفهموا كل ما يعمله، وليس لهم أن يحكموا فيما لا يعلمونه= لذلك
فلتخفه الناس (24). كل حكيم القلب لا يراعي
المقصود بحكيم القلب هو
الحكيم في عيني نفسه، أي المتكبر، هذا لن يخاف ولن يعرف كيف يقترب من الله، فطريق
الإقتراب لله هو الخشوع والمهابة والتواضع فالله يستجيب صلاة المتواضعين ولا يهتم
بإعتراض المتكبرين ولن يغير خططه بسبب إعتراض هؤلاء الحكماء المتكبرين. وجاءت
الآية في ترجمة اليسوعيين "فلذلك يرهبه الأنام وكل حكيم القلب لا يدركه".

هل تبحث عن  هوت روحى معالم الطريق الروحى 05

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي