الإصحاح الحادى والثلاثون

 

يستمر هذا الإصحاح فى
رسالة العزاء لشعب الله المسبى فى بابل أو شعب الله فى كل مكان الذى ينتظر مجىء
المسيح ليحرره من عبودية إبليس. ويؤكد هنا للمسبيين أنه فى الوقت المحدد سيعودون
هم وأولادهم لأرضهم ويكونون أمة عظيمة سعيدة. وهذا التأكيد موجه للكنيسة التى
سيأتى لها المسيح ويكوَن منها جسداً لهُ فتزدهر وتنمو. فالمسيح فيه وحده تحقيق هذه
الوعود بالكامل.

 

الأيات 1-9 :- 1- في
ذلك الزمان يقول الرب اكون الها لكل عشائر اسرائيل و هم يكونون لي شعبا. 2- هكذا
قال الرب قد وجد نعمة في البرية الشعب الباقي عن السيف اسرائيل حين سرت لاريحه. 3-
تراءى لي الرب من بعيد و محبة ابدية احببتك من اجل ذلك ادمت لك الرحمة. 4- سابنيك
بعد فتبنين يا عذراء اسرائيل تتزينين بعد بدفوفك و تخرجين في رقص اللاعبين. 5-
تغرسين بعد كروما في جبال السامرة يغرس الغارسون و يبتكرون. 6- لانه يكون يوم
ينادي فيه النواطير في جبال افرايم قوموا فنصعد الى صهيون الى الرب الهنا. 7- لانه
هكذا قال الرب رنموا ليعقوب فرحا و اهتفوا براس الشعوب سمعوا سبحوا و قولوا خلص يا
رب شعبك بقية اسرائيل. 8- هانذا اتي بهم من ارض الشمال و اجمعهم من اطراف الارض
بينهم الاعمى و الاعرج الحبلى و الماخض معا جمع عظيم يرجع الى هنا. 9- بالبكاء
ياتون و بالتضرعات اقودهم اسيرهم الى انهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها
لاني صرت لاسرائيل ابا و افرايم هو بكري.

فى (1) الله يعد شعبه
إسرائيل، المملكة الشمالية والجنوبية معاً وأيضاً إسرائيل الروحى، إسرائيل الله
(غلا16:6) أى الكنيسة، أنه سيدخل معهم فى عهد من جديد بعد أن إنسكب غضبه على
الأشرار (24،23:30) وبعد رجوع الشعب من بابل إنضم يهوذا مع إسرائيل فعلاً بعد أن
عوقبت بابل. وبعد الصليب إجتمع ليس إسرائيل فقط مع يهوذا بل العالم كله. ونلاحظ أن
إنضمام يهوذا لإسرائيل يشير لإنضمام العالم كله أى الأمم لليهود بعد المسيح.
فإسرائيل بعد إنقسامها عن يهوذا وإنفصالها لم يعد الله فى وسطها فليس لهم هيكل ولا
كهنوت لذلك جعلهم يربعام بن نباط أول ملك لهم بعد الإنفصال يعبدون عجلاً ذهبياً.
إذن فهم يشيرون للعالم الوثنى الغارق فى عبادة الأوثان ولكنهم مازالوا شعب الله.
وبعد المسيح سيجتمع شمل جسد المسيح ثانية (المسيح جعل الإثنين واحداً أف14:2).

 وفى (2) سيصنع الله للناجين من بابل كما صنع للناجين من مصر وكما
قصد بهم دائماً حين إختارهم كشعب فهو دائماً يفيض عليهم ببركاته. ولذلك يذكرهم بما
صنعهُ مع أبائهم فى خروجهم من مصر حين كانوا شعب متبقى من السيف، سيف فرعون، الذى
قتل أطفالهم أولاً، وهذا السيف هددهم حتى وصولهم إلى البحر الأحمر وهكذا قصد
الشيطان قتل وهلاك كل أولاد آدم، أولاد الله. وكما نجا أبكار الشعب بدم الخروف، خروف
الفصح هكذا الكنيسة خلصت بدم المسيح. ثم دخلوا البرية، برية سيناء حيث ظنوا أنهم
منسيين مثل حالهم الأن فى بابل فهم يظنون أن الله قد نسيهم تماماً بينما الله كان
يعد لهم راحة فى أرض كنعان. وهكذا فى العهد القديم كان الله يُعد الخلاص بالمسيح
والآن يُعَد لنا أمجاد السماء حيث الراحة الأبدية. فهو لم ينسانا. وحين تضيق بنا
الأمور يجب أن نثق أن الشمس خلف الغيمة وأن هناك كنعان بعد البرية وهناك خلاص بعد
إنقضاء فترة السبعين سنة ومجىء المسيح لخلاص وتحرير شعبه. وفى (3) تراءى لى الرب.

من بعيد= يقولها اليهود
فى السبى أنهم نظروا خلاص الرب مع أبائهم فى مصر ولكن كان هذا من بعيد أما الآن
فلا نرى خلاصاً. ويقولها من كان ينتظر مجىء المسيح ولكنه كان يظن أن مجيئه بعيداً
ويقولها كل متضايق أنا أثق أن الله يمكن أن يعين البشر ولكنه بعيد. ولكن يرد الله
أحببتك محبة أبدية أحببتك فأصبر وأنتظر الرب لأنى رحمتك ورحمتى أبدية = أدمت لك
الرحمة = ولن أنساكِ أبداً. حتى إن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساكم (أش15:49)
فالله يحبنا ويرحمنا محبة ورحمة أبدية حتى لو بدا لنا لبعض الوقت أن محبته ورحمته
غير ظاهرة. ومن يحبه الرب هذا الحب يدخل معهُ فى عهد ويقربه منهُ ويبنيه (5،4)
ويشبهها هنا بعذراء (التوبة تحول الزانى لبتول) أعاد الله زينتها بعد أن فقدتها
وأعاد لها أفراحها ودفوفها. فمن يشعر بمحبة الله هذة يسبحه طول العمر. ولكن من هو
فى السبى لا يستطيع أن يسبح. لذلك كان لسان حالهم فى السبى "علقنا قيثاراتنا
على الصفصاف (لا نستطيع أن) نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة" وهكذا كل من هو فى
سبى الخطية مستعبد من شهواته لا يستطيع أن يسبح بفرح ولكن حينما يحرره الله منها
يسبحه. وهكذا سبحت مريم ورقصت حين سبح موسى مع كل الشعب بعد خروجهم من مصر أرض
العبودية وهكذا سيسبح السمائيين بعد وصولهم للسماء (رؤ1:14-3).ولاحظ أنه حين نخدم
الله ونعيش لهُ تلازمنا أفراحه. وسوف تغرس كروماً (الخراب والحزن تحولا لثمار
وأفراح) فى السامرة حيث أصبح هناك سلام بينهما، بين يهوذا والسامرة أو بين اليهود
والأمم فالسامرة هنا رمز للأمم الذين كانوا فى عداء مع اليهود ولكن تلاميذ المسيح
الذين خرجوا من اليهود من أورشليم ذهبوا وبشروا فى السامرة بعد أن بدأوا بأورشليم
فهم غرسوا كروماً أى مؤمنين فى السامرة. يغرس الغارسون ويبتكرون = أى أن الغارسون
سيفرحون بالباكورات أى بالمؤمنين الذين سيؤمنون بكرازتهم. وهذا نفس المعنى الذى فى
(6) فالنواطير أى حراس الكرم. فهم بشروهم وكرزوا لهم وهم حراس إيمانهم ويدعونهم
دائماً إلى الصعود إلى صهيون = إلى الكنيسة كنيسة الرب إلهنا. وهذا عمل خدام
المسيح دائماً حراسة شعبه من العدو إبليس وجمع أولاد الله للكنيسة (7) حينما يجتمع
الشعب فى الكنيسة عليه أن يصلى لله أن يخلص بقية شعبه. بل يخلص الجميع ويدعو غير
التائبين للإيمان والتوبة وفى (8) الله سيجمع الجميع حتى غير الصالح وغير القادر
للمشى = الأعرج ومن هو غير قادرعلى رؤية الطريق = الأعمى. فمن يقوده الله لن يصبح
أعرج ولا أعمى، فالله سيصير قوته بل سيجمع أيضاً للكنيسة الحُبلى والماخض معاً =
لاحظ أن الأعرج والأعمى والحبلى والماخض كل هؤلاء يبدو أن عودتهم من بابل عبر
الطريق الصعب إلى أورشليم، يبدو انها مستحيلة ولكن "هل يستحيل على الرب
شىء" والحُبلى تشير لمن هو مثقل بالخطايا والشهوات (يع15:1).

فمن يدعونا هو يقوينا
ويزيل العقبات من الطريق. بل أن الله سيجمع شتاتهم، فهم كانوا قد تفرقوا فى كل
أنحاء الأرض، مما يستدعى التفكير فى صعوبة جمعهم لأورشليم ثانية لكن حتى هذا
سيدبرَه. ويجمعهم والمعنى الروحى فبعد الخطية تشتت الإنسان بعيداً عن الله. وها هو
الوعد المعزى أن الله سيجمع الكل من كل مكان. وفى (9) وسط وعود الفرح نسمع أنهم
بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم = فنحن كنيسة المسيح علينا أن لا نكف عن البكاء
على خطايانا والتضرع إلى الله ليرحمنا ويغفر فنحن مازلنا فى حرب ضد إبليس طالما
نحن فى العالم. وبالصلاة والتضرع يشتعل فينا الروح القدس = أسيرهم إلى أنهار ماء.
وحين يقود الله يقودنا فى طريق مستقيم فهو الطريق، حتى لا نعثر ولا نضل والسبب أن
الله هو أب ونحن أبكاره نفس سبب خروجهم من مصر "إسرائيل إبنى البكر" =
أفرايم هو بكرى. ونحن فى المسيح نصير أبكاراً. وهنا وعد آخر بزيادة الكنيسة عددياً،
حتى بالرغم من أن الظاهر يبدو قليل. جمع كثير يرجع إلى هنا.

 

الأيات 10-17 :- 10-
اسمعوا كلمة الرب ايها الامم و اخبروا في الجزائر البعيدة و قولوا مبدد اسرائيل
يجمعه و يحرسه كراع قطيعه. 11- لان الرب فدى يعقوب و فكه من يد الذي هو اقوى منه.
12- فياتون و يرنمون في مرتفع صهيون و يجرون الى جود الرب على الحنطة و على الخمر
و على الزيت و على ابناء الغنم و البقر و تكون نفسهم كجنة ريا و لا يعودون يذوبون
بعد. 13- حينئذ تفرح العذراء بالرقص و الشبان و الشيوخ معا و احول نوحهم الى طرب و
اعزيهم و افرحهم من حزنهم. 14- و اروي نفس الكهنة من الدسم و يشبع شعبي من جودي
يقول الرب. 15- هكذا قال الرب صوت سمع في الرامة نوح بكاء مر راحيل تبكي على
اولادها و تابى ان تتعزى عن اولادها لانهم ليسوا بموجودين. 16- هكذا قال الرب
امنعي صوتك عن البكاء و عينيك عن الدموع لانه يوجد جزاء لعملك يقول الرب فيرجعون
من ارض العدو. 17- و يوجد رجاء لاخرتك يقول الرب فيرجع الابناء الى تخمهم.

فى (10) الكارزين أو
الرسل ومن جاء بعدهم عليهم أن يُسمعوا خبر الخلاص للأمم كلها وللجزائر أى أقصى
الأرض. ولاحظ أن الله هو مبدَد إسرائيل = فهو الذى شتتهم وإرسلهم للعدو بسبب خطاياهم.
ولكن شكراً لله هذا ليس نهاية الموضوع. فالله يجمعه ويحرسه كراعٍ = حين يجمع
الجميع فى جسده. وفى (11) نبوة ناطقة بالفداء الذى عملهُ المسيح. ومعنى الفداء فى
المفهوم اليهودى :- حين يرهن إنساناً إبنه أو يبيعه لسداد دين عليه، يأتى فادى،
وهو إنسان قريب ويدفع الثمن ليفك الرهن ويحرر إبن المستعبد وهكذا فإبليس إستعبدنا
لأننا كنا مديونين بما قبلناه من يده من شهوات وملذات فجاء المسيح ودفع الثمن بدمه
"عالمين أنكم أفتديتم لا بأشياء تفنى… بل بدم كريم" (1بط18:1) ولأن
إبليس أقوى من الإنسان فلم يكن ممكناً أن يفدى الإنسان إنساناً آخر ففداه الله
وفكنا من يد الذى هو أقوى منا (أى أبليس). وفى (12) ومن تحرر يرنم ويسبح ويجرون
إلى جود الرب على الحنطة وعلى الخمر = الجسد والدم لنشبع ونرتوى روحياً. وعلى
الزيت = الزيت يشير للروح القدس فنحن نجاهد لكى نمتلىء من الروح القدس. ومن يمتلىء
ويفرح بالله سيعرف يقيناً أن هذا العالم هو نفاية (فى8:3) وعليه يُقَدم نفسه ذبيحة
حية (رو1:12) والذبائح كانت تقدم من أبناء الغنم والبقر. وفى مزمور 29 "قدموا
للرب أبناء الكباش" حسب الترجمة السبعينية "وقدموا للرب مجداً
وعزاً" حسب الترجمة البيروتية. والمعنى أنه حينما نقدم أنفسنا ذبائح حية
وحينما نقدم ذبائح التسبيح والشكر لله = "عجول شفاهنا" (هو2:14) يكون
هذا لمجد الله. فنحن نمجد الله برفض كل إغراءات العالم وخطاياه بل برفض الحياة إذا
كانت ستعوقنا عن الشهادة لله (مثل الشهداء) = "من أجلك نمات كل النهار"
والكارزين والخدام يجرون على أبناء الغنم والبقر = حتى يؤمنوا ويعرفوا فيقدموا
أنفسهم ذبائح حية ويفرح بهم خدامهم (فى 17:2) ومن يعرف كيف يقدَم نفسه ذبيحة حية
تصبح نفسه كجنة رياَ ولا يعودون يذوبون بعد. فالجسد وإن كان ضعيفاً ومقدم كذبيحة
إلا أن النفس مبتهجة كجنة وتسبح فى مرتفع صهيون = أى فى السموات فالله
"أقامنا وأجلسنا معهُ فى السماويات". ومن تذوق هذه النعمة السماوية لا
يمكن أن يذوب مرة أخرى فى السبى ولا يعود مرَة أخرى للخطية. ويشبع الجميع كهنة
وشعباً (14) والكل يفرح (13) ويسبح (أحول نوحهم إلى طرب = حزنكم يتحول إلى فرح (يو20:16).

وفى الأيات (15-17)
يبدو أن الرامة كانت المكان الذى جمع فيه بنوزارادان المسبيين إستعداداً لنقلهم
إلى بابل، ومن هناك ردَ أرمياء. وكأن راحيل هنا تبكى على أولادها الذين ذهبوا
للسبى ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين بل هم فى السبى. وكان قبر راحيل بين
الرامة وبيت لحم. وقد راى فى هذه الأية متى البشير أنها تطبيق لقتل هيرودس لأطفال
بيت لحم مت18،16:2).

وقد تشير راحيل للكنيسة
الأم فهى أم يوسف وبنيامين ويوسف يشير لإبنه أفرايم رمز المملكة الكبرى إسرائيل
وبنيامين يشير للملكة الصغرى يهوذا فبنيامين بقى فى يهوذا. والكنيسة الأم تبكى على
عبودية أولادها لإبليس. ولكن فى (17،16) رجاء فى الخلاص ولا يجب أن تحزن الكنيسة
بعد فالمسيح حرر أولادها من السبى.

 

الأيات 18-26 :- 18-
سمعا سمعت افرايم ينتحب ادبتني فتادبت كعجل غير مروض توبني فاتوب لانك انت الرب
الهي. 19- لاني بعد رجوعي ندمت و بعد تعلمي صفقت على فخذي خزيت و خجلت لاني قد
حملت عار صباي. 20- هل افرايم ابن عزيز لدي او ولد مسر لاني كلما تكلمت به اذكره
بعد ذكرا من اجل ذلك حنت احشائي اليه رحمة ارحمه يقول الرب. 21- انصبي لنفسك صوى
اجعلي لنفسك انصابا اجعلي قلبك نحو السكة الطريق التي ذهبت فيها ارجعي يا عذراء
اسرائيل ارجعي الى مدنك هذه. 22- حتى متى تطوفين ايتها البنت المرتدة لان الرب قد
خلق شيئا حديثا في الارض انثى تحيط برجل. 23- هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل
سيقولون بعد هذه الكلمة في ارض يهوذا و في مدنها عندما ارد سبيهم يباركك الرب يا
مسكن البر يا ايها الجبل المقدس. 24- فيسكن فيه يهوذا و كل مدنه معا الفلاحون و
الذين يسرحون القطعان. 25- لاني ارويت النفس المعيية و ملات كل نفس ذائبة. 26- على
ذلك استيقظت و نظرت و لذ لي نومي.

فى خروج 7:3 "قال
الرب إنى قد رأيت مذلة شعبى الذى فى مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم إنى علمت
أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من يد المصريين" والله هنا سَمِعَ أفرايم ينتحب كما
سمع شعبه فى مصر يصرخ. فقلب الله يئن مع أنين أولاده. وهنا أشار الله لأفرايم
بالذات ربما بسبب الحادثة المذكورة فى (1أى22،21:7) حيثُ قُتِلَ أولاد إفرايم فبكى
وناح. حتى عزاه الله بأولاد آخرين وفى هذا إشارة لهلاك أولاد الله بالخطية. ولكن
خطيتهم جعلتهم يستعبدون فبكوا وأنَوا وسمع الله لهم وهنا الكلام بصيغة المفرد فبعد
عمل المسيح أصبح الكل واحداً (يو20:17-23). وهنا إفرايم يبكى على خطيته ويقول
ويعترف أن الله أدبه، لأنه كان كعجل غير مروض لم يعتاد بعد على نير المسيح. هو إذن
يذكر تمرده فى شبابه. هو تمردنا وعصياننا قبل المسيح. هو تذمر إسرائيل فى البرية،
وهو تمرد أى إنسان قبل أن يتوب. ولكن الله يسمع صوت بكاء كل هؤلاء وينتظر أن نقول
لهُ توبنى يا رب فأتوب. إذن هو يبدأ وما علينا سوى أن نستجيب. وفى (19) بعد رجوعى
ندمت = بعد أن عَرف المسيح نَدم على الوقت الذى إنقضى فى الخطية وصفقت على فخذى =
كما يخبط الإنسان على صدره إذ يدهش لصدور هذه الخطايا منهُ. وهو خجلَ من خطايا
صباه. نحن بدون نعمة الله سنظل شاردين دائماً. حين نعود ونتلامس مع محبته وغفرانه،
نحزن أننا أحزننا قلبه المحب يوماً "خطيتى أمامى فى كل حين" ولنلاحظ أنه
عند العودة أى التوبة يشعر أفرايم بمراحم الله ويفهم حكمته الحقيقية فى التأديب
(18). وإذ يشعر بثقل الخطايا يبدأ يصرخ إلى الله طالباً أن يعطيه توبة (19،18) وما
أن يطلب التوبة حتى يبدأ الله أن يكشف لهُ محبته (20) وقد يشير هذا لإيمان إسرائيل
فى آخر الأيام. وفى أية (20) يظهر حنان الله نحو أفرايم فالله إقتناه كطفل ثم صار
إبن ضال وفقد صورته الأولى حتى أن الله تساءل هل أفرايم إبن عزيز لدىَ أو ولد مسَر
= هل هذه هى الصورة التى أردتها لهُ حتى اسر بها، هل هذه هى صورتى التى خلقته
عليها ولكن حين ناح إفرايم على نفسه تحسَر الله عليه. ولكن الله لم ينساه لحظة
واحدة = لأنى كلما تكلمت به أذكره ذكراً. هو دائماً فى فكره يذكره بالخير حتى لو
تكلم ضده بالتهديد ولكن أحشاء الله تئن عليه وسيرحمه. ولنلاحظ أن الله حتى لو عاقب
شعبه تظل مراحمه نحوهم ولا يطردهم من أمام عينيه ويظل يخطط لخيرهم فتأديبه ممتزج
بمراحمه. وفى (21) الصوى = هى علامات يضعها المسافرون لتكون علامات لهم فى الطريق.
وهذا لهُ معنيان فالأول: هم الأن ذاهبون للسبى، وعليهم أن يعرفوا لماذا ذهبوا فى
هذا الطريق "أذكر من أين سقطت وتب" (رو5:2) ماذا كان السبب وراء سبيهم
حتى يمتنعوا عن ذلك الطريق بعد عودتهم. والثانى : لتكون هذه علامات لأولادهم
فالذين ذهبوا للسبى لن يعودوا ثانية لكن أولادهم سيعودون بخبرات الأباء. إذن هى
علامات وأنصاب للهداية فى الطريق من بابل لأورشليم وهذه فائدة الإرشاد الروحى ونجد
فى هذه الأية تشجيع لعودة المسبيين لأورشليم وعودة كل إنسان تائب ليترك طريقه
الشرير. إرجعى يا عذراء إسرائيل = فبالتوبة صارت بتول ثانية كما يقول الأباء
"التوبة تحوَل الزانى لبتول" وهاهو الله يسميها عذراء ثانية وأعاد
خطبتها لنفسه. وفى رجوعهم يشكرون الله الذى أعد هذا الخلاص بعد أن يروا علامات
أبائهم والألام التى ساروا فيها فى طريق العبودية ثم الخلاص الذى أعدَه لهم الله
وفى (22) حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدة = هذا عمل الخطية فهى تجعل الإنسان
مرتد عن الله وهذا المرتد لا يجد راحة فى أى مكان فهو دائماً يطوف يحاول أن يجد
راحة ولكن لن يجد راحة إلا فى حضن أبيه لذلك يدعوه الله متساءلاً إلى متى لن تدرك
هذه الحقيقة خصوصاً بعد أن خلق الله شيئاً حديثاً فى الأرض. أنثى تحيط برجل = هذا
حدث بعد التجسد حين كانت العذراء تحيط بالمسيح طفلاً فى رحمها ثم على يديها ثم
أحاطت الكنيسة به كعروسه، كجسده ويفيض عليها من بركاته هذا هو الشىء الجديد. وفى
ذلك الشكل الجديد "هوذا الكل قد صار جديداً" يلمح الناس فينا شكلاً
جديداً متميزاً، فرح وسلام دائم وعدم إهتمام بالعالميات. وفى (23) سوف يبارك
الكنيسة كل من يراها فى هذه الحالة. بعد أن كانت مسكناً للصوص صارت مسكناً للبر
ألم يحدث هذا فى صدر المسيحية فى مصر حينما كان الوثنى عندما يقابل وثنى آخر
مبتهجاً يقول لهُ "هل قابلت اليوم مسيحياً" وهذا ما قاله معلمنا بطرس
"كونوا مستعدين لمجاوبة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذى فيكم" وهى مسكن
للبر لأن المسيح برنا " ساكن فى وسطنا وهى عالية مقدسة = جبل مقدس وفى (24)
يهوذا = هى الكنيسة فيهوذا كان فيها كرسى داود والكنيسة يسكن فيها المسيح فهى
كنيسته. هو يملك على قلوب شعبه. والفلاحون هم الخدام والرعاة، والذين يُسرَحون
القطعان = الفلاح يرمى البذرة ويحرث الأرض والذين يسَرحون القطعان = هم الذين
يرعون الشعب فالشعب هو قطيع المسيح. وفى (25) المسيح يملأ كنيسته من روحه القدوس
الذى يشبع ويشفى ويروى النفس المعيية. وبعد أن رأى النبى فى رؤياه صورة الكنيسة
المبهجة هذه كان كأنه فى حلم وإستيقظ وكان نومهُ لذيذاً (26) هو فرح النبى بالخلاص
وملكوت الله. وهذا سر فرحنا الأن أننا ننتظر أفراح السماء ومجدها. إستيقظ = هذه
نبوة عن قيامة المسيح الذى قام وفرح بالخلاص الذى عمله.

 

الأيات 27-34 :- 27- ها
ايام تاتي يقول الرب و ازرع بيت اسرائيل و بيت يهوذا بزرع انسان و زرع حيوان. 28-
و يكون كما سهرت عليهم للاقتلاع و الهدم و القرض و الاهلاك و الاذى كذلك اسهر
عليهم للبناء و الغرس يقول الرب. 29- في تلك الايام لا يقولون بعد الاباء اكلوا
حصرما و اسنان الابناء ضرست. 30- بل كل واحد يموت بذنبه كل انسان ياكل الحصرم تضرس
اسنانه. 31- ها ايام تاتي يقول الرب و اقطع مع بيت اسرائيل و مع بيت يهوذا عهدا
جديدا. 32- ليس كالعهد الذي قطعته مع ابائهم يوم امسكتهم بيدهم لاخرجهم من ارض مصر
حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. 33- بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت اسرائيل
بعد تلك الايام يقول الرب اجعل شريعتي في داخلهم و اكتبها على قلوبهم و اكون لهم
الها و هم يكونون لي شعبا. 34- و لا يعلمون بعد كل واحد صاحبه و كل واحد اخاه
قائلين اعرفوا الرب لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب لاني
اصفح عن اثمهم و لا اذكر خطيتهم بعد.

فرح النبى بالرؤيا
السابقة وهنا الله يكشف لهُ المزيد عن الأيام السعيدة القادمة وفى (27) غرس الله
آدم فى الجنة زرعاً جيداً ولكنه سقط وفسد ولكن هاهو الله يزرعهُ جديداً.
"ندفن مع المسيح ونقوم معهُ خليقة جديدة" (رو6) بزرع إنسان (زرع إنسان
يشير لتجديد النفس وزرع حيوان يشير لتجديد الجسد) هذا تم بتجسد المسيح فى أحشاء
العذراء أخذاً جسدنا. وزرع حيوان = بعد أن أخذ المسيح ما هو لنا أى جسدنا أعطانا
الذى لهُ. وحينما إكتشف ويكتشف أى شخص أية درجة رفعه لها المسيح يحتقر هذا العالم
ويربط نفسه بنير المسيح، كحيوان مربوط بالنير ويقدم نفسه ذبيحة حية (أبناء الغنم
والبقر أر12:31) ويتبع المسيح كغنم وهو الراعى. وكشاة سيقت للذبح. اى نتبع المسيح
فى تسليم كامل. وفى (28) كما ضرب الربَ وأدب وطرد وقلع قبل المسيح، كما طرد آدم من
الجنة ها هو يردنا للسماويات ويعيدنا للبنوة وفى (29) لأننا نحن أجزاء من آدم
فحينما هلك آدم هلكنا معهُ وكان السؤال الدائم وما ذنبى! هل أخطأت أنا؟ ولكن الأن
بعد الفداء والمعمودية تمحى خطية آدم فلا يعود أحد يموت بسبب الأباء. بل كل واحد
يموت بخطية نفسه راجع (حز2:18) (30) بعد المسيح لا داعى أن يلوم أحداً آدم.
والأيات (31-34) نقلها بولس الرسول فى رسالته للعبرانيين (عب7:8-13). ومن هذه
الأيات عَرَف المسيحيون تسمية العهد الجديد (31). وفى (32) سمات العهد القديم أن
الله أمسكَ بيدهم ليخرجهم من أرض مصر = بأيات ومعجزات وشق بحر ومَن ينزل من
السماء. هنا الله يكشف نفسه لهذا الشعب بالعيان فهم لم تكن قامتهم الروحية تسمح
بالإيمان بشىء غير مرئى فكان لابد لهذه الأيات. ومع هذا بحثوا عن إله مرئى ليعبدوه
وصنعوا العجل الذهبى = نقضوا عهدى فرفضتهم. وفى (33) سمات العهد الجديد، عهد
الإيمان الذى قال عنهُ السيد المسيح "طوبى لمن آمن ولم يرى" وفيه يتعامل
الله مع الإنسان داخل القلب، يعرفونه بقلبهم وهو يفتح عيون قلوبهم ليروه ويروا
أعماله ويفتح أذانهم فيسمعوا صوتهُ ويميزوه "من له أذنان للسمع فليسمع ما
يقوله الروح للكنائس" وخراف المسيح تعرف صوته فتتبعه (يو4:10) لأنهم كلهم
سيعرفوننى وهذا عمل الروح القدس (34) "الذى يعلمنا كل شىء ويذكرنا بكل ما
قاله المسيح لنا" وهو الذى يفحص أعماق الله ويكشف لنا محبته (1كو2) وهو الذى
يشهد لنا ببنوتنا لله. ونحن حصلنا على عطايا الروح القدس بعد أن صفح الله عن إثمنا
ولم يعُدْ بذكر خطايانا وهذا حدث بالفداء والصعود إلى السماء بجسده " خير لكم
أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى راجع التعليق على إصحاح 17 (فالوصايا
تكتب على القلب حينما يسكب الروح القدس محبة الله فى قلوبنا (رو5:5) فننفذ الوصايا
عن حب يو23،21:14).

 

الأيات 35-40:- 35-
هكذا قال الرب الجاعل الشمس للاضاءة نهارا و فرائض القمر و النجوم للاضاءة ليلا
الزاجر البحر حين تعج امواجه رب الجنود اسمه. 36- ان كانت هذه الفرائض تزول من
امامي يقول الرب فان نسل اسرائيل ايضا يكف من ان يكون امة امامي كل الايام. 37-
هكذا قال الرب ان كانت السماوات تقاس من فوق و تفحص اساسات الارض من اسفل فاني انا
ايضا ارفض كل نسل اسرائيل من اجل كل ما عملوا يقول الرب. 38- ها ايام تاتي يقول
الرب و تبني المدينة للرب من برج حننئيل الى باب الزاوية. 39- و يخرج بعد خيط
القياس مقابله على اكمة جارب و يستدير الى جوعة. 40- و يكون كل وادي الجثث و
الرماد و كل الحقول الى وادي قدرون الى زاوية باب الخيل شرقا قدسا للرب لا تقلع و
لا تهدم الى الابد.

ربما يتساءل إنسان كيف
يمكن تحقيق كل هذه الوعود. كيف يمكن أن يقيمنا الله ونحن أموات بالخطايا بل أنهُ
هو الذى أصدر حكم الموت؟ حقاً كان حال الإنسان قبل الفداء ميئوساً منهُ ولكن هنا
فى (35)، (37) الله يكشف عن قدراته فى خلق السموات والأرض وكيف يضبطها فهل يستحيل
على الرب شىء، هل يستحيل على الرب أن يعيد إسرائيل بل كل نسل آدم عن أن يكونوا أمة
أمامه، بعد أن رفضوا. حقاً لم يكن إنسان يتصور أن محبة الله تجعله يخلى ذاته أخذاً
صورة عبد حتى يفدى أبناء البشر. حقاً يا رب لا يستحيل عليك شىء ومحبتك لنا لا يقف
شىء فى سبيلها. وفى (38) تبنى المدينة = المدينة هى أورشليم هى الكنيسة، هى جسد
المسيح. من برج حننئيل إلى باب الزاوية = حنفئيل أى حنان ومراحم الله وهى عالية
كبرج والزاوية تشير للمسيح حجر الزاوية الذى ربط العهدين، أى ربط كنيسة العهد
القديم بكنيسة العهد الجديد وربط ووحد السمائيين بالأرضيين واليهود بالأمم. فإتساع
الكنيسة بإتساع مراحم الله وهى مبنية على مجىء المسيح وتجسده وكونه حجراً للزاوية.
وفى (39) يخرج بعد خيط القياس = الله يعرف أولاده واحداً واحداً "الذين
أعطيتنى لم يهلك منهم أحد إلا إبن الهلاك" أكمة جارب ويستدير إلى جوعة = أكمة
جارب بالقرب من أورشليم جهة الغرب وجارب معناها برص، مرض البرص أو الجرب وجوعة
معناها خفض وهو مكان بالقرب من أورشليم فى الجنوب الغربى. والمعنى أن خيط القياس
سيجمع كل الذين تلوثوا بالخطية (البرص) وإنحطت درجتهم فبعد أن خلقهم الله سماويين
إنحطوا وأصبحوا أرضيين لكن المسيح جاء لهذا "هو جاء ليشفى الأبرص وإرتفع
ليرفعنا معهُ". هو قبل كل المرذولين وأعطاهم حياة سماوية وفى (40) صورة حية
لما حدث، لعمل المسيح الذى حول الإنسان الذى مات بالخطية ولعنت الأرض بسببه وأصبحت
وادى للجثث. ووادى قدرون إلى زاوية باب الخيل = وادى قدرون هو وادى يهوشافاط ومعنى
يهوشافاط الله يقضى وكلمة قدرون عبرية ربما كان معناها أسود. والمعنى أن عمل
المسيح هو أن أعطى حياة للجثث وقضاؤه بالموت على آدم تحمله هو نفسه. لذلك فى (يو1:18)
خرج يسوع مع تلاميذه إلى عبر وادى قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه  وهناك
سلمه يهوذا ليقضى عليه بالموت. وبذلك تحول الإنسان قُدساً للرب بعمل دم المسيح
الذى يُقدِس. وهذا العمل حفظ الكنيسة للأبد لا تهدَم ولا تقلع. باب الخيل =
المؤمنين هم الفرس الأبيض الذى يقوده المسيح (رؤ2:6) زاوية باب = المسيح هو حجر
الزاوية وهو الباب الذى يدخل منه المؤمنين الذين كانوا أمواتاً.

 

تعليق على الأصحاح

هذا الإصحاح ينتمى
للعهد الجديد. ومنهُ إشْتقَ إسم العهد الجديد وأُطلق على الإنجيل والفرق بين العهد
القديم والعهد الجديد.

1.      
فى العهد القديم يقول "إفعل هذه
فتحيا" إذن من سقط فى واحدة سقط فى الكل وبذلك يكون الكل مدان محكوم عليه
بالموت. وهنا تنفيذ الوصايا التى فى الناموس هو مسئولية كل فرد الشخصية. تعتمد على
قدرته فى المحافظة على العهد ولذلك فشل الإنسان وثبت عجزه من جيل إلى جيل. أما فى
العهد الجديد "بدونى لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً" فالخلاص هبة من الله.
والروح القدس يعين ضعفاتنا. وهو عهد أبدى بين الله وبيننا.

2.      
عمل الله فى العهد الجديد داخل قلب الإنسان.
فبدلاً من كتابة العهد القديم على ألواح حجرية خارجاً عن الإنسان كتبها على قلبه
ونحفظ وصاياه بالمحبة "من يحبنى يحفظ وصاياى" لذلك ففى العهد الجديد
يطيع الإنسان لرغبة شخصية فى الطاعة وليس قسراً أو كواجب.

3.      
هى ليست شريعة منقوشة بل خبرات شخصية يختبرها
الإنسان بنفسه فيصير إيمانه حقيقياً ودور أى خادم ليس أن يعطى هذه الخبرة للمخدوم
فهذا عمل الروح القدس، بل أن يقوده للإقتناع بضرورة هذه العلاقة الشخصية والخبرة
الشخصية. وإذاً فمعنى كلمة " لا يعلمون بعد كل واحد صاحبه (34) لا تلغى دور
المعلم والخادم. والروح القدس الذى يعمل فى الخادم ويعطيه إمكانية أن يكون معلما
(أف11:4) يعمل فى المخدوم ليستمع ويقتنع.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر الأمثال 31

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي