اَلأَصْحَاحُ
الْخَامِسُ

نعمان
السرياني في نهر الأردن

 

يروي لنا هذا الإصحاح
قصة فتاة اصطادها الآراميون في إحدى المعارك واستعبدوها. صارت في ارض غريبة بلا أب
ولا أم ولا أخ أو أخت. ليس من قريب يشبع عواطفها ولا من كاهن يسند نفسيتها ويصلي
لأجلها. ليس من كتاب مقدس بين أيديها. فقدت حريتها وانسانيتها بتحكم الغير في مصير
حياتها… ومع هذا كله لم تتحطم
ولا تذمرت على الله، بل
شهدت لعمل الله أمام قائد الجيش الغريب. حركت التاريخ في شجاعة، الأمر الذي فشل
فيه ملك إسرائيل
.

الفتاة المسبية شهدت
لعم الله الفائق في أرض العبودية والملك صاحب السلطان مزق ثيابه ولم يعرف إمكانيات
الله في حياته وفي بلده
.

في إيمان صدق القائد
الفتاة المسبية، وبروح الاتضاع سمع لصوت عبيده حين سألوه أن ينفذ ما قاله النبي
.

          الفتاة
الصغيرة التي قدمت عملاً كرازيًّا بين الأمم هي رمز للتلاميذ والرسل الذين من اليهود،
القلة الصغيرة التي كرزت وسط الأمم. والملك الرافض للعمل يمثل الأمة اليهودية التي
بجحودها وعدم إيمانها لم تقبل العمل الإلهي.

تقدم لنا
الدسقولية أمثلة عملية لأهمية الأسقف أو الشمامسة الأبرار الذين بلا لوم فتقول
بأنه العاصي إذ يراهم بلا لوم فلا يجسر أن يستخف بسلطانهم ويدخل كنيسه الله
بالمرة، إذ يضربه ضميره، أما إن كان لا يبالي بشيء ويجسر على الدخول فإنه يُدان
فورًا كما حدث مع عاخان (يش٧) عندما سرق المحرمات. وكما حدث مع جيحزي عندما
طمع في مال نعمان فعوقب فورًا. أو يوبخ بواسطة الراعي فيتوب، إذ يتطلع حوله فيجد
الأسقف والشعب الذين تحت رعايته بلا لوم، فيضربه قلبه، وبهدوء ينسحب عن طريقه في
خزي ساكبًا كثرة من الدموع، تائبًا عن خطاياه، ويحمل رجاءً. فيتعلم الشعب عندما
يرى دموعه[1].

وَكَانَ
نُعْمَانُ رَئِيسُ جَيْشِ مَلِكِ أَرَامَ رَجُلاً عَظِيماً عِنْدَ سَيِّدِهِ مَرْفُوعَ
الْوَجْهِ،

لأَنَّهُ
عَنْ يَدِهِ أَعْطَى الرَّبُّ خَلاَصاً لأَرَامَ.

وَكَانَ
الرَّجُلُ جَبَّارَ بَأْسٍ، أَبْرَصَ. [1]

          كان
البرص مثل مرض الإيدز الآن، من أخطر الأمراض في ذلك الوقت. إذ كان شديد العدوى،
غير قابل للشفاء. وكان المصابون به يُطردون من المدن ليعيشوا في مخيمات معزولة.
ولعل برص نعمان كان في دوره الأول، وربما كان يتوقع نعمان أنه سيضطر إلى ترك خدمته
بسبب مرضه.

الله الذي
يهتم بإسرائيل يهتم بالأمم الأخرى، فأعطى خلاصًاًً لسورية(أرام) غالبًاًً من يد
أشور.

وَكَانَ
الأَرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا غُزَاةً فَسَبُوا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً
صَغِيرَةً

فَكَانَتْ
بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةِ نُعْمَانَ. [2]

          كانت
أرام تجاور مملكة الشمال من الجانب الشمالي الشرقي. وكانت المعارك بينهما كثيرة.
ففي أيام داود كانت أرام تدفع جزية لإسرائيل، وفي أيام أليشع كانت آرام تزداد قوة
وكثيرًا ما هاجمت إسرائيل كنوعٍ من الإرهاب وإحداث اضطراب وسط الشعب. وكثيرًا ما
كانوا يحملون معهم بعض الأسرى. كانت خادمة نعمان فتاة من أسرى بني إسرائيل.

فَقَالَتْ
لِمَوْلاَتِهَا: يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي
السَّامِرَةِ،

فَإِنَّهُ
كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ. [3]

كان لأليشع
بيت في السامرة عاصمة إسرائيل، حيث عاش الملك والعظماء، وهي في هذا اختلف عن إيليا
الذي تقطن بالأكثر في البراري. وقد شاع خبره عند جميع الناس حتى أن هذه الفتاة
الصغيرة المسبية سمعت عته وأدركت إمكانياته في الرب.

v  الآن
نعمان رئيس الجيش الذي كان أبرصًا جاء إلى الطوباوي أليشع بناء على اقتراح صبيَّة
خادمة لكي ُيشفى، رمزًا للأمم. هذه الصبيَّة جاءت من اليهودية أسيرة، وأخبرت
سيدتها أنه إذا ذهب سيدها إلى الطوباوي أليشع يرد له صحته. كانت رمزًا للنبوة
لأنه  بالرغم من أن النبوة كانت في ذلك الحين محصورة في اليهودية وحدها، إلاّ أنها
inevitable إن المعرفة  المطوبة لها تبلغ إلى الأمم المجاورة أيضًا. لذلك
أصغى نعمان إلى الصبيَّة وذهب إلى أليشع؛ سمع الأمم النبي وجاءوا إلى المسيح. عند
المجئ إلى أليشع ُشفى نعمان من برصه، وعند المجئ إلى المسيح تطهر الأمم من كل برص
خطاياهم[2].

الأب
قيصريوس أسقف آرل

فَدَخَلَ
وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ:

كَذَا
وَكَذَا قَالَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. [4]

فَقَالَ
مَلِكُ أَرَامَ:

انْطَلِقْ
ذَاهِباً فَأُرْسِلَ كِتَاباً إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ.

فَذَهَبَ
وَأَخَذَ بِيَدِهِ عَشَرَ وَزَنَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ،

وَسِتَّةَ
آلاَفِ شَاقِلٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَعَشَرَ حُلَلٍ مِنَ الثِّيَابِ. [5]

إيمان
الفتاة الصغيرة الأسيرة أعظم من إيمان الملك. حرّكت قائد آرام القوية ليطلب من إله
إسرائيل بينما كشف الملك عن عدم إيمانه.

غالبًا ما
كان ملك إسرائيل هو يهورام بي أخاب، كانت له علاقات طيبة مع ملك آرام.

ثياب مزركشة
ثمينة تليق كهدية رئيس الجيش إلى الملك.

وَأَتَى
بِالْكِتَابِ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ فِيهِ:

فَالآنَ
عِنْدَ وُصُولِ هَذَا الْكِتَابِ إِلَيْكَ،

هُوَذَا
قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ نُعْمَانَ عَبْدِي فَاشْفِهِ مِنْ بَرَصِهِ. [6]

فَلَمَّا
قَرَأَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ:

هَلْ أَنَا
اللَّهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ،

حَتَّى
إِنَّ هَذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلاً مِنْ بَرَصِهِ؟

فَاعْلَمُوا
وَانْظُرُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِي! [7]

لم يذكر اسم
ملك إسرائيل هنا، غالبًا ما كان يهورام. لم يستحق ذكر اسمه بسبب عدم إيمانه، وقد
ركّز الكتاب المقدس هنا على عمل اللَّه خلال إليشع النبي.

أرسل بنهدد
ملك آرام نعمان إلى ملك إسرائيل، إذ ظن أن للملك سلطانًا على النبي يأمره فيطيع،
كما حسب أن الشفاء يُقتني بالمال. أما ملك إسرائيل فكان يجهل قوة اللَّه.

وَلَمَّا
سَمِعَ أَلِيشَعُ رَجُلُ اللَّهِ أَنَّ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ قَدْ مَزَّقَ
ثِيَابَهُ،

أَرْسَلَ
إِلَى الْمَلِكِ يَقُولُ:

لِمَاذَا
مَزَّقْتَ ثِيَابَكَ؟

لِيَأْتِ
إِلَيَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُوجَدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ. [8]

فَجَاءَ
نُعْمَانُ بِخَيْلِهِ وَمَرْكَبَاتِهِ وَوَقَفَ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ أَلِيشَعَ.
[9]

فَأَرْسَلَ
إِلَيْهِ أَلِيشَعُ رَسُولاً يَقُولُ:

اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ
سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ

فَيَرْجِعَ
لَحْمُكَ إِلَيْكَ وَتَطْهُرَ. [10]

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عَدُلاَّم م

v  إنه الأردن
وليس النبي هو الذي يفعل ذلك

( يطهر البرص). عمل النبي هو أن يوجه إلى موضع الشفاء. ناثان
لعدم فهمه للسرّ العظيم الذي للأردن يقول : [9 ، 10 ] فان وضع يده على البرص
والتطهير منه هذا من اختصاص ربنا يسوع وحده (مت 8 : 1، 3) فإنه توسل إليه البرص بإيمان:
"إن أردت تقدر تطهرني" لم يقل: "أريد فتطهر" إنما أضاف إلى
الكلمة انه لمسه، فبرأ من البرص كان نعمان مخطئا ، ولم ير كيف ان كل الأنهار
الأخرى أقل من الأردن لشفاء الألم
[3].

العلامة أوريجينوس

يكمل العلامة أوريجينوس
حديثه موضحًا امتياز نهر الأردن عن بقية الأنهار، فانه لا يوجد غير الأردن قادر
على التطهير من البرص. فعلى انهار بابل جلس الإسرائيليون وتذكروا صهيون، وهناك
بكوا. لقد سبوا إلى بابل وتذوقوا مياه غير مياه الأردن المقدسة، فاشتاقوا إلى نهر
الخلاص لقد جلسوا ولم يقدروا ان يقفوان ويوبخ إرميا النبي من يشرب من مياه جيئون (
إر 2 : 28)

يرى العلامة ترتليان[4] أن نزوله في
النهر سبع مرات يشير إلى تلوثه بسبع خطايا مميتة وهى العبادة الوثني
ة والتجديف
والقتل والزنا والنجاسة وشهادة الزور والغش. وكأنه في كل مرة يغطس يتطهر من خطية
ما بالترتيب.

فَغَضِبَ
نُعْمَانُ وَمَضَى وَقَالَ:

هُوَذَا
قُلْتُ إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَيَّ وَيَقِفُ وَيَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِهِ

وَيُرَدِّدُ
يَدَهُ فَوْقَ الْمَوْضِعِ

فَيَشْفِي
الأَبْرَصَ! [11]

شتان ما بين
فكر الله وفكر الإنسان.

* يظن
الإنسان أنه قادر أن يحقق كل شيء بماله، بينما يقدم الله لنا خلاصه لكي نشبع
ونتمجد بنعمته المجانية

(إش1:55؛
رو24:3؛ رؤ17:22)

* يريد
الإنسان أن يختار وسائل الخلاص حسب هواه، ويريدنا الله أن نسلم حياتنا وإرادتنا في
يديه.

* يرى
الإنسان أن طريق الخلاص صعب أو مستحيل أما الله فيرى أن طريق الخلاص بسيط كالغسل
في نهر الأردن مقدم لكل نفس مشتاقة إليه.

لم يخرج
إليشع ليلتقي بنعمان تكبراً منه وإنما ليوجهه أفكار نعمان إلى الرب لا إلى شخصه،
ليعلم أن الشفاء من عند الرب.

أَلَيْسَ
أَبَانَةُ وَفَرْفَرُ نَهْرَا دِمَشْقَ أَحْسَنَ مِنْ جَمِيعِ مِيَاهِ
إِسْرَائِيلَ؟

أَمَا
كُنْتُ أَغْتَسِلُ بِهِمَا فَأَطْهُرَ؟

وَرَجَعَ
وَمَضَى بِغَيْظٍ. [12]

أبانة: نهر بردي
الحالي ومنبعه من الجبل الشرقي. ويُظن أن النهر الآخر، فرفر هو الأعرج الذي يخرج
من جبل الشيخ. ويجري نهر أبانة في وسط دمشق. النهران يمدان الأراضي الواقفة حول
دمشق بمائهما الغزير ويجعلان من تلك البقاع أخصب اراضي العالم. بعكس انهر اسرائيل
ويهوذا التي تجري أكثرها في أودية عميقة صخرية.

فَتَقَدَّمَ
عَبِيدُهُ وَقَالُوا:

يَا
أَبَانَا، لَوْ قَالَ لَكَ النَّبِيُّ أَمْراً عَظِيماً أَمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ،

فَكَمْ
بِالْحَرِيِّ إِذْ قَالَ لَكَ: اغْتَسِلْ وَاطْهُرْ؟ [13]

انصرف نعمان
ساخطًا، فقد عاش كل أيامه يحمل بطولة في حياته ومعاركه، فاستصغر أن يُشفى بعلاج
بسيط. إنه لم يقبل علاج الإيمان البسيط. هذا هو موقف الكثيرين، إذ يرفضون عطية
اللَّه المجانية، الإيمان البسيط. لا يثقون أن مسيحنا قادر أن يغسل ويقدس بل ويهب
البنوة في مياه المعمودية.

v      
عندما سمع نعمان أنه يلزمه أن يغتسل في الأردن
سبع مرات كان
indignant  ولم يرد أن comply ، لكنه سمع مشورة أصدقائه وقبل أن يغتسل ويتطهر. هذا يعني أنه قبل
صليب المسيح لم يؤمن الأمم بالمسيح عندما تحدث بشخصه، لكن بعد ذلك جاءوا بروح
التقوى إلى سرّ العماد بعد كرازة الرسل…

          أضف
إلى هذا حقيقة عدم لمس أليشع لنعمان نفسه أو تعميده يظهر أن المسيح لم يأتِ للأمم
بنفسه بل خلال رسله الذين قال لهم: "اذهبوا عمدوا كل الأمم باسم الآب والابن
والروح القدس" (راجع مت 19:28).

          لاحظ
أيضًا أن نعمان رمز الأمم استرد صحته في نفس النهر الذي فيه قدس اللَّه عماده فيما
بعد…

          الحقيقة
بأن نعمان اعتقد بأنه كان يمكن أن يسترد صحته من خلال أنهره (2 مل 12:5) تشير إلى
أن الجنس البشرى ظن أن يعتمد على إرادته واستحقاقاته الذاتية، ولكن بدون نعمة
المسيح لا تقدر استحقاقاتهم أن تعطيهم صحة وإن كان يمكنهم أن يصيروا برص[5].

الأب
قيصريوس أسقف آرل

فَنَزَلَ
وَغَطَسَ فِي الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَسَبَ قَوْلِ رَجُلِ اللَّهِ،

فَرَجَعَ
لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَطَهُرَ. [14]

اتسم نعمان
بقلب طفل سريع الغضب وسريع الرجوع عنه، لم يصر على غضبه بل قبل مشورة عبيده الذين
وجدوا فيه أبوة فكانوا يدعونه "أبانا"

"نزل
وغطس" : نجح في امتحان الإيمان، فحتى العظات الست الأولى لم يشعر بأي تغيير
فأطاع وفوجئ في العظة السابقة بشفائه. لقد نزل في مياه الأردن، كما نزل أيضًا عن
غيظه وكبريائه.

v  غطس
هذا السرياني سبع مرات تحت الناموس، أما أنتم فتعمدتم باسم الثالوث. اعترفتم
بالآب. تذكروا ماذا فعلتم، لقد اعترفتم بالابن، وبالروح القدس[6]
.

القديس
أمبروسيوس

v   ليس بلا سبب
تطهر نعمان القديم المصاب بالبرص بالعماد، إنما كان ذلك أشارة لنا. فكما نحن برص بالخطية،
وعاجزون عن التطهير، فانه بالمياه المقدسة واستدعاء الرب نطهر من معاصينا القديمة،
إذ نتجدد روحيا كأطفال مولودين حديثا. وذلك كما أعلن الرب: "إن كان أحد لا
يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3 : 5)
[7].

القديس ايريناؤس

v  الآن
في هذا، بالذبيحة العجيبة أعلن إيليا بوضوح لنا عن طقس العماد السرائري الذي كان
يليق أن يؤسس قط فيما بعد. فإن النار أُشعلت بالماء المنسكب ثلاث مرات عليها، حتى
أنه من الواضح حيث يوجد الماء السري يوجد الروح الملتهب الدافئ المشتعل الذي يحرق
الأشرار وينير المؤمنين. نعم، فإن تلميذه اليشع أيضًا عندما جاء إليه نعمان
السرياني المصاب بالبرص، كمن يتوسل، طهر المريض بغسله في نهر الأردن (2 مل 5)،
مشيرا بوضوح إلى ما يحدث بعد ذلك، باستخدام الماء على وجه العموم والغطس في النهر
على وجه خاص. فالأردن وحده من الأنهار تقبل فيه باكورة التقديس والبركة، مانحا ذلك
في قناته إلى كل العالم، كما من ينبوع في الرمز الممنوح له نعمة العماد. هذه إذن
إشارات عن عمل الميلاد الجديد في العماد[8].

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد إنجيل مرقس القمص متى المسكين 06

القديس
غريغوريوس النيسي

v      
عندما نزل نعمان في النهر رمز المعمودية
"رجع لحمه كلحم صبى صغير" (2 مل 14:5). لاحظوا أيها الإخوة الأحباء أن
هذا الشبه قد كمل في الشعب المسيحي، إذ تعلمون أن كل الذين يعتمدون لا يزالوا
ُيدعَون أطفالاً، سواء كانوا كبارًا أو صغارًا. الذين ُولدوا عتقاء بآدم وحواء
يولدون من جديد كصغار بالمسيح والكنيسة، الميلاد الأول يلد أناسًا للموت، والثانى
للحياة. الأول يجلب أبناء الغضب والثاني يلدهم من جديد كأوانٍ للرحمة. يقول
الرسول: "فى آدم يموت الجميع" (1 كو 22:15).

          لذلك
كما أن نعمان وهو رجل كبير صار صبيًا بالغسل سبع مرات، هكذا الأم مع أنهم عتقاء
بشبب خطاياهم السالفة ومصابون بوصمات البرص الكثيرة، تجددوا بنعمة المعمودية
بطريقة لا يبقى فيهم برص الخطية الأصلية أو الفعلية… عندئذ يتحقق فيهم ما يخبر
به الرسول الكنيسة بخصوص المسيح: "ليقدم لنفسه كنيسة بلا عيب ولا غضن" (أف
27:5)[9].

الأب
قيصريوس أسقف آرل

يرى العلامة
ترتليان
[10]
أن نزوله في النهر سبع مرات يشير إلى تلوثه بسبع خطايا مميتة وهي العبادة الوثنية
والتجديف والقتل والزنا والنجاسة وشهادة الزور والغش. وكأنه في كل مرة يغطس يتطهر
من خطية ما بالترتيب.

v 
إنه
الأردن وليس النبي هو الذي يفعل ذلك (يطهر من البرص). عمل النبي هو أن يوجه إلى
موضع الشفاء. اليشع لعدم فهمه للسرّ العظيم الذي للأردن، يقول: "اذهب واغتسل
سبع مرات في الاردن فيرجع لحمك اليك و تطهر" (ع١٠). فإن وضع يده
على البرص والتطهير منه هذا من إختصاص ربنا يسوع وحده (مت٨: ٢،
٣). فإنه توسل إليه الأبرص بإيمان: "إن أردت تقدر أن تطهرني" لم
يقل "أريد فتطهر" إنما أضاف إلى الكلمة أنه لمسه فبرأ من البرص. كان
نعمان مخطئًا ولم ير كيف أن كل الأنهار الأخرى أقل من الأردن لشفاء الآلام
[11].

العلامة أوريجانوس

يكمل العلامة
أوريجانوس
حديثه موضحًا إمتياز نهر الأردن عن بقية الأنهار، فإنه لا يوجد غير
الأردن قادر على التطهير من البرص. فعلى أنهار بابل جلس الإسرائيليون وتذكروا
صهيون، وهناك بكوا. لقد سُبوا إلى بابل وتذوقوا مياه غير مياه الأردن المقدسة،
فاشتاقوا إلى نهر الخلاص. لقد جلسوا ولم يقدروا أن يقفوا
(مز١٣٧) ويوبخ إيليا النبي من يشرب من مياه شيحور (إر٢:
١٨).

v 
ليس بلا
سبب تطهر نعمان القديم المصاب بالبرص بالعماد، إنما كان ذلك إشارة لنا. فكما نحن
برص بالخطية، وعاجزون عن التطهير، فإنه بالمياه المقدسة وإستدعاء الرب نطهر من
معاصينا القديمة؛ إذ نتجدد روحيًا كأطفالٍ مولودين حديثًا. وذلك كما أعلن الرب:
"إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله"
(يو٣: ٥)
[12].

القديس
ايريناؤس

فَرَجَعَ
إِلَى رَجُلِ اللَّهِ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ:

هُوَذَا
قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَهٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ إِلاَّ فِي إِسْرَائِيلَ.

وَالآنَ
فَخُذْ بَرَكَةً مِنْ عَبْدِكَ. [15]

حسب نعمان
أن الاغتسال في نهر صغير كالأردن إهانة واحتقارًا لمركزه. كان عليه أن يتواضع
ويطيع فيجد السيد المسيح نفسه غاسل كل الخطايا يعتمد في هذا النهر. ويرى السماء
المفتوحة وتجلّي الروح القدس.

كان لابد
لنعمان أن يُدرك أن طرق اللَّه غير طرق البشر، وأن اللَّه يريدنا أن نطيعه أكثر من
أن نقدم تقدمات كثيرة، وأنه يستخدم أية وسيلة للعطاء، وبقليل أو كثير قادر أن
يخلص.

كان نعمان
انسان شاكرًا، رجع إلى اليشع النبي لكي يشكره. وكان فيه رجوعه تعب وخسارة، لأنه لو
انطلق من الأردن إلى دمشق لاستفاد بحوالي 30 ميلاً، وكان يمكنه أن يبعث رسولاً
برسالة يشكره فيها.

فَقَالَ:
حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ إِنِّي لاَ آخُذُ.

وَأَلَحَّ
عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فَأَبَى. [16]

رفض أليشع
النبي أن يقبل شيئًا من أموال نعمان، لئلا يظن الأخير أن مراحم اللَّه وعطاياه
يُمكن شرائها بالمال. لقد أراد أن يؤكد له أيضًا أننا إذ نقف أمام اللَّه ينظر إلى
شخصياتنا لا إلى أموالنا ومراكزنا وممتلكاتنا.

فَقَالَ
نُعْمَانُ: أَمَا يُعْطَى لِعَبْدِكَ حِمْلُ بَغْلَيْنِ مِنَ التُّرَابِ،

لأَنَّهُ
لاَ يُقَرِّبُ بَعْدُ عَبْدُكَ مُحْرَقَةً وَلاَ ذَبِيحَةً لآلِهَةٍ أُخْرَى بَلْ
لِلرَّبِّ. [17]

واضح أن
نعمان كان يهدف إلى بناء مذبح الله على تراب من أرض إسرائيل.

          كانت
رغبة نعمان أن يأخذ "حمل بغلين من التراب" من إسرائيل (ع17)
وربما كان هذا مبنياً على الفكرة الخاطئة أنه لا يمكن عبادة أي إله بعيداً عن أرض
وطنه. وهكذا أعتقد أن يهوه يمكن عبادته فقط على التراب الذي أحضره من إسرائيل.

عَنْ هَذَا
الأَمْرِ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ:

عِنْدَ
دُخُولِ سَيِّدِي إِلَى بَيْتِ رِمُّونَ لِيَسْجُدَ هُنَاكَ

وَيَسْتَنِدَ
عَلَى يَدِي

فَأَسْجُدُ
فِي بَيْتِ رِمُّونَ،

فَعِنْدَ
سُجُودِي فِي بَيْتِ رِمُّونَ يَصْفَحُ الرَّبُّ لِعَبْدِكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ.
[18]

حسب سجوده
في بيت رمون من واجباته السياسية كرئيس الجيش، لكنه لن يقبل إلهًا آخر غير الله
الحقيقي.

فَقَالَ
لَهُ: امْضِ بِسَلاَمٍ.

وَلَمَّا
مَضَى مِنْ عِنْدِهِ مَسَافَةً مِنَ الأَرْضِ [19]

          لم
يطلب نعمان من النبي الإذن له بالسجود للإله رمون بل أن ما يفعله إنما من  واجبه
في معاونة سيده الملك مع تأكيده أنه لن يعود يقدم ذبيحة إلا إلى اللَّه الحيّ
وحده.

          بينما
جاهد نعمان نحو العبادة للَّه الواحد والتخلص من العبادة الوثنية انحرف إسرائيل
إلى عبادة الأوثان.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر أيوب 25

صرفه النبي
بسلام دون أن يعطيه إجابه على الطلبتين أن يأخذ حمل بغلين من التراب والصفح عنه في
سجوده الشكلي في بيت ريمون، تاركًا الحكم فيها لضميره.

قَالَ
جِيحَزِي غُلاَمُ أَلِيشَعَ رَجُلِ اللَّهِ:

هُوَذَا
سَيِّدِي قَدِ امْتَنَعَ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ نُعْمَانَ الأَرَامِيِّ
هَذَا مَا أَحْضَرَهُ.

حَيٌّ هُوَ
الرَّبُّ إِنِّي أَجْرِي وَرَاءَهُ وَآخُذُ مِنْهُ شَيْئاً. [20]

          محبة
المال دفعت جيحزي إلى السقوط في سلسلة من الخطايا:

          أولاً:
طلب مالاً على ما لم يعمله.

          ثانيًا:
قدم صورة مؤلمة وخاطئة لنعمان ومن حوله، إذ طلب المال كبديلٍ لعطية اللَّه
المجانية، ألا وهي شفاء نعمان منالبرص.

          ثالثًا:
أراد تغطية الموقف فكذب على النبي، ففقد سمة الأمانة والصدق، ليصير ابنًا لإبليس
الذي يدعى كذّابًا وأب الكذابين.

          رابعًا:
محبة المال أفسدت قلب جيحزي، وعاقته عن خدمة اللَّه. لهذا يقول السيد المسيح أنه
لا يقدر إنسان أن يخدم اللَّه والمال (مت24:6).

فَسَارَ
جِيحَزِي وَرَاءَ نُعْمَانَ.

وَلَمَّا
رَآهُ نُعْمَانُ رَاكِضاً وَرَاءَهُ نَزَلَ عَنِ الْمَرْكَبَةِ لِلِقَائِهِ
وَقَالَ: أَسَلاَمٌ؟ [21]

فَقَالَ:
سَلاَمٌ.

إِنَّ
سَيِّدِي قَدْ أَرْسَلَنِي قَائِلاً:

هُوَذَا فِي
هَذَا الْوَقْتِ قَدْ جَاءَ إِلَيَّ غُلاَمَانِ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ مِنْ
بَنِي الأَنْبِيَاءِ،

فَأَعْطِهِمَا
وَزْنَةَ فِضَّةٍ وَحُلَّتَيْ ثِيَابٍ. [22]

فَقَالَ
نُعْمَانُ: اقْبَلْ وَخُذْ وَزْنَتَيْنِ.

وَأَلَحَّ
عَلَيْهِ وَصَرَّ وَزْنَتَيْ فِضَّةٍ فِي كِيسَيْنِ وَحُلَّتَيِ الثِّيَابِ

وَدَفَعَهَا
لِغُلاَمَيْهِ فَحَمَلاَهَا قُدَّامَهُ. [23]

وَلَمَّا
وَصَلَ إِلَى الأَكَمَةِ أَخَذَهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا

وَأَوْدَعَهَا
فِي الْبَيْتِ

وَأَطْلَقَ
الرَّجُلَيْنِ فَانْطَلَقَا. [24]

وَأَمَّا
هُوَ فَدَخَلَ وَوَقَفَ أَمَامَ سَيِّدِهِ.

فَقَالَ
لَهُ أَلِيشَعُ: مِنْ أَيْنَ يَا جِيحَزِي؟

فَقَالَ:
لَمْ يَذْهَبْ عَبْدُكَ إِلَى هُنَا أَوْ هُنَاكَ. [25]

فَقَالَ
لَهُ: أَلَمْ يَذْهَبْ قَلْبِي حِينَ رَجَعَ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكَبَتِهِ
لِلِقَائِكَ؟

أَهُوَ
وَقْتٌ لأَخْذِ الْفِضَّةِ وَلأَخْذِ ثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ
وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟ [26]

أعطى الله
إليشع معرفة الغيب، فكان لمن قد رأى وسمع ما جرى. وكانت تلك المعرفة محدودة ووقتية
بإرادة الله لخدمة ملكوته.

فَبَرَصُ
نُعْمَانَ يَلْصَقُ بِكَ وَبِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ!

فَخَرَجَ
مِنْ أَمَامِهِ أَبْرَصَ كَالثَّلْجِ. [27]

v  كما
أن جيحز
ي خدم الطوباوي
لكي يقتني مالاً هكذا كان يهوذا ملاصقًا لربنا ومخلصنا لكي يرتكب غشًا وينال غنى
أرضيًا. حقًا كتب عنه في الإنجيل: "كان سارقًا، وكان الصندوق عنده، وكان يحمل
ما ُيلقى فيه" (يو 6:12). الآن جيحزي الذي كان يمكنه أن يتأهل للتمتع بميزات
سيده كما فعل سيده حيث نال تلك التي للطوباوي إيليا، لكنه ُغلب بالطمع واستحق أن
يمسك به البرص القاسي إلى الأبد. فقد يهوذا نعمة الرسولية خلال محبته للمال،
وانتهت حياته ب
noose. هكذا نفهم كل بشر طامعين ومحبين للمال تصاب نفوسهم في الداخل
ببرص الخطية[13].

الأب
قيصريوس أسقف آرل

v  على
أي الأحوال يمكن أن يرمز جيحزي للشعب اليهودي، كما سبق أن قلت، إذ ُضربوا ببرص
الخطية في نفس الوقت الذي شُفى منه الأمم. أخيرًا، صرخ اليهود البؤساء أثناء آلام
المسيح: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 25:27). عندئذ استحقوا بالحق أن
ُيصابوا ببرص الخطية، عندما صرخوا بشفاة شريرة نحو الطبيب السماوي: "خذه، خذه،
أصلبه" 0يو 15:19). لذلك لصق بهم البرص في الوقت الذي فيه عبرت النعمة إلينا.
أخيرّا تحدث الرسول بولس إليهم هكذا: "كان يجب أن تكلموا أنتم أولاً بكلمة
اللَّه، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحين للحياة الأبدية هوذا نتوجه
إلى الأمم" (أع 46:13). عندما عبر تعليم الرسل إلى الأمم لصق برص الخطية
باليهود الأشقياء[14].

الأب
قيصريوس أسقف آرل

تقدم لنا الدسقولية
أمثلة عملية لأهمية الأسقف أو الشمامسة الأبرار الذين بلا لوم فتقول بأنه العاصي إذ
يراهم بلا لوم لا يجسر ان يستخف بسلطانهم ويدخل كنيسة الله بالمرة ، إذ يضربه
ضميره ، أما ان كان لا يبإلى بشئ ويجسر على الدخول فإنه يدان فورا كما حدث مع
عاخان ( يش 7) عندما سرق المحرمات. وكما حدث مع جيحزي ندما طمع في مال نعمان فعُوقب
فورا . أو يوبخ بواسطة الراعي فيتوب ، إذ يتطلع حوله فيجد الأسقف والشعب الذين تحت
رعايته بلا لوم ، فيضربه قلبه ، وبهدوء ينسحب عن طريقه في خزي ساكبًا كثرة من
الدموع، تائبا عن خطاياه ، ويحمل رجاءا . فيتعلم الشعب عندما يرى دموعه
[15].

 

لأدخل معك نهر الأردن،

وأتمتع بميلاد روحي
جديد
!

 

معك يا سيد الكل ادخل
نهر الأردن
.

لا لكي أطهر مع نعمان
من برص الجسد،

بل لأتمتع بميلادٍ روحي
جديد.

تهبني البنوة لله أبيك،

وتجدد بروحك القدوس
طبيعتي.

أغطس معك فأدفن معك.

أقوم معك حاملا قوة
قيامتك!

2ملوك 5:

كان أدونيا
رابع أبناء داود، وكان له الحق منطقياً أن يخلف أباه في الملك. فابن داود البكر هو
أمنون قتله أخوه أبشالوم لاغتصاب أخته (2صم20:13-33) وابنه الثاني دانيئيل لم يذكر
إلا في أخبار الأيام الأول (1:3)، ويرجح أنه مات قبل ذلك الوقت. والابن الثالث
أبشالوم مات في ثورته ضد أبيه (2صم1:18-18). وكان الكثيرون يتوقعون أقام
ة أدونيا
ملكاً، لكن خطة اللَّه غير خطة البشر (30،29:1).



[1]
Constitutions of the Apostles, Book 2: 3: 10.

[2] Sermon
129:2

[3] Commentary on John, book
6:28.

[4] Tertullian against
Marcion, 4:9.

[5] Sermon 129:4.

[6] St. Ambrose: On the
Mysteries, 4:4.

[7] Fragments from the lost
writings of Ireneaus, 34 .

[8] On
the Baptism of Christ.

[9] Sermon 129:5.

[10] Tertullian: Against Marcion, 4: 9.

[11] Commentary on John, Book 6: 28.

[12]
Fragemnts from the Lost Wiitings of Irenaeus, 34.

[13] Sermon
129:1.

[14] Sermon
129:

[15] Constitutions of the
Apostles, book 2: 3: 10 .

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي