اَلأَصْحَاحُ
التَّاسِعُ
يستعرض هذا
الفصل ما بلغ إليه إسرائيل من فساد فاق يهوذا، حيث كان جميع ملوك إسرائيل أشرارا،
لم يوجد بينهم ملك واحد صالح، فأطال الله أناته عليهم كما على يهوذا. وأخيرا سمح
بتأديبهم بواسطة أشور حتى تم سبيهم بواسطة أشور ليكونوا عظة ليهوذا لعلها تتعظ
وترجع إليه.
سبق أن تنبأ
إيليا النبي عن قتل عدد كبير من الناس عندما يصبح ياهو ملكًا (1مل16:19-18). لذلك
نصح تلميذه إليشع النبي الشاب أن يسرع بالهروب من المنطقة حالما يبلغ رسالته، قبل
أن تبدأ المذبحة. وتبدو تصرفات ياهو قاسية في إبادته كل أقرباء آخاب وأصدقائه
(2أي8:22،9).
وَدَعَا
أَلِيشَعُ النَّبِيُّ وَاحِداً مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ وَقَالَ لَهُ:
شُدَّ
حَقَوَيْكَ وَخُذْ قِنِّينَةَ الدُّهْنِ هَذِهِ بِيَدِكَ
وَاذْهَبْ
إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ. [1]
وَإِذَا
وَصَلْتَهَا فَانْظُرْ هُنَاكَ يَاهُوَ بْنَ يَهُوشَافَاطَ بْنَ نِمْشِي
وَادْخُلْ
وَأَقِمْهُ مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِ
وَادْخُلْ
بِهِ إِلَى مِخْدَعٍ دَاخِلَ مِخْدَعٍ [2]
ثُمَّ خُذْ
قِنِّينَةَ الدُّهْنِ وَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ
وَقُلْ:
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ:
قَدْ
مَسَحْتُكَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ.
ثُمَّ
افْتَحِ الْبَابَ وَاهْرُبْ وَلاَ تَنْتَظِرْ. [3]
فَانْطَلَقَ
النَّبِيُّ إِلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ [4]
وَدَخَلَ
وَإِذَا قُوَّادُ الْجَيْشِ جُلُوسٌ.
فَقَالَ:
لِي كَلاَمٌ مَعَكَ يَا قَائِدُ.
فَقَالَ
يَاهُو: مَعَ مَنْ مِنَّا كُلِّنَا.
فَقَالَ:
مَعَكَ أَيُّهَا الْقَائِدُ. [5]
فَقَامَ
وَدَخَلَ الْبَيْتَ،
فَصَبَّ
الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ:
هَكَذَا
قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ:
قَدْ
مَسَحْتُكَ مَلِكاً عَلَى شَعْبِ الرَّبِّ إِسْرَائِيلَ، [6]
فَتَضْرِبُ
بَيْتَ أَخْآبَ سَيِّدِكَ.
وَأَنْتَقِمُ
لِدِمَاءِ عَبِيدِيَ الأَنْبِيَاءِ وَدِمَاءِ جَمِيعِ عَبِيدِ الرَّبِّ مِنْ يَدِ
إِيزَابَلَ. [7]
جاءت
كلمات إليشع النبي تحقيقًا لما تنبأ عنه معلمه إيليا النبي منذ حوالي العشرين
عامًا (1مل17:21-23).
فَيَبِيدُ
كُلُّ بَيْتِ أَخْآبَ،
وَأَسْتَأْصِلُ
لأَخْآبَ كُلَّ ذَكَرٍ وَمَحْجُوزٍ وَمُطْلَقٍ فِي إِسْرَائِيلَ. [8]
وَأَجْعَلُ
بَيْتَ أَخْآبَ كَبَيْتِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ
وَكَبَيْتِ
بَعْشَا بْنِ أَخِيَّا. [9]
تحطم
الخطية الإنسان نفسه كما تحطم الأسرة وتمتد إلى الأمة، إن تجاوبت الأسرة أو الأمة
مع الشر، أو تهاونت معه.
لقد
انتهت أسرة آخاب كما تنبأ إيليا النبي (1مل17:21-24)، وانتهت أيضًا أسرة يربعام
(1مل1:14-21)، وذلك على يد بعشا (1مل29:15). وتنبأ ياهو النبي، وهو غير ياهو
الملك، بإبادة أسرة بعضا (1مل1:16-7،11،12).
وَتَأْكُلُ
الْكِلاَبُ إِيزَابَلَ فِي حَقْلِ يَزْرَعِيلَ
وَلَيْسَ
مَنْ يَدْفِنُهَا.
ثُمَّ
فَتَحَ الْبَابَ وَهَرَبَ. [10]
وَأَمَّا
يَاهُو فَخَرَجَ إِلَى عَبِيدِ سَيِّدِهِ
فَقِيلَ
لَهُ: أَسَلاَمٌ؟
لِمَاذَا
جَاءَ هَذَا الْمَجْنُونُ إِلَيْكَ؟
فَقَالَ
لَهُمْ: أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ وَكَلاَمَهُ. [11]
فَقَالُوا:
كَذِبٌ. فَأَخْبِرْنَا.
فَقَالَ:
بِكَذَا وَكَذَا قَالَ لِي:
هَكَذَا
قَالَ الرَّبُّ: قَدْ مَسَحْتُكَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ. [12]
فَبَادَرَ
كُلُّ وَاحِدٍ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ
وَوَضَعَهُ
تَحْتَهُ عَلَى الدَّرَجِ نَفْسِهِ،
وَضَرَبُوا
بِالْبُوقِ وَقَالُوا: قَدْ مَلَكَ يَاهُو. [13]
وَعَصَى
يَاهُو بْنُ يَهُوشَافَاطَ بْنِ نِمْشِي عَلَى يُورَامَ.
وَكَانَ
يُورَامُ يُحَافِظُ عَلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ هُوَ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ
حَزَائِيلَ مَلِكِ أَرَامَ. [14]
وَرَجَعَ
يُورَامُ الْمَلِكُ لِيَبْرَأَ فِي يَزْرَعِيلَ
مِنَ
الْجُرُوحِ الَّتِي ضَرَبَهُ بِهَا الأَرَامِيُّونَ حِينَ قَاتَلَ حَزَائِيلَ
مَلِكَ أَرَامَ.
فَقَالَ
يَاهُو: إِنْ كَانَ فِي أَنْفُسِكُمْ،
لاَ
يَخْرُجْ مُنْهَزِمٌ مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَنْطَلِقَ فَيُخْبِرَ فِي يَزْرَعِيلَ.
[15]
وَرَكِبَ
يَاهُو وَذَهَبَ إِلَى يَزْرَعِيلَ،
لأَنَّ
يُورَامَ كَانَ مُضْطَجِعاً هُنَاكَ.
وَنَزَلَ
أَخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا لِيَرَى يُورَامَ. [16]
وَكَانَ
الرَّقِيبُ وَاقِفاً عَلَى الْبُرْجِ فِي يَزْرَعِيلَ،
فَرَأَى
جَمَاعَةَ يَاهُو عِنْدَ إِقْبَالِهِ،
فَقَالَ:
إِنِّي أَرَى جَمَاعَةً.
فَقَالَ
يُورَامُ: خُذْ فَارِساً وَأَرْسِلْهُ لِلِقَائِهِمْ فَيَقُولَ: أَسَلاَمٌ؟
فَذَهَبَ
رَاكِبُ الْفَرَسِ لِلِقَائِهِ وَقَالَ:
هَكَذَا
يَقُولُ الْمَلِكُ: أَسَلاَمٌ؟
فَقَالَ
يَاهُو: مَا لَكَ وَلِلسَّلاَمِ؟ دُرْ إِلَى وَرَائِي!
فَقَالَ
الرَّقِيبُ: قَدْ وَصَلَ الرَّسُولُ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعْ. [18]
فَأَرْسَلَ
رَاكِبَ فَرَسٍ ثَانِياً.
فَلَمَّا
وَصَلَ إِلَيْهِمْ قَالَ: هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: أَسَلاَمٌ؟
فَقَالَ
يَاهُو: مَا لَكَ وَلِلسَّلاَمِ؟ دُرْ إِلَى وَرَائِي. [19]
سأل
الفارس جماعة ياهو إن كانوا قد جاءوا للخير، فأجابه ياهو: "ما شأنك
بالخير؟". فإن من انحرف عن الشركة مع اللَّه ليس له أن يسأل عن الخير الذي هو
عطية اللَّه.
طلب
ياهو من الرسولين أن يسيرا خلفه حتى لا يستطيعا أن يحذرا الملك من الخطر الذي يلحق
بحياته. ولعله أراد أيضًا أن يخلو الطريق أمامه لتصويب سهامه إلى الملك.
فَقَالَ
الرَّقِيبُ: قَدْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعْ.
وَالسَّوْقُ
كَسَوْقِ يَاهُوَ بْنِ نِمْشِي، لأَنَّهُ يَسُوقُ بِجُنُونٍ. [20]
فَقَالَ
يُورَامُ: اشْدُدْ. فَشُدَّتْ مَرْكَبَتُهُ،
وَخَرَجَ
يُورَامُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَأَخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا،
كُلُّ
وَاحِدٍ فِي مَرْكَبَتِهِ،
خَرَجَا
لِلِقَاءِ يَاهُو.
فَصَادَفَاهُ
عِنْدَ حَقْلَةِ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ. [21]
فَلَمَّا رَأَى
يُورَامُ يَاهُوَ قَالَ: أَسَلاَمٌ يَا يَاهُو؟
فَقَالَ:
أَيُّ سَلاَمٍ مَادَامَ زِنَى إِيزَابَلَ أُمِّكَ وَسِحْرُهَا الْكَثِيرُ؟ [22]
فَرَدَّ
يَهُورَامُ يَدَيْهِ وَهَرَبَ وَقَالَ لأَخَزْيَا: خِيَانَةً يَا أَخَزْيَا! [23]
فَقَبَضَ
يَاهُو بِيَدِهِ عَلَى الْقَوْسِ وَضَرَبَ يُورَامَ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ،
فَخَرَجَ
السَّهْمُ مِنْ قَلْبِهِ فَسَقَطَ فِي مَرْكَبَتِهِ. [24]
وَقَالَ
لِبِدْقَرَ ثَالِثِهِ: ارْفَعْهُ وَأَلْقِهِ فِي حِصَّةِ حَقْلِ نَابُوتَ
الْيَزْرَعِيلِيِّ.
وَاذْكُرْ
كَيْفَ إِذْ رَكِبْتُ أَنَا وَإِيَّاكَ مَعاً وَرَاءَ أَخْآبَ أَبِيهِ
جَعَلَ
الرَّبُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ. [25]
أَلَمْ أَرَ
أَمْساً دَمَ نَابُوتَ وَدِمَاءَ بَنِيهِ يَقُولُ الرَّبُّ،
فَأُجَازِيكَ
فِي هَذِهِ الْحَقْلَةِ يَقُولُ الرَّبُّ.
فَالآنَ
ارْفَعْهُ وَأَلْقِهِ فِي الْحَقْلَةِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. [26]
قتل
آخاب نابوت اليزرعيلي لكي يرث حقله، وذلك حسب مشورة زوجته زوجته الشريرة إيزابل.
وظن أنه يجعل من الحقل حديقة تبعث في حياته السرور والبهجة ولم يعلم أنه سيصير
مقبرة يدفن فيها ابنه الشرير.
وَلَمَّا
رَأَى ذَلِكَ أَخَزْيَا مَلِكُ يَهُوذَا
هَرَبَ فِي
طَرِيقِ بَيْتِ الْبُسْتَانِ،
فَطَارَدَهُ
يَاهُو وَقَالَ: اضْرِبُوهُ.
فَضَرَبُوهُ
أَيْضاً فِي الْمَرْكَبَةِ فِي عَقَبَةِ جُورَ الَّتِي عِنْدَ يِبْلَعَامَ.
فَهَرَبَ
إِلَى مَجِدُّو وَمَاتَ هُنَاكَ. [27]
فَأَرْكَبَهُ
عَبِيدُهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ
وَدَفَنُوهُ
فِي قَبْرِهِ مَعَ آبَائِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. [28]
فِي
السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ لِيُورَامَ بْنِ أَخْآبَ،
مَلَكَ
أَخَزْيَا عَلَى يَهُوذَا. [29]
فَجَاءَ
يَاهُو إِلَى يَزْرَعِيلَ.
وَلَمَّا
سَمِعَتْ إِيزَابَلُ كَحَّلَتْ بِالأُثْمُدِ عَيْنَيْهَا
وَزَيَّنَتْ
رَأْسَهَا وَتَطَلَّعَتْ مِنْ كُوَّةٍ. [30]
وَعِنْدَ
دُخُولِ يَاهُو الْبَابَ قَالَتْ: أَسَلاَمٌ لِزِمْرِي قَاتِلِ سَيِّدِهِ؟ [31]
ربما
دعت إيزابل ياهو "زمري"، وهو القائد للجيش منذ حوالي أربعين عامًا وقد قتل
الملك أيلة واغتصب الملك (1مل8:16-10)، وكأنها كانت تتهم ياهو بأنه سيحاول
الاقتداء بالغادر زمري مغتصب المُلك.
فَرَفَعَ
وَجْهَهُ نَحْوَ الْكُوَّةِ وَقَالَ: مَنْ مَعِي؟ مَنْ؟
فَأَشْرَفَ
عَلَيْهِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْخِصْيَانِ. [32]
فَقَالَ:
اطْرَحُوهَا. فَطَرَحُوهَا،
فَسَالَ
مِنْ دَمِهَا عَلَى الْحَائِطِ وَعَلَى الْخَيْلِ فَدَاسَهَا. [33]
وَدَخَلَ
وَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ:
افْتَقِدُوا
هَذِهِ الْمَلْعُونَةَ وَادْفِنُوهَا لأَنَّهَا بِنْتُ مَلِكٍ. [34]
وَلَمَّا
مَضُوا لِيَدْفِنُوهَا
لَمْ
يَجِدُوا مِنْهَا إِلاَّ الْجُمْجُمَةَ وَالرِّجْلَيْنِ وَكَفَّيِ الْيَدَيْنِ. [35]
انتهى
كل ما لإيزابل من سلطان وقوة وكرامة وبهرجة ملكية وأسرة ومال ولم يبق منها إلا العظام
التي تركتها الكلاب بعد أن نهشت لحمها. صارت مثلاً أمام من يسلك في الشر، إذ يسلب
الإنسان كل شيء.
فَرَجَعُوا
وَأَخْبَرُوهُ.
فَقَالَ:
إِنَّهُ كَلاَمُ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ إِيلِيَّا
التِّشْبِيِّ قَائِلاً:
فِي حَقْلِ
يَزْرَعِيلَ تَأْكُلُ الْكِلاَبُ لَحْمَ إِيزَابَلَ. [36]
وَتَكُونُ
جُثَّةُ إِيزَابَلَ كَدِمْنَةٍ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ فِي قِسْمِ يَزْرَعِيلَ
حَتَّى لاَ
يَقُولُوا هَذِهِ إِيزَابَلُ. [37]
الملك ياهو
هو الشخصية الرئيسية في الأصحاح التاسع، كان واحد من ثلاثة أشخاص، طلب من ايليا أن
يمسحه وهو على جبل حوريب لمهمة تحطيم البعل في إسرائيل (1مل15:19-18). كان ياهو
آخر الثلاثة للقيام بهذه المهمة. سبق أن رأينا الاثنين الآخرين-أليشع وحزائيل وهما
يعملان ضد البعل في إسرائيل. حزائيل عن طريق الحرب على إسرائيل(2مل28:8-29) وأليشع
عن طريق تعنيف الوثنيين وتثبيت قوة اللَّه المعجرية في هذا السفر كله.
