الأصحاح
الخامس

متاعب
داخلية

 

المتاعب
الداخلية أخطر بكثير من المضايقات الخارجية، حتى وإن كانت ثعالب صغيرة، فإنها
مفسدة للكروم.

اجتمعت كل
الأمة – الأغنياء والفقراء – للعمل معًا. لكن الطبيعة البشرية غالبًا ما تقاوم
العمل الإلهي. لم يأخذ الأغنياء موقف الضغط الشديد على الفقراء كما ورد في إشعياء
5، إنما ما كان يشغلهم هو نوالهم ما ظنوه انه من حقهم. فقد أقرضوا الفقراء، واخذوا
فوائد عالية (ربا) في شكل مال أو ممتلكات وأيضًا الأطفال [1-5].

لم يمنع
الكتاب المقدس أن أخذ فوائد على القروض (تث 23: 19؛ مت 25: 27) لكن لا يجوز
للإسرائيلي أن يأخذ فوائد من زميله الإسرائيلي (خر 22: 25).

اضطر
الفقراء، إلى أخذ القروض بسبب حدوث مجاعة، وليس بقصد التجارة [3]. وبحسب الشريعة
يلزم تحرير العبيد من اليهود في السنة السابعة (خر 21: 2-6).

أكد نحميا
أن الفقراء وأولادهم كبشر هم واحد مع الأغنياء [5]. وقد وُقف نحميا في صفهم يسندهم

[6-7]، مذكرًا الأغنياء أن سياسة الدولة هي ترد الثمن المُشترى به العبيد لأجل
تحريرهم [8].

يرى البعض
أنه إذ يُشار إلى مدة طويلة من الزمن [14]، لهذا يُظن أن أحداث هذا الأصحاح تخص
فترة متأخرة من حياة نحميا.

وَكَانَ
صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيماً عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ. [1]

وَكَانَ
مَنْ يَقُولُ:

نَحْنُ
وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا كَثِيرُونَ.

دَعْنَا
نَأْخُذْ قَمْحاً فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا! [2]

إذ عاد
حوالي 50 ألفًا مع زربابل إلى أورشليم، ومعهم ثروتهم الهائلة، انشغلوا ببناء
بيوتهم، ولم يبالوا ببناء بيت الرب ولا بإخوتهم الفقراء. وقد أرسل الله لهم
النبيان حجي وزكريا يحثانهم على الاهتمام ببيت الرب، ليبارك الرب المدينة.

ازداد
الأغنياء غنى والفقراء فقرًا.

وَكَانَ
مَنْ يَقُولُ:

حُقُولُنَا
وَكُرُومُنَا وَبُيُوتُنَا نَحْنُ رَاهِنُوهَا

حَتَّى
نَأْخُذَ قَمْحاً فِي الْجُوعِ! [3]

من المشاكل
الخطيرة أن الفقراء رهنوا بيوتهم وحقولهم وكرومهم ليشروا حنطة للأكل.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر مراثى إرميا 01

وَكَانَ
مَنْ يَقُولُ:

قَدِ
اسْتَقْرَضْنَا فِضَّةً لِخَرَاجِ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. [4]

يصور الظلم
الذي سقط على الفقراء، إذ اضطروا إلى الاستدانة لدفع الضرائب للملك.

وَالآنَ
لَحْمُنَا كَلَحْمِ إِخْوَتِنَا

وَبَنُونَا
كَبَنِيهِمْ

وَهَا
نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا عَبِيداً

وَيُوجَدُ
مِنْ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ

وَلَيْسَ
شَيْءٌ فِي طَاقَةِ يَدِنَا

وَحُقُولُنَا
وَكُرُومُنَا لِلآخَرِينَ. [5]

لم يفقدوا
حقولهم وبيوتهم فحسب، إنما بسبب الفقر باعوا أولادهم وبناتهم عبيدًا، أو سلموهم
عبيدًا لكي يجد الأبناء طعامًا وهم في خدمة سادتهم، مع انه إخوة لهم من جهة الجنس
كيهودٍ مثلهم.

فَغَضِبْتُ
جِدّاً حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهَذَا الْكَلاَمَ. [6]

لم يكن
ممكنًا لنحميا أن يصمت أمام هذا الحال، إنما غضب جدًا، وبعد تفكير عميق قام بتبكيت
العظماء والقيادات (راجع يع 5: 1-6).

في شجاعة لم
يحابِ العظماء، بل وبَّخهم على عدم اهتمامهم بإخوتهم الفقراء. (تث 15: 7-11).

إنجيلنا
يدعونا لمساعدة كل البشرية، لا سيما أهل الإيمان.

الكتاب
المقدس يدعونا إلى عدم استخدام الربا (خر 22: 25؛ لا 25: 35).

فَشَاوَرْتُ
قَلْبِي فِيَّ

وَبَكَّتُّ
الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ وَقُلْتُ لَهُمْ:

إِنَّكُمْ
تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ.

وَأَقَمْتُ
عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً. [7]

وَقُلْتُ
لَهُمْ:

نَحْنُ
اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ الَّذِينَ بِيعُوا لِلأُمَمِ حَسَبَ
طَاقَتِنَا.

وَأَنْتُمْ
أَيْضاً تَبِيعُونَ إِخْوَتَكُمْ فَيُبَاعُونَ لَنَا.

فَسَكَتُوا
وَلَمْ يَجِدُوا جَوَاباً. [8]

لم يقف
الأمر عند أخذ ربا من أناس عاجزين عن دفعه، إنما ما هو أخطر أنه لا يستنكف الإنسان
من أن يشتري إخوته عبيدًا له، مما جعل نحميا ومن معه أن يفدوهم بالمال، كما افتدوا
اليهود الذين كانوا قبلاًا عبيدًا للأمم. (راجع لا 25: 39 الخ).

سمح الله
لشعبه أن يستأجر الواحد الآخر دون أن يظلمه، بل يقدم له أجرته دون تأخير. لكنه
يمنه استعباد الواحد للآخر مقابل طعامه وملبسه، دون التمتع بأية حقوق إنسانية.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر التكوين 49

وَقُلْتُ:
لَيْسَ حَسَناً الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.

أَمَا
تَسِيرُونَ بِخَوْفِ إِلَهِنَا بِسَبَبِ تَعْيِيرِ الأُمَمِ أَعْدَائِنَا! [9]

استعباد
الإنسان وظلمه هما إهانة موجهة ضد الله، وتحلل الإنسان من مخافة الخالق المهتم
بخليقته.

هذا التصرف
سبب تجديفًا من الأمم على الله، ووضع شعب الله في خزي وعار بين الشعوب.

ذكر أحد
الوعاظ أنه تحدث في هذا الشأن، وإذا بأحد السامعين تأثر جدًا لأنه كان قد أقرض
صديقًا له مالاً بالربا وكان الصديق فقيرًا، عاجزًا عن التسديد، وبالكاد كان يدفع
الفائدة، وبقي على هذا الحال خمس سنوات. تأثر الدائن وذهب إلى المدين يعتذر له على
ما صدر منه من ضغط وأخبره أنه لا يطلب بعد أية فائدة، بل ولا أصل الدين، كما قدم
له ما دفعه من فوائد خلال الخمس سنوات
[1].

وَأَنَا
أَيْضاً وَإِخْوَتِي وَغِلْمَانِي أَقْرَضْنَاهُمْ فِضَّةً وَقَمْحاً.

فَلْنَتْرُكْ
هَذَا الرِّبَا. [10]

قدم نحميا
نفسه وأهل بيته من أخوة وغلمان أمثلة عملية لتقديم قروض بدون ربا. فسند كلماته
بأعماله.

رُدُّوا لَهُمْ
هَذَا الْيَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَزَيْتُونَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ

وَالْجُزْءَ
مِنْ مِئَةِ الْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ

الَّذِي
تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ رِباً. [11]

طلب نحميا
من الأغنياء إصلاحًا فوريًا، قائلاً: "ردوا لهم هذا اليوم"، فليس من
مجال للانتظار إلى الغد. الوصية الإلهية لا تحتاج إلى جدال.

فَقَالُوا:
نَرُدُّ وَلاَ نَطْلُبُ مِنْهُمْ.

هَكَذَا
نَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ.

فَدَعَوْتُ
الْكَهَنَةَ وَاسْتَحْلَفْتُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هَذَا الْكَلاَمِ. [12]

الكلمات مع
تقديم العمل أثمر فسأله الأغنياء ماذا يفعلون، وأقسم الكهنة أن يتمموا الوصية
الإلهية، وكأنهم قد وقَّعوا على عقد مع الله نفسه.

ثُمَّ
نَفَضْتُ حِجِْرِي وَقُلْتُ:

هَكَذَا
يَنْفُضُ اللَّهُ كُلَّ إِنْسَانٍ لاَ يُقِيمُ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْ بَيْتِهِ
وَمِنْ تَعَبِهِ

وَهَكَذَا
يَكُونُ مَنْفُوضاً وَفَارِغاً.

فَقَالَ
كُلُّ الْجَمَاعَةِ:

آمِينَ!
وَسَبَّحُوا الرَّبَّ.

وَعَمِلَ
الشَّعْبُ حَسَبَ هَذَا الْكَلاَمِ. [13]

هل تبحث عن  هوت طقسى علم اللاهوت الطقسى 76

قام الشعب
بتنفيذ ما أشار إليه نحميا.

سلوك نحميا ورجاله

وَأَيْضاً
مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أُوصِيتُ فِيهِ أَنْ أَكُونَ وَالِيَهُمْ فِي أَرْضِ
يَهُوذَا

مِنَ
السَّنَةِ الْعِشْرِينَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاَثِينَ
لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً

لَمْ آكُلْ
أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي خُبْزَ الْوَالِي. [14]

وَلَكِنِ
الْوُلاَةُ الأَوَّلُونَ الَّذِينَ قَبْلِي ثَقَّلُوا عَلَى الشَّعْبِ

وَأَخَذُوا
مِنْهُمْ خُبْزاً وَخَمْراً

فَضْلاً
عَنْ أَرْبَعِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ

حَتَّى
إِنَّ غِلْمَانَهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الشَّعْبِ.

وَأَمَّا
أَنَا فَلَمْ أَفْعَلْ هَكَذَا مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللَّهِ. [15]

أراد نحميا
أن يُصلح ما أفسده الولاة السابقون. فقد قبل الولاية، ورفض الانتفاع الشخصي من هذا
المركز، بل ورفض أن يأكل هو وإخوته من خبز الوالي، أي لم يثقل على الشعب بأخذ نصيب
من الحنطة والخمر مع ضرائب. قام رفضه على مخافته لله.

وَتَمَسَّكْتُ
أَيْضاً بِشُغْلِ هَذَا السُّورِ.

وَلَمْ
أَشْتَرِ حَقْلاً.

وَكَانَ
جَمِيعُ غِلْمَانِي مُجْتَمِعِينَ هُنَاكَ عَلَى الْعَمَلِ. [16]

وَكَانَ
عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلاَةِ

مِئَةٌ
وَخَمْسُونَ رَجُلاً

فَضْلاً
عَنِ الآتِينَ إِلَيْنَا مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَنَا. [17]

كان قلبه
مفتوحًا للجميع، وأيضًا دار الولاية، فكان يأكل مع مئة وخمسين شخصًا من اليهود
والقادمين إليه من الأمم الذين حوله.

وَكَانَ مَا
يُعْمَلُ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ ثَوْراً وَسِتَّةَ خِرَافٍ مُخْتَارَةٍ.

وَكَانَ
يُعْمَلُ لِي طُيُورٌ وَفِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْخَمْرِ
بِكَثْرَةٍ.

وَمَعَ
هَذَا لَمْ أَطْلُبْ خُبْزَ الْوَالِي

لأَنَّ
الْعُبُودِيَّةَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. [18]

اذْكُرْ لِي
يَا إِلَهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهَذَا الشَّعْبِ. [19]

أخيرًا يؤكد
نحميا أن ما فعله ليس لأجل نوال كرامة أو مديح من أحدٍ، إنما من أجل الله نفسه،
العارف بأعماله، كما عارف بما في قلبه وفكره من إخلاص وحب وبذلٍ.

يقول
المرتل: (مز 139: 23-24).



[1] David Hocking: Reviving
The Stores, (comment on
Neh. 5:9).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي