اَلْمَزْمُورُ
السِّتُّونَ

v      
يحتوي هذا المزمور على نبوة خاصة بربنا يسوع
المسيح المولود من نسل داود، بأنه في ملء الزمان كان مزمعًا أن يضرب الأجناس
القريبة، أعني بها الأبالسة. أولاً ينوح ويشكو مما جرى له من اليهود، وأنه يجعل
الأمم خاصته لإيمانهم به، ويقصي اليهود عن كونهم خاصته. ثم بعد زمان يشعرون
بجمالهم ويتوبون ويؤمنون به ويؤهلون لنعمته.

الأب
أنثيموس الأورشليمي

العنوان

لإِمَامِ
الْمُغَنِّينَ عَلَى السَّوْسَنِّ.

شَهَادَةٌ
مُذَهَّبَةٌ لِدَاوُدَ لِلتَّعْلِيمِ.

عِنْدَ
مُحَارَبَتِهِ أَرَامَ النَّهْرَيْنِ وَأَرَامَ صُوبَةَ،

فَرَجَعَ
يُوآبُ وَضَرَبَ مِنْ أَدُومَ فِي وَادِي الْمِلْحِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.

 

يَا اللهُ
رَفَضْتَنَا.

اقْتَحَمْتَنَا.
سَخِطْتَ.

أَرْجِعْنَا
[1].

v      
هذا القول كأنه من اليهود، فإنهم يقولون: "أقصيتنا"،
أي أبعدتنا عن أورشليم مسكنك، وطردتنا إلى بلاد بابل البعيدة. وهدمتنا، أي سمحت
لنا أن نفقد مواهبنا. وفي حزن سخطت، أي بسخطٍ سقطنا في الأحزان والشدائد لكي بها
نتأدب وندمن على الصبر. ثم تراءفت علينا، ورجعت بنا إلى ما كنا عليه من عظم رحمتك
ومحبتك للبشر…

قوله
"سخطت ثم تراءفت علينت، يترجمه أكليلاً: "بغضبك رددتنا"، فيكون
معنى قوله دالاً لا على سبيهم إلى بابل، بل ما جرى عليهم بعد صلهم المسيح، لأنه في
ذلك الحين طرحهم الله عنه وأقصاهم من كونهم خاصته، وقطعهم بالكلية… وشنتهم في
البلاد مهانين.

يقول القديس
باسيليوس الكبير:
إن كل الذين يبتعدون عن الله بسبب خطاياهم يقص الله أجواق
وجمائع شرورهم، ويهدمهم من اقتدارهم، ويُضعفهم، محسنًا إليهم كي تضعف شرورهم. وقال
أيضًا إن الله قد احتد غضبه علينا سابقًا لأننا كنا جاعلين أنفسنا أولاد غضب، ولم
يكن لنا رجاء في الخلاص لكوننا كنا عديمي المعرفة بالله. ثم تراءف علينا وارسل
ابنه الوحيد، وجعله لمغفرة خطايانا…

الأب
أنثيموس الأورشليمي

زَلْزَلْتَ
الأَرْضَ. فَصَمْتَهَا.

اجْبُرْ
كَسْرَهَا لأَنَّهَا مُتَزَعْزِعَةٌ [2].

يرى الأب
أنثيموس الأورشليمي
أن النبي يقصد بالأرض هنا مدينة أورشليم التي اضطربت لما
حاربها الآشوريون (البابليون)، وأيضًا فلسطين كلها اضطربت بما حل بها من ضيقات
وشدائد. كما يمكن القول بإن الأرض تشير إلى النفس المرتبطة بالأرضيات.

v                
تُدعى نفوسهم مجازًا "أرضيًا"، فيطلب
النبي من شافي النفوس والأجساد بأن يشفي مكاسرها ويصلح خللها.

الأب
أنثيموس الأورشليمي

أَرَيْتَ
شَعْبَكَ عُسْرًا.

سَقَيْتَنَا
خَمْرَ التَّرَنُّحِ [3].

v      
يدعو المصائب التي أصابتهم خمرًا بما أن الدواهي
تسكر القلب وتُذهب العقل، فإن قبل الإنسان الشدائد، وعرف أنها تسقط عليه بسماح من
الله، من جراء خطاياه وتاب، فتُدعى خمر الخشع والندامة.

الأب
أنثيموس الأورشليمي

أَعْطَيْتَ
خَائِفِيكَ رَايَةً

تُرْفَعُ
لأَجْلِ الْحَقِّ. سِلاَهْ [4].

v      
كما أن الجنود وقت الحرب
يعطون علامة لأنصارهم وأعوانهم ليميزوا أصحابهم ويفرزوهم من أعدائهم، كذلك أنت يا
الله بعلمك تعرف أتقياءك ولا تدعهم يتأذون من اغتيال الأعداء، وتميزهم بأمرك كأنه
بعلامةٍ كما رسمت علامة لقايين بأمرك أنه لا يُقتل، ليست علامة حسية.

هذا المزمور
يحوي على نبوة للعلامة التي أُعطيت لنا نحن المؤمنين كما قال القديس باسيليوس، وهي
دم ربنا يسوع المسيح الذي به ننجو من رشق النبل المحرقة التي تحاربنا بها القوات
المضادة. العلامة التي كانت لها رسم، مسحها العبرانيون على بيوتهم في مصر بدم
الحمل المذبوح للفصح. وأيضًا العلامة التي كان يرسمها المؤمنون كما ورد في بنوة
حزقيال النبي حيث أمر الله الملاك ان يجوز في وسط أورشليم ويرشم جباه الرجال
النائمين (خر 9: 4).

هل تبحث عن  م الأباء أثناسيوس الرسولى تجسد الكلمة 57

الأب
أنثيموس الأورشليمي

لِكَيْ
يَنْجُوَ أَحِبَّاؤُكَ.

خَلِّصْ
بِيَمِينِكَ وَاسْتَجِبْ لِي [5].

v      
قوله: "بيمينك"، أي بقدرتك
العزيزة، وأيضًا أن يمين الله الآب هو الابن الذي به خلق المخلوقات. وكما جاء في
نبوة إشعياء: "قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري" (إش 41: 10). وأيضًا:
"يدي أسست الأرض، ويميني نشرت السماوات" (إش 48: 13). إنه بابنه الوحيد
الذي هو ربنا يسوع المسيح، قد صار الخلاص العام لجنس البشر.

الأب
أنثيموس الأورشليمي

اَللهُ قَدْ
تَكَلَّمَ بِقُدْسِهِ.

أَبْتَهِجُ.

أَقْسِمُ
شَكِيمَ وَأَقِيسُ وَادِيَ سُكُّوتَ [6].

يرى القديسان
باسيليوس الكبير وأثناسيوس الرسولي
أن الله تكلم في قديسيه بأن يجعل شكيم
الخاصة بيوسف ملكًا مشاعًا ومشتركًا لجميع الذين يؤمنون به من الأمم واليهود، وأن
وادي المظال أو السكوت يشير إلى المسكونة كلها حيث تمتلئ بالكنائس التي يتمجد فيها
اسم الله، ويبتهج الرب بذلك.

v      
"الله تكلم في قديسيه، ابتهج وأقسم شكيم
وأقيس وادي المظال"
. قول الله: "تكلم"
معناه أمر وحكم. وقوله: "في قديسيه"، أي أنه أقسم بقديسيه، أو
قضى بما يليق بقديسيه، أو قضى بروح قدسه. وأيضًا إن الله تكلم في قديسيه كما تكلم
في رسله وأنبيائه. فماذا تكلم؟ وبماذا حكم؟ قال: ابتهج، أي أفرح شعبي، وأنا أيضًا
أفرح معهم، عندما أردهم من سبي بابل إلى بلادهم. وأقسم شكيم الخ، فشكيم مدينة خصبة
في كورة السامرة، ولجودتها خصها يعقوب ليوسف ابنه المحبوب. وحينما انقسمت أسباط
إسرائيل في أيام رحبعام الملك ابن سليمان، فالتسعة أسباط التي عصت نصبت ملكًا
عليها من سبط أفرايم في شكيم، ولكن بعد جلائهم من بلادهم وأسرهم إلى بابل سكنت في
تلك الأرض أمم غريبة. فقد وعدهم الله بأن يعيدهم إلى بلادهم ويهبهم شكيم وينزع
عنها الغرباء.

أما وادي
المظال
(وادي سكوت) فيُقال عن أورشليم وسائر أرض فلسطين، وقد دُعيت وادي
المظال لأن أهل بابل خربوها، ولم يكن لها أسوار تحصنها فوعد الله أن يردهم إليها
ويكثرهم ويقوموا بتقسيمها بمقادير القياس.

الأب
أنثيموس الأورشليمي

v  هو
نبع شيلِوه "الذي تفسيره مُرسَل" (يو 9 :7). لأن المسيح قال إنه مُرسَل
من الآب. وهذا أيضا التقسيمُ الحاصلُ من حقيقة أن أسباط اليهود، قد عاشوا على ضفاف
الأردن " لأن ابنَ الانسانِ الذي نزلَ من السماء في ملءِ الزمان، الأردن الحقيقي،
المقسَّم الحقيقي لأمور الأرض، وأمور السماء قد أعطى للآباء نصيبًا مقسومًا، جزء
يُمتلك في الأرض والآخر يُدَّخر لمكافآت الحياة العتيدة. وكلا المهمتين يخص
المسيحَ وحده، سواء أن يقسم السماويات أو يعلن ما هو مخفي. لأن الذي يكشف عن
المستورات، يقسَّم المعلِنات، وهذا دليلُ لاهوته حقا. من ثم تجدون مكتوبًا أن الله
قال: "أبتهج أقسِم شكيم" (مز 60 :6)، وهذا هو النصيبُ الأعظمُ والأفضل
من كل ما عداه. الذي وزَعه يعقوب على ابنه يوسف، لهذا يقول "أعطيك أكثر من
إخوتك، شكيم الرائعة التي أخذتها من يد الأموريين بسيفي وقوس
ي" (تك 48:
22
LXX
وحق التقسيم من نصيب الرب وحده، وقد عُبر عنه بلفظه "الكلمة الإلهي"، أي
بالسيف الروحي الذي لسليمان الحقيقي (قابل 1 مل 3 :24). فما معنى "للرب
وحده"؟، هل للآب بدون المسيح؟ هل للمسيح بدون الآب؟ كلا على الإطلاق! فحين
أتحدث عن الآب، لا أفصل (عنه) الابن؛ لأن الابن في حضن ووحدانية الآب (
Solitude) (قابل يو 1: 18)،
وحين أتحدث عن الابن وحده، فأنى أيضا أربط (أشرك) الآب (
associate)، تماما كما أن الابن أيضا شريك معه قائلاً :" هوذا تأتى
ساعة وقد أتت الآن…. تتركوني وحدي وأنا لست وحدي، لأَنَ الآبَ معي"
(يو 16 :32)، أيضا الآب يُدعى "العزيز الوحيد" (1تى 6 :15)، بمعنى أن
الابن الذي هو دومًا في الآب لا ينفصل عنه (قابل 10 :38)، ويقول يوحنا بالحقيقة
وبصياغة رائعة "في البدء كان الكلمة" (يو 1 :1)، لكنه لم يكن بدون الآب،
وكان الآب الله، لكنه لم يكن بدون الكلمة لأن "الكلمة (في
البدء) كان
عند (أو مع) الله" (نفس الشاهد السابق).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بطرس الرسول الأولى توفيق فرج نخلة ة

هكذا
فإن شكيم هي الكنيسة، لأَن سليمان أختارها، التي بَّجل حبها المخفي، وهذه الشكيم
هي مريم، التي جاز سيف اللهِ نفَسهَا وقسمها. (قابل لو 2 :35)، وهذه الشكيمُ هي
" الصعودُ "، كما يظهر من معنى الكلمة ذاتها. وعما يقصد به هذا
“الصعود”، اسمعوا سليمان يتحدث عن الكنيسة قائلاً "من هذه الطالعة (الصاعدة)
في ثيابٍ بيض، المستندِة على أخيها؟"(نش 8 :5 سبعينية). إِنها مشرقة، وهي
اللفظة التي يقابلها في اليونانية
aktinodes،
لأنها ساطعةٌ في الإِيمان والأعمال. وقيل لأطفالها: "لتضئ
أعمالكم قدام أبن الإنسان الذي في السماء " (قابل مت 5 :16)
[1].

القديس
أمبروسيوس

لِي
جِلْعَادُ وَلِي مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ خُوذَةُ رَأْسِي.

يَهُوذَا
صَوْلَجَانِي [7].

إن كان الله
سمح لجلعاد ومنسى وأفرايم ويهوذا بالسبي، وجاءت الأمم المحيطة وخربوا بلادهم، لكن
الله يبقى معتنيًا بخاصته، فيعيدهم إلى تخومهم، وينسبهم إليه.

مُوآبُ
مِرْحَضَتِي.

عَلَى
أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي.

يَا فَلَسْطِينُ، اهْتِفِي عَلَيَّ
[8].

لقد شمتت
هذه القبائل في إسرائيل ويهوذا وخربوا بلادهم بعد السبي. كما أهانوا شعب الله وذلك
بسماح من الله، فسترتد الإهانة إليهم.

يرى الأب
أنثيموس الأورشليمي أن النبي يتنبأ هنا عن تمتع الأمم بالإيمان بالسيد
المسيح. فالمرحضه هنا أو مرجل الحميم أو طشت الغسيل كما جاء في السريانية يشير إلى
المعمودية التي تطهرهم وتغسل أوساخهم. وأن أدوم وسائر القبائل الغريبة تخضع للسيد
المسيح بالإيمان، وأحنت عنقها لنيره الصالح. أما حذاء الله فهو جسده الذي به حلّ
على الأرض ومشى كانسانٍ. كذلك رسله يدعون حذاءه، لأنهم مشوا وطافوا المسكونه
كارزين ينتشرون الإيمان المستقيم. وأيضًا معلمو الكنيسة الذين يتمسكون بالحق، وقد
امتدت بهم معرفة الله إلى أدوم وإلى سائر الأمم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عصب ب

v      
الرب نفسه – خلال داود – أعلن أن هذا النعل يشير
إلى خطوات الكرازة بالإنجيل، عندما يقول: "على أدوم أطرح نعلي" (مز 60:
8؛ 108: 9)؛ فإنه يأخذ خطوات الكرازة بالإنجيل في كل مكان خلال رسله[2].

الأب
خروماتيوس

مَنْ
يَقُودُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ؟

مَنْ
يَهْدِينِي إِلَى أَدُومَ؟  [9].

أَلَيْسَ
أَنْتَ يَا اللهُ الَّذِي رَفَضْتَنَا

وَلاَ
تَخْرُجُ يَا اللهُ مَعَ جُيُوشِنَا؟  [10].

v      
يتحدث النبي عن مدينة أورشليم بكونها المدينة
الحصينتة، إذ رأى بعين النبوة أهل بابل يهدمون أسوارها، ولكن بعد رجوعهم وإليها
يبنونها مدينة حصينة. فيقول من غيرك يقدر أن يبلغني إليها ويريني اياها حصينة، ومن
ثم يهديني إلى أدوم؟ أنت يا الله تقدر على ذلك. يا من تقصينا مرارًا من أجل
خطايانا، ولا تتقدم أمام جنودنا تأديبًا لنا.

أيضًا
المدينة هنا تُقال عن كنيسة المسيح، لأنها مسكونة سكنًا مرتبًا وهي حصينة، لأن
قوات الملائكة تحوطها، ونعمة الله تحرسها، فيشتاق النبي أن يرى ببصر حسي ما رآه ببصرة
روحية. هذا ما قاله ربنا له المجد في بشارة متى الإنجيلي: "إن أنبياء
وابرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما انتم تردون ولم يروا، وأن تسمعوا ما أنتم
تسمعون ولم يسمعوا" (مت 13: 17).

الأب
أنثيموس الأورشليمي

أَعْطِنَا
عَوْنًا فِي الضِّيقِ

فَبَاطِلٌ
هُوَ خَلاَصُ الإِنْسَانِ [11].

بِاللهِ
نَصْنَعُ بِبَأْسٍ وَهُوَ يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا [12].

v  ماذا
يعني هذا؟ "مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة
العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحيَّة في السماويَّات" (أف 6:
12).

لنا نحن
أيضًا إكليل كما بالغلبة علي أعداء آخرين: الفكر الجسداني، الناموس الثائر في
أعضائنا، الشهوات بأنواع كثيرة: شهوة اللذة وشهوة الجسد وشهوة الغنى وغيرها، نصارع
مع هذه كفرقة عنيفة من الأعداء.

كيف نغلب؟ بالإيمان
"بالله نصنع ببأس، وهو يدوس أعداءنا"
(مز 60: 12)…

يحدثنا أحد
الأنبياء القدِّيسين عن هذه الثقة، قائلاً: "هوذا السيِّد الرب يعينني، من هو
الذي يعيرني؟!" (إش 50: 9 الترجمة السبعينيَّة).

ويترنم
أيضًا داود الإلهي، قائلاً: "الرب نوري ومخلِّصي ممن أخاف؟! الرب عاضد حياتي
ممن أجزع؟!" (مز 27: 1).

هو قوتنا،
وبه ننال النصرة، إذ يعطينا السلطان أن ندوس علي الحيات والعقارب وكل قوَّة العدو[3].

القدِّيس
كيرلس الكبير



[1] Prayer of David 4:4:15-16.

[2] Chromatius: Tractate on Matt hom 11: 4.

[3] In Luc Ser 105.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي