المزمور
الثامن والسبعون

قصة تاريخية

 

          هذا هو
المزمور السابع الذي يحمل اسم آساف؛ وهو المزمور الأول من المزامير التاريخية
(105؛ 106؛ 135).  يُعتبر أطول مزمور بعد المزمور119 (118
LXX).

          المزمور
78 يحول التاريخ إلى عظة عملية للتمتع بالقدوس ساكنًا فينا، ويقدم درسًا في تمتع
المؤمنين بالبركات وسقوط العصاة تحت التأديب.

          والمزمور105
يحول التاريخ إلى تسبحة ودعوة للفرح.

          وفي
المزمور106 يشير التاريخ إلى جحود الأنسان.

          ويحث
المزمور107 على رفض العبادة الوثنية وتمجيد اللَّه.

 

غايته

          1. إن كان
المزمور119 قد أسهب في الحديث عن عمل كلمة اللَّه في حياة المؤمنين، فإن هذا
المزمور قد أسهب في الكشف عن الألتزام بتقديس النفس مسكنًا لكلمة اللَّه حتى لا
تُنتزع منها الحضرة الإلهية، كما حرمت  شيلوه من تابوت العهد، ونُقل منها إلى
مدينة صهيون.

          2.
حث الشعب على أن يكون أمينًا للَّه، مقدمًا له من أحداث التاريخ دروسًا نافعة. 
فقد سرد المرتل تاريخ الشعب منذ كان في مصر حتى مجيء داود ملكًا.  تكشف هذه
الأحداث عن سلسلة من إحسانات اللَّه التي تكشف عن شخصه، يقابلها الشعب بالجحود
والعصيان، الأمر الذي يستوجي سقوطه تحت التأديب ليغفر اللَّه له ويقدم له إحسانات
جديدة.

          3.
يكشف المزمور عن طبيعة الإنسان الجاحدة عبر كل العصور وتحت كل الظروف… فقد ملكت
الخطية بالموت.  لكن اللَّه مخلصه لا يتركه، فاختار داود ملكًا ورمزًا لبن داود
المخلص، هذا الذي يملك بالبرّ؛ لذا يختم المزمور بالقول:  "فرعاهم بدعة
قلبه، وبفهم يديه أهداهم".

 

واضع
المزمور

          1. يرى
البعض أن الكاتب كان معاصرًا لداود النبي أو بعد نياحته مباشرة لأنه توقف في سرد
الأحداث التاريخية عند عصر داود النبي، كما أشار إلى نقل تابوت العهد من شيلوة
[60] إلى مدينة صهيون حيث "بنى مثل مرتفعات مقدسة" [69].

          2. ظن بعض
الدارسين مثل
Clarhe(1) ان هذا المزمور قد وُضع بعد انقسام المملكة، بعد رحبعام الذي
من سبط افرايم وقبل السبي البابلي، معتمدين في ذلك على توجيه اللوم إلى افرايم
[9-11] الذي تزعم حركة التمرد والأنقسام.  لكن يعلل البعض ذكر افرايم هنا كرمز لكل
الاسباط بكونه اكثر الأسباط عددًا وأعظمه قوة، ولأن تابوت العهد كان محفوظًا في
شيلوه فيحدود ذلك السبط في أيام القضاة.

 

المناسبة

          يربط البعض
بينهذا المزمور ونقل الخيمة من شيلوه التي في أرض أفرايم إلى صهيون في أرض يهوذا. 
فيحثنا على الحياة الأيمانية العملية حتى لانُجرم من الحضرة الإلهية كما حدث مع
شيلوه، بل نتقبل حضرته فينا كأننا صهيون الروحية.

          لا
نقف عند الشكليات فنقول بغير توبة مع شيوخ اسرائيل: "لماذا كسَّرنا اليوم
الرب أمام الفلسطينيين؟! لنأخذ لأنفسنا من شيلوه تابوت عهد الرب فيدخل في وسطنا
ويخلصنا من يد أعدائنا" اصم3:4.  لذلك يقول رب الجنود "اصلحوا طريقكم
وأعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع؛ لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين: هيكل الرب،
هيكل الرب، هيكل الرب هو" إر3:7، 4. "لكن اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلو
الذي اسكنت فيه اسمي أولاً وأنظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي اسرائيل إر12:7.

1. W.S.  Plumer: Psalms, P.
745.                                                             

 

المزمور 78
والعهد الجديد

          التاريخ
الوارد في المزمور هنا استمر في العهد الجديد الذي اقتبس منه الكثير:

          *
اقتبس السيد المسيح عدد 2 من المزمور (مت35:13)، مقدمًا معنى جديدًا له خلال أسرار
الكلمة.

          *
في ايو1:1-4 يقدم لنا القديس يوحنا ما ورد في ع3 مذكرًا إيانا بضرورة التلاقي مع
الكلمة الإلهي الذي نتلامس معه فيصنع في حياتنا عجائب.

          *
1كو8:10 يشير إلى ع18 حيث يؤكد انه لا يليق بنا أن نجرب الرب.

          *
اقتبس القديس بطرس ع37 عندما وبخ سيمون الساحر الذي أراد أن يقتني مواهب الروح
بالمال (أع21:8).

          *
يظهر ع44 في رؤيا 4:16 كملاك رابع يسكب جام الغضب الثالث على الأرض.  بروح المزمور
نلاحظ ان لحظات الغضب يتبعها اعلان السماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ1:21).

1. Stuhlmueller,  P.
30.                                                                             

 

أقسام
المزمور

          يقدم
لنا هذا المزمور قصيدة تعليمية عن تهيئة القلب لسكني كلمة اللَّه لتصير مقدسًا له،
مركزًا على معاملات اللَّه عبر التاريخ.

1. الأستماع
للكلمة عبر الأجيال        1 – 8.

2. اختبارات
البرية                     9 -32.

3. تذمر
الإنسان وتأديبه               33-37.

4. الرحمة
وسط السخط                38-41.

5. خلاص من
فرعون                  42-51.

6. الدخول
إلى أرض الموعد            52-55.

7. تدهور في
عصر القضاة             56-58.

8. رفضه
شيلوه                        59-64.

9. قيام
مملكة داود                     65-72.

 

العنوان

          "قصيدة
لأساف"
سبق لنا الحديث عن آساف رئيس المسبحين أو المغنين.

          ربما
وضع داود النبي كلمات المزمور وقام آساف كرئيس المغنيين بتلحينه، فنُسب إليه.  على
أي الأحوال، فإن هذا المزمور هو قصيدة تحوَّل التاريخ بما يحمله من معاملات اللَّه
مع مؤمنيه، ولمسات حبه بالرغم من مقاومة الإنسان وتذمره وعصيانه إلى تسبحه مفرحة،
إذ يستخدم اللَّه كل وسيلة لأجل خلاص الإنسان.

          يحمل
التاريخ أيضًا حزم اللَّه وتأديبه للعصاة لكن لا بروح الأنتقام إنما للدخول
بالبشرية إلى التمتع بالمجد المُعد لها.

 

1. الأستماع
للكلمة عبر الأجيال

          يبدأ المرتل
حديثه بدعوة إلى الأستماع لصوت الرب على فمه، قائلاً:

          "اصغِ
يا شعبي إلى شريعتي،

          أميلوا
آذانكم إلى كلام فمي" [1].

          بروح الحب
يشعر ليس فقط الملوك (أو الرؤساء) والأنبياء والرسل أن شعب اللَّه هو شعبهم، إنما
كل مؤمن يدعو المؤمنين "شعبي"، ناسبًا إياهم إليه، ونفسه إليهم. 
فمن حق الرأس أن تنسب كل عنصر إليها، ونفسه إليهم.  فمن حق الرأس أن تنسب كل عضو
إليها، كما من حق كل عضو ــ مهما كان موضعه ــ أن يدعو بقية الأعضاء أعضائة.  لهذا
حُسبت راعوث "مؤمنة" بقولها لحماتها نُعمى: "شعبك شعبي، وفي
حديث يفتاح مع رجال أفرايم قال: " صاحب خصام شديد كنت أنا وشعبي مع
بني عمون وناديتكم فلم تخلصوني من يدهم " قض12:12 وحينما تحدث داود النبي عن
اشتياقه نحو بناء بيت الرب قال: " اسمعوني يا إخوتي وشعبي " 1أي 2:28.

          حسب
المرتل شريعة اللَّه شريعته ينسبها إلى نفسه بكونها رسالة شخصية مقدمة من
اللَّه للمؤمن، لهذا يقول الرسول "إنجيلي" ( رو16:2؛ 25:16؛ 2تي 8:2) إن
كان الكاتب هو داود النبي فإنه إذ يدعو شريعة اللَّه " شريعتي" يعلن
عن حبه الشديد للوصية الإلهية، يعتز بها وينسبها إلى نفسه. إنها ليست أمرًا
مفروضًا عليه، بل هبة مقدمة من اللَّه لتصير من خصوصياته التي يقتنيها لنفسه
ويعيشها بكامل إرادته.

          ولعله
بقوله " شريعتي" يؤكد أنه كنبي وملك يخضع للشريعة مثله مثل كل
عضو في الجماعة المقدسة، أى أنه ليس فوق القانون الإلهي بل خاضع له.

 

          يطلب من
شعبه أن يميلوا بآذانهم لا إلى بعض كلمات فمه بل "إلى كلام فمي"، حاسبًا
كل ما يصدر من فمه إنما يطابق ناموس الرب.  هكذا يتحول المؤمن بأفكاره وكلماته
وأعماله إلى رسالة المسيح المكتوبة لا بحبر بل بروح اللَّه (2كو3:3).

          يمكن
القول ان المتحدث هنا هو السيد المسيح ابن داود، فيوجه حديثة إلى شعبه الذي رعاه
من الأمم، كما قيل في هوشع النبي: "سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست
محبوبة محبوبة" رو25:9.

          يقدم
لشعبه شريعيته وكلام فمه، يتحدث معهم فمًا لفمٍ، أو وجهًا لوجه.

          كان
مسيحنا يتحدث مع الجماهير بأمثال والغاز (مت3:13؛ مر23:3)، مفسرًا إياها لتلاميذه
على انفراد، قائلاً لهم: "لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت اللَّه، وأما
للباقين فبأمثال…" لو10:8.

 

          "أميلوا
آذانكم إلى كلام فمي"
[1].  جاء نفس هذا الفكر في عبارة انجيلية:
"من له أذنان للسمع فليسمع" لو8:8. "سأفتح بمثلٍ فمي"
[2]. 
سأفتح لكم ما هو مغلق بالنسبة لليهود؛ إني أحداثكم بأمثالً، وبدون مثلٍ
لم يكن يكلمهم" مر34:4، أما بالنسبة لتلاميذه، فعلى أي الأحوال كان يشرح لهم
الأمثال على انفراد.

 

          "سأفتح
بمثلٍ فمي"،
ما أتحدث به بأمثالٍ علانية، اخبركم به على انفراد.

          "سأنطلق
بأسرار منذ القدم" [2]،
لأن كلمة "أسرار في النص العبري هى
"الغاز".  كل شيء قبل في لغز، فلم يكذب في الكلمات نفسها بل (لم يفهموا)
معانيها(1).

                                                  
القديس جيروم

1. On  Psalms,  hom.ll.                                                                       

           "أفتح
بمثل فمي.

          أذيع
الغازًا منذ القدم" [2].

          كلمة
"مثل" في الأصل تعني "التحكم" أو "التسلط"،
لأن الحديث بالأمثال له تأثيره وسلطانه على الفكر والنفس.

          أما
الألغاز فتعني أن الحديث عميق للغاية وغامض لا يدركه إلا من يحبه ويبحث فيه
ويتلذذ به، كما قيل: "يسمعها الحكيم فيزداد علمًا، والفهيم يكتسب تدبيرًا،
لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم" أم5:1، 6.

          أما
كلمة "أذيع" فتعني هنا "أفيض"، وكأن المرتل يمثل نهرًا يفيض
بالأسرار الإلهية على النفوس التي تشتاق إلى المعرفة.

 

          يتحدث
السيد المسيح بأمثال كما بألغاز أي بسرائر إلهية فائقة وخفية، حتى من يطلبها يبحث
فيها فيجد سؤل قلبه.

          يقول
القديس جيروم
ربما يسأل أحد لماذا طبقَّ ما ورد عنها على شخص السيد المسيح،
فيجيب بإنه يجب كمسيحين أن نصدق الإنجيليين لأنهم طبقوه عليه.

          ها
أنتم ترون أن متى الإنجيلي قبل هذا العدو باسم المسيح (مت34:13، 35).  عندما قدم
الرب انه يتكلم بأمثال تفوق ادراك الشعب، يقول ان هذا حدث ليتم الكتاب: "افتح
بمثل فمي، انطلق باسرارٍ منذ القديم".

                                        
       القديس جيروم (1)

1. On  Psalms,  hom.
11.                                                                   

 

          المخلص
نفسه يتكلم هنا، أما في الأعداد الباقية حتى نهاية المزمور فُيفهم انها على لسان
الرسل.  لذلك عندما يقول الرب: "أميلوا آذانكم إلى كلام فمي" [1] يقول:
"أيها الرسل ما تسمعونه همسًا نادوا به على السطوح (مت27:10).  بماذا يجيب
الرسل: "ما نسمعه ونعرفه وما أعلنه لنا آباؤنا"، ما تقوله لنا يارب قد
أعلنه لنا الآباء البطاركة والأنبياء.  ما يعلنه لنا آباؤنا لن نخفيه عن أبنائنا،
بل نعلنه للأجيال القادمة.  غاية حديثهم الكلي أننا نحن أبناءهم نعرف… لقد تكلم
اللَّه معهم لكي يسلموا كلمته لنا…

          هم
علمونا رسالته – نحن أبناءهم – ونحن نعلمها لأبنائنا.

                                   
              القديس جيروم

   On   Psalms,  hom.
11.                                                                        

 

هكذا وإن
كانت كلمة اللَّه مقدمة للجميع، لكي يكون الكل متعلمين من اللَّه، لكن هناك التزام
من جانبنا، كما تسلمنا الإيمان الإنجيلي الحي من الأجيال السابقة بلا انحراف أن
نقدمه لأبنائهم الذين هم أبناؤنا، فيبقى التقليد الحيّ عاملاً عبر الأجيال،
إنجيلاً مقرؤنا من الكل.  لنسمع صوت الرب القائل: "لتكن هذه الكلمات التي أنا
أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصتها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين
تمشي في الطريق، وحين تنام، وحين تقوم" تث6:7، 7.
 

 

          ماذا
قدم المرتل لشعبه؟

          "التي
سمعناها وعرفناها وآباؤنا أخبرونا.

          لا
نخفي عن بنيهم إلى الجيل الآخر،

          مخبرين
بتسايبح الرب وقوته وعجائبه التي صنع"
[3-4].

          لا
يقدم المرتل أوهامًا ولا اختراعات بشرية إنما خبرة حياة عاشها هو وآباؤه من قبله
كحياة معاشه مُسلمة خلال التاريخ والتقليد الحيّ.

          إن
آباؤنا – حسب ما أمرهم الرب الإله – لم يخفوا شيئًا عن أولادهم الذين أتوا بعدهم
بجيلٍ آخر، لكنهم أخبروهم بجميع ما صنع الرب مما يوجب له السبح والحمد دائمًا.

                                       
   أنتيموس أسقف أورشليم

 

          إنهم يخبرون
بتسابيح الرب وقوته وعجائبه.  غالبًا ما ينشغل الإنسان بالعجائب يُبهر بها ثم بقوة
الرب وأخيرًا تسابيحه، لكن المرتل يضع التسابيح أولاً ثم قوة الرب فعجائبه.  فإن
أهم ما يقدمه المؤمنون لأبنائهم هو روح التسبيح والفرح، لتنعم الأجيال الجديدة
بخبرة الحياة السماوية المتهللة عندئذ تدرك قوة اللَّه وتؤمن بعجائبه الفائقة.

         

          ما
قدمه آباؤنا لنا كتقليدٍ حيَّ، أي كإيمانٍ مترجم في أفكارنا ومشاعرنا وكلماتنا
وأعمالنا يلزم تسليمه لأولادنا بذات الروح الحيَّ هذه هي شهادتنا للأجيال لا بوجود
خيمة الشهادة أو الشهادة في وسطنا، حيث نقلها داود إلى مدينته، بل بإعلان سكني
اللَّه في قلوبنا وحلوله وسط شعبه…  هذا هو التقليد الذي نسلمه.

          "أقام
شهادة في يعقوب،

          ووضع
شريعة في إسرائيل التي أوصى آباءنا أن يعرفوا بها أبناءهم،

          لكي
يعلم الجيل الآخر.

          بنون
يولدون فيقومون ويخبرون أبناءهم" [5-6].

          هذا
هو عمل كنيسة اللَّه (يعقوب الجديد أو إسرائيل) ألا وهو الشهادة للحق الإلهي،
شهادة أمام العالم لخلاصه، وشهادة عبر الأجيال.

         

          يقول
أنتيموس أسقف أورشليم ان اللَّه قدم شريعيته والخيمة وتابوت العهد كشهادة
ليحفظوا ميثاقه، لكن إذ كسروا العهد قدم جسد ابنه الوحيد ودمه شهادة حية في
كنيستة.

          المؤمن
الحقيقي يشبه شمعة تشهد للنور الإلهي بالنور المتقد حتى النهاية، لكنها لكي تحتفظ
به يليق بها أن تشعل شموعًا حولها، وهكذا يبقى النور الإلهي عاملاً في شموعٍ
كثيرة…  فلا ينطفىء قط.  من يحتفظ بالنور دون تسليمه لشمعة أخرى ينتهي حتمًا
ويفقد النور.

 

          خلال
الإيمان الحي والميلاد الروحي والإفخارستيا صار لنا شهادة حية عن عمل اللَّه
المملوء حبًا نحو البشرية كلها، أما غاية هذه الشهادة فهي بعث روح الرجاء فيهم
فيعتمدون على اللَّه مخلصهم، لا على الأذرع البشرية.

"فيجعلون
على اللَّه اعتمادهم، ولا ينسون أعمال اللَّه بل يحفظون وصاياه.

ولا يكونون
مثل آبائهم جيلاً زائغًا وماردًا لم يثبت قلبه ولم تكن روحه أمينة للَّه"
[7-8].

          غاية
الشهادة هى الرجاء في الرب بكل القلب في أمانة وطاعة دون عصيان أو تذمر متذكرين
أعمال اللَّه وحافظين وصاياه بهذا لا يفعلون ما فعله الشعب في البرية حيث ارتكبوا
أربع خطايا رئيسية:

* كان جيلاً
زائغًا، أي مرتدًا عن الإيمان (حيث عبدوا العجل الذهبي)، انحرفوا عن ايمان أبيهم
ابراهيم الذي دخل مع اللَّه في عهدٍ.

* كان جيلاً
ماوردًا، أي متذمرًا.

* لم يثبت
قلبه، إذ يحمل روح الخيانة ففكروا في قتل موسى وهرون، لذا عجز عن أن يطلب اللَّه.

*  لم تكن
روحه أمينة للَّه، إذ كانوا يسلكون برياء، فكانوا كمن هم في مهيب الريح أو من
تقصفه العواصف، وتحركه الأمواج بلا هدف.

          لماذا
يقول النبي "زائغًا"؟ لأن ذاك الجيل صار قوسًا بهدفٍ باطل، لأن القوس لا
يُصوب قط ضد من يضرب السهم بل ضد الأعداء.  مع أن هذا الجيل قد خلقه اللَّه
صالحًا، وأمسك به في يده كقوس يضرب أسهمه، ولا أنه أُسي توجيهه مثل قوسٍ غادرٍ
(مز57:78) يجدف ضد خالقه.

          "جيل
لم يثبت قلبه". 
إلى هذا اليوم إسرائيل مقاوم.

          "لم
تكن روحه أمينة للَّه"،
لأن إسرائيل لم يقبل هذا الإبن؛ إسرائيل لم يتقبل
الروح القدس.

                                                   
القديس جيروم

On  Psalms,  hom.
11.                                                                           

2. اختبارات البرية

          إذ دعاهم
المرتل للأستماع قدم لهم خبرات آبائهم عبر التاريخ فبدأ بمعاملات اللَّه معهم خلال
البرية، في طريق جهادهم بعد الخروج من مصر منطلقين نحو أرض الموعد.

          ا
. تحدث عن موقف أفرايم المتسم بكثرة العدو مع القوة كيف انهزم في الحرب لعدم حفظه
عهد اللَّه، وعدم سلوكه في الوصية الإلهية مع نسيانه عمل اللَّه وعجائبه.

          "بنو
أفرايم أوتروا ورموا يا نفسي؛

          انهزموا
في يوم الحرب،

          لم
يحفظوا عهد اللَّه، وأبوا السلوك في شريعته.

          ونسوا
أفعاله وعجائبه التي اراهم"
   

 سيرى أغلب
الشرَّاح أن المقصود بافرايم هنا كل الأسباط معًا.  ربما يشير هنا إلى الهزيمـة
التي لحقت بهم في أيام عالي الكاهن (1صم10:4، 11). 

          لندرس
النبي هوشع  لنكتشف أن كل نبوته هى ضد أفرايم.  يقول فيها: "صار أفرايم
كحمامة وعناء بلا قلب" هو11:7.  لاحظ أنه يقارنه بحمامة غبية، إذ ترك أفرايم
الهيكل وسكن في الغابات.  فإن الحمام يعيش دائمًا في الأبراج، أما افرايم حمامتي
بالحق فقد هجر الهيكل، ترك البيت ليعيش في الغابات، فصار يسكن في البرية.

                                                 
 القديس جيروم

                           
On Psalms, hom.11.                                                 
                                                                                                                       

          يمكننا
القول ان أبناء أفرايم هم كل الهراطقة.  إنهم أولئكالذين انسحبوا من بيت اللَّه،
هجروا داود ومملكة داود ويعيشون في البرية.  إنهم يُدعون حمامًا، وللتأكد من ذلك
فإنهم وإن كانوا يقرأون الكتب المقدسة إلا أن قراءتهم غبية…

          بنو
أفرايم نظموا درجات من رجال القسي…  لكنهم إنهزموا في يوم المعركة. إنهم لا
يعرفون ذاك القائل: “سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم” يو27:14، بل لا يعرفون
كيف يتكلمون ببلاغة.  ينطقون بالكلمات بإسهاب، لكن فليحذروا من هذه الكلمات: “شتت
الشعوب الذين يسرون بالقتال” مز31:67 “

                                                  
القديس جيروم

                                         
On  Psalms,  hom. 11.     

 

"لم
يحفظوا عهد اللَّه" [10].

          أخرجهم
الرب من أرض العبودية ليقيم معهم عهدًا ويدخل بهم إلى أرض الموعد كرمزٍ للدخول إلى
كنعان السماوية، لكنهم كسروا العهد، وعجزوا عن تقديم شهادة حية عنه، بالرغم من
تعهدهم: "كل ما تكلم به الرب نفعل"

         

          "أبوا
السلوك في شريعته" [10].

          استلموا للعبادة
الوثنية واستشهدوا رجاساتها وتمردوا على شريعة الرب، وعصوا وصيته.

         

          "ونسوا
أفعاله وعجائبه التي أراهم" [11].

          أساس النكث
بالعهد وعصيان الوصية الإلهية هو نسيان إحسانات اللَّه وعجائبه معهم ومع آبائهم.

 

          "قدام
آبائهم صنع أعجوبة في أرض مصر" [12].

          ينسي الهراطقة
أباهم وأعماله العجيبة في ارض مصر، في ظلمة هذا العالم قد نسوا كيف بخلاصه وُلدوا
من جديد في الكنيسة.  وبعد ولادتهم الجديدة لم تشبعهم الكنيسة.

                                               
      القديس جيروم

                                
On  Psalms,  hom. 11.                        

 

          "شقَّ
البحر فعبَّرهم" [13].

          سار الرب
على البحر، وهدَّأ الأمواج وعبَّرنا…  إلى هذا اليوم أيها الراهب الأمين عندما
تُقاد من مصر يُشق البحر، وهكذا تعبر أنت.

 

          "ونصب
المياه كندٍ" [13].

          بذراعه
الإلهية الرفيعة شق البحر وصنع أسورًا بلورية من كل جانب حتى لا تنزل قطرة ماء
عليهم حتى
يعبروا.                                                                            

                                                     
القديس جيروم

                                          
    
On  Psalms,  hom. 11.  

 

          "وهداهم
بالسحاب نهارًا" [14].

          الرب راكب
على سحابة خفيفة في طريقه إلى مصر" إش1:19.  يلزمنا أن فكر في هذه السحابة
الخفيفة التي تناسب جسد المخلص، لأن جسده كان خفيفًا، لم يتثقل بأية خطية، أو
بالتأكيد القديسة مريم التي حملت طفلاً بغير زرع بشر. هوذا الرب يدخل مصر هذا
العالم على سحابة خفيفة، أي البتول
(1).                                                       

                                                    
القديس جيروم

                                                
On Psalms, hom .11.  

 

          "وهداهم
بالسحاب نهارًا" [14].

          يا له من
قولٍ رائعٍ "نهارًا"، لأن السحابة لم تكن قط في ظلمة بل كانت
نورٍ.

          "والليل
كله بنور نارٍ" [14]…

          الرب إلهكم
نار آكلة (تث24:4؛ عب29:12)…  الذين يبنون خشبًا وقشًا وعشبًا على أساس المسيح
(اكو12:3) يكون الرب بالنسبة لهم نارًا آكله. للنار طبيعة مزدوجة: تعطى نورًا
وتحرق.  إن كنا خطاة  تحرق، إن كنا أبرارًا تضيء لنا

                                                     
القديس جيروم
 

    On
Psalms, hom.11.

         

          هكذا
كان اللَّه بالنسبة لشعبه سحابة في النهار تحميهم من ضربات شمس التجارب لكنها لا
تدخل بهم إلى الظلمة، ونور نارٍ بالليل يكشف لهم الطريق ويقودهم إلى نوره الأبدي،
ويكون سور نارٍ يحميهم (زك5:2) من سهام العدو النارية.

 

"شقَّ
صخورًا في البرية"

          ضُربت
الصخرة في البرية من أجلنا.  ضُربت الصخرة وتفجر ماء، تلك الصخرة التي تقول:
"إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" يو37:7، 38.  وفي داخله تجري أنهار…

          في
البرية حيث لا يوجد ماء فاض لنا ماء بغزارة.

                                                     
القديس جيروم

                      
On  Psalms,  hom. 11.                                             

 

 "ثم
عادوا ليخطئوا إليه

لعصيان
العلي في الأرض الناشفة" [17].

          كلمة "عادوا"
تشير إلى تكرار العصيان.  والعجيب أنه قدر ما اهتم اللَّه بهم وقدم لهم فوق
احتياجاتهم، صانعًا عجائب أذهلت الأمم المحيطة بهم إلى أجيال طويلة، كانوا يخطئون
إليه ويعصونه.  لقد دخل بهم إلى "الأرض الناشفة"، أي إلى البرية
حيث لا توجد أية إمكانيات للحياة في ذلك الحين فيلجأون إليه.  لم يتركهم معتازين
شيئًا، وبقدر ما أفاض عليهم من العطايا أفاضوا هم من قلوبهم شرورًا ومقاومة للحق.

 

          "وجربوا
اللَّه في قلوبهم بسؤالهم طعامًا لشهواتهم.

          فوقعوا
في اللَّه.

          قالوا:
هل يقدر اللَّه أن يرتب مائدة في البرية؟

          هوذا
ضرب الصخرة فجرت المياه، وفاضت الأدوية.

          هل
يقدر أيضًا أن يعطي خبزًا؟!

          أو
يهيء لحمًا لشعبه؟!" [18-20].

          ليس من حق
الخليقة أن تجرب خالقها، لكنه في حبه للإنسان قدم له الحرية، فأساء استخدامها. 
لقد جرَّب خالقه.

          أعطاهم
اللَّه مياهًا بفيض،  فصاروا يجربونه في قلوبهم إن كان يقدر أن يقدم لهم مائدة من
اللحم عوض المن النازل من السماء.

         

          عوض
أن يشكروه ويسبحوه على المن اليومي والصخرة التي كانت تتبعهم لتفيض عليهم ينبوع
مياه جارية متجددة، جربوا الرب، فطلبوا لحمًا كشهوة للذة عوض المن النافع
واللذيذ.  إنه لم يتركهم جائعين، لكنهم طلبوا ما يشبع شهواتهم، وفي عدم إيمان ظنوا
ان الذي قدم لهم المن والماء لا يقدر ان يقدم لهم مائدة حسب رغباتهم الغبية.  لقد
أهانوا قدرة اللَّه وأساءوا إلى عنايته الإلهية.

          لم
ينكروا ما يصنعه معهم من عجائب ترافقهم، لكن عدم الإيمان سيطر على قلوبهم
وأفكارهم.

 

          "لذلك
سمع الرب فغضب،

          واشتعلت
نار في يعقوب،

          وسخط
أيضًا صعد على إسرائيل.

          لأنهم
لم يؤمنوا باللَّه ولم يتكلوا على خلاصه" [21-22].

          إذ كان
اللَّه حالاً في وسطهم يرعاهم كأب قدير وحكيم يهتم بابنائه حسب كلمات قلوبهم هذه
إهانة وجديف موجه ضده لهذا غضب واشتعلت نيران غضبه وسخطه لا للأنتقام وإنما
لفقدانهم الإيمان وعدم تمتعهم بخلاصه المجاني.

          خطيتهم
هى "عدم الإيمان"، مع أنه كان ملموسًا بأعمال حبه وعجائبه معهم!

 

          "فأمر
السحاب من فوق وفتح مصاريع السموات.

          وأمطر
عليهم منًا للأكل،

          وُبرَّ
(وخبز) السماء أعطاهم.

          أكل
الإنسان خبز الملائكة.

          أرسل
عليهم زادًا للشبع" [23-25].

          لقد انفتحت
مخازن السماء العظيمة على مصراعيها وهطلت عليهم منَّاٍ جديدًا لم يعرفوه من قبل،
نزل إليهم ليكون في متناول أيديهم. لم يتعبوا في زرع أو حصاء أو طحن أو أعداء
الطعام، لكنه كان مائدة معدة للطعام الفوري.  قدم اللَّه طعامًا يأكل منه الكل بلا
تمييز بين غني وفقير، كبير وصغير، الكل يجد فيه كفايته.

          "أهاج
شرقية في السماء،

          وساق
بقوته جنوبية.

          وأمطر
عليهم لحمًا مثل التراب،

          وكرمل
البحر طيورًا ذوات أجنحة.

          وأسقطها
في وسط محلتهم حوالي مساكنهم.

          فأكلوا
وشبعوا جدًا وأتاهم بشهوتهم" [21-29].

          إن كان عدو
الخير قد دُعي "رئيس سلطان الهواء"، فإن اللَّه صاحب السلطان على الهواء
والعواصف والأنواء.  فقد حرك الرياح نحو الشرق والجنوب لتسوق الطيور في الأتجاه
المطلوب، نحو المحلة.

          كثيرًا
ما نصف الرياح انها متقلبة، لكنها في يد ضابط الكل الذي تشغله رياح نفوسنا
الداخلية…  هو وحده قادر أن يوجهها لبنياننا، ويهدئها في الوقت المناسب.

          لم
يمطر اللَّه عليهم نارًا بسبب عدم إيمانهم، لكنه في طول أناته أمطر عليهم لحمًا،
ارسل لهم طيور سلوى بلا عدد مثل التراب ورمل البحار.  قدم لهم شهوة قلوبهم لعلهم
يتوبون ويندمون على أفكار قلوبهم الجاحدة وغير المؤمنة.

          ارسل
لهم السلوى واسقطها لهم في وسط محلتهم حوالي مسكانهم حتى لا يضطروا إلى قطع مسافات
لصيدها. 

          عوض
الندامة أكلوا وشبعوا جدًا؛ أكلوا بشراهة حتى التخمة.  رفضوا الأكل الصحي
"المن" وأكلوا بشراهة اللحم الذي كان لضررهم صحيًا.

 

          "لم
يزوغوا عن شهواتهم،

          طعامهم
بعد في أفواههم

          فصعد
عليهم غضب اللَّه،

          وقتل
مِنْ أسمنهم.

          وصرع
مختاري إسرائيل.

          في
هذا كله أخطأوا بعد ولم يؤمنوا بعجائبه" [30-32].

          اشتهوا،
والشهوة حبلت وولدت خطية النهم مع الجحود، وجاء الثمر موت جسدي وروحي.  تحولت
الوليمة إلى جنازة شبه جماعية فقد مات السمان والمختارون، ربما لأنهم كانوا أكثر
شراهة في الأكل، أو لأنهم تزعموا حركة التمرد والتذمر على اللَّه.  لم يقتلوا بحد
السيف، إنما قتلهم نهمهم واشتعال شهواتهم الردئية.

          لقد
اخطأوا ولم يتعظوا، رأوا القتلى بالشهوات الرديئة مع هذا لم يرجعوا إلى إلههم صانع
العجائب.

 

3. تذمر
الإنسان وتأديبه

          "فأفنى
أيامهم بالباطل وسنيهم بالرعب". [33].

          لقد قضوا
أربعين سنة في رحلتهم من مصر إلى كنعان، هذه الرحلة التي لم تكن تحتاج إلا إلى عدة
أيام، فأفنى اللَّه أيامهم بالباطل وسنهم الرعب.  هذا هو ثمر عدم الإيمان والجحود
والتذمر: حياة باطلة، مملوءة فراغًا، بلا ثمر.  أما إذا رجع الإنسان إلى إلهه
بالتوبة فيتمتع بالوعد الإلهي: "وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد
الغوغاء والطيار والقمص، جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم" (يوئيل25:2).

          إذ
رفضوا الإيمان، ففي عدم إيمانهم ارتبطوا بالباطل الذي أفنى أيامهم كأنهم عاشوا بلا
هدف.  وكما أن عدم الإيمان حوَّل رحلتهم في البرية إلى تيه، فلم يستطيعوا البلوغ
إلى أرض الموعد، هكذا دفع بهم إلى الرعب والموت [33].

          تحولت
البرية إلى مكان رهيب، ومقبرة تضم اعدادًا بل حصر، بل تلقفت كل الجيل الخارج من
مصر ماعدا يشوع بن نون وكالب بن يفنة.

 

          يقول
اللَّه "أفني أيامهم بالباطل"…  إنه لا يشاء موتهم لكنهم بكامل
حرية إختيارهم سلكوا طريق عدم الإيمان، مضاروا باطلاً وفنيت حياتهم.

          سمح
بقتلهم للتأديب…  وإذ رأوا الموت يحصد السمان منهم والمختارين بكروا إلى اللَّه
يعلنون توبتهم بألسنتهم دون قلوبهم، فسقطوا في خطايا الخداع والكذب والرياء.

          إذ
حل بهم التأديب تذكروا أن اللَّه صخرتهم، فيه يحتمون، والعلي وليَّهم المتهم بهم،
فجاءوا إليه كأتقياء من الخارج، أما قلوبهم فلم تثبت معه.

          هذا
هو قانون الطبيعة البشرية بعد فسادها، حين يقدم لها هبات مجانية بسخاء تتذمر
وتجحد، وحين يؤدب كمن يقتل ترجع وتطلب اللَّه وليَّها خوفًا من التأديب وليس شوقًا
إليه، تطلبه ليس بكل القلب، لذا يعاتبها: "وقد أذلت عظمة إسرائيل في وجهه وهم
لا يرجعون إلى الرب إلههم، ولا يطلبونه مع كل هذا" (هو10:7).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 19

          هذا
ما يكشفه تاريخ إسرائيل الطويل مع اللَّه، إنهم يدخلون معه في عهدٍ لكنهم لا
يهتمون بالحفاظ عليه، إنما يكسرونه بلا سبب.

          رجعوا
إليه بعد التأديب يعلنون توبتهم بالكلام لا العمل، فصاروا مخادعين وكذبة.

 

          إذ
قتلهم طلبوه،

          ورجعوا
وبكروا إلى اللَّه.

          وذكروا
أن اللَّه صخرتهم، واللَّه العلي وليهم.

          فخادعوه
بأفواههم وكذبوا عليه بألسنتهم.

          أما
قلوبهم فلم تثبت معه،

          ولم
يكونوا أمناء في عهده" [34-37].

          يعاتبهم
اللَّه في سفر إشعياء قائلاً: "حينما تأتون لتظهروا أمامي من طلب هذا من
أيديكم أن تدوسوا دُوري…  فحين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم، وإن أكثرتم
الصلاة لا أسمع" إش12:1، 15.  إنه يطلب الرجوع من كل القلب حتى يقبل عبادتهم
رائحة بخور طيبة. 

          لنحذر
من الصلاة للمسيح بأفواهنا مع بقائنا صامتين بحياتنا.

          من
الذي يصلي للمسيح؟

          الشخص
الذي يرفض الملذات العالمية.

          الشخص
الذي يقول بسلوكه لا بالكلمات:

          "قد
صُلب العالم بي، وأنا للعالم" غلا14:6.

          الشخص
الذي يعطي الفقير بسخاء (مز9:112).

                                                   
القديس أغسطينوس

                
Sermon
88                                                               

          على
أي الأحوال لا تسأل ولا تطلب ولا تقرع بصوتك فقط، وإنما بحياتك أيضًا.

          مارس
الأعمال التي بدونها لا تكون لك حياتك.

                                                 
القديس أغسطينوس

                             
Sermon  Marin 16:8.                              

 

4. الرحمة وسط السخط

          "أما
هو فرؤوف يغفر الإثم ولا يهلك،

          وكثيرًا
ما ردَّ غضبه ولم يشعل كل سخطه" [38].

          بالرغم من
كذبهم وريائهم لكنه إله رؤوف طويل الأناة يشتهي خلاص البشرية لا هلاكها، لذلك
كثيرًا ما يرد غضبه مقدمًا فرصًا للتوبة.  حقًا لولا مراحم اللَّه علينا من يقدر
أن يخلص؟

 

          يرى
الربييّن (
Kiddusin 30a) أن العبارة 38 هي مركز السفر كله، إذ تأتي في المنتصف تمامًا،
وهي تعلن عن عمل اللَّه الخلاصي العظيم في التاريخ كمركز للصلاة والعبادة.  كانت
هذه العبارة التي تتحدث عن حنو اللَّه الغافر للخطايا والذي يرد غضبه عن الإنسان
مع العبارتين التاليتين وتردد عندما يؤدب إنسان بأربعين جلدة إلا واحدة:

          "إن
لم تحرص لتعمل بجميع كلمات هذا الناموس المكتوبة في هذا سفر لتهاب هذا الاسم
الجليل المرهوب الرب إلهك؛يجعل الرب ضرباتك وضربات نسلك عجيبة ضربات عظيمة راسخة
وأمراضًا ردية ثابتة" تث58:28، 59 (1).

 

          "ذكر
أنهم بشر، ريح تذهب ولا تعود"
[39].

          وقد
جاءت العبارتان [38-39] تتحدث عن توبة بلا معنى، تحمل خداعًا، فيُقال لهؤلاء
الحاملين مظهر التوبة: "ماذا أصنع بك يا افرايم؟! ماذا أصنع بك يا يهوذا؟!
فإن إحسانكم كسحاب الصبح وكالندى الماضي باكرًا" هو4:6.

          في
محبته الفائقة يذكر اللَّه ضعف الإنسان، إنه كالريح يذهب ولا يعود، أشبه بنفخة،
لذايستحق إظهار الحب الإلهي والحنو عليه حتى يتقوى ويثبت.

1. Stuhmuller,  P.
27.                                                                             

 

          "كم
عصوه في البرية وأحزنوه في القفر؟!

          رجعوا
وجرَّبوا اللَّه وعنَّوا قدوس إسرائيل" [40-41].

          لقد خرج بهم
إلى البرية ليعلن لهم عن رعايته الفائقة لهم، ولكي يجدوا غيره ملجأ، ومع ذلك
تمردوا عليه مرارًا كثيرة، فحزن عليهم بسبب خطاياهم عوض التمتع بمسيرة اللَّه معهم
ليحول لهم البرية إلى فردوس، جعلوا من البرية موضع حزن للَّه عليهم.

          رجعوا
بقلوبهم لا إلى اللَّه بل إلى قدور اللحم التي في مصر، إلى حياة العبودية، ولم
يكفوا عن أن يجربوه، "وعنَّوا قدوس إسرائيل"، إذ شكوا في قدرته
الإلهية.  لهذا يعاتبهم قائلاً: "جربوني الأن عشر مرات، ولم يسمعوا
لقولي" عد22:14.                  

 

  5. خلاص
من فرعون

          لكي نثبت في
الإيمان ونمارس الحب يلزمنا أن نمتلئ رجاءً في الرب بتذكرنا بمعاملاته السابقة
معنا، لذا يقول:

          "لم
يذكروا يده  يوم فداهم من العدو،

          حيث
جعل في مصر آياته وعجائبه في بلاد صوعن" [42-43].

          مع أنه لم
يكن من السهل نسيان أعماله، لكن الخطية أتلفت ذاكرتهم من جهة إحسانات اللَّه وبركاته
عليهم.  وقد جاءت الوصية: إنما احترز واحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت
عيناك، ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك" تث9:4.  لهذا يقول الرسول بولس
الذي لم يفارق الصليب قلبه ولا ذاكرته: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع
المسيح بينكم مصلوبًا" غلا1:3.

          يذكرهم
بالضربات التي حلت بفرعون وشعبه بسببهم داعيًا إياها آيات وعجائب.

 

          "إذ
حوَّل خلجانهم إلى دم ومجاريهم لكي لا يشربوا" [44].

          تحول نهر
النيل بقنواته (مجاريه) من عطية إلهية لحياة المصريين إلى دمٍ يعلن عن غضب
اللَّه، ويبث بن المصريين روح الرعب والهلاك.

          كان
المصريون يعبدون نهر النيل كإله واهب الحياة، فصار مصدر نجاسة (الدم)، ومصدر موت!

 

          "أرسل
عليهم بعوضًا فأكلهم،

          وضفادع
فأفسدتهم" [45].

          هاجمتهم
أسراب البعوض لتحول حياتهم إلى عذابٍ، لم تخف هذه الأسراب جيش فرعون ولا أسلحته
ولا ارتبكت أمام سلطانه وجلاله.

          عوض
اصطياد السمك من نهر النيل فاض بالضفادع التي هاجمت كل موضع، تدخل إلى حجرات النوم
كما إلى موائد الأكل.  حتى الضفادع التي قتلوها إذ جُمعت في اكوامٍ انتنت وتفشى
المرض بسببها.

 

          "اسلم
للجروم غلتهم وتعبهم للجراد" [46].

          هاجمت
الحشرات نباتاتهم، وما فضل عن حشرة التهمته غيرها…  هكذا ذهب تعبهم هباءً، صارت
محصولاتهم مأكلاً للجراد وغيره من الحشرات.

                                             
                               "أهلك بالبرد كرومهم وجميزهم 
بالصقيع" [47].

          كانت الكروم
شراب الأغنياء والجميز طعام الفقراء، وكأن هذه الضربة قد أصابت الأغنياء والفقراء
معًا في أكلهم وشربهم.

          نزول
البرد والصقيع ليس بظاهرة مألوفة في مصر، لكن اللَّه يغير نواميس الطبيعة لتأديب
الأشرار.

 

          "ودفع
إلى البرد بهائمهم،

          ومواشيهم
للبروق" [48].

          ماتت
المواشي بسبب غضب الطبيعة على الإنسان في شره التي هاجت لتصيب البهائم بالبرد
والبروق.

          "أرسل
عليهم حمو غضبه سخطًا ورجزًا وضيقًا جيش ملائكة أشرار" [49].

          أرسل اللَّه
الملاك المهلك لقتل ابطار المصريين إذ قتل فرعون ورجاله الأطفال الذكور
للعبرانيين.

          "مهد
سبيلاً لغضبه،

          لم
يمنع من الموت أنفسهم،

          بل
دفع حياتهم للوبأ.

          وضرب
كل بكرٍ في مصر

          أوائل
القدرة في خيام حام" [50،51].

          لقد حل
الغضب بهم على درجات لعلهم يتوبون حرمهم تارة من ماء الشرب، وأخرى ازعجهم
بالضفادع، وثالثه ضرب مواشيهم ومحاصيلهم واخيرًا أخذ أبكارهم دون استثناء، فدخل
الحزن إلى كل بيت، من قصر فرعون إلى الأسير في داخل السجن.

 

6. الدخول
إلى أرض الموعد

          "وساق
مثل الغنم شعبه،

          وقادهم
مثل قطيع البرية" [52].

          إذ ضرب
فرعون قاسي القلب وشعبه العنيف مستخدمًا كل وسيلة، النهر بمياهه التي تحولت إلى
دم، الحشرات كالبعوض والجراد لاقلاق راحتهم، السماء بالبرود والبروق، الملائكة
لأهلاك الأبكار إلخ…  الأن وقد أهلك الذئاب العنيفة قاد الذين كانوا تحت المذلة
كغنم وقطيع تحت رعاية راعٍ صالح سماوي يصطحب قطيعه ويقوده من أرض العبودية إلى
أرضٍ تفيض لينًا وعسلاً.

          منذ
البداية دخل بهم إلى قاع البحر وأخرجهم يسبحون ويرتلون حتى يطمئنوا أنهم محفوظون
في وسط البرية، في آمان أكيد.

 

          وهداهم
آمنين فلم يجزعوا،

          أما
أعداؤهم فغمرهم البحر" [53].

          مفارقة
عجيبة الضعفاء صاروا في آمان متهللين بلا حذف، وأصحاب السلطة والقوة هائلين في قاع
البحر.

          "وادخلهم
في تخوم قدسه هذا الجبل الذي اقتنته يمينه" [54].

          قادهم إلى
حدود الأرض المقدسة، إلى الموضع الذي يقيم فيه هيكله، ويجعل من جباله جبالاً
مقدسة.

          إنها
صورة رائعة لرعاية اللَّه لنا ونحن في برية هذا العالم حيث يدخل بنا إلى عربون
السمويات، ونتمتع بالمقادس الإلهية.

 

          "وطرد
الأمم من قدامهم،

          وقسمهم
بالحبل ميراثًا،

          وأسكن
في خيامهم أسباط إسرائيل" [55].

          طرح الشعوب
ليهبهم الأرض ميراثًا يقيمون فيها بيوتهم ويتمتعون بثمارها؛ هذا ما تحقق على يدي
يشوع بن يونه.

 

7. تدهور في
عصر القضاة

          إذ استقر
الشعب وورث عوض أن يشكر ويسبح اللَّه سقطوا في العبادة الوثنية وانحرفوا إلى
الرجاسات، وذلك في عصر القضاة.

          "فجربوا
وعصوا اللَّه العلي،

          وشهاداته
لم يحفظوا.

          بل
ارتدوا وعذروا مثل آبائهم،

          انحرفوا
كقوسٍ مخطئة.

          أغاظوه
بمر تفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم" [56-58].

          استقروا في
أرض الموعد لكن قلوبهم وأفكارهم بقيت جائلة بعيدًا عن اللَّه، تطلب الملذات
الزمنية وشبع الشهوات خلال العبادة الوثنية.

          دخولهم
إلى كنعان وتمتعهم بالنصرات المتوالية لم ينزع عنهم روح الأرتداد والغدر.  كرروا
تاريخ آبائهم العصاة، ومارسوا خطاياهم، ولم يحفظوا العهد مع اللَّه.  نقلوا فسادهم
معهم إلى أرض الميراث.  فصاروا كقوس تضرب بالسهام بلا هدف.

 

8. رفضه
شيلوه

          "سمع
اللَّه فغضب ورذل إسرائيل جدًا.

          ورفض
مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس.

          وسلَّم
للسبي عزه وجلاله ليد العدو

          ودفع
إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه

          مختاروه
أكلتهم النار،

          وعذاراه
لم يحمدون.

          كهنته
سقطوا بالسيف،

          وأرامله
لم يبكين" [59-64].

          ما
ورد هنا هو تذكار ما حدث في أيام عالي الكاهن حيث فارق مجد الرب الحقيقي شعبه، إذ
أسر الفلسطينيون تابوت العهد (1صم)، وانكسرت رقبة عالي الكاهن، ومات ابناه في
الحرب وانجبت زوجة فينحاس ابنا دعته ايخابود الذي يعني "زال المجد" اصم21:4،
22.

          إن
كان اللَّه قد غضب على شعبه لأنه تمرد مرارًا وهو في البرية يتمتع برعاية اللَّه
الفريدة، وكم بالأكثر يغضب بل ويرذله جدًا لأنه لم يتعلم من الماضي بل حمل نفس
الروح في ارض الموضع.

         

          أعلن
عن رذله لشعبه برفضه مسكن شيلوه حيث كانت خيمة الأجتماع، لأنه ارتكبت ابشع الخطايا
في أبواب الخيمة، كما أُقيمت السواري فوق كل تلٍ عالٍ، لهذا ارتحل المجد وحلّ
بدلاً منه "ايخابود" (زوال المجد).

          أكد
اللَّه خطورة الموقف بتسليم تابوت العهد الذي يمثل عزه للسبي الفلسطيني.  لقد فضل
اللَّه أن يحتمل إهانة الأعداء الذين ظنوا أن إلههم داجون قد غلب إله إسرائيل
واستولى على تابوت عهده عن أن يحتمل خيانة شعبه الذين تمتعوا بعجائبه.

          سقط
ثلاثون ألفًا من الشعب بالسيف (1صم10:4) لأنه لم يعد اللَّه عونًا لهم مع أنهم
خاصته وميراثه.  غيرته عليهم دفعت إلى تأديبهم حتى وإن بدى التأديب قاسيًا.

         

          "مختاروه
أكلتهم النار"،
إي نار غضب اللَّه على شعبه الجاحد، فسلمهم لنار الحرب.

          "وعذاراه
لم يحمدن"،
إذ أكل السيف الشبان في الحرب بقيت العذارى بلا زواج، ولم
يُسمع أفواههن أغاني الفرح، وكما جاء في إشعياء النبي: "تمسك سبع نساء برجلٍ
واحدٍ في ذلك اليوم قائلات: نأكل خبزنا ونلبس ثيابنا، ليُدع فقط اسمك علينا، انزع
عارنا" إش 1:4.

          أما
الكهنة الذين سقطوا بالسيف فيقصد بهما حفنى وفينحاس ابنا عالى.

          "وأرامله
لم يبكين"،
إذ لم يحزن على فقدان ازواجهن لأن حزنهمن على ما حلّ بالشعب
ككل ابتلع كل حزن شخصي. وكأنه لم تجد العذارى فرصة للفرح لأن الشباب قد ضربه سيف
العدو، ولم تجد العذارى فرصة للنوح لأن هول الكارثة العظمى للشعب قد حطمهم وشغلهم
عن حزنهم على أزواجهن.

 

9. قيام
مملكة داود

          سرعان ما
تمر فترة التأديب لينعم الشعب ببداية جديدة حيث يهب شعبه قوة القيامه.  يبدو
اللَّه كنائم يستيقظ ليعمل بقوة في حياة شعبه.

          "فاستيقظ
الرب كنائمٍ كجبارٍ معيط من الخمر" [65].

          في الغرب
تستخدم هذه العبارة مع العبارة "وبنى مثل مقدسة مثل مركب
rehinoceros كالأرض
التي اسسها إلى الأبد"
في ليتورجية عيد القيامة
أو الفصح المسيحي في الصباح، حيث تعلنان العبارتان عيد قيامة السيد المسيح كأنها
استيقاظ من النوم، ليس للموت سلطان عليه.  إنه يستيقظ كجبار غالب للموت وللشيطان،
محطمًا سلطانه على المؤمنين.  بقيامته أسس كنيسة المقامة في العالم كله لكي تشترك
معه في المجد الأبدي.  إنها تشبه قرن
rhinoceros وكما يقول البابا أثناسيوس:

          [الـ
rhinoceros 
حيوان لا يُمكن انهزامه، لأن له جبهته قرن جاء به يقتل كل حيوان مفترس.  هكذا يقول
المرتل انه عندما بُني هيكل اللَّه خضعت كا الأمم واستلمت للقوة التي فيه].

          الرب
لا ينعس ولا ينام (مز3:121)، لكنه إذ يقوم للقضاء بعد فترة طويلة من الصمت في طول
أناة يكون كمن استيقظ من النوم.

 

          "فضرب
أعداءه إلى الوراء وجعلهم عارًا أبديًا" [66].

          لم يعيش
الأعداء طويلاً في نشوة الأنتصار لأن يد الرب قد ثقلت عليهم بالبواسير، وصعد
صراخهم إلى السماء.

          "ورفض
خيمة يوسف ولم يختر سبط أفرايم" [67].

          لقد أكرم
اللَّه افرايم فخرج منه يشوع القائد العظيم وجدعون القاضي، وفي تخوم افرايم كان
شيلوه الموضع الذي أُقيمت فيه الخيمة لمدة ثلاثة قرون.  أما الآن فقد وُزن
بالموازين فوجد ناقصًا، لذا رفض اللَّه شيلوه موضعًا لخيمته.

 

          "بل
اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي أحبه" [68].

          ارتفع سبط
يهوذا ليحتل مركز الصدارة حسب نبوة يعقوب، ومنه جاء السيد المسيح مخلص كل البشرية،
كما انتقلت الخيمة إلى قرية يعاريم في أرض يهوذا، ثم إلى جبل صهيون.

          "وبنى
مثل مرتفعات مقدسة كالأرض التي أسسها إلى الأبد [69].

 

          "واختار
داود عبده وأخذه من حظائر الغنم" [70].

          كان داود
راعيًا للغنم فأقامه اللَّه راعيًا لشعبه، إذ يقول له: "أنا أخذتك من وراء
الغنم الغنم لتكون رئيسًا لشعبي" 2صم8:7.

          "من
خلف المرضعات أتى به ليرعى يعقوب شعبه وإسرائيل ميراثه" [71].

          كان داود
النبي بكل صبر وحنان يمضي وراء النعاج المرضعة وهي تجول تبحث عن العشب، كما كان
يُطعم الحملان وصغار الغنم، وبذلك تأهل للقيام بوظيفته كملك يرعى شعبه بأمانه.

          "فرعاهم
حسب كمال قلبه،

          وبمهارة
يديه هداهم" [72].

          كان داود
النبي مستقيمًا أمام اللَّه ولم يحد قلبه قط عن طاعة اللَّه، أمينًا للَّه
ولشعبه.    

   

اَلْمَزْمُورُ
الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ

قَصِيدَةٌ
لآسَافَ

اِصْغَ يَا
شَعْبِي إِلَى شَرِيعَتِي.

أَمِيلُوا
آذَانَكُمْ إِلَى كَلاَمِ فَمِي [1].

أَفْتَحُ
بِمَثَلٍ فَمِي.

 أُذِيعُ
أَلْغَازًا مُنْذُ الْقِدَمِ [2].

v      
في أوقات مخلصنا تكلم اللوغوس إلى الرسل بأقوال
سرية. إذ تقول عنه النبوة: "سيفتح فمه بالأمثال وبنطق بالخفيات منذ تأسيس
العالم" (راجع مز 78: 2)… فعالية الكلمة نفسه إذ هو قوي وفعّال (عب 4: 12)
يجتذب إليه خفية وبطريقة غير منظورة كل أحد يتقبله[1].

القديس
إكليمنضس السكندري

الَّتِي
سَمِعْنَاهَا وَعَرَفْنَاهَا

وَآبَاؤُنَا
أَخْبَرُونَا [3].

لاَ نُخْفِي
عَنْ بَنِيهِمْ إِلَى الْجِيلِ الآخِرِ

مُخْبِرِينَ
بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ وَقُوَّتِهِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي صَنَعَ [4].

v  هوذا
الرب يدخل مصر هذا العالم على سحابة خفيفة، العذراء "هداهم بالسحاب
نهارًا"
(مز 78: 14). في إبداع قال "نهارًا" لأن السحابة لم
تكن قد مظلمة، بل دومًا منيرة. "والليل كله بنور نارٍ" (مز 78:
14). بالنسبة لك الظلمة ذاتها ليست مظلمة، والليل يشرق كالنهار (مز 139: 12).
"الليل كله بنور نارٍ". الرب إلهنا نار آكلة… لم يقل المرتل ماذا كانت
النار آكلة، تاركًا ذلك لذكائنا[2].

القديس
جيروم

أَقَامَ
شَهَادَةً فِي يَعْقُوبَ

وَوَضَعَ
شَرِيعَةً فِي إِسْرَائِيلَ

الَّتِي
أَوْصَى آبَاءَنَا أَنْ يُعَرِّفُوا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ [5].

لِكَيْ
يَعْلَمَ الْجِيلُ الآخِرُ.

بَنُونَ
يُولَدُونَ فَيَقُومُونَ وَيُخْبِرُونَ أَبْنَاءَهُمْ [6].

فَيَجْعَلُونَ
عَلَى اللّهِ اعْتِمَادَهُم

وَلاَ
يَنْسُونَ أَعْمَالَ اللهِ

بَلْ
يَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ [7].

وَلاَ
يَكُونُونَ مِثْلَ آبَائِهِمْ جِيلاً زَائِغًا وَمَارِدًا

جِيلاً لَمْ
يُثَبِّتْ قَلْبَهُ

وَلَمْ
تَكُنْ رُوحُهُ أَمِينَةً لِلَّهِ [8].

يرى القديس
إكليمنضس السكندري
أن الله يعامل مثل هؤلاء بنوع من القسوة، لكي يتوبوا. [إنه
يعرف أنهم يتوبون خلال الخوف بعدها أهملوا حبه. كقاعدة عامة يهمل البشر الصلاح أي
اللطف، ويخدمونه عن خوف متى حفظ (الصلاح) نداء العدالة[3]].

بَنُو
أَفْرَايِمَ النَّازِعُونَ فِي الْقَوْسِ

الرَّامُونَ
انْقَلَبُوا فِي يَوْمِ الْحَرْبِ [9].

لَمْ
يَحْفَظُوا عَهْدَ اللهِ

وَأَبُوا
السُّلُوكَ فِي شَرِيعَتِه [10].

ِوَنَسُوا
أَفْعَالَهُ وَعَجَائِبَهُ الَّتِي أَرَاهُمْ [11].

قُدَّامَ
آبَائِهِمْ صَنَعَ أُعْجُوبَةً فِي أَرْضِ مِصْرَ بِلاَدِ صُوعَنَ [12].

شَقَّ
الْبَحْرَ فَعَبَّرَهُمْ

وَنَصَبَ
الْمِيَاهَ كَنَدٍّ [13].

وَهَدَاهُمْ
بِالسَّحَابِ نَهَارًا وَاللَّيْلَ كُلَّهُ بِنُورِ نَارٍ [14].

شَقَّ
صُخُورًا فِي الْبَرِّيَّةِ

وَسَقَاهُمْ
كَأَنَّهُ مِنْ لُجَجٍ عَظِيمَةٍ [15].

أَخْرَجَ
مَجَارِيَ مِنْ صَخْرَةٍ

وَأَجْرَى
مِيَاهًا كَالأَنْهَارِ [16].

ثُمَّ
عَادُوا أَيْضًا لِيُخْطِئُوا إِلَيْهِ لِعِصْيَانِ الْعَلِيِّ فِي الأَرْضِ
النَّاشِفَةِ [17].

وَجَرَّبُوا
اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ بِسُؤَالِهِمْ طَعَامًا لِشَهْوَتِهِمْ [18].

فَوَقَعُوا
فِي اللهِ. قَالُوا:

هَلْ
يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟ [19]

هُوَذَا
ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَجَرَتِ الْمِيَاهُ وَفَاضَتِ الأَوْدِيَةُ.

هَلْ
يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا أَوْ يُهَيِّئَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟ [20]

لِذَلِكَ
سَمِعَ الرَّبُّ فَغَضِبَ

وَاشْتَعَلَتْ
نَارٌ فِي يَعْقُوبَ

وَسَخَطٌ
أَيْضًا صَعِدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ [21].

لأَنَّهُمْ
لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى خَلاَصِهِ [22].

فَأَمَرَ
السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ

وَفَتَحَ
مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ [23].

وَأَمْطَرَ
عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ

وَبُرَّ
السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ [24].

أَكَلَ
الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ.

أَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ [25].

v  من
هم الذين سقطوا في الصحراء أثناء ترحال شعب الله إلى أرض الموعد؟ (عب 3: 17) أليسوا
هم هؤلاء الذين طلبوا أكل اللحم؟ (عد 11: 33). هؤلاء البشر لم يكتفوا بالمنِّ ولا
بالماء الذي خرج من الصخرة، وكانوا بالأمس قد انتصروا على المصريين وعبروا البحر
الأحمر. لكن بسبب أنهم اشتهوا اللحم المطبوخ في الأواني (انظر خر 16: 3) تقهقروا
إلى الخلف، ولم يرَ أحد منهم أرض الموعد. هل لا تخاف من تكرار هذا النموذج؟ هل لا
ترتعب من حقيقة أن الانسياق وراء الأكل ربما يحرمك من الخيرات المنتظرة؟ أستطيع أن
أقول لك إنه ولا الحكيم دانيال النبي كان سيرى رؤى إن لم يكن قد تطهّر أولاً
بالصوم. لا أخفي عليك أن الأكل الدسم ينبعث منه أدخنة تعتّم أنوار العقل التي تأتي
من الروح القدس. يوجد غذاء ملائكي كما يقول النبي "أكل الإنسان خبز
الملائكة" (مز 78: 25). غذاء الملائكة مختلف عن بقية الأطعمة، فهو ليس لحم
ولا خمر ولا طعام يهتم به عبيد البطن
[4].

القديس باسيليوس الكبير

v  إذ
يتغذى الملائكة أيضًا على حكمة الله، ويتلقوا القوة على إنجاز مهامهم عن طريق
تأملهم في الحق والحكمة، نجد مكتوبًا في المزمور أن الملائكة تتناول هي أيضًا
غذاءً، تشارك فيه رجال الله
العبرانيين فيصبحون معهم بذلك (رفقاء مائدة). ففيما يختص بما ذكر في تلك
الفقرة: "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 25:78)، يجب أن لا يذهب ذهننا
في ضحالة إلى درجة الظن أن الملائكة يشتركون ويتغذون إلى الأبد على نوع بعينه من
الزاد المادي، مثل ذلك الذي نزل
كما قيل على أولئك الذين خرجوا من مصر (خر 15:16؛ مز 25:78). إنه الخبز
نفسه الذي شارك فيه العبرانيون الملائكة "الأرواح الخادمة لله (عب 14:1)[5].

v  كما
اعتادت الشياطين الكامنة إلى جوار مذابح الأمم أن تقتات على روائح الذبائح
المقدمة، كذلك الملائكة وقد اجتذبتهم دماء الضحايا التي قدمها بنو إسرائيل، كرموز
روحية ودخان البخور، يسكنون بجانب المذابح يتغذون على ذلك النوع من الغذاء[6].

v      
لكن إن كان يوجد البعض يأتون من مصر، ويتبعون
عمود النار والسحاب، ويدخلون البرية، عندئذ ينزل إليهم من السماء، ويقدم لهم
طعامًا صغيرًا ورقيقًا، يشبه طعام الملائكة، فقد قيل: "يأكل الإنسان خبز
الملائكة" (مز 78: 25)[7].

العلامة
أوريجينوس

أَهَاجَ
رِيحًَا شَرْقِيَّةً فِي السَّمَاءِ

وَسَاقَ
بِقُوَّتِهِ جَنُوبِيَّةً [26].

وَأَمْطَرَ
عَلَيْهِمْ لَحْمًا مِثْلَ التُّرَابِ وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ

طُيُورًا
ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ [27].

وَأَسْقَطَهَا
فِي وَسَطِ مَحَلَّتِهِمْ حَوَالَيْ مَسَاكِنِهِمْ [28].

فَأَكَلُوا
وَشَبِعُوا جِدًّا وَأَتَاهُمْ بِشَهْوَتِهِمْ [29].

لَمْ
يَزُوغُوا عَنْ شَهْوَتِهِمْ.

طَعَامُهُمْ
بَعْدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ [30].

فَصَعِدَ
عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ وَقَتَلَ مِنْ أَسْمَنِهِمْ.

وَصَرَعَ
مُخْتَارِي إِسْرَائِيلَ [31].

فِي هَذَا
كُلِّهِ أَخْطَأُوا بَعْدُ

وَلَمْ يُؤْمِنُوا
بِعَجَائِبِهِ [32].

فَأَفْنَى
أَيَّامَهُمْ بِالْبَاطِلِ

وَسِنِيهِمْ
بِالرُّعْبِ [33].

إِذْ
قَتَلَهُمْ طَلَبُوهُ وَرَجَعُوا وَبَكَّرُوا إِلَى اللهِ [34].

v  حسنا
أُضِيفَ في هذا المجال: "لئلا تشبع الأجانب من قوتك، وتكون أتعابك في بيت
غريب"
. إن كل الذين لا يجتهدون لنوال الفضائل وذلك باستخدام هبة البدن
المعافى والذهن الحكيم، هؤلاء يرتكبون الشر، ويزيدون من موارد بيت الغريب وليس
بيوتهم، أي يضاعفون أعمال الأرواح غير الطاهرة ببطر الكبرياء حتى يزداد عدد
المفقودين بالإضافة إلى ذواتهم. حسنًا قد قيل: "فتنوح في أواخرك، عند فناء
لحمك وجسمك."
وفي العادة ما تقضي الآثام على نعمة الصحة،
فعندما تضيع
الصحة فجأة ويبلى الجسد بفعل الآلام وعند اقتراب اللحظة التي فيها تضطر الروح من
مفارقة الجسد، فإن الصحة التي ضُيِعَتْ زمانًا طويلا في فعل الشر وفَنِيَت، يحاول
الإنسان استعادتها برجاء الحياة الصالحة والخيرة. عندها ينوح الإنسان حيث أنه قد
تلكأ ولم يخدم الله. عندها أيضًا يكون من المحال جدًا خدمة الله والتعويض عما ضاع
بفعل الإهمال. لذلك قيل في مكان آخر: "إذ قتلهم طَلَبُوه، ورجعوا وبكروا
إلى الله"
(مز 78: 34)[8].

الأب
غريغوريوس (الكبير)

وَذَكَرُوا
أَنَّ اللهَ صَخْرَتُهُمْ

وَاللهَ
الْعَلِيَّ وَلِيُّهُمْ [35].

فَخَادَعُوهُ
بِأَفْوَاهِهِمْ

وَكَذَبُوا
عَلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ [36].

أَمَّا
قُلُوبُهُمْ فَلَمْ تُثَبَّتْ مَعَهُ

وَلَمْ
يَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي عَهْدِهِ [37].

أَمَّا هُوَ
فَرَأُوفٌ يَغْفِرُ الإِثْمَ وَلاَ يُهْلِكُ

وَكَثِيرًا
مَا رَدَّ غَضَبَهُ

وَلَمْ
يُشْعِلْ كُلَّ سَخَطِهِ [38].

ذَكَرَ
أَنَّهُمْ بَشَرٌ.

رِيحٌ
تَذْهَبُ وَلاَ تَعُودُ [39].

كَمْ
عَصُوهُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَأَحْزَنُوهُ فِي الْقَفْرِ! [40]

رَجَعُوا
وَجَرَّبُوا اللهَ وَعَنُّوا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ [41].

لَمْ
يَذْكُرُوا يَدَهُ يَوْمَ فَدَاهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ [42].

حَيْثُ
جَعَلَ فِي مِصْرَ آيَاتِهِ

وَعَجَائِبَهُ
فِي بِلاَدِ صُوعَنَ [43].

إِذْ
حَوَّلَ خُلْجَانَهُمْ إِلَى دَمٍ

وَمَجَارِيَهُمْ
لِكَيْ لاَ يَشْرَبُوا [44].

أَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ بَعُوضًا فَأَكَلَهُمْ

وَضَفَادِعَ
فَأَفْسَدَتْهُمْ [45].

أَسْلَمَ
لِلْجَرْدَمِ غَلَّتَهُمْ

وَتَعَبَهُمْ
لِلْجَرَادِ [46].

أَهْلَكَ
بِالْبَرَدِ كُرُومَهُمْ

وَجُمَّيْزَهُمْ
بِالصَّقِيعِ [47].

وَدَفَعَ
إِلَى الْبَرَدِ بَهَائِمَهُمْ

وَمَوَاشِيَهُمْ
لِلْبُرُوقِ [48].

أَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ حُمُوَّ غَضَبِهِ سَخَطًا وَرِجْزًا وَضِيقًا

جَيْشَ
مَلاَئِكَةٍ أَشْرَارٍ [49].

v 
يرى النبي حزقيال
(حزقيال1:10) رؤية: ملك العظمة جالسًا على عرشه العالي العظيم وموضع العرش فوق
النجوم ويشبه عرش الأعلى مقاما. أن صانع الفخار له سلطانًا على الطين، فيصنع من
كتلة واحدة إناءًا للاستعمال الرفيع وآخر للاستعمال الوضيع. فماذا إذا إن الله وقد
شاء أن يُظهر غضبه ويعلن قدرته، قد احتمل بكل صبر آنية غضب معدة للهلاك وذلك بقصد
أن يعلن غنى مجده في آنية الرحمة التي سبق فأعدها للمجد (رو21:9-23). وبالإضافة
إلى ذلك، يرسل الله ملائكة إلى قديسيه لنملأهم بالحياة الطيبة والسلام، بينما يرسل
إلى العصاة القساة حمم غضبه، وسخطه وغيظه، ويطلق عليهم ملائكة الهلاك. (مز 49:78).
لا داع أن نتكلم باسهاب على كيف يقف الشيطان ضد الخير والسلام
[9].

القديس
غريغوريوس أسقف نيصص

v  لن
يوقع الله عقابه وجزاءه على بابل من خلال خدامه، بل هو بنفسه يؤدي لها
جزاءها.
أريد أن أضيف شيئًا على ذلك، وهو أن الله لا يعاقب الجميع بنفسه، لكنه
أحيانًا يرسل وسطاء، سواء لتنفيذ العقاب، أو لمنح الشفاء من خلال الألم، كما نرى
في المزامير: "أرسل عليهم حمو غضبه سخطًا ورجزًا وضيقًا" (عن طريق)
جيش ملائكة أشرار"
(مز
78: 49). بالنسبة لهؤلاء لم
يؤدي لهم
الله جزاءهم بنفسه، لكنه استعان بملائكة أشرار ليقوموا بتنفيذ
مهمة العقاب. قد يستعين الرب كذلك بملائكة أطهار لمعاقبة بعض الناس. لكن يحدث في
بعض الأحيان أن الرب يرفض الاستعانة بهؤلاء الوسطاء، ويوقع العقوبات بنفسه، كما هو
الحال بالنسبة لبابل.

عندما تكون
الجروح طفيفة وقابلة للشفاء السريع، يكتفي الطبيب بإرسال تلميذه أو مساعده وعن
طريقه يعالج المريض. قد يحدث أحيانًا أن المريض يكون محتاجًا لبتر أحد أعضائه
ولاستخدام المشرط، مع ذلك أيضًا لا يذهب إليه الطبيب بنفسه، بل يختار واحدًا من
مساعديه قادرًا على القيام بهذا العمل، فيرسله ليعالج المريض.

لكن حينما
تكون الجروح غير قابلة للشفاء، يكون المرض قد انتشر في جميع أجزاء الجسم، بحيث يصل
المريض إلى درجة كبيرة من الخطورة، هنا لا يتطلب الأمر يديّ التلميذ أو المساعد،
إنما يحتاج إلى يدي المعلم نفسه، فيقوم الطبيب بالتصدي لهذا الجرح المميت،
بنفسه. بالمثل
حينما تكون الخطايا صغيرة، لا يوقع الله على الخطاة عقابهم بنفسه، لكنه يستخدم
الوسطاء، أما إذا كانت الخطية خطيرة جدًا كما هو الحال هنا بالنسبة لمدينة بابل،
يسرع الرب بتوقيع الجزاء عليها بنفسه[10]
.

العلامة أوريجينوس

مَهَّدَ
سَبِيلاً لِغَضَبِهِ.

لَمْ
يَمْنَعْ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ

بَلْ دَفَعَ
حَيَاتَهُمْ لِلْوَبَإِ [50].

وَضَرَبَ
كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ.

أَوَائِلَ
الْقُدْرَةِ فِي خِيَامِ حَامٍ [51].

وَسَاقَ
مِثْلَ الْغَنَمِ شَعْبَهُ

وَقَادَهُمْ
مِثْلَ قَطِيعٍ فِي الْبَرِّيَّةِ [52].

وَهَدَاهُمْ
آمِنِينَ فَلَمْ يَجْزَعُوا.

أَمَّا
أَعْدَاؤُهُمْ فَغَمَرَهُمُ الْبَحْرُ [53].

وَأَدْخَلَهُمْ
فِي تُخُومِ قُدْسِهِ

هَذَا
الْجَبَلِ الَّذِي اقْتَنَتْهُ يَمِينُهُ [54].

وَطَرَدَ
الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِهِمْ

وَقَسَمَهُمْ
بِالْحَبْلِ مِيرَاثًا

وَأَسْكَنَ
فِي خِيَامِهِمْ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ [55].

v  إن
كنتَ قد أدركتَ أي سلام يجلبه طريق الحكمة، أيَّة نعمة أو وداعة تنالها، فاطرح كل
تهاونٍ وكسلٍ، وأدخل هذا الطريق، ولا تتراجع أمام عزلة البريَّة (مز 78: 55)، فإنك
إذ تمكث في هذه الخيام تحصل على المنْ السماوي، وتأكل خبز الملائكة[11].

العلاَّمة
أوريجينوس

فَجَرَّبُوا
وَعَصُوا اللهَ الْعَلِيَّ وَشَهَادَاتِهِ لَمْ يَحْفَظُوا [56].

بَلِ ارْتَدُّوا
وَغَدَرُوا مِثْلَ آبَائِهِمْ.

انْحَرَفُوا
كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ [57].

أَغَاظُوهُ
بِمُرْتَفَعَاتِهِمْ

وَأَغَارُوهُ
بِتَمَاثِيلِهِمْ [58].

سَمِعَ
اللهُ فَغَضِبَ وَرَذَلَ إِسْرَائِيلَ جِدًّا [59].

وَرَفَضَ
مَسْكَنَ شِيلُوهَ

الْخَيْمَةَ
الَّتِي نَصَبَهَا بَيْنَ النَّاسِ [60].

وَسَلَّمَ
لِلسَّبْيِ عِزَّهُ وَجَلاَلَهُ لِيَدِ الْعَدُوِّ [61].

وَدَفَعَ
إِلَى السَّيْفِ شَعْبَهُ

وَغَضِبَ
عَلَى مِيرَاثِهِ [62].

مُخْتَارُوهُ
أَكَلَتْهُمُ النَّارُ

وَعَذَارَاهُ
لَمْ يُحْمَدْنَ [63].

كَهَنَتُهُ
سَقَطُوا بِالسَّيْفِ

وَأَرَامِلُهُ
لَمْ يَبْكِينَ [64].

فَاسْتَيْقَظَ
الرَّبُّ كَنَائِمٍ كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ [65].

v  لأن
هذه الأشياء التي تُقال عن الله إذا فُسرت حرفيًا بصورة مادية يمكننا القول أيضًا
أنه ينام وفقًا للنص: "استيقظ يارب لماذا تتغافى" (مز 23:44)، مع
أنه قيل عنه في مكان آخر: "إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" (مز 121:
4). وأنه يقف ويجلس إذ يقول: "السموات كرسيَّ والأرض موطئ قدميّ"
(إش 1:66)، مع أنه "كال بكفه المياه وقاس السموات بالشبر". وهو "معيط
من الخمر
" حسب قوله "واستيقظ الرب كنائم، كجبار معيط من الخمر"
(مز 65:78)، في حين أنه هو "الذي وحده له عدم الموت، ساكنُا في نور لا يُدنى
منه" (1 تي 16:6). ولا داعي لذكر "الجهل" و"النسيان"
اللذين كثيرًا ما يرد ذكرهما في الكتاب المقدس. وأخيرًا وصف أعضاء الجسد التي
نُسبت إليه كما لو كان إنسانًا، كالشعر والرأس والأنف والعينين والوجه واليدين
والذراعين والأصابع والبطن والقدمين. إذا عمدنا إلى أخذها جميعًا وفق معناها
الحرفي العادي، فيلزمنا أن نفكر في الله بما يتفق مع صورة الأعضاء وشكل الجسم،
وهذا أمر بشع حقًا حتى مجرد الكلام عنه، ويتحتم أن نستبعده تمامًا عن أفكارنا[12].

القديس
يوحنا كاسيان

v  لقد
سمعنا البعض يحاولون تبرير هذا المرض البالغ الضرر الذي يلحق بالنفس، ملتجئين إلى
طريقة منفّرة في تفسير الكتاب المقدس لهذا التبرير، كقولهم بأنه ليس من الضرر في
شيء أن نغضب على
إخوتنا الذين يخطئون، مادام الله ذاته،
على حد قولهم، قد ذُكر عنه أنه يسخط ويغضب على أولئك الذين لم يعرفوه أو عرفوه ثم
رفضوه، وفقًا للنص: "فحمي غضب الرب على شعبه، وكره ميراثه"، أو
وفقًا لكلمات النبي وهو يصلي، قائلاً: "يا رب لا توبخني بغضبك، ولا تؤدبني
بغيظك
" (مز 6: 1)، غير مدركين أنهم إذ يريدون تلمس الأعذار لارتكاب خطية
بالغة الأذية، ينسبون إلى العزة الإلهية ومصدر كل نقاء إحدى وصمات الانفعال
البشري. لأن هذه الأشياء التي تُقال عن الله.

فإذا فُسرت
حرفيًا بصورة مادية يمكننا القول أيضًا أنه ينام، وفقًا للنص: "استيقظ
يا رب لماذا تتغافى؟" (مز 23:44)، مع أنه قيل عنه في مكان آخر: "إنه لا
ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" (مز 121: 4). وأنه يقف ويجلس، إذ يقول:
"السماوات كرسيَّ والأرض موطئ قدميّ" (إش 1:66)، مع أنه "كال بكفه
المياه وقاس السماوات بالشبر". وهو "معيط من الخمر" حسب
قوله "واستيقظ الرب كنائم، كجبار معيط من الخمر" (مز 65:78)، في حين أنه
هو "الذي وحده له عدم الموت، ساكنُا في نور لا يُدنى منه" (1 تي 16:6). ولا
داعي لذكر "الجهل" و"النسيان" اللذين كثيرًا ما
يرد ذكرهما في الكتاب المقدس.

وأخيرًا وصف
أعضاء الجسد التي نُسبت إليه كما لو كان إنسانًا، كالشعر والرأس والأنف والعينين والوجه
واليدين والذراعين والأصابع والبطن والقدمين. إذا عمدنا إلى أخذها جميعًا وفق
معناها الحرفي العادي، يلزمنا أن نفكر في الله بما يتفق مع صورة الأعضاء وشكل
الجسم، وهذا أمر بشع حقًا حتى مجرد الكلام عنه، ويتحتم أن نستبعده تمامًا عن
أفكارنا…

حين نقرأ عن
غضب الرب وسخطه، ينبغي ألا نفهم اللفظ وفق معنى العاطفة البشرية غير الكريمة. إنما
بمعنى يليق بالله، المنزه عن كل انفعالٍ أو شائبةٍ. ومن ثم ينبغي أن ندرك من هذا
أنه الديان والمنتقم عن كل الأمور الظالمة التي ترتكب في هذا العالم.

وبمنطق هذه
المصطلحات ومعناها ينبغي أن نخشاه بكونه المخوف المجازي عن أعمالنا، وإن نخشى عمل
أي شيء ضد إرادته. لأن الطبيعة البشرية قد ألفت أن تخشى أولئك الذين تعرف أنهم
ساخطون، وتفزع من الإساءة إليهم، كما هو الحال مع بعض القضاة البالغين ذروة
العدالة.

فالغضب
المنتقم يخشاه عادة أولئك الذين يعذبهم اتهام ضمائرهم لهم، بالطبع ليس لوجود هذه
النزعة في عقول هؤلاء الذين سيلتزمون بالإنصاف في أحكامهم. لكن بينما هم في غمرةٍ
من هذا الخوف، فإن ميول القاضي نحوهم تتسم بالعدالة وعدم التحيز واحترام القانون
الذي ينفذه. وهذا مهما سلك بالرفق واللطف، موصوم بأقسى نعوت السخط والغضب الشديد
من أولئك الذين عوقبوا بحقٍ وإنصافٍ[13].

القديس
يوحنا كاسيان

فَضَرَبَ
أَعْدَاءَهُ إِلَى الْوَرَاءِ.

جَعَلَهُمْ
عَارًا أَبَدِيًّا [66].

وَرَفَضَ
خَيْمَةَ يُوسُفَ

وَلَمْ
يَخْتَرْ سِبْطَ أَفْرَايِمَ [67].

بَلِ
اخْتَارَ سِبْطَ يَهُوذَا جَبَلَ صِهْيَوْنَ الَّذِي أَحَبَّهُ [68].

وَبَنَى
مِثْلَ مُرْتَفَعَاتٍ مَقْدِسَهُ

كَالأَرْضِ
الَّتِي أَسَّسَهَا إِلَى الأَبَدِ [69].

وَاخْتَارَ
دَاوُدَ عَبْدَهُ

وَأَخَذَهُ
مِنْ حَظَائِرِ الْغَنَمِ [70].

مِنْ خَلْفِ
الْمُرْضِعَاتِ أَتَى بِهِ لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ

وَإِسْرَائِيلَ
مِيرَاثَهُ [71].

فَرَعَاهُمْ
حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ

وَبِمَهَارَةِ
يَدَيْهِ هَدَاهُمْ [72].

v  قاد
موسى قطيع يثرون حميه، وأُختير من رعاية الغنم إلي رعاية شعبه، وكراعٍ
صالحٍ قادهم. حمل موسى عصاه على كتفه، وتقدم شعبه الذي يقوده، ورعاهم أربعين
عامًا، وكان ساهرًا يتعب من أجل قطيعه، كان راعيًا صالحًا. عندما أراد ربه أن
يهلكهم بسبب خطاياهم، إذ عبدوا العجل، صلى موسى لأجلهم وطلب من ربه قائلاً: "والآن
إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32). هذا هو الراعي
الساهر للغاية، يسلم نفسه لحساب قطيعه. هذا هو القائد الممتاز الذي يبذل ذاته من
أجل قطيعه. هذا هو الأب الرحوم الذي يحتضن بنيه ويربيهم.

موسى الراعي
العظيم والحكيم، الذي عرف كيف يرعى قطيعه علَّم يشوع بن نون،
الإنسان المملوء بالروح، والذي قاد الرعية كل حشد إسرائيل…

بعد ذلك رعى
داود قطيع أبيه، فأُخذ من القطيع ليرعى شعبه. "فرعاهم حسب كمال قلبه،
وبمهارة يديه هداهم" (مز 78: 72). وعندما أحصى داود عدد قطيعه، حلّ الغضب
عليهم وبدأوا يهلكون. عندئذ سلم داود نفسه لحساب قطيعه عندما صلى، قائلاً:
"ها أنا أخطأت، وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟ فلتكن يدك عليّ
وعلى بيت أبي" (2 صم 24: 17).

هكذا أيضًا
اعتاد كل الرعاة الساهرين أن يبذلوا أنفسهم لحساب قطيعهم[14].

القديس أفراهاط الحكيم
الفارسي

v    
رعى يعقوب
قطيع لابان وتعب وسهر وقادهم حسنًا، عندئذ رعى بنيه وقادهم حسنًا، وعلّمهم أصول
العمل الرعوي.

اعتاد يوسف
أن يرعى القطيع مع إخوته، وفي مصر صار قائدًا لشعبٍ كثيرِ، وقادهم كما يقود الراعي
الصالح قطيعه.

قاد موسى
قطيع يثرون حميه، وأُختير من رعاية الغنم إلي رعاية شعبه، وكراعٍ صالحٍ قادهم. حمل
موسى عصاه على كتفه، وتقدم شعبه الذي يقوده، ورعاهم أربعين عامًا، وكان ساهرًا
يتعب من أجل قطيعه، كان راعيًا صالحًا. عندما أراد ربه أن يهلكهم بسبب خطاياهم، إذ
عبدوا العجل، صلى موسى لأجلهم وطلب من ربه قائلاً: "والآن إن غفرت
خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32). هذا هو الراعي الساهر
للغاية، يسلم نفسه لحساب قطيعه. هذا هو القائد الممتاز الذي يبذل ذاته من أجل
قطيعه. هذا هو الأب الرحوم الذي يحتضن بنيه ويربيهم.

موسى الراعي
العظيم والحكيم، الذي عرف كيف يرعى قطيعه علَّم يشوع بن نون،
الإنسان المملوء بالروح، والذي قاد الرعية كل حشد إسرائيل…

بعد ذلك رعى
داود قطيع أبيه، فأُخذ من القطيع ليرعى شعبه. "فرعاهم حسب كمال قلبه،
وبمهارة يديه هداهم" (مز 78: 72). وعندما أحصى داود عدد قطيعه، حلّ الغضب
عليهم وبدأوا يهلكون. عندئذ سلم داود نفسه لحساب قطيعه عندما صلى، قائلاً:
"ها أنا أخطأت، وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟ فلتكن يدك عليّ
وعلى بيت أبي" (2 صم 24: 17).

هكذا أيضًا
اعتاد كل الرعاة الساهرين أن يبذلوا أنفسهم لحساب قطيعهم[15].

القدِّيس
أفراهاط

                    المزمور الثامن والسبعون (77)

                   
قصة تاريخية

 

          هذا هو المزمور
السابع الذي يحمل اسم آساف؛ وهو المزمور الأول من المزامير التاريخية (105؛ 106؛
135).  يُعتبر أطول مزمور بعد المزمور119 (118
LXX).

          المزمور
78 يحول التاريخ إلى عظة عملية للتمتع بالقدوس ساكنًا فينا، ويقدم درسًا في تمتع
المؤمنين بالبركات وسقوط العصاة تحت التأديب.

          والمزمور105
يحول التاريخ إلى تسبحة ودعوة للفرح.

          وفي
المزمور106 يشير التاريخ إلى جحود الأنسان.

          ويحث
المزمور107 على رفض العبادة الوثنية وتمجيد اللَّه.

 

غايته

          1. إن كان
المزمور119 قد أسهب في الحديث عن عمل كلمة اللَّه في حياة المؤمنين، فإن هذا المزمور
قد أسهب في الكشف عن الألتزام بتقديس النفس مسكنًا لكلمة اللَّه حتى لا تُنتزع
منها الحضرة الإلهية، كما حرمت  شيلوه من تابوت العهد، ونُقل منها إلى مدينة
صهيون.

          2.
حث الشعب على أن يكون أمينًا للَّه، مقدمًا له من أحداث التاريخ دروسًا نافعة. 
فقد سرد المرتل تاريخ الشعب منذ كان في مصر حتى مجيء داود ملكًا.  تكشف هذه
الأحداث عن سلسلة من إحسانات اللَّه التي تكشف عن شخصه، يقابلها الشعب بالجحود
والعصيان، الأمر الذي يستوجي سقوطه تحت التأديب ليغفر اللَّه له ويقدم له إحسانات
جديدة.

          3.
يكشف المزمور عن طبيعة الإنسان الجاحدة عبر كل العصور وتحت كل الظروف… فقد ملكت
الخطية بالموت.  لكن اللَّه مخلصه لا يتركه، فاختار داود ملكًا ورمزًا لبن داود
المخلص، هذا الذي يملك بالبرّ؛ لذا يختم المزمور بالقول:  "فرعاهم بدعة
قلبه، وبفهم يديه أهداهم".

 

واضع
المزمور

          1. يرى
البعض أن الكاتب كان معاصرًا لداود النبي أو بعد نياحته مباشرة لأنه توقف في سرد
الأحداث التاريخية عند عصر داود النبي، كما أشار إلى نقل تابوت العهد من شيلوة
[60] إلى مدينة صهيون حيث "بنى مثل مرتفعات مقدسة" [69].

          2. ظن بعض
الدارسين مثل
Clarhe(1) ان هذا المزمور قد وُضع بعد انقسام المملكة، بعد رحبعام الذي
من سبط افرايم وقبل السبي البابلي، معتمدين في ذلك على توجيه اللوم إلى افرايم
[9-11] الذي تزعم حركة التمرد والأنقسام.  لكن يعلل البعض ذكر افرايم هنا كرمز لكل
الاسباط بكونه اكثر الأسباط عددًا وأعظمه قوة، ولأن تابوت العهد كان محفوظًا في
شيلوه فيحدود ذلك السبط في أيام القضاة.

 

المناسبة

          يربط البعض
بينهذا المزمور ونقل الخيمة من شيلوه التي في أرض أفرايم إلى صهيون في أرض يهوذا. 
فيحثنا على الحياة الأيمانية العملية حتى لانُجرم من الحضرة الإلهية كما حدث مع
شيلوه، بل نتقبل حضرته فينا كأننا صهيون الروحية.

          لا
نقف عند الشكليات فنقول بغير توبة مع شيوخ اسرائيل: "لماذا كسَّرنا اليوم
الرب أمام الفلسطينيين؟! لنأخذ لأنفسنا من شيلوه تابوت عهد الرب فيدخل في وسطنا
ويخلصنا من يد أعدائنا" اصم3:4.  لذلك يقول رب الجنود "اصلحوا طريقكم
وأعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع؛ لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين: هيكل الرب،
هيكل الرب، هيكل الرب هو" إر3:7، 4. "لكن اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلو
الذي اسكنت فيه اسمي أولاً وأنظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي اسرائيل إر12:7.

1. W.S.  Plumer: Psalms, P.
745.                                                              

 

المزمور 78
والعهد الجديد

          التاريخ
الوارد في المزمور هنا استمر في العهد الجديد الذي اقتبس منه الكثير:

          *
اقتبس السيد المسيح عدد 2 من المزمور (مت35:13)، مقدمًا معنى جديدًا له خلال أسرار
الكلمة.

          *
في ايو1:1-4 يقدم لنا القديس يوحنا ما ورد في ع3 مذكرًا إيانا بضرورة التلاقي مع
الكلمة الإلهي الذي نتلامس معه فيصنع في حياتنا عجائب.

          *
1كو8:10 يشير إلى ع18 حيث يؤكد انه لا يليق بنا أن نجرب الرب.

          *
اقتبس القديس بطرس ع37 عندما وبخ سيمون الساحر الذي أراد أن يقتني مواهب الروح بالمال
(أع21:8).

          *
يظهر ع44 في رؤيا 4:16 كملاك رابع يسكب جام الغضب الثالث على الأرض.  بروح المزمور
نلاحظ ان لحظات الغضب يتبعها اعلان السماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ1:21).

1. Stuhlmueller,  P.
30.                                                                             

 

أقسام
المزمور

          يقدم
لنا هذا المزمور قصيدة تعليمية عن تهيئة القلب لسكني كلمة اللَّه لتصير مقدسًا له،
مركزًا على معاملات اللَّه عبر التاريخ.

1. الأستماع
للكلمة عبر الأجيال        1 – 8.

2. اختبارات
البرية                     9 -32.

3. تذمر
الإنسان وتأديبه               33-37.

4. الرحمة
وسط السخط                38-41.

5. خلاص من
فرعون                  42-51.

6. الدخول
إلى أرض الموعد            52-55.

7. تدهور في
عصر القضاة             56-58.

8. رفضه
شيلوه                        59-64.

9. قيام
مملكة داود                     65-72.

 

العنوان

          "قصيدة
لأساف"
سبق لنا الحديث عن آساف رئيس المسبحين أو المغنين.

          ربما
وضع داود النبي كلمات المزمور وقام آساف كرئيس المغنيين بتلحينه، فنُسب إليه.  على
أي الأحوال، فإن هذا المزمور هو قصيدة تحوَّل التاريخ بما يحمله من معاملات اللَّه
مع مؤمنيه، ولمسات حبه بالرغم من مقاومة الإنسان وتذمره وعصيانه إلى تسبحه مفرحة،
إذ يستخدم اللَّه كل وسيلة لأجل خلاص الإنسان.

          يحمل
التاريخ أيضًا حزم اللَّه وتأديبه للعصاة لكن لا بروح الأنتقام إنما للدخول
بالبشرية إلى التمتع بالمجد المُعد لها.

 

1. الأستماع
للكلمة عبر الأجيال

          يبدأ المرتل
حديثه بدعوة إلى الأستماع لصوت الرب على فمه، قائلاً:

          "اصغِ
يا شعبي إلى شريعتي،

          أميلوا
آذانكم إلى كلام فمي" [1].

          بروح الحب
يشعر ليس فقط الملوك (أو الرؤساء) والأنبياء والرسل أن شعب اللَّه هو شعبهم، إنما
كل مؤمن يدعو المؤمنين "شعبي"، ناسبًا إياهم إليه، ونفسه إليهم. 
فمن حق الرأس أن تنسب كل عنصر إليها، ونفسه إليهم.  فمن حق الرأس أن تنسب كل عضو
إليها، كما من حق كل عضو ــ مهما كان موضعه ــ أن يدعو بقية الأعضاء أعضائة.  لهذا
حُسبت راعوث "مؤمنة" بقولها لحماتها نُعمى: "شعبك شعبي، وفي
حديث يفتاح مع رجال أفرايم قال: " صاحب خصام شديد كنت أنا وشعبي مع
بني عمون وناديتكم فلم تخلصوني من يدهم " قض12:12 وحينما تحدث داود النبي عن
اشتياقه نحو بناء بيت الرب قال: " اسمعوني يا إخوتي وشعبي " 1أي 2:28.

          حسب
المرتل شريعة اللَّه شريعته ينسبها إلى نفسه بكونها رسالة شخصية مقدمة من
اللَّه للمؤمن، لهذا يقول الرسول "إنجيلي" ( رو16:2؛ 25:16؛ 2تي 8:2) إن
كان الكاتب هو داود النبي فإنه إذ يدعو شريعة اللَّه " شريعتي" يعلن
عن حبه الشديد للوصية الإلهية، يعتز بها وينسبها إلى نفسه. إنها ليست أمرًا
مفروضًا عليه، بل هبة مقدمة من اللَّه لتصير من خصوصياته التي يقتنيها لنفسه
ويعيشها بكامل إرادته.

          ولعله
بقوله " شريعتي" يؤكد أنه كنبي وملك يخضع للشريعة مثله مثل كل
عضو في الجماعة المقدسة، أى أنه ليس فوق القانون الإلهي بل خاضع له.

 

          يطلب من
شعبه أن يميلوا بآذانهم لا إلى بعض كلمات فمه بل "إلى كلام فمي"، حاسبًا
كل ما يصدر من فمه إنما يطابق ناموس الرب.  هكذا يتحول المؤمن بأفكاره وكلماته
وأعماله إلى رسالة المسيح المكتوبة لا بحبر بل بروح اللَّه (2كو3:3).

          يمكن
القول ان المتحدث هنا هو السيد المسيح ابن داود، فيوجه حديثة إلى شعبه الذي رعاه
من الأمم، كما قيل في هوشع النبي: "سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست
محبوبة محبوبة" رو25:9.

          يقدم
لشعبه شريعيته وكلام فمه، يتحدث معهم فمًا لفمٍ، أو وجهًا لوجه.

          كان
مسيحنا يتحدث مع الجماهير بأمثال والغاز (مت3:13؛ مر23:3)، مفسرًا إياها لتلاميذه
على انفراد، قائلاً لهم: "لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت اللَّه، وأما
للباقين فبأمثال…" لو10:8.

 

          "أميلوا
آذانكم إلى كلام فمي"
[1].  جاء نفس هذا الفكر في عبارة انجيلية:
"من له أذنان للسمع فليسمع" لو8:8. "سأفتح بمثلٍ فمي"
[2]. 
سأفتح لكم ما هو مغلق بالنسبة لليهود؛ إني أحداثكم بأمثالً، وبدون مثلٍ
لم يكن يكلمهم" مر34:4، أما بالنسبة لتلاميذه، فعلى أي الأحوال كان يشرح لهم
الأمثال على انفراد.

 

          "سأفتح
بمثلٍ فمي"،
ما أتحدث به بأمثالٍ علانية، اخبركم به على انفراد.

          "سأنطلق
بأسرار منذ القدم" [2]،
لأن كلمة "أسرار في النص العبري هى
"الغاز".  كل شيء قبل في لغز، فلم يكذب في الكلمات نفسها بل (لم يفهموا)
معانيها(1).

                                                  
القديس جيروم

1. On  Psalms,  hom.ll.                                               
                        

           "أفتح
بمثل فمي.

          أذيع
الغازًا منذ القدم" [2].

          كلمة
"مثل" في الأصل تعني "التحكم" أو "التسلط"،
لأن الحديث بالأمثال له تأثيره وسلطانه على الفكر والنفس.

          أما
الألغاز فتعني أن الحديث عميق للغاية وغامض لا يدركه إلا من يحبه ويبحث فيه
ويتلذذ به، كما قيل: "يسمعها الحكيم فيزداد علمًا، والفهيم يكتسب تدبيرًا،
لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم" أم5:1، 6.

          أما
كلمة "أذيع" فتعني هنا "أفيض"، وكأن المرتل يمثل نهرًا يفيض
بالأسرار الإلهية على النفوس التي تشتاق إلى المعرفة.

 

          يتحدث
السيد المسيح بأمثال كما بألغاز أي بسرائر إلهية فائقة وخفية، حتى من يطلبها يبحث
فيها فيجد سؤل قلبه.

          يقول
القديس جيروم
ربما يسأل أحد لماذا طبقَّ ما ورد عنها على شخص السيد المسيح،
فيجيب بإنه يجب كمسيحين أن نصدق الإنجيليين لأنهم طبقوه عليه.

          ها
أنتم ترون أن متى الإنجيلي قبل هذا العدو باسم المسيح (مت34:13، 35).  عندما قدم
الرب انه يتكلم بأمثال تفوق ادراك الشعب، يقول ان هذا حدث ليتم الكتاب: "افتح
بمثل فمي، انطلق باسرارٍ منذ القديم".

                                             
  القديس جيروم (1)

1. On  Psalms,  hom. 11.                                                                    

 

          المخلص
نفسه يتكلم هنا، أما في الأعداد الباقية حتى نهاية المزمور فُيفهم انها على لسان
الرسل.  لذلك عندما يقول الرب: "أميلوا آذانكم إلى كلام فمي" [1] يقول:
"أيها الرسل ما تسمعونه همسًا نادوا به على السطوح (مت27:10).  بماذا يجيب
الرسل: "ما نسمعه ونعرفه وما أعلنه لنا آباؤنا"، ما تقوله لنا يارب قد
أعلنه لنا الآباء البطاركة والأنبياء.  ما يعلنه لنا آباؤنا لن نخفيه عن أبنائنا،
بل نعلنه للأجيال القادمة.  غاية حديثهم الكلي أننا نحن أبناءهم نعرف… لقد تكلم
اللَّه معهم لكي يسلموا كلمته لنا…

          هم
علمونا رسالته – نحن أبناءهم – ونحن نعلمها لأبنائنا.

                                   
              القديس جيروم

   On   Psalms,  hom.
11.                                                                        

 

هكذا وإن
كانت كلمة اللَّه مقدمة للجميع، لكي يكون الكل متعلمين من اللَّه، لكن هناك التزام
من جانبنا، كما تسلمنا الإيمان الإنجيلي الحي من الأجيال السابقة بلا انحراف أن
نقدمه لأبنائهم الذين هم أبناؤنا، فيبقى التقليد الحيّ عاملاً عبر الأجيال،
إنجيلاً مقرؤنا من الكل.  لنسمع صوت الرب القائل: "لتكن هذه الكلمات التي أنا
أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصتها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين
تمشي في الطريق، وحين تنام، وحين تقوم" تث6:7، 7.
 

 

          ماذا
قدم المرتل لشعبه؟

          "التي
سمعناها وعرفناها وآباؤنا أخبرونا.

          لا
نخفي عن بنيهم إلى الجيل الآخر،

          مخبرين
بتسايبح الرب وقوته وعجائبه التي صنع"
[3-4].

          لا
يقدم المرتل أوهامًا ولا اختراعات بشرية إنما خبرة حياة عاشها هو وآباؤه من قبله
كحياة معاشه مُسلمة خلال التاريخ والتقليد الحيّ.

          إن
آباؤنا – حسب ما أمرهم الرب الإله – لم يخفوا شيئًا عن أولادهم الذين أتوا بعدهم
بجيلٍ آخر، لكنهم أخبروهم بجميع ما صنع الرب مما يوجب له السبح والحمد دائمًا.

                                       
   أنتيموس أسقف أورشليم

 

          إنهم يخبرون
بتسابيح الرب وقوته وعجائبه.  غالبًا ما ينشغل الإنسان بالعجائب يُبهر بها ثم بقوة
الرب وأخيرًا تسابيحه، لكن المرتل يضع التسابيح أولاً ثم قوة الرب فعجائبه.  فإن
أهم ما يقدمه المؤمنون لأبنائهم هو روح التسبيح والفرح، لتنعم الأجيال الجديدة
بخبرة الحياة السماوية المتهللة عندئذ تدرك قوة اللَّه وتؤمن بعجائبه الفائقة.

         

          ما
قدمه آباؤنا لنا كتقليدٍ حيَّ، أي كإيمانٍ مترجم في أفكارنا ومشاعرنا وكلماتنا
وأعمالنا يلزم تسليمه لأولادنا بذات الروح الحيَّ هذه هي شهادتنا للأجيال لا بوجود
خيمة الشهادة أو الشهادة في وسطنا، حيث نقلها داود إلى مدينته، بل بإعلان سكني
اللَّه في قلوبنا وحلوله وسط شعبه…  هذا هو التقليد الذي نسلمه.

          "أقام
شهادة في يعقوب،

          ووضع
شريعة في إسرائيل التي أوصى آباءنا أن يعرفوا بها أبناءهم،

          لكي
يعلم الجيل الآخر.

          بنون
يولدون فيقومون ويخبرون أبناءهم" [5-6].

          هذا
هو عمل كنيسة اللَّه (يعقوب الجديد أو إسرائيل) ألا وهو الشهادة للحق الإلهي،
شهادة أمام العالم لخلاصه، وشهادة عبر الأجيال.

         

          يقول
أنتيموس أسقف أورشليم ان اللَّه قدم شريعيته والخيمة وتابوت العهد كشهادة
ليحفظوا ميثاقه، لكن إذ كسروا العهد قدم جسد ابنه الوحيد ودمه شهادة حية في
كنيستة.

          المؤمن
الحقيقي يشبه شمعة تشهد للنور الإلهي بالنور المتقد حتى النهاية، لكنها لكي تحتفظ
به يليق بها أن تشعل شموعًا حولها، وهكذا يبقى النور الإلهي عاملاً في شموعٍ
كثيرة…  فلا ينطفىء قط.  من يحتفظ بالنور دون تسليمه لشمعة أخرى ينتهي حتمًا
ويفقد النور.

 

          خلال
الإيمان الحي والميلاد الروحي والإفخارستيا صار لنا شهادة حية عن عمل اللَّه
المملوء حبًا نحو البشرية كلها، أما غاية هذه الشهادة فهي بعث روح الرجاء فيهم
فيعتمدون على اللَّه مخلصهم، لا على الأذرع البشرية.

          "فيجعلون
على اللَّه اعتمادهم، ولا ينسون أعمال اللَّه بل يحفظون وصاياه.

          ولا
يكونون مثل آبائهم جيلاً زائغًا وماردًا لم يثبت قلبه ولم تكن روحه أمينة
للَّه" [7-8].

          غاية
الشهادة هى الرجاء في الرب بكل القلب في أمانة وطاعة دون عصيان أو تذمر متذكرين
أعمال اللَّه وحافظين وصاياه بهذا لا يفعلون ما فعله الشعب في البرية حيث ارتكبوا
أربع خطايا رئيسية:

* كان جيلاً
زائغًا، أي مرتدًا عن الإيمان (حيث عبدوا العجل الذهبي)، انحرفوا عن ايمان أبيهم
ابراهيم الذي دخل مع اللَّه في عهدٍ.

* كان جيلاً
ماوردًا، أي متذمرًا.

* لم يثبت
قلبه، إذ يحمل روح الخيانة ففكروا في قتل موسى وهرون، لذا عجز عن أن يطلب اللَّه.

*  لم تكن
روحه أمينة للَّه، إذ كانوا يسلكون برياء، فكانوا كمن هم في مهيب الريح أو من
تقصفه العواصف، وتحركه الأمواج بلا هدف.

          لماذا
يقول النبي "زائغًا"؟ لأن ذاك الجيل صار قوسًا بهدفٍ باطل، لأن القوس لا
يُصوب قط ضد من يضرب السهم بل ضد الأعداء.  مع أن هذا الجيل قد خلقه اللَّه
صالحًا، وأمسك به في يده كقوس يضرب أسهمه، ولا أنه أُسي توجيهه مثل قوسٍ غادرٍ
(مز57:78) يجدف ضد خالقه.

          "جيل
لم يثبت قلبه". 
إلى هذا اليوم إسرائيل مقاوم.

          "لم
تكن روحه أمينة للَّه"،
لأن إسرائيل لم يقبل هذا الإبن؛ إسرائيل لم يتقبل
الروح القدس.

                                                   
القديس جيروم

On  Psalms,  hom.
11.                                                                           

2. اختبارات البرية

          إذ دعاهم
المرتل للأستماع قدم لهم خبرات آبائهم عبر التاريخ فبدأ بمعاملات اللَّه معهم خلال
البرية، في طريق جهادهم بعد الخروج من مصر منطلقين نحو أرض الموعد.

          ا
. تحدث عن موقف أفرايم المتسم بكثرة العدو مع القوة كيف انهزم في الحرب لعدم حفظه
عهد اللَّه، وعدم سلوكه في الوصية الإلهية مع نسيانه عمل اللَّه وعجائبه.

          "بنو
أفرايم أوتروا ورموا يا نفسي؛

          انهزموا
في يوم الحرب،

          لم
يحفظوا عهد اللَّه، وأبوا السلوك في شريعته.

          ونسوا
أفعاله وعجائبه التي اراهم"
   

 سيرى أغلب
الشرَّاح أن المقصود بافرايم هنا كل الأسباط معًا.  ربما يشير هنا إلى الهزيمـة
التي لحقت بهم في أيام عالي الكاهن (1صم10:4، 11). 

          لندرس
النبي هوشع  لنكتشف أن كل نبوته هى ضد أفرايم.  يقول فيها: "صار أفرايم
كحمامة وعناء بلا قلب" هو11:7.  لاحظ أنه يقارنه بحمامة غبية، إذ ترك أفرايم
الهيكل وسكن في الغابات.  فإن الحمام يعيش دائمًا في الأبراج، أما افرايم حمامتي
بالحق فقد هجر الهيكل، ترك البيت ليعيش في الغابات، فصار يسكن في البرية.

                                                 
 القديس جيروم

                           
On Psalms, hom.11.                                                                                                
                                                                        

          يمكننا
القول ان أبناء أفرايم هم كل الهراطقة.  إنهم أولئكالذين انسحبوا من بيت اللَّه،
هجروا داود ومملكة داود ويعيشون في البرية.  إنهم يُدعون حمامًا، وللتأكد من ذلك
فإنهم وإن كانوا يقرأون الكتب المقدسة إلا أن قراءتهم غبية…

          بنو
أفرايم نظموا درجات من رجال القسي…  لكنهم إنهزموا في يوم المعركة. إنهم لا
يعرفون ذاك القائل: “سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم” يو27:14، بل لا يعرفون
كيف يتكلمون ببلاغة.  ينطقون بالكلمات بإسهاب، لكن فليحذروا من هذه الكلمات: “شتت
الشعوب الذين يسرون بالقتال” مز31:67 “

                                                  
القديس جيروم

                                         
On  Psalms,  hom. 11.     

 

"لم
يحفظوا عهد اللَّه" [10].

          أخرجهم
الرب من أرض العبودية ليقيم معهم عهدًا ويدخل بهم إلى أرض الموعد كرمزٍ للدخول إلى
كنعان السماوية، لكنهم كسروا العهد، وعجزوا عن تقديم شهادة حية عنه، بالرغم من
تعهدهم: "كل ما تكلم به الرب نفعل"

         

          "أبوا
السلوك في شريعته" [10].

          استلموا
للعبادة الوثنية واستشهدوا رجاساتها وتمردوا على شريعة الرب، وعصوا وصيته.

         

          "ونسوا
أفعاله وعجائبه التي أراهم" [11].

          أساس النكث
بالعهد وعصيان الوصية الإلهية هو نسيان إحسانات اللَّه وعجائبه معهم ومع آبائهم.

 

          "قدام
آبائهم صنع أعجوبة في أرض مصر" [12].

          ينسي
الهراطقة أباهم وأعماله العجيبة في ارض مصر، في ظلمة هذا العالم قد نسوا كيف
بخلاصه وُلدوا من جديد في الكنيسة.  وبعد ولادتهم الجديدة لم تشبعهم الكنيسة.

                                               
      القديس جيروم

                                
On  Psalms,  hom. 11.                        

 

          "شقَّ
البحر فعبَّرهم" [13].

          سار الرب
على البحر، وهدَّأ الأمواج وعبَّرنا…  إلى هذا اليوم أيها الراهب الأمين عندما
تُقاد من مصر يُشق البحر، وهكذا تعبر أنت.

 

          "ونصب
المياه كندٍ" [13].

          بذراعه
الإلهية الرفيعة شق البحر وصنع أسورًا بلورية من كل جانب حتى لا تنزل قطرة ماء
عليهم حتى
يعبروا.                                                                            

                                                     
القديس جيروم

                                              
On  Psalms,  hom. 11.  

 

          "وهداهم
بالسحاب نهارًا" [14].

          الرب راكب
على سحابة خفيفة في طريقه إلى مصر" إش1:19.  يلزمنا أن فكر في هذه السحابة
الخفيفة التي تناسب جسد المخلص، لأن جسده كان خفيفًا، لم يتثقل بأية خطية، أو
بالتأكيد القديسة مريم التي حملت طفلاً بغير زرع بشر. هوذا الرب يدخل مصر هذا
العالم على سحابة خفيفة، أي البتول
(1).                                                       

                                                    
القديس جيروم

                                                
On Psalms, hom .11.  

 

          "وهداهم
بالسحاب نهارًا" [14].

          يا له من
قولٍ رائعٍ "نهارًا"، لأن السحابة لم تكن قط في ظلمة بل كانت
نورٍ.

          "والليل
كله بنور نارٍ" [14]…

          الرب إلهكم
نار آكلة (تث24:4؛ عب29:12)…  الذين يبنون خشبًا وقشًا وعشبًا على أساس المسيح
(اكو12:3) يكون الرب بالنسبة لهم نارًا آكله. للنار طبيعة مزدوجة: تعطى نورًا
وتحرق.  إن كنا خطاة  تحرق، إن كنا أبرارًا تضيء لنا

                                                     
القديس جيروم
 

    On
Psalms, hom.11.

         

          هكذا
كان اللَّه بالنسبة لشعبه سحابة في النهار تحميهم من ضربات شمس التجارب لكنها لا
تدخل بهم إلى الظلمة، ونور نارٍ بالليل يكشف لهم الطريق ويقودهم إلى نوره الأبدي،
ويكون سور نارٍ يحميهم (زك5:2) من سهام العدو النارية.

 

"شقَّ
صخورًا في البرية"

          ضُربت
الصخرة في البرية من أجلنا.  ضُربت الصخرة وتفجر ماء، تلك الصخرة التي تقول:
"إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" يو37:7، 38.  وفي داخله تجري أنهار…

          في
البرية حيث لا يوجد ماء فاض لنا ماء بغزارة.

                                                     
القديس جيروم

                      
On  Psalms,  hom.
11.                                           
 

 

 "ثم
عادوا ليخطئوا إليه

لعصيان
العلي في الأرض الناشفة" [17].

          كلمة "عادوا"
تشير إلى تكرار العصيان.  والعجيب أنه قدر ما اهتم اللَّه بهم وقدم لهم فوق
احتياجاتهم، صانعًا عجائب أذهلت الأمم المحيطة بهم إلى أجيال طويلة، كانوا يخطئون
إليه ويعصونه.  لقد دخل بهم إلى "الأرض الناشفة"، أي إلى البرية
حيث لا توجد أية إمكانيات للحياة في ذلك الحين فيلجأون إليه.  لم يتركهم معتازين
شيئًا، وبقدر ما أفاض عليهم من العطايا أفاضوا هم من قلوبهم شرورًا ومقاومة للحق.

 

          "وجربوا
اللَّه في قلوبهم بسؤالهم طعامًا لشهواتهم.

          فوقعوا
في اللَّه.

          قالوا:
هل يقدر اللَّه أن يرتب مائدة في البرية؟

          هوذا
ضرب الصخرة فجرت المياه، وفاضت الأدوية.

          هل
يقدر أيضًا أن يعطي خبزًا؟!

          أو
يهيء لحمًا لشعبه؟!" [18-20].

          ليس من حق
الخليقة أن تجرب خالقها، لكنه في حبه للإنسان قدم له الحرية، فأساء استخدامها. 
لقد جرَّب خالقه.

          أعطاهم
اللَّه مياهًا بفيض،  فصاروا يجربونه في قلوبهم إن كان يقدر أن يقدم لهم مائدة من
اللحم عوض المن النازل من السماء.

         

          عوض
أن يشكروه ويسبحوه على المن اليومي والصخرة التي كانت تتبعهم لتفيض عليهم ينبوع
مياه جارية متجددة، جربوا الرب، فطلبوا لحمًا كشهوة للذة عوض المن النافع
واللذيذ.  إنه لم يتركهم جائعين، لكنهم طلبوا ما يشبع شهواتهم، وفي عدم إيمان ظنوا
ان الذي قدم لهم المن والماء لا يقدر ان يقدم لهم مائدة حسب رغباتهم الغبية.  لقد
أهانوا قدرة اللَّه وأساءوا إلى عنايته الإلهية.

          لم
ينكروا ما يصنعه معهم من عجائب ترافقهم، لكن عدم الإيمان سيطر على قلوبهم
وأفكارهم.

 

          "لذلك
سمع الرب فغضب،

          واشتعلت
نار في يعقوب،

          وسخط
أيضًا صعد على إسرائيل.

          لأنهم
لم يؤمنوا باللَّه ولم يتكلوا على خلاصه" [21-22].

          إذ كان
اللَّه حالاً في وسطهم يرعاهم كأب قدير وحكيم يهتم بابنائه حسب كلمات قلوبهم هذه
إهانة وجديف موجه ضده لهذا غضب واشتعلت نيران غضبه وسخطه لا للأنتقام وإنما
لفقدانهم الإيمان وعدم تمتعهم بخلاصه المجاني.

          خطيتهم
هى "عدم الإيمان"، مع أنه كان ملموسًا بأعمال حبه وعجائبه معهم!

 

          "فأمر
السحاب من فوق وفتح مصاريع السموات.

          وأمطر
عليهم منًا للأكل،

          وُبرَّ
(وخبز) السماء أعطاهم.

          أكل
الإنسان خبز الملائكة.

          أرسل
عليهم زادًا للشبع" [23-25].

          لقد انفتحت
مخازن السماء العظيمة على مصراعيها وهطلت عليهم منَّاٍ جديدًا لم يعرفوه من قبل،
نزل إليهم ليكون في متناول أيديهم. لم يتعبوا في زرع أو حصاء أو طحن أو أعداء
الطعام، لكنه كان مائدة معدة للطعام الفوري.  قدم اللَّه طعامًا يأكل منه الكل بلا
تمييز بين غني وفقير، كبير وصغير، الكل يجد فيه كفايته.

v      
"أكل الناس خبز الملائكة"
(راجع مز 78: 25). يبدو لي أن الخبر يلزم فهمه أنه وصايا الله الثابتة، والخمر هو
معرفة الله خلال التأمل في الكتب المقدسة[16].

القديس
ديديموس الضرير

"أهاج
شرقية في السماء،

          وساق
بقوته جنوبية.

          وأمطر
عليهم لحمًا مثل التراب،

          وكرمل
البحر طيورًا ذوات أجنحة.

          وأسقطها
في وسط محلتهم حوالي مساكنهم.

          فأكلوا
وشبعوا جدًا وأتاهم بشهوتهم" [21-29].

          إن كان عدو
الخير قد دُعي "رئيس سلطان الهواء"، فإن اللَّه صاحب السلطان على الهواء
والعواصف والأنواء.  فقد حرك الرياح نحو الشرق والجنوب لتسوق الطيور في الأتجاه
المطلوب، نحو المحلة.

          كثيرًا
ما نصف الرياح انها متقلبة، لكنها في يد ضابط الكل الذي تشغله رياح نفوسنا الداخلية… 
هو وحده قادر أن يوجهها لبنياننا، ويهدئها في الوقت المناسب.

          لم
يمطر اللَّه عليهم نارًا بسبب عدم إيمانهم، لكنه في طول أناته أمطر عليهم لحمًا،
ارسل لهم طيور سلوى بلا عدد مثل التراب ورمل البحار.  قدم لهم شهوة قلوبهم لعلهم
يتوبون ويندمون على أفكار قلوبهم الجاحدة وغير المؤمنة.

          ارسل
لهم السلوى واسقطها لهم في وسط محلتهم حوالي مسكانهم حتى لا يضطروا إلى قطع مسافات
لصيدها. 

          عوض
الندامة أكلوا وشبعوا جدًا؛ أكلوا بشراهة حتى التخمة.  رفضوا الأكل الصحي
"المن" وأكلوا بشراهة اللحم الذي كان لضررهم صحيًا.

 

          "لم
يزوغوا عن شهواتهم،

          طعامهم
بعد في أفواههم

          فصعد
عليهم غضب اللَّه،

          وقتل
مِنْ أسمنهم.

          وصرع
مختاري إسرائيل.

          في
هذا كله أخطأوا بعد ولم يؤمنوا بعجائبه" [30-32].

          اشتهوا،
والشهوة حبلت وولدت خطية النهم مع الجحود، وجاء الثمر موت جسدي وروحي.  تحولت
الوليمة إلى جنازة شبه جماعية فقد مات السمان والمختارون، ربما لأنهم كانوا أكثر
شراهة في الأكل، أو لأنهم تزعموا حركة التمرد والتذمر على اللَّه.  لم يقتلوا بحد
السيف، إنما قتلهم نهمهم واشتعال شهواتهم الردئية.

          لقد
اخطأوا ولم يتعظوا، رأوا القتلى بالشهوات الرديئة مع هذا لم يرجعوا إلى إلههم صانع
العجائب.

 

3. تذمر
الإنسان وتأديبه

          "فأفنى
أيامهم بالباطل وسنيهم بالرعب". [33].

          لقد قضوا
أربعين سنة في رحلتهم من مصر إلى كنعان، هذه الرحلة التي لم تكن تحتاج إلا إلى عدة
أيام، فأفنى اللَّه أيامهم بالباطل وسنهم الرعب.  هذا هو ثمر عدم الإيمان والجحود
والتذمر: حياة باطلة، مملوءة فراغًا، بلا ثمر.  أما إذا رجع الإنسان إلى إلهه
بالتوبة فيتمتع بالوعد الإلهي: "وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد
الغوغاء والطيار والقمص، جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم" (يوئيل25:2).

          إذ
رفضوا الإيمان، ففي عدم إيمانهم ارتبطوا بالباطل الذي أفنى أيامهم كأنهم عاشوا بلا
هدف.  وكما أن عدم الإيمان حوَّل رحلتهم في البرية إلى تيه، فلم يستطيعوا البلوغ
إلى أرض الموعد، هكذا دفع بهم إلى الرعب والموت [33].

          تحولت
البرية إلى مكان رهيب، ومقبرة تضم اعدادًا بل حصر، بل تلقفت كل الجيل الخارج من
مصر ماعدا يشوع بن نون وكالب بن يفنة.

 

          يقول
اللَّه "أفني أيامهم بالباطل"…  إنه لا يشاء موتهم لكنهم بكامل
حرية إختيارهم سلكوا طريق عدم الإيمان، مضاروا باطلاً وفنيت حياتهم.

          سمح
بقتلهم للتأديب…  وإذ رأوا الموت يحصد السمان منهم والمختارين بكروا إلى اللَّه
يعلنون توبتهم بألسنتهم دون قلوبهم، فسقطوا في خطايا الخداع والكذب والرياء.

          إذ
حل بهم التأديب تذكروا أن اللَّه صخرتهم، فيه يحتمون، والعلي وليَّهم المتهم بهم،
فجاءوا إليه كأتقياء من الخارج، أما قلوبهم فلم تثبت معه.

          هذا
هو قانون الطبيعة البشرية بعد فسادها، حين يقدم لها هبات مجانية بسخاء تتذمر
وتجحد، وحين يؤدب كمن يقتل ترجع وتطلب اللَّه وليَّها خوفًا من التأديب وليس شوقًا
إليه، تطلبه ليس بكل القلب، لذا يعاتبها: "وقد أذلت عظمة إسرائيل في وجهه وهم
لا يرجعون إلى الرب إلههم، ولا يطلبونه مع كل هذا" (هو10:7).

          هذا
ما يكشفه تاريخ إسرائيل الطويل مع اللَّه، إنهم يدخلون معه في عهدٍ لكنهم لا
يهتمون بالحفاظ عليه، إنما يكسرونه بلا سبب.

          رجعوا
إليه بعد التأديب يعلنون توبتهم بالكلام لا العمل، فصاروا مخادعين وكذبة.

 

          إذ
قتلهم طلبوه،

          ورجعوا
وبكروا إلى اللَّه.

          وذكروا
أن اللَّه صخرتهم، واللَّه العلي وليهم.

          فخادعوه
بأفواههم وكذبوا عليه بألسنتهم.

          أما
قلوبهم فلم تثبت معه،

          ولم
يكونوا أمناء في عهده" [34-37].

          يعاتبهم
اللَّه في سفر إشعياء قائلاً: "حينما تأتون لتظهروا أمامي من طلب هذا من
أيديكم أن تدوسوا دُوري…  فحين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم، وإن أكثرتم
الصلاة لا أسمع" إش12:1، 15.  إنه يطلب الرجوع من كل القلب حتى يقبل عبادتهم
رائحة بخور طيبة. 

          لنحذر
من الصلاة للمسيح بأفواهنا مع بقائنا صامتين بحياتنا.

          من
الذي يصلي للمسيح؟

          الشخص
الذي يرفض الملذات العالمية.

          الشخص
الذي يقول بسلوكه لا بالكلمات:

          "قد
صُلب العالم بي، وأنا للعالم" غلا14:6.

          الشخص
الذي يعطي الفقير بسخاء (مز9:112).

                                                   
القديس أغسطينوس

                
Sermon 88                                                                

          على
أي الأحوال لا تسأل ولا تطلب ولا تقرع بصوتك فقط، وإنما بحياتك أيضًا.

          مارس
الأعمال التي بدونها لا تكون لك حياتك.

                                                 
القديس أغسطينوس

                             
Sermon  Marin 16:8.                               

 

4. الرحمة وسط السخط

          "أما
هو فرؤوف يغفر الإثم ولا يهلك،

          وكثيرًا
ما ردَّ غضبه ولم يشعل كل سخطه" [38].

          بالرغم من
كذبهم وريائهم لكنه إله رؤوف طويل الأناة يشتهي خلاص البشرية لا هلاكها، لذلك
كثيرًا ما يرد غضبه مقدمًا فرصًا للتوبة.  حقًا لولا مراحم اللَّه علينا من يقدر
أن يخلص؟

 

          يرى
الربييّن (
Kiddusin 30a) أن العبارة 38 هي مركز السفر كله، إذ تأتي في المنتصف تمامًا،
وهي تعلن عن عمل اللَّه الخلاصي العظيم في التاريخ كمركز للصلاة والعبادة.  كانت
هذه العبارة التي تتحدث عن حنو اللَّه الغافر للخطايا والذي يرد غضبه عن الإنسان
مع العبارتين التاليتين وتردد عندما يؤدب إنسان بأربعين جلدة إلا واحدة:

          "إن
لم تحرص لتعمل بجميع كلمات هذا الناموس المكتوبة في هذا سفر لتهاب هذا الاسم
الجليل المرهوب الرب إلهك؛يجعل الرب ضرباتك وضربات نسلك عجيبة ضربات عظيمة راسخة
وأمراضًا ردية ثابتة" تث58:28، 59 (1).

 

          "ذكر
أنهم بشر، ريح تذهب ولا تعود"
[39].

          وقد
جاءت العبارتان [38-39] تتحدث عن توبة بلا معنى، تحمل خداعًا، فيُقال لهؤلاء
الحاملين مظهر التوبة: "ماذا أصنع بك يا افرايم؟! ماذا أصنع بك يا يهوذا؟!
فإن إحسانكم كسحاب الصبح وكالندى الماضي باكرًا" هو4:6.

          في
محبته الفائقة يذكر اللَّه ضعف الإنسان، إنه كالريح يذهب ولا يعود، أشبه بنفخة،
لذايستحق إظهار الحب الإلهي والحنو عليه حتى يتقوى ويثبت.

1. Stuhmuller,  P.
27.                                                                              

 

          "كم
عصوه في البرية وأحزنوه في القفر؟!

          رجعوا
وجرَّبوا اللَّه وعنَّوا قدوس إسرائيل" [40-41].

          لقد خرج بهم
إلى البرية ليعلن لهم عن رعايته الفائقة لهم، ولكي يجدوا غيره ملجأ، ومع ذلك
تمردوا عليه مرارًا كثيرة، فحزن عليهم بسبب خطاياهم عوض التمتع بمسيرة اللَّه معهم
ليحول لهم البرية إلى فردوس، جعلوا من البرية موضع حزن للَّه عليهم.

          رجعوا
بقلوبهم لا إلى اللَّه بل إلى قدور اللحم التي في مصر، إلى حياة العبودية، ولم
يكفوا عن أن يجربوه، "وعنَّوا قدوس إسرائيل"، إذ شكوا في قدرته
الإلهية.  لهذا يعاتبهم قائلاً: "جربوني الأن عشر مرات، ولم يسمعوا
لقولي" عد22:14.                  

 

  5. خلاص
من فرعون

          لكي نثبت في
الإيمان ونمارس الحب يلزمنا أن نمتلئ رجاءً في الرب بتذكرنا بمعاملاته السابقة
معنا، لذا يقول:

          "لم
يذكروا يده  يوم فداهم من العدو،

          حيث
جعل في مصر آياته وعجائبه في بلاد صوعن" [42-43].

          مع أنه لم
يكن من السهل نسيان أعماله، لكن الخطية أتلفت ذاكرتهم من جهة إحسانات اللَّه
وبركاته عليهم.  وقد جاءت الوصية: إنما احترز واحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور
التي أبصرت عيناك، ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك" تث9:4.  لهذا يقول
الرسول بولس الذي لم يفارق الصليب قلبه ولا ذاكرته: "أنتم الذين أمام عيونكم
قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" غلا1:3.

          يذكرهم
بالضربات التي حلت بفرعون وشعبه بسببهم داعيًا إياها آيات وعجائب.

 

          "إذ
حوَّل خلجانهم إلى دم ومجاريهم لكي لا يشربوا" [44].

          تحول نهر
النيل بقنواته (مجاريه) من عطية إلهية لحياة المصريين إلى دمٍ يعلن عن غضب
اللَّه، ويبث بن المصريين روح الرعب والهلاك.

          كان
المصريون يعبدون نهر النيل كإله واهب الحياة، فصار مصدر نجاسة (الدم)، ومصدر موت!

 

          "أرسل
عليهم بعوضًا فأكلهم،

          وضفادع
فأفسدتهم" [45].

          هاجمتهم
أسراب البعوض لتحول حياتهم إلى عذابٍ، لم تخف هذه الأسراب جيش فرعون ولا أسلحته
ولا ارتبكت أمام سلطانه وجلاله.

          عوض
اصطياد السمك من نهر النيل فاض بالضفادع التي هاجمت كل موضع، تدخل إلى حجرات النوم
كما إلى موائد الأكل.  حتى الضفادع التي قتلوها إذ جُمعت في اكوامٍ انتنت وتفشى
المرض بسببها.

 

          "اسلم
للجروم غلتهم وتعبهم للجراد" [46].

          هاجمت
الحشرات نباتاتهم، وما فضل عن حشرة التهمته غيرها…  هكذا ذهب تعبهم هباءً، صارت
محصولاتهم مأكلاً للجراد وغيره من الحشرات.

                                        
                                    "أهلك بالبرد كرومهم وجميزهم 
بالصقيع" [47].

          كانت الكروم
شراب الأغنياء والجميز طعام الفقراء، وكأن هذه الضربة قد أصابت الأغنياء والفقراء
معًا في أكلهم وشربهم.

          نزول
البرد والصقيع ليس بظاهرة مألوفة في مصر، لكن اللَّه يغير نواميس الطبيعة لتأديب
الأشرار.

 

          "ودفع
إلى البرد بهائمهم،

          ومواشيهم
للبروق" [48].

          ماتت
المواشي بسبب غضب الطبيعة على الإنسان في شره التي هاجت لتصيب البهائم بالبرد
والبروق.

          "أرسل
عليهم حمو غضبه سخطًا ورجزًا وضيقًا جيش ملائكة أشرار" [49].

          أرسل اللَّه
الملاك المهلك لقتل ابطار المصريين إذ قتل فرعون ورجاله الأطفال الذكور
للعبرانيين.

          "مهد
سبيلاً لغضبه،

          لم
يمنع من الموت أنفسهم،

          بل
دفع حياتهم للوبأ.

          وضرب
كل بكرٍ في مصر

          أوائل
القدرة في خيام حام" [50،51].

          لقد حل
الغضب بهم على درجات لعلهم يتوبون حرمهم تارة من ماء الشرب، وأخرى ازعجهم
بالضفادع، وثالثه ضرب مواشيهم ومحاصيلهم واخيرًا أخذ أبكارهم دون استثناء، فدخل
الحزن إلى كل بيت، من قصر فرعون إلى الأسير في داخل السجن.

 

6. الدخول
إلى أرض الموعد

          "وساق
مثل الغنم شعبه،

          وقادهم
مثل قطيع البرية" [52].

          إذ ضرب
فرعون قاسي القلب وشعبه العنيف مستخدمًا كل وسيلة، النهر بمياهه التي تحولت إلى
دم، الحشرات كالبعوض والجراد لاقلاق راحتهم، السماء بالبرود والبروق، الملائكة
لأهلاك الأبكار إلخ…  الأن وقد أهلك الذئاب العنيفة قاد الذين كانوا تحت المذلة
كغنم وقطيع تحت رعاية راعٍ صالح سماوي يصطحب قطيعه ويقوده من أرض العبودية إلى
أرضٍ تفيض لينًا وعسلاً.

          منذ
البداية دخل بهم إلى قاع البحر وأخرجهم يسبحون ويرتلون حتى يطمئنوا أنهم محفوظون
في وسط البرية، في آمان أكيد.

 

          وهداهم
آمنين فلم يجزعوا،

          أما
أعداؤهم فغمرهم البحر" [53].

          مفارقة
عجيبة الضعفاء صاروا في آمان متهللين بلا حذف، وأصحاب السلطة والقوة هائلين في قاع
البحر.

          "وادخلهم
في تخوم قدسه هذا الجبل الذي اقتنته يمينه" [54].

          قادهم إلى
حدود الأرض المقدسة، إلى الموضع الذي يقيم فيه هيكله، ويجعل من جباله جبالاً
مقدسة.

          إنها
صورة رائعة لرعاية اللَّه لنا ونحن في برية هذا العالم حيث يدخل بنا إلى عربون
السمويات، ونتمتع بالمقادس الإلهية.

 

          "وطرد
الأمم من قدامهم،

          وقسمهم
بالحبل ميراثًا،

          وأسكن
في خيامهم أسباط إسرائيل" [55].

          طرح الشعوب
ليهبهم الأرض ميراثًا يقيمون فيها بيوتهم ويتمتعون بثمارها؛ هذا ما تحقق على يدي
يشوع بن يونه.

 

7. تدهور في
عصر القضاة

          إذ استقر
الشعب وورث عوض أن يشكر ويسبح اللَّه سقطوا في العبادة الوثنية وانحرفوا إلى
الرجاسات، وذلك في عصر القضاة.

          "فجربوا
وعصوا اللَّه العلي،

          وشهاداته
لم يحفظوا.

          بل
ارتدوا وعذروا مثل آبائهم،

          انحرفوا
كقوسٍ مخطئة.

          أغاظوه
بمر تفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم" [56-58].

          استقروا في
أرض الموعد لكن قلوبهم وأفكارهم بقيت جائلة بعيدًا عن اللَّه، تطلب الملذات
الزمنية وشبع الشهوات خلال العبادة الوثنية.

          دخولهم
إلى كنعان وتمتعهم بالنصرات المتوالية لم ينزع عنهم روح الأرتداد والغدر.  كرروا
تاريخ آبائهم العصاة، ومارسوا خطاياهم، ولم يحفظوا العهد مع اللَّه.  نقلوا فسادهم
معهم إلى أرض الميراث.  فصاروا كقوس تضرب بالسهام بلا هدف.

 

8. رفضه
شيلوه

          "سمع
اللَّه فغضب ورذل إسرائيل جدًا.

          ورفض
مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس.

          وسلَّم
للسبي عزه وجلاله ليد العدو

          ودفع
إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه

          مختاروه
أكلتهم النار،

          وعذاراه
لم يحمدون.

          كهنته
سقطوا بالسيف،

          وأرامله
لم يبكين" [59-64].

          ما
ورد هنا هو تذكار ما حدث في أيام عالي الكاهن حيث فارق مجد الرب الحقيقي شعبه، إذ
أسر الفلسطينيون تابوت العهد (1صم)، وانكسرت رقبة عالي الكاهن، ومات ابناه في
الحرب وانجبت زوجة فينحاس ابنا دعته ايخابود الذي يعني "زال المجد"
اصم21:4، 22.

          إن
كان اللَّه قد غضب على شعبه لأنه تمرد مرارًا وهو في البرية يتمتع برعاية اللَّه
الفريدة، وكم بالأكثر يغضب بل ويرذله جدًا لأنه لم يتعلم من الماضي بل حمل نفس
الروح في ارض الموضع.

         

          أعلن
عن رذله لشعبه برفضه مسكن شيلوه حيث كانت خيمة الأجتماع، لأنه ارتكبت ابشع الخطايا
في أبواب الخيمة، كما أُقيمت السواري فوق كل تلٍ عالٍ، لهذا ارتحل المجد وحلّ
بدلاً منه "ايخابود" (زوال المجد).

          أكد
اللَّه خطورة الموقف بتسليم تابوت العهد الذي يمثل عزه للسبي الفلسطيني.  لقد فضل
اللَّه أن يحتمل إهانة الأعداء الذين ظنوا أن إلههم داجون قد غلب إله إسرائيل
واستولى على تابوت عهده عن أن يحتمل خيانة شعبه الذين تمتعوا بعجائبه.

          سقط
ثلاثون ألفًا من الشعب بالسيف (1صم10:4) لأنه لم يعد اللَّه عونًا لهم مع أنهم
خاصته وميراثه.  غيرته عليهم دفعت إلى تأديبهم حتى وإن بدى التأديب قاسيًا.

         

          "مختاروه
أكلتهم النار"،
إي نار غضب اللَّه على شعبه الجاحد، فسلمهم لنار الحرب.

          "وعذاراه
لم يحمدن"،
إذ أكل السيف الشبان في الحرب بقيت العذارى بلا زواج، ولم
يُسمع أفواههن أغاني الفرح، وكما جاء في إشعياء النبي: "تمسك سبع نساء برجلٍ
واحدٍ في ذلك اليوم قائلات: نأكل خبزنا ونلبس ثيابنا، ليُدع فقط اسمك علينا، انزع
عارنا" إش 1:4.

          أما
الكهنة الذين سقطوا بالسيف فيقصد بهما حفنى وفينحاس ابنا عالى.

          "وأرامله
لم يبكين"،
إذ لم يحزن على فقدان ازواجهن لأن حزنهمن على ما حلّ بالشعب
ككل ابتلع كل حزن شخصي. وكأنه لم تجد العذارى فرصة للفرح لأن الشباب قد ضربه سيف
العدو، ولم تجد العذارى فرصة للنوح لأن هول الكارثة العظمى للشعب قد حطمهم وشغلهم
عن حزنهم على أزواجهن.

v      
"كهنتهم سقطوا بالسيف، وأراملهم لم
يبكين" (راجع مز 78: 64). نقرأ أنه أثناء السبي (سبي الفلسطينيين لهم) مات
ابنا عالي بالسيف بواسطة الغرباء (1 صم 4: 17). إذ صارت زوجة أحدهما أرملة، فجأة
ولدت وماتت. هكذا حدث أن أرملته رحلت غير مأسوف عليها، إذ كان الكل مشغولين بالموت
المنتشر[17].

كاسيدروس

9. قيام
مملكة داود

          سرعان ما
تمر فترة التأديب لينعم الشعب ببداية جديدة حيث يهب شعبه قوة القيامه.  يبدو
اللَّه كنائم يستيقظ ليعمل بقوة في حياة شعبه.

          "فاستيقظ
الرب كنائمٍ كجبارٍ معيط من الخمر" [65].

          في الغرب
تستخدم هذه العبارة مع العبارة "وبنى مثل مقدسة مثل مركب
rehinoceros كالأرض
التي اسسها إلى الأبد"
في ليتورجية عيد القيامة
أو الفصح المسيحي في الصباح، حيث تعلنان العبارتان عيد قيامة السيد المسيح كأنها
استيقاظ من النوم، ليس للموت سلطان عليه.  إنه يستيقظ كجبار غالب للموت وللشيطان،
محطمًا سلطانه على المؤمنين.  بقيامته أسس كنيسة المقامة في العالم كله لكي تشترك
معه في المجد الأبدي.  إنها تشبه قرن
rhinoceros وكما يقول البابا أثناسيوس:

          [الـ
rhinoceros 
حيوان لا يُمكن انهزامه، لأن له جبهته قرن جاء به يقتل كل حيوان مفترس.  هكذا يقول
المرتل انه عندما بُني هيكل اللَّه خضعت كا الأمم واستلمت للقوة التي فيه].

          الرب
لا ينعس ولا ينام (مز3:121)، لكنه إذ يقوم للقضاء بعد فترة طويلة من الصمت في طول
أناة يكون كمن استيقظ من النوم.

v    
     أشرق أحد القيامة
بجماله السامي. نهض الرب كالنائم، وكرجل استفاق من سكره، وضرب أعداءه وراءه (مز
78: 65)…

أشرقت
القيامة كالنور، وتلألأ البعث كالنهار. وقلبت عجلة الآلام دورانها. ودارت وجبلت
الفرح عوض الحزن. وجعلت كل مكانٍ أسفل أعلى. أعطت يهوذا المشنقة (مت 27: 5)، وحنان
الخجل، وقيافا العار، والتلميذ المجد، والتلميذه الراحة… والصديق الشهادة. لبس
من كانوا يُعتبرون ذئابًا زي الحملان…

اليوم مريم
مبتهجة وفرحة. صديقاتها تسكبن الأطياب. التلاميذ مستبشرون بالبشارة. وكنيستنا
أيضًا تزخر بالشكر.

أبهجنا
العيد الحبيب، وسرَّنا اليوم المبارك، وجبر قلوبنا المكسورة، وسُرَّت جماعتنا،
لأنها كانت حزينة. وهكذا اختلطت أصوات التسبيح وأصوات الشكر: الكهنة برفرفاتهم،
والشمامسة بتراتيلهم، والأجواق تضرب على قيثارة داود، والمحتشمات ترتل بمداريشها
[18]، والرجال
والنساء مبتهجون في اليوم المضيء
[19].

القديس مار يعقوب
السروجي

"فضرب أعداءه إلى الوراء وجعلهم عارًا أبديًا" [66].

          لم يعيش
الأعداء طويلاً في نشوة الأنتصار لأن يد الرب قد ثقلت عليهم بالبواسير، وصعد
صراخهم إلى السماء.

          "ورفض
خيمة يوسف ولم يختر سبط أفرايم" [67].

          لقد أكرم
اللَّه افرايم فخرج منه يشوع القائد العظيم وجدعون القاضي، وفي تخوم افرايم كان
شيلوه الموضع الذي أُقيمت فيه الخيمة لمدة ثلاثة قرون.  أما الآن فقد وُزن
بالموازين فوجد ناقصًا، لذا رفض اللَّه شيلوه موضعًا لخيمته.

 

          "بل
اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي أحبه" [68].

          ارتفع سبط
يهوذا ليحتل مركز الصدارة حسب نبوة يعقوب، ومنه جاء السيد المسيح مخلص كل البشرية،
كما انتقلت الخيمة إلى قرية يعاريم في أرض يهوذا، ثم إلى جبل صهيون.

          "وبنى
مثل مرتفعات مقدسة كالأرض التي أسسها إلى الأبد [69].

 

          "واختار
داود عبده وأخذه من حظائر الغنم" [70].

          كان داود
راعيًا للغنم فأقامه اللَّه راعيًا لشعبه، إذ يقول له: "أنا أخذتك من وراء
الغنم الغنم لتكون رئيسًا لشعبي" 2صم8:7.

          "من
خلف المرضعات أتى به ليرعى يعقوب شعبه وإسرائيل ميراثه" [71].

          كان داود
النبي بكل صبر وحنان يمضي وراء النعاج المرضعة وهي تجول تبحث عن العشب، كما كان
يُطعم الحملان وصغار الغنم، وبذلك تأهل للقيام بوظيفته كملك يرعى شعبه بأمانه.

          "فرعاهم
حسب كمال قلبه،

          وبمهارة
يديه هداهم" [72].

          كان داود
النبي مستقيمًا أمام اللَّه ولم يحد قلبه قط عن طاعة اللَّه، أمينًا للَّه ولشعبه.

78:
٢٥

v  إن
كنت قد أدركت أي سلام يجلبه طريق الحكمة، أية نعمة أو وداعة تنالها، فاطرح كل
تهاون وكسل، وادخل هذا الطريق ولا تتراجع أمام عزلة البرية (مز 78: 55)، فإنك إذ
تمكث في هذه الخيام تحصل على المن السماوي، وتأكل خبز الملائكة[20].

v    
ليتقدم البار إلى متاهات البرية المرعبة فيجد
طعامًا له من السماء (٢٤)[21].

العلامة
أوريجينوس

يرى العلامة
أوريجينوس
أن المؤمن
ينطلق في الطريق الملوكي وسط رحلة البرية – كما فعل موسى
وشعبه – ساكنًا في خيامٍ مقدسة، لا يعرف الراحة الجسدية ولا التهاون فينال منًا
سماويًا أو خبز الملائكة كهبة للنفوس المؤمنة الحكيمة.

٧٨:
١٥

هنا لم يقل
"الصخرة" بكونها رمز السيد المسيح، بل "صخورًا" لعله يعني بها
المؤمنين الذين كانت قلوبهم قبلاً قد تحجرت وجفت تفجرت فيها ينابيع حياة خلال
الصليب، لا لترتوي فقط، وإنما لكي تفيض على الآخرين.



[1] Stomata 5: 12.

[2] Homilies on Ps. 11 (Ps.
77).

[3] Paedagogus (Fc. 23: 76
–77).

[4] عظة 1: 9؛ ص
25
.

[5] On Prayer 27:11 (ACW).

[6] De Principiis 1:8:1 (Cf. Butterworth).

[7] Commentary on Sang of Songs 1: 4.

[8] Pastoral Care, 3:12.

[9] عظة 14 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[10] عظات
للعلامة أوريج
ينوس على  سـفر إرميا ترجمة جاكلين
سمير كوستى،
L.II:6.

[11] In Lev. 17.

[12] De institutis caenoborum, Book 8:3.

[13] Cassian: De institutis caenoboum, 8:2-4.

[14] Demonstrations, 10: 2.

[15] Demonstrations, 10: 2.

[16] [16] Commentary on Proverbs,
Fragment 8: 22.

[17] Cassiodorius: Exposition of Psalm 77: 64.

[18] مدراش:
كلمة سريانية، معناها "ترتيل" أو "نشيد". وهو شعر يُصاغ على
أوزان مختلفة والحان شتّى، بلغ عددها الخمسماية. دبّجها القديس أفرام السرياني
(+373)، وقد استنبطها برديصان (+222).

[19] الرسالة
الثلاثون
.

[20] In Lev. 17.

[21] In Josh. 4:1.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي