الأَصْحَاحُ
التاسع

إرسالية
التلاميذ وإشباع الجموع والتجلى

 

 (1) إرسالية
التلاميذ (ع1 -6):

ذكرت أيضاً فى (مت10: 1-14؛ مر6: 7-13).

1-
ودعا تلاميذه الاثنى عشر وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض.    2-
وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله، ويشفوا المرضى. 3- وقال لهم: "لا تحملوا شيئا
للطريق، لا عصا ولا مزودا ولا خبزا ولا فضة، ولا يكون للواحد ثوبان. 4- وأى بيت
دخلتموه، فهناك أقيموا، ومن هناك اخرجوا. 5- وكل من لا يقبلكم، فاخرجوا من تلك
المدينة وانفضوا الغبار أيضا عن أرجلكم، شهادة عليهم." 6- فلما خرجوا، كانوا
يجتازون فى كل قرية يبشرون، ويشفون فى كل موضع.

 

ع1:
قبل
أن يرسل المسيح تلاميذه للخدمة، أعطاهم سلطاناً على الشياطين وكل أعمالها فى
البشر، ليخرجوها ويخلصوهم منها ويشفوا أيضاً كل الأمراض.

   إن
كان الله يدعوك لخدمته، فثق أنه يعطيك قوته أولاً، ولا يقف أمامك أى عائق حتى
الشياطين، لأن إلهنا قادر على كل شئ، وهو الذى يعمل فيك عندما تخدمه.

 

ع2: هدف الخدمة
هو التبشير بملك الله على القلوب والتوبة عن كل خطية، ليصير القلب نقياً صالحاً
لسكنى الله. وربط هذا التبشير بشفاء الأمراض تأكيداً لقوة هذه التعاليم، ولأننا
فىالجسد ولسنا أرواحاً فقط، فنحتاج إلى التعليم الروحى مقترناً بمساندة الجسد، أى
شفائه من الأمراض.

 

ع3: أعلن المسيح
لتلاميذه عدم حاجتهم للإمكانيات المادية فى خدمته، لأن الله، الذى وهبهم السطان
على الشياطين والأمراض، هو يكفى كل احتياجاتهم، فلا يحتاجون إلى (عصا) يستندون
عليها أو يدافعون بها عن أنفسهم، لأن المسيح يدافع عنهم بصليبه العصا الحقيقية.

ولا
يحتاجون إلى (مزود) الذى يوضع فيه الطعام، لأن المسيح هو طعامهم الحقيقى ويعطيهم
إحتياجاتهم من الخبز المادى. ولا أموال العالم (فضة) فهو يغنيهم، ولا يحتاجون إلى
(ثياب) فهو يكسيهم بثوب البر، ويحفظ ثيابهم المادية، ويعوضهم عن كل ما يتلف من
الماديات.

ع4: أوصاهم
أيضاً ألا ينتقلوا من بيت إلى بيت بغرض المجاملات والضيافة، بل يقيموا فى بيت واحد
للتركيز على هدفهم وهو التبشير، وليس فى ذلك تثقيلا على هذا البيت لأنهم يقيمون
فترة قليلة فى كل قرية.

 

ع5: نبههم
المسيح إلى أن البعض سيرفضون تعاليمهم فلا ينزعجون، بل ينفضون غبار أرجلهم، أى لا
يأخذون شيئاً مادياً منهم ولا حتى التراب، ويستمرون فى التبشير للآخرين.

 

ع6: الجميل أنهم
اهتموا بكل قرية أو موضع صغير قدموا الخدمة له بالتبشير والشفاء.

  لا تهمل أحداً مهما بدا صغيراً أو ضعيفاً، بل
قدم محبة المسيح للكل، فمنهم إخوة الله، وهذا يفرح قلبه جداً.

 

 (2)
اضطراب هيرودس (ع7 –9):

ذكر هذا أيضاً فى (مت14: 1-5؛ مر6: 14-20).

7-
فسمع هيرودس رئيس الربع بجميع ما كان منه، وارتاب، لأن قوما كانوا يقولون إن يوحنا
قد قام من الأموات، 8- وقوما إن إيليا ظهر، وآخرين إن نبيا من القدماء قام. 9-
فقال هيرودس: "يوحنا أنا قطعت رأسه، فمن هو هذا الذى أسمع عنه مثل هذا؟"
وكان يطلب أن يراه.

 

ع7-8:
كان هيرودس أنتيباس رئيس ربع على الجليل، وهو إبن هيرودس
الكبير، وقد سمع ببشارة المسيح وتلاميذه فإضطرب بسبب إنتشار بعض الأقوال بين الناس
أن يوحنا قد قام من الأموات، وآخرون قالوا إن إيليا الذى صعد إلى السماء قد ظهر
على الأرض، وآخرون ظنوا أن المسيح هو أحد الأنبياء القدامى، مثل إشعياء، قد قام
وبدأ يبشر.

 

ع9:
أعلن هيرودس جريمته، وهى قتل يوحنا فتعجب هل فعلاً قام من
الأموات؟

وكان خوفه مازال شديداً من توبيخات يوحنا له، وتمنى أن يرى
المسيح ليتأكد من ذلك.

اسمع
عنه مثل هذا
:- أى معجزات المسيح القوية.

 الخطية تزعج الخاطئ،
وكلام الحق يظل يتردد حتى بعد موت من قاله؛ فاسترجع سلامك بالتوبة حتى لا تنزعج من
الحق.

(3)
إشباع الجموع (ع10 – 17):

ذكرت هذه المعجزة أيضاً فى (مت14: 13-21؛ مر6: 35-43).

10-
ولما رجع الرسل، أخبروه بجميع ما فعلوا، فأخذهم وانصرف منفردا إلى موضع خلاء،
لمدينة تسمى بيت صيدا. 11- فالجموع إذ علموا تبعوه، فقبلهم وكلمهم عن ملكوت الله،
والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم. 12- فابتدأ النهار يميل، فتقدم الاثنا عشر وقالوا
له: "اصرف الجمع ليذهبوا إلى القرى والضياع حوالينا، فيبيتوا ويجدوا طعاما،
لأننا ههنا فى موضع خلاء." 13- فقال لهم: "أعطوهم أنتم ليأكلوا."
فقالوا: "ليس عندنا أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين، إلا أن نذهب ونبتاع طعاما
لهذا الشعب كله." 14- لأنهم كانوا نحو خمسة آلاف رجل. فقال لتلاميذه:
"أتكئوهم فرقا خمسين خمسين." 15- ففعلوا هكذا، وأتكأوا الجميع. 16- فأخذ
الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء وباركهن، ثم كَسَّرَ وأعطى التلاميذ
ليقدموا للجمع. 17- فأكلوا وشبعوا جميعا، ثم رُفِعَ ما فَضَلَ عنهم من الْكِسَرِ
اثنتا عشرة قفة.

 

ع10:
بعد رجوع التلاميذ من خدمتهم التى أرسلهم المسيح إليها، جاءوا
إليه وأخبروه بكل ما حدث معهم، ثم انصرف المسيح بتلاميذه عن طريق البحر إلى مدينة
بيت صيدا، وأتى إلى السهل المجاور للمدينة ليستريح مع تلاميذه فى هذا الموضع
الخلاء.

 
من
المهم أن تقدم تقريراً عن خدمتك لمن أرسلك، أى الله، بالصلاة والشكر، وكذلك
للمسئول عن خدمتك ليتابعك ويرشدك.

 

ع11:
سمعت جموع اليهود بوجوده، فأسرعوا إليه ورحب بهم، ولم يطلب هو
ولا تلاميذه راحتهم، بل انتهزها فرصة ليشبعهم بكلامه المحيى، ويشفى من يطلبون الشفاء
من أمراضهم.

ونلاحظ أن المسيح قد أعد الجموع بكلامه، وطهرهم من أتعابهم
وأمراضهم، قبل أن يأكلوا من الطعام الذى باركه (السمك والخبز).

كما يحدث اليوم عند التناول من الأسرار المقدسة، فلابد أن
نستعد بالتعاليم الروحية من خلال قداس الموعوظين وكل صلوات القداس، ونتطهر فى سر
التوبة والاعتراف، حينئذ نتأهل لنوال الأسرار المقدسة.

  
الله
يعطيك، إن كنت تشعر بحاجتك إليه وتطلب منه.

 

ع12:
من حلاوة كلام المسيح واهتمامه بشفاء كل الأمراض، طال الوقت
حتى الغروب، فشعر التلاميذ بجوع الجموع وحاجتهم للراحة، لذا طلبوا من المسيح أن
يصرفهم حتى يرجعوا إلى قراهم حيث يجدوا طعاماً ومكاناً للراحة، لأن السهل الذى
اجتمعوا فيه كان خارج المدن والقرى.

وهنا يظهر اهتمام الخدام، أى التلاميذ، بمن يخدمونهم.

 

ع13:
تجاوب المسيح باهتمام مع احتياج الجموع للطعام، وطلب من
تلاميذه أن يفتشوا عن طعام لإشباع الجموع، فبحثوا ولم يجدوا إلا خمسة أرغفة
وسمكتين مع غلام، وحينئذ أخبروا المسيح بأنه لا يوجد معهم طعام، وإن أراد فليذهب
التلاميذ ليشتروا طعاماً للجموع من القرى المحيطة. هذا هو آخر قدرات البشر أى
الضعف والعجز أمام كبر المشكلة، فقد عرفوها ولكن ليس عندهم حل، إذ لا يتوفر لهم
أيضاً أموال لشراء هذا الطعام.

 

ع14:
كان عدد الجموع كبيراً، وهو خمسة آلاف رجل عدا النساء
والأطفال، ولم يذكر عدد النساء والأطفال لأن الرجل هو رب الأسرة، فيشير إليها، أى
أن الآكلين كانوا 5000 أسرة.

وعدم ذكر النساء والأطفال ليس احتقاراً لهم، بل يرمز روحياً
إلى أن المرأة تشير إلى الحياة المتنعمة والطفل إلى عدم النضج، أما الرجل فيشير
للحياة الجادة وتحمل المسئولية.

وعدد خمسة يشير إلى أسفار موسى الخمسة أى كل اليهود، وألف
يشير للأبدية والحياة السمائية، فالخمسة الآف تشير لليهود الذين يؤمنون بالمسيح
ويحيون بالفكر السمائى.

والخمس خبزات تشير للحواس الخمسة، كما يقول العلامة أوريجانوس،
أى كمال المجهود الإنسانى. والسمكتان ترمزان إلى العهد القديم والجديد، فقدموا جهد
الإنسان بضعفه الشديد فى العهدين للمسيح، أما هو فببركته جعله كثيراً ومشبعاً.

وكما يظهر ضعف الإنسان، تظهر قوة المسيح ولاهوته الذى بدأ فى
حل المشكلة، فأمر التلاميذ بتقسيم الجموع إلى مجموعات، كل مجموعة خمسين، وبهذا
النظام يمكن أن يصل الطعام للكل، وتظهر عظمة البركة بإشباعهم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر نشيد الأنشاد متى بهنام 12

وعدد خمسة كما قلنا يشير للمجهود الإنسانى، وعشرة عدد الكمال،
فخمسين ترمز إلى كمال المجهود الإنسانى وهو مجرد تقسيمهم إلى فرق، أما الشبع فيأتى
من نعمة المسيح.

 

ع15-16:
أطاع التلاميذ والجمع، وهنا تظهر أهمية النظام والطاعة، ثم
أخذ المسيح السمكتين والخمس خبزات، أى عطية البشر القليلة، ونظر إلى السماء ليرفع
القلوب إلى الحياة السمائية ويعلن أنه الله الذى أتى من السماء ليفديهم ثم بارك
الطعام وكسر واستمرت البركة حتى وزعوا على كل الجمع.

 

ع17:
أكل الكل وشبعوا وفاض عنهم، فأمر السيح بجمع الكسر حتى يشعرهم
بفيض البركة فلا نهملها أو نلقيها عنا، وكانت الكسر كثيرة حتى ملأت إثنتى عشرة قفة،
بعدد التلاميذ أو عدد أسباط إسرائيل، أى البركة تكفى كل المؤمنين، وإذ يحمل كل
تلميذ قفة على كتفه وهو عائد إلى المدينة يتأكد فى قلبه من قوة وبركة المعجزة.

 

 (4)
التعرف على شخص المسيح (ع18 – 22):

ورد هذا الكلام أيضاً فى  (مت16:
13-16؛ مر8: 27-31).

18-
وفيما هو يصَلّى على انفراد، كان التلاميذ معه، فسألهم قائلا: "من تقول
الجموع إنى أنا؟" 19- فأجابوا وقالوا: "يوحنا المعمَدان، وآخرون إيليا،
وآخرون إن نبيا من القدماء قام." 20- فقال لهم: "وأنتم، من تقولون إنى
أنا؟" فأجاب بطرس وقال: "مسيح الله." 21- فانتهرهم، وأوصى أن لا
يقولوا ذلك لأحد. 22- قائلا: "إنه ينبغى أن ابن الإنسان يتألم كثيرا، ويُرفض
من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتلُ، وفى اليوم الثالث يقوم."

 

ع18:
إنفرد المسيح مع تلاميذه فى موضع هادئ، ورفع صلاة لأجل
إيمانهم به وليعلمهم أهمية الصلاة والخلوة. فعلى قدر أهمية الخدمة ينبغى أن يسبقها
صلاة وخلوة للإمتلاء من الله.

ثم سأل المسيح تلاميذه عما يظنه الناس فيه، ليظهر الفكر
البشرى وحدوده، وليشجعهم أن يعلنوا إيمانهم به بعد ذلك والذى هو أعلى من إيمان
الجموع.

 

ع19:
اختلفت آراء اليهود، فظنه البعض يوحنا قد قام من الأموات أو
إيليا قد نزل من السماء وذلك لقوته فى إعلان الحق مثلهما، ومن أجل كلامه العميق
ظنه الآخرون أنه أحد الأنبياء من العهد القديم قد قام وبدأ يبشر ثانيةً.

 

ع20:
مسيح الله
الممسوح من الله لفداء البشرية.

سأل المسيح تلاميذه عن إيمانهم به، بعد أن تتلمذوا على يديه،
وفهموه أكثر من الجموع الذين مازالوا يعيشون بالفكر البشرى الأرضى المحدود.

فأعلن بطرس، إذ هو جرئ، فكر التلاميذ فى المسيح أنه المسيا
المنتظر، الذى تكلمت عنه النبوات.

 

ع21-22:
منعهم المسيح من إعلان ذلك للجموع حتى لا ينشغلوا به كملك
أرضى، إذ كان إعتقاد اليهود الخاطئ فى المسيح أن ملكوته أرضى ويخلصهم من الرومان،
وأوضح لتلاميذه بأنه ينبغى أن يتألم ويموت ثم بعد ذلك يقوم ظافراً، فالمسيا هو
المخلص الفادى الذى يموت لأجلنا ليقيمنا فيه.

  إقبل أن تتألم مع المسيح أولاً، حتى تتمتع بقوته
وقيامته فى حياتك، ولا تنشغل برأى الناس فيك حتى لا تتعطل عن هدفك وهو الملكوت.

 

 (5)
حمل الصليب (ع23 – 27):

ذكر هذا الحديث أيضاً فى (مت16: 24-28؛ مر8: 34-38).

23-
وقال للجميع: "إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم
ويتبعنى. 24- فإن من أراد أن يخَلِّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلى فهذا
يخلصها.   25- لأنه، ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟
26- لأن من استحى بى وبكلامى، فبهذا يستحى ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد
الآب والملائكة القديسين. 27- حقا أقول لكم، إن
من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يَرَوْا ملكوت الله."

 

ع23:
بعد أن أعلن المسيح لتلاميذه ضرورة تألمه وموته عن البشرية،
يبدو أنه وصل مع تلاميذه إلى إحدى القرى فخرجت الجموع لاستقباله، فأعلن لهم أيضاً
شرطاً أساسياً فى تابعيه وهو حمل الصليب، وذلك من خلال الاتضاع وإنكار الذات، ثم احتمال
الآلام والضيقات أيضاً، ليس فقط فى بعض الأوقات أو بداية الحياة مع الله، بل كسمة
أساسية فى حياة المؤمن كل يوم.

 

ع24:
يخلص نفسه
يهتم بإشباع شهواته وراحته الجسدية والجرى وراء الكرامة.

يهلكها: بهذا يبعد عن الله، ويُستعبد لجسده فلا ينتظره إلا الهلاك الأبدى.

يفرح المسيح قلوب سامعيه بأن حمل الصليب هو خلاص النفس، فعلى
قدر احتمال الصليب وسحق الذات، تخلص النفس من الخطية وتتمتع بعشرة المسيح، ثم تنال
خلاصاً أبدياً.

 

ع25:
معنى حمل الصليب هو التنازل عن لذات العالم الفاسدة، لأن النفس
وخلاصها أغلى من كل العالم

 

ع26:
من يرفض حمل الصليب ويخجل من إحتمال الخزى والإهانات والآلام
سيخجل أيضاً منه المسيح فى يوم الدينونة أمام الملائكة والقديسين، أى سيُلقى فى
العذاب ويفقد كل مجد أبناء الله. فحمل الصليب شرط أساسى للخلاص والمجد الأبدى.

 

ع27:
يختم المسيح كلامه بأن خلاصه سيُعلن قريباً بموته وقيامته،
فيؤمن به كل من يقبل حمل الصليب ويملك على قلبه، وهكذا سيرى كثير من سامعيه ملكوت
الله على قلوب المؤمنين.

وهناك تفسير آخر
بأنه يعنى إعلان مجده على جبل التجلى لثلاثة من تلاميذه.

وتفسير
ثالث
بإنتشار البشارة فى العالم كله خلال سنوات ليست بكثيرة على
أيدى الرسل، فيملك الله على قلوب المؤمنين المنتشرين فى العالم كله.

ومعنى هذا تشجيع سامعيه على حمل الصليب لنوال ملكه على قلوبهم
ثم الملك الأبدى.

  إقبل الآلام التى تواجهك، فهى بسماح من الله
لنمو حياتك الروحية وتخليصك من خطايا كثيرة، وإلتجئ إلى الله وسط هذه الآلام فيثبت
إيمانك وتختبر عشرته أكثر من ذى قبل.

 

(6)
التجلى (ع28 – 36):

وردت أيضاً فى (مت17: 1-9؛ مر9: 2-9).

28- وبعد هذا الكلام بنحو
ثمانية أيام، أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب، وصعد إلى جبل لِيُصَلِّىَ. 29- وفيما هو
يصَلّى، صارت هيئة وجهه متغيرة، ولباسه مُبْيَضًّا لامعا. 30- وإذا رجلان يتكلمان
معه، وهما موسى وإيليا، 31- اللذان ظهرا بمجد، وتكلما عن خروجه الذى كان عتيدا أن
يكمله فى أورشليم. 32- وأما بطرس واللذان معه، فكانوا قد تثقلوا بالنوم. فلما
استيقظوا، رأوا مجده والرجلين الواقفين معه. 33- وفيما هما يفارقانه، قال بطرس
ليسوع: "يا معلم، جيد أن نكون ههنا، فلنصنع ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى
واحدة، ولإيليا واحدة." وهو لا يعلم ما يقول. 34- وفيما هو يقول ذلك، كانت
سحابة فظللتهم، فخافوا عندما دخلوا فى السحابة. 35- وصار صوت من السحابة قائلا:
"هذا هو ابنى الحبيب، له اسمعوا." 36- ولما كان الصوت، وُجد يسوع وحده.
وأما هم، فسكتوا ولم يخبروا أحدا فى تلك الأيام بشىء مما أبصروه.

 

ع28:
بعد حديثه عن الآلام والصلب بثمانية أيام (بحساب اليوم الذى
تكلم فيه عن الصلب واليوم الذى تجلى فيه، وبهذا يزيد يومين عما ذكره متى ومرقس إذ
قالا بعد ستة أيام مت17: 1).

وعدد 8 يشير إلى الأبدية لأن أيام الأسبوع 7، فاليوم التالى
لها يدخلنا فيما بعد هذه الحياة أى الأبدية، وهذا لأن التجلى هو لمحة من أمجاد
السماء.

أخذ المسيح تلاميذه الثلاثة المقربين، لإستعدادهم الروحى
الخاص فى قبول إعلانات إلهية عظيمة وإهتمامهم وفرحهم للوجود أكبر وقت مع المسيح،
فصعد بهم إلى جبل وهو على الأرجح جبل حرمون.

والجبل يرمز إلى تنفيذ الوصية، فينبغى الجهاد الروحى للإرتفاع
عن الأرضيات إلى السماويات، بتنفيذ الوصية وإحتمال أتعاب الصعود، للتمتع ببركة
الله واستعلانه لنا خلال تنفيذنا لوصاياه.

كان الغرض المعلن أولاً للتلاميذ هو الصلاة فى خلوة مع
المسيح، وإذ أحبوا الخلوة والصلاة، أعلن لهم المسيح مجده فى التجلى.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد إنجيل متى لعن شجرة التين ج ج

  الله مستعد أن يعلن نفسه لك إن كنت تحب أن توجد
معه فى الصلاة وتجاهد فى تنفيذ وصاياه.

 

ع29:
لم يترك المسيح ناسوته، بل تغير أى صار مُمَجداً فهو الإله
المتأنس ولاهوته لم يفقده ناسوته.

لباس المسيح يرمز للكنيسة الملتصقة به، فتصير بيضاء من بهاء
مجده وعمله فيها. فمجدنا من خلال إلتصاقنا به.

 

ع30:
ظهر مع المسيح فى تجلية موسى وإيليا بشكل رجلين. وموسى يمثل
الناموس، وإيليا يمثل الأنبياء، فالمسيح غاية الناموس والأنبياء ورجاء الذين رقدوا
مثل موسى، والأحياء المجاهدين مثل إيليا.

 

ع31:
ظهر موسى وإيليا مع المسيح المتجلى بمجد لا يعبر عنه، ليعلن
المسيح شيئاً من لاهوته الأزلى ومجد قديسيه فيه، وكان موضوع الحديث هو الفداء الذى
سيكمله بالصليب فى أورشليم، إذ هذا هو هدف الناموس والأنبياء وتجسد المسيح.
والتجلى لا يشغلنا عن الصليب بل الصليب هو الطريق لإتمام الحب الإلهى للبشرية
لتتمجد فيه.

   إن كنت تريد أن يتجلى المسيح فى قلبك، فاحمل آلامه
لتختبر محبته.

 

ع32:
لم يحتمل التلاميذ الثلاثة عظمة مجد المسيح فى تجليه، ونوره
الذى هو أقوى من الشمس فى لمعانها كما يذكر متى ومرقس فى أناجيلهما، فناموا لضعف
الجسد ولم يسمعوا إلا القليل من حديث المسيح مع موسى وإيليا، ولما استيقظوا وجدوا
المنظر كما هو أى المسيح بمجد عظيم.

 

ع33:
لاحظ التلاميذ قرب انصراف موسى وإيليا ومن فرط فرحتهم بمنظر
التجلى تمنوا لو يظلوا فيه دائماً. فقال بطرس معبراً عن ذلك بتمنى صنع ثلاث مظال
للمسيح وموسى وإيليا، ليستقروا أمام التلاميذ فى هذا المنظر العظيم.

والإنسان يصنع المظلة لتقيه من حرارة وضوء الشمس، أما الآن
فالنور يشع من المسيح نفسه فكيف يحتاج إلى مظلة، ولكن بطرس لم يكن مستوعباً كل هذا
لأن مجد التجلى قد بهره، فهو فوق الإدراك العقلى.

   التمتع بالمسيح فى الخلوة وتجليه لك لا ينسيك أن
تعود إلى خدمتك وتحتمل الآلام، بل إن التجلى هو إعلان إلهى يسندك فى أتعاب الخدمة
وآلام الحياة.

 

ع34:
كان مجد التجلى أعظم من أن يحتمله الثلاثة تلاميذ أكثر من هذا،
فظللتهم سحابة وخافوا عندما دخلوا فيها وفقدوا رؤية أى شئ حولهم. والسحابة تشير
إلى حضرة الله كما حدث مع موسى على الجبل عندما أخذ الشريعة.

 

ع35:
مما زاد رهبتهم، سماعهم صوت الله يعلن أن المسيح هو إبنه
الوحيد، ويأمرهم بسماع تعاليمه ليخلصوا، فهوا الإبن الوحيد فى الجوهر المستعلن
للبشرية ليفديها، وقد سبقت نفس هذه الشهادة عند عماد المسيح فى الأردن (مت3: 17).

 

ع36:
بعد ذلك وجد التلاميذ أنفسهم مع المسيح وحدهم، إذ إنصرف موسى
وإيليا وأختفت السحابة، ولم يخبر التلاميذ أحداً بالتجلى إلا بعد قيامته كما أمرهم
المسيح (ذكر ذلك فى إنجيل متى) وذلك لضعف إيمان الجموع فلن يفهموا أو يستوعبوا
لاهوته وتجليه.

 

 (7)
إخراج شيطان من إبن وحيد لأبيه (ع37 – 42):

ذكرت هذه المعجزة أيضاً فى (مت17: 14-21؛ مر9: 17-29).

37-
وفى اليوم التالى، إذ نزلوا من الجبل، استقبله جمع كثير. 38- وإذا رجل من الجمع
صرخ قائلا: "يا معلم، أطلب إليك، اُنظر إلى ابنى، فإنه وحيد لى. 39- وها روح
يأخذه فيصرخ بغتة، فيصرعه مُزْبِدًا، وبالجهد يفارقه مُرَضِّضًا إياه. 40- وطلبت
من تلاميذك أن يخرجوه، فلم يقدروا. 41- فأجاب يسوع وقال: "أيها الجيل غيرُ
المؤمنِ والملتوى، إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟ قَدِّمِ ابنك إلى هنا." 42-
وبينما هو آتٍ، مزقه الشيطان وصرعه. فانتهر يسوع الروح النجس، وشفى الصبى وسلمه
إلى أبيه.

 

ع37:
كان التجلى غالباً ليلاً، وفى صباح اليوم التالى كان المسيح
قد نزل مع الثلاثة تلاميذ من على الجبل، فوجد الجموع التى أحبت تعاليمه ومحتاجة
إلى الشفاء من يديه تنتظره مع التسعة تلاميذ الباقين.

 

ع38-39:
تقدم نحو المسيح أب له إبن وحيد قد دخله الشيطان، ففقد عقله
وإتزانه وصار يصرخ حيناً وفى حين آخر يسقط على الأرض فاقداً وعيه ويسيل لعاب من
فمه مثل زبد البحر (الرغاوى)، ويضرب هذا الإنسان نفسه فى الأرض مرات كثيرة من فعل
الشيطان فيمتلئ جسمه بالكدمات (مرضضاً إياه)، وبالجهد يتركه الشيطان قليلاً ثم يعود
فيصرعه ثانياً، فكان عذابه شديداً وقلب الأب يتمزق من أجل إبنه، لذا طلب من المسيح
أن ينظر إليه واثقاً من أبوته وحنانه.

  ثق فى حنان الله وإعرض متاعبك عليه فى الصلاة
فأبوته تستجيب لك على قدر اتضاعك وإيمانك.

 

ع40:
اشتكى الأب للمسيح عجز التلاميذ عن إخراج الشيطان من إبنه.

 

ع41:
كشف المسيح سبب عدم خروج الشيطان وهو ضعف إيمان هذا الأب، مثل
ضعف إيمان باقى الجموع، بالإضافة إلى ضعف إيمان التلاميذ كما كشف أيضاً سبب دخول
الشيطان فى الناس وهو شرهم وإبتعادهم عن الله. ثم قال للرجل أن يقدم إبنه أمام
المسيح ليشفيه.

 

ع42:
فيما هم يحضرون هذا الإبن قبل أن يقترب من المسيح صرعه
الشيطان، فسقط مغشياً عليه على الأرض، وهنا إنتهره المسيح بسلطان لاهوته، فخرج
الشيطان وشُفى الإبن وأعاده إلى أبيه.

 

 (8)
الإنباء بصلبه (ع43 – 45):

سبق هذا الكلام فى (مت17: 22-23؛
مر9: 30-32).

43-
وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع، قال لتلاميذه: 44- "ضعوا أنتم هذا
الكلام فى آذانكم، إِنَّ ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدى الناس." 45- وأما هم،
فلم يفهموا هذا القول، وكان مُخْفًى عنهم لكى لا يفهموه، وخافوا أن يسألوه عن هذا
القول.

 

ع43:
كانت معجزة إخراج الشيطان عظيمة لأجل الحالة السيئة التى كان
فيها الابن، فانبهر التلاميذ مع الجموع. ولعل تفكير التلاميذ اتجه إلى قرب إعلان
المسيح نفسه ملكاً مخلصاً لليهود من إحتلال الرومان، فنبههم المسيح إلى هدف تجسده،
وهو الفداء وليس إظهار مجده، لأنه هو الله الممجد منذ الأزل.

 

ع44:
ذكر المسيح تلاميذه بحديثه السابق معهم عن آلامه وصلبه على
أيدى البشر، فهذا هو غرض التجسد.

 

ع45:
لم يفهم التلاميذ سبب تألم المسيح إذ إنهمكوا فى تمنيهم أن
يملك المسيح أرضياً ويمجدهم معه، ومن انبهارهم بسلطانه على الشياطين خافوا أن
يسألوه عن معنى تسليمه لأيدى الناس وإحتماله آلاماً كثيرة حتى الموت.

 
لا
تنغمس فى طموحاتك المادية وشهوات العالم فتختفى عنك رؤية الحق ومعرفة الله والسلوك
السليم، وحينئذ تصبح معرضاً للضيق من أمور كثيرة.

 

 (9)
تعليم الإتضاع بإقامة الولد (ع46 – 48):

سبق هذا الكلام فى (مت18: 1-5 ؛
مر9: 33-37).

46-
وداخلهم فكر: من عسى أن يكون أعظم فيهم؟ 47- فعلم يسوع فكر قلبهم، وأخذ ولدا
وأقامه عنده. 48- وقال لهم: "من قَبِلَ هذا الولد باسمى يقبلُنى، ومن
قَبِلَنى يقبل الذى أرسلنى، لأن الأصغر فيكم جميعا، هو يكون عظيما."

ع46:
للأسف لم يفهم التلاميذ كلام المسيح عن آلامه وصلبه وضرورة أن
يحمل تابعوه الصليب وراءه لتأثرهم بالفكر اليهودى فى المسيا، أنه يملك ملكاً
مادياً ويمجدهم معه. لذا فكروا وتناقشوا فيمن يكون أعظم فى هذا الملكوت الأرضى.

 

ع47:
لم يخبروا المسيح بما تناقشوا فيه، إذ خجلوا من ذلك، ولكن
المسيح بلاهوته علم أفكارهم وسقوطهم فى خطية الكبرياء بحثاً عن العظمة المادية،
فقدم لهم حلاً بإقامة طفل فى وسطهم، وهو يمثل الإتضاع والبراءة، إذ من السهل على
الطفل أن يعلن إحتياجه وضعفه أمام الكل.

 

ع48:
الأصغر
فيكم المتضع مثل الولد.

عظيماً ممجداً ومرتفعاً فى نظر الله، ويكون له مكان أعلى فى السموات.

كَّرم المسيح الطفولة التى كان الرومان واليونان يحتقرونها
أنذاك وكذا اليهود أيضاً، إذ اعتبر قبول وتكريم طفل قبولاً له، ومن يقبل المسيح
يقبل الذى أرسله ليؤكد أنه والله واحد. وقبول الاهتمام بالطفل هو تقديم للإتضاع
الظاهر فيه، وهذا الإتضاع هو سبب العظمة الحقيقية فى نظر الله.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مدر التراب ب

 
 
تأمل
صفات الأطفال وتعلم من سلوكهم حتى تكتسب الإتضاع.

 

(10)
منع من يخرج الشياطين  (ع49 – 50):

ذكرت هذه الحادثة أيضاً فى
(مر9: 38-39).

49- فأجاب يوحنا وقال: "يا معلم،
رأينا واحدا يخرج الشياطين باسمك، فمنعناه، لأنه ليس يتبع معنا." 50- فقال له
يسوع: "لا تمنعوه، لأن من ليس علينا، فهو معنا."

 

ع49:
ظن يوحنا الحبيب أن عمل المعجزات قاصر على تلاميذ المسيح،
فعندما رأى مع باقى التلاميذ شخصاً يخرج الشياطين، منعوه لأنه ليس من التلاميذ.
وهذا يظهر أنه ما زالت داخل التلاميذ محبة الرئاسة والكبرياء، التى حاول المسيح
علاجها فى الآيات السابقة.

 

ع50:
رد المسيح على يوحنا بإعلان مبدأ هام فى المسيحية، وهو محبة
الكل وبتقدير كل عمل صالح، مثل منح الراحة لإنسان بإبعاد الشياطين عنه حتى لو كان
صاحب هذا العمل غير مرتبط بنا. فالله يعمل فى كل من يراه مناسباً، ولكن ليس معنى
هذا أن نتبع كل من يعمل خير بدون تمييز. فلا نهاجم الهراطقة مثلاً إلا فى هرطقتهم،
أما الخير الذى يصنعونه، لا نقف ضده مع الحرص من خداعهم.

 
 
ليتك
تتعلم فضيلة من كل إنسان تقابله، حتى لو كان من البعيدين عن الكنيسة، فالله يعمل
فى الكل لجذب الكل إليه، وتعلمك الفضائل من الآخرين يدفعك لمحبتهم ويعلمك الاتضاع
وينميك روحياً.

 

(11)
رفض السامريين للمسيح (ع51 – 56):

51-
وحين تمت الأيام لارتفاعه، ثَبَّتَ وجهه لينطلق إلى أورشليم. 52- وأرسل أمام وجهه
رسلا، فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يُعِدُّوا له. 53- فلم يقبلوه، لأن وجهه
كان متجها نحو أورشليم. 54 فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا، قالا: "يا رب،
أتريدُ أن نقولَ أن تَنْزِلَ نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضا؟" 55-
فالتفت وانتهرهما، وقال: "لستما تعلمان من أى روح أنتما. 56- لأن ابن الإنسان
لم يأت ليهلك الناس، بل ليخلّص." فَمَضَوْا إلى قرية أخرى.

 

ع51:
عندما اقتربت نهاية حياة المسيح على الأرض بصلبه وموته ثم
قيامته وصعوده، اتجه مسافراً من الجليل إلى أورشليم حيث سيتألم هناك فارتفاعه هو
ارتفاع على الصليب، ثم ارتفاع بالصعود.

ولم يسافر مباشرة إلى أورشليم، بل قضى بضعة شهور فى بيرية شرق
الأردن، والأحداث التى حدثت فى هذه المدة مذكورة فى العشرة إصحاحات التالية وينفرد
بذكرها إنجيل لوقا إلا أحداث قليلة ذكرها لوقا ولكن فى غير وقتها، لأن لوقا لا
يهتم بالترتيب الزمنى.

 
 
إن
كانت الآلام تنتظرك، فلا تتراجع عن مسئوليتك لتتمم أهدافك، وثق أن الله يسندك فى
كل عمل صالح تقوم به.

 

ع52:
اقترب المسيح من السامرة، فأرسل بعضاً من تلاميذه أمامه إلى
إحدى قرى السامرة، ليعدوا منزلاً يقيم ويعظ فيه.

 

ع53:
رفض السامريون، أن يدخل هذا اليهودى (المسيح) ويقيم عندهم،
لأنهم يكرهون اليهود إذ قد اختلطوا منذ القرن الثامن قبل الميلاد بالوثنيين الذين
نزحوا إليهم من بلاد المملكة الأشورية، وابتعدوا عن عبادة الله فى أورشليم. ولعلهم
رفضوا المسيح لاهتمامه بالعبادة فى أورشليم وليس فى جبل جرزيم الذى يصلون عنده.

وسمح الله أن يرفضوه ليكمل سفره إلى أورشليم ويتمم الفداء
بآلامه وصلبه.

ع54:
اغتاظ يعقوب ويوحنا من أجل إهانة السامريين للمسيح برفضهم
دخوله عندهم، ففكروا أن ينتقم منهم بنزول نار من السماء تأكلهم، مستندين فى هذه
الفكرة لما فعله إيليا بعبيد الملك أخزيا، حيث أنزل نار أكلتهم عندما أتوا ليقبضوا
عليه (2مل1: 10-11)

 

ع55-56:
رفض المسيح كلام يعقوب ويوحنا، أى رفض روح الإنتقام التى
فيهما، وأوضح أنه قد تجسد ليخلص العالم، أما إيليا فى العهد القديم فأراد الله أن
يظهر على يديه ضعف عبادة الأوثان، وأنه هو الإله الوحيد القادر أن يهلك كل الأشرار
التابعين لعبادة الأصنام.

ثم انصرف المسيح ليكمل تبشيره بهدوء فى قرية أخرى بعيدة عن
السامرة.

 
 
إهتم
بالعمل الإيجابى واللطف فى التعامل مع الآخرين، حتى لو أساءوا إليك ملتمساً العذر
لهم.

 

 (12)
تبعية المسيح  (ع57 – 62):

ذكر هذا الكلام فى  (مت8: 19-22). ولم
يهتم لوقا بالترتيب الزمنى للأحداث

57-
وفيما هم سائرون فى الطريق، قال له واحد: "يا سيد، أتبعك أينما تمضى."
58- فقال له يسوع: "للثعالب أوجرةٌ، ولطيور السماء أوكارٌ، وأما ابنُ
الإنسانِ فليس له أين يسند رأسه." 59- وقال لآخر: "اتبعنى." فقال:
"يا سيد، ائْذَنْ لى أن أمضى أولا وأدفن أبى." 60- فقال له يسوع:
"دع الموتى يدفنون موتاهم. وأما أنت، فاذهب ونادِ بملكوت الله." 61-
وقال آخر أيضا: "أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لى أولا أن أودع الذين فى
بيتى." 62- فقال له يسوع: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى
الوراء يصلح لملكوت الله."

 

ع57-58:
تأثر الكثيرون بتعاليم المسيح وقال أحدهم له، أنه يريد أن
يتبعه، أى يصير من تلاميذه، ولكن الله العالم بما فى القلوب رد عليه، كاشفاً ما فى
قلبه، إذ أنه كان ينظر للمسيح مثل باقى اليهود كملك أرضى، فأراد أن يتبعه لينال
مجد ومال.

قال له المسيح أن الحيوانات والطيور لها أماكن تأوى إليها،
أما هو فليس له منزل مخصص يبيت فيه، أى لا يملك حتى مكان مثل الحيوانات والطيور،
وبالتالى من يتبعه ينبغى أن يتجرد من محبة المال والمجد الأرضى.

وتشير الثعالب للمكر والطيور للكبرياء لأنها تحلق فى الأعالى،
فيلزم الإنسان الروحى أن يتحرر من المكر والكبرياء، ليجد المسيح مكان داخله يستقر
فيه.

 

ع59-60:
وجد المسيح شخصاً له استعداد روحى للتلمذه الروحية والخدمة،
فقال له اتبعنى، ليكشف أحد معطلات تبعيته، إذ أنه أجاب المسيح بالإيجاب أى
الموافقة أن يتبعه، لكنه استأذن أولاً أن يدفن أباه وأجَّل اتباع يسوع.

والمقصود هنا بالدفن، رعاية أبيه الشيخ حتى يموت ويدفنه، أو
المقصود مراسيم الحزن على الميت التى قد تمتد إلى شهور، وليس مجرد عملية الدفن؛
لأن الله أوصى بإكرام الوالدين وبالتالى الإهتمام بدفنهم.

رد المسيح برفض هذا التأجيل، وأوضح أن الإهتمام بالناس أكثر
من الله هو عدم تقدير لمحبته، فينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس، والذى لا يفهم
ويقدر أهمية الخلاص والخدمة هو ميت روحياً؛ لذا قال دع الموتى (روحياً) يدفنون
موتاهم (جسدياً)، أى المنهمكين فى الماديات ينشغلون بمراسيم الحزن أو العلاقات
العاطفية، أما أنت فينبغى أن تهتم بخلاص نفسك قبل كل شئ والذى يتحقق من خلال خدمتك
لله والتبشير بملكوته.

 

ع61-62:
أما الحالة الثالثة فهى شخص أراد أن يتبع المسيح ولكنه متردد
بين تبعيته وتعلقه بأهله. ولا يعنى الشاب بالوداع، أن يسلم عليهم، فهذا لا يحتاج
إلى وقت طويل، ولكن يقصد أن يقضى أياماً كثيرة معهم، وقد لا يستطيع أن يتركهم
للتعلق العاطفى وبالتالى لن يتبع المسيح.

وكان رد المسيح عليه بمثل الحراث، فلا يستطيع هذا إكمال عمله
إن لم يركز فى النظر أمامه إلى نهاية الحقل الذى سيصل إليه بالمحراث، ضاغطاً بقدمه
عليه ليقوم بعمله فى نجاح؛ أما لو نظر خلفه فيسير المحراث فى اتجاهات معوجة، ولن
يشق الأرض بالعمق المطلوب.

والمقصود هنا أن من ينشغل بالعالم والماديات والعلاقة
العاطفية أكثر من الله، ستجعله متردداً بل ويتعطل عن تبعية المسيح.

 
 
المسيح
يفرح بتبعيتك له، إن كنت لا تبغى هدفاً سواه لا تنشغل بالماديات أو العلاقات
البشرية أكثر منه، حينئذ تستطيع أن تحب الله وتحب جميع الناس.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي