الإصحَاحُ
السَّابعُ وَالْعِشْرُونَ

 

–   قرار السنهدرين بتقديم المسيح للموت وتسليمه
لبيلاطس            (27 : 1 و 2)

–   يهوذا يخنق نفسه                                                      (3:27 -10)

–   استجواب المسيح أمام بيلاطس                                        (27: 1114)

–   نطق بيلاطس بالموت صلباً                                            (27: 1526)

–   استهزاء العسكر                                                        (27:2731)

–   الصلب فوق الجلجثة                                                   (32:2744)

–   الموت على الصليب                                                    (45:2756)

–   دفن الجسد                                                              (57:2761)

–   الأمر بحراسة القبر                                                     (62:2766)

 

قرار السنهدرين

بتقديم المسيح للموت وتسليمه لبيلاطس

[1:27و2]                       (مر 1:15)، (لو
1:23و2)، (يو 28:18-32)

 

1:27
«وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ
الشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ».

“السنهدرين”: اجتماع بكل هيئته
يتكوَّن بحسب العالِم شورر([1])
من 71 عضواً تحت رئاسة
الكاهن الأعظم (رئيس الكهنة)، ويتكوَّن من
رؤساء الكهنة السابقين والكتبة وشيوخ الشعب. ولكنه فقد صلاحيته في الأحكام
السياسية والقضائية الكبرى قبل خراب الهيكل بأربعين سنة.

ومعروف أن الذي سلم الإنجيليين ما دار داخل السنهدرين ضد
المسيح من أحكام هم أعضاء السنهدرين، الذين كانوا
متعاطفين مع المسيح ولم يعطوا موافقتهم، ومنهم يوسف
الرامي ونيقوديموس.

كان
يتحتَّم على السنهدرين أن يجتمع مرَّة أخرى في الصباح وبكامل هيئته وبكل رؤساء
الكهنة ليعيدوا صياغة ما وصلوا إليه بالليل، لأن قرار الإدانة بالموت غير جائز
اتخاذه ليلاً. والأمر المطروح أمامهم ليس هيِّناً، إذ أصبح عليهم تقديم كافة
الأدلة التي تدين المسيح ليَلْقَى عقوبة الموت. وتبكيرهم في الصباح منذ أول صياح
الديك كان بقصد تحاشي المرور وسط الشعب والمسيح مقيَّد يقوده الجند مما يثير
انتباه جماهير الحجاج الذين أبدوا تعاطفاً معه.

ولنا
هنا وقفة مع القارئ بالنسبة لهذه المحاكمة الدينية بصيغتها الملفَّقة والمتعجِّلة
والخائفة من الشعب، واستخدام الليل في المحاكمة، والفجر في التسجيل، والذهاب بسرعة
إلى دار بيلاطس تَسَتُّراً من أعين الشعب لتسليمه خلسة، فأي محاكمة هذه وبماذا
تقوم؟
» ها إنهم
يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي.
«(إش 15:54)

ولكن
السؤال الذي يصدم المتتبِّع لأعمال المسيح ومقاومات رؤساء الكهنة ويجعله يتعجَّب
هو كيف تأخَّرت هذه الهيئات السياسية والقضائية عن القيام برسالتها؟ فإن كان
المسيح بحسب اجتماع آرائهم أنه “مجدِّف” ومستوجب الموت، فلماذا تأخروا عليه هذه
الثلاث سنوات ونصف؟ والواضح أن رؤساء الكهنة والمسئولين من الكتبة والفريسيِّين
تخطُّوا وتجاوزوا الوقت المسموح لهم في تقدير خطورة المسيح على العبادة والديانة
اليهودية بأجمعها. فإن كانت أُسس الديانة هكذا تزعزعت حسب تقديرهم من تعاليم
المسيح، وأنه يضلِّل الشعب ويجدِّف على إله إسرائيل، فلماذا لم يتَّخذوا هذا
القرار منذ بدأ المسيح خدمته وإعلانه عن نفسه أنه ابن الإنسان، ووقوفه على الجبل
يقول:
» قيل لكم في
القديم … وأمَّا أنا فأقول لكم
« أو في قوله » أنا هو الخبز النازل من
السماء مَنْ يأكلني يحيا بي
« بل وكان من واجبهم
أن يحقِّقوا أولاً مع المعمدان لأنه هو الذي قدَّم المسيح وتقدَّم أمامه وشهد له
أنه هو ابن الله!

لذلك
فإن هذه المحاكمة العاجلة الخائفة من الشعب حيث تمَّ القبض في منتصف الليل
والتحقيق بعد منتصف الليل، والإسراع في طرق أُورشليم لتسليم المسيح لبيلاطس بعد
الفجر بقليل قبل أن يستيقظ الشعب، هذه كلها تدين الذين حكموا والذين اشتركوا في
الحكم جميعاً بالتباطؤ الفظيع في كشف المخاطر (بحسب تقديرهم) التي تواجه الأُمة
اليهودية، والخطر الداهم على العبادة اليهودية من تزييف لاهوتها وادعاء إنسان عادي
أنه ابن الله. بل والخطر القائم بتهديد هدم الهيكل العظيم الذي بُني في 46 سنة.
لقد أثبتوا بحكمهم أنهم قوم ليسوا أمناء على مقدَّرات الأُمة اليهودية، ولا هم
يصلحون أن يكونوا قادة روحيين لهذا الشعب العريق. وأنهم من وجهة نظر يهودية أمينة
يلزم إسقاطهم جميعاً وتغيير جميع القوانين والنواميس التي كانوا يحكمون بها،
وتجديد العبادة التي أساءوا إليها. ثم أليس هذا هو ما حصل تماماً؟؟

+
» لا تظنوا
أني أشكوكم إلى الآب، يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم
تصدِّقون موسى لكنتم تصدِّقونني لأنه هو كتب عني.
«(يو
5: 45و46)

2:27
«فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ
الْوَالِي».

«فأوثقوه»:

كان
المهم أن يقدِّموه إلى بيلاطس كسجين سياسي مقبوضٍ عليه، لأن التهمة الأساسية التي
يركِّزون عليها ليس أنه مجدِّف، فهذه التهمة تخصّهم هم ليضعوا في يديه القيود
كمذنب، ولكنهم يقدِّمونه مقبوضاً عليه كمجرم ثائر ضد الرومان. هنا يتوه الفكر مني
ويعصاني القلم، أيُّ قيودٍ هذه التي يُقيَّد بها المسيح وهو الذي جاء ليفك الإنسان
من قيود الخطية والموت والهاوية واللعنة الأبدية، ويطلقه حرًّا مصالَحاً مع الآب.
ولكن الذي اختار أن يتخلَّى عن مجده ويأخذ شكل العبد، عليه أن يمدّ يديه راضياً إن
كان هذا يؤدِّي إلى الموت، موت الصليب الذي به وعليه يكمل تحرير الإنسان.

ومضوا
به إلى بيلاطس من أقصر الطرق الخالية من الحجاج، ولحسن حظهم المتعوس كان يمكن أن
يمضوا به إلى قلعة أنطونيا الملاصقة للركن الشمالي الغربي للهيكل دون أن يراهم أحد
حيث يقيم بيلاطس، والذي كان حتماً على ميعاد معهم، لأنه هو الذي أمر بإرسال القائد
الروماني “رئيس ألف” في نصف الليل للقبض على المسيح بناءً على طلب رؤساء الكهنة.

«بيلاطس البنطي»:

بعد
أن صارت اليهودية ولاية رومانية بعد سقوط أرخيلاوس، فقد السنهدرين سلطانه للحكم
السياسي والأحكام الكبيرة. وبيلاطس هو خامس والٍ على اليهودية، وقد خلف فاليريوس
جراتس سنة 26م، وبعد عشر سنوات من حكمه أي سنة 36م استُدعي إلى روما للتحقيق معه
على بعض التجاوزات، وبعدها كما يقول يوسابيوس
القيصري (تاريخ الكنيسة 7:2) نُفي إلى فيِّنا حيث يُقال إنه انتحر. غير أن الكنيسة
القبطية اعتماداً على تاريخها القديم للقديسين تقول إنه تنصَّر هو وزوجته.

ومركز
الوالي الروماني كان أصلاً في “قيصرية”، ولكنه كان ينتقل عادة في العيد ويقطن قلعة
أنطونيا ليكون على مقربة من حوادث العيد، لأن الحجاج الآتين من جميع أنحاء العالم
كان يربو عددهم على المليونين ويزيد.

 

يهوذا يخنق نفسه

محنة يهوذا وندمه بعد أن زلت قدمه

[3:2710]                     (أع
18:1و19)

 

3:27و4
«حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّ‍ذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ،
نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ
سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ‍!».

الذي
يمنع قبول ندم يهوذا أنه قدَّمه للقاتلين وليس لله، وبعد أن حذَّره المسيح أنه
عالم بخيانته، بل وبعد أن أعلن عنه علناً أنه سيسلِّمه. ولكن ندمه وإعلانه
للسنهدرين أنه سلَّم دماً بريئاً أصبح دينونة للسنهدرين مضافاً على تزويرهم
الحقائق. ولكن رؤساء الكهنة رفضوا اعترافه وأعادوه إلى مسئوليته الخاصة ورفضوا
عودة الثلاثين من الفضة إلى خزينة الهيكل لأنها أصبحت ثمن دم. بمعنى أنهم تبرَّأوا
منه ومن خيانته ومن ندمه ومن الثلاثين من الفضة. أمَّا قولهم: «ماذا علينا أنت
أبصر»
يعني ليس عندنا مغفرة ولا قبول توبة!!

وقد
اعتنى ق. متى الذي يقدِّم من إنجيله تعليماً للكنيسة، أن يقدِّم ندم بطرس الذي
يُقبل وندم يهوذا الذي لم يُقبل:
» لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله يُنشئ توبة لخلاص بلا ندامة.
وأمَّا حزن العالم فيُنشئ موتاً.
«(2كو 10:7)

وقَتْلُ
يهوذا لنفسه شنقاً حُسب ضدَّه وأوقعه في جريمة قتل:
» لا تقتل «

5:27
«فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ
نَفْسَهُ».

وهل تبقَّى هناك “هيكل” ليهوذا؟ إن لحظة حصول الإنسان على
المال الحرام هي بمثابة فك عهد الأمانة مع
الله،
ودخول المال الحرام على المال الحلال ينجِّس ليس المال بل الأكل والشرب والبيع
والشراء والحياة.

حين
قبض يهوذا الثلاثين من الفضة هان عليه بيع سيده وتسليمه لقاتليه، المال الحرام
يلوِّث الضمير ويُعمي العينين ويرفع عن الإنسان البصيرة والستر والبركة جميعاً.

» ثم مضى وخنق
نفسه
« لأنه لم يجد مَنْ يحلّه من قيود الخطية المميتة!! لقد فقد من كان
يقول له مغفورة لك خطاياك!! فرقٌ بين بطرس الذي خرج خارجاً وبكى بكاءً مرًّا
ويهوذا الذي مضى وخنق نفسه!
» طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون. «(لو 21:6)

وكان سنهدرين اليهود يحرِّم البكاء على الذين ينتحرون.
وكانت الكنيسة تمنع الصلاة على الذين يقتلون أنفسهم، لأن في القديم كما في الجديد
“لا تقتل” وصية إلهية جديرة جدًّا بالاحترام. ولكن ليس في كل الخطايا ولا
الإخفاقات مهما بلغت فيها الخسارات في العهد الجديد ما يمنع التوبة والعودة إلى
الله.

6:27و7
«فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ
نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ. فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا
بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ».

هكذا انشغل رؤساء الكهنة بأمر الفضة الملوَّثة بالدم ولم
ينشغلوا بضمائرهم التي سفكت هذا الدم البريء، وبذلك يصوِّر الإنجيل المدى الذي
انتهت إليه اهتمامات رؤساء الكهنة في الاهتمام بالمحلَّل والمحرَّم في أمر الفضة
والقربان، بعد أن صنعوا أعظم جريمة تمَّت في إسرائيل منذ خروجهم من مصر إلى يومهم
ذاك. وانشغال الرؤساء بتوافه الحوادث والأمور يكشف عن إهمال »
الحق والرحمة والإيمان. «(مت 23:23)

8:27-10
«لِهذَا سُمِّي ذلِكَ الْحَقْلُ حَقْلَ الدَّمِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ القَائِلِ: وَأَخَذُوا
الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ
بِنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي
الرَّبُّ».

«حقل دم»: haqel
dema

وفي
التاريخ ما يفيد أنه في القرن الرابع سجَّل أحد الرحالة مكاناً بهذا الاسم في مكان
ملتقى وادي هنوم بوادي قدرون جنوب المدينة. وفوق هذا وذاك تسجَّل في الإنجيل بصورة
مخزية للذين اشتركوا في الفضة والدم وصار هذا قرينةً ثابتة على ما اقترفه رؤساء
الكهنة من الرشوة للقبض على إنسان بريء، الأمر الذي يحرِّمه الناموس. فعادت الرشوة
إلى أحضانهم، ولمَّا ألقوها في الحقل تسجَّل الحقل والدم والفضة والاسم لحسابهم.
فالأرض ممنوع عليها أن تشرب الدم بل تنضحه في عين الشمس ليراه ويسمع به القاصي في
التاريخ والداني. بل وماذا يصنع القاتل أو كيف يخفي نفسه ورشوته، وروح النبي كانت
عليه بالمرصاد، وسجَّلته في التاريخ أيضاً قبل أن يولد حتى تُعرّف به صاحب العين
المفتوحة قبل أن يعرف هو جريمته. وعجب الأنبياء يُتعجَّب له، كيف التقطوا هذه
الصور والبصمات لأصحابها ووضعوها في أرشيف الكنيسة حتى لمَّا يأتي الزمان تحاصرهم
وتفضح أعمالهم. والنبوَّة هنا وردت في سفر زكريا النبي (13:11).

 

استجواب المسيح أمام بيلاطس

[11:27-14]                  (مر
15: 2 – 5)، (لو 23: 2 – 5)، (يو 33:18-38)

 

لقد
قدَّم ق. يوحنا في إنجيله هذه المحاكمة بدقة وتحديد وإسهاب بحيث يصعب نقلها هنا،
على أن المخاطبة والمساءلة كانت باللغة اللاتينية، لذلك بحسب ظننا أن الذي قام
بنقل أوصاف ودقائق المحاكمة هو ق. مرقس لأنه الوحيد بين الرسل الذي كان يتقن
اللاتينية واليونانية. وقد جمعها وأكملها ق. يوحنا.

لذلك
يلزم للقارئ الذي يود التعرُّف على دقائق هذه القضية أمام المحاكمة الرومانية أن
يطَّلع عليها في كتاب شرح إنجيل ق. يوحنا في موضعها. أمَّا هنا فسنكتفي كالعادة
بتفسير وشرح الآيات التي سجَّلها ق. متى، معتبرين أن لكل إنجيل تقليده وروحه بينما
الحوادث هي بعينها.

ولكن من رواية ق. يوحنا يمكن إعطاء صورة واضحة عن سير القضية
وسلوك بيلاطس في هذه القضية:

منذ
بدء القضية أراد بيلاطس التنحِّي عنها لأنه بحسب السماع السابق عنها وبحسب درايته
بأعمال اليهود اكتشف أنهم قدَّموه للموت “حسداً”. فبمجرَّد أن قدَّموا إليه المسيح
ابتدرهم بسؤال:
»
فخرج
بيلاطس إليهم وقال أيَّة شكاية تقدِّمون على هذا الإنسان؟
«(يو
29:18). فكان ردّهم جافاً سخيفاً لأنهم صُعِقوا إذ كانوا قد دبَّروا كل شيء على
أساس تقديمه للموت:
»
أجابوا
وقالوا له: لو لم يكن فاعل شرٍّ لما كنَّا قد سلَّمناه إليك
«(30).
فكان رد بيلاطس عليهم أشد جفاءً وإنكاراً لمقصدهم لأنهم أخفوا مقصدهم من قتله،
وادَّعوا في إجابتهم أنه مجرَّد فاعل شرّ، فكانت هذه القضية بهذا الشكل من
اختصاصهم:
» خذوه أنتم
واحكموا عليه حسب ناموسكم (إن كان مجرَّد فاعل شر)
«(31).
فاضطروا أن يكشفوا أوراقهم ويعلنوا مقصدهم واضحاً رغم أنفهم:
» فقال له اليهود لا يجوز
لنا أن نقتل أحداً

«
وهكذا كشروا عن أنيابهم
وأعلنوا عن نيتهم بأن مطلبهم هو “الصلب”. وهكذا أجبرهم بيلاطس أن يغيِّروا
ادعاءَهم من مجرَّد فاعل شر إلى مجرم يستحق القتل، فأصبح عليهم أن يقدِّموا الأدلة
باتهام مؤيَّد بشهود ووقائع. وهذا أربكهم للغاية.

فتشاوروا
بسرعة وقدَّموا ثلاثة اتهامات ثقيلة:

1
– إنه يُفسد الأُمة.

2
– يمنعنا من دفع الجزية لقيصر.

3
– ويدَّعي أنه ملك (لو 2:23)

أمَّا
الاتهامان الأول والثاني فلم يحرِّكا بيلاطس، ولكن الاتهام الثالث هو الذي استرعى
انتباهه واهتمامه وبدأ به استجواب المسيح. ومن
هنا يفتتح ق. متى روايته في المحاكمة (مت 27: 11-14)،  وسنأتي إليها حالاً. ولكن
الوالي دَخَلَ إلى داخل دار الولاية واختلى بالمسيح وسأله عن ملوكيته كما يحكي ق.
يوحنا أيضاً، وانتهى من ذلك بأن اقتنع أن المسيح ليس مُداناً والتهمة ساقطة من
عليه فأعلن براءته
Not
guilty
وهي
بالإنجليزية تعني: “بريء”. ولكن لمَّا فلت الاتهام من أيدي اليهود غيَّروا اتهامهم
بسرعة إلى
» فكانوا يشدِّدون قائلين: إنه يهيِّج
الشعب وهو يعلِّم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل إلى هنا
«(لو 5:23). فأول ما سمع بيلاطس ذكر
الجليل وجدها فرصة ليزيح هذه القضية عن كاهله، ففي الحال أمر أن يُرسل إلى هيرودس
لأنه كان والي الجليل، وكان متواجداً وقتها في أُورشليم (لو 23: 6
12). ولكن هيرودس أعاده دون أن يحرِّك القضية لأنه عالم بمكر اليهود
ومؤامراتهم. فلمَّا أعاد هيرودس القضية مرَّة أخرى إلى بيلاطس وجدها بيلاطس فرصة
لكي يكيل اللوم عليهم ويكشف براءة المسيح:
» فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب وقال لهم: قد قدَّمتم إليَّ هذا
الإنسان كمَنْ يُفسد الشعب. وها أنا قد فحصت قدَّامكم ولم أجد في هذا الإنسان
علَّة مما تشتكون به عليه. ولا هيرودس أيضاً لأني أرسلتكم إليه. وها لا شيء
يستحق الموت صُنع منه
«(لو 23: 1315). وابتدأ هنا يساومهم في إطلاقه بمناسبة العيد إذ كان معتاداً أن يفرج
لهم عن أحد المسجونين. فثار هياجهم وطلبوا الإفراج عن باراباس اللص وصلب المسيح.

وقد حاول بيلاطس الإفراج عنه بكل ثقله بحسب إنجيل ق. يوحنا،
وقدَّم لهم مبادرة كانت خاطئة جدًّا ليرضيهم إذ أمر أن يؤدَّب بالجلد الثقيل،
لعلَّ ذلك يرضي حقد اليهود، ولكن عبثاً كانت المحاولة. وأخيراً سمع اليهود
يتَّهمون المسيح بأنه يدَّعي أنه “ابن الله” فارتعب بيلاطس ودخل إلى يسوع يسأله
سؤالاً عجيباً:
» من أين أنت؟
«
فكان سؤاله هذا ينمّ عن تخوّف شديد أن يكون اتهامهم
حقًّا!
واقتنع من كلام المسيح أن في أمره سرًّا ما. فخرج يطلب براءته من الشعب
(هكذا؟):
» من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب أن
يطلقه ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين: إن أطلقت هذا فلست محبًّا لقيصر. كل مَنْ
يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر
«(يو 12:19)، » فصرخوا: خذه خذه اصلبه. قال لهم بيلاطس: أأصلب ملككم. أجاب رؤساء الكهنة
ليس لنا ملك إلاَّ قيصر.
«(يو 15:19)

وإلى هذا الحد باع اليهود الله الواحد إلههم وملكهم لكي
ينتقموا من المسيح عدوّهم الأوحد.

هذا
مجمل المحاكمة استقيناها من الأناجيل الأربعة. والآن إلى رواية القديس متى:

11:27 «فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ
الْوَالِي قَائِلاً: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ
تَقُولُ».

يلاحِظ
القارئ ذو الحاسة المدرَّبة على قراءة التوراة أن هذه اللهجة التي يكتب بها ق. متى
هي لهجة الرواية في التاريخ القديم
والذي لم
يذكره ق. متى هنا يعطي ضوءاً أكثر على ملابسات ميعاد المحاكمة وظروفها. إذ ينص
إنجيل ق. يوحنا أن السنهدرين بهيئته الرسمية وهو الشاكي، لم يدخل دار الولاية
لئلاَّ يتنجَّسوا لأن اليوم كان عيد الفصح ولم يذبحوا الخروف بعد، فإذا تنجَّسوا
في هذا اليوم بالذات امتنع عليهم الاستحمام الذي يرفع عنهم النجاسة. ويكونون بذلك
قد حُرموا رسمياً من ذبح الخروف وأكله، وهذا أحرجهم للغاية، فوقفوا خارج دار
الولاية. وكان بيلاطس تمشياً مع عوائدهم يخرج إليهم يسألهم ثم يدخل دار الولاية
ليسأل المتهم.

فلمَّا
خرج إليهم ليستمع إلى شكواهم التي قدَّموها بالتهويل اللازم أنه يدَّعي الملوكية
فيقول إنه مسيح ملك، فقد استرعت الشكاية انتباهه لأنها تمس وظيفته ورئاسة روما.
فدخل إلى المسيح يسأله: هل أنت ملك اليهود؟ فكان الرد في مجمله بحسب اختصار ق. متى
أن “نعم”. وفي إنجيل ق. يوحنا لهذا وُلِدت! ولكن لم يدخل بيلاطس في تفاصيل مفهوم
المسيح للملوكية بل اكتفى بردِّه المختصر الذي يرفع فكر الملوكية عن مستوى السياسة
والأرض وأفكار اليهود. لدرجة أنه
في إنجيل ق. يوحنا خرج إلى اليهود ليقول حكمه بخصوص هذا الاتهام أنه بريء ولا
يجد فيه علَّة للموت!

12:27
«وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ
لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ».

كان
منظر المسيح فريداً من نوعه وهو واقف يستمع إلى رؤساء الكهنة وهم يتصايحون
ويتسابقون لتقديم التهم الملفَّقة التي تحمل جميع الخطايا، والمسيح يقف صامتاً
راضياً بما يتَّهمون وبما يشتمون بأقصى ما عندهم من حرارة وغيرة كاذبة مصطنعة،
كمحامٍ قبض أتعابه مقدَّماً في قضية لا يؤمن بصدقها. مما لفت نظر بيلاطس وجعله
يتعجَّب أشد العجب، فاستثاره موقف المسيح للغاية. لأنه ليس موقف إنسان متهم يحاول
أن ينفي عن نفسه بكل قوة واهتمام جميع التهم المنسوبة إليه، بل بالعكس كمَنْ هو
راضٍ بهذه التهم جميعاً. أمَّا قصد المسيح فلا ينبغي أن يتوه عن فكر القارئ فهنا
بؤرة اللاهوت كله، لاهوت الخلاص، لأن بصمت المسيح إزاء اتهام السنهدرين له بكل
الخطايا معناها أنه قبلها، أي قَبِلَ أن يُقضَى عليه بأنه خاطئ، بل وبكل الخطايا
حتى يستطيع أن يُصلب بحق كمذنب وحامل كل هذه الخطايا في جسده على الخشبة كقول بطرس
الرسول.

13:27و14
«فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟ فَلَمْ
يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا».

أن
لا يرُدَّ المسيح على رؤساء الكهنة أو يتأثَّر باتهاماتهم، أمر محتمل، فكما قلنا
إنه موافق على اتهاماتهم وأكثر، فهو جاء ليحمل فعلاً هذه الخطايا وأكثر، لا عن
اليهود فقط بل عن كل البشرية. ولكن أن لا يجاوب ولا يَرُدَّ على بيلاطس فهذا أمر
جديد. فما العلَّة في ذلك؟ لقد انتبه المسيح أن بيلاطس يتعاطف معه، ولكنه هو يريد
أن ينتهي من التحقيق ويحصل على حكم الصلب لأنه لهذا جاء أيضاً ولهذا وُلدَ. فأي
مجاملة لبيلاطس ستؤخِّر النطق بالحكم أو تجعله يفزع من أن يحمل على نفسه هذا الوزر
المريع أن يحكم على بريء. فسكوت المسيح أمام بيلاطس كان قصداً منه لاستثارة روح
القاضي فيه مع ميله إلى القسوة، الأمر الذي نجح فيه المسيح أيّما نجاح. إذ في
إنجيل ق. يوحنا ابتدره بيلاطس مُثَاراً ومهدِّداً:
» ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن
أُطلقك
«(يو 10:19). هنا ردَّ المسيح ليصحِّح قولة بيلاطس فقط، لأنه في الحقيقة
هو موافق على الصلب مُقدَّماً، ولكن أن يقول بيلاطس ما يُفهم أنه هو الذي سيصلبه
فهذا مرفوض، لأن الأمر والسماح بالصلب قد جاء من فوق وهو لا يزيد عن أن يكون
منفِّذاً لأمر السماء. هنا تدخُّل المسيح بهذه الصورة كان ليتقبَّل عقوبة الصلب من
الآب وليس من بيلاطس. فهي أصلاً عقوبة عن آخرين، عن كل البشرية، وعن حكم صدر أصلاً
من الله على آدم وكل ذريته، الذين من أجلهم جاء المسيح ليحمل خطيتهم وعارهم وعقوبة
الموت من أجلهم
انتبه بيلاطس جدًّا واقتنع بقول المسيح وبدأ
الخوف يدبّ في قلبه
»
من
هذا الوقت كان بيلاطس يطلب أن يطلقه!!
«(يو 12:19). ولكن
لاحَظَ اليهود ذلك فارتفع صراخهم بقصد الشوشرة على فكر القاضي.

 

نطق بيلاطس بالموت صلباً

[15:27-26]       (مر
15: 6 – 15)، (لو 23: 13 – 25)، (يو 39:18-16:19)

 

15:27و16
«وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَاداً فِي الْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لِلْجَمْعِ أَسِيراً
وَاحِداً، مَنْ أَرَادُوهُ. وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى
بَارَابَاسَ».

اختزل
ق. متى محاورات كثيرة، وبدأ يدخل في خروج القضية بحكم الموت. ولكن هنا السهم
الأخير الذي كان في جعبة بيلاطس لينقذ المسيح من يد هؤلاء الحاقدين، أو في الحقيقة
ينقذ نفسه هو من هذه الورطة، لأنه بدا في النهاية مرعوباً محاولاً بكافة الوسائل
أن يعلن براءة المسيح. ولكن اليهود كانوا وراءه بالمرصاد وضيَّقوا عليه الخناق
لمَّا هدَّدوه برفع القضية للقيصر إنما بصورة غير
مباشرة:
» إن أطلقت هذا فلست محباً
لقيصر، كل مَنْ يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر
«(يو 12:19)، » أأصلب ملككم؟ أجاب
رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلاَّ قيصر.
«(يو 15:19)

17:27و18
«فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ
أُطِلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟ لأَنَّهُ
عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً».

«باراباس»: Bar
Abbas

بأبحاث
العلماء تأكَّدوا أن هذا ليس اسم الشخص بل لقبه، ومعناه “ابن الآب”. أمَّا اسمه
فباتفاق العلماء([2])
وُجِدَ أن اسمه الأصلي “يسوع”، وذلك عن تحقيق العلاَّمة أوريجانوس الذي حصل على
مخطوطات من سنة 200م ظهر فيها اسمه “يسوع بار أباس” وهو نفس اسم ولقب المسيح.
ويقول العلماء إن ذلك الثائر ادَّعى أنه المسيح، وقد ترأَّس فتنة وقادها سياسياً
بادعاء طرح نير الرومان وأنه سيقود الأُمة للخلاص. ويلاحظ أنه كان “أسيراً” أي أن
الرومان هم الذين قبضوا عليه واعتقلوه وسجنوه باسم باراباس. وكان اليهود متعاطفين
معه، وسعوا كثيراً للإفراج عنه ربما لأنهم كانوا متواطئين معه. ويلاحظ القارئ هذا
من قول بيلاطس أأُطلق لكم “باراباس” أم يسوع الذي يُدعي المسيح. ومفهومها
كالآتي: أأُطلق لكم يسوع المدعو باراباس أم يسوع المدعو المسيح.

ولكن لماذا أراد بيلاطس أن يطلق لهم باراباس وهو خطر
بالنسبة لروما ولبيلاطس؟ هذه كانت آخر مساومة مع اليهود إذ يبدو أنهم حاولوا
كثيراً في السابق للإفراج عنه، وقد جاءت الآن المناسبة ليرضيهم بالإفراج عنه في
سبيل إطلاق المسيح كصفقة سياسية (خاسرة)، وواضح جدًّا هذا من القول إنه علم أنهم
أسلموه حسداً، أي أنه وثق من براءته فأخرج آخر سهم في جعبته. إلى هذا الحد كان
بيلاطس متعاطفاً مع المسيح ولكن اليهود أرغموه أن يحكم ضد ضميره، إذ تبلورت القضية
في النهاية أن براءة المسيح تساوي كرسيَّه.

«لأنه علم أنهم أسلموه حسداً»:

هذه كارثة، فهذا عنصر شيطاني ركب فوق رؤوسهم فجعلهم يخرجون
عن كل تعقُّل حتى بدت أعمالهم أكثر من صبيانية، لا تليق بكهنة ورؤساء كهنة وشيوخ
شعب وحكماء ناموس ودكاترة قانون. فداسوا تقليد إسرائيل واستهانوا بقدوسها. وكون
القاضي الروماني يكتشف هذا فمعناه أن الأمر صار أكثر من مكشوف. وفي الحقيقة إن هذه
الشهادة لهذا القاضي الأُممي تجعلنا ندرك الآن المحرِّك الحقيقي لهذه الثورة
الكاذبة للحفاظ على التعليم وقداسة يهوه ومستقبل الأمة. فهذه كلها كانت ستاراً
مهرَّأً يخفي
وراءه
غيرة مرَّة وخوفاً على المراكز ودفاعاً عن الكرامة والذات وربما المال والغنى
والشهرة.

19:27
«وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ
امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ
الْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ».

امرأته المدعوة كلوديا بروكيولا([3]) ذات
شفافية، وربما كان زوجها قد قصَّ عليها شيئاً مما سمعه عن يسوع، وبكل يقين قامت في
الفجر على ضجَّة السنهدرين والجند ورؤساء الكهنة وجموع الشعب متجمهرة أمام دار
الولاية. وسألت وسمعت. والآن هنا تدخُّل سماوي لكي يجعلها تتبَّع القضية من بُعد،
وتسمع من زوجها الحقائق وتتأثَّر وتعكس تأثُّرها على زوجها الذي لابد وأنه خرج من
هذه القضية منقبض النفس، لأنه حكم بما لا يريد أن يحكم به. وقد اطمأن لبراءة
المسيح وأعلن ذلك ثلاث مرات على ملء الأسماع. وهناك لفتة بدرت منه لها مغزى عندما
أتى يوسف الرامي يطلب جسد يسوع:
» جاء
يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً ملكوت الله. فتجاسر ودخل إلى
بيلاطس وطلب جسد يسوع، فتعجَّب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً. فدعا قائد المئة وسأله
هل له زمان قد مات، ولمَّا عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف

«
(مر
15: 43
45).
هنا اهتمام بيلاطس بموت يسوع هكذا سريعاً ثم لهفة الاستفسار عن صحة ذلك تكشف عن
الاهتمام الذي استحوذ على بيلاطس بخصوص شخصية المسيح، كذلك السماح ليوسف وهو ليس
قريباً للمسيح أن يستلم جسد المسيح سابقة
غير
معروفة. لأن المصرَّح به لأهل الميت فقط. كل هذا ينتهي بنا إلى أن نعلن للقارئ أنه
بحسب تقليد الكنيسة القبطية فإن بيلاطس وزوجته صارا مسيحيين وتسجَّل اسماهما في
سنكسار القديسين بتاريخ 25 يونيو([4]).

20:27و21 «وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ
حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ.
فَأَجَابَ
الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْ الاِثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ
لَكُمْ؟ فَقَالُوا: بَارَابَاسَ
».

وهكذا
تسجَّلت عليهم هذه الجريمة على مدى الأيام:
» إله آبائنا مجَّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم
وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار
وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات
ونحن شهود لذلك
«(أع 3: 1315). هنا انتهى صبر
بيلاطس وقد عمل أقصى ما يُعمل ليوجِّه نظرهم إلى ما يجب أن يعملوه ويقولوه، ولكنهم
كانوا مساقين بقوة شريرة تملَّكتهم حتى النهاية.

22:27
«قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى
الْمَسِيحَ؟ قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: لِيُصْلَبْ!».

هنا وضحت نية بيلاطس إزاء الحكم على المسيح، فقد اعتبر نفسه
أنه من جهة نفسه قد أعلن براءته ثلاث مرَّات بما فيه الكفاية. إذاً فإن كان هناك
حكم فسيكون حكمهم هم:
» فماذا
أفعل بيسوع
«
وكأنه يقول لهم: أنا بريء من دم هذا البار احكموا أنتم. لقد ركب رؤساء الكهنة
الموجة وأصبحت الكلمة النهائية كلمتهم. والذي يقرأ خاتمة التحقيق في إنجيل ق.
يوحنا يجد أن بيلاطس إلى آخر لحظة كان حاكماً بإطلاقه. ولكن رؤساء الكهنة أداروا
الدفَّة صوب اتهام بيلاطس نفسه بأنه إن أطلقه يكون خائناً (غير محب) لقيصر. ولمَّا
ذكَّرهم أن المسيح هو ملكهم صرخوا بالتجديف العلني ليس لنا ملك إلاَّ قيصر. وهنا
يصح أن يُسْدَل الستار. فقد تركهم الله لقيصر بالفعل فحرق هيكلهم وهدم مدينتهم
عليهم ونكَّل بالكهنة وذبحهم على مذبحهم، ورفع الجند الأولاد الصغار والأجنة على
أسنَّة الرماح أمام الأمهات.

23:27
«فَقَالَ الْوَالِي: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخاً
قَائِلِينَ: لِيُصْلَبْ!».

يلاحظ
القارئ هنا كيف أشعل رؤساء الكهنة جنون الهتَّافة كما يصنع الرعاع وراء زعماء
العصابات للضغط على الحكام.

هذا
السؤال أكثر من نطق بالبراءة، وهو يعني أن طلبكم الحكم بصلبه ليس ما يبرِّره، وإنه
ظلم وتعسُّف وخروج عن العقل والتعقُّل
ليس أمامي
ما أكتبه في حيثيات الحكم، إن هذا الحكم يتسجَّل ضدَّكم وسوف تعطون عنه جواباً
يوماً ما:
» أنتم أنكرتم
القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه.
«(أع 3: 14و15)

24:27
«فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئاً، بَلْ بِالْحَرِيِّ
يَحْدُثُ شَغْبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً:
إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ».

هذا
الإجراء كما يقول العلماء
ولو أنه ليس من عادة
الرومان
إلاَّ أنه
مستوحى من اليهود أنفسهم، فهو إنما يرد عليهم ظلمهم بتبرئة نفسه من حكمهم الظالم.
ولكن هذا الإجراء لا يعفيه أمام القضاء
الروماني لأن القضية غير متوفر فيها عناصر الجناية التي تستوجب حكم الإعدام صلباً.

ولكن هذا الإجراء اتخذه بيلاطس أمام اليهود
لليهود ليُشعرهم بأنهم يتحمَّلون سفك دم هذا البار. ويُلاحَظ هنا أن قول بيلاطس عن
المسيح إنه “بار” فهذا إيحاء من زوجته التي حذَّرته من هذه الساعة:
»
إيَّاك وذلك البار « فلمَّا أخفق في أن يجري الحق والعدل
بين قوم لا يقدِّسون الحق والعدل، حمَّلهم مسئولية مطلبهم:
» أبصروا أنتم « إذن، فالصلب تمَّ بناءً على طلب رؤساء الكهنة. ونحن لا يمكن أن
نطالب حاكماً أن
يكون أكثر عدلاً وحقاً من شعب الله المختار بقيادة رؤساء
كهنتهم جميعاً وشيوخ الشعب أيضاً.

ولقد
فهم اليهود جيداً جدًّا ما عمله بيلاطس من غسل يديه.

25:27و26
«فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى
أَوْلاَدِنَا. حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ
فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ».

القديس
متى وحده هو الذي ذكر غسل يدي بيلاطس وردَّ جميع اليهود عليه. ولولا أننا نرى
ونسمع بأنفسنا غضب الله على هذه الأُمة لاستكثرنا أن يسمع الله لقسم الشعب أن دمه
عليهم، لأن مَنْ ذا يحتمل أن يدخل بإرادته تحت غضب الله. ولكن رجاءنا لا يزال ينبض
بالروح والحياة أن البقية ستخلص، وأن الله سيرحم الشعب الذي كان له. على أننا لا
نقيم أنفسنا حكَّاماً وقضاةً لكي نحكم على شعب وأُمة أحبها الله وأراد أن
يؤدِّبها. فهي لا تزال تحت عنايته.

«وأمَّا يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب»:

وإن
كان صعباً على الفكر والنفس أن ندخل في وصف آلام الرب، ولكن عزاؤنا الوحيد أننا
حُسبنا شركاءَ له في آلامه إن كان باللطم أو الضرب أو الجلد أو الصلب، لأنها
جميعاً في الحقيقة وعين الأمر وقعت علينا. فالجسد الذي لبسه وتألَّم به وفيه هو
جسدنا، هو البشرية كلها، استقطبها في شخصه لأن ابن الله غير متألِّم بطبيعته، إنما
اقتبل الآلام لأجلنا في جسده
» وجسده نحن « والرحمة العظمى التي صنعها معنا أنه كما استقطب
البشرية قاطبة في جسده استقطب أيضاً خطاياها
جميعاً على نفسه في جسده، وهي التي من أجلها قبل الآلام والحكم بالصلب وقبل
اللعنة لمَّا رُفع
على الخشبة فقبلناها
معه، ومع أن الآلام والصلب واللعنة وقعت عليه وتحمَّلها كلها وحده ولكن فعلها
الفدائي والخلاصي
(لتكميل العقوبة واللعنة الواقعة علينا من الله في آدم)
تمَّت لحسابنا نحن، لأنه هو الفادي والقدوس البار. ولكن الشر الذي حمله وعوقب به
هو شرُّنا، وبالتالي حتماً تكون العقوبة والآلام والصلب واللعنة والموت هي من حقنا
نحن واستحقاقنا نحن وليست من حقه ولا استحقاقه، لأنه قدوس هو وبار.

ولكن
الآلام المُروِّعة التي جازها جميعاً من أجلنا تألَّم بها أشد الألم وحده ونحن لم
نتألَّم بها بأي ألم مع أننا السبب، وهذه هي الفدية!! هو الذي تألَّم وتعذَّب
وصُلب ونحن أخذنا ثمن ونتيجة الألم والصلب: هذه هي الفدية.

«فجلده»: fragellèsaj (فرقلَّه بالعامية)

وكانت
آلة الجلد ذات مقبض خشبي يخرج منه عدَّة أفرع من الجلد طويلة تحتوي على قطع من
الرصاص والنحاس. ويقف اثنان من العسكر حول المسجون وهو مربوط في عمود (ولا يزال
عمود الرخام الذي رُبط فيه المسيح قائماً. ويظل الجنديان يضربان واحد يميناً وآخر
يساراً على الظهر العاري عدد تسعة وثلاثين جلدة بأقصى قوتهما حتى يتهرَّأ الجلد
ويبرز اللحم ويتفتَّت ويتطاير وينزف الدم. وغالباً يموت المحكوم عليه قبل أن
يكمِّل العدد. ولكن المسيح كان ذا قدرة على الاحتمال فائقة لكي يكمِّل منتهى
العقوبة المفروضة أصلاً علينا. والعجيب أنه بعد ذلك يُساق إلى مكان الصلب، وقد
حاولوا أن يجعلوه يحمل صليبه كما حاول هو، ولكن سقط تحته عدة مرَّات حتى أنَّهم
استعانوا برجل
» آتٍ من
الحقل وهو سمعان القيرواني أبو ألكسندرس وروفس ليحمل صليبه
«(مر
21:15) ويلاحَظ أن ق. مرقس يذكر اسمه واسم أولاده بالتدقيق لأنه من بلده قيروان (كيريني بليبيا). كما يُعرف أيضاً
أنه قريبه وربما كان يقطن مع ق. مرقس في نفس
البيت.

 

استهزاء العسكر

[27:27-31]            (مر 16:15-20)، (يو 19: 2 و 3)

 

27:27-31
«فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا
عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا،
وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي
يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ:
السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ! وبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ
وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ
الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ».

هذا
هو الاستهزاء الأخير الذي جازه المسيح، طبعاً لأنه كان حاملاً خطايانا وعارنا
فلابُدَّ أن يجوز من أجلنا ما كان ينبغي أن نجوزه من الفضيحة والعار قبل حكم الصلب
والموت.

والكتيبة
وإن كان عددها في العادة 600 جندياً، فالذي تبرَّع منهم لهذا المشهد الذي تقشعر
منه السماء والأرض عدد قليل:

+
» بذلت ظهري
للضاربين وخدَّيَّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق.
«(إش
6:50)

+
» مجروح لأجل
معاصينا مسحوق لأجل آثامنا
تأديب سلامنا عليه وبحُبره
شُفينا.
«(إش 5:53)

+
» إنه ضُرب من
أجل ذنب شعبي.
«(إش 8:53)

والفضائح
التي صنعوها بالمسيح بحسب ما جاءت في الأناجيل
قبل الصلب جمعناها
معاً هكذا وهي تصف جميعها ما بلغه حال الإنسان:

 

 

القديس
متى

القديس
مرقس

القديس
يوحنا

§
عرَّوْهُ

(28:27 أ)

 

 

§
وألبسوه رداءً قرمزياً

(28:27 ب)

(17:15 أ)

(2:19 ب)

§
ألبسوه إكليلاً من شوكٍ

(29:27 أ)

(17:15 ب)

(2:19 أ)

§
أمسكوه قصبة

(29:27 ب)

 

 

§
وسجدوا له

(29:27 ج)

(18:15)

 

§
وبصقوا عليه

(30:27 أ)

(19:15 ب)

 

§
وضربوه على رأسه

(30:27 ب)

(19:15 أ)

(3:19 ب)

 

أمَّا
التعرية فقد تمَّت قبل الجلد حتماً، وفيها مثَّل المسيح الإنسان وقد تعرَّى من ثوب
بر الله بسبب الخطية.

أمَّا
اللباس القرمزي فهو رمز الملوكية، وفيها لبس الإنسان الثوب الذي اشتهاه آدم أن
يكون ملكاً كالله!!

وأمَّا
تاج الشوك فهو سيادة الخطية وتملُّكها على الإنسان.

والقصبة
في يده كصولجان المُلك فهو سلطان البر الذاتي ورمز الأنا التي نفخ فيها الشيطان.

والسجود
له عوض الكبرياء التي رفعت الإنسان فوق أخيه الإنسان.

والبصاق
ثمن الدناءة والنجاسة التي وضعت الإنسان تحت مستوى الحيوان.

والضرب
على الرأس تعبيراً عن سقوط هيبة الإنسان.

 

الصلب فوق الجلجثة

[32:2744]              (مر
21:15-32)، (لو 26:23-43)، (يو 17:19-27)

 

32:27
«وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَاناً قَيْرَوَانِيًّا اسْمُهُ
سِمْعَانُ، فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَه».

«وفيما هم خارجون (من باب
المدينة)»:

هنا
يذكِّرنا الخروج
»
بالخروج
الذي كان عتيداً أن يكمِّله في أورشليم
«(لو 31:9)، الذي
كان موضوع حديث موسى وإيليا مع المسيح على جبل
التجلِّي. وهنا تمَّ قول ق. بولس في سفر
العبرانيين:

+
» فإن
الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسامها
خارج المحلة. لذلك يسوع أيضاً لكي يقدِّس الشعب بدم نفسه تألَّم خارج الباب.
فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره. لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا
نطلب العتيدة.
«(عب 13: 1114)

بل
وتمَّ مَثَل المسيح الذي قاله عن الكرَّامين الأردياء:
» فلمَّا رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو
الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه.
«(مت 21: 3839)

وبعدما
أكمل المسيح كل ما ينبغي أن يحمله من عار الإنسان، أعادوا إليه ثيابه ليُصلب لكي
يكمِّل حكم الموت على خشبة العار كخاطئ مستوجب الموت. وكانت قوانين اليهود تُحرِّم
الصلب داخل المدينة، فخرجوا به من الباب الغربي تتبعه جوقة كبيرة من الأهل والنساء
على وجه الخصوص اللاتي تبعنه من الجليل، والشامتون من الكتبة وبقية حاشية رؤساء
الكهنة. وكانت الساعة قد بلغت ما بعد التاسعة صباحاً:

+
» وتبعه جمهور
كثير من الشعب والنساء اللواتي كُنَّ يلطمن أيضاً وينحن عليه. فالتفت إليهنَّ يسوع
وقال: يا بنات أُورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن. لأنه
هوذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع.
حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا. لأنه إن كانوا بالعود
الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس.
«(لو 23: 2731)

أمَّا
سمعان القيرواني الذي كان راجعاً من الحقل ليدخل من نفس الباب الذي أخرجوا منه
يسوع، فهو كما سبق وقلنا إنه من بلديات ق. مرقس من كيريني بليبيا ويبدو أنه هاجر
مع الأسرة لأنه ذو قرابة، كما يبدو أنه كان يقطن نفس البيت مع ق. مرقس، والدليل
الواضح هو أن ق. مرقس هو الوحيد الذي ذكر أبناءه:
» أبو ألكسندرس وروفس «
هذا سخَّروه ليحمل صليب المسيح. لأن المسيح بلغ به الإعياء كل مبلغ فسقط تحت
الصليب عدة مرَّات. والطريق الذي سار فيه والمواقع التي سقط فيها تحت الصليب
تحدِّدها الكنيسة الكاثوليكية وتصنع موكباً جنائزياً للسير فيها مع صلوات وأدعية
ودموع وركوع وأسموه
Via Dolorosa طريق الأحزان.

ويُلاحِظ
القارئ أن رجوع سمعان القيرواني من الحقل يكشف تماماً أنه لم يتم الغروب بعد ليبدأ
السبت، وأن يوم الجمعة هذا يستحيل أن يكون هو عيد الفصح وإلاَّ امتنع مسيرة رجل
هكذا خارج أُورشليم وخاصة أن يعمل في الحقل. وبهذا يشترك ق. متى مع ق. يوحنا في أن
يوم الجمعة كان هو الذي يذبح فيه الفصح، وبذلك تكون مشورة المسيح قد تمَّت وصار
حقـًّا هو فصحنا الذي ذُبح لأجلنا (1كو 7:5).

وبولس
الرسول يذكر روفس بن سمعان القيرواني:
» سلِّموا على روفس المختار في الرب وعلى أُمه أُمي «(رو 13:16). وهذا يكشف أن سمعان وأولاده، وهم جميعاً من القيروان،
قد صاروا ضمن الذين خرجوا في إرساليات لروما كما صنع ق. مرقس أيضاً.

33:27و34
«وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى
مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ أَعْطَوْهُ خَّلاً مَمْزُوجاً بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ.
وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ».

«جلجثة»:

وتعني
بالعبرية جمجمة، وباللاتينية كرانيون (
Cranium) وكلفاريوم (Calvarium) والتي جاء منها الكلمة الإنجليزية Calvary. ويُقال إنها صخرة مرتفعة لها شكل الجمجمة، وتقليد آخر يقول إنها
موضع “جمجمة آدم”.

«خَّلاً ممزوجاً بمرارة»:

وهو
بحسب القديس مرقس:
»
خمراً
ممزوجة بمرٍّ
«(مر 23:15) ™smurnismšnon
onon
وهو
مزيج مخلوط مخدِّر
([5]) كانوا يعطونه للمحكوم عليهم بالصلب حتى يخدِّر أعصابهم فلا يشعرون بالآلام. وهذه هي العقول الغريبة، يضربونه بالجلد حتى تهرَّأ لحمه
وتناثر دمه ثم يعطونه مخدِّراً
يرفع عنه آلام الصلب. لذلك ذاق ولم يُرِدْ أن
يشرب لأنه أراد أن يشرب كأس الآلام كاملاً!

+ » أنت عرفت عاري وخزيي
وخجلي، قدَّامك جميع مضايقيَّ، العار قد كسر قلبي فمرضت. انتظرت رقة فلم تكن
ومعزِّين فلم أجد. ويجعلون في طعامي علقماً وفي عطشي يسقونني خلاً.
«(مز 69: 1921)

35:27و36 «وَلَمَّا
صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا، لِكَيْ يَتِمَّ مَا
قِيلَ بِالنَّبِيِّ: اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا
قُرْعَةً. ثُمَّ جَلَسُوا يَحْرُسُونَهُ هَنَاكَ
».

كان
الصلب بدق المسامير في اليدين وفي الرجلين، وفي التقليد القبطي دُقت القدمان معاً
بمسمار واحد، والذي يؤكِّد دق اليدين والرجلين بالمسامير، قول المسيح نفسه لمَّا
ظهر للتلاميذ في العلية وأراهم يديه ورجليه وأثر المسامير:
» انظروا يديَّ ورجليَّ إني أنا هو. جسُّوني
وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه
«(لو 24: 39و40). ويؤكِّدها إنجيل ق. يوحنا: » ولمَّا قال هذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ
إذ رأوا الرب
«(يو 20:20). هذا يعني أن علامات المسامير في يدي الرب ورجليه وطعنة
الحربة في جنبه صارت العلامات المميزة للمسيح بصورة دائمة إذ نسمعها أيضاً في اليوم
الأخير:
» هوذا يأتي
مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض.
«(رؤ 7:1)

أمَّا
صحة التقليد القبطي بأن القدمين دُقتا معاً بمسمار واحد هو ذكر عدد المسامير
والضربات بخمسة: ثلاثة مسامير وطعنته في الجنب بالحربة وإكليل الشوك. كذلك فإن
خشبة الصليب الطولية لا تسع القدمين بجوار بعضهما.

كانت
من عادة الجند الصالبين أن يتقاسموا ملابس المحكوم عليهم. فلمَّا جاءوا إلى القميص
الخارجي المدعو عندنا بالقفطان أو الروب وجدوه ثميناً، إذ كان بدون خياطة بل
منسوجاً على طبيعته فاقترعوا عليه. وذلك نظير ما مات آدم عرياناً من كل ما يستره:
» عرياناً خرجت من بطن
أمي وعرياناً أعود إلى هناك
«(أي 21:1). أمَّا
الجلوس للحراسة فهو لتكميل عملية الصلب التي لا تنتهي إلاَّ بالموت. أمَّا إنزال
الجسد فيتولاَّه الأهل والأقارب.

37:27
«وَجَعَلُوا فَوْقَ رَأْسِهِ عِلَّتَهُ مَكْتُوبَةً: هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ
الْيَهُودِ».

«علَّته»: a„t…an

وتعني
بحسب الكلمة اليونانية سبب صلبه. وواضح أن الذي كتبها هو بيلاطس، وقد تحدَّى
اليهود الذين جاءوا على عجل يراجعونه أن لا يكتب ملك اليهود لأنها تُعتبر تهزيئاً
بهم، ولكنه بادرهم:
»
ما
كتبت قد كتبت
«(يو 22:19). وهذا بحسب الواقع صحيح للغاية، لأن الشكاية التي
قُدِّمت ضدَّه أنه يقول إنه ملك اليهود. فهذا هو السبب أو العلَّة التي من أجلها
صُلب. ولكن في نفس الوقت تأتي تنديداً باليهود، لأن بيلاطس حذَّرهم وخيَّرهم:
أأصلب ملككم، فأجابوا بطريق غير مباشر: نعم، إذ قالوا: ليس لنا ملك إلاَّ قيصر.
إذن فإن كانوا أنكروا ملوكية الله نفسه عليهم فلماذا يحتجون الآن؟ أمَّا العنوان
Titulus فكان مكتوباً
بالثلاث لغات:
» وكتب بيلاطس
عنواناً ووضعه على الصليب (فوق رأسه) وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود. فقرأ
هذا العنوان كثيرون من اليهود لأن المكان الذي صُلب فيه يسوع كان قريباً من
المدينة، وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية
«(يو
19: 19و20). وكانت نبوَّة من بيلاطس فقد كان المسيح حقـًّا وبالحقيقة آخر ملك على
إسرائيل وقد قتلوه بأيديهم. وهذا هو قمة وختام التوراة والعهد القديم.

أمَّا
العهد الجديد والإنجيل فيبدأ بالقيامة حيث يملك المسيح على كل الشعوب والألوان
والألسنة، ويملِّك هو معه كل مَنْ يؤمن به ويتقدَّس باسمه:

+ » أتى
وجاء إلى القديم الأيام فقرَّبوه قدَّامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً
لتتعبَّد له كل الشعوب والأُمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما
لا ينقرض … أمَّا قدِّيسُو العليِّ فيأخذون المملكة (الملكوت) ويمتلكون المملكة
إلى الأبد وإلى أبد الآبدين.
«(دا 7: 13و14و18)

+
» الذي أحبنا
وقد غسَّلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى
أبد الآبدين آمين.

«
(رؤ 1: 5و6)

+
» لأن الرب
الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين.
«(رؤ
5:22)

+
» لأنه إن كان
بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد (آدم)، فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض
النعمة وعطية البر، سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح.
«(رو
17:5)

38:27
«حِينَئِذٍ صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ، وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ
الْيَسَارِ».

كان
هذا الإجراء من جهة الرومان فيه إجحاف شديد بالمسيح الذي قيل عنه في المحكمة علناً
أنه ليس فيه علَّة واحدة تُلزم عليه الموت.
ولكن لكي تُكمَّل الكتب:
» وأُحصي
مع أثمة
«(إش 13:53)، » وجُعل مع الأشرار قبرُه «(إش 9:53). ثم ألم يُحاكَم كخاطئ ومستحق الموت، وفوق هذا كله ألم
يشرب كأس الخطية ليُصلب كالإنسان الذي اقترف كل خطية؟ وألم يصادق هو في حياته العشَّارين والخطاة ويجالسهم ويأكل معهم
كنبوَّة أنه سيُصلب أيضاً لهم ولقضيتهم؟
» صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول، أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلِّص
الخطاة الذين أولهم أنا.
«(1تي 15:1)

39:2743 «وَكَانَ
الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ:
يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ!
إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ! وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ
الْكَهَنَةِ أَيْضاً وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ الْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ
قَالُوا: خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسَهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا.
إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ
فَنُؤْمِنَ بِهِ! قَدِ اتَّكَلَ عَلَى اللهِ، فَلْيُنْقِذْهُ الآنَ إِنْ
أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللهِ!».

وإن
احتج العلماء أن السنهدرين هكذا بكل هيئته لا يمكن أن يكون حاضراً هنا بسبب دخول
الغروب وميعاد ذبح الفصح، فالمعروف قطعاً أن هذا كان كلامهم وحجتهم أمام الشعب
والذين راجعوهم فيما عملوا، وليس بالضرورة مواجهة للمسيح نفسه.

هنا
استهزاءات رئيسية جاءت من رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب، وهي في مجملها نفس الاتهامات
الباطلة التي وصموه بها وهم يعرفون جيداً أنها جاءت من شهود زور. والسبب الرئيسي
في ذلك هو محاولة إسكات الضمير من ناحية، ومن الناحية الأخرى تغطية موقفهم الحرج
أمام الشعب أنهم اقترفوا جرائم:

الاستهزاء
الأول:

يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام.

الاستهزاء
الثاني:

خلِّص نفسك … خلَّص آخرين وأمَّا نفسه فما يقدر أن يخلِّصها.

الاستهزاء الثالث: إن كنت ابن الله فانزل
عن الصليب … إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به.

الاستهزاء الرابع: لأنه قال إنه ابن الله
واتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده.

1
والآن الذي
تحقَّق أنه بالفعل قام في اليوم الثالث هيكلاً جديداً لله، وهي البشرية الجديدة
التي سكنها الله والروح القدس:
» أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم «(1كو 16:3)، » لأن هيكل الله مقدَّس الذي أنتم هو «(1كو
17:3)،
» فإنكم أنتم
هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم
«(2كو
16:6). وبذلك تبيَّن أنه
» أمَّا هو فكان يقول عن هيكل جسده. «(يو
21:2)

2
أمَّا أنه
لم يستطع أن يخلِّص نفسه، فالحقيقة أن هذا الخلاص المزعوم من الألم ليس خلاصاً، بل
لأنه لم يشأ أن يخلِّص نفسه من هذا الألم بل احتمله حتى الموت أحدث خلاصاً لكثيرين
كل يوم وإلى الأبد.

3
أمَّا أنه
لم ينزل من على الصليب بل احتمل آلامه حتى الموت، فقد سحق الخطية والموت وملك على
الأبرار والحق والحياة. فلأنه لم ينزل عن الصليب أثبت أنه ملك حقـًّا وبالفعل.

4
والآن إذ
ثبت أنه ابن الله بالقيامة من الأموات فقد أثبت أن الله أراده وأنقذه ورفَّعه إلى
أعلى السموات.

وبهذا
ثبت عمى رؤساء الكهنة ومعهم الكتبة وشيوخ الشعب إذ رأوا واقتنعوا أن الباطل الذي
عملوه حقٌّ، وتمَّ فيهم ضلالة الرؤيا التي تحدَّث عنها إشعياء النبي:
» محتقر ومخذول … فلم
نعتد به، لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله
ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره
شفينا.
«(إش 53: 35)

44:27
«وَبِذلِكَ أَيْضاً كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ».

هنا
اقتضب ق. متى وضع اللصين، لأن إنجيل ق. لوقا كشف عن حقيقة اللص اليمين كيف أنه لم
يشترك مع اللص الآخر في التجديف:
» وكان واحد من المذنبين المعلَّقين يجدِّف عليه قائلاً: إن
كنت أنت المسيح فخلِّص نفسك وإيَّانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلاً: أَوَلاَ أنت تخاف
الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه. أمَّا نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا.
وأمَّا هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محلِّه. ثم قال ليسوع: اذكرني يا رب متى جئت في
ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس.
«(لو 23: 3943)

وقد اعتبرت الكنيسة اعتراف اللص اليمين وطلبه الرحمة قمة
غفران المسيح للخطايا إزاء الإيمان والاعتراف بالخطية. وجعلت من اعتراف اللص
أنشودة رجائها في يوم أحزانها في الجمعة الحزينة. فمن عمق الصليب خرج أول غفران
لأكبر خاطئ. وانفتح باب الفردوس المغلق منذ خمسة آلاف عام، ليدخله
لص خلف المسيح!! هذا هو الدم المسفوك على الصليب من أجل خطايا البشرية،
أعطى هذه الباكورة
الفاخرة،
حتى كل من استكثر خطيته يختبئ وراء اللص ويصرخ صرخته:
» اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك
«

 

الموت على الصليب

[45:2756]             (مر 33:1541)، (لو44:2349)،
(يو 28:1930)

 

الفدية

«إلهي إلهي لماذا تركتني»

 

45:27-50 «وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ
ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَنَحْوَ
السَّاعَةِ
التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ
قَائِلاً: إِيلِي إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي، أَيْ: إِلهِي إِلهِي،

لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ فَقَوْمٌ مِنَ الْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: إِنَّهُ يُنَادِي
إِيلِيَّا. وَلِلْوَقْتِ رَكَضَ
وَاحِدٌ مِنْهُمْ
وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً وَمَلأَهَا خَّلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ.
وَأَمَّا
الْبَاقُونَ فَقَالُوا:
اتْرُكْ. لِنَرَى هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا يُخَلِّصُهُ. فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضاً
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ
».

+ «إن كان قربانه محرقة من البقر فذكراً صحيحاً يقرِّبه.
إلى باب خيمة الاجتماع يقدِّمه للرضا عنه أمام الرب، ويضع يده على رأس المحرقة
فيرضى عليه للتكفير عنه.» (لا 1: 3و4)

+
«وإن سها كل جماعة إسرائيل … وعملوا واحدة من جميع مناهي الرب …، يقرِّب
المجمع ثوراً ابن بقر ذبيحة خطية. يأتون به إلى قدَّام خيمة الاجتماع ويضع شيوخ
الجماعة أيديهم على رأس الثور أمام الرب ويُذبح الثور أمام الرب. ويُدخل الكاهن
الممسوح من دم الثور إلى خيمة الاجتماع … وسائر الدم يصبّه إلى أسفل مذبح
المحرقة الذي لدى باب خيمة الاجتماع … ثم يُخرج الثور إلى خارج المحلة ويحرقه
(بالنار) …» (لا 4: 13-21)

+ «أمَّا الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن: إن جعل نفسه ذبيحة
إثم، يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرَّة الرب بيده تنجح، من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي
البار بمعرفته يبرِّر كثيرين وآثامهم هو يحملها!! … سكب للموت نفسه وأُحصي مع
أثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين.» (إش 53: 10
12)

هناك
علاقة جوهرية بين الظلمة التي حدثت على الأرض، وبين صرخة المسيح للآب لماذا
تركتني، وبين موت المسيح، فهي حدث واحد يصعب الحديث المطوَّل فيه ولكن باختصار
نقول: إن المسيح قادم لتقبُّل الموت، وفي العادة، ولكل إنسان، الذي يقبض روح الذي
يموت هو الشيطان، ولكن في المسيح فلا، ولا يمكن. فمعروف أنه استودعها في يد الآب
وليس بين يدي الشيطان. ولكن السؤال اللاهوتي الخطير: كيف يموت الابن؟ لأن
المُحقَّق أن
» الابن مات
بالجسد
« ولكن هذا لا يعني أن الجسد مائت واللاهوت في مسرَّة الاتحاد
الجوهري متمتِّع! إذن لابد أن الابن “يعاني موت الجسد” باعتباره واحداً مع
جسده. هنا الصعوبة والاستحالة تأتي من الاتصال الجوهري بحياة الآب، فأي موت للابن
حتى بالجسد يطال الاتصال بين الآب والابن. إذن هنا يتحتَّم لكي يموت الابن بالجسد
أن يترك الآب الابن المتجسِّد حتى يموت وإلاَّ استحال الموت على الابن بالجسد([6])!!

وهذه من ضمن المروعات التي عاناها الابن في جثسيماني كيف
يصير خطية؟ إذ يتحتَّم أن يتغرَّب عن الآب، ولكن الذي انتهى إليه المسيح
بعد أن تحيَّر وتحيَّر وتحيَّر وصلَّى ثلاث مرَّات بذات
الصلاة وهو منبطح على الأرض ووجهه للتراب وعرقه يتصبَّب كالدم أشد وأعنف ما تكون
المعاناة أن يسلِّم
مشيئته للآب. فإن كانت هذه هي مشيئة الآب، وإن كان ولابد أن أشرب هذه الكأس، فلتكن
مشيئتك. والآن جاءت ساعة الموت وترك الآب الابن ليجوز الموت بالجسد، وهو رب الحياة
والنور، فاشتركت الطبيعة والشمس في الكسوف الإلهي حيث انحجب وجه الآب عن الابن
فانحجز النور عن النور لثلاث ساعات، واظلمَّت الأرض لتستقبل الابن ميتاً بالجسد في
باطنها لثلاثة أيام!!

51:2753 «وَإِذَا
حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ.
وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ،
وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أِجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ. وَخَرَجُوا مِنَ
الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ،
وَظَهَرُوا لِكَثِيريِنَ».

هذه
هي العلامات المكمِّلة لاختفاء النور وغشيان الظلمة. وصعب أن نفحص عن إمكانياتها
وكيفيتها، ولكن معانيها ليست صعبة. فانشقاق الحجاب من فوق إلى أسفل يشير بقوة إلى
الحجاب الحاجز بين الإنسان والله (إش 2:59). لأن حجاب الهيكل كان يفصل بين القدس
وقدس الأقداس حيث يتواجد الله ليفصل الناس حتى بما فيهم الكهنة عن الله، إذ لا
يدخل إلى قدس الأقداس إلاَّ رئيس الكهنة مرَّة واحدة في السنة ليصنع كفَّارة
قدَّام الله عن كل الشعب بدم ذبيحة المحرقة السنوية. ويلاحظ أنه انشق من فوق إلى
أسفل بمعنى أنه تمَّ بيد الله وليس بفعل فاعل. وقد تمَّ لحظة موت المسيح أي لحظة
انكسار الجسد أمام الموت. ويصف ذلك سفر العبرانيين بكلام محبوك لاهوتياً:
» فإذ لنا أيها الإخوة
ثقة بالدخول (كل الناس) إلى الأقداس (حيث الله في أعلى السموات) بدم يسوع (المحرقة
الكفَّارية العظمى)، طريقاً (إلى قلب الله) كرَّسه (المسيح) لنا حديثاً حيًّا (أي
طريق من دم ولحم) بالحجاب (الجديد غير المنظور الذي يصل ولا يفصل) أي جسده (كل
مَنْ يأكله يحيا به)

«
(عب 10: 19و20). هذا يعني
ببساطة أن الحجاب الكثيف القائم في ضمير الإنسان ووجدانه الذي كان يحيط الله برهبة
وخوف ويوحي إلى البعد السحيق وعدم القدرة على القرب منه قد انشق أيضاً، وأُزيل
الحرج والخوف والشعور بالبعد عن الله، حتى ندخل إليه بدالة دم المسيح وجسده الذي
انكسر على الصليب. وهذا عبَّر عنه المسيح لنا أعظم تعبير:
» في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني
أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند
الله خرجت
«(يو 16: 26و27)، » فلستم إذن بعد غرباء ونزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت
الله.
«(أف 19:2)

وطبعاً
هذا تمَّ بموته، أي بالجسد المكسور، وقيامته، وهنا يصف هذه الأحجية إشعياء النبي
كيف عبر المسيح الطريق ليس برجليه بل بكيانه غير المنظور:
» مرَّ سالماً في طريق لم يسلكه برجليه «(إش 3:41). وهكذا انطبع فعل الفداء وانفتاح الله على الإنسان أولاً
على الهيكل موضع سكنى الله وعبادة واجتماع الناس. والفعل الثاني كان
على القبور «القبور تفتَّحت» وذلك للإعلان بواسطة الموتى الذين ماتوا على
الرجاء (القديسين الراقدين) أنه قد تمَّ الفكاك من الموت بعد أن داسه المسيح وقام
منتصراً، وتمَّ انفتاح طريق الحياة الأبدية ودخولهم المدينة المقدَّسة ليحجّوا إلى
الهيكل ويأخذوا الطريق الصاعد من الحجاب المفتوح.

أمَّا
ظهورهم لكثيرين
فهو فعل الباروسيَّا لاستعلان قيامة الأجساد والتبشير
باليوم الآتي. وإشعياء يراهم رؤيا العين:
» تحيا أمواتك، تقوم الجثث. استيقظوا ترنَّموا يا
سكان التراب … والأرض تسقط الأخيلة
«(إش 19:26). «والأرض
تزلزلت والصخور تشقَّقت»
فقد نزل المسيح إلى الهاوية إلى أعماق الأرض لأنه حطَّم أسس الهاوية وكسر مصاريعها وحطَّم مغاليقها
ليُخرج أسرى الرجاء:

+
» الجلوس في
الظلمة وظلال الموت موثقين بالذل والحديد، لأنهم عصوا كلام الله وأهانوا مشورة
العلي. فأذلَّ قلوبهم بتعب عثروا ولا معين، ثم صرخوا إلى الرب في ضيقهم فخلَّصهم
من شدائدهم. أخرجهم من الظلمة وظلال الموت وقطع قيودهم. فليحمدوا الرب على رحمته
وعجائبه لبني آدم، لأنه كسر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد.
«(مز
107: 10
16)

+ » وأسس
الأرض تزلزلت. انسحقت الأرض انسحاقاً، تشقَّقت الأرض تشقُّقاً، تزعزعت الأرض
تزعزعاً.
«(إش
24: 18و19)

كل
هذا لأن الأرض تخلَّصت من لعنتها واستعدت للأرض الجديدة والسماء الجديدة
» ملعونة الأرض بسببك «! (تك 17:3). واليوم انفكَّت لعنتها!

54:27
«وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا
رَأَوُا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: حَقًّا كَانَ هذَا
ابْنَ اللهِ».

يُلاحَظ
هنا أن ق. متى دخل في حدود الفائق للطبيعة من انشقاق الحجاب إلى الزلزلة إلى
تفتُّح القبور وقيام الأجساد، حيث هذه الظواهر كلها خارجة ردًّا على الظاهرة
العظمى لموت المسيح وهو عمل فائق للطبيعة. فإن كانت أجساد الأموات قامت فليس
بعيداً أن يؤمن قائد المئة. ثم وهل المسيح فقط بكلامه وحياته يجدِّد؟ أليس بموته
بالأَولى يعطي فرصة لقبول الحياة الجديدة؟

إيمان
قائد المئة واعترافه بألوهية المسيح في موته يقابل إيمان المجوس واعترافهم بألوهية
المسيح في ميلاده. فإن كان هؤلاء رأوه ملكاً فهذا رآه ابن الله. فكان إيمان المجوس
وقائد المئة ردًّا مخزياً على اتهام اليهود له وقتله إذ جعلوا الحق الذي له زوراً.
فاتهموه بادِّعاء الملوكية وادِّعاء البنوَّة لله، في الوقت الذي رآه المجوس هكذا
وهو رضيع في حجر أُمِّه، وقائد المئة وهو على الصليب ميِّتاً!! وهذه بادرة مبدعة
للغاية، فالمسيح كيفما رأيته عظَّمته حتى ولو كان رضيعاً أو ميِّتاً. فهو النور
الحقيقي فإن دخلت في حجاله حتماً استعلنته
» وُجدت من الذين لم يطلبوني. « (إش 1:65)

والقديس
متى عزا تعرّف قائد المئة عليه لمَّا نظر الأمور التي حدثت، أمَّا ق. مرقس فعزا
ذلك إلى ملاحظته كيف أسلم روحه!
» ولمَّا رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم
الروح قال حقًّا كان هذا الإنسان ابن الله.
«(مر
39:15)

55:27و56
«وَكَانَتْ هُنَاكَ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُنَّ كُنَّ
قَدْ تَبِعْنَ يَسُوعَ مِنَ الْجَلِيلِ يَخْدِمْنَهُ، وَبَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ
الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسِي، وَأُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي».

من
المُلاحظ المؤسف جدًّا والذي يجعل عقلنا يتوه أن الاثني عشر غابوا في هذه اللحظات
فلم نعثر إلاَّ على ق. يوحنا، وما يؤكِّد وجود ق. مرقس أنه صاحب قصة الشاب التي
حكاها عن نفسه، فمن الواضح أنه هو ق. مرقس صاحب بستان جثسيماني، وإنه وإن ترك لهم
الإزار وهرب، إلاَّ أنه عاد لابساً ملابسه الجيدة وتبع بها المسيح في المحاكمات،
ووقت الصلب عاد وأخذ أُمه وذهب بها إلى موضع الجلجثة، فكانت مع النساء. فالنساء
حضرن الصلب والتلاميذ هربوا!! وهاته النسوة تبعنه من الجليل على الأقدام حتى
الصليب!!

وعلى
العموم دور النساء في حياة المسيح وصياغة الإنجيل كبير للغاية. إذ ابتدأ بالعذراء
القديسة مريم وتلقَّفته أليصابات لتحييه وتكرِّمه وهو في البطن جنيناً، وحملته
حنّه النبيَّة مع سمعان الشيخ وسبَّحت ومجَّدت. وحماة سمعان خدمت، ومرثا ومريم
قامتا بضيافة المسيح مرَّات ومرَّات، ولم يكن يجد راحة أو عزاء إلاَّ في بيت لعازر
وبين هاتين الأختين. مريم سبقت ومسحته بالطيب ليوم التكفين كنبيَّة آلت على نفسها
أن تحنِّط الجسد حيًّا. والآن هاته النسوة الواقفات من بعيد ينظرن، والحزن قطَّع
أنيار قلوبهنَّ، وكانت دموعهن كالنهر، خائفات واجفات، يُرِدْنَ أن يعملن شيئاً ولا
شيء يقدرن على عمله. غير أنهنَّ رصدن أين وُضِعَ الجسد وأتين عاجلات فجر الأحد
بأطياب وحنوط للجسد، فوجدنه قد قام وتقبَّلن منه شخصياً أول إعلان عن قيامته.
وكانت شهادتهن دعائم قوية في نقل تقليد الصلب والدفن والقيامة للكنيسة، فهنَّ
شاهدات عيان بل ومَسَكْن قدمَيْ المسيح (9:28) وتحدَّثن معه قائماً من الأموات
وتقبَّلن منه أول رسالة بعد القيامة:
» اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يَرَونَني. «(10:28)

وهنا
لا ينبغي أن يفوتنا حضور العذراء على عَجَلٍ مع ق. يوحنا لترى المسيح ابنها في
اللحظة الأخيرة:
»
وكانت
واقفات عند صليب يسوع أُمه وأُخت أُمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية. فلمَّا رأى
يسوع أُمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً قال لأمه يا امرأة هوذا ابنكِ، ثم قال
للتلميذ هوذا أُمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته.
«(يو
19: 25
27)

ودخلت
العذراء في زمرة الاثني عشر ونسمعها تصلِّي معهم في العلية في انتظار الروح
القدس:
» ولمَّا
دخلوا (البيت) صعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب ويوحنا
وأندراوس وفيلبُّس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا أخو
يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفسٍ واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم
أُم يسوع ومع إخوته.

«
(أع 1: 13و14)

وبعد
ذلك لم نعد نسمع عن القديسة الطاهرة مريم.

 

دفن الجسد

[57:2761]          (مر
15: 42-47)، (لو 23: 50-56)، (يــو 19: 38-42)

 

57:27و58
«وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسْمُهُ
يُوسُفُ – وَكَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْمِيذًا لِيَسُوعَ. فَهذَا تَقَدَّمَ إِلَى
بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلاَطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى
الْجَسَدُ».

معلوم
أنهم حينما خرجوا بالمسيح ليُصلب كانت الساعة التاسعة صباحاً، ومن الساعة الثانية
عشر ظهراً إلى الساعة الثالثة بعد الظهر كانت ظلمة على الأرض وفي نهايتها أسلم
المسيح الروح. وبحسب مواعيد الأزمنة عند اليهود كان عندهم مساءان الأول ما نسميه
نحن بعد الظهر ويبتدئ من الساعة الثالثة بعد الظهر، والمساء الثاني يبتدئ من
الساعة السادسة بعد الظهر.

لذلك
فقول ق. متى (وهو يهودي) إنه لمَّا كان المساء
أي المساء
الأول أي الساعة الثالثة بعد الظهر
وكان في
عجلة لأن المطلوب أن يُنزل الجسد من على الصليب قبل الغروب، كما كان عليه أن
يكفّنه ويدفنه. لأن القانون اليهودي يمنع أن تبقى الأجساد معلَّقة على الخشبة بعد
الغروب خاصة إن كان سبت (تث 23:21). علماً بأن هذا السبت أيضاً كان يُدعى عظيماً
لأنه وقع كعيد للفصح (يو 31:19) لذلك كان يوسف أمامه ثلاث ساعات فقط. والآن مَنْ
الذي سيقوم بإنزاله ودفنه والتلاميذ هربوا ويوحنا انشغل بأُم المسيح وأخذها وذهب
إلى العلية؟ ولو أنه عاين قبل أن يذهب ضربة الحربة في جنب المسيح (يو 35:19).
وهكذا كان تدبير الله أن يحضر يوسف في تلك الساعة وهو يعرف ماذا سيعمل بالضبط لأنه
أحضر معه كتاناً نقياً لتكفين الجسد، بل وكان قد حفر قبراً جديداً لنفسه أو ربما
بوحي من الله ولم يوضع فيه أحد. وكان منقوراً في الصخر، أي شبه مغارة. وكل ذلك كان
ليتم قول إشعياء النبي:
»
ومع
غني عند موته
«(إش 9:53). ويصفه الكتاب أنه كان صالحاً وباراً. ولكن أجمل ما عُرف
عنه أنه كان عضواً في السنهدرين:
» مشيراً «(لو 51:23،
مر43:15) وكان غير موافق لرأي السنهدرين في ما عمله في المسيح. وكان تلميذاً ليسوع
في السر (يو 38:19). ولكنه أظهر شجاعة نادرة في ذهابه جهاراً نهاراً لبيلاطس يطلب
جسد يسوع. وهذا يعني أنه يمت بصلة كبيرة لهذا المحكوم عليه، علماً بأن التصريح
بتسليم الجسد لا يحق إلاَّ لأهل الميت. فلو اكتشف أمره السنهدرين فسيكون مصيره
الاضطهاد للموت.

59:27و60
«فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ، وَوَضَعَهُ فِي
قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ
حَجَراً كَبِيراً عَلَى بَابِ الْقَبْرِ وَمَضَى».

ويعطينا مزيداً من المعلومات القديس يوحنا في إنجيله هكذا: »
وجاء أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولاً ليسوع ليلاً وهو حامل
مزيج مرّ وعود نحو مائة مناً([7]).
فأخذا جسد يسوع ولفَّاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفِّنوا. وكان في
الموضع الذي صُلب فيه بستان. وفي البستان قبر جديد لم
يوضع فيه أحد قط. فهناك وضعا يسوع لسبب
استعداد اليهود لأن القبر كان قريباً
«(يو 19: 3942). لقد
أكمل يوسف بالكتان ما ابتدأته مريم بدهن الطيب! نجوم زاهرة ظهرت في سماء يسوع!!

61:27
«وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى
جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ».

يا
للأمانة المذهلة للعقل، لم يتركن الصليب من الساعة التاسعة صباحاً حتى السادسة بعد
الظهر. تسع ساعات واقفات يلاحِظن من بعيد ماذا يُعمل، وحتى لمَّا أنزلوه ولفُّوه
في الكتان جلسْنَ ينظرنَ المكان لأنهن يعرفن واجبهن، كيف سيأتين في الفجر ليكفنَّ
الجسد بحسب أصول التكفين من جديد مهما كان التعب ومهما كانت الصعاب.

لقد
أوجد الله في بعض النساء عنصراً ينقص كل البشر: الأمانة في تأدية الواجب الإلهي
حتى الموت!! لقد ماتت تريزا القديسة وهي في أشد حالات الإعياء بالسل في آخر درجاته
ولم يفارق ذراعها “الطفل يسوع”!! فسمُّوها: “تريزا الطفل يسوع”!!

 

الأمر بحراسة القبر

[62:27-66]

 

هذه
الحادثة يختص بها إنجيل القديس متى دون سواه.

62:27و63
«وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ
وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا
أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ
أَقُومُ».

يُلاحَظ
هنا أن هذا “الغد الذي بعد الاستعداد” هو يوم السبت، وقد تعمَّد القديس متى عدم
ذكره بالاسم لأن عمل هؤلاء الرؤساء مع الفريسيِّين يخرج عن قانون السبت، إذ لا
يُعمل فيه عمل ولا مجمع ولا ذهاب. وظهور الفريسيِّين هنا أمر يُستغرب له، لأنهم
اختفوا من مشهد الآلام بطولها. ويمعن القديس متى في إظهار فضيحتهم في هذا العمل
بأن يجعل اجتماعاتهم مع بيلاطس يوم السبت عوض اجتماعهم بيهوه.

وقد التقطوا موضوع القيامة بعد ثلاثة أيام من قول المسيح عن
يونان في بطن الحوت (مت 40:12)، ولكنهم حوَّلوا المَثَل إلى واقع وتحدٍ. فكانت آخر
محاولاتهم لطمس معالم الفداء والخلاص بحجب القيامة.

«يا سيِّد»: kÚrie

وهذه
الكلمة لم تستخدم قط في إنجيل القديس متى إلاَّ لمخاطبة الله والمسيح، وهنا
يستخدمها أعداء المسيح لتمجيد بيلاطس، في مقابل إعطاء المسيح لقب “المضل”. ويقول
العالِم بنجل([8]):
إنهم بهذه الكلمة يتملَّقون الوالي، ولم تُستخدم سابقاً لبيلاطس، وهي كلمة ذات
رنين كبير، فهي بالألمانية “فوهرر”. وكأن
القديس متى يقول: إن الذين رفضوا المسيح كسيِّد جعلوا أعداءهم أسياداً
لهم.

64:27
«فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ
تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ
الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!».

أمَّا
الضلالة الأُولى في نظرهم فهي أن يسوع هو المسيَّا (مت 16: 13
20)،
والضلالة الأخيرة في نظرهم أنه قهر الموت وقام، الذي هو جوهر التعليم المسيحي([9]).
وهكذا قدرها رؤساء الكهنة والفريسيُّون أنها “الضلالة الأشر”. وكانوا على حق،
لأنها إنما أظهرت شر ضلالتهم هم.

65:27
«فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ
كَمَا تَعْلَمُونَ».

يعلِّق
القديس يوحنا ذهبي الفم([10])
على قول بيلاطس هذا، خاصة على قوله:
» كما تعلمون « أو حسب إرادتكم
حتى لا يلوموا آخرين لو حدث ما كانوا يخشونه. ولكن يعلِّق لوهمير أن موافقة بيلاطس
واضح فيها الشك فيم يقولون.

وبهذا
الأمر من بيلاطس أصبح لدى رؤساء الكهنة جنود رومانيون مع جنودهم الخاصة. وختمُ
القبر بالأختام
حسب ما ترسَّب في تقليد الكنيسة المبكِّر كان على
نمط ما تمَّ لدانيال النبي في جب الأسود (دا 17:6)، الذي يُحسب حقـًّا أنه رمز
لقيامة الرب من الموت([11]).
حيث الأسد يمثِّل الموت بالنسبة للمسيح، وأنه لم يقدر أن يضرَّه بشيء.

66:27
«فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ».

ويعلِّق
ذهبي الفم قائلاً: انظروا، لا الحجر الذي قفلوا به فتحة القبر، ولا الختم الذي
ختموه به، ولا الحرَّاس الذين حرسوا استطاعوا أن يضبطوه([12]).
ويعلِّق على ذلك العالِم بنجل قائلاً: إن كل ترتيبات وتأكيدات الإنسان لا تعيق
الله([13]).

كثير
من العلماء يرفضون هذه القصة التاريخية بسبب شدَّة الحماقة التي رسمتها. ولكننا
نقول إنه بسبب شدَّة الحماقة هذه يصح جدًّا ويناسب أن تكون من عمل رؤساء الكهنة
والفريسيين:
» الساكن في
السموات يضحك، الرب يستهزئ بهم
«(مز 4:2).



([1]) E. Shürer, The History of the Jewish People in
the Age of Jesus Christ,
vol. II, pp. 210 ff.

([2])
A.H. Mc Neile, V. Taylor, N.A. Dahl, G. Stanton, H.B. Green, D.P. Senior, F.W.
Beare, R.H. Gundry, R. Schnackenburg, cited by F.D. Bruner, op. cit.,
p. 1028.

([3])
W. Hendriksen, op. cit., p. 953.

([4]) The
Oxford Dictionary of the Christian Church
, article Pilate, p. 1090.

([5])
F.D. Bruner, op. cit., p. 1039.

([6]) راجع كتاب: “شرح إنجيل القديس مرقس” للمؤلِّف صفحة 607 وهامش (4).

([7]) أي لتراً وهو وزن يوناني يعادل نحو 100 درهم.

([8])
J.A. Bengel, op. cit., p. 484.

([9])
F.D. Bruner, op. cit., p. 1071.

([10])
Chrysostom, op. cit., Hom. 89:1, p. 525 f.

([11])
W. Grundmann, Matthaeus (1968), p.
566 and n. 7, cited by F.D. Bruner, op. cit., p. 1071.

([12])
Chrysostom, Hom. 89:2, p. 526.

([13])
J.A. Bengel, op. cit., p. 484.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يشبآب ب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي