تَفْسِير
سِفْرُ رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ

مفتاح
كتاب الرؤيا

المسيح
يسقط القناع عن المسيح الدجّال

بطرس
الثاني

 

المحتويات

 

مقدّمة

الفصل
الأوّل: اللّغز المفتاح

الفصل
الثاني: كيف أعلن يوع اللّغز

الفصل
الثالث: تقدمة الكتاب

3-1
الجزء الأوّل

3-2
الجزء الثاني

زمن
مُعيّن ومكان مُحدّد

الوحش
هو المسيح الدجّال

كتاب
الرؤيا كتاب دينونة

الفصل
الرابع: مُلخّص القصّة

4-1
الأطراف المتحالفة مع المسيح الدجّال

أ-
الشيطان

ب-
الوحش

قوّة
الوحش

"جرح"
الوحش

قوّة
الوحش في التضليل

مدّة
بقاء الوحش وسقوطه

ج-
الوحش الآخر

4-2
الأطراف المُتحالفة مع المسيح

أ-
الفارس

ب-
المرأة

ج-
الشاهدان

د-
ملاك الرؤيا

الفصل
الخامس: أسباب الغموض التّام

5-1
تفسير النبوءة المختومة في حينه

5-2
التشابك

5-3
التكرار المختلف

5-4
الرموز المختلفة لحقيقة واحدة

الفصل
السادس: شرح الأعداد والرموز

6-1
العدد "666"

666
وزنة من الذهب

رمز
الفشل

الحلف
الثلاثي الشرير

6-2
ال "42 شهراً"

6-3
القرون

6-4
الفرسان الأربعة

6-5
أسلحة أزمنة الرؤيا

"الجراد"
(الطائرات والمروحيّات)

"البرد"
(القنابل)

"الخيل"
(الدبابات)

6-6
المكان

6-7
مواصفات الوحش

الفصل
السابع: الإصلاح: سماءً جديدة وأرضاً جديدة

ملكوت
الله على الأرض

 

مقدمة

 كتاب
"رؤيا يوحنا" أو "كتاب الكشف" المَعروف "بسفر
الرؤيا" كتابٌ نبوئيّ ينقل أحداث وأطراف القرن العشرين. هذا العصر الصاخب هو
زمن ظهور ونهاية الوحش: "المسيح الدّجّال"، عشيّة عودة المسيح.

 

أوحى
يسوع نبوءات هذا الكتاب إلى يوحنا تلميذه في سنة 95 م. رؤيا يوحنا هو "كتاب
مختوم بسبعة أختام" (رؤيا 5، 1). فهذا يعني أنه سرّي تماما، فما من أحد
يستطيع أن يكشف مغزاه (رؤيا 5، 3) لأنّ يسوع وحده يملك مفتاح تفسير ألغازه (رؤيا
5، 5-7). ويسوع هو الذي كلّف مرسله الخاص حاملاً هذا "الكتاب مفتوحاً"
(أيّ مفسّراً) (رؤيا 10، 2) ليكشف مضمونه حين تتمّ الأحداث المُتنبّأ بها (رؤيا
22، 10 / 22، 16).

 

هذا
التفسير لكتاب رؤيا يوحنا ليس ثمرة مجهود شخصيّ، وإلاّ لما كان له أيّة قيمة. إنّه
نتيجة ما أعلنه المسيح لكاهن لبناني عن هوية "الوحش" الوارد ذكره في
الفصل 13 من هذا الكتاب، لأجل أن ينير المؤمنين الحقيقييّن. كان لهذا الإعلان واقع
تأثيري عظيم في نفس هذا الكاهن، حامل هذه الرسالة.

 

يتنبّأ
كتاب رؤيا يوحنا عن عودة هذا "الوحش" الذي كان في الماضي، فاختفى، ثم
عاد (رؤيا 17، 8).

 

فيعود
يسوع اليوم، هو أيضاً، ليكشف القناع عن عدوّه "الوحش" وليقضي عليه وعلى
أعماله، وليثبّت من ثمّ ملكوت الله على الأرض (رؤيا 1، 7 / 22، 20).

 

هذا
"الوحش" هو "المسيح الدّجّال" الذي تنبّأ به يوحنا في رسائله
أيضاً (يوحنا2، 22 / 2 يوحنا 7). إنّ الكشف عن هوية هذا "الوحش" هو
المفتاح الذي يفتح (أي يفسّر) سفر الرؤيا، ذاك "الكتاب الصغير المغلق في يد
الله " (5، 1). إنّه المفتاح لأنه بمعرفة هويّة "الوحش" تستنتج
سائر الألغاز الواردة في سفر الرؤيا.

 

إنّ
مؤلف هذه الصفحات هو الرجل، الكاهن، الذي أوكل اليه يسوع هذا المفتاح. لقد نتج عن
كشف هذا السرّ إضطهادات خبيثة وتهديدات عديدة من المسيحييّن اللبنانيين، من مطارنة
وكهنة وعلمانييّن، حلفاء الوحش. إنهم إنخدعوا به وخافوا من قوّته فخدموه مضحّين
برسالتهم السامية فلم يحافظوا على الوديعة، وخانوا الشهادة المتوجّبة عليهم للمسيح
(متى 24، 10- 12).

 

فما
كان على الكاهن حامل الرسالة الرؤيوية إلاّ أن ينفصل عن الكنيسة بعد خيانتها
وانجرافها وراء "الوحش". إنّ بطرس، تلميذ يسوع، قد فعل مثله في الماضي
مع الكنيس اليهودي وفضّل أن "يطيع الله لا الناس" (أعمال 5، 27- 29).

 

نتج
عن هذا الإنفصال تحرّر فكري و تجدّد روحي جذريّ لهذا الكاهن ولكل من آمن برسالته،
إذ "حكموا بأنفسهم بما هو حق" كما أوصى يسوع (لوقا 12، 56- 57). هؤلاء
الإصلاحيّون الروحانيّون قدموا من أديان وأوساط عديدة. لقد أطلقوا، بإيمانهم
الشجاع والتضامن بينهم، الإصلاح الشامل الذي تنبّأ به بطرس (أعمال 3، 20- 21).

 

هذا
التحرّر جعل منهم مؤمنين مستقليّن وشهوداً أصيلين للمسيح الحقيقيّ: يسوع الناصري.

 

الفصل
الأوّل:

اللّغز
المفتاح

كتاب
"رؤيا يوحنّا" يحتوي على لغز: إنّه وحش غريب يظهر في الفصل الثالث عشر.
فيقول يوحنّا: "رأيت وحشاً صاعداً من البحر، له عشرة قرون وسبعة
رؤوس…إلخ…"

من
هو هذا الوحش؟ إنّه اللّغز الأساسي الواجب إكتشافه. فعليه يترتّب فهم كلّ الألغاز
الواردة في كتاب الوحي الإلهي هذا، وهو بمثابة "المفتاح" الذي يفتح
ويوضّح ألغاز الرؤيا جميعها أمام قارئها. وحدهم الحكماء والأذكياء يتمكّنون من
استيعاب هويّة هذا الوحش فيقول:

 

"هنا
الحكمة، فليكتشف الأذكياء عدد هذا الوحش". إنّه عدد إنسان وعدده 666"
(رؤيا 13، 18).

الرسول
يوحنّا كتب "الرؤيا" باللّغة اليونانيّة وهو معروف في البلاد الغربيّة
تحت إسم "أبوكاليبس"، من كلمة "
Apocalypse" اليونانيّة التي بها يبتدئ هذا الكتاب. إنّ كلمة "Calypse" باليونانيّة
تعني "تغطية و "
Apo-Calypse" تعني عكسها أيّ "نزع الغطاء" أو "إسقاط
القناع" أو "كشف ما هو خفي".

 

إنّها
هويّة الوحش المخفيّة والمُحجّبة في كتاب "الرؤيا". طيلة عشرين قرناً
تقريباً، أي منذ سرد يوحنا رؤاه في كتاب الرؤيا سنة 95 م، ظلّت هذه الهوية خفية
ولغزاً حاول الكثيرون النفاذ إلى فحواه بلا جدوى. أخيراً، يوم 13 أيار (مايو)
1970، أزاح السيد المسيح بنفسه الغموض عن لغز "الرؤيا". قبل ذلك التاريخ،
ظنّ البعض أن "الوحش" هو الإمبراطورية الرومانية، بينما ظنّ البعض الآخر
أنه يرمز إلى الشيطان، أو إلى الشيوعية، أو إلى "هتلر" أو إلى القنبلة
الذريّة. إلاّ أنّ تفاصيل الوحش الواردة في الرؤيا لا تنطبق على أيّ واحدٍ من هذه
كلّها أبداً. ذلك لأنّ ليس باستطاعة أيّ إنسان أن يكشف هوية هذا الوحش. فكتاب
الرؤيا نفسه يعلن بصراحة "لم يستطع أحد في السماء ولا على الأرض" أن يفهم
هذا السر بمجهود شخصي، لأنّ يسوع المسيح وحده يملك هذه السلطة فيقول يوحنا في
الفصل الخامس منه:

 

"رأيت
بيمين الجالس على العرش (الله) كتاباً مختوماً بسبعة أختام (أيّ إنه سرّي تماماً)
ورأيت ملاكاً قوياً ينادي بصوت عظيم "من المُستحق أن يفتح الكتاب ويفضّ
أختامه؟" فلم يستطع أحد في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح
الكتاب ولا أن ينظر إليه (أن يفهمه). فأنا (يوحنا) أخذت أبكي بكاء كثيرا لأنّه لم
يوجد أحد مُستحق أن يفتح الكتاب ولا أن ينظر اليه (لم يستطع أحد تفسير كتاب
"الرؤيا" لمدّة عشرين قرناً). فقال لي واحد من الشيوخ: "لا تبك،
فهو ذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا، من سلالة داوود (يسوع المسيح) فهو سيفتح
الكتاب (سيفسره) ويفضّ أختامه السبعة". (رؤيا 5، 1 – 5).

 

يسوع
وحده، إذاً، له السلطة على كشف سرّ الرؤيا ولغزها. وهذا هو معنى الأختام السبعة
على الكتاب. ففي المفهوم النبوئيّ العدد سبعة هو رمز الكمال، فهذا يعني أن سرّ
الرؤيا محفوظ تماماً كاملاً لا يمكن لأيّ خلق اختراقه ما عدا السيّد المسيح (أنظر
أشعيا 29، 11).

 

ويعلمنا
كتاب الرؤيا أيضاً عن أمر في غاية الأهمية ألاّ وهو أن يسوع " يفتح
الكتاب" -أي يشرحه- بكشف سرّه لمُرسل خاص رآه يوحنا قادماً إلى العالم
"كملاك حاملاً بيده كتاباً صغيراًً مفتوحاً" فيقول: "رأيت ملاكا
قويّاً نازلاً من السماء…وبيده كتاباً صغيراً مفتوحاً" (رؤيا 10، 1-2). هذا
الكتاب المفتوح هو نفسه الذي كان الله يحمله مغلقاً، مختوماً بسبعة أختام. ها هو
الآن مفتوحاً بيد الملاك بعد شرحه ليفهمه البشر. وكتاب الرؤيا هو فعلاً "كتاب
صغير" من حيث الحجم. أمّا التعبير الذي ورد عن الملاك "النازل من
السماء"، فهذا يعني أنّ تفسير الكتاب هو الذي ينحدر من السماء.

 

في
المفهوم النبوئيّ، كلمة "ملاك" تعني إنسان عادي مُرسل من الله، لا ملاك
سماوي. فبهذا المعنى طلب يسوع من يوحنا أن يكتب "إلى ملاك كنيسة أفسس (رؤيا
2، 1)… وإلى ملاك كنيسة أزمير (رؤيا 2، 8)… الخ"، وهؤلاء الملائكة هم
رؤساء تلك الكنائس وهم بشر.

 

إنّ
يسوع يبعث رسولاً ليشرح مضمون كتاب الرؤيا: "أنا، يسوع، أرسلتُ ملاكي
(مُرسلي) ليشهد لكم بهذه في الكنائس" (رؤيا 22، 16). فهناك إذاًَ رسولين
لكتاب الرؤيا: يوحنا و"الملاك" المُرسل من بعده.

 

إستلم
يوحنا رسالة الرؤيا برموزٍ يعجز الإنسان عن تفسيرها، وقد طلب منه الله بصراحة عدم
إيضاحها: "أُختم على كلمات الرعود السبعة (كلمات الله في كتاب الرؤيا) ولا
تكتبها (لا تفسرها)" (رؤيا 10، 4). لكن بعد تسعة عشر قرناً، حين ظهر الوحش،
ظهر السيد المسيح أيضاً ليفسّر ألغاز الرؤيا، وأرسل رسوله الثاني بالأمر الصريح
العكسي وهو أن يشرح الألغاز الواردة في الرؤيا : "لا تختم على أقوال نبوّة
هذا الكتاب (كتاب الرؤيا) فإنّ الوقت (وقت عودة يسوع) قريب (لأنّ الوحش ظهر)"
(رؤيا 22، 10).

 

من
واجبي ان أبلّّغ ضميريّاً وبكلّ أمانة الدوافع التي حثّتني على نشر هذه الرسالة.

 

نصيحة:

لا
يكفي قراءة هذا النصّ، فالتعليق عليه سلباً أم إيجاباً. يجب الرجوع إلى نصّ كتاب
رؤيا يوحنا. إنّه كتابٌ صغير، قراءته سهلة. فيجب مطالعته مرّات عديدة بقلبٍ مفتوح
لاستيعاب فحواه وليتوضّح مغزاه.

 

الفصل
الثاني:

كيف
أعلن يسوع اللّغز

يوم
13 أيار (مايو) 1970، ظهر لي يسوع في بيروت (لبنان) وكشف لي هويّة الوحش. لكنّ قبل
هذا الظهور – ولسنواتٍ عدة – رُؤى أخرى كثيرة هيّأتني لهذا التّصريح الخطير الذي
يقلب الأفكار رأساً على عقب. أهمّ تلك الرُؤى هي:

 

1-
ظهر لي يسوع سنة 1968 ليسألني:

"عندي
سرّ أصرّح لك به، لكنّه سيجلب عليك أعداءً كثيرين. ألأجلي تَقبل؟".

أجبت
في الحال: "نعم". فقبّلني بحرارةٍ ثمّ اختفى.

 

2-
بعد هذه الرؤيا ببضعة شهور عاد وظهر لي مجدّداً وتابع قائلاً:

"لكن
قبل ذلك أريد أن أعرف إن كنت مُتعصّباً. فبالحال لم أعرف بما أجيب. وأخيراً
تمتمتُ: "إن كان التعصّب هو الإيمان بك بصورة عمياء، فليس هو الحال. أنا أعرف
لماذا أُؤمن بك وبوعيٍ ومعرفة تامّة أتبعك". حدّق بي، لم يجِبني، ثمّ اختفى.

 

 إنّما
بعد سنوات، فهمت أنّ يسوع كان يقصد خاصّةً التعصّب الذي وقع فيه معظم المسيحييّن
تجاه الإسلام والمسلمين.

 

3-
بعد هذه الرؤيا ببضعة شهور، قال لي يسوع:

"كثيرون
من الذين يرسمون إشارة الصليب على وجوههم سيرفضون نبوءاتي. إنّهم يدّعون الإيمان بالكتاب
لكنّهم لا يعيرونه أيّة أهميّة وأنت ستُسقط الأقنعة". لم أفهم، لتوّه، ما كان
يقصد يسوع بإسقاط الأقنعة.

 

4-
في 28 نيسان 1969 قال لي الربّ:

"قُل
لهم: "كلّ من قال: قدّوس، قدّوس، قدّوس هو الربّ، الإله القدير، مُبارك الآتي
باسم الربّ"، سيرى في روحه الذي سيُظهر له الحقيقة" (أنظر أشعيا 6، 3
ومتّى 21، 9).

 

5-
في 4 أيّار (مايو) 1969، كنت في دير المُخلّص، قرب صيدا في جنوب لبنان، شاهدت
الرؤيا التالية خلال فترة الراحة: كان الكتاب المُقدّس مفتوحاً في الفصل العاشر في
سفر الرؤيا باللغة الفرنسيّة، وبرز النصّ الآتي عن باقي النصوص:

 

 "لا
بدّ لك أن تتنبّأ من جديد ضدّ شعوب وأمم ولغّات وملوك كثيرين" (رؤيا 10، 11).

 

وقد
ظهرت "من جديد" بحروف كبيرة (
DE NOUVEAU) تشعّ بانتظام مع دقّات قلبي، كأنّهما مُترابطتان. ثمّ رأيت
ذراعاً أيمناً قويّاً ونورانيّاً يُشير بالسبّابة إلى صدري، وسمعت صوتاً جهوراً
يقول لي باللغة العربيّة: "هذه الرسالة مطلوبة منك أنت!". في هذه
الأثناء، سمعت رنين الهاتف. قال لي الصوت: "هذه المُخابرة لك. يطلبونك من
بيروت. لتكُن هذه إشارة بأنّني أنا الذي أُكلّمك". لم أنهض لأردّ على
المُكالمة، بما أنّني كنت ضيفاً في هذا الدير، فكان ينبغي على أحد الرهبان أن
يُجاوب. وقد ظلّ الهاتف يرنّ لمدّة طويلة.

 

 كُنت
آنذاك أجهل كلّ شيء عن رؤيا يوحنا، بما أنّني كنت قد قرأته مرّتين، منذ زمنٍ بعيد،
دون أن أفهم أو أحفظ منه شيئاً، ولم أشعر بميلٍ تجاهه، فكان من شأن العلماء أن
يفسّروه. كنت أكتفي بسائر كتب العهد القديم، والنبوءات فيه عن المسيح، وبالأناجيل
وكلام يسوع الواضح الموجود فيها. وكنت، كسائر الكهنة والناس أنفر من كتاب الرؤيا
هذا بسبب الرموز الغامضة الموجودة فيه والتي تُبعد معظم القرّاء عنه.

 

إلاّ
أنّ هذه الرؤيا هزّتني في أعماقي، ففتحت الكتاب فوراً في الفصل العاشر وصُعقت فيه
إذ وجدت ذات النصّ في نفس الموقع الذي رأيته في الرؤيا، إلاّ أنّ كلمة "من
جديد" لم تكن بأحرف كبيرة. فاحترت ولم أدري معنى ما حدث لي، فرحت أفكّر:
"ربّما الشيطان يُريد أن يوهمني بأنّني شخص مهمّ، له رسالة سماويّة".
وهدّدني الخوف، فأخذت مسبحتي وتوجّهت إلى العذراء: "أنت أُمّي؛
نوّريني". وسرعت إلى الحديقة لأُصلّي المسبحة. وحين وصلت إلى المدخل نحو
الحديقة، ناداني البوّاب: "أبونا، أين كُنت؟ لماذا لم تردّ على الهاتف؟ طلبك
أحد من بيروت". فاندهشت من هذا النداء، وجاوبت البوّاب أنّه على أحد الرهبان
الجواب، لا عليّ أنا. إنّ صرخة البوّاب هذه زادت من تساؤلاتي ومن ارتباكي، فكانت
إشارة أخرى واضحة ليد الله في هذه الرؤيا.

 

في
تلك الفترة، لم أكن أعلم لماذا يجب "التنبّأ من جديد ضدّ…". هذه الرؤيا
السماويّة كانت أوّل صلة عميقة بين هذا الكتاب الصغير وبيني، ومع ذلك لم أكترث له
وقرّرت أن أتجاهله.

 

6-
في 19 نيسان (ابريل) 1970، سألني يسوع باللغة الفرنسية:

"لماذا
أرسلتُ مريم أمّنا لتظهر في بلدة فاتيما دون سواها. إن كان لديك حكمة
جاوبني".

 

فاحترت
ورحت أبحث عن جواب منطقيّ دون جدوى. بعد فترة تفكير، إعترفت بخجل: "لا
أعرف". فاسطرد يسوع بلطف: "عُدْ وفكّر". فعندما رآني أتخبّط بحثاً
عن الجواب، قال مُبتسماً: "لأعمّدها".

 

فرُحت
أتساءل معنى معموديّة فاتيما. هذا إسم إبنة النبيّ محمد. فهل يعني هذا معموديّة
الإسلام؟

 

إنّ
بلدة "فاتيما" في البرتغال. ظهرت فيها السيّدة العذراء المباركة يوم 13
أيار (مايو) سنة 1917 أعطت خلال ظهورها رسالة سريّة طلبت من الفاتيكان إذاعتها سنة
1960 – إلاّ أن البابوات لم يلّبوا هذا الطلب السماوي، ولم يذيعوا "سرّ فاتيما"
هذا حتى اليوم. إنّ "سرّ فاتيما" و "سرّ الرؤيا" واحد. وإسم
هذه البلدة إسم عربيّ، أطلقه عليها أحد أمراء تلك المقاطعة، السيّد "غنصالو
هرمنغيس" (
Gonzalo Hermingues) في القرن الثاني عشر ميلادي. ففي سنة 1158 كانت البلاد لا تزال
في يد العرب، والحرب مُحتدمة بين الفاتحين وأهل البلاد. ففي غارة شنّها الأمير
غنصالو، وقعت في أسره آنسة كريمة اسمها "فاتيما" بنت والي قصر
"ذوشال". فالتمس الأمير من ملكه "ألفنسو هنريكس" يد الأسيرة.
فقبل الملك على أن تنتحل الأميرة الدين المسيحيّ شرعيّاً فرضيت الأميرة وتعمّدت،
لكنّها توفيت بعد زفافها بقليل، فزهد قرينها وانضوى في دير وأطلق إسم امرأته
الراحلة على هذه البلدة التي فيها ظهرت أمّ الفادي الشريفة بعد سبعة قرون ونصف
قرن. إنّ "فاتيما" هي أيضاً ابنة النبيّ محمد، فاطمة الزهراء المُكرّمة
في العالم الإسلامي عامةً والشيعي خاصةً، كونها قرينة عليّ بن ابو طالب أب الشيعة،
ويعتبرها الشيعيّون "أمّ الشيعة"، فهي تمثّل إذاً المسلمين الأوفياء،
والشيعة منهم خاصةً، المباركين من الله لأجل كفاحهم الشرعي ضدّ الوحش، عدوّ
المسيح. لذلك يعتبر السيّد المسيح هذا الكفاح جهاداً مقدّساً فهو بمثابة معمودية
خلاص. لقد ظهرت أمّنا مريم في بلدة "فاتيما" لتُعلن أمام المَلْء أنّ
الجهاد الإسلامي ضدّ الوحش هو جهاد مُبارك. على المسيحييّن أن يمرّوا بهذه
المعموديّة إذا أرادوا الخلاص.

 

فيما
بعد، ظهرت لي العذراء مريم لتقول لي: "يا ماما، جيب لي إيّاهم من
القرآن". فهذا دفعني إلى كتابة "نظرة إيمان بالقرآن الكريم" بعد
تلك الرؤيا بعشر سنوات.

 

7-
يوم 12 أيّار (مايو) 1970، ظهر لي يسوع على باب شُرفة غرفتي في بيروت إذ كنت في
مضجعي. كان واقفاً عاري الصدر، شامخ الرأس، يُحدّق نحو الجنوب، قائلاً بغضب
وباللغة العربيّة:

 

"لن
أصمُت عن إذاعة فظائعك، يا إسرائيل".

 

8-
في 12 أيّار (مايو) 1970 أعلن لي يسوع أخيراً، سرّ كتاب "الرؤيا" هكذا:
عندما استيقظت فجراً، رأيته كرجل من نور واقفاً قرب فراشي. قال لي وكأنّه يُخاطب
العالم أجمع من خلالي:

 

"اليوم
الثالث عشر من أيّار (مايو)، ذكرى ظهور السيّدة العذراء في فاتيما (عام 1917).

 

 إفتح
الفصل الثالث عشر من كتاب الرؤيا: الوحش هو إسرائيل!".

 

وتوارى
في الحال بعد أن سلّمني مفتاح ألغاز رؤيا يوحنا. وكنت وحيداً وشعرت بالوحدة أمام
هذا الوحي الذي قلب أفكاري رأساً على عقب، إذ كنت آنذاك من داعمي إسرائيل.

 

"الوحش
هو اسرائيل" ؟!…يا إلهي، يا لها من كلمات!!

 

بينما
كان يسوع يُكلّمني حاول ضجيج جهنميّ تشويش كلمات يسوع التي تسرّبت رغم ذلك كتمتمة
إلى أذني. إلاّ أنّ هذا التدخّل الشيطانيّ توقّف فجأةً فسمعت بوضوحٍ وصفاءٍ هذه
الكلمات: "إفتح الفصل الثالث عشر من كتاب الرؤيا: الوحش هو إسرائيل". لم
تَدُم هذه الرؤيا سوى دقيقة؛ لكنّها قلبت حياتي رأساً على عقب…كما انقلب في الماضي
بولس في طريقه الى دمشق (أعمال 9).

 

بعد
الرؤيا، نهضت مذهولاً وفتحت الكتاب المقدّس في الفصل الثالث عشر من الرؤيا. كنت
آمل أللاّ أجد وحشاًَ، خاصّةً وإنّي كنت متعاطفاً مع إسرائيل، إذ كنت أعتبرها
مخلّصة المسيحييّن من المسلمين.

 

صُدمت
عندما وجدت "وحشاً له عشرة قرون وسبعة رؤوس"، أعطى له "التنين
(الشيطان) سلطاناً عظيماً، وكان أحد رؤوسه كأنّه مصاب بجرح مميت، إلاّ أن جرحه
المميت كان قد برىء. والأرض كلّها تعجّبت وتبعت الوحش" (رؤيا 13، 1 – 3).
وتساءل الكلّ مُستسلمين للوحش: "مَنْ مثل الوحش. ومن يستطيع أن يحاربه؟"
(رؤيا 13، 4). لم يقاوم هذا الوحش إلا المصطفون "المدوّنة أسماؤهم في كتاب
الحياة (الأبدية) للحمل (يسوع) المذبوح (المصلوب)" (رؤيا 13، 8). لقد وعيت
بعد قراءة هذه النصوص، إلى أنّ لإسرائيل هذا "السلطان العظيم" وإنّ
"الجرح المميت" المصاب به "الوحش" ينطبق تماماً على خراب
إسرائيل سنة 70 م، وبالطبع إلى جريمة هتلر ضدّ اليهود إبّان الحرب العالمية
الثانية، وإنّ معظم الناس، وكنت منهم حينئذٍ، منجرفون وراء الخدعة الإسرائيلية
ظنّاً منهم أن لا أحد "يستطيع محاربة" هذا الكيان. أبناء فاتيما وحدهم
يقاومون هذا الوحش.

 

إستطردت
في قراءة الفصل الثالث عشر، فوصلت الى حيث رأى يوحنا "وحشاً آخر" في
خدمة الوحش الأول "ويجعل الأرض والساكنين فيها يسجدون (يستسلمون) للوحش الأول
الذي برىء من جرحه المميت… بحيث لا يستطيع أحد أن يشتري أو يبيع ما لم يكن
متّسماً بسمة الوحش (خاضعاً له)" (رؤيا 13، 11 – 17). فاستنتجت ما يلي: بما
أنّ الوحش الأول هو إسرائيل، فالوحش الثاني الذي يدعم الأول هو قطعاً الولايات
المتحدة الأميريكية التي تدعم إسرائيل وتثبّت سيطرتها في العالم وفي الشرق الأوسط
خاصّةً. وفهمت عندها مَن هم "الأعداء الكثيرون الذين سيجلبهم ضدّي هذا
السرّ"، ومن هم "الأمم الكثيرة، والدول، واللغات والملوك الذين يجب عليّ
التنبّؤ ضدّهم من جديد". وإنّ كلمة "من جديد" وردت في وحي
"الرؤيا" لأنّ هذا التنبّؤ قد توقف، فلا بد من التنبّؤ "من
جديد" ضدّ "الوحش" وحلفائه كما فعل الأنبياء والمسيح في الماضي
(أنظر على سبيل المثال أشعيا 1، 2 – 4 / إرميا 2، 26 / 27، ميخا 3، 9 / 14، متى
23، 33 / 37، يوحنا 8، 44).

 

أمام
هذه التفاصيل وقفت مصدوماً لأنّني شعرت بحقيقة الرسالة وأهميّتها. فهدّدني الخوف.
وأخذت أفكر: "لماذا أتلقّى أنا كلّ هذا؟ فإنّني عاجز أمام هكذا أعداء!".
بعد هذه الرؤيا وهذه القراءة شعرت نفسي وحيداً في عالم من الصمت. وقعت تحت تأثير
جدّية الموقف. فشعرت بحاجة ملحّة للصلاة، فصلّيت كثيراً وبعمق مُستنجداً بالمولى.

 

تملّكتني
من ثمّ حرب من الأفكار، قلت في نفسي: "أنا كاهن، لذلك، ليس من شأني أن أهتم
بالسياسة". لكن، من جهّة أخرى، وعيت بأنّ الواقع الإسرائيلي ليس سياسيّ فحسب،
فإسرائيل ترفض الاعتراف بيسوع كمسيح، وأنّه، بالرغم من إعلان فسخ العهد الأول
(إرميا 32، 31-33)، ما زالت إسرائيل تدّعي بأنّ لها حق إلهي على فلسطين، بحجّة
أنّها أرض الميعاد لليهود.

 

فهمت
عندئذٍ أنّ الإعتراف بأيّ حقّ لإسرائيل على فلسطين يعني خيانة يسوع، وشهادة زور
على رسالته الروحية والعالمية. فللمشكلة إذاً بعدٌ روحيٌّ. ويجب التحلّي بالفطنة
والتمييز للتعرّف على الوحش: "وهنا لا بدّ من الحكمة. من كان ذكيّاً فليحسب
عدد الوحش إنّه عدد إنسان وعدده 666" (رؤيا13، 18).

 

أربكتني
كلّ هذه الأفكار كثيراً بسبب التيّار المعاكس، القوي والخطير الذي يجب مواجهته.
فهمت عندئذٍ إنّه هذا هو السرّ الذي أراد يسوع أن يكشفه لي، والذي سيجلِبُ عليّ
أعداءً كثيرين. سمعته عندئذٍ في قلبي يسألني من جديد: "ألأجلي تقبل؟"
فأكّدت موافقتي، واعياً هذه المرّة، لماذا "لا بدّ أن أتنبّأ من جديد ضدّ
شعوب وأمم ولغات وملوك كثيرين".

 

فالمُحيطين
بي الذين صارحتهم بالأمر، وعائلتي بالذات، وقفوا ضدّي. أكّد لي موقفهم هذا تحذيرات
يسوع وجعلني أتأمّل بما قاله لتلاميذه: "ويكون أعداء الانسان أهل
بيته"(متى10، 36).

 

كنت
أجهل أنّ هذه المصاعب ليست إلا ّبداية حرب طويلة. وبالفعل، إشتدّت الكراهية تجاهي
عندما أعلنت ما قاله لي يسوع بالعربية يوم 15 أيّار 1970:

 

"إيّاك
أن تُلطّخ يدك بدم الفلسطينيّ: فأنا وهو واحد؛ أنا المنبوذ مثله من
الإسرائيليين".

 

ثم
شدّ وجه رجل نحو وجهه وقال: "ألا ترى وجه الشبه؟" وبالفعل كان الوجهان
متشابهين تماماً.

 

باشرت
منذئذٍ في قراءة كتاب الرؤيا مراراً وتكراراً بإهتمام جديد مزوّداً بهذا النور
الجديد. فبقدر ما كنت أتقدّم في قراءته المتكرّرة، أخذت الرموز الغامضة تتوضّح لي
الواحدة بعد الأخرى. هكذا، فهمت بذهول أنّ إسم يسوع الجديد هو "فلسطين".
قال يسوع في كتاب الرؤيا: "الغالب …سأنقش فيه إسم إلهي…إسمي الجديد"
(رؤيا 3، 12). وهذا الإسم الجديد هو حجر عثرة أمام شعوب وأمم وألسنة و ملوك بما
فيهم كثير من رؤساء دينييّن مسيحييّن.

 

في
يوم أحد العنصرة من العام نفسه الواقع في 17 أيّار، دعاني بعض أعضاء فلسطينييّن في
رعيّتي إلى معرض الرسّام الفلسطيني إسماعيل شمّوط. قبِلتُ الدعوة كخطوة أولى في
العالم الفلسطينيّ الذي كنت أجهله كلّياً آنذاك. هناك تأثّرت كثيراً بإحدى
اللوحات: فدائي فلسطيني ذو وجه يشعّ الفخر والقوّة، عاري الصدر وعريض الكتفين،
نظره يشعّ الطهارة والعدل، واقفاً بكلّ اعتزاز وغضب، يداه مقيّدتان وراء الظهر،
النور ينعكس على وجهه وصدره. إنّه محاطٌ بجنود إسرائيليين، واقفين حوله في الظلّ،
موجّهين أسلحتهم إليه بخوف، ومنظرهم حقير وخسيس.

 

هذه
اللوحة كلّها تناقضات: إنّه أسير، لكنّه المُنتصر. يظنون أنفسهم منتصرين لكنّهم
يبدون مهزومين؛ هو القاضي، وهم المدانون. حدّقت طويلاً في الرجل: إنّه وجه يسوع
الذي رأيته على شرفتي ينظر بغضب نحو الجنوب، مهدّداً إسرائيل. إنّه أيضاً الوجه
نفسه الذي رأيته منذ يومين بالقرب من وجه يسوع ومطابقاً له. وعلى الفور، سمعت صوت
المعلّم:

 

"وهكذا
وقفت، أنا أيضا، أمام الكاهن الأكبر، عندما سألني متحدّياً، إن كنت فعلاً المسيح،
ابن الله. فكان جوابي إيجابيّاً، وبكلّ قوة وتأكيد، كما في هذه اللوحة. فاحمرّ
وجهه غضباً وحكم عليّ بالموت صلباً".

 

أردت
أن أحصل فوراً على تفاصيل دقيقة عن هذه اللوحة. فقال لي الرسّام:" هذا الرجل
يمثّل محمود حجازي، أوّل فدائي حُكم عليه بالسجن. إنّه ما يزال في السجون
الإسرائيلية بفلسطين".

 

بعد
مرور سنتين، حظيت بمقابلة محمود الذي كان قد أُفرج عنه. فتعانقنا بحرارة كما
عانقني يسوع لمّا قبِلتُ أن يعلن لي السرّ الذي سيجلب عليّ أعداء كثيرين.

 

عاد
يسوع من جديد في 20 أيّار (مايو) 1970 وقال لي:

"نعم،
إنّ الفلسطيني هو حجر عثرة".

 

كنت،
حتّى ذلك الوقت، غير مبالٍ كليّاً تجاه مأساة الشعب الفلسطيني؛ لكن، منذئذٍ،
استفاق انتباهي فحاولت أن أتعرّف عن كثب على هذا الشعب لأفهم مغزى صراخه المُفجع.
فأحببته كما هو من جرّاء الظلم الفاحش الذي يصيبه كما أصاب المسيح قبله.

 

إنّ
مبادرات إلهيّة كثيرة جعلتني أستوعب رسالة كتاب الرؤيا، تلك الرسالة المُلقاة على
عاتقي والمدعو لنشرها. ما ذكرته هنا يكفي لإقناع ذوي النيّة الحسنة. آملُ أنّي قد
ساهمت في إفهام القارىء الواقع الروحي كما أعلنه لي يسوع، ولا أن يفهمه سياسياً من
خلال منطق الناس ووسائل الإعلام العميلة المتآمرة مع "الوحش".

 

هكذا
سلّمني يسوع مفتاح سفر الرؤيا. إنّني مدعوٌّ اليوم لشرح هذا "الكتاب
الصغير" الذي بقي غامضاً مدّة تسعة عشر قرناً. فعلينا أن نتحلّى بالحكمة
لتقبّل سرّ كتاب رؤيا يوحنا: "هنا الحكمة والذكاء" (رؤيا 13، 18).
فالأمر أصبح واضحاً وبسيطاً. يجب أن نتحلّى بالإيمان، والحقّ والعدل والشجاعة
لنقاوم التيّار السياسيّ العالميّ المؤيّد للإسرائيلييّن و"لنشهد من جديد ضدّ
شعوب وأمم ولغّات وملوك كثيرين".

 

إنّنا
بهذا "المفتاح"، يمكننا فضّ أختام الكتاب الصغير السبعة وفهم كلّ رموزه.
لقد وصلنا إلى الزمن الذي تنبّأ به كتاب الرؤيا، ولذا كشف يسوع سرّه لكي ينقذ كلّ
ذوي النيّة الحسنة -من كلّ جنس وكلّ دين- واليهود أنفسهم من السحر الإسرائيلي.

 

وأخيراً
لا بدّ من توضيح نقطتين لا بدّ أن يعترف بهما الجميع عاجلاً أم آجلاً:

 

1-
إنّ رؤيا يوحنا، هذا الكتاب الغامض لم يُعطَ لنا ليبقى غامضاً فلا تكون له فائدة
عمليّة لخلاصنا.

 

2-
إنّ تفسير هذا الكتاب المقدّس لا يمكن أن ينتج عن مجهود محض بشري، بل من خلال كشف
إلهيّ كما شرحناه سابقاً (رؤيا 5، 1-5).

 

لذلك
لا أريد أن أظهر كأحد الذين يقدّمون تفسيراً شخصيّاً آخر لكتاب الرؤيا. فقد طلب
مني المسيح أن أبلّغ وأشهد بإخلاص لوحي إلهي.

 

أخيراًَ،
قال لي يسوع، ما قيل سابقاً للنبيّ حزقيال:

 

"قل
وأعلن هذه الأشياء لشعبي. إن سمعوك أم لم يسمعوك، أنت تكلّم" (حزقيال 2).

 

الفصل
الثالث:

تقدمة
الكتاب

سفر
أو كتاب الرؤيا كتبه الرسول يوحنّا باللغّة اليونانية. يبدأ بكلمة
"أبوكاليبس" (
Apocalypse). التي تعني "كشف" أو "فضح". وهي مُشتقّة من
كلمة "
Calypse" التي تعني تغظية. فكلمة Apo-Calypse تعني رفع الغطاء لكشف ما هو تحته. المُستهدف هنا هو إسقاط القناع
عن وجه المسيح الدجّل لفضحه.

 

كتاب
الرؤيا يضمّ مجموعة نبوءات عن عودة إسرائيل إلى فلسطين حتى سقوطها النهائي، ولن
يعود هذا الكيان إلى الوجود من بعد، فهذه آخر أزمنته، وهذا ما كان يعنيه يسوع
عندما حدّث تلاميذه عن "آخر أزمنة الوثنيّة" (لوقا 21، 24) قاصداً آخر
الأزمنة المسموحة لأعدائه (اليهود الذين يرفضونه)، والمعروفين "بالمسيح
الدجال"، والذين يعتبرهم القديس بولس "سرّ الإثم الآخذ في العمل"
(2 تسالونيكي 2، 7). لقد أعلن يسوع سفر الرؤيا ليوحنا من أجل إحاطة شعبه بما سيحدث
في المستقبل. "شعبه، اليوم، هم المُؤمنون برسالة الرؤيا". فهكذا يبتدىء
هذا الكتاب:

 

"كَشْف
(أو
Apocalypse: إسقاط قناع) يسوع المسيح. إنّ الله أعطاه إياه ليبيّن لخدّامه
(المؤمنين) ما سيحدث قريباً. أرسل (يسوع) ملاكه (رسوله) إلى يوحنا خادمه ليعلمه
بذلك… طوبى لقارىء هذا الكلام النبوئي ولمُستمعيه إذا حفظوا مضمونه لأنّ الزمن
قريب" (رؤيا 1، 1-3).

 

كان
القديس يوحنا، كاتب سفر الرؤيا، مَنفيّاً في جزيرة "بطمس" سنة 95م مع
مسيحييّن كثيرين نَفاهُم الإمبراطور "دوميسيانوس". في هذه الجزيرة شاهد
رؤاه العديدة التي دوّنها في كتاب الرؤيا، فيقول:

 

"أنا
يوحنا… كُنت في جزيرة "بطمس" (مَنفيّاً) لأجل كلمة الله وشهادة
يسوع" (رؤيا 1، 9).

 

يعلن
يوحنّا مرّتين أنّ المسيح أمَرَه بوضع رؤاه كتابةً: "أكتب ما تراه في سفر
(كتاب) وأرسله إلى الكنائس السبع" (رؤيا 1، 11). "أكتب ما رأيت، الحاضر
وما سيكون من بعد" (رؤيا 1، 19). ما كتبه يوحنا وأرسله إلى الكنائس السبع هو
كتاب الرؤيا. لا بدّ من ملاحظة أنّ هذا الكتاب يتطرّق إلى زمنين: "الحاضر ثم
ما سيكون من بعد". الفترة الزمنيّة الثانية تشير إلى زمن مستقبلي معيّن.

 

لذلك
نجد أن هذا الكتاب المكوّن من 22 فصلاً ينقسم إلى جزئين واضحين: الجزء الأول يخصّ
الزمن الذي عاش فيه يوحنا وهو "الحاضر"، والجزء الثاني يستهدف زمناًَ
مستقبلياً معيّناً مشاراً إليه ب "ما سيكون من بعد". إنّ رسالة المبعوث
الثاني لسفر الرؤيا محدّدة: إنها شرح النبوءات الواردة في هذا الكتاب عن الزمن
الثاني، هو المستقبل الذي أصبح اليوم حاضراً معاصراً لجيل القرن العشرين بعد
الميلاد.

 

3-1
الجزء الأول

يتكوّن
من الفصول الأوّل والثاني والثالث، وهو موجّه إلى الكنائس السبع التي أسّسها يوحنا
في آسيا الصغرى (تركيا). تُحرّض هذه الفصول على الإيمان والمُثابرة، رغم
الإضطهادات، لنيل إكليل المجد من السيد يسوع المسيح.

 

إنّنا
نجد في الجزء الأول هذا – خلافًا للثاني الذي يتبعه – أسلوباً واضحاً منظّماً،
وتتابعاً منطقيّاً متسلسلاً مفهوماً في معظمه. لذا لن نركّز على هذه الفصول
الثلاثة الأولى لأنّها ليست هدف دراستنا.

 

3-2
الجزء الثاني

يمتدّ
هذا الجزء من الفصل الرابع إلى الفصل الثاني والعشرين، والأخير. إنّه يتميّز
تماماً عن الجزء الأول ويبدأ بقول يوحنا: "رأيت بعد ذلك ما يلي: باباً
مفتوحاً في السماء والصوت الذي كلمني من قبل… قال لي: إصعد إلى هنا فأريك ما
سيحدث فيما بعد" (رؤيا 4، 1). المقصود بذلك طبعاً الحوادث المستقبلية المُشار
إليها سابقاً في رؤيا 1، 19.

 

يظنّ
بعض المفسّرين أنّ فصول الجزء الثاني هذه، كفصول الجزء الأول، تنطبق هي أيضاً على
كلّ زمان وكلّ مكان، ترمز إلى الصراع ضدّ الشرّ عامةً. ليس هذا هو الواقع حيث أنّ
الله يشير إلى زمنٍ معينٍ بعد يوحنا وإلى مكان محدّد، فلسطين، كما تدل على ذلك
النصوص التالية:

 

زمن
مُعيّن ومكان مُحدّد

1
– "كشف يسوع المسيح: إنّ الله أعطاه إياه ليبيّن لخدامه ما سيحدث
قريباً" (رؤيا 1، 1).

2
– "أكتب ما رأيت، الحاضر وما سيكون من بعد (عودة الوحش)" (رؤيا 1، 19).

3
– إصعد إلى هنا فأريك ما سيحدث فيما بعد" (رؤيا 4، 1).

 

4
– رأيت ملاكاً (يسوع)… بيده سلسلة عظيمة فقبض على التنين، الذي هو إبليس
والشيطان، وقيّده لمدّة ألف سنة، وطرحه في الهاوية، وأقفل عليه حتى نهاية الألف
سنة. وبعد ذلك سيحلّ لفترة قصيرة" (رؤيا 20، 1 – 3). ويستطرد يوحنّا في الفصل
نفسه: " بعد اكتمال الألف سنة سيحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم (اليهود
المُنتشرين في الأمم)" (رؤيا 20، 7).

 

5
– "هذا الوحش كان (في الماضي) وليس بكائن (في الوقت الذي يكتب يوحنا رؤاه)
وسيطلع من جديد من الهاوية إنّما ليذهب إلى الهلاك" (رؤيا 17، 8). نلاحظ 3
نقاط مهمّة في هذا النصّ الأخير:

 

أ
– هذا الوحش كان موجوداً في الماضي قبل سنة 95م حين كتب يوحنا رؤاه. وهذا لا ينطبق
على الشيوعيّة، ولا على الإسلام ولا على هتلر ولا على الأسلحة النوويّة.

 

ب
– الوحش ليس في الوجود سنة 95م. فهو إذاً لا يرمز إلى الشرّ عامةً، لأنّ الشرّ
موجود في كلّ زمان ومكان. ولا إلى الإمبراطوريّة الرومانيّة، كما يدّعي بعض
المُفسّرين، فهذه الإمبراطوريّة كانت موجودة عام 95م.

 

ج
– سيعود الوحش إلى الوجود في المستقبل بعد يوحنا "صاعداً من الهاوية من جديد".
إنّ عودة الوحش من الهاوية تتزامن مع عودة إبليس بعد تحريره من الهاوية هو أيضاً
عند انقضاء "الألف سنة" (رؤيا 20، 7). كلاهما يعودان من الهاوية سويّاً
(رؤيا 11، 7 و 20، 1-3).

 

6
– رأيت سبعة ملائكة ومعهم الضربات السبع الأخيرة لأنّه بها سيتمّ غضب الله"
(ضدّ الوحش وحلفائه)" (رؤيا 15، 1).

 

7
– "ملوك عشرة لم يحصلوا على الملك بعد وإنّما سيأخذون سلطاناً كالملوك (في
المستقبل) مع الوحش" (رؤيا 17، 12).

 

8
– "ملائكة أربعة على نهر الفرات مستعدّون للساعة واليوم والشهر والسنة"
(رؤيا 9، 15). الزّمان والمكان محدّدان هنا بدقّة. المكان هو نهر الفرات. هذا
ينطبق تماماً على الحرب الدوليّة ضدّ العراق. بالفعل، فإنّ الولايات المتّحدة
وحلفائها الأوروبييّن هدّدوا هذا البلد عام 1990، بالتدخّل عسكرياً ضدّه، محدّدين
مهلة تنتهي: منتصف الليل ( الساعة)، في 16 (اليوم)، كانون الثاني/ يناير (الشهر)،
1991 (السنة). وبالفعل نُفّذت هذه التهديدات فوراً بعد منتصف الليل في اليوم
المُعلن. هذه الحرب الدولية ضدّ العراق، الواقع على نهر الفرات، هي علامة لا جدل
فيها لكلّ من يتحلّى بروح النبوءة. إنّها الحرب الوحيدة في تاريخ العالم التي
حُدّدت مسبقاً في الساعة واليوم والشهر والسنة. إنّه البوق الرؤيوي الرنّان الذي
لا يسمعه الصمّ وحدهم. ولأهمية هذا الحدث، يذكر كتاب الرؤيا نهر الفرات مرّة
ثانية: "وسكب الملاك الثالث كأسه على نهر الفرات الكبير…" (رؤيا 16،
12).

 

9
– "الربّ الإله مُلهم الأنبياء قد أرسل ملاكه ليبيّن لعباده ما سيحدث عن
قريب. ها إنّ عودتي قريبة" (رؤيا 22، 6 – 7). من الواضح أنّ هذه الحوادث
المُتنبّأ بها هي مؤشرات عودة السيد المسيح. فليسمع من يستطيع أن يسمع!

 

10
– تشير ثلاث آيات إلى المغزى الروحي للأحداث الزمنيّة المذكورة رمزياً في كتاب
الرؤيا. الأحداث الرؤيويّة هي في الأساس ذات مستوى روحي: إنها تدلّ على الحرب
النهائية بين المسيح وخاصّته والمسيح الدّجّال و خاصّته. تدور هذه المعركة الحاسمة
في مكان جغرافي محدّد وهذا المكان هو فلسطين، ومدينة القدس (أورشليم) خاصّة:

 

أ
– "الأمم (الوثنيّون) سيدوسون المدينة المقدسة (القدس) إثنين وأربعين
شهراً" (رؤيا 11، 2).

 

ب
– "…الوحش الصاعد من الهاوية يصارعهما ويغلبهما و يقتلهما. وتبقى جثّتهما في
ساحة المدينة العظيمة…حيث صُلب أيضاً ربّهما…" (رؤيا 11، 8). لقد صُلب يسوع
في القدس، أورشليم.

 

ج-
بعد اكتمال الألف سنة، سيحلّ الشيطان من سجنه ويخرج ليضلّ الأمم (رمز الوثنييّن)
الذين في زوايا الأرض الأربع، جوج ومأجوج، ويحشدهم للحرب على سعة الأرض كلّها
(فلسطين) وأحاطوا بمعسكر القدّيسين، وبالمدينة المحبوبة (القدس)" (رؤيا 20،
7-9).

 

الوحش
هو المسيح الدجّال

مُفسّري
الكتاب المُقدّس يؤكّدون أنّ "الوحش" هو المسيح الدجّال الذي تكلّم عنه
يوحنّا، وهو أيضاً ذاك "العدوّ" (عدوّ المسيح، أيّ المسيح الدجّال) الذي
تنبّأ به بولس (2 تسالونيكي 2، 1-5). يجب أن يظهر هذا العدوّ قُبيل عودة المسيح:
يقول يوحنّا: "فمن هو الكذّاب، إلاّ الذي ينكر انّ يسوع هو المسيح؟ هذا هو
المسيح الدجّال" (1 يوحنّا 2، 22).

 

الإسرائيليّون
وحدهم ينكرون "أنّ يسوع هو المسيح، فالإسلام يُصدّق على هذه الحقيقة، والقرآن
يعترف، علاوةً عن ذلك، بأنّ يسوع هو "كلمة الله وروح الله" (سورة آل
عمران 45).

 

يقول
بولس عن عودة المسيح: "أمّا مجيء (عودة) ربّنا يسوع المسيح… يجب أن يظهر
أوّلاً رجل المعصية، إبن الهلاك، والعدوّ (المسيح الدجّال)… أما تذكرون أنّي، وأنا
بعد عندكم، كنت أقول لكم ذلك مراراً؟ (2 تسالونيكي 2، 1-5).

 

يتميّز
إذاً زمن الأحداث المُتنبّأ بها في كتاب الرؤيا بظهور المسيح الدجّال في فلسطين، وفي
قلب أورشليم، ليَقود الحرب النهائيّة ضدّ المسيح والمسيح سيَنتصر فيزول المسيح
الدجّال إلى الأبد. (رؤيا 17، 8). وهذا يثبت ما أعلنه المسيح لتلاميذه عن آخر
الأزمنة، إذ قال لهم: "عندما ترون أورشليم (القدس) قد أحاط بها الجنود
فاعلموا حينئذٍ أنّ خرابها قريب" (لوقا 21، 20). فلِننتبه نحن أيضاً، ولنعِ
أنّ عودة يسوع قريبة.

 

في
مثل شجرة التين، طلب منّا يسوع أن نتعرّف على الزمن الذي فيه يظهر
"الوحش" قبل عودته فيقول:

 

"من
التينة تعلّموا المثل، فإنّها إذا لانت أغصانها وأخرجت أوراقها علمتم أنّ الصيف قد
دنا. كذلك أنتم إذا رأيتم هذا كله (ظهور الوحش في فلسطين) فاعلموا أنّه ("إبن
الإنسان"، يسوع) قريب، على الأبواب" (متى 24، 32 – 33). الأمر إذاً، في
غاية الأهمية: يجب التعرف على هويّة "الوحش" لنفهم من ظهوره أنّ ساعة
عودة يسوع قد دقّت.

 

كتاب
الرؤيا كتاب دينونة

كتاب
الرؤيا كتاب دينونة لأنّه يُدين الوحش وحلفاءه أبديّاً (رؤيا 14، 9 – 11)، ويَهِب
الحياة الأبديّة لكلّ من فَضَحه وحاربه. تَظهر الدينونة في ما قال يوحنّا:

 

"ثمّ
رأيت عرشاً كبيراً أبيض والجالس عليه (الله تعالى)…. وفُتِحت الكتب (الكتب
المقدّسة) ثم فُتِح كتابٌ آخر (كتاب الرؤيا)، الذي هو كتاب الحياة، عندها دين
الأموات بموجب المكتوب في الكتب" (رؤيا 20، 11 – 12).

 

هؤلاء
"الأموات" يُمثّلون البشريّة كلّها الغارقة في ظلمات الجهل المُميتة.
إنّهم ليسوا أرواح الذين انتقلوا من هذا العالم إلى عالم الأرواح. فكلّ الذين، منذ
الآن، على الأرض، يسمعون رسالة كتاب الرؤيا، هذا الكتاب المفتوح، المفهوم، ويعملون
بموجب تفسيراته للأحداث، يعودون إلى الحياة الروحيّة: "هنيئاً للّذي يقرأ
وللّذين يسمعون هذه الأقوال النبويّة وهنيئاً للّذين يعملون بها…" (1، 3). في
الماضي، كلّمنا يسوع بنفس الأسلوب: "ستأتي الساعة –وقد أتت- التي يسمع فيها
الأموات صوت إبن الله، وكلّ من سمعه يحيا (يوحنّا 5، 25). فالمقصود، الحياة
بالطبع، العودة إلى الحباة الروحيّة. هذه هي "القيامة الأولى" التي
ذكرها كتاب الرؤيا أيضاً (رؤيا 20، 5). إنّ هذا "الكتاب الصغير المفتوح"
يُقدّم هذه الحياة الروحيّة الأبديّة منذ الآن للّذين يسمعونه: "من كان له
أذنان، فلْيسمع ما يقوله الروح" للناس أجمعين (رؤيا 3، 22).

 

هكذا
إذاً "الكتاب الآخر" الذي فتح بعد سائر الكتب، هو كتاب الرؤيا. كان
مغلقاً، "مختوما بسبع أختام في يد الجالس على العرش" (رؤيا 5، 1). ها هو
الآن قد فُتح لتستوعبه عقولنا بعد استيعابنا سائر كتب الوحي، فهو آخر كتاب وحي
فهمناه. أمّا اليوم، عاد يسوع إلى رسله الجدد ليفتح أذهانهم وليفهموا نبوءات الكتب
وبالأخصّ كتاب الرؤيا، فهكذا تصرّف أيضاً بالماضي مع رسله الأوّلين بعد قيامته
ليفهمهم ما يخصّه في نبوءات الكتب المقدّسة (لوقا 24، 45).

 

يجب
الاشارة الى أن "الجالس على العرش الكبير الأبيض" (20، 11) لم يعد يحمل
بيده ذلك الكتاب الذي كان مغلقاً في الفصل5، 1. سبب ذلك هو أن "الحمل (يسوع)
أتى وأخذ الكتاب من يمين الجالس على العرش" (رؤيا 5، 7) ليعطيه مفتوحاً، أي
مفسراً، للملاك المرسل حاملاً بيده كتاباً صغيراً مفتوحاً" (رؤيا 10، 2)، كما
شرحنا في الفصل الأول. هذا الكتاب الصغير المفتوح هو كتاب الرؤيا الصغير حجماً
والعظيم حكمةً.

 

منذ
فتح هذا "الكتاب الصغير" (10، 2) على مصراعيْه، بدأت دينونة العالم :
الذين تحالفوا مع الوحش، وإن كانوا مسيحيين، فهم يعادون المسيح، أما الذين يحاربون
الوحش، وإن كانوا وثنييّن، فهم ينضمّون الى جيش المسيح. فتظهر الدينونة بإنتصار
يسوع والذين معه على الوحش وحلفائه نهائياً: "وهذه القرون العشرة، هي عشرة
ملوك… هؤلاء إتّفقوا على أن يعطوا الوحش قوّتهم وسلطانهم. وهم سيحاربون الحمل،
والحمل يغلبهم مع الذين معه، هم المدعووّن، المصطافون، المؤمنون (17، 12-14)… و
رأيت الوحش وملوك الأرض وجيوشهم يتجمّعون ليقاتلوا ضدّ الفارس (المسيح) وجيشه.
فوقع الوحش في الأسر مع النبيّ الكذاّب، الذي عمل العجائب في خدمة الوحش… وألقوا
الوحش والنبيّ الكذاّب قيد الحياة في بحيرة من نار الكبريت المُلتهب" (رؤيا
19، 19 – 21).

 

نلاحظ
إذاً وجود مواجهة بين معسكرين: معسكر الوحش ضدّ معسكر الفارس.

أطراف
المعسكر الأوّل هم: التنّين، الوحش والملوك العشر وجيوشهم.

أطراف
المعسكر الثاني هم: الفارس، جيشه، المرأة، الشاهدان والملاك.

 

في
الفصل اللاحق نعطي تفاصيل أوفر عن أطراف المعسكرين.

 

الفصل
الرابع:

مُلخّص
القصّة

يقدّم
كتاب الرؤيا الأحداث والأطراف الواردة فيه بطريقة مُتشابكة بلا ترتيب لئلاّ يُفهم
مضمونه إلاّ بعد فتح هذا الكتاب الصغير.

 

4-1
الأطراف المتحالفة مع المسيح الدجّال

أ-
الشيطان

قيّد
يسوع الشيطان عند مجيئه الأوّل:

"اليوم
دينونة هذا العالم، واليوم يُطرد سيّد هذا العالم (الشيطان)"، قال يسوع
(يوحنّا 12، 21).

 

تنبّأ
كتاب الرؤيا بتحرير الشيطان بعد "ألف سنة" رمزيّة:

"ثمّ
رأيت ملاكاً (يسوع) نازلاً من السماء… فأمسك التنّين أي إبليس أو الشيطان وقيّده
لألف سنة… ومتى تمّت الألف سنة، يُطلق الشيطان من سجنه، فيخرج ليُضلّل الأمم التي
في زوايا الأرض الأربع، جوج ومأجوج، فجمعهم للقتال، وعددهم عدد رمل البحر… وأحاطوا
بمعسكر القدّيسين والمدينة المحبوبة" (20، 1-9).

 

بعد
أن كان يسوع قد قيّد الشيطان، أتى المسيح الدجّال، وحش الرؤيا ورمزه بنجمة داوود،
وحرّره من الجحيم. ورد في كتاب الرؤيا:

 

"ونفخ
الملاك الخامس في بوقه، فرأيت نجماً سقط من السماء إلى الأرض (سقوط الوحش) فأُعطي
مفتاح بئر الهاوية (الجحيم). ولمّا فتح النجم بئر الهاوية تصاعد منها دخان كأنّه
دخان أتون عظيم، فأظلمت الشمس والجوّ من دخان البئر" (9، 1-2).

 

الشمس
ترمز هنا بالطبع إلى شمس العدالة والحقيقة. إنّه النور الروحي الّذي ينطفئ على
الأرض بظهور النجمة والشيطان، ولذلك "أظلمت الشمس" (رؤيا 6، 12 و متّى
24، 29). التواطؤ كامل بين الشيطان والمسيح الدجّال. هذا الأخير يحرّر الشيطان
الّذي بدوره يُعيده إلى"أرض الميعاد". لقد رفض المسيح التعامل مع إبليس،
بينما سعى إليها المسيح الدجّال. وهكذا تكوّنت الزمرة الشيطانيّة مدعومةً من
"الوحش الثاني" بهدف غرس الوحش الأوّل في فلسطين لتأسيس مملكة صهيونيّة،
وذلك ضدّ إرادة الله الصريحة (إقرأ 1 صموئيل 8 ونصّ "مأساة يسوع").

 

ب-
الوحش

كان
في الماضي "وحش" (رمز دولة مُعيّنة). إختفى فلم يكن موجوداً. عندما كتب
يوحنّا الرسول كتابه سنة 95م رأى يوحنّا هذا "الوحش" عائداً في المستقبل
بقوّة إنّما لفترة قصيرة يذهب بعدها إلى الهلاك نهائيّاً:

 

"رأيت
وحشاً طالعاً من البحر وله عشرة قرون وسبعة رؤوس، على قرونه عشرة تيجان (رؤيا 13،
1)… عدده 666… (رؤيا 13، 18)… هذا الوحش كان (في الماضي قبل 95م) وليس بكائن (سنة
95م) وسيطلع (من جديد) من الهاوية إنّما ليذهب إلى الهلاك (رؤيا 17، 8).

 

إسرائيل
هي الدولة الوحيدة التي كانت موجودة في الماضي (قبل سنة 95م)، فدمّرها تيطس سنة
70م فما عادت في الوجود سنة 95م.

 

في
عهد الملك سليمان كان النفوذ الإسرائيلي في أوجِهِ فأصبحت الإمبراطوريّة
السليمانيّة الشهيرة. يقول الكتاب المقدّس أنّ وزن الذهب الداخل سنويّاً في صناديق
سليمان كان 666 وزنة أي حوالي 17 طن ذهب (1 ملوك 10، 14 / 2 أخبار 9، 13). لإكتشاف
هويّة الوحش يجب مقارنة عدده "666" بوزن الذهب الذي كان يتدفّق على
خزينة سليمان: 666 وزنة. فهدف الوحش وهاجسه بعد عودته هو إعادة الإمبراطوريّة
السليمانيّة، إسرائيل الكبرى والهيمنة الصهيونيّة التي يرمز كتاب الرؤيا إليها
بعدد 666. تجدر الإشارة بأنّ هذا العدد هو "عدد إنسان" (13، 8) هذا يعني
أنّ هذا العدد يرمز إلى جماعة بشريّة.

 

في
سنة 786 ق.م. قضى الملك البابلي نبوخذنصّر، للمرّة الأولى، على المملكة اليهوديّة.
أعاد الرومان هذه المملكة سنة 47 ق.م. ونصّبوا هيرودس الأكبر ملكاً عليها. تنبّأ
يسوع لرسله بنهاية هذه المملكة الثانية قريباً. فحين لحقوا به وأشاروا إلى عظمة
بناء الهيكل أجابهم: "أترون هذا كلّه، الحقّ أقول لكم إنّه لا يُترك هنا حجر
على حجر، هذا كلّه سيُهدم" (متّى 24، 1-2). فالرومان الّذين أعادوا إقامة
المملكة اليهوديّة، هم الّذين وضعوا حدّاً لها مرّة ثانية بعد مئة عام، فهدّم
القائد الروماني "تيطس" أورشليم وهيكل سليمان الثاني سنة 70م. كان هذا
القائد يجهل أنّه يُنفّذ نبوءة السيّد المسيح. يُعلن سفر الرؤيا عودة هذا الوحش
للمرّة الثالثة إنّما ليذهب إلى الهلاك نهائيّاً ولن نراه بعد ذلك أبداً (رؤيا 18،
21 / 19، 19-21).

 

قوّة
الوحش

لدى
ظهوره الثالث، يعود الوحش إلى العالم مسلّحاً وبسلطان عظيم مدعوماً من
"التنّين" ومن حليفه "الوحش الآخر" (13، 11)

 

"وقد
أتاه التنّين قوّته وعرشه وسلطاناً عظيماً" (13، 2). يجب ملاحظة أنّ الشيطان
هو الّذي يدعم الوحش، وليس الله وأنّه هو الّذي يحشد جماعته من "زوايا الأرض
الأربعة في فلسطين إلى قلب القدس" (رؤيا 20، 7-8).

 

"ثمّ
رأيت وحشاً آخر خارجاً من الأرض… في خدمة الوحش الأوّل ويُثبّت أركانه في كلّ
مكان" (13، 11-17).

 

"جرح"
الوحش

كان
الوحش مُصاباًُ بجرح مميت برأسه لكنّه شُفي منه: "ورأيت أحد رؤوسه كأنّه جُرح
جرحاً مميتاً وجرحه المميت هذا قد برأ" (13، 3).

 

يرمز
هذا الجرح المميت إلى تدمير إسرائيل مرّتين في الماضي وينطبق أيضاً على جريمة
هتلر. إستعمل النبيّ إرميا هذه العبارة حين دمّر نبوخذنصّر أورشليم:
"لِتَسِلْ عيناي بالدموع ليلاً نهاراً بغير انقطاع لأنّ العذراء بنت شعبي
أُصيبت بجرحٍ بليغ" (إرميا 14، 17).

 

شُفِيَ
الوحش من جرحه المميت، وظهر ثانية بمجدٍ وقوّة وإغراء، مدعوماً بقوّة من حليفيْه:
"التنّين" و "الوحش الثاني". والعالم ينظر بإعجاب إلى
"قيامة" إسرائيل.

 

قوّة
الوحش في التضليل

العالم
بأسره يتعجّب أمام هذا الوحش العائد بقوّة ومجد. والجميع متّفقون أنّ لا أحد
يستطيع محاربته:

 

"…
والأرض كلّها سارت متعجّبة خلف الوحش وسجدوا للتنّين الذي أتى للوحش سلطانه،
وسجدوا للوحش قائلين: من مثل الوحش ومن يستطيع أن يحاربه (رؤيا 13، 3-4)… سيتعجّب
سكاّن الأرض،الذين أسماءهم ليست مكتوبة منذ بدء العالم في كتاب الحياة، عندما يرون
الوحش" (17، 8).

 

فبالفعل،
لا يتجرّأ ولا يدّعي أحد الإنتصار على دولة إسرائيل المدعومة من الولايات
المتّحدة. إنّ قدرة هذه الدولة الصغيرة تمتدّ إلى مجالات حيويّة عديدة ومهمّة
(عسكريّة، إنتخابيّة، إجتماعيّة، إعلاميّة، إقتصاديّة، "اللوبي" أو
الكواليس السياسيّة العالميّة… إلخ). كلّ هذا يمنح إسرائيل سلطاناً عالميّاً يجهض
كلّ محاولة ضدّها. فالعالم إن شاء أم أبى مضطرّ إلى تطبيق السياسة الإسرائيليّة،
حتّى الفاتيكان، لم ولن يتجرّأ على مقاومتها ولا أن يشهد للمسيح أمامها. اليوم لا
يتوقّع أحد المصير المأساوي الذي تنبّأ به كتاب الرؤيا لإسرائيل.

 

مدّة
بقاء الوحش وسقوطه

أُعطيَ
للوحش أن يغلب لمدّة رمزيّة قدرها "إثنيْن وأربعين شهراً"، وأن يستوطن
خلالها على امتداد فلسطين بوسائل حربيّة، وبإحتلال أورشليم قبل أن يزول فجأةً:

 


"سيدوس الوثنيّون (جماعة الوحش) المدينة المقدّسة (القدس) لمدّة إثنين
وأربعين شهراً" (11، 2). قد نُعِتوا "بالوثنييّن" بسبب رفضهم يسوع
المسيح.

 


"ومتى تمّت الألف سنة، يطلق الشيطان من سجنه، فيخرج ليضلّل الأمم (الوثنييّن
الوارد ذكرهم)… جوج ومأجوج (رمز الوثنيّة) فيجمعهم من زوايا الأرض الأربعة (لا
للسلم: "شالوم")… فصعدوا على وجه الأرض (المستعمرات اليهوديّة في
فلسطين)، وأحاطوا بالمدينة المحبوبة (القدس) فنزلت نار من السماء فإلتهمتهم"
(20، 7-9).

 

إنّ
اليهود الصهاينة، يهود مزيّفون كما وصفهم يسوع في رؤي 2، 9 / 3، 9. جاؤوا من زوايا
الأرض الأربعة إلى فلسطين مخدوعين من الشيطان لا مُقتادين بالله، هرعوا إليها
"مضلّلين" بوهم "الأرض الموعودة"، فأقاموا فيها مستوطناتهم
بالحرب لا بالسلم، واحتلّوا أورشليم ليعلنوها عاصمة لهم. لقد رأى يوحناّ الخراب
المؤكّد والمفاجئ لدولة إسرائيل على شكل "نار نزلت من السماء لتلتهمهم".

 

ج-
الوحش الآخر

بعد
الوحش الأوّل راى يوحنّا وحشاً آخر يدعم الأوّل ويفرضه على العالم بشتّى الطرق
العسكريّة والإقتصاديّة. يُعرف الوحش الثاني "بالنبيّ الكذّاب" لأنّه
ينطق لصالح الوحش الأوّل ويتنبّأ كذباً بنصره (فالنبوءة الحقيقيّة هي عكس ذلك
فالوحش ذاهب إلى الهلاك). هذا الوحش الثاني مُمثّل أيضاً "بالقرون
العشرة" على رؤوس الوحش الأوّل "وبالملوك العشرة" في خدمته:

 


ثمّ رأيت… وحشاً آخر في خدمة الوحش الأوّل، يُثبّت كلّ سلطانه ويجعل الأرض
وسكّانها يسجدون للوحش الأوّل الّذي برئ من جرحه المميت ويأمر بقتل كل من لا يسجد
لصورة الوحش. وبمناوراته… لن يستطيع أحد أن يشتري أو يبيع إلاّ إذا كان عليه سمة
الوحش (رؤيا 13، 11-17).

 


"هذه القرون العشرة التي رأيتها هي ملوك عشر لم يحصلوا على المُلك بعد،
وإنّما سيكون لهم سلطاناً كالملوك مع الوحش، هؤلاء كلّهم متّفقون على رأي واحد:
وهو أن يعطوا الوحش قوّتهم وسلطانهم" (رؤيا 13، 1 / 17، 3 / 17، 12-13).

 


"لكنّ الوحش وقع في الأسر مع النبيّ الكذّاب الذي صنع العجائب معه لخدمة
الوحش" (رؤيا 19، 20) … "فأُلقِي إبليس، الذي ضلّلهم، في بحيرة الكبريت
المُشتعلة مع الوحش والنبيّ الكذّاب" ( رؤيا 20، 10).

 

يجب
ملاحظة أنّ هؤلاء "الملوك العشر" يظهرون مع الوحش في نفس الوقت ولخدمته.
إنّ الدعم التّام التي تقدّمه الولايات المتّحدة لإسرائيل يكشف هويّة الوحش الثاني
والملوك العشر. هؤلاء الملوك هم الرؤساء الأمريكيّون العشر الّذين حكموا بلادهم
منذ تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، أي بدءاً من "ترومان" وانتهاءاً الى  "كلينتون"
العاشر والأخير للدعم المُطلق لإسرائيل.

 

الملوك
العشر هم:

ترومان
– أيزنهاور – كينيدي – جونسون – نيكسون

فورد
– كارتر – ريغن – بوش الأب – كلينتون.

فلا
وجود لإسرائيل بدون الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

 

في
نهاية المطاف سيكره "الملوك العشر" و "الوحش" نفسه (تحت رئاسة
الملك الحادي عشر: بوش الإبن) ما أنتجوه وسيدمّرون إسرائيل بضرب قلبها: أورشليم
القدس. سيكون تدميراً ذاتيّاً: "هذه القرون العشرة والوحش سيبغضون الزانية
(أورشليم الصهيونيّة) فسيُعرّونها ويُعزلونها ويأكلون لحمها ويحرقونها في
النار" (17, 16).

 

هذه
الزانية هي "المرأة الجالسة على الوحش" (17, 3-15). يوحنّا الرسول يوضّح
أنّ "هذه المرأة هي المدينة العظيمة (أورشليم) المالكة على ملوك الأرض"
(17, 8), أي "الملوك العشر", ومن خلالهم على سائر رؤساء الدول وجيوشهم.
رأى يوحنّا تلك المدينة, أورشليم, "تنقسم إلى ثلاثة أقسام": يهوديّة –
مسيحيّة – إسلاميّة (16, 19). وبانقسامها سينتهي الحلم الصهيوني نهائيّاً.

 

إنّ
الذين يتضامنون مع الوحش تُمحى أسماءهم من كتاب الحياة الأبديّة, أمّا المُختارون
فهم الّذين يُقاومون الوحش:

 

"سيسجد
للوحش جميع سكّان الأرض الّذين لم تُدوّن أسماؤهم في كتاب الحمل (يسوع) المذبوح
(المصلوب)" (13, 8 – 9).

 

4-2
الأطراف المُتحالفة مع المسيح

 

أ-
الفارس

فارس
سفر الرؤيا هو يسوع "كلمة الله. إنّه يحارب الوثنييّن بالعدل":

 

"فرأيت
السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض وعليه راكب يُدعى "الأمين"
و"الصادق" يحكم ويحارب بالعدل… وعليه إسم مكتوب لا يعرفه أحد سواه
(فلسطين)؛ هو يلبس ثوباً مغموساً بدمٍ (الشهداء، ضحايا الوحش) واسمه؟ كلمة الله.
وكانت تتبعه على خيلٍ بيضٍ جنود السماء (حزب الله إلخ..)…" (رؤيا 19، 11-16).

 

هذا
الإسم السرّي (لا يعرفه أحد سواه) الذي يدلّ على أنّ يسوع سيرتدي شكلاً جديداً لا
يعرفه إلاّ هو وحده والذين أراد هو أن يكشف لهم ذاتة (رؤيا 3، 12). فهكذا سيعود
"كالسارق" (رؤيا 3، 4 / 16، 15 / 1 تسالونيكي 5، 4 / 2 بطرس 3، 10).

 

ب-
المرأة

في
وسط سفر الرؤيا ظهرت إمرأة مُتسربلة بالنور:

 

"وظهرت
آية عظيمة في السماء: إنّها إمرأة مُتسربلة بالشمس، والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها
إكليل من إثني عشر كوكباً" (12، 1).

هذه
المرأة هي مريم، أمّ المسيح:

 

 "فولدت
ولداً ذكراً (يسوع) وهو الذي سيحكم الأمم كلّها بعصاً من حديد" (12، 5).

 

يقود
الشيطان حرباً ضارية ضدّ المرأة وأولادها:

"ولمّا
رأى التنّين إنّه سقط إلى الأرض، أخذ يضطهد المرأة التي ولدت الإبن الذكر (12،
13)… فغضب التنّين على المرأة وذهب يُقاتل باقي نسلهاالذين يعملون بوصايا الله
وعندهم شهادة يسوع (ضدّ الوحش)" (12، 17).

 

هذه
المرأة هي، العذراء مريم، التي ظهرت في لاساليت (فرنسا)، سنة 1846 لتُندّد بخيانة
رجال الدين وتُعلن ظهور المسيح الدجّال عن قريب مدعوماً من الملوك العشر. وتنبّأت
أيضاً بمجيء الوحش (أنظر نصّ "لا ساليت").

 

ظهرت
مريم من جديد في فاتيما (البرتغال) سنة 1917 لتُحذّر العالم من كوارث رؤيويّة،
تاركة للبابوات واجب إفشاء سرّ مُعيّن عام 1960. لكنّهم لم يعلنوه أبداً. إنّ
البابا يوحنّا بولس الثاني إدّعى إذاعة هذا السرّ في صيف سنة 2000 ولكن الحقيقة
أنّ هذا السرّ ما زال سرّاً مخفيّاً من قبل "المافيا" الفاتيكانيّة.

 

إنّنا
نعتقد أنّ هذا السرّ يُحذّر العالم من المسيح الدجّال (الصهيونيّة) ومن تسلّله
داخل الفاتيكان بنفسه كما أشارت العذراء بوضوح إلى ذلك في بلدة "لا
ساليت": "إنّ المسيح الدجّال سيُولد من راهبة عبريّة مُزيّفة
(الصهيونيّة) وأنّ والده يكون مطراناً (رمز التعاون المسيحي – الإسرائيلي). وأعلنت
العذراء أيضاً أنّ "روما ستفقد الإيمان وتصبح عرش المسيح الدجّال". لم
يَذِع البابا سرّ فاتيما لأنّ هذا السرّ يكشف القناع عن هويّة المسيح الدجّال،
إسرائيل. لم يملك الشجاعة الكافية ليشهد أمام قوّة الوحش، فلذلك فَضح يسوع بنفسه
عدوّه الدجّال بكشف هويّة وحش الرؤيا يوم 13 أيّار (مايو) 1970.

 

إنّ
ظهور العذراء في عصرنا هو علامة أزمنة الرؤيا ولا يمكن نفيها!

 

ج-
الشاهدان

سيقيم
الله "شاهديه" ضدّ الوحش. سينتصر هذا الأخير عليهما ويقتلهما فيفرح
العالم ويبتهج بذلك: "سأُقيم شاهديّ فيتنبّآن ضدّ (الوحش)…سيحاربهما الوحش
الصاعد من الهاوية فيغلبهما ويقتلهما…وسيشمت بهما سكّان الأرض ويفرحون ويتبادلون
الهدايا لأن هذين النبيّيْن عذّبا سكّان الأرض" (11، 3-10).

 

إتّهم
العالم بأسره هذين الشاهدين فاضطهدهما ونعتهما بالإرهابييّن. هذان الشاهدان هما
شعبان الفلسطينييّن واللبنانييّن وخاصّة الجنوبييّن المُجاهدين ضدّ الوحش لا الذين
يخضعون له ويتعاملون معه. إنّ كتاب الرؤيا يذكر هذين الشاهدين في مكان آخر أيضاً،
إذ رأى القدّيس يوحنّا "أرواح الذين ذُبِحوا لأجل كلمة الله ولأجل الشهادة
التي شهدوا بها (الشهادة ضدّ إسرائيل) فصرخوا بصوتٍ عظيم قائلين: إلى متى أيّها
السيّد القدّوس الحقّ لا تقضي وتنتقم لدمائنا من سكّان الأرض؟ فقيل لهم (وهم
الشاهد الأوّل، الفلسطينيّون): أن يصبروا قليلاً حتّى يكتمل عدد شركائهم في الخدمة
وإخوتهم (اللبنانيّون، وهم الشاهد الثاني) الذين سيُقتَلون مثلهم" (6، 9-11).

 

لهذين
الشاهدين سلطان "ان يحبسا السماء فلا ينزل المطر في أيّام رسالتهما ولهما
أيضاً سلطان على المياه أن يحوّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض ألف ضربة كلّما
أرادا" (رؤيا 11، 6).

 

لهذه
الآيات معنى رمزيّ لهذين الشاهدين قدرة على منع كلّ عمليّة سلام تقوم على حساب
حقّهما وذلك بوسائل عسكريّة (تكلّمت العذراء في لا ساليت عن "سلامٍ مُزيّف").
"فالسماء والمطر" رمزان للسّلم والرفاهيّة وهما مُجمّدان بسبب مقاومة
الشاهدين ضدّ الوحش.

 

أمّا
"سلطان تغيير الماء (ماء المعموديّة) إلى دم" فهذا يعني دمهم المسفوك
بمُقاومتهما الوحش هو بمثابة معموديّة، لا بالماء، بل بالدم (معموديّة فاتيما). بل
أنّ الله يعتبر هذين الشاهدين مصلوبين كالمسيح إذ يقول عنهما كتاب الرؤيا حين
يُتمّان شهادتهما يُحاربهما الوحش الصاعد من الهاوية ويغلبهما ويقتلهما… حيث صُلِب
أيضاً المسيح سيّدهما (في أورشليم القدس) (رؤيا 11، 7-8). إنّ معموديّة الدم هذه
تجعل منهما تلاميذاً للسيّد المسيح بما أنّه سيّدهما.

 

د-
ملاك الرؤيا

هذا
الملاك المُرسل من السماء هو رجل، رسول، كما شرحنا في الفصل الأوّل.

 

اليوم،
وقد ظهر الوحش، ظهر المسيح أيضاً لرسوله كاشفاً له لغز كتاب الرؤيا، فأرسله من
ثمّ، وبيده هذا "الكتاب الصغير مفتوحاً" (10، 1-2)، ليشرح مضمونه:
"لا تكتم كلام النبوءة في هذا الكتاب لأنّ الوقت قريب" (22، 10).

 

لهذا
الرسول ميزة خاصّة: إنّه يأتي من الشرق (بالنسبة إلى بطمس) إنّه إذاً شرقي. قال
يوحنّا: "ثمّ رأيت ملاكاً آخر يطلع من المشرق حاملاً ختم الله الحيّ…"
(7، 2).

 

رسول
الرؤيا من الشرق، من لبنان، حيث كشف له المسيح سرّ كتاب الرؤيا، ثمّ أرسله ليُفسّر
للناس محتوى هذا الكتاب. إنّ "ختم الله الحيّ" هو هذا "الكتاب
الصغير" نفسه. فالذين يؤمنون بهذه الرسالة هم تلقائيّاً "مختومين"،
مُختارين من الله. إنّ اصطفاء هؤلاء المؤمنين يتمّ قبل الكارثة العالميّة الكبرى
(حرب نوويّة):

 

"فنادى
(الملاك) بصوتٍ عظيم: إنتظروا، لا تنزلوا الضرر بالبرّ والبحر والشجار، إلى أن
نختم عباد إلهنا على جباههم" (7، 2-3).

 

هذه
الحرب ستُنهي هيمنة الوحشين على العالم. كان يسوع قد تنبّأ بهذا اليوم الرهيب الذي
يسبق عودته ويغيّر وجه العالم:

 

"يُصيب
الأمم قلق شديد… ويموت الناس خوفاً بإنتظار ما سيُحلّ بالعالم (الأسلحة النوويّة
التي تهدّد العالم بأسره)… في ذلك الحين سيرى الناس إبن الإنسان آتياً في سحابة
بكلّ عزّة وجلال". لكنّه سارع على الفور إلى طمأنة خاصّته، المَوسومين بختم
الله الحيّ: "وإذا بدأت هذه الحوادث، قِفوا وارفعوا رؤوسكم لأنّ خلاصكم
قريب" (لوقا 21، 25-28).

 

الفصل
الخامس:

أسباب
الغموض التّام

 

5-1
تفسير النبوءة المختومة في حينه

ظلّ
كتاب الرؤيا غامضاً تماماً كلّ هذه الأجيال لأسباب عديدة، أهمّها أنّ النبؤات
المذكورة فيه لم تكن قد تمّت بعد. فكلّ نبوءة، لا يمكن فهمها جيّداً إلاّ بعد
حدوثها تاريخياً. فالنبوءات التي وردت عن السيّد المسيح في كتب العهد القديم لم
تُفهم بتفاصيلها إلاّ بعد مجيء يسوع. فلم يتوقع أحد، قبلاً، أنّ المسيح المُخلّص
سيُسَلّم إلى الموت من قِبَل الذين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر. ونبوءة النبي
أشعيا في الفصل 53 من كتابه، حيث يتنبّأ بأنّ المسيح سيقتله شعبه، كانت مُبهمة قبل
صلب يسوع.

 

كذلك،
فإنّ نبوءات كتاب الرؤيا عن "الوحش" كانت غامضة تماماً وتعود استحالة
معرفة هويّته لعدم ظهوره بعد. لمّا ظهرالوحش أمام العالم, تدخّل المسيح شخصيّاً
لكشف هويّته وتوضيح النبوءات التي وردت عنه في كتاب الرؤيا. لولا هذا التدخّل
الإلهي لظّلت هذه النبوءات كاملة السرّيّة.

 

في
الماضي، ظهر يسوع إلى "تلميذَيْ عمّاوس" بعد قيامته وشرح لهما النبوءات
التي تخصّه قائلاً: "أما كان ينبغي على المسيح أن يعاني هذه الآلام ليدخل في
مجده. ثم أخذ يفسّر لهما من موسى (التوراة) ومن جميع الأنبياء ما يخصّه في الكتب
كلها" (لوقا 24, 27). حينئذٍ فتح أذهانهم ليفهموا الكتب وقال لهم: "هكذا
كان ينبغي للمسيح أن يتألّم وأن يقوم في اليوم الثالث من بين الأموات" (لوقا
24، 45 – 46). لو لم يُفسّر المسيح النبوءات التي تخصّه لتلاميذه، لما انفتحت
أذهانهم، ولما فهموها كما قصدها الله. ولما فهمناها نحن أيضاً. ولذلك، لو لم يشرح
المسيح ألغاز الرؤيا، لظلّ هذا "الكتاب الصغير" غامضاً لنا.

 

 يقول
القدّيس بطرس عن النبوءات الواردة في الكتاب المقدس:

"إعلموا،
أوّلاً، أنّ كلّ نبوءة في الكتاب لا تخضع لتفسير شخصي، لأنّها لم تأت نبوءة قط عن
إرادة بشر، بل إنّما تكلّم رجال الله بدافع من الروح القدس" (2 بطرس 1، 20-
21).

 

لذلك،
يجب لفت النظر إلى أنّ تفسير الرؤيا الوارد هنا ليس "تفسيراً شخصيّاً"
إنّما هو وحي إلهي ورد من السيّد المسيح نفسه. وإن كان كتاب الرؤيا، قبل يوم 13
أيّار (مايو) سنة 1970، في غموض تام، فالسبب هو أنّ الروح القدس لم يكن قد فسّره
بعد. لقد حاول البعض تفسيره شخصيّاً، وبمبادرة ذاتيّة، ولم يكونوا مُوكّلين من
الله.

 

لقد
ساهم عاملان في حفظ سريّة كتاب الرؤيا طوال هذه الأجيال:

 

1-
نبوءات سفر الرؤيا لم تكن قد تمّت بعد. كثيرون، كما قال بطرس الرسول، "بحثوا
لاكتشاف الزمان والأحداث التي كان يقصدها روح المسيح" (1 بطرس 1، 11)، لكن
كلّ هذه البحوثات البشريّة لم تنجح لأنّ "الزمان" لم يكن قد حان
و"الأحداث" لم تكن قد تبلورت في العالم بعد. منذ سنة 1948، حين ظهر
"الوحش" حان "الوقت" وظهرت في العالم الأحداث التي تنبّأ بها
كتاب الرؤيا. فظهر المسيح حينئذٍ يوم 13 أيّار 1970 لشرح أبعاد النبوءات بفتح
"الكتاب الصغير" وإسقاط القناع عن "الوحش" مُعلناً هويّته
الحقيقية.

 

2-
إنّ رؤيا يوحنا مُقدّمة لنا بطريقة معقّدة للغاية تضمن الكتمان التام حتى بعد ظهور
الوحش. فلو لم يسلّم المسيح مفتاح التفسير، لما استطاع أحد أن يفهم مضمون كتاب
الرؤيا ولبقيت رسالته مُبهمة للأسباب الثلاثة التالية:

 –
التشابك بين الأحداث والأطراف.

 –
التكرار المختلف لنفس الحدث.

 –
الرموز المختلفة لحقيقة واحدة.

 

5-2
التشابك

إنّ
الأحداث والأطراف مُتشابكة ولا تظهر بشكل مُنتظم ومُتسلسل لدى قراءة كتاب الرؤيا،
لا يجب علينا أن نتوقّع تسلسلاً مرتّباً للأحداث المذكورة فيه، لأنّ التشابك بين
الأطراف والأحداث يُضلّل فكر القارىء. فالوحش، مثلاً، مذكور فجأة في الفصل 11، 7
دون سابق تمهيد له، وفي مقطع قصير سريع وكأنّ القارىء مفروض عليه معرفت هويّته.
وهكذا يمرّ "الوحش" دون أن ينتبه إليه القارىء ثم يُعاد ذكره في الفصلين
13 و 17 بإسهاب حيث يعطى عنه تفاصيل بشكل رموز توضّح طبعه الإجرامي، و وجوده السابق،
ثمّ اختفاءه، ليعود ويظهر بقوّة في مكان غامض قبل فنائه الأبديّ. فكان لا بدّ من
"المفتاح" لفهم كلّ هذه الأحداث التي فهمناها بعد أن فسّرها يسوع. فبدون
هذا "المفتاح" لتاه القارىء في تشابكات هذا الكتاب.

 

5-3
التكرار المختلف

تُعاد
رواية نفس الحدث عدّة مرّات تحت صور ورموز مختلفة. هكذا كان الحال في كتاب التكوين
عن حِلمَي فرعون اللذين فسرّهما يوسف: حلم "السنابل السبع" وحلم
"البقرات السبع". فلِلْحِلمَين تفسير واحد وهما يُنذران بمجاعة سبع
سنوات ستلي سنوات سبع من الحصاد الوفير واستطرد الشرح قائلاً: "أمّا تكرار الحلم
على فرعون مرّتين، فذلك يعني أنّ الله مُصمّم على تنفيذ هذا الأمر وإنّه سيُنفذّه
عاجلاً" (تكوين 41، 17 – 32).

 

كذلك
أيضاً في رؤيا يوحنّا، التكرار برموز مختلفة يعني أنّ الله مُصمّم على القضاء بلا
رحمة على الوحش لدى عودته فوردت رواية نفس القصة عن عودة الوحش وسقوطه ثلاث مرات.

 


الرواية الأولى تمتدّ من الفصل 4، 1 إلى الفصل 8، 1. رأى يوحنّا الله جالساً على
عرشه (4، 1 – 2) لمحاكمة البشريّة بموجب كتاب مختوم بسبعة أختام (5، 1). تقدّم
"الحمل" (يسوع). ليأخذ الكتاب (5، 7). في الفصل السادس يفضّ الحمل أختام
الكتاب الواحد تلو الآخر. أربعة فرسان وأحصنتهم يظهرون (يمثّلون
"الوحش") ويسبّبون في الأرض حروباً ومجاعات (6، 1 – 8) يذبحون شهود الله
تحت المذبح (6، 9 – 11). بالنهاية يستجيب الله لصلوات شهدائه ويُظهر غضبه على
الوحش (6، 12 – 17). بعد سقوط الوحش يبدأ في العالم عهد جديد (رؤيا 21 و 22).

 


الرواية الثانية لنفس القصة تتبع الأولى مباشرةً برموز مختلفة، وتمتدّ من فصل 8، 2
حتى نهاية فصل 9. "الأختام السبع" استُبدلت هنا ب "أبواق
سبعة" يحملها ملائكة سبعة.

 

بين
هذه الرواية الثانية والثالثة التي تتبعها من الفصل 10 إلى الفصل 15، 4 تظهر أطراف
الأحداث برموز مُتشابكة مُبعثرة وهم: الملاك، الشاهدان، التّنين،المرأة، الوحش،
الوحش الآخر والمُختارون.

 


الرواية الثالثة للقصّة نفسها تمتدّ من فصل 15، 5 حتى فصل 16. الرموز هنا أيضاً
تتغيّر، فهي سبعة ملائكة تحمل سبعة كؤوس مملوءة من غضب الله.

 

كل
"ختم" يُفتح، وكل "بوق" يُنفخ فيه، وكل "كأس" يُسكب
على الأرض ما هي إلاّ رموز مختلفة لواقع واحد.

 

5-4
الرموز المختلفة لحقيقة واحدة

الأطراف
ذاتهم مقدّمون برموز مختلفة:

فالوحش
المذكور في الفصلين 13 و 17 يتمثّل أيضا بالرموز التالية:


"الفرسان الأربعة" المُخرّبون (6، 1 – 7)


جبل (صهيون) المُلقى في البحر (8, 8)


نجمة داوود التي تسقط من السماء على الأرض (9، 1)


"الوثنيّون الذين يدوسون المدينة المُقدّسة" (11، 2)


"بابل العظيمة" (18، 2)

 


"الأمم" (الخائنة) إجتمعت من زوايا الأرض الأربعة "جوج
ومأجوج" في "المدينة المحبوبة" (أورشليم)

 


أصعب الرموز فَهماً – وهنا يجدر الإنتباه – هي في الفصل 17، 9-11:

 

إنّ
"الرؤوس السبعة (للوحش) هي التلال السبعة" التي تجلس عليها المرأة
الزانية (فالتلال السبعة حيث توجد أورشليم: جبل صهيون، جبل موريا إلخ…17، 9). هي
أيضاً "سبعة ملوك" (17، 10). هؤلاء الملوك يُمثّلون تاريخ إسرائيل
الماضي كمملكة: الملوك الخمسة الذين مضوا يُمثّلون الوحش الذي "كان".
أمّا الذي لا يزال حيّاً فهو يُمثّل اليهود الذين كانوا يسعون سرّاً لإقامة
المملكة الإسرائيليّة تحت الإمبراطوريّة الرومانيّة. هذا ما سمّاه بولس الرسول
"سرّ المعصية العامل" في وقته (2 تسالونيكي 2، 7). والملك السابع
"الذي لم يأتِ بعد ويجب أن يبقى وقتاً قليلاً" يُمثّل عودة الوحش إلى
العالم "لمدّة قصيرة". إنّه أيضاً الملك "الثامن مع أنّه أحد
السبعة". إنّ عودة إسرائيا، ليس كمملكة كما في الماضي هي "الملك الثامن
مع أنّه من السبعة" لأنّه يُمثّل هؤلاء الملوك السبعة الذين مضوا فهو يُجسّد
كلّ تاريخ إسرائيل. ما زال الإسرائيليّون يأملون إقامة مملكة داوود وهيكل سليمان
في أورشليم القدس وما زالوا يُعلنونها عاصمة لإسرائيل ومدينة الملك داوود.

 

إنّ
تنويع الرموز يظهر أيضاً في الأعداد:


ال"42 شهراً" (رؤيا 11، 2) هي أيضاً

  ال"1260
يوماً" (رؤيا 11، 3 / 12، 6) (42 شهراً = 1260 يوماً).

 


هذه المدّة نفسها هي "زمن، وزمنان، ونصف زمن" (رؤيا 12، 14).

 

مزيد
من التوضيحات ستُعطى في الفصل التالي.

 

الفصل
السادس:

شرح
الأعداد والرموز

 

6-1
العدد "666"

666
وزنة من الذهب

لقد
رأينا أنّ العدد 666، إسم الوحش، يشير إلى كميّة الذهب المتدفقة على خزينة الملك
سليمان من البلاد المجاورة (1 ملوك 10، 14 و 2 أخبار 9، 13). اليوم، تحلم إسرائيل
بمدخول سنوي كهذا قدره 17000 كلغ من الذهب تقريباً (17 طنّاً). ثروة كهذه تُغذّي
صندوقها الإقتصادي تعني أيضاً بسط سلطانها المعنوي على البلاد العربية وعلى العالم
بأسره. ومن هنا، فالعدد "666" يرمز إلى الطموحات الصهيونيّة أي إلى
"إسرائيل الكبرى".

 

رمز
الفشل

العدد
"6" رمز الفشل، فالفشل مصير إسرائيل التي تُمثَّل بالنجمة ذات الزوايا
الستّ. في المفهوم النبوئي، العدد "6" هو رمز الشرّ وعدم الكمال،
ويقابله العدد "7"، الذي يرمز إلى الخير والكمال. فعندما يطلب المسيح
الصفح "7 مرّات أو 77 مرّة" (متى 18، 21)، هذا يعني أنّ الصفح يجب أن
يكون كاملاً لمن يستغفر بإخلاص، وإنّه عندئذٍ لا يجب الغفران "7" مرّات
عدديّاً فحسب، ولكن يجب علينا أن نغفر إلى ما يرمز إليه العدد 7، أي تماماً، من
عمق قلبنا. كذلك الحال أيضاً في "الأختام السبعة" على الكتاب المغلق،
فهي تعني أنّ سرّ الكتاب محفوظ تماماً وأن غموضه كامل. وأيضاً "قرون الحمل
السبعة" ترمز إلى قدرته الشاملة غير المحدودة، و "عيونه السبع" إلى
نظره الخارق للنفوس (رؤيا 5، 6).

 

في
نطاق سفر الرؤيا، العدد "6"، وهو درجة واحدة تحت العدد "7"،
هو رمز الاجهاض، ويشير إلى مخطّط فاشل غير مُثمر، يؤدّي إلى الضياع الأبدي، لا إلى
"راحة اليوم السابع". فلقد خلق الله العالم في "6" أيام،
لكنّه "استراح في اليوم السابع" (تكوين 2، 2). الإنسان المُتّسم بالعدد
"7" يدخل في راحة الله، والرسول بولس يقول إنّ "راحة اليوم
السابع" نصيب أتباع المسيح. لذلك يدعو اليهود الرافضين يسوع إلى الإيمان به
إذا أرادوا الدخول في يوم الراحة حيث يقول: "لنخشى إذاً أن يصل أحد منكم
متأخّراً بعد فوات الأوان… فهناك راحة، هي راحة اليوم السابع، وهي المخصّصة لشعب
الله (المؤمنين بيسوع)… فلنجتهد إذاً للدخول في هذه الراحة" (إلى
العبرانييّن 4، 1 – 11).

 

إنّ
يسوع نفسه يدعو الجميع إلى الدخول إلى هذه الراحة: "تعالوا إليّ، يا جميع
المُتعبين والمُثقلين وأنا أريحكم. احملوا نيري… فتجدوا الراحة لنفوسكم…"
(متى 11، 28 – 29). نأمل أن يلبّي اليهود اليوم دعوة يسوع هذه. عندئذٍ سيفهمون أنّ
لا سلام لهم ولا أمان في المخطّط الصهيوني، وأنّ الراحة الوحيدة هي بالإيمان بيسوع
المخلّص. الذين يرفضون الذهاب إلى يسوع يقضون على نفسهم بالهلاك الأبدي لا بالراحة
فيتّسمون بالعدد "6"، رمز الشيطان، ولن يدخلوا أبداً في اليوم السابع.
لذلك يقول كتاب الرؤيا:

 

"يصعد
دخان عذابهم إلى دهر الدهور. لا، ليس هناك راحة، لا نهاراً ولا ليلاً، للّذين يسجدون
للوحش ولصورته…" (رؤيا 14، 11).

 

أمّا
الذين يحاربون "الوحش"، فهم الذين – ولو دون وعي منهم – يُمارسون
"صمود القديسين ويحفظون وصايا الله والإيمان بيسوع" (رؤيا 14، 12).
سيدخلون هؤلاء إلى راحة الله أبديّاً:

 

"طوبى
منذ الآن للأموات الذين يموتون في الرب. أجل، يقول الروح (القدس)، ليَستريحوا من
أتعابهم فأنّ أعمالهم ترافقهم" (رؤيا 14، 13).

 

الحلف
الثلاثي الشرير

التكرار
الثلاثي للعدد "6" (666) يمثّل الحلف الثلاثي الشرير:
"التنّين" و "الوحش" و "الوحش الآخر". كلّ من هؤلاء
الحلفاء الثلاثة موسوم بالعدد "6"، فهم موحّدون في عدد واحد يمثل حلفهم:
"666"، لأنّهم يعملون من أجل هدف واحد هو تثبيت أركان الوحش. فمن جهة
"التنّين أعطى قوّته وعرشه وسلطانه للوحش" (رؤيا 13، 2) ومن جهة أخرى
الوحش الثاني، هو أيضاً، "في خدمة الوحش الأوّل ليثبّت أركانه في كلّ
مكان" (رؤيا 13، 11 – 12)، ف"ملوكه العشرة… كلّهم مُتّفقون أن يعطوا
الوحش قوّتهم وسلطانهم" (رؤيا 17، 12 – 13). يظهر هنا الحلف الثلاثي
الشيطاني. والملفت أنّ هذه الأرواح الثلاثة الجهنميّة تخرج "من فم التنّين
ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب (الوحش الثاني)" (رؤيا 16، 13)، فالمقصود
هنا الحلف الثلاثي الشيطاني. ويُدعى الوحش الثاني "النبي الكذاب" لأنّه
يتنبّأ كذباً بأنّ الوحش سينتصر فالنبوءة الصحيحة الصادقة هي "أنّ الوحش يذهب
إلى الهلاك" (رؤيا 17، 8).

 

إنّ
جرائد العالم، والشرق الأوسط خاصّةً، تخبرنا كلّ يوم "أنّ رؤساء
الوحشين" ينطلقون بلا انقطاع إلى رؤساء وملوك العالم والبلاد العربيّة منه
خاصّة لضمّهم إلى موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل وفرض السلم معها. هذا
"السلم المُزيّف" سينتهي بحرب إسمها الرمزيّ "هارمجدّون".
يقول يوحنّا: "رأيت ثلاثة أرواح نجسة… إنّها أرواح شيطانيّة تصنع عجائب وتنطلق
إلى ملوك الأرض كلّها لتجمعهم إلى قتال ذلك اليوم العظيم… فجمعتهم إلى المكان
المُسمّ بالعبريّة "هار مجدّون"(رؤيا 16، 13-16). نلاحظ أنّ هذا الإسم
بالعبريّة. وهي تعني جبل مجدّون ("هار" بالعبريّة تعني جبل). تقع
"مجدّو" بالقرب من "حيفا" في شمال فلسطين وهي ترمز إلى انكسار
الجيش الإسرائيلي تحت وطأة جيش مصر سنة 609 ق.م. (2 ملوك 23، 28-30 و أخبار 35،
19-25). في هذه المعركة قَتَل الفرعون "نكو" ملك إسرائيل
"يوشيا" الذي كان أمل إسرائيل. هذه المعركة المأساوية كانت بداية نهاية
إسرائيل، فبعدها بعشرين سنة هجم نبوخذنصر على أورشليم وهدم هيكل سليمان وأنهى
المُلك الإسرائيلي أوّل مرة. منذئذ أصبحت "مجدّو" ترمز إلى فشل وفناء
إسرائيل. أمّا اليوم، فهناك هزيمة "مجدّو" أخرى، كبيرة كالجبل (هار)،
تنتظر الوحش… وحلفائه.

 

6-2
ال"42 شهراً"

لقد
أُعطي الوحش "سلطاناً أن يعمل لمدّة 42 شهراً" (رؤيا 13، 5)، و
"الأمم الوثنيّة (أيّ الوحش) سيدوسون هم أيضاً المدينة المقدّسة (أورشليم
القدس) 42 شهر" (رؤيا 11، 2). هذا يعني أنّ الوحش والوثنييّن واحد. سيُقيم
الله ضدّهم "شاهديه فيتنبّآن لمدّة 1260 يوماً" (رؤيا 11، 3). معنى ذلك
أنّهما سيتكلّمان ضدّ "الوحش" طوال الفترة التي يحتلّ فيها أورشليم،
لأنّ ال"42 شهراً" تساوي "1260 يوماً" (42×30).

 

أبّان
تلك الفترة، "المرأة" – رمز رسل الرؤيا – تهرب "إلى الصحراء"،
حيث أُعِدّ لها ملجأً بعيداً عن الحيّة حيث تتغذّى برسالة الرؤيا "لمدّة زمن
وزمنان ونصف زمن (أيّ ثلاثة أزمنة ونصف)" (رؤيا 12، 14). هذه الأزمنة هي
ال"42 شهراً" وال"1260 يوماً" التي تساوي ثلاث سنوات ونصف.
هذه الفترة نفسها يُرمز أيضاً إليها ب"ثلاثة أيّام ونصف" (رؤيا 11، 9)،
وهي الفترة التي فيها يضطهد الوحش شاهدَيّ الله، "فتظلّ جثثهما معروضة أمام
الناس أجمعين مدّة ثلاثة أيّام ونصف" (رؤيا 11، 9). لقد شاهدت البشريّة
بأسرها، من خلال التلفيزيون، ضحايا الوحش، من فلسطينييّن ولبنانييّن، قُتلوا أو
سُجنوا أو طُردوا من منازلهم المهدومة وهُجّروا من أراضيهم ليحتلّها المستوطنون
الإسرائيليّون.

 

منذ
النبي دانيال في القرن الخامس ق.م. فترة ال"ثلاثة أزمنة ونصف" اتّخذت
طابعاً رمزيّاً لكلّ ظلم واضطهاد (دانيال 7، 25).

 

هذه
الفترة الواردة بأعداد مختلفة في الرؤيا تُضلّل القارىء وتساهم في استحالة فهم
النصّ. إليكم تفسيره: سيحتلّ الوحش فلسطين لفترة "42 شهراً". في هذه
الأثناء، التي تساوي "1260" يوماً، سيقاومه ويشهد ضدّه شاهدا الله ورسل
الرؤيا، أبناء "المرأة". أبناء "المرأة"، المُختارون
والمُبعدون في خلوة – أيّ كأنّهم في صحراء – حيث "يتغذّون" من كتاب
الرؤيا لاستيعاب رسالته (رؤيا 12، 14). هؤلاء مدعوون إلى أخذ هذا الكتاب الصغير من
يد الملاك الذي يحمله مفتوحاً وأن "يأكلوه" ليشهدوا من جديد، هم أيضاً،
مع شاهدي الله "ضدّ شعوب وأمم ولغّات وملوك كثيرين" المُتحالفين مع
الوحش (رؤيا 10، 8 – 10).

 

6-3
القرون

ترمز
القرون إلى القدرة والسلطة. يظهر الشيطان في الرؤيا كتنّين بلون النار (مفحوماً
غيظاً) له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى رؤوسه السبع سبعة تيجان (رؤيا 12، 3). للوحش
أيضاً عشرة قرون وسبعة رؤوس، وعلى قرونه عشرة تيجان، وعلى رؤوسه أسماء تجديف (رؤيا
13، 1 ).

 

يجب
الإنتباه إلى تفصيل مهمّ يمرّ دون أن نلاحظه: للوحش عشرة قرون وسبعة رؤوس والتيجان
على قرونه العشرة لا على رؤوسه كللتنّين. هذا يعني أنّ قوّة الوحش مستمدّة من
القرون العشرة، التي ترمز إلى "الملوك العشرة"، أي الوحش الآخر، فليس
للوحش الأول قدرة ذاتيّة. لذلك رؤوسه ليست مُتوّجة أمّا التنّين، فهو يستمدّ قدرته
من ذاته، لذلك رؤوسه هي المُتوّجة. إنّه ملك الشرّ المُتوّج.

 

6-4
الفرسان الأربعة

يرمز
الفرسان الأربعة (رؤيا 6، 1 – 7) الى حقيقة واحدة هي "الوحش". انهم
يعادون" الأحياء الأربعة" الموجودين حول العرش (رؤيا 4، 6 – 7) وإنهم
يمثّلون الانجيلييّن الأربعة. كل انجيلي يسمح لواحد من الفرسان أن يتقدّم على فرسه
الى العالم صارخاً له: "تعال". لقد وهب الانجيليون الأربعة الحياة
للعالم، أما هؤلاء الفرسان الأربعة "أُعطوا القدرة على ربع الأرض ليهلكوا
بالسيف وبالجوع وبالموت وبوحوش الأرض " (رؤيا6، 8). وحوش الأرض هذه تمثّل
الوحشيْن المُتضامنين.

 

6-5
أسلحة أزمنة الرؤيا

رأى
يوحنا ثلاثة أنواع من الأسلحة لم توجد في أيامه : الطائرات – القنابل – والدبابات.
هذه هي الأسلحة التي تمنح "الوحش" قوته وسلطانه.

 

"الجراد"
(الطائرات والمروحيّات)

 

لقد
رأى يوحنا "جراداً" غريبة تنطلق الى الحرب. إنّها يرمز الى الطائرات
والمروحيّات:

 

"…
إنتشر جرادٌ على الأرض"…. وهيأة الجراد تشبه خيلا معدّة للقتال (انها أسلحة
حربية)… وجوهها كوجوه البشر (يقودها بشر)، لها صدور كدروع من حديد (هيكل الطائرة
الحديدي) وصوت أجنحتها كصوت عجلات خيل كثيرة تجري الى القتال (ضجيج المحركات في
الأجنحة)" (رؤيا 9، 3 – 11).

 

إنّ
المعارك الجوية سلاح حربي جديد يشير الى الزّمن المتنبأ به في الرؤيا. الطائرات
والمروحيّات الحربية هي أهم وأقوى سلاح قدّمته الولايات المتحدة الأميركية
لإسرائيل.

 

"البرد"
(القنابل)

يرمز
"البرد الضخم" (رؤيا 16، 21) الى القنابل العصريّة التي لا مثيل لها في
الماضي. كل قطعة برد "تزن وزنة" أي بحجم هذه القنابل. هذا البرد المخيف
يسبب على الأرض خراباً رهيباً: "ونزل من السماء على الناس برد ضخم بقدر
الوزنة. وجدّف الناس على الله لضربة البرد لأن خراب هذا البرد كان هائلاً
جداً" (رؤيا 16، 21).

 

هذا
البرد المدمّر يظهر مع "الجراد الحربي". ان القنابل، خاصة الانشطارية
منها والمحرقة والنوويّة التي يستعملها الوحشان وحلفائهما هي أسلحة قويّة وفتّاكة
ضدّ كلّ من يقاومهما. هذه الأوبئة تشير إلى أنّنا في زمن الرؤيا الذي تنبّأ به
المسيح.

 

"الخيل"
(الدبابات)

قال
يوحنا: "هكذا رأيت الخيل (الدبابات) في الرؤيا وفرسانها. هؤلاء لهم دروع
ناريّة منجونية (خضراء قاحلة) وكبريتية. ورؤوس الخيل كرؤوس الأسود ومن أفواهها
تخرج نار ودخّان وكبريت (المدافع والرشاشات فوق الدبابات)" (رؤيا 9، 17).

 

النبوءات
عن ترسانات زمان الرؤيا لم يمكن فهمها قبل ظهور تلك الأسلحة غير المتوقّعة في زمن

 

يوحنا،
ولا حتى في بدء القرن العشرين.

 

6-6
المكان

فلسطين
مسقط رأس الأحداث المتنبأ بها في الرؤيا. هناك نصّان يلفتان انتباهنا لهذا البلد
وخاصة لأورشليم "المدينة المقدسة" (القدس) و"المدينة
المحبوبة". فهناك يظهر الوحش:

 


الأمم الوثنية سيدوسون المدينة المقدسة "42 شهرا" (رؤيا 11، 2).

 


الشيطان يحشد الأمم (الوثنية) -يأجوج ومأجوج- من زوايا الأرض الأربعة للقتال.

 

"فطلعوا
على سعة الأرض كلّها (المستوطنات الاسرائيلية على كل الأرض الفلسطينية) وأحاطوا
بمعسكر القديسين و "المدينة المحبوبة" (أورشليم – القدس – التي يبتغيها
الإسرائيليّون عاصمة لهم)" (رؤيا 20، 7 – 9).

 

المكان
الذي يحشد فيه الشيطان رجاله يعرف من ذكر المدينة المقدسة والمحبوبة :
"القدس".

 

6-7
مواصفات الوحش

1
– كان في الوجود في الماضي، ثم اختفى قبل سنة 95 م، على أن يظهر مجدّداً للذهاب
نهائياً الى الهلاك.

2
– يظهر في فلسطين بقوة ويبدو أنه لا يُقهر.

3
– كان مصاباً بجرح مميت لكنه شُفي منه.

4
– يملك سلطاناً عالمياً عظيماً.

5
– إنّه يرمز الى جماعة بشريّة.

6
– دولة قوية تدعمه وتفرضه على العالم.

7
– يظهر مع الطائرات والقنابل والدبابات.

8
– سيسفك دماء بريئة كثيرة.

9
– إنّه ينكر أن يسوع هو المسيح.

10
– سينهزم في حرب "هار مجدون".

 

إن
ظهور إسرائيل في فلسطين سنة 1948، هذا الكيان المدعوم من الولايات المتّحدة
الأميركيّة والمكوّن من يهود العالم الذين تدفّقوا إلى فلسطين، واستوطنوا على كلّ
سعة أرضها بالحرب والإضطهاد، مبتغين أورشليم عاصمة لهم، لهو مؤشّر قاطع على أنّنا
وصلنا إلى الزمن المُتنبّأ به في "رؤيا يوحنا".

 

الفصل
السابع:

الإصلاح:
سماءً جديدة وأرضاً جديدة

 

بعد
سقوط الوحش، سيفتتح الله عهداً جديداً في العالم إذ رأى يوحنّا "سماءً جديدة
وأرضاً جديدة" (رؤيا 21، 1)، وقال أنّ "الجالس على العرش يعلن: ها إنّي
أجعل كلّ شيء جديداً" (رؤيا 21، 5). لقد تنبّأ الرسول بطرس هو أيضاً بهذا
العالم الجديد: "ولكنّنا ننتظر كما وعد الله، سماوات جديدة وأرضاً جديدةً
يسكن فيها العدل" (2بطرس 3، 13) (أنظر النصّ "الإصلاح الشامل").

 

لقد
سردنا أحداث الرؤيا ببساطة وترتيب. لكنّها لم توحى ليوحنّا هكذا لأنّ الله أراد
حفظ رسالتها سرّاً لحين ظهور الوحش عشيّة عودة المسيح (رؤيا 10، 4). عندها أطلق
المسيح رسوله ليشرح الرسالة: "لا تكتم كلام النبوءة في هذا الكتاب لأنّ الوقت
(عودة المسيح) قريب ( رؤيا 22، 10). أراد الله هذا الكتمان "لاختبار سكّان
الأرض" قبل عودة يسوع (رؤيا 3، 10-11).

 

هكذا
يختبر المسيح القلوب اليوم إذ قال: "أنا الذي أفحص القلوب" (رؤيل 2،
23). المصطفون هم الذين يشهدون للحقّ بصمودهم ضدّ الوحش حتى الشهادة. إنّهم
بصمودهم هذا ضدّ المسيح الدجّال يوطّدون أركان ملكوت الله ومسيحه على الأرض (رؤيا
10، 11).

 

"اليوم
تمّ النصر والعزّة والمُلك لإلهنا والسلطان لمسيحه لأنّ (الوحش) الذي يتّهم إخوتنا
(الشاهدان) أُلقِيَ إلى الأرض… لقد غلبوه بدم الحمل وبشهادتهم له وضحّوا بحياتهم
حتى الموت" (رؤيا 12، 10-11).

 

يروي
كتاب الرؤيا عودة إسرائيل الوحش والمسيح الدجّال والقضاء النهائي عليها. بسقوطها
يتجلّى سلطان ومجد المسيح، يسوع الناصري، وملكوته يدوم إلى الأبد.

 

ملكوت
الله على الأرض

ينفخ
البوق السابع ليعلن استقرار ملكوت الله على الأرض بعد سقوط المسيح الدجال:

 

"ونفخ
الملاك السابع في بوقه. فارتفعت أصوات عظيمة في السماء تقول: صار مُلك العالم
لربّنا ولمسيحه, فيَملك إلى أبد الدهور" (رؤيا 11، 15).

 

إنّ
النور الإلهي الذي حجبه التنّين والوحش سيسطع من جديد في قلوب المتعطّشين للحقّ
والمحبّة. سيعيشون مع الله في قلوبهم ويكونون هيكل الله على الأرض:

 

"ثمّ
رأيت سماءً جديدةً وأرضاً جديدة, لأنّ السماء الأولى والأرض الأولى زالتا وما بقيَ
للبحر (موت الروح) وجود… أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجّاناً… أكون له
إلهاً ويكون لي ابناً… وما رأيت هيكلاً في المدينة لأنّ الربّ الإله القدير والحمل
هما هيكلها… لأنّه لا ليل فيها" (رؤيا 22، 17).

 

أبتاه،
ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السّماء كذلك على الأرض. آمين!

"آه
تعال أيّها الرّب يسوع! آمين!"

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي