الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

المسيح
المجيد

أعتاد
يوحنا – أثناء حياة الرب فى الجسد على الأرض – أن يتكىء على صدره الحنون ولكنه
سنراه فى هذا الأصحاح فى وضع مهيب ومجيد لدرجة أنه سقط عند رجليه كميت، أليس لهذا
السبب قال الرب لتلاميذه، أبى أعظم منى! أى أن المجد السماوى الذى للأقانيم أعظم
بما لا يقاس بصورة تواضع الأبن وهو آخذ صورة عبد، وفى الهيئة كإنسان.

وينقسم
الأصحاح إلى:

1-
الأفتتاحية: (من عدد 1 – 3).

2-
الراسل والمرسل إليهم: (من عدد 4 – 8).

3-
التكليف الإلهى ليوحنا: (من عدد 9 – 11)

4-
المسيح المجيد وسط المنائر: (من عدد 12 – 20).

 أولا:
الأفتتاحية: (1 – 3).

فى
هذه الأفتتاحية يتحدث الرسول عن أن هذا السفر هو اعلان أى يكشف القناع أو يزيح
الستار، فهو سفر الأسرار يكشفها الله لعبده يوحنا ولنا بالتالى.

 ثانيا:
الراسل والمرسل إليهم: (4 – 8).

الراسل:
هو يوحنا بن زبدى كما أسلفنا.

المرسل
إليهم: أساقفة الكنائس السبعة فى آسيا الصغرى معقل المسيحية فى ذلك الوقت، حيث
أفسس مكان استقرار الرسول الوحيد الباقى من تلاميذ المسيح طوال الربع الأخير من
القرن الأول الميلادى.

 سلام
من الروح القدوس:


من الكائن والذى كان والذى يأتى: أى من الآب، لأنه الكائن بذاته واجب الوجود، وأصل
كل الموجودات.


ومن السبعة الأرواح: الأرجح أنها إشارة إلى الروح القدس الكامل (رقم سبعة) ذلك لأن
أسم السيد المسيح سيرد بعد ذلك فى التحية، ومن غير المعقول أن يرد قبله أسم
الملائكة، أما القول بأن المسيح " وضع قليلا عن الملائكة " فمردود عليه
بأن ذلك كان خلال تجسده على الأرض، أما الآن فهو فى المجد، ويستحيل أن يأتى أسمه
بعد أسم رؤساء الملائكة.


ومن يسوع المسيح: وهنا يدعوه " الشاهد الأمين " لأنه هو الذى كان فى حضن
الأب ثم خبرنا بكل شىء، " البكر من الأموات " لأنه باكورة الراقدين، أول
من قام بنفسه، قام ولن يموت، وقام ليقيمنا معه كبكر بين أخوة كثيرين دخل إلى
السماء " كسابق لأجلنا " (عب 6: 20).

 " جعلنا ملوكا وكهنة ":

ملوكا:
أى اعطانا طبيعة جديدة متحررة من حتميات الأنسان العتيق وعبوديته المرة، فصرنا
ملوك ذواتنا بنعمة المسيح.

كهنة:
لأننا فى الأصل كهنة هذا الكون، نرفعه إلى الله فى تسبيح وشكر، ولما سقطنا كنا فى
حاجة إلى فاد يعيدنا إلى هذه الصفة. فنقدم إلى الله من على مذابح قلوبنا ذبائح
الحمد والتسبيح (مز 116: 17، عب 13: 15)، (مز 141: 2) " عجول شفاهنا "
(هو 14: 2)، " ثمرة شفاة معترفة بأسمه " (عب 13: 15) مع ذبيحة القلب
المنكسر (مز 51: 3).

وهذا
لا يلغى وجود الكهنوت الخاص، أى وكلاء الأسرار الإلهية.

"
هوذا يأتى مع السحاب ": نحن ننظره، وكان آباؤنا أثناء الأضطهاد – بل قد
تطرفوا فى انتظار الرب ظانين أن " ملكوت الله عتيد أن يظهر فى الحال "
(لو 19: 11)، واحتاجوا إلى رسالتى تسالونيكى لتصحيح هذا المفهوم الناقص، "
وستنظره كل عين " فمجىء السيد المسيح سيكون ظاهرا للعيان، " والذين
طعنوه ".. هنا أمران هامان:

الأول:
هذه العبارة تؤكد أن يوحنا كاتب الأنجيل هو يوحنا كاتب الرؤى فهو الوحيد الذى حدثنا
عن طعن السيد المسيح.

الثانى:
وأن قيامة الأشرار ستكون مع قيامة الأبرار، بدليل أن طاعنى السيد سيرونه فى مجيئه
الثانى وهذا ما يدحض قول البعض أن الكنيسة ستخطف أولا، ثم تأتى الضيقة، ثم الملك
الألفى، ثم قيامة الأشرار.. إنها قيامة واحدة تحدث يوم مجىء المسيح الثانى.

"
وينوح عليه جميع قبائل الأرض " تعبيرا عن رعبتهم من الدينونة العتيدة ومن
المسيح المجيد الذى رفضوه، " أنا هو الألف والياء " السيد يعلن عن نفسه
فى مجده الأبدى، أنه أصل وختام كل شىء، فكل شىء محتوى فى اتساعه اللامحدود.

 ثالثا:
التكليف الإلهى ليوحنا (9 – 11):

هنا
يتحدث الرسول عن نفسه (كأخ) وهو نفس الأتضاع الذى ورثته الكنيسة عنه حين يدعو
الأسقف الأغنسطس أخا أثناء سيامته " وشريك الضيقة " فهو يعانى نفس ىلآم
الأضطهاد مثل أبنائه فى أفسس وغيرها، وكلمة " الضيقة " فى الأصول
اليونانية تعنى " الطحن أو السحق " تطحن القمح ليصير دقيقا نافعا.

وهو
شريك أيضا فى ملكوت يسوع " فهذا رجاؤنا الذى لا يخيب ولا يختفى عن أعيننا
ولهذا نصبر ". فالصبر مستحيل دون رؤية واضحة وعربون محسوس.

كما
يوضح مكان إرسال الرسالة وهو بطمس وهو هناك لأجل كلمة الله ولكنه لا يحس أنه فى
المنفى بل " فى الروح ".. كان ذلك فى يوم الرب، أى يوم الأحد مشتاقا
للقاء أبنائه لتعزيتهم فمنحه الرب هذه الرؤيا لتعزية الأجيال كلها.

"
سمعت ورائى صوتا عظيما كصوت بوق "، من ورائه رمزا لجلال التدبيرات الإلهية
ووضوحها وحسمها.

وبدأ
الرب يتكلم.. " أنا هو الألف والياء.. الأول والآخر.. والذى تراه أكتب فى
كتاب وارسل إلى السبع الكنائس التى فى آسيا.. أفسس، سميرنا، برغامس، ثياترا، ساردس،
فيلادلفيا، لاودكية ".

تكليف
إلهى من فم الأبن الكلمة، إلى يوحنا الحبيب، ليوصل التوجيهات الإلهية إلى الكنائس
المحلية، وإلى الكنيسة العامة من خلالها، بل إلى عصور متتالية سنكتشفها كلما أمعنا
الفحص فى الرسائل الموجهة.

 رابعا:
المسيح المجيد وسط المنائر: (12 – 20).

مشهد
مجيد رآه يوحنا حين التفت لينظر " شبه أبن إنسان " فيسوع الآن فى جسد
القيامة الروحانى يحمل ملامح الأنسان لكن فى مجد أخاذ.. يتمشى وسط " سبع
منارات " رمز الكنائس السبع.. ويمسك بيده اليمنى " السبعة كواكب "
أى أساقفة الكنائس السبع.

أما
منظر الرب فهو مهيب ومجيد " متسربل بثوب إلى الرجلين " علامة الوقار
والجلال والمهابة، " ومتمنطق عند ثدييه بمنطقة من ذهب " وهى غير منطقة
الحقوين التى ترمز إلى الأستعداد للعمل، فمنطقة الصدر كانت للقضاة، وهى من ذهب رمز
البر.. إذن فالرب هو القاضى البار.

 

· "ورأسه
وشعره أبيضان " علامة أزلية فهو قديم الأيام (دا 7: 9).

· "
عيناه كلهيب نار " فهو فاحص القلوب والكلى.

· "
رجلاه شبه النحاس " رمز الصلابة والرسوخ والثبات.

· "
صوته كصوت مياة كثيرة " إشارة إلى رهبة أنذاراته وجلال مقاصده المعلنة.

· " وفى
يده اليمنى سبعة كواكب " أشارة إلى السبعة أساقفة فهم فى يمينه، يسندهم بقوته،
ويسيطر عليهم بلاهوته.

· "
وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه " أشارة إلى كلمة الله الحية الفعالة والأمضى
من كل سيف ذى حدين (عب 4: 12) فهو يبتر المبادىء الشريرة وينخس القلب العتيق ويدين
كل الرافضين والمستهترين.

· "
ووجهه كالشمس " فهو " أبرع جمالا من بنى البشر " (مز 4: 2) وهو
" شمس البر والشفاء فى أجنحتها " (ملا 4: 2)، والشمس تحمل معنى الطهارة
لأن النار تطهر وتعطى الأنارة لأن المسيح يدخلنا إلى الملكوت، ومعنى الحياة فلا
حياة بدون الشمس، والدفء كالمسيح يدفئنا بروحه من برودة هذا الدهر.

 وأمام
هذا المشهد المهيب سقط يوحنا عند رجلى الرب كميت.. لكن الرب وإن عاد إلى مجده
الأسنى إلا أنه لم يفقد حبه وحنانه.. لقد انحنى على يوحنا، ولمسه بيده اليمنى
الحافظة للكون وطمأنه قائلا: " لا تخف فأنا ما زلت فاديك المحب..

 "
انا هو الأول والآخر " فهذه حقيقتى اللاهوتية..

"
أنا الحى وكنت ميتا " فهذه حقيقتى الفدائية..

"
وها أنا حى إلى الأبدين " فهذه حقيقتى الأبدية..

"
ولى مفاتيح الهاوية والموت " فأنا الإله الديان الأزلى.

ثم
كلفه الرب بأن " أكتب ما رأيت " (مشهد المسيح المجيد)..

"
وما هو كائن " (مشهد الكنائس على الأرض)..

"
وما هو عتيد أن يكون بعد هذا " أى مشاهد المستقبل بروح النبوة..

لا
تخف إذن فالكنائس فى السماء " ذهبية " رمز البر، والأساقفة فى يمين
المخلص المقتدرة، ويسوع نفسه فى وسطها يسند ويوجه ويحمى.

فلنسمع
الآن ما يقوله الروح للكنائس.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي