الإصحَاحُ
الرَّابعُ

مشهد
سمائى

نبدأ
الآن الرؤيا الثانية من رؤى السفر السبع، وهى كما ذكرنا تعبر عن مشهد من مشاهد
الصراع بين الكنيسة وقوى الشر، وتنتهى حتماً بنصرة الكنيسة، وتشمل هذه الرؤيا
الإصحاحات من 4-7، وفيها نرى الرسول وهو ينتقل بنظره من الأرض إلى السماء، وهناك
يرى مشهداً سمائياً رائعاً: العرش، الجالس عليه، والبحر البلورى، والأربعة كائنات
غير المتجسدة، وهتاف وتسبيح مجيد. وفى الإصحاح الخامس يرى السفر المختوم ويسمع
نداء يدوى فى الأعالى: من هو مستحق ان يفتح السفر ويفك ختومه؟ وتنسد الأفواه
وتنعقد الألسنة ولا يجرؤ أحد من البشر أو سكان السماء ان ينظر إلى السفر.. ويبكى
يوحنا ولكن واحداً من القوس يطمئنه أن الأسد الخارج من سبط يهوذا سوف يفعل ذلك،
وينتظر يوحنا الأسد فإذا به حمل وديع، سمات الألم والجراحات مازالت تبدو عليه، أتى
وأخذ السفر، وهنا صدحت جوقات السماء بنشيد الشكر والتهليل، وسادت سكان السماء فرحة
عارمة بالحمل الفادى!

 وفى
الإصحاح السادس: يبدأ فك الختوم الخمسة الأولى، فنرى الفرس الأبيض ثم الأحمر ثم
الأسود ثم الأخضر ثم صيحات النفوس الأمينة من تحت المذبح ثم الزلزلة الأخيرة التى
تنهى الصراع لصالح الكنيسة، حيث نجدها في الإصحاح السابع فى مجد عظيم فى السماء،
فى ثياب النقاوة، ومع سعف النخل، ومع عيد الأبدية الذى لا ينتهى.

 

المشهد
الثانى:

 نظر
يوحنا وإذا "باب مفتوح فى السماء" علامة بدء استطلاع ما كان مخفى عن
البشر، ولذلك يدعى يوحنا فى الكتب الكنسية القديمة "صاحب الجليان" أى
صاحب اجلاء الأمر الغامض وكشف المقاصد المستورة. ولهذا نسهر فى سبت النور لنتطلع
نحو السماء المفتوحة التى فيها نرى يسوع فى المجد الأسنى، مع جسده كان فى القبر
متحداً بلاهوته المجيد. وإذا ما انفتحت السماء تقبلت الدعاء، او سكبت الروح، أو
شهدت للإبن.

 "والصوت
الأول الذى سمعته كبوق يتكلم معى" كثيراً ما يبدو صوت الله مهيباً ومخيفاً
ومع انه الآن يحمل إلينا رسالة الحنان والفداء. ولعلنا نذكر صوت الآب وهو يشهد
للإبن "مجدت وأمجد أيضاً" (يو28: 12) وكيف ان الناس تصوروا الصوت رعداً،
وكذلك حينما سمع رفقاء بولس الصوت دون ان يميزوا الكلمات (قارن أع 7: 9 مع أع 9: 22).

 "اصعد
إلى هنا" أى بالروح، فأريك ما لابد ان يصير بعد هذا. هنا كشف للمستقبل
الكنيسة كنهاية لصراعها مع الشر. فماذا رأى يوحنا؟ رأى لوحة رائعة نتمنى ان تسجلها
يد فنان ملهم.


"العرش" رمز الملك.


"وعلى العرش جالساً" رمز الحكم والإستقرار.


"منظره شبه اليشب والعقيق" اليشب أبيض والعقيق أحمر رمز النقاوة والفداء
فالملك السمائى قدوس وفاد.


"وقوس قزح حول العرش شبه الزمرد" يدركنا بالميثاق الذى قطعه الله مع
البشر بعد الطوفان، كان يرى قوس قزح فيرحم الإنسان. ملكنا إذن رحيم (القدوس،
الفادى، الرحوم).


"وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً" إنها عروش عليها يملك القديسون حسب وعد
الرب "من يغلب يجلس معى فى عرشى" (رؤ21: 3) ورقم 24 ضعف رقم 12 وهو يرمز
إلى الديانة المنظمة: الأسباط الإثنى عشر ثم التلاميذ الإثنى عشر. إنهم إشارة إلى
كنيستى العهدين القديم والجديد.


كلمة "شيخ" فى الأصل اليونانى "بروسفيتيروس" ومنها كلمة
"برسفيا" أى شفاعة، انهم إذن كهنة أو قسوس وهما نفس الكلمة المترجمة
"قسوس" فى (أع7: 20).


"جالسين" فى استقرار.


"متسربلين بثياب بيض" فى نقاوة ووقار.


"وعلى رؤوسهم أكاليل ذهب" رمز البر الإلهى الذى اتشحوا به والمجد الإلهى
الذى حصلوا عليه.


"من العرش يخرج بروق ورعود وأصوات"..البروق تشير إلى مواعيد الله فالبرق
يسبق المطر، والرعود رمز الإنذارات الإلهية حيث يكون الصوت مخيفاً، والأصوات رمز
توجيهات الله فى كلمته الحية.


"أمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هى سبعة أرواح الله" رمز نار الروح
القدس، الذى يطهر ويقود ويدين.


"وقدام العرش بحر زجاج شبه البلور" رمز المعمودية التى بدونها لا نقترب
إلى عرش الله ولا نتحد به "من آمن واعتمد خلص" (مر16: 16)، و "من
لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5: 3).


"فى وسط العرش وحوله أربعة حيوانات مملوئة عيوناً من قدام ومن وراء" هذه
كائنات غير متجسدة ممتلئة حكمة وأبصار سواء من قدام، اى ترى المستقبل، او من وراء
أى ترى الماضى، وهو بالترتيب: شبه أسد – شبه عجل – شبه إنسان – شبه نسر طائر.

 وهنا
يجتهد المفسرون فى آراء مختلفة مثل:

1.
إنها تشير إلى صفات الله وكمالاته، فالأسد رمز القوة، والثور رمز الخدمة، والإنسان
رمز الحكمة، والنسر رمز التعالى والسمو.

2. أو
تشير إلى أنواع الخليقة، فالأسد رمز الحيوانات المفترسة، والثور رمز الحيوانات
الأليفة، والإنسان رمز مملكة البشر، والنسر رمز الطيور والكل يمجد الخالق.

3.
لكن أرجح الآراء انها اشارة إلى البشيرين الأربعة متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا،
الذين حملوا بشارة الرب إلى كل المسكونة.

وهنا
تختلف الآراء فى توزيع هذه الرموز:

 

صاحب
الرأى

متى

مرقس

لوقا

يوحنا

ايريناؤس

الإنسان

النسر

الثور

الأسد

اثناسيوس

الإنسان

الأسد

الثور

النسر

أغسطينوس

الأسد

الإنسان

الثور

النسر

 

– وهم
يتخذون أساساً يبنون عليه آراءهم، فالقديسون ايريناؤس يرى ان الكائنات الأربعة هى
أوجه لحياة السيد المسيح فالأسد يرمز إلى ملكوته، والثور إلى كهنوته، والإنسان إلى
تجسده، والنسر إلى ارساله الروح القدس، كما يرى انها تشير إلى العهود الأربعة التى
عملها الله مع البشر، فالوعد الأول كان مع آدم قبل الطوفان، والثانى مع نوح بعد
الطوفان، والثالث مع موسى بإعطاء الناموس، والرابع مع العالم بدم المسيح.


والقديس اثناسيوس يرتبط ببداية السفر. فمتى يبدأ بسلسلة الأنساب لذلك يرمز الإنسان،
ومرقس يبدأ بصوت يوحنا الصارخ كالأسد فى البرية فيرمز إليه الأسد، أما لوقا فيبدأ
بالذبائح فيرمز إليه بالنسر، ويوحنا يبدأ بالكلمة فيرمز إليه بالنسر.

– أما
اغسطينوس فيرتبط بمحور الإنجيل، فهو يرى ان متى قدم لنا السيد المسيح كأسد خارج من
سبط يهوذا، ومرقس قدمه لنا كإنسان يمشى بين البشر ليخدمهم، اما لوقا فيظهر السيد
المسيح كذبيح يفدى البشر، لذلك يعطيه رمز الثور، ويوحنا يرمز إليه النسر لأنه حدق
فى شمس البر وحدثنا عن ألوهيته.


وهنا رأى حديث يرى أن الأسد يرمز إلى متى الذى حدثنا عن المسيح الملك، ومرقس يرمز
إليه الثور إذ حدثنا عن المسيح الخادم القوى، ولوقا يرمز إليه الإنسان لأنه تحدث
كثيراً عن ابن الإنسان، أما يوحنا فيرمز إليه النسر لأنه حدثنا عن المسيح الإله.

 

 وهذه
كلها تفسيرات جميلة ومقبولة تشير فى جوهرها إلى لا محدودية السيد المسيح، إذ
يستحيل أن يحده عقل بشرى أو تشبيه مهما كان، انه الإله العالى الساكن فى نور لا
يدنى منه، أو قل هو الضباب المقدس الذى يحجب رؤية من يدخل إليه، أو هو الشمس
المشرقة التى ترفض اقتحام العين لها.

 

 وهذه
الكائنات لكل منها "ستة أجنحة" رمز خفة الحركة، وسرعة الانتشار مملوءة
عيوناً "رمز البصيرة والحكمة الروحانية، وهى تصلى باستمرار "قدوس قدوس
قدوس" اسم لله وصفة ينفرد بها تعالى، يكررونها ثلاث مرات إشارة للثالوث
وتأكيداً للمعنى "الإله القادر" لأن بيده الكل "الذى كان" فى
الماضى والكائن “فى الحاضر" والذى يأتى فى المستقبل فهو فوق الزمان، أزلى
ابدى سرمدى.

 ومع
الترنيم العذب المهيب يخر الكل سجوداً، ويطرح القسوس أكاليلهم تحت قدمى المسيح،
فهو الوحيد المستحق ذاتياً للمجد، أما هؤلاء ونحن فأكاليلنا مكتسبة منه، دفع هو
ثمنها من دمه ووهبها لنا مجاناً، فهى منه وإليه، وهو الخالق "أنت خلقت كل
الأشياء وهو الحافظ" وهى بإرادتك كائنة..له المجد.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي