الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

(البوقان
الخامس والسادس)

البوق
الخامس: الكوكب النازل والهاوية والجراد(9: 1-12)

وفيه
نرى ملاكا ساقطا (أى نازلا) من السماء ومعه مفتاح بئر الهاوية هو إذن ملاك لا
شيطان، فالشيطان محبوس فى الهاوية، وذاك قادم من السماء ومعه المفتاح والهاوية
مفتاحها فى يد المسيح " لى مفاتيح الهاوية والموت " (1: 18) وهى فى تصور
انسان العهد القديم حفرة بلا قرار، فيها أعداء الرب (عا 9: 3، أش 51: 9، مز 74: 13)،
كسجن (أش 24: 21، 22)، وقد عبر عنها أحد كتاب اليهود أنها سجن الملائكة الأشرار،
وبالطبع كلها تعبيرات معنوية لا حسية.

وفتح
الملاك " بئر الهاوية " إشارة إلى فك الشيطان من سجنه بسماح من الله فى
الأيام الأخيرة، فصعد " دخان كثير " حتى أن الشمس أظلمت إذ حجب نورها
وهذه إشارة إلى البدع والضلالات التى سيطلقها الشيطان فى الأيام الأخيرة حتى أن
نور الكلمة يحجب عن كثيرين.

ومن
الدخان خرج جراد كثير فى جيوش زاحفة، رمزا للأرواح النجسة والأفكار والمبادىء
المضلة التى ستملأ الأرض فى تلك الأيام، ولذلك فهذا الجراد لن يضر المختومين على
جباههم (العامل فيهم ختم الميرون وقوة الروح القدس) سواء كانوا مبتدئين (عشب
الأرض) أو متوسطين (نبات أخضر) أو متقدمين (أشجار).. الضرر سيكون بالناس الأشرار
البعيدين عن عمل النعمة.

وسيقف
الضرر اللاحق بهم عند حد التعذيب لا الموت.. ولعل ما تعانيه البشرية الآن من
عذابات كثيرة كالحروب والقلاقل ونقص الغذاء والأنفجار السكانى وانتشار الالحاد
والبدع والأنحلال الخلقى والخوف والقلق والملل.. كل هذا يجعل الحياة قطعة من
العذاب بالنسبة لمن لم يختبروا المسيح، ولهذا فهم يروا أن هذا الوجود " لا
فائدة منه " وأن هذه الحياة لا تستحق سوى الأنتحار (سارتر والبير كامى).

ويشكل
الجراد شبه خيل مهيأة للحرب إشارة إلى الحروب التى سيشنها عدو الخير على البشر
سواء حسية أو فكرية أو اقتصادية.ز إنها الخيل المتوثب القوى الذى يفتك بكل ما يقع
تحت رجليه.

"
وعلى رؤوسها أكاليل ذهب ".. أى أنها تخدع الناس بإغراءاتها وتوهمهم بالنصرة
(الأكاليل) وبالغنى (الذهب) ولكن شكرا لله إنها " شبه " ذهب.

"
ووجوهها كوجوه الناس " أى أن الشيطان يستخدم الأنسان فى إيذاء أخيه فى
البشرية.

"
لها شعر كالنساء وأسنانها كالأسود " أى أن هذه الحروب الشيطانية ستعطى انطباع
الحنان والعطف على الأنسان بينما هى فى الواقع مفترسة كالأسد " لها دروع من
حديد، وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرة تجرى إلى قتال " الحديد رمز
الصلابة، لأن الشيطان صلب المراس فى قتاله، وصوت الأجنحة المرعب رمز الرهبة والخوف.

"
لها أذناب شبه العقارب " أى تسكب الألم وسموم الموت فى الأنسان.

"
وسلطانها خمسة أشهر " رمز ال 150 يوما التى كانت للطوفان، إنها عقاب مؤقت
يعقبه حنان إلهى!

"
ملكها أبدون.. أبوليون " هو ملاك الهاوية، أى رئيس هذه الطغمة: الشيطان
وابدون = الهلاك، ابوليون = المهلك (انظر حاشية الكتاب المقدس)، الكلمة الأولى
عبرانية أما الثانية فيونانية.

 

البوق
السادس: " ملائكة الفرات والحرب الرهيبة " (9: 13 – 21)

ثم
جاء البوق السادس، والويل الثانى، وفيه نرى مذبح الذهب الذى أمام الله، وهو مذبح
البخور، وقرون المذبح علامة القوة حتى أن الناس كانوا يتمسكون بها لجوءا إليها من
الخطر المحدق، وهى أربعة قرون رمز هيمنة الله على أربعة أنحاء المسكونة.

جاء
الصوت من أربعة قرون المذبح، أى من الله كلى القدرة، أن يفك الملاك السادس الأربعة
ملائكة المقيدين عند الفرات، وذلك لأنهم كانوا فى هذا الوضع إلى وقت محدد من الله
يهلك فيه ثلث الناس لعل الباقى يتوب، ولكن لماذا الفرات؟ إنه تذكرا لبابل المهلكة
التى سبت بنى إسرائيل إليها فى ذل وعار..

ولماذا
يهلك الثلث؟ لأنهم يرفضون التوبة رغم إنذارات الأبواق الخمسة الماضية، إنها
محاولات من الله لتحريك ضمائر البشر للتوبة وهذا أفضل لهم، ولكن.. الأنسان كثيرا
ما يتمسك بفكره المنحرف ويرفض يوم خلاصه!!

"
وعدد الجيوش 200 مليون ": وهو رقم ضخم إما لأنه يشير إلى حرب روحية، وأجناد
شيطانية، أو أنه يشير إلى حرب عالمية تضم دولا كثيرة.

لقد
انخرط الناس فى خطايا كثيرة وخطيرة عبر عنها الرائى فى الآية 21 القتل (المادى
والمعنوى) والسحر (الذين يلجأون للشيطان دون الله) والزنا (بكل أنواعه الحسية
والمادية والفكرية) والسرقة (التى يتصور فيها الأنسان أن الله لا يراه).. لهذا
كثرت الحروب وزادت روح العداوة وانهمك الكل فى صراعات دموية وغير دموية بسماح من
الله، لعل البشرية تفيق من غفلتها وتتعرف على احتياجاتها العميقة فتتوب، ولكن
الفرصة قد فاتتهم.. وها هم يرفضون التوبة.

"
والفرسان دروعهم نارية وأسمانجونية وكبريتية " وكلها تعطى إيحاء بالعنف
والقسوة والدموية

"
ورؤوس الخيل كالأسود " فى شراستها وافتراسها، ومن أفواهها يخرج نار ودخان
وكبريت، نفس الأحساس بالعنف والهلاك المحرق.

"
أذنابها شبه الحيات " أى تستخدم أساليب ملتوية فتدعى العلم والثقافة والفلسفة
بينما هى ضلالات وجهالات مهلكة.

"
وأما بقية الناس الذين لم يقتلوا بهذه الضربات.. فلم يتوبوا " إنه العناد
الأنسانى حين يرفض صوت الروح القدس والأنذارات الإلهية التى تكررت فى الأبواق
المختلفة.

البوق
الأول: إنذار بالجوع، والثانى: بالموت، والثالث: بالضلال، والرابع: بالأرتداد،
والخامس: بالغواية الشيطانية، والسادس: بالحروب المادية والمعنوية المدمرة،.. لكن
البقية لا تتوب.. فهى لا تعبد الله بل الشيطان، وهى تسجد لأصنام من ذهب وفضة ونحاس
وحجر وخشب،.. أى تتعبد للمادة كالشيوعية أو للذات الأنسانية كالوجودية.. إنه
الإلحاد المعاصر.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي