الإصحَاحُ
الْعَاشِرُ

الرعود
والسفر الصغير

فى
هذا الأصحاح تتوقف الأحداث عند البوق السادس، ونرى " ملاكا آخر قويا "
وكلمة ملاك معناها رسول، فالملائكة رسل من الله لتنفيذ مشيئاته المقدسة ومقاصده
الإلهية، ومع أن هذا الملاك قوى إلا أنه متسربل بسحابة، والسحابة دائما رمز
التسامى،، كما أن هذا الملاك " على رأس قوس قزح " ومعروف أنه رمز
الميثاق بين الله والناس بعد الطوفان، إذن فهى ملاك المقاصد الإلهية التى ستتم
حتما (قوى)، وفيها كل الخير (سحابة) وفيها فيض الرحمة (قوس قزح)، ووجه هذا الملاك
" كالشمس " فهو يحيا فى حضرة القدير وعليه ينعكس نوره الإلهى.

ورجلاه
" كعمودى نار " علامة الثبات ونفاذ الأرادة وطهارة المسلك، " ومعه
فى يده سفر صغير مفتوح " هذا يختلف تماما عن ذاك السفر العتيد الذى اهتزت له
السماء والأرض، والذى كان عن يمين الجالس على العرش، والذى كان مختوما باحكام
والذى لم يجرؤ أحد من الكائنات أن يفتحه ولا حتى أن ينظر إليه، هذا " السفر
الصغير " هو رسالة، وهو فى يد الملاك وهو " مفتوح ".

ماذا
فعل الملاك؟

"
وضع رجله اليمنى على البحر واليسرى على الأرض، والكل تحت موطىء قدميه، وهو ينادى
بصوت عظيم لتلتفت الأرض كلها إلى مقاصد الله العظيم ".

الرعود
السبعة؟

وعندئذ:
" تكلمت الرعود السبعة بأصواتها " وفهم يوحنا كل ما قالته، وأراد أن
يسجل كلماتها، لكنه سمع صوتا من السماء يقول: " اختم على ما تكلمت به الرعود
السبعة ولا تكتبه " وهنا توقف يوحنا عن الكتابة وكتم السر لنفسه حسب أمر الله،
فهناك أمور كثيرة غامضة، وجوابها عند الله، أحيانا يكشف الرب لأولاده الأخصاء
الأسرار وينهاهم عن البوح بها، الطاعة هنا واجبة واختفاء بعض مقاصد الله وتدبيراته
فى الكون أمر مفروغ منه لأن الكتاب يقول: " السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا
" (تث 29: 29) " يالعمق غنى الله وحكمته وعلمه، ما أبعد أحكامه عن الفحص
وطرقه عن الأستقصاء " (رو 11: 23).

لذلك
فلا ينبغى أن نتوهم إمكانية أن نسير غور المقاصد الإلهية إلا فى الحدود التى أعلنت
لنا من خلال الوحى، ويكفينا أن نثق أن الله محب وعادل معا، ولن تنقص محبته فى لحظة
واحدة، ولن يتخلى عنا لحظة واحدة.. أما كيف؟ فهذا سر!!

وما
أكثر الأسرار فى الكون، فإن كنا حتى الآن لم نستطع أن نستوعب العمليات الكيميائية
التى تحدث فى الخلية الصغيرة، وإن كنا حتى الآن لم ندرك سر الحياة وكيف نشأت؟ فكم
بالحرى الأسرار التى رأى الله أن يخفيها عنا لخيرنا؟ إنه الإله القادر والأب
الحنون فى نفس الوقت، فلهذا نسلم حياتنا له " ولا نرتأى فوق ما ينبغى ".

الملاك
يقسم بالله:

ورفع
الملاك يده إلى السماء " وأقسم بالحى إلى الأبد الآبدين ".. كيف ذلك أن
الأمر فى يد الله، وحين يأمره الله بأن يقسم به فقد أخذ السماح ويجب أن ينفذ.

"
لا يكون زمان بعد ".. هنا النهاية فقد أوشكت صورة الصراع هذه أن تنتهى وسوف
تنتهى بنصرة الكنيسة.

"
ومع البوق السابع يتم أيضا سر الله كما بشر عبيده الأنبياء ".. هذا تأكيد أن
البوق السابع سينهى الصراع لصالح الكنيسة، تحقيقا لوعد الرب.

السفر
الصغير:

وإذا
بالصوت الذى نهاه عن تسجيل كلمات الرعود السبعة يقول ليوحنا: " اذهب خذ السفر
الصغير المفتوح فى يد الملاك الواقف على البحر وعلى الأرض "، فذهب يوحنا فى
طاعة جميلة وأخذ السفر من يد الملاك الذى قال له: " خذه كله، فسيجعل جوفك مرا،
ولكنه فى فمك يكون حلوا كالعسل ".. ما أجمل صدق الله! انه ينبه إلى المرارة
التى سيحسها فى باطنه قبل أن يغريه بالحلاوة التى سيحسها أولا فى فمه انه خادم رب
الجنود الذى لم يخدعنا بل قال: " فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد
غلبت العالم " (يو 16: 33).

وبالفعل
أخذ يوحنا السفر وأكله فكان فى فمه حلوا كالعسل، وفى جوفه مرا، انه طريق المسيح
الذى تختلط فيه حلاوة الشركة معه مع الآم الصليب الذى نحمله خلفه، وهى مقاصد الله
التى تشبه بضع الجراح فيها الألم والحلاوة، الألم للبنيان والحلاوة للتشجيع.

وقال
له الملاك: " يجب أن تتنبأ أيضا على شعوب وأمم وألسنة وملوك كثيرين " أى
انك ستكرز وتعلن للناس كلامى، وهذه مهمة مؤلمة فيها يكسب الأنسان رضى الله، وغضب
الكثيرين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي