الإصحَاحُ
الثَّانِي عَشَرَ

المرأة
والتنين

 أولا:
" المرأة " (12: 1، 2)

امرأة
عظيمة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها اكليل من أثنى عشر كوكبا،
وهى حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد "..

هناك
أكثر من اتجاه لتفسير هذه المرأة:

1- إنها الكنيسة اليهودية
القديمة التى ولدت لنا السيد المسيح له المجد وهى مستمرة فى كنيسة العهد الجديد.

2- أو هى العذراء مريم، لكنه رأى
ضعيف، حيث أن الصراع سيستمر بين المرأة والتنين مدى الأيام.

3- أو هى كنيسة العهد الجديد
التى بدأت بالسيدة العذراء وميلادها للمسيح وصراع الشيطان معه ومعها ثم استمرت فى
ميلاد الكثيرين من أبناء المسيح والمشابهين لصورته، والمصارعين للعدو إلى مدى
الدهر، وهذا هو الرأى الأرجح.

"
متسربلة بالشمس " شمس البر، الرب يسوع الذى يضفى مجده على كنيسته، "
والقمر تحت رجليها "، وهو رمز المادية المظلمة فى ذاتها وتأخذ ضوءها انعكاسا..
وكنيسة المسيح تحتقر أمجاد الأرض ولا ترضى بغير المجد السماوى.

"
اثنى عشر كوكبا " هم تلاميذ المسيح الذين أضاءوا جبين الكنيسة ونشروا نورها
بين العالمين

"
متوجعة لتلد " فليست ولادة البنين الروحيين من جرن المعمودية وسر التوبة
والأعتراف إلا مخاض مؤلم يحياه رجال الكنيسة فى طغمات الكهنوت المختلفة.

ثانيا:
" التنين ": (12: 3، 4).

إنه
العدو الشيطان الذى ينتظر ليحطم صورة السيد المسيح فى أولاده الكثيرين والتنين
دائما رمز الشر لأنه لا خير فيه وهو " عظيم " رمز جبروته فى الأيذاء،
كما أنه " أحمر " رمز النار والدموية، فهو قاس لا يعرف الرحمة، له
" سبعة رؤوس ذات تيجان " أى أنه ينشر شروره فى كل مكان، لأن سبعة هى عدد
الكمال، والرؤوس رمز التفكير والتدبير والنفوذ، أما " العشرة قرون "
فترمز إلى حلقات الأضطهاد العشر التى حاولت بها الوثنية سحق المسيحية دون جدوى، ولا
شك أنها ترمز لكل ما تلاها من قوى متشابهة وذنبه يجر ثلث نجوم السماء، فطرحها إلى
الأرض إشارة إلى الطغمة التابعة للشيطان، والتى أسقطها معه بكبريائه على الله.

 هذا
التنين يذكرنا بما جاء فى الكتاب عن الرب:

"
أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رؤوس التنانين على المياة " (مز 74: 13) أو نداء
أشعياء للرب: " استيقظى ألبسى قوة يا ذراع الرب.. ألست أنت القاطعة رهب،
الطاعنة التنين " (أش 51: 9)، أو قوله: " هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر،
التمساح الكبير " (خر 29: 3) فى إشارة واضحة لمساندة الرب لشعبه فى القديم
أمام استعباد فرعون له.

التنين
إذن استعارة واضحة عن الشيطان الذى سيظل يقاوم الكنيسة حتى تسحقه أخيرا بقوة الرب.

 

الصراع
بين المرأة والتنين (12: 5، 6)

ولدت
المرأة " إبنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد " وهذه إشارة
واضحة إلى السيد المسيح وفى يده عصا الرعاية والأشفاق والحب، ولكن فى يده أيضا
" عصا حديدية " رمز العدل والقوة والأقتدار.

ونكرر
هنا أن الصراع الذى حدث بين التنين هيرودس والعذراء مريم وابنها الحبيب يتكرر الآن
وباستمرار بين الشيطان وأبناء الكنيسة.

لكن
" الولد" اختطف إلى عرش الله، إشارة إلى انتهاء الصراع لصالح الكنيسة،
أما المرأة (الكنيسة)، فقد هربت إلى " موضع معد " أى إلى مكان أمان
وراحة فى حضن الله حتى وهى بعد " فى البرية " أى فى غربة هذا العالم.
أما المدة التى ستقضيها المرأة فى البرية فهى 1260 يوما أى تساوى 42 شهرا أى تساوى
ثلاث سنوات ونصف أى نصف عدد الكمال، إشارة إلى " الوضع المؤقت غير الدائم
" فالكنيسة ستحيا فى دائرة الصراع هذه ولكن ليس على الدوام، إنه وضع مؤقت
والنصرة ستأتى فى النهاية.

 صراع
فى السماء (12: 7 – 12)

هنا
نلاحظ أن الخيط قد انقطع، والحديث عن المرأة قد توقف، لنتطلع نحو السماء، ونعرف
شيئا عن صراع دار فيها منذ القديم. وكأن الرسول يقول إن الصراع الذى بيننا وبين
الشيطان قديم حتى قبل خلقتنا، وأن الشيطان قاوم الله، وقاوم الملائكة، وها هو
يحاول اضهاد المرأة (أى الكنيسة) إن صراع الشيطان ليس قاصرا إذن – على العالم
المادى أو البشرى – بل هو صراع روحى قديم مكانه السماء.

"
حدثت حرب فى السماء: ميخائيل وملائكته، حاربوا التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد
مكانهم بعد ذلك فى السماء "

قال
الشيطان فى قلبه: " أصير مثل العلى " (أش 14: 14) كانت طهارته ونوره
مستمدان من الله، فتصور إمكانية أن ينير بذاته. الله عصمته ذاتية، أما الشيطان
فإنارته كانت مستمدة من الله قبل السقوط.

لماذا
لا تقبل توبة الشيطان؟

لما
حاول الأستقلال عن الله،، وارتفع فى قلبه فى استغناء عن القدير ومحاولته للتساوى
معه انقطع تيار النور من حياته، فأصبح مظلما كله. ومن هنا جاءت إستحالة توبته، إنه
مسئول عن سقوطه مسئولية كاملة بعكس الأنسان الذى شارك هو فى إسقاطه، كما أنه فقد
كل الضوء الذى كان يغمر حياته فلم يعد هناك أدنى بصيص يقوده إلى التوبة.

فإذا
درسنا رسالة يهوذا سنجد أنموذجا لهذه الصراعات، كيف كان الشيطان يجاهد مع رئيس
الملائكة ميخائيل بخصوص جسد موسى النبى (محاولا كشفه ليسقط اليهود فى عبادته)، اما
ميخائيل فرفض الأفصاح عن مكان الجسد ورفض أيضا أن ينتهر الشيطان بقوته الذاتية
قائلا: " لينتهرك الرب " (يهوذا 9).

وقوله:
" لم يوجد مكانهم فى السماء " إشارة إلى فقدان الشيطان وطغمته لمكانتهم
المقدسة فى الأعالى، وأصبح دورهم الوحيد هو الشكاية ضد أولاد الله (أيوب 1: 9).

هذه
أسماء العدو: هو " تنين " لقسوته، و" حية " لدهائه، و"
ابليس " لشره.. لقد سقط حين أخطأ، ولكنه استمر يضايق الناس ويضغط عليهم
للسقوط فاسقط آدم ثم قايين ثم الجنس البشرى كله، بل توقح حتى بدأ يضايق الملائكة
ورسل السماء لولا مساندة رئيس الملائكة ميخائيل مثلما حدث أيام دانيال النبى (انظر
دا 10: 13)، وأخيرا قبض على أرواح الأبرار والأشرار فى الجحيم، هذا كله كان قبل
الصليب، لكن شكرا لله، لأنه على الصليب حدثت معركة فاصلة، لما حاول الشيطان أن
يتعامل مع نفس المسيح الناسوتية كأى نفس أخرى من أنفس الأبرار، وحاول أن يقبض
عليها فى الجحيم، ولم يكن يدرى أن لاهوته ما زال متحدا بنفسه الأنسانية فى الجحيم،
كما أنه متحد بجسده فى القبر، وارتعب العدو، وشعر أن الرب جاء إليه بنفسه ليسحقه
فى عقر داره، وسحقه بالفعل، وأخذ الأنفس البارة معه فى الفردوس بسرعة، وفى نفس
اليوم " اليوم تكون معى فى الفردوس " (لو 23: 43)، انتهت معركتنا مع
الشيطان بهزيمة ساحقة أذاقها له رب المجد، بقداسته المطلقة أثناء حياته على الأرض،
ثم بموته المحيى الذى أتمه على الصليب.

حقا
لقد وعد الرب، ووعده صادق، إذ قال قبل الصليب: " رأيت الشيطان ساقطا مثل
البرق من السماء " (يو 10: 18).

والشيطان
الآن – حسب كلام الرب – قد سقط وحسب مواعيد الرب مسحوق تحت أقدام القديسين: "
وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أقدامكم سريعا " (رو 16: 20)، لهذا فخطايا
البشر الآن إما جهل بالمسيح الذى ظفر بالعدو، أو تسليم إرادى للعدو، إنه يعرض ولا
يفرض، يعرض الخطية أمامنا، ولكنه لا يفرضها علينا.

أما
فى الأيام الأخيرة فنعرف من سفر الرؤيا أن الشيطان سيأخذ فرصة أخيرة من الأنطلاق
والحركة، ويحدث ارتداد وتعب لدى الناس، ولكن الوضع القائم (كل من يرتبط بالرب
ينتصر عليه).

وهكذا
اصبح من الممكن الآن أن يخلص الأنسان من مضايقات الشيطان إذ يسمع الصوت الإلهى: "
وسمعت صوتا عظيما قائلا فى السماء: " الآن، صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه
وسلطان مسيحه، لأنه قد طرح المشتكى على أخوتنا، الذى يشتكى عليهم أمام إلهنا نهارا
وليلا ".

ولكن
كيف غلبوه؟

"
وهم غلبوه بدم الخروف، وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت " (12: 11).

 مقومات
النصرة على الشيطان (12)

1- دم المسيح: الذى يغفر باستمرار، ويطهر من
كل خطية، ويقدس الكيان كله لله، راجع الآيات التالية: " بدون سفك دم لا تحصل
مغفرة " (عب 9: 32)، " دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " (1
يو 1: 7).

2- كلمة الشهادة: أى تحديد معالم الشخصية بأن
يكون الأنسان مسيحيا قلبا وقالبا، يحيا للمسيح ويشهد له فى كل مواقف الحياة.

3- الأستعداد للموت: أى التطلع الأبدى الأبقى،
وعدم التعبد للأرض والزمن.

وهكذا
رددت السماوات صيحة الراحة والفرح:

"
افرحى أيتها السموات والساكنون فيها " لأن العدو قد طرد منها، أما الأرض فهى
ما تزال تعانى من مضايقاته خصوصا فى الأيام الأخيرة، " ويل لساكنى الأرض
والبحر لأن إبليس نزل إليكم، وبه غضب عظيم، عالما أن له زمانا قليلا "..

الزمان
القليل هو هذا العمر، إذا قيس بجوار الأبدية الممتدة، وهو الأيام الأخيرة التى
ستشتد فيها وطأة العدو، لكن النصر أكيد.

 النصر
الأكيد (11: 13 – 17)

نعود
إلى قصة المرأة والتنين بعد هذه الفقرة الأعتراضية والضرورية لشرح وضع الشيطان فى
مراحله المختلفة. (رأى التنين أنه طرح إلى الأرض، فاضطهد المرأة التى ولدت الأبن
الذكر).. هكذا واقع الكنيسة: عدوها يضطهدها.

"
فأعطيت جناحى النسر العظيم لكى تطير إلى البرية إلى موضعها، حيث نعال زمانا
وزمانين ونصف زمان من وجه الحية ".. النسر العظيم إشارة للمعونة الإلهية التى
تسند الكنيسة فى جهادها، فهى سامية وقوية وساهرة كالنسر، وهكذا تستطيع الكنيسة أن
تقاوم هذا الأضطهاد السافر " ويتجدد مثل النسر شبابك " (مز 103: 5)
والبرية هى العالم المجدب من كل حياة حقيقية أو شبع حقيقى أو ارتواء.. لكن الله
سيعول الكنيسة ثلاثة أزمنة ونصف رمز الوضع المؤقت كما ذكرنا. وكأن الرسول يطمئن
أبناؤه ما أنتم فيه من اضطهادات وضع مؤقت.

"
فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماء كنهر لتجعلها تحمل بالنهر ".. وهذه
إشارة واضحة لمحاولات الشيطان أن يغرق الكنيسة فى اغراءات التعاليم والشهوات التى
تبدو عذبة كالنهر، لكنها مرة كالأفسنتين وقاتلة كالسم.

لكن
شكرا لله إذ: " أعانت الأرض المرأة وفتحت فمها وابتلعت النهر ".. فالناس
تستطيع بسهولة إذا ما أخلصت للحق أن تتبين الغث من السمين، والصدق من الباطل.

"
فغضب التنين على المرأة ".. واستمر " يصنع حربا مع باقى نسلها الذين يحفظون
وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح ".. أى أن الجهاد مستمر من جيل إلى جيل،
وأن صور الصراع ستتعاقب بين الكنيسة وقوى الشر.. لكن " أبواب الجحيم لن تقوى
عليها " (مت 16: 18).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي