الإصحَاحُ
الثَّامِنُ عَشَرَ

دينونة
بابل الزانية

فى
هذا الأصحاح تتم دينونة بابل فعلا بعد أن رأى يوحنا صورتها فى الأصحاح السابق

"
بعد هذا رأيت ملاكا آخر نازلا من السماء له سلطان عظيم ".. فلا شك أن السماء
مصدر كل السلطات على الأرض " واستنارت الأرض من بهائه ".. فمقاصد الله
كلها نور وبهاء وخير، حتى لو كانت دمار الشر والأشرار، فهذا تطهير للكون. "
وصرخ بشدة بصوت عظيم ".. إشارة إلى رعب الدينونة القادمة، وتأكيدا للحسم
الإلهى.. فماذا قال الملاك؟ قال: " سقطت سقطت (للتأكيد) بابل العظيمة وصارت
مسكنا للشياطين ومحرصا لكل روح نجس ومحرسا لكل طائر نجس وممقوت " لقد انتهى
كل شىء وصدر الحكم على قوى الشر المنحرفة بالدمار، فهى نجسة بطبيعتها ولا تأوى إلا
كل ما هو نجس وممقوت.

ولماذا
صدر هذا الحكم؟ لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم، وملوك الأرض زنوا معها،
وتجار الأرض " استغنوا من وفرة نعيمها ". الزنى والخمر وحب المال، ثلاثة
مدمرة سواء أخذناها بمفهومها الحسى الضيق أو المعنى الواسع.

 نداء
لأولاد الله وحيثيات الحكم:

ثم
سمع يوحنا صوتا آخر من السماء قائلا: " اخرجوا منها ياشعبى لئلا تشتركوا فى
خطاياهم، ولئلا تأخذوا من ضرباتهم ". وهذه دعوة إلى أولاد الله فى كل جيل أن
يخرجوا بقلوبهم من مجالات الخطية، حتى لا ينساقوا إليها، فيحكم عليهم. لأن خطاياهم
لحقت السماء تعبيرا عن كثافتها وبشاعتها، وتذكر الله آثامها ".. ولا يعنى هذا
أن الله كان قد نسى ذلك ثم تذكره، حاشا، بل المقصود أنه قد جاءت ساعة الدينونة
الرهيبة لهذه الآثام " جازاها كما هى أيضا جازتكم وضاعفوا لها ضعفا نظير
أعمالها ".. هذا أمر لقوى الخير والدينونة الإلهية للأنتقام من بابل الزانية
و" فى الكأس التى مزجت امزجوا لها ضعفا ".. أى أنها ستدفع ضريبة اللذة
المحرمة التى عاشتها ". " بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت، بقدر ذلك أعطوها
عذابا وحزنا. لأنها تقول فى قلبها أنا جالسة ملكة ولست أرملة ولن أرى حزنا.. هذا
هو الوهم الخداع الذى يعيشه كل خاطىء يرفض التوبة، ويطفىء صحوة الضمير، يظن أنه
" جالس " (مستقر) وأنه "ملك " (فى مجد أرضى) و" لست
أرملة " (أى فى عرس وفرح) " ولن أرى حزنا " (اطمئنان مزيف بخصوص
فرحة الخطية الزائلة).

 منطوق
الحكم:

"
من أجل ذلك ".. كانت تلك حيثيات الحكم " فى يوم واحد ستأتى ضرباتها: موت
وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذى يدينها قوى ".. هذا هو منطوق
الحكم.. فالرب يمهل ولا يهمل.. وبالفعل سقطت روما الوثنية وتحولت إلى المسيحية
كمثال هام على نصرة المسيح.

رثاء
الملوك لها:

"
وسيبكى وينوح عليها ملوك الأرض الذين زنوا وتنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها،
واقفين من بعيد لأجل خوف عذابها قائلين: ويل، ويل، المدينة العظيمة بابل، المدينة
القوية، لأنه فى ساعة واحدة جاءت دينونتك؟.

ويبكى
التجار لكساد بضائعهم المختلفة: الذهب والفضة والحجارة الكريمة والأوانى الخشبية
والنحاسية والحديدية، والقرفة والبخور والخمر، والبذور المختلفة، والحيوانات، حتى
أجساد الناس كانوا يبيعونها، ووقف التجار من بعيد يتحسرون على حريقها ودمارها،
وألقوا التراب على رؤوسهم فقد ذهب كل ما كان لهم من غنى ومجد أرضى، بسبب تجارتهم
المحرمة.

 فرح
القديسين بذلك:

وبينما
ملوك الأرض وتجارها يتحسرون لدمار بابل الزانية، تفرح السماء والرسل والقديسون
والأنبياء وكل أولاد الله، لأن الرب أدان الشر والأشرار.

 وانتهى
كل شىء:

وعبر
الملاك عن ذلك بأن ألقى حجرا عظيما فى البحر قائلا: " هكذا بدفع سترمى بابل
العظيمة، ولن توجد فيما بعد ". ولن يسمع فيها صوت قيثارة ولا غناء، ولن توجد
فيها صناعة ولا حياة (طحن الغلال بالرحى) وسينطفىء سراجها إلى الأبد، لا زواج ولا
عرس، ولا تجارة، بل موت ودمار، ولماذا كل هذا؟ لأنه " بسحرك ضلت جميع الأمم
وفيها وجد دم أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض ".. إشارة إلى أنها كانت
نبعا لكافة الشرور والأضطهادات.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي