الإصحَاحُ
الْعِشْرُونَ

الملك
الألفى والأيام الأخيرة

انتهى
الوحش، والنبى الكذاب، انتهت قوى الشر والضلال، وباقى " التنين "
الشيطان الذى كان يحرك كل هذا فما مصيره؟ هذا الأصحاح يحدد لنا مصير الشيطان.

 خلاصة
الأصحاح:

1- أن ملاكا نزل من السماء، وقبض
على الشيطان، وطرحه فى الهاوية حنى تتم الألف سنة، وبعدها لا بد أن يحل زمانا
يسيرا.

2- أنه خلال الألف سنة جلس أولاد
الله على عروش، سواء كانوا من الشهداء أو القديسين، الذين قاموا القيامة الأولى
(التوبة) ولذلك لن يؤذيهم الموت الثانى (الأبدى) بل أنهم سيعيشون مع المسيح كملوك
وكهنة، يتمتعون بعربون مجده الروحى هنا، قبل المجد الأبدى هناك.

3- ثم إذ تنتهى هذه الألف سنة
يحل الشيطان من سجنه، يخرج ليضل الأمم، ويجمع جوج وماجوج والكل للحرب، وإذ يحارب
هؤلاء معسكر القديسين تنزل نار من السماء وتأكلهم.

4- ثم يطرح الشيطان فى بحيرة النار
والكبريت، حيث الوحش والنبى الكذاب ويعذبون إلى الأبد.

5- ويجلس الرب على عرشه الأبيض
العظيم فى يوم الدينونة الرهيب، ويدين الأبرار والأشرار، فيذهب أولئك إلى حياة
أبدية، وهؤلاء إلى عذاب أبدى، وهذا هو الموت الثانى.

 1- الرأى الحرفى:

يتمسك
البعض برأى حرفى يقول أن الأبرار سيملكون مع المسيح على الأرض ألف سنة حرفية فى
ملك مادى.

وهذا
الرأى ليس جديدا، ففى بداية المسيحية، وكان غالبية الأعضاء من اليهود تصوروا نفس
الأمر، كما ورد فى كتابات بابياس ويوستينوس وايريانوس، لقد نظروا إلى مجدهم
المندثر، وتمنوا كبشر عودة هذا المجد الأرضى، فمنذ سنوات دمر الهيكل تماما وأحرقت
أورشليم، وهلك الشعب فى صورة مريرة تتميما لإنذارات ونبوات السيد المسيح، وهكذا
تمنوا هذا التفسير الحرفى كنوع من التعويض.

لكن
الكنيسة المسيحية انبرت لهذا الفكر بعد أن هدأت نيران الأضطهاد، فوجدنا العلامة
أوريجانوس والبابا ديونسيوس، ثم القديس اغسطينوس، يدحضون هذا الفكر الحرفى ويصرون
على اعتباره نوعا من التفسير الخاطىء لسفر الرؤيا، الذى يجب أن يؤخذ بطريقة رمزية
لا حرفية فهذه طبيعته، وهذه ظروفه إذ كان الرسول مضطهدا فى بطمس ويرسل إلى مضطهدين
فى آسيا الصغرى.

 والدليل
على ضرورة التفسير الرمزى مما ورد فى هذا الأصحاح فقط:

1- أن
الملاك قيد الشيطان بسلسلة عظيمة، والشيطان كائن روحى لا يمكن تقييده بسلسلة مادية
(2: 1) والهاوية للأرواح وليس لها مفتاح مادى.

2- الحديث عن " هروب الأرض
والسماء من وجه الله " له معنى روحى لا حرفى (20: 11).

3- طرحت الموت والهاوية: فى
بحيرة النار والكبريت تأكيد لعدم حرفية التفسير وضرورة الألتزام بالتفسير الرمزى
(20: 14).

تعقيدات
التفسير الحرفى:

يؤمن
الحرفيون بتفسير غاية فى التعقيد فعقيدتهم هذه تشمل ما يلى:

1- أن السيد المسيح سيأتى ثانية
لأختطاف الكنيسة، وذلك بطريقة خفية غير ظاهرة (قيامة المؤمنين).

2- وبعد ذلك إذ نخطف على السحاب
تحل الضيقة العظيمة على الأرض (7 سنوات) فيها يؤمن البعض ثم يموتون.

3- يأتى المسيح بطريقة ظاهرة
(الكشف) وهنا تقوم تلك النفوس التى آمنت وماتت فى الضيقة.

4- يبدأ الملك الألفى.. ويرى
البعض أن هناك من سيموتون خلاله (ويحتاجون قيامة).. كما يرى البعض الآخر أن كثيرين
سيخادعون المسيح ويتظاهرون بالأيمان به بينما هم أشرار وسيرتدون عند حل الشيطان.

5- يحل الشيطان، ويحدث الأرتداد،
وتحدث حرب رهيبة على معسكر القديسين وتنزل نار من السماء تأكلهم، ثم تأتى قيامة
الأشرار ودينونتهم الأبدية.

6- فهناك إذن أكثر من مجىء ثان
(أحدهما خفى والآخر ظاهر) وأكثر من قيامة للأجساد (للمؤمنين، ثم لمن يموتون فى
الضيقة، ثم لمن يموتون فى الملك الألفى – إن كانوا يموتون – ثم للأشرار).

إنه
تفسير معقد فيه نتنازل عن وضوح بقية أجزاء الكتاب، لنتقيد بغموض سفر الرؤيا بينما
العكس هو المطلوب.

 3- الرأى الروحى:

رأى
بسيط، لا يتمسك بمملكة أرضية، ولا بتعويض مادى، ولا بمجد دنيوى فيأخذ هذا خمسة مدن
وذاك عشرة مدن.. بل يرى أن السيد المسيح على الصليب أسقط الشيطان بدليل قراره:

· " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من
السماء " (لو 10: 18).

· " الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا
" (يو 12: 31).

· " رئيس هذا العالم قد دين "
(يو 16: 11).

ومن
بعد صار الشيطان مقيدا، أى محددا فى ممارسة الأغراءات والضغوط على البشر، فهو يعرض
دون أن يفرض، وحتى دون أن يكون له أدنى سلطان علينا ما لم نعطه نحن هذا السلطان.

هذا
هو الملك الألفى، ففيه نمارس حياة الملكوت، إذ جعلنا " ملوكا " نملك
دواتنا وقال لنا: " ها ملكوت الله داخلكم " (لو 17: 21) " وكل مجد
إبنة الملك من داخل " (مز 45: 13) وهو ألف سنة بمعنى طول المدة لا تحديدها
" فيوم عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد " (2 بط 3: 8).

أما
ما يستند إليه أصحاب الرأى الحرفى فى العهد القديم فهذه كلها تفسر بطريقة روحية
إشارة لقدرة النعمة على انتزاع الطبع الشرير من الأنسان فيسكن وديعا مع الأشرار،
وإشارة إلى بساطة المسيحية وانتصارها على حكمة هذا الدهر.

وما
ورد فى أشعياء 65.. إشارة للخلاص القادم بالمسيح، الذى يريح النفس ويخلصها من
شرورها، وما ورد فى زكريا 14.. إنما هو أسلوب مجازى فالحرب يمكن أن تكون حسية أو
روحية، والجبل الذى ينشق.. الخ أشرة إلى سخاء الروح، وينابيع النعمة الإلهية..

وكلام
السيد المسيح واضح جدا: " مملكتى ليست من هذا العالم " (يو 18: 36).

 النصوص
الواضحة فى الأنجيل:

من
غير المنطقى أن نفسر الواضح بالغامض، بل أن العكس هو الصحيح يجب أن نفسر هذا
الأصحاح الغامض مستفيدين من النصوص الواضحة التى وردت فى العهد الجديد فى نفس
الصدد، وأمامنا الأصحاح الخامس والعشرين من انجيل متى، وفيه نتأكد أن حساب الأبرار
والأشرار سيتم فى نفس الوقت، وليس على مرتين كما يقول الحرفيون، فالرب سيأتى فى
المجىء الثانى فى مجده مع جميع الملائكة القديسين، ويجلس على كرسى مجده، ويجتمع
أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض، ثم يقول للذين عن يمينه: " تعالوا يا
مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم "، ويقول للذين عن يساره:
" أذهبوا عنى ياملاعين إلى النار الأبدية المعدة لأبليس وملائكته "..
" فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية " (متى 25: 31 –
46).

وحين
نرجع إلى انجيل يوحنا نقرأ كلمات الرب نفسه: " تأتى ساعة فيها يسمع جميع
الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا
السيئات إلى قيامة الدينونة " (يو 5: 28، 29).

من
هذه النصوص يتضح أن المجىء الثانى واحد، وأن القيامة الثانية واحدة، وأن الموت
الثانى واحد، ليس هناك مجىء خفى ومجىء ظاهر، وليس هناك قيامة أبرار ثم قيامة أشرار
منفصلتين.

 

تفسير
بقية الأصحاح العشرون

ينقسم
هذا الجزء من الأصحاح إلى ثلاثة أقسام:

1- تقييد الشيطان (1 – 6).

2- حل الشيطان (7 – 10).

3- الدينونة النهائية (11 – 15).

أولا:
تقييد الشيطان:

رأى
يوحنا ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده، ومعروف أن
المسيح قال عن نفسه: " لى مفاتيح الهاوية والموت " (1: 8)، فهو الذى
أعطى السلطان لهذا الملاك، وتقييد الشيطان بالطبع ليس ماديا أو حسيا، لأن الشيطان
روح ولكنه مجرد تحديد لحريته فى العمل والضعط على بنى البشر.

فقبض
الملاك على الشيطان وقيده ألف سنة، أى فترة زمنية طويلة حتى تتم مقاصد الله فى
التاريخ، وطرحه فى الهاوية وأغلق عليه " أى قيد حريته وختم عليها "..
" لكى لا يضل الأمم فى ما بعد حتى تتم الألف سنة " أنها الفترة من
الصليب حتى الأيام الأخيرة، التى فيها " لأبد أن يحل زمانا يسيرا ".

والتحتيم
هنا لتزكية المؤمن وليس لأعطاء الشيطان فرصة أخيرة للتوبة كما يرى البعض، فالشيطان
حين سقط أظلم كله ولم يعد أمامه أدنى أمل فى الأضاءة أو التوبة، إذ أنه تكبر
وسيبقى كذلك حتى النهاية، لقد حبسته كبرياؤه فى قوقعة لا خلاص منها.

"
ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما " لأن أولاد الله سيتمتعون بسلطان
وملكوت روحى داخلى.. وسواء كانوا أحياء أم أموات، شهداء أم قديسون ممن لم يسجدوا
للوحش، فالجميع فى حضن المسيح، يملكون خلال هذه الفترة إما فى الفردوس أو على
الأرض.

"
أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة " والحديث هنا عن موتى الخطيئة،
موتى الروح، الذين لا يتمتعون بهذه المعيشة الهانئة خلال فترة ملكوت العهد الجديد،
وذلك لأنهم لم يقوموا القيامة الأولى، أى القيامة من قبر الخطيئة، كما يقول الكتاب
" استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات فيضىء لك المسيح " (أف 5: 14) أو
قوله: " تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون
" (يو 5: 25).

ثانيا:
حل الشيطان: (20: 7 – 10).

"
متى تمت الألف سنة " أى فى الأيام الأخيرة التى فى ذهن الله وقصده " يحل
الشيطان من سجنه " وهكذا يزداد الأثم " فتبرد محبة الكثيرين " (مت
24: 12) وهذه هى الأيام التى حدثنا عنها الرسول بولس فى رسالته الأولى إلى
تيموثاوس حين قال: " ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم
عن الأيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين، فى رياء أقوال كاذبة، موسومة
ضمائرهم ". (1 تى 4: 1، 2).

انها
الأيام التى يظهر فيها الدجال ومعه النبى الكذاب، يصنع الأيات المزيفة، ويظهر
الشاهدان للكرازة والمقاومة، ويموتان بيد الدجال، ثم يقومان، ثم تسكب جامات الغضب
الإلهى الأخير.

يخرج
الشيطان من سجنه ليضل الأمم " جوج وماجوج " وهاتان الكلمتان وردتا فى
سفر حزقيال (ص 38) وفيه تحدث عن جوج وأرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال، والبعض يرى
أنها أجزاء من أراضى روسيا أو الصين أو سيبريا.

ويجمع
الشيطان هذه الأمم للحرب، وأحاطوا بمعسكر القديسين، والحديث هنا ليس عن أورشليم
الحرفية بالضرورة، بل عن كل أولاد الله فى انحاء الأرض، فهم " المدينة
المحبوبة " ولذلك فالله سينزل نارا من السماء تأكل الأعداء وتنقذ أولاده.

وهنا
يطرح الشيطان فى بحيرة النار والكبريت ليشارك الوحش (الدجال) والنبى الكذاب
(مساعده فى صنع المعجزات الكاذبة) فى مصيرهما المحتوم، والعذاب هنا إلى أبد
الأبدين، فهذا حكم نهائى يختلف عن التقييد المؤقت السابق.

 ثالثا:
الدينونة النهائية: (20: 11 – 15)

نرى
هنا عرشا أبيض عظيما " يختلف عن العروش السابقة كلها، فى أنه عظيم (رمز كرامة
الله غير المحدودة) وأبيض (رمز قداسته المطلقة) وعلى العرش جالس " هربت الأرض
والسماء من وجهه " (علامة هيبته المطلقة) " فلم يوجد لهما موضع "
(علامة انتهاء الحياة المادية، والأرض وما عليها، والسماء الأولى بأفلاكها
ونجومها).

ونرى
الأموات " صغارا وكبارا " أى جميع الأنفس وقد وقفت أمام الله، لتسمع
حكمة الأخير حسب ما هو مدون فى سفر الحياة، فالمسيح هو الديان بشهادة جميع الأديان:
" الآب لا يدين أحدا، بل قد أعطى كل الدينونة للأبن " (يو 5: 22).
" هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " (2
تى 4: 1).

"
ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار بحسب أعمالهم ".. والمقصود بهم الأشرار
الذين ماتوا فى الخطية " وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية
الأموات الذين فيها، ودينوا كل واحد بحسب أعماله ".. فأيا كانت أسباب الموت،
فالجميع سيقفون أمام الله للدينونة

"
وطرح الموت والهاوية فى بحيرة النار " لم يعد هناك موت جسدى، ولا هاوية
للنفوس الشريرة، فقد جاءت ساعة الدينونة النهائية، هذا هو" الموت الثانى
" أى الموت الأبدى فى جهنم.

"
وكل من لم يوجد مكتوبا فى سفر الحياة طرح فى بحيرة النار ".. فالعبرة بأن يجد
الأنسان اسمه فى سفر الحياة فى ذلك اليوم الهام والحاسم.

وهكذا
أنتهى الشيطان، والموت والهاوية، وحلت دينونة الأشرار ومكافأة الأبرار، فلنستعد!

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي