الإصحَاحُ
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ

الرؤيا
السابعة

الكنيسة
فى السماء

الأصحاحات
21 (المدينة السماوية)، 22 (ملاحظات ختامية).

 فكرة
عامة:

نأتى
الآن إلى ختام هذا السفر النفيس فقد انتهى الصراع فى صوره المتعاقبة ودوراته
المتعاقبة، انتهت الأختام بإعلاناتها، والأبواق بإنذراتها، والجامات بأحكامها،
وانتهى الصراع بين المرأة والتنين والوحش والنبى الكذاب، وسقطت بابل المدينة
الزانية التى اضطهدت القديسين، ودخل الجميع إلى الراحة الكاملة بعد أن طرح الشيطان
إلى عذاب أبدى، فما هى صورة العالم الجديد؟ صورة أورشليم السماوية التى تصبو إليها
أرواحنا؟ هذه هى الرؤيا الأخيرة وقد استقرت " الكنيسة فى السماء ".

 والأرض
الأولى مضتا، والبحر لا يوجد فيما بعد.. نعم، فلقد احترقت الأرض بمصنوعاتها
وتساقطت الأفلاك فى اليوم العظيم (2 بط 3: 8-10)

ونحن
الآن على مشارف عالم جديد أبعاده ليست كأبعاد الأصحاح الحادى والعشرون

المدينة
السماوية

ينقسم
هذا الأصحاح إلى قسمين:

1- أورشليم الجديدة (21: 1 – 8).

2- أوصافها المبهجة: (21: 9 –
27).

 أولا:
أورشليم الجديدة:

رأى
يوحنا " سماء جديدة وأرضا جديدة "، لأن السماء الأولى أرضنا الحسية،
وملامحه ليست كملامحها، نحن فى عالم الروح، وفى " ما لم تر عين، ولم تسمع أذن،
ولم يخطر على بال إنسان (1 كو 2: 9)، البحر أيضا قد مضى وهو رمز للعالم بمياهه
المالحة، فنحن الآن فى عالم النقاء والأرتواء الكامل، عالم السلام والصفاء العجيب.

ثم
رأى يوحنا أورشليم الجديدة نازلة من السماء، من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها
" فأورشليم الجديدة هى الكنيسة المفدية جماعة المؤمنين، الذين تمتعوا بالسلام
الإلهى (أورشليم – مدينة السلام)، ولا ننسى أن الكنيسة دائما منظورة (على الأرض)
وغير منظورة (فى الفردوس)، وهما جسد واحد، جسد المسيح الذى يمتد عبر الزمان
والمكان، لهذا رآها يوحنا نازلة من السماء لأن أساسها ورأسها فى السماء " أما
سيرتنا نحن فهى فى السماوات " (فى 3: 30)، وأما الزينة فهى الفضائل وثمار
الروح القدس، التى تتحلى بها النفوس التى تقدست للمسيح، " وقدمت نفسها له
كعذراء عفيفة " (2 كو 11: 2)، ولعل سفر النشيد كان يؤكد ذات المعنى حين يقول
العريس السماوى لعروسه الكنيسة: " قومى يا حبيبتى يا جميلتى وتعالى "
فترد النفوس: " حبيبى لى، وأنا له " (نش 2: 13، 16)، " أختى العروس
جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم " (نش 4: 12).

ثم
سمع يوحنا صوتا عظيما من السماء قائلا:

"
هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبا، والله نفسه يكون
إلها لهم ".

وتعبير
" مسكن " علامة الأستقرار النهائى فى حضن الله، مع ارتباط دائم بينهما
فهو إلههم وهم شعبه الخاص، فماذا تراه سيفعل معهم؟

1- عزاء كامل: فالله سيمسح
دموعهم، وسينسيهم الآم الأضطهاد سواء القادم من البشر أو الشيطان.

2- حياة أبدية: فقد مضى الموت
بغير رجعة.

3- فرح خالد: فلا يكون حزن هناك
ولا صراخ، ولا وجع فى مدينة القديسين السمائية.

4- عالم جديد: فالله سيصنع كل
شىء جديدا، ليس كالعالم الأول، عالم الخطيئة والأنين والجهاد، ولكنه عالم جديد
يسود فيه الفرح والراحة والنقاء.. نعم، هذه الأقوال صادقة وأمينة " فهى أقوال
الله الصادق الأمين ".

 "
قد تم.. " فشكرا لله أن فترة الجهاد قد أنقضت بسلام حتى وصلنا إلى مشارف
الأبدية وعيدها الذى لا ينتهى.. " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية
".. فيسوع هو محرك التاريخ، ولا شىء يجوز من وراء ظهره بل كل شىء قد جاز عبر
مشيئته المقدسة.. " أنا أعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا "..
فيسوع هو سر الأرتواء والشبع الأنسانى حيث نجد فى النفس البشرية عطشا غير محدود،
وجوعا لا متناه، ويستحيل أن يرتوى الأنسان أو يشبع من أمور هذا العالم مهما كانت
خيرة أو شريرة: لا الخطيئة ولا المال ولا العلم، ولا المراكز ولا المعرفة تشبع
الأنسان، ولن يشبع الأنسان إلا بالمسيح الماء الحى، وشكرا لله، إنه يعطينا هذا
الشبع مجانا لسببين:

1- يستحيل أن يقدر هذا الخبز
بثمن!

2- يسوع قد دفع الثمن مسبقا
بفدائه العظيم لنا.

وعلى
الجانب الآخر صورة محزنة للهالكين: " وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون
والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم فى البحيرة المتقدة
بنار وكبريت، التى هو الموت الثانى "..

إن
البحيرة ليست معدة أصلا للأنسان للشيطان وجنوده، فالرب سيقول لأهل اليسار: "
أذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته " (مت 25: 41)،
وأما الملكوت فهو معد للبشرية، بدليل قوله للأبرار: " تعالوا يا مباركى أبى
رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " (مت 25: 34).

 ثانيا:
أوصاف أورشليم المبهجة (21: 9 – 27).

قالها
الملاك ليوحنا: " هلم فأريك العروس إمرأة الخروف ".. هذه دعوة تقابل تلك
التى تلقاها يوحنا ليرى نهاية الزانية العظيمة، دعوة مبهجة ليرى أورشليم السماوية.

وذهب
الملاك بيوحنا بالروح إلى " جبل عظيم " فنحن هنا فى سمو وكرامة ومجد،
والمدينة " نازلة من السماء من عند الله " فالرب هو معطيها وسر قوتها
وبركتها.

"
لها مجد الله "، إنه مفاض من التقدير " الذى يعطى الجميع بسخاء ولا يعير
" (يع 1: 5)، ولمعانها شبه أكرم حجر، كحجر يشب بلورى " واليشب الأبيض
يشير إلى النقاء والطهر.

"
وكان لها سور عظيم عال ".. رمز الحماية والجلال زإثنا عشر عليها ملائكة
وأسماء الأسباط.. فالأبواب كثيرة تعبر عن رحابة صدر الله، والأثنى عشر رمز الديانة
المنظمة فهى مفتوحة لمؤمنى العهدين، هنا نجد الأثنى عشر سبطا وبعد قليل نجد الأثنى
عشر رسولا، والملائكة يحرسون الأبواب، دون أن يمنعوا الدخول كملاك جنة عدن،
والأبواب موزعة على الجهات الأربع، علامة أن الله يفتح حضنه لكل الشعوب والأمم،
وهى ثلاثة فى كل جهة، رمز الثالوث سر خلاص الأنسان: الأب الذى خلقه، والأبن الذى
فداه، والروح الى قدسه.

وللسور
أثنا عشر أساسا عليها أسماء لرسل الخروف الأثنى عشر: " فهم أساس نشر المسيحية
فى كل العالم، بكلمتهم وكرازتهم صار الخلاص للأرض وعلى المؤمنين أن يتمسكوا
بتعاليمهم لا يحيدون عنها، كما يقول الكتاب: " مبنيين على أساس الرسل،
والأنبياء، ويسوع نفسه حجر الزاوية " (أف 2: 20). وهكذا عاش آباؤنا يواظبون
على " تعليم الرسل " (أع 2: 42)، وكان الرسول بولس ينبه على ذلك حتى لا
يدخل إلى المؤمنين تعليم غريب ولو عن طريق ملاك " إن بشرناكم من السماء بغير
ما بشرناكم فليكن أناثيما (محروما) " (غل 1: 8).

"
ثم قاس الملاك المدينة وسورها وأبوابها بقصبة من ذهب ".. والذهب دائما رمز
النقاء والبر، فمعنى ذلك أن سكان هذه المدينة قد قيسوا بمقاييس البر فوجدوا
مستحقين دم المسيح.

وكانت
المدينة " مربعة " تساوى الأضلاع علامة تساوى الفرح لدى الجميع، حتى وإن
تميز أحدهم عن الآخر فهو لا يحس بذلك، إن حدة إبصاره أقوى وهو يرى تفاصيل أدق، لكن
الثانى يرى من الجمال ما تسمح به عيناه ويبتهج مثله تماما، لكل كأسه والكؤوس كلها
مليئة، ولكل سعته الروحية والقلوب كلها شبعانة..

وكان
الطول 12000 غلوة، علامة الأتساع الذى يضم الكثيرين، إشارة أخرى لرحابة صدر الله
(الغلوة حوالى 200 مترا).

"
السور من يشب " وهو حجر كريم أبيض رمز النقاء، والبعض يرى أنه أخضر رمز دوام
الحياة، " والمدينة تبقى " فهى البر " شبه زجاج نقى " رمز
الشفافية الروحية التى يحيون فيها.

والأساسات
نفسها مزينة بحجارة كريمة:

1- اليشب الأخضر: رمز دوام
الحيوية.

2- الياقوت الأزرق: رمز شفافية
السماء.

3- العقيق الأبيض: رمز النقاء.

4- الزمرد الذبابى: أخضر كاليشب.

5- الجزع العقيقى: أحمر رمز
الفداء.

6- العقيق الأحمر: فكل من فيها
مفدى بالدم.

7- الزبرجد: من أنقى أنواع الذهب
رمز الكمال.

8- الزمرد السلقى: كالبحر
الهادىء رمز الصفاء.

9- الياقوت الأصفر: رمز الصبر
لأن النار تزيده لمعانا.

10-العقيق الأخضر: تأكيد للحيوية.

11-الأسمانجونى: ويمتاز بالصلابة
رمز الخلود.

12-الجشمت: ويمتاز بالجاذبية رمز
جاذبية المسيح.

 والأبواب
عبارة عن " أثنى عشر لؤلؤة " والسوق " ذهب كزجاج شفاف " كلها
تعبيرات عن المجد والبهاء والنقاء والسمو.. وطبعا السوق ليس للبيع والشراء ولكنه
تعبير عن الرحابة والشركة والأتحاد بين المؤمنين.

"
لا هيكل هناك " فالمسيح هيكلها وذبيحتها الدائمة " ولا شمس ولا قمر هناك
" فالمسيح هو شمس البر والنور الأبدى، وهو ينيرها بمجده الأسنى.

بل أن
" الشعوب المخلصين تمشى بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها
".. فنور الكنيسة يقود الجميع إلى الخلاص، ومهما كانت أمجادهم الأرضية فهم
يطرحونها عند أقدام الرب، مفضلين المجد السماوى عليها.

"
أبوابها لن تغلق نهارا لأن ليلا لا يكون هناك " بل أبواب مفتوحة والكل "
يدخل ويخرج ويجد مرعى " (يو 10: 9).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي