الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

يحتوي
هذا الإصحاح على بقية الرسائل السبعة التي كتبها الرسول يوحنا إلى الكنائس السبعة
في آسيا الصغرى.الرسائل إلى ساردس وفيلادلفيا ولاودكية.

 

1وَاكْتُبْ
إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ: «هَذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ
سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ. أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ،
أَنَّ لَكَ اسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ.

 

أما
الرسالة الخامسة فمرسلة لملاك كنيسة ساردس أي أسقفها وراعيها.وتقع مدينة ساردس
(يونانية معناها الحمراء وربما عبرية معناها البقية) حوالي 30 ميلاً جنوب شرق
ثياتيرا. وتعتبر من أقدم وأهم مدن آسيا الصغرى بل وعاصمة مملكة ليديا حتى عام 549
ق.م.

 

وبسبب
قوتها في أيام الدولة الفارسية جعلها ولاة الفرس مقراً لهم. وقد أحرقت المدينة سنة
501 ق.م بيد الأيونيين
Ionians ولكن
سرعان ما أعيد بناءها مرة أخرى وعادت إلى أهميتها الأولى. وفي عام 334 ق.م خضعت
للإسكندر الأكبر الذي منحها استقلالها والذي استمر لمدة أثنى عشر عاماً حتى استولى
عليها أنتيجونوس المقدوني. ثم أخضعت لحكم الملوك السلوقيين في عام 301 ق.م وأصبحت
مقراً لهم.. وفي سنة 190 ق.م حصلت على حريتها مرة أخرى وأصبحت جزءاً من إمبراطورية
برغامس ثم مقاطعة رومانية في آسيا الصغرى. وقد تعرضت لزلزال في سنة 17 ق.م مما
تسبب في دمارها ولكن الإمبراطور طيباريوس قيصر ساهم في إعادة بناءها عن طريق إعفاء
سكانها من الضرائب المقررة عليهم.

 

وقد
اشتهرت ساردس بفواكهها وصوفها ومعبد الإلهة سايبل
Cybele والتي تشبه في عبادتها عبادة أرطاميس (ديانا) الأفسسيين. كما
اشتهرت بغناها نتيجة للذهب الذي اكتشفوه في رمال نهر باكتولوس
Pactolus. وفي ساردس يقال أن العملات الذهبية
والفضية قد سكت لأول مرة

 

هذا
يقوله الذي له سبعة أرواح الله (أنظر رؤيا 1 : 4) والسبعة الكواكب (أنظر رؤيا 1 :
16، 20) أنا عارف أعمالك (أنظر رؤيا 2 : 2) تلك الأعمال الناقصة الغير أمينة أن لك
أسماً أنك حي وأنت ميت فهو مشهور ذائع الصيت له صورة الحياة كل من يقترب منه يظن
أنه نابض عامل متحرك ولكنه في حقيقة الأمر وكما يراه الله فاحص القلوب الذي له
السبعة الكواكب في يمينه الذي يعلم كل شيء هو ميت. ربما تكون أعماله خالية من
الروح التي يريدها الله أو خالية من الثمار الحقيقية. ربما كانت حياة ظاهرية تخدع
العالم الذي يمكن أن ينخدع بالمظاهر ولكنها خالية من العمق الذي يريده الله "هكذا
انتم أيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء
وإثما"(مت 23 : 28). ربما يكون له الإيمان ويتحدث عنه كثيراً ولكنه خال من
تلك الأعمال التي تظهر حياة الإيمان وفاعليته "لأنه كما أن الجسد بدون روح
ميت هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت"(يعقوب 2 : 26). ربما كان حياً بالجسد
ولكنه ميت بحسب الروح ميت بالخطية التي تقتل الإرادة والمشاعر والبهجة في حياة
الإنسان. ربما كان حياً من أجل العالم ولكنه ميت في نظر الله.

 

نستطيع
أن نتعلم كثيراً من هذه الآية فربما كنا في نظر أنفسنا أحياء بل وفي نظر الآخرين
أيضاً ولكننا في حقيقة الأمر أموات في نظر الله.. أموات بالخطايا والذنوب.. أموات
بالأفكار الشريرة والرغبات القبيحة.. أموات بمحبة الذات والعالم والشهوة. إن كنا
كذلك ينبغي أن لا نخدع أنفسنا والآخرين أيضاً بل أن نسمع صوته المبارك ونستجيب له
حينما يقول :"استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح" (أف 5
: 14).

 

2كُنْ
سَاهِراً وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ
أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ.

 

كن
ساهراً كل حين ضد الخطية والشر، ضد المباهاة والتفاخر والتظاهر، ضد التعاليم
الخاطئة والهرطقات الكاذبة، ضد إبليس "اصحوا واسهروا لان إبليس خصمكم كأسد
زائر يجول ملتمسا من يبتلعه"(1بط 5 : 8).

 

كن
ساهراً كل حين في صلواتك وتسابيحك، في علاقاتك الحية مع الله، في اكتساب الفضائل.
"على أسوارك يا أورشليم أقمت حراسا لا يسكتون كل النهار وكل الليل على
الدوام.يا ذاكري الرب لا تسكتوا" (إش 62 : 6).

 

كن
ساهراً كل حين في المحافظة على جسدك طاهراً، على أفكارك مقدسة، على حواسك نقية.

 

وشدد
ما بقى من الأشياء الجميلة في حياتك احرص عليها أشد الحرص حتى لا تفقدها هي أيضاً.
أعتن كثيراً بتلك الصلاة اليومية القصيرة التي تتلوها، أو هذه العبارات القليلة
التي تقرأها في كتابك المقدس، أو تلك المشاعر المقدسة التي تأتي إليك من حين إلى
آخر تدعوك إلى محبة الرب وتبعيته، أو تلك الرغبة في أن تقدم توبة صادقة أو نعترف
بخطاياك وتغير اتجاهك لتسير في طريق الرب. كن مثل المخلص الحبيب " قصبة
مرضوضة لا يقصف.وفتيلة مدخنة لا يطفأ"(مت 12 : 20). لنتمسك بكلمة الرب:"
قد أقام كلامك العاثر وثبت الركب المرتعشة" (أي 4 : 4). "بل كنت أشددكم
بفمي وتعزية شفتيّ تمسككم" (أي 16 : 5). ينبغي على ملاك كنيسة ساردس – ونحن
أيضاً- أن ينظر إلى تلك الأجزاء التي مازالت حية في رعيته وفي حياته لكي يقويها
قبل أن تموت بالكلية ونفقد حياتها بالكامل الذي هو عتيد أن يموت لأني لم أجد
أعمالكم كاملة أمام الله. "وزنت بالموازين فوجدت ناقصا" (دانيال 5 : 27)

 

3فَاذْكُرْ
كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ
أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ.

 

أذكرmnhmoneue أي أحفظ في ذهنك وعقلك (أنظر رؤيا 2 :
5) كيف أخذت وسمعت كل ما تعلمته من رسل المسيح من تعاليم العقيدة المستقيمة ومن
أسلوب الحياة. " فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه" (كولوسي 2 :
6) "فمن ثم أيها الإخوة نسألكم ونطلب إليكم في الرب يسوع أنكم كما تسلمتم منا
كيف يجب أن تسلكوا وترضوا الله تزدادون أكثر" (1 تسالونيكي 4 : 1) "احفظ
الوديعة معرضا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم" (1تيموثاوس
6 : 20). أرتبط بهذه التعاليم وارجع لما تركته منها مرة أخرى. فإني إن لم تسهر
أقدم عليك كلص، ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك حينما يأتي السيد المسيح ليدين
العالم، ليعطي كل واحد كنحو أعماله، حينما لا يكون هناك مجال للتوبة أو العودة
للتمسك بما فات " اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم.. لذلك
كونوا انتم أيضا مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان.".(متى 24
:42، 44)." اسهروا إذا. لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أمساء أم نصف
الليل أم صياح الديك أم صباحا. لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياما.وما أقوله لكم أقوله
للجميع اسهروا"(مرقس 13 : 35 – 37).

 

4عِنْدَكَ
أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ
مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ.

 

عندك
أسماء قليلة
oliga onomata أي
أشخاص قليلون وسط الأغلبية الشريرة التي لا ترضي الله لم ينجسوا ثيابهم أي لم
يتأثروا بالوسط الشرير الذي يعيشون فيه بل ظلوا على حالة القداسة والتقوى ومخافة
الرب. حافظوا على ثوبهم أي طبيعتهم الجديدة التي حصلوا عليها بالمعمودية فلم
يلوثوها بالخطية والشر، لم يتحججوا بالشر المحيط بهم، لم يقولوا لا فائدة من حفظ
أنفسنا وسط الأغلبية الخاطئة بل ظلوا أمناء لإلههم وعقيدتهم.

 

هل
لنا أن نتعلم من هؤلاء الأبرار؟ كثيرا ما نشتكي من قسوة الظروف المحيطة بنا، نشتكي
من الشر المنتشر في كل مكان، نشتكي من غياب المبادئ الصالحة، نشتكي من تدهور القيم
واختفاء القدوة، نشتكي من النظرة المادية والإلحادية والفوضوية التي تلاحقنا.
نشتكي من أشياء كثيرة.. وسط كل هذا ومهما كانت الأحوال ينبغي أن نضع الرب المبارك
أمام أعيننا. حتى وإن كنا نشعر بأن عدد من يرضون الله قليل ينبغي أن نكون وسط
هؤلاء الذين حافظوا على ثيابهم نقية من أجل مسيحهم حتى نسير معه في الثياب البيضاء
التي يعطيها لنا ثياب المجد والكرامة والعظمة، ثياب البر والنقاء، ثياب الملكوت
العرس السماوي. لأنهم مستحقون "اسهروا إذا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا أهلا
للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون وتقفوا قدام ابن الإنسان" (لوقا 21: 36).

 

5مَنْ
يَغْلِبُ فَذَلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَاباً بِيضاً، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ
سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ
مَلاَئِكَتِهِ.

 

وهنا
وعد السيد المسيح للغالبين بأن يلبسوا ثياباً بيضاء كالأسماء القليلة الأمينة في
ساردس ثياب الراحة والمجد السماوي. ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسفر الحياة رمز
لتلك المكانة التي أعدها الله للمؤمنين باسمه في ملكوت السموات؛ المكانة التي
ينبغي أن نفرح بها "ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا
بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات" (لوقا 10 : 20) "ورأيت الأموات
صغارا وكبارا واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين
الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم… وكل من لم يوجد مكتوبا في سفر
الحياة طرح في بحيرة النار" (رؤيا 20 : 12، 15).

 

وكل
مسيحي آمن وأعتمد له مكانة في هذا السفر السماوي، اسمه أصبح معروفاً في السماء.
ولكن هذا لا يدعونا إلى التراخي بل إلى العمل الجاد من أجل تتميم خلاصنا لأن هناك
إمكانية أن نفقد هذا الخلاص الثمين وهذه المكانة العظيمة التي أعدها الله لنا
ويمحى اسمنا من سفر الحياة "نعم أسألك أنت أيضا يا شريكي المخلص ساعد هاتين
اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع اكليمندس أيضا وباقي العاملين معي الذين أسماؤهم
في سفر الحياة" (فيلبي 4 : 3). نعم فالجهاد هو الطريق لكي نحتفظ بأسمائنا
مكتوبة في سفر الحياة.

 

وسأعترف
باسمه أمام أبي " فكل من يعترف بي قدام الناس اعترف أنا أيضا به قدام أبي
الذي في السموات." (متى 10: 32) وأمام ملائكته "وأقول لكم كل من اعترف
بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدام ملائكة الله" (لوقا 12 : 8).

 

6مَنْ
لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ». (أنظر رؤيا 2 :
7)

 

7وَاكْتُبْ
إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا: «هَذَا يَقُولُهُ
الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ
أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ.

 

أما
الرسالة السادسة فمرسلة إلى كنيسة فيلادلفيا وراعيها. وفيلادلفيا (ومعناها محب
أخيه) هي مدينة من مدن مملكة ليدية القديمة في آسيا الصغرى تقع على نهر كوجامس
Cogamus River على بعد حوالي 105
أميال من سميرنا و 28 ميلاً جنوب شرق ساردس على حافة هضبة تعلو 650 قدماً عن سطح
البحر تتميز أراضيها بخصوبتها كما توجد بها بعض الجروف البركانية.

 

تأسست
هذه المدينة سنة 189 ق.م وقد بناها أتالوس الثاني
Attalus II ملك برغامس وسميت بهذا الاسم تخليداً لمحبته لأخيه الأكبر أومينيس
الثاني
Eumenes II ملك
ليدية. وكان الغرض من إنشاءها هو نشر الثقافة واللغة اليونانية في فريجية وليدية
وقد نجحت في هذا نجاحاً كبيراً فلم يأت عام 19 ميلادية حتى كان أهل فريجية يتكلمون
باللغة اليونانية وقد نسوا لغة أجدادهم. وكان بهذه المدينة العديد من المعابد
والمباني الفخمة حتى أطلق عليها " أثينا الصغرى" وقد تعرضت هذه المدينة
إلى العديد من الهزات الأرضية (ولعل أشهرها ما حدث في أيام طيباريوس فيصر) وقد
أعيد بناءها بمساعدته مما جعلهم يطلقون على مدينتهم اسم جديد هو " قيصرية
الجديدة" تخليداً له. كما تعرضت للعديد من البراكين لذا فقد كان أهلها يتركون
منازلهم في أوقات كثيرة ويسكنون الخيام خارج المدينة. وقد دخلت المسيحية إلى
فلادلفيا مبكراً جداً وكانت مقراً لكرسي أسقفي في القرن الأول.

 

هذا
يقوله القدوس
agiov o ربنا
يسوع المسيح الإله الحق المساوي للآب في الجوهر الكلي القداسة. الإله المتجسد الذي
أخذ جسد بشريتنا وصار إنساناً قدوساً بلا خطية. حياته وتعاليمه وأعماله كلها مملوءة
قداسة ونقاء."
لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك
القدوس الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل" (أع 4: 27)
حتى الشياطين لم تستطع إنكار هذه الحقيقة " آه ما لنا ولك يا يسوع
الناصري.أتيت لتهلكنا.أنا أعرفك من أنت قدوس الله." (لوقا 4 : 34).

 

 الحق
o alhyinov " قال له
يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة.ليس احد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 14
: 6). "ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق.ونحن في الحق في
ابنه يسوع المسيح.هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية." ( 1 يوحنا 5 : 20).

 

 الذي
له مفتاح داود والإشارة إلى داود هنا لأنه رمز للسيد المسيح ومن نسله جاء حسب
الجسد فالسيد المسيح هو الملك الحقيقي على عرش مملكة داود يمعناه الروحي أي كنيسة
المسيح التي ورثت المواعيد التي أعطاها الله لداود ونسله من بعده "هذا يكون
عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه." (لوقا 1 : 32).
أما مفتاح داود فالمقصود به السلطان الكامل للسيد المسيح على كنيسته وشعبه بل وعلى
العالم أجمع. "واجعل مفتاح بيت داود على كتفه فيفتح وليس من يغلق ويغلق وليس
من يفتح." (إش 22 : 22) السيد المسيح القادر أن يفتح العقول لفهم كلمة الله،
القادر أن يفتح أمام الإنسان باب الإيمان، باب الكرازة، باب الخدمة. بقوة سلطانه
يفتح كل الأبواب المغلقة أمام الإنسان. وفي النهاية يفتح لنا باب المجد في أورشليم
السماوية. (أنظر أيضاً رؤيا 1 : 18).

 

8أَنَا
عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَاباً مَفْتُوحاً وَلاَ
يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ
حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي.

 

أنا
عارف أعمالك (أنظر رؤيا 2 : 2) هئنذا قد جعلت أماك باباً مفتوحاً باب الكرازة
بالإنجيل " لأنه قد انفتح لي باب عظيم فعال ويوجد معاندون كثيرون"
(1كورنثوس 16 : 9) "ولكن لما جئت إلى ترواس لأجل انجيل المسيح وانفتح لي باب
في الرب" (2 كورنثوس 2 : 12) " مصلّين في ذلك لأجلنا نحن أيضا ليفتح
الرب لنا بابا للكلام لنتكلم بسر المسيح الذي من اجله أنا موثق أيضاً"
(كولوسي 4 : 3). الرب يسوع يفتح أمامنا أبواب الفرص المتتالية للتوبة والنمو
الروحي، يفتح قلوبنا لكي نملكه عليها بالتمام، يفتح عقولنا لكي نفهم ونعي عمله من
أجلنا ومن أجل العالم أجمع. باب الإيمان المفتوح أمام الجميع "
ولما
حضرا وجمعا الكنيسة اخبرا بكل ما صنع الله معهما وانه فتح للأمم باب الإيمان
." (أع 14 : 27) ولا يستطيع أحد
أن يغلقه ومن يستطيع أن يغلق الأبواب التي يفتحها الله بسلطانه العظيم. لأن لك قوة
يسيرة
mikran أي قوة صغيرة أو
قليلة وربما كان المقصود بصغر هذه القوة هو ضعف في القدرات الجسدية ربما بسبب كبر
السن أو المرض أو ما شابه ذلك، أو هو ضعف في الإمكانيات المادية، أو قلة في عدد
الخدام العاملين معه، وربما كان هذا بسبب التعرض للكثير من الاضطهاد من المحيطين
به. "فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل.فبكل سرور افتخر بالحري في
ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح.لذلك اسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات
والضيقات لأجل المسيح.لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" ( 2 كورنثوس 12 :
9، 10). وهكذا وإن كانت القدرات والإمكانيات البشرية والجهد الذي نبذله ضعيف جداً
إلا أن الإخلاص القلبي وحفظ كلمة الله لكي نحيا بها وعدم إنكار اسم المسيح من قبل
الإنسان يجعل الله يتقبل هذا الجهد الضعيف المتواضع ويسنده ويأتي بثمار كثيرة
بسببه، يشجعه ويساعده على النمو يوماً بعد يوم. فخدمة المسيح لا تعتمد على
الإمكانيات البشرية أو الكفاءة الشخصية أو القدرات المادية ولكنها تعتمد بالدرجة
الأولى على نعمة الله ومساندته لنا.

 

9هَئَنَذَا
أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ
يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ يَكْذِبُونَ: هَئَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ
يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ.

 

سيخضع
السيد المسيح أعداء الكنيسة تحت أقدامها سريعاً، هؤلاء الذين يدعون أنهم يهود
ولكنهم يكذبون في ذلك. يدعون أنهم الشعب المختار المميز ولكنهم رفضوا السيد المسيح
فنزعت البركات والامتيازات عنهم. اضطهدوا الكنيسة وصاروا مجمع الشيطان (أنظر أيضاً
رؤيا 2: 9) ينفذون إرادته بدلاً من إرادة الله "لان اليهودي في الظاهر ليس هو
يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا بل اليهودي في الخفاء هو
اليهودي.وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من
الله" (رو 2: 28، 29).

 

هئنذا
أصيرهم يأتون ويسجدون أمام رجليك دليل الخضوع والاعتراف بالخطأ وهو ما كان شائعاً
في الشعوب الشرقية أن يقع الشخص على ركبتيه ويضع رأسه على الأرض تعبيراً عن الخضوع
والتبجيل العميق وليس هذا سجود عبادة للكنيسة أو راعيها. لقد تحولت كل الوعود
الموجهة لإسرائيل إلى الكنيسة المجيدة "إليك يعبرون ولك يكونون.خلفك
يمشون.بالقيود يمرون ولك يسجدون.إليك يتضرعون قائلين فيك وحدك الله وليس
آخر".( إش 45: 14) "ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك.بالوجوه إلى
الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين أني أنا الرب الذي لا يخزى
منتظروه" (إش 49 : 23). وهكذا يضع الله أعداء الكنيسة تحت أقدامها سريعاً
"واله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا.نعمة ربنا يسوع المسيح
معكم.آمين" (رومية 16 : 20).

 

ويعرفون
أني أنا أحببتك وأي مكافأة أعظم من هذا أن نشعر أننا موضوع حب الله لنا بل وأكثر
من ذلك أن يعلن الله هذا الحب أمام جميع معاندينا ومضطهدينا فيعترفون بهذه الكرامة
التي منحها الله لأولاده وهذا قد يحول قلوبهم الصخرية فيقتربون من هذه الكنيسة
المحبوبة ويتمتعون هم أيضاً بهذا الحب العجيب.

 

10لأَنَّكَ
حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضاً سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ
التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ
السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ.

 

لأنك
حفظت كلمة صبري فإنجيل المسيح هو كلمة صبره التي علمنا إياها. منه نتعلم أن الله
صبر كثيراً على العالم الشرير لكي يعطيه غفران خطاياه. يعطي مثالاً السيد المسيح
الذي احتمل كثيراً كل الضيقات والآلام التي يمكن أن يتألم بها الإنسان فقد احتمل
الألم والعار والاضطهاد والرفض والخيانة والتجربة من أجل أن يعطينا الكرامة
والغفران والخلاص. وقد حفظت هذه الكنيسة هذه الكلمة وعاشت كما عاش سيدها بصبر في
أشد أوقات الآلام والضيقات (أنظر أيضاً رؤيا 2 : 2).

 

 أنا
أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتجرب الساكنين على
الأرض. وكل من يحفظ كلمة الإنجيل ويتبعها بصبر في أوقات الراحة يحفظه المسيح في
وقت التجربة والاضطهاد القادم على العالم. نعم لن يكون المسيح مديوناً لأحد بل
يحفظنا من التجارب الشديدة في حياتنا والتي لن نستطيع احتمالها بمفردنا لنكن أمناء
من اليوم في حياتنا حتى نستطيع أن نواجه الضيقات القادمة الآتية على العالم وننتصر
عليها بقوة المسيح العامل فينا ونتزكى أمام عرش النعمة.

 

11هَا
أَنَا آتِي سَرِيعاً. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلَّا يَأْخُذَ أَحَدٌ
إِكْلِيلَكَ.

 

وهذه
الآية تحتوي على وعد رائع للصابرين فالسيد المسيح سيأتي سريعاً لينجيهم من الألم
والاضطهاد والشر المنتشر في وسط هذا العالم. سيأتي ليأخذهم إلى الملكوت والأبدية
السعيدة " ليكن حلمكم معروفا عند جميع الناس.الرب قريب " (فيلبي 4 : 5).

 

كما
أنها تحتوي على تحذير للغافلين و المهملين أن يرجعوا ويعودوا عن طرقهم الرديئة حتى
لا يعاقبوا حينما يأتي الرب ليدين الأحياء والأموات " قريب يوم الرب العظيم
قريب وسريع جدا.صوت يوم الرب.يصرخ حينئذ الجبار مرّا." (صفنيا 1 : 14).
"وها أنا آتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله.. يقول الشاهد
بهذا نعم.أنا آتي سريعا.آمين.تعال أيها الرب يسوع" (رؤيا 22 : 12، 20).

 

تمسك
بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك وهنا نجد تحذير من التهاون أو التراخي "وكل من
يجاهد يضبط نفسه في كل شيء.أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلا يفنى وأما نحن فإكليلا لا
يفنى." ( 1كورنثوس 9: 25). "وأيضا إن كان أحد يجاهد لا يكلّل إن لم
يجاهد قانونيا." ( 2 تيموثاوس 2 : 5) "وأخيراً قد وضع لي إكليل البر
الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون
ظهوره أيضاً" ( 2 تيموثاوس 4 : 8) "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة.لأنه
إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه" (يعقوب 1 :
12)."ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى" (1 بط 5 :
4).

 

12مَنْ
يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلَهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ
إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِي
أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي،
وَاسْمِي الْجَدِيدَ.

 

من
يغلب "اكتب إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء.اكتب إليكم أيها
الأحداث لأنكم قد غلبتم الشرير.اكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب. كتبت
إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء.كتبت إليكم أيها الإحداث لأنكم
أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" ( 1 يو 2 : 13، 14) وهنا
يعطي السيد المسيح وعوداً للغالبين. فسأجعله عموداً رمز القوة والثبات والرفعة
"وأوقف العمودين في رواق الهيكل.فأوقف العمود الأيمن ودعا اسمه ياكين.ثم أوقف
العمود الأيسر ودعا اسمه بوعز" ( 1 ملوك 7 : 21). "هانذا قد جعلتك اليوم
مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض" (إر 1 : 18). "فإذ
علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا
يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان." (غلاطية 2 : 9). في هيكل إلهي
ليس هيكلاً أرضياً عادياً ولكن في كنيسة المسيح سواء أكانت في الأرض أو في السماء
ولا يعود يخرج إلى خارج بل يسكن في حضرة الله دائماً في أورشليم السماوية حيث مسكن
الله مع قديسيه وأكتب عليه اسم إلهي أي يصير الإنسان مملوكاً وخاصاً بالكلية لله
الآب ونلاحظ هنا أن السيد المسيح يتحدث كنائب عن البشر فيتحدث عن الله الآب إله كل
بشر ويكرر كلمة إلهي ليضع نفسه في نفس مكانتنا حتى يرفعنا نحن إليه إلى مرتبة
البنوة و اسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة النازلة من عند إلهي أي أورشليم السماوية
مدينة الملك العظيم إشارة أن الشخص الغالب يكون من سكان هذه المدينة وينتمي إلى
السماء. "بل قد أتيتم إلى جبل صهيون والى مدينة الله الحي أورشليم السماوية
والى ربوات هم محفل ملائكة" (عبرانيين 12: 22) واسمي الجديد أي نكون من خاصة
الرب مدعوين باسمه في مجده فهو يسوع (المخلص) المسيح (الممسوح) لكي يكون كاهنا
وملكاً ونبياً من أجل خلاصنا لكي يحملنا إلى الآب وفي السماء سنتمتع بأن يدعى
علينا اسمه الجديد في علاقته بنا في المجد الذي لا ينطق به.

 

13مَنْ
لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ». (أنظر رؤيا 2 :
7).

 

14وَاكْتُبْ
إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ اللاَّوُدِكِيِّينَ: «هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ،
الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ.

 

أما
الرسالة السابعة والأخيرة فمرسلة إلى ملاك كنيسة اللاودكيين أي راعيها أو أسقفها
ولاودكية هي مدينة في أسيا الصغرى تقع على وادي ليكوس في مقاطعة فريجية بالقرب من
كولوسي وهيرابوليس وكان مدخل المدينة الغربي يسمى بوابة أفسس، والمدخل الشرقي كان
يسمى البوابة السورية التي كان يمر بها الطريق الرئيسي إلى أنطاكية وغيرها من بلاد
النهرين.وقد تأسست على يد أنطيوخس الثاني
Antiochus II وأسماها باسم زوجته.

 

وقد
اشتهرت هذه المدينة بغناها الشديد فكانت من أغنى مدن العالم وحينما ضربها زلزال
مدمر لم تعتمد على معونة الإمبراطورية الرومانية وأعاد سكانها بناؤها بدون عون
خارجي. وكانت مركز لصنع الثياب وكانت القطعان التي ترعى حولها شهيرة بنقاء صوفها.
كما كانت مركزاً طبياً هاماً وبها معبد عظيم لتعليم الطب وكانت تنتج كحلاً للعيون
من مسحوق شهير يسمى "مسحوق فريجية" تم تصديره إلى الكثير من بلدان
العالم كما أنتجت ايضاً مرهماً للآذان. وقد كان بلاودكية جالية يهودية كثيرة.وذكر
الرسول بولس كنيسة لاوكية في رسالة كولوسي 4 : 13. وضمن الرسائل السبعة في سفر
الرؤيا فإن هذه الرسالة لا تحتوي على كلمة مدح واحدة.

 

هذا
يقوله الأمين الشاهد الأمين الصادق (أنظر رؤيا 1 : 5) بداءة خليقــة الله
h arch thv ktisewv tou yeou
والكلمة اليونانية المترجمة بداءة هي
h arch والتي تعني أيضاً رئيس أو منشأ أو أصل أو حاكم وقد ترجمــت the ruler of God’s creation (NIV) وأيضا
ترجمت
the origin of God’s creation (RSV) والمقصود هنا أن الخليقة قد بدأت عن طريق كلمة الله الأزلي فهو
الخالق " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" ( يوحنا 1 : 3).

 

15أَنَا
عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِداً وَلاَ حَارّاً. لَيْتَكَ كُنْتَ
بَارِداً أَوْ حَارّاً. 16هَكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِداً وَلاَ
حَارّاً، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي.

 

أنا
عارف أعمالك (أنظر رؤيا 2 : 2) تشير إلى معرفة الله بأعماله الغير كاملة والغير
مستقيمة. فهو ليس بارداً ولا حاراً وكما نعلم فإن بعض الأطعمة تأكل ساخنة والبعض
الآخر يأكل بارداً أو مثلجاً وكل من الطعام البارد أو الحار شهي الطعم لذيذ
المذاق. أما إذا فقد البارد برودته أو فقد الحار حرارته وأصبح فاتراً فإنه يكون
سيء المذاق لا يستسيغه الإنسان وقد يتقيأه من فمه.

 

وتشير
حالة الفتور في هذه الكنيسة إلى اللامبالاة وعدم الاهتمام فلا تريد هذه الكنيسة أن
يكون لها موقف محدد نحو الرب وخدمته والحياة معه الشخص الحار هو الملتهب بمحبة
الله، المسرع إلى خدمته، المتفاني في جهاده، الساهر على خلاص نفسه. والشخص البارد
هو الذي يدرك في أعماق نفسه أنه ضعيف، يدرك سقطاته وخطاياه، يعرف ضعف طبيعته
ويتمنى أن يقوم منها ويسعى أن يكون حاراً بالروح. كل من الحار والبارد يستطيع أن
يجد طريقه نحو الحياة مع الله والتمتع به. أما الفاتر فهو شخص يظن في نفسه
الاكتفاء والبر والمعرفة يطن أنه قد وصل إلى أعلى درجات القداسة ويستطيع أن يكرز
للآخرين وفي نفس الوقت نجد أنه نائم في ثبات عميق بعيد عن كل نمو روحي وحياة
حقيقية مع الله. هذا يرفضه الله ويطرده من حضرته أنا مزمع أن اتقيأك من فمي.

 

 17لأَنَّكَ
تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى
شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائِسُ وَفَقِيرٌ
وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ.

 

لأنك
تقول إني أنا غني وهنا تكمن خطورة الحالة التي تمر بها هذه الكنيسة فهي تقول أنها
غنية ربما على المستوى المادي نظراً لغنى المدينة الشديد. أو على المستوى الروحي
تظن أنها مملوءة بالمعرفة والحكمة والفضيلة والقوة والمحبة ولكنها في حقيقة الأمر
لا تملك أي منها "يوجد من يتغانى ولا شيء عنده ومن يتفاقر وعنده غنى
جزيل" (أمثال 13: 7).

 

 وقد
استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء تظن في نفسها أنه لا حاجة بها أن تنمو أو تجتهد أو
تكتسب المزيد، بل ولا حاجة إلى التوبة أو الاعتراف بالخطأ فهي تظن في نفسها
الكمال. ولكنها أبعد ما تكون عنه.

 

إن
مشكلة هذه الكنيسة هو الجهل بحالتها الحقيقية. وهل نشاركها في هذه الحالة في بعض
الأحوال؟ حينما نشعر بأننا نحيا أفضل حياة يمكن أن نحياها ولسنا بحاجة إلى أي نمو
أو اقتراب من الله. حينما تصير مياه حياتنا راكدة متعفنة مملوءة بالخطية والنجاسة
ونحن لا نريد أن نفحص حياتنا في ضوء نور كلمة الله التي تكشف الركود والعفن في
حياتنا. حينما نشعر بأننا أفضل من الآخرين وأكثر غنى ومواهب ولكننا في حقيقة الأمر
فاترين بعيدين عن كل محبة واجتهاد حقيقي..هل نحتاج لكلمة الله لتكشف لنا حالتنا
الحقيقية كما يقول السيد المسيح لملاك هذه الكنيسة.

 

 أنك
أنت الشقي فطريقتك في الحياة تقودك حتماً إلى الشقاء فالراحة الحقيقية هي في
الحياة الملتهبة مع المسيح أو الاقتراب إليه بالتوبة الصادقة شاعراً ببرودة حياتك
بعيداً عنه.

 

والبائس
eleeinov أي الجدير
بالشفقة، الحقير، التافه، الذي يرثى له لأنك لا تعرف حقيقة حالتك.

 

وفقير
فلن تكفيك هذه الثروة المادية العالمية ولن تكون سبباً في نجاح حياتك الروحية.

 

وأعمى
لأنك لا ترى حقيقة نفسك وحالتك السيئة فلن تنفعك كل المراهم الشهيرة التي تنتجها
مدينتك

 

وعريان
لأن الملابس العالمية والصوف المنتج في لاودكية لا يستر هذا العري لأنه عري روحي
خطير ناتج عن فقد ثياب النعمة والبر.

 

18أُشِيرُ
عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَباً مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ،
وَثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ
عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ.

 

أشير
عليك وهنا يضع السيد المسيح الحل أمام مشكلة هذه الكنيسة ولكنه يضعها في شكل نصيحة
فهو يريد من ملاك هذه الكنيسة أن يقبلها بإرادته الحرة "أعلمك وأرشدك الطريق
التي تسلكها. أنصحك.عيني عليك
"(مزمور 32 : 8). فهي تحتاج أن تشتري من السيد المسيح وليس
المقصود بالشراء هنا هو دفع مقابل مادي فكل الأموال العالمية التي تمتلكها كنيسة
لاودكية لا تكفي ثمناً لعطايا المسيح الثمينة "أيها العطاش جميعا هلموا إلى
المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا
ولبنا" (إش 55 : 1).ولكن يكفيها أن تطلب من المسيح الذي يعطي الجميع بسخاء
ولا يعير فيعطي لها الذهب المصفى بالنار لكي تستغني أي الإيمان السليم "لكي
تكون تزكية إيمانكم وهي اثمن من الذهب الفاني مع انه يمتحن بالنار توجد للمدح
والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح" ( 1 بطرس 1 : 7).

 

وثيابا
بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك وهي رمز للقداسة والطهارة وحياة البر التي تستر
من يحياها وتعطيه الكرامة والعزة.

 

وكحل
عينيك بكحل لكي تبصر والكحل هو كلمة الإنجيل التي تفحص أعماق حياتنا وتنيرنا وتكشف
حقيقة حالتنا أمام عبوننا. هو الروح القدس الذي يبكت العالم "ومتى جاء ذاك
يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي.
وأما على بر فلاني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا
العالم قد دين" (يوحنا 16 : 8 – 10).

 

19إِنِّي
كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُوراً وَتُبْ.

 

وهنا
يوضح السيد المسيح أن محبته للشخص وحرصه الشديد على نجاته وخلاصه وأبديته هي التي
تجعله يقوم بالتأديب والتوبيخ. فتأديب المخطئ وتوبيخه هو إثبات لمحبة الله له
"فاعلم في قلبك انه كما يؤدب الإنسان ابنه قد أدبك الرب إلهك" (تثنية 8
: 5). "هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله.فلا ترفض تأديب القدير." (أيوب 5 :
17). "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه. لان الذي يحبه الرب
يؤدبه وكأب بابن يسرّ به" (أمثال 3 : 11، 12). "من يرفض التأديب يرذل
نفسه ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهما." (أمثال 15 : 32).

 

 فكن
غيوراً وتب وهنا يدعو السيد المسيح هذه الكنيسة أن تترك حالة الفتور التي تسيطر
عليها وتكون لها هذه الغيرة المقدسة من أجل خلاصها فلابد أن تغير اتجاهها بتوبة
نقية صادقة تعود فيها إلى حالة الحرارة الروحية وتبدأ في حياة مقدسة مع المسيح
" حسنة هي الغيرة في الحسنى كل حين" (غلاطية 4 : 18).

 

20هَئَنَذَا
وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ
الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.

 

هئنذا
واقف على الباب إشارة إلى استعداد السيد المسيح أن يأتي إلى كل نفس ويعطيها
التلمذة الروحية وأن يحيا معها في شركة مقدسة فهو واقف على باب قلب كل خاطيء، لا
يفتح عليه الباب عنوة ولكنه ينتظر حتى ندعوه. فأبواب حياتنا لن تنفتح إلا من
الداخل برغبة صادقة منا في أن يكون ضيفنا هو السيد المسيح له كل المجد.

 

 وأقرع
يدق الباب دقات متتالية كثيرة.. فهو يفتش عن كل الخطاة الذين ابتعدوا عنه ولم
يعودوا يطلبونه، يكرر عليهم النداء مرة بعد مرة، يهتم بنجاتهم وخلاصهم "أنا
نائمة وقلبي مستيقظ.صوت حبيبي قارعا.افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا
كاملتي لان راسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل"(نشيد الإنشاد 5: 2).
يترجى كل خاطيء أن يفتح له أبواب حياته ليدخل.

 

إن
سمع أحد صوتي وفتح الباب أي استجاب لهذه الطرقات وهذا النداء وفتح أبواب حياته
وحواسه للسيد المسيح فإنه يدخل إليه ليتعشى معه وقد كان العشاء هو أهم الوجبات عند
اليونان في ذلك الوقت فالمسيح يريد أن يأتي ويجلس معنا أطول فترة ممكنة – بل
حياتنا بكاملها – يمنحنا كل شبع سمائي، يمتعنا بمحبته الباذلة، وصداقته العميقة،
وغفرانه العظيم.

 

21مَنْ
يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا
أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ.

 

من
يغلب "لان كل من ولد من الله يغلب العالم.وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم
إيماننا.من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله" (1 يوحنا
5: 4، 5).فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي وهنا يعطي السيد المسيح وعد لمن يغلب بأن
يجلس معه في عرشه "فقال لهم يسوع الحق أقول لكم أنكم انتم الذين تبعتموني في
التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضا على اثني عشر كرسيا
تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر " (متى 19: 28). "لتأكلوا وتشربوا على
مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (لوقا
22: 30) في مكان الملك والراحة الأبدي يشاركه في انتصاره وغلبته إلى أبد الآبدين
في شركة رائعة مع الابن الذي يجلس في مكان العظمة على يمين الآب في العرش السماوي.
" فتقدم يسوع وكلمهم قائلا.دفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض"
(متى 28 : 8)." الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في
السماويات فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل
في المستقبل أيضا واخضع كل شيء تحت قدميه وإياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة التي
هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل" (أفسس 1 : 20 – 23)

 

22مَنْ
لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ». (أنظر رؤيا 2 :
7).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي