الإصحَاحُ
السَّادِسُ

 

1وَنَظَرْتُ
لَمَّا فَتَحَ الخَرُوفُ وَاحِداً مِنَ الْخُتُومِ السَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ
وَاحِداً مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ
وَانْظُرْ!»

 

في
هذا الإصحاح يبدأ الخروف القائم وكأنه مذبوح (رؤ 5 : 6)، الأسد الذي من سبط يهوذا،
أصل داود (رؤ 5 : 5)، ربنا يسوع المسيح الوحيد القادر أن يفتح السفر ويفك ختومه
السبعة (رؤ 5 : 9) في فتح ستة من هذه الختوم واحداً واحداً لكي ما يعرف كل منا
إعلانات الله التي يريد كشفها لنا وتعليمنا عن طريقها.

 

عندما
يفتح الختم الأول يظهر الجالس على الفرس الأبيض. ثم يظهر ثلاث فرسان مع الختوم
الثلاثة التالية. وحينما يفتح الختم الخامس نرى نفوس المقتولين من أجل كلمة الله.
أما الختم السادس فيعلن عن مجيء يوم غضب الرب العظيم.

 

يقول
القديس يوحنا ونظرت وكان في نهاية الإصحاح السابق متمتعاً بسماع تلك الترنيمات
الرائعة للخليقة كلها في تمجيد الرب يسوع المسيح وها هو الآن ينظر ويركز نظره
جيداً ليرى ما يفعله الخروف. وفي تركيزه هذا دعوة لنا أن ننظر نحن أيضاً بتركيز
واهتمام لأن كل ما كتب إنما كتب لأجل تعليمنا. ننظر ونعي، نسأل ونفهم، نتابع ما
يخص حياتنا وأبديتنا. ونخبر بكم فعل الرب بنا "
لأننا نحن لا يمكننا أن لا
نتكلم بما رأينا وسمعنا
" ( أع 4 : 20).

 

لما
فتح الخروف واحداً من الختوم السبعة لكي يبدأ في إعلان محتويات السفر ففتح كل ختم
يكشف جزء من محتوياته وفترة من حياة الكنيسة والعالم.

 

وفي
نفس الوقت سمع الرسول يوحنا واحداً من المخلوقات الأربعة الحية التي تمثل الخليقة
في طاعتها للجالس على العرش يقول بصوت رعد هلم وأنظر. وهذه هي المرة الوحيدة في
خروج الفرسان الأربعة التي يشير فيها القديس يوحنا أن صوت الحيوان كان كصوت رعد
وفي هذا إشارة إلى أن الفارس الأول يختلف عن الفرسان الآخرين في مكانته وعظمته
وأهميته وتأثيره.

 

وفي
قوله هلم وأنظر دعوة للقديس يوحنا أن يأتي لينظر ما يحدث حينما يفتح الخروف الختم،
وهو دعوة للفارس أن يخرج ويتمم عمله.

 

2فَنَظَرْتُ،
وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ
إِكْلِيلاً، وَخَرَجَ غَالِباً وَلِكَيْ يَغْلِبَ.

 

وهنا
نجد مشهداً رائعاً ومهيباً ومفرحاً لكل منا فبداية فتح الختوم التي تنتهي بدينونة
العالم ويوم غضب الجالس على العرش وغضب الخروف يبدأ بظهور الجالس على الفرس
الأبيض. ومن هو الجالس على الفرس الأبيض إلا ربنا يسوع المسيح "ثم رأيت
السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أمينا وصادقا وبالعدل يحكم
ويحارب." (رؤ 19 : 11) فاللون الأبيض يرمز إلى نقاءه وعدله وبره وانتصاره
والفرس يدل على سرعة انتشار كلمته أما القوس الذي معه فيدل على تأثيره فكما يستخدم
القوس في الحرب فهكذا يستخدم السيد المسيح كلمته الحية في الحرب ضد قوى الشر
والخطية "عرّيت قوسك تعرية.سباعيّات سهام كلمتك.سلاه. شققت الأرض
انهارا" (حبقوق 3 : 9).
"نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك.شعوب تحتك يسقطون"
(مز 5 : 45) وكما أن القوس يستخدم في رمي السهام بعيداً فإن كلمة السيد المسيح
المؤثرة تنتشر في المسكونة كلها. وقد أعطي إكليلاً من الله الآب تعبيراً عن سلطان
السيد المسيح وقوته الملوكية كما أنها تعبير عن غلبته وانتصاره فهو الذي خرج
غالباً في الماضي ولكي يغلب في الحاضر والمستقبل أيضاً.

 

ما
أروع أن نرى ربنا يسوع المسيح فنشعر بالاطمئنان والسلام الذي يعطيه لنا في انتصاره
على إبليس وجنوده، في كسره شوكة الموت، في غلبته على الخطية. فهو الغالب دائماً
والمنتصر في كل حين أمس واليوم وإلى الأبد. أليست هذه دعوة لنا أن نتمسك بغلبته
ونسلك في محبته.

 

3وَلَمَّا
فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّانِيَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّانِيَ قَائِلاً:
«هَلُمَّ وَانْظُرْ!» 4فَخَرَجَ فَرَسٌ آخَرُ أَحْمَرُ، وَأُعْطِيَ لِلْجَالِسِ
عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ السَّلاَمَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ
بَعْضاً، وَأُعْطِيَ سَيْفاً عَظِيماً.

 

ولما
فتح الخروف الختم الثاني من الختوم السبعة، سمعت الحيوان الثاني من المخلوقات
الأربعة الحية قَائِلاً: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» (أنظر رؤ 6 : 1).

 

فخرج
فرس آخر أحمر واللون الأحمر هو لون الدم رمز للحروب والاضطراب في العالم وهي علامة
من العلامات التي أخبرنا بها السيد المسيح "وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب.
انظروا لا ترتاعوا.لأنه لا بد أن تكون هذه كلها. ولكن ليس المنتهى بعد."(مت
24 : 6) رمز لسفك الدماء والكراهية "لأن أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك
الدم"(أم 1 : 16).

 

 وَأُعْطِيَ
أي أن جميع هذه الحروب والحوادث إنما هي بسماح من الله وخاضعة لمشيئته وجزءاً من
خطته لعقاب الأشرار والأمم الظالمة "لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر
ويكثر قتلى الرب" (إش 66 : 16)

 

للجالس
عليه أما الجالس على الفرس فيرمز إلى الملوك والأمراء والرؤساء الذين يتعطشون إلى
سفك الدماء والغزو والقتل والسيطرة، هؤلاء الذين يستخدمون السيف من أجل نزع السلام
من الأرض هم أتباع إبليس الذي كان "قتالاً للناس منذ البدء" (يو 8 :
44). وأن يقتل الناس بعضهم بعضاً في حروب طويلة ممتدة لا تنتهي في مكان إلا وتبدأ
في مكان آخر حتى ترهق العالم وتهلك الكثير من النفوس وأعطي سيفاً عظيماً رمزاً
لقسوة هذه الحروب واستمرارها وكثرة عدد قتلاها.

 

نعم
يستطيع إبليس أن ينزع السلام من الأرض بإثارته هذه الاضطرابات والشرور والحروب
ولكنه لن يستطيع أن ينزع السلام من قلوب أبناء الله، المؤمنين الحقيقيين. لا
يستطيع أن ينزع ثمر الروح القدس من حياتنا "وليملك في قلوبكم سلام الله الذي
إليه دعيتم في جسد واحد" (كولوسي 3 : 15). "وسلام الله الذي يفوق كل عقل
يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (فيلبي 4 : 7).

 

5وَلَمَّا
فَتَحَ الْخَتْمَ الثَّالِثَ، سَمِعْتُ الْحَيَوَانَ الثَّالِثَ قَائِلاً: «هَلُمَّ
وَانْظُرْ!» فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَسْوَدُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ
مِيزَانٌ فِي يَدِهِ. 6وَسَمِعْتُ صَوْتاً فِي وَسَطِ الأَرْبَعَةِ
الْحَيَوَانَاتِ قَائِلاً: «ثُمْنِيَّةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ ثَمَانِيِّ
شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. وَأَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَضُرَّهُمَا».

 

ولما
فتح الخروف الختم الثالث من الختوم السبعة، سمعت الحيوان الثالث من المخلوقات
الأربعة الحية قَائِلاً: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» (أنظر رؤ 6 : 1).

 

فنظرت
(أنظر رؤيا 6 : 1) وإذا فرس اسود واللون الأسود يرمز إلى الحزن الشديد والخراب
والبكاء، يرمز إلى المصيبة والضيقة الشديدة،يرمز إلى الخوف والمجاعة والموت "
جلودنا اسودّت كتنور من جرى نيران الجوع." (مراثي إرميا 5 : 10). يرمز إلى
كآبة النفس ومرارتها حينما لا تستطيع أن توفر احتياجاتها الضرورية واحتياجات
أسرتها

 

فهذا
الفرس الأسود يرمز إلى المجاعات التي سبق وأنبأ عنها ربنا يسوع المسيح قائلاً
" وتكون مجاعات" (مت 24 : 7). هذه المجاعات الناتجة عن جشع الإنسان
وقساوته في تعامله مع أخيه الإنسان، عن قسوة الطبيعة التي لوثتها خطية الإنسان.

 

والجالس
عليه معه ميزان في يده أما الجالس على الفرس فيرمز إلى التجار الجشعين الذين
يتاجرون بقوت أخوتهم من البشر بغرض أن تزداد ثرواتهم وأموالهم يقودهم في ذلك إبليس
أصل كل جشع أما الميزان الذي في يده فيرمز إلى ندرة المواد الغذائية وعدم توفرها
حتى أن كل شيء يتم وزنه بدقة شديدة قبل أن يتم بيعه.وهذا ما يدل عليه الصوت الخارج
في وسط الحيوانات الأربعة والذي يقول أن ثمنية القمح بدينار والثمنية هي مكيال
للحبوب الجافة يفي بالكاد طعام الإنسان لمدة يوم واحد أما الدينار فهو أجرة العامل
العادي في يوم كامل في عصر السيد المسيح " فأتفق مع الفعلة على دينار في
اليوم وأرسلهم إلى كرمه" ( متى 20 : 2) وفي عصر السيد المسيح كان مبلغ 200
دينار كافياً لإطعام خمسة ألاف رجل ما عدا النساء والأطفال " فأجاب (يسوع)
وقال لهم أعطوهم انتم ليأكلوا.فقالوا له أنمضي ونبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم
ليأكلوا" ( مرقس 6 : 37). وقد اشبع السيد المسيح هؤلاء جميعاً فقط بخمسة
أرغفة وسمكتين.

 

ما
أروع إلهنا المحب! الذي يسدد احتياجاتنا بالقليل حينما نضعه بين يديه. وإن كانت
المجاعة شديدة، ولو لم يكن معنا ما يكفي قوت يومنا الضروري فإننا نثق أن إلهنا
قادر أن يبارك دينارنا الواحد وأقل منه ويمنحنا كل شبع ورضا وامتلاء. لن يحتاج
أبناء الله لملو بطونهم من طعام الحيوانات الأقل ثمنا ثلاث ثماني شعير بدينار لأنه
قادر أن يطعمهم بخبز الحياة.

 

وأما
الزيت والخمر فلا تضرهما فهما يرمزان إلى البركات الروحية التي يعطيها الله
لأبنائه وسط ظروف المجاعة القاسية والتي تمكنهم من التغلب على كل ضيق زمني وعوز
مادي واحتياج أرضي.. فالجوع أيضاً لن يستطيع أن يفصلنا عن محبة المسيح (رومية 8 :
25).

 

7وَلَمَّا
فَتَحَ الْخَتْمَ الرَّابِعَ، سَمِعْتُ صَوْتَ الْحَيَوَانِ الرَّابِعِ قَائِلاً:
«هَلُمَّ وَانْظُرْ!» 8فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ
اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَاناً عَلَى
رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ
الأَرْضِ.

 

ولما
فتح الخروف الختم الرابع من الختوم السبعة، سمعت الحيوان الرابع من المخلوقات
الأربعة الحية قَائِلاً: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!» (أنظر رؤ 6 : 1).

 

فنظرت
(أنظر رؤيا 6 : 1) وإذا فرس أخضر
clwrovأي باهت أو شاحب ضارب للصفرة
وهذا اللون هو أفضل ما يرمز للموت الناتج عن الأوبئة والأمراض التي تجعل لون بشرة
الإنسان شاحبة. وهذه الأوبئة هي ما تحدث عنها السيد المسيح حينما تحدث عن مبتدأ
الأوجاع (متى 24 : 7) كما أنه يرمز إلى حالة ما قبل الموت أياً كان سبب هذا الموت
سيف، جوع، وبأ أو وحوش الأرض.

 

والجالس
عليه اسمه الموت عدو كل البشر، الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس وغوايته وما زال
عدواً قاسياً بغيضاً لهؤلاء البعيدين عن الله الذين لم يتمتعوا بانتصار السيد
المسيح "
ليبغتهم الموت.لينحدروا إلى
الهاوية أحياء لان في مساكنهم في وسطهم شرورا" (مزمور 55 : 11). والهاوية
تتبعه و الهاوية
adhv هي
المكان الذي ينزل إليه الأموات. وفي تبعية الهاوية للموت دليل على كثرة الأموات
فلا تنتظر الهاوية أن يذهب الأموات إليها بل تسارع هي لتبتلع ضحابا الموت فقد
أعطيا سلطانا من الله "لأنه هكذا قال السيد الرب.. إن أرسلت أحكامي الرديئة
الأربعة.. سيفاً وجوعاً ووحشاً رديئاً ووبأ " (حزقيال 14 : 21) على ربع الأرض
أن يقتلا بالسيف والجوع والموت ووحوش الأرض وهو عدد كبير جداً ولكنه لا يمثل
الأغلبية فما زالت الفرصة قائمة للتوبة والعودة إلى الله.

 

أما
الذين يلقون برجائهم على الرب فلا يخشون هذا الموت "
أيضاً إذا سرت في وادي ظل
الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي.عصاك وعكازك هما يعزيانني
." (مز 23 : 4) " في ست شدائد ينجيك وفي سبع لا يمسك
سوء. في الجوع يفديك من الموت وفي الحرب من حد السيف. من سوط اللسان تختبأ فلا
تخاف من الخراب إذا جاء. تضحك على الخراب والمحل ولا تخشى وحوش الأرض. لأنه مع
حجارة الحقل عهدك ووحوش البرية تسالمك. فتعلم أن خيمتك آمنة وتتعهد مربضك ولا تفقد
شيئا.وتعلم أن زرعك كثير وذريتك كعشب الأرض." (أيوب 5 : 19 – 25)

 

9وَلَمَّا
فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ
قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ
عِنْدَهُمْ،

 

ولما
فتح الخروف الختم الخامس من الختوم السبعة (أنظر رؤ يا 6 : 1) رأي القديس يوحنا
هذه الرؤيا المهيبة والتي توضح حالة النفوس الكريمة للشهداء القديسين الذين قتلوا
بأيدي الطغاة الظالمين. والتي تشجع كل إنسان أن يحذوا حذوهم ويتبع خطاهم فما أجمل
الاستشهاد من أجل كلمة الله
dia ton logon tou yeou من أجل ربنا يسوع المسيح الكلمة الأزلي الذي أحبنا حبا لا يوصف
فبذل ذاته على عود الصليب من أجلنا لكي يهبنا الحياة الأبدية. لنتبع هؤلاء الذين
قتلوا من أجل الشهادة التي كانت عندهم من أجل إيمانهم المستقيم بالسيد المسيح الذي
لم يتركوه تحت الضغط الشديد أو التعذيب أو الترهيب أو الإغراء بل وحتى الموت نفسه
لم يستطع أن يفصلهم عن سيدهم المسيح " فلا تخجل بشهادة ربنا" (2
تيموثاوس 1 : 8) " فإن شهادة يسوع هي روح النبوة" (رؤيا 19 : 10).

 

هذه
النفوس الطاهرة نراها تحت المذبح الذي يرمز إلى صليب ربنا يسوع المسيح فقد قدم
هؤلاء أجسادهم كذبيحة مقبولة لربهم وعريسهم وأحبوا أن يشاركوه في سكب دمائهم
الزكية كسكيب غال لا يقدر بثمن "فاني أنا الآن اسكب سكيبا ووقت انحلالي قد
حضر." ( 2 تيموثاوس 4 : 6).

 

10وَصَرَخُوا
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ
وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى
الأَرْضِ؟»

 

وصرخوا
بصوت عظيم ونستطيع هنا أن نسمع أصوات نفوس أو أرواح الشهداء وهي تصرخ مما يؤكد
حقيقة هامة هي أن نفوس الشهداء والقديسين تعي وتشعر وتتكلم، تصلي وتطلب، تتشفع.
ترى ما يحدث في عالمنا وتهتم به وبنا وكثيراً ما تساندنا في جهادنا. بل ويطلب
صوتهم العظيم المستند على الحق أن تتحقق مشيئة الله وعدالته يشتاقون إلى ذلك اليوم
حين تعاقب مملكة الشر ورئيسها إبليس ويعلم الجميع عدل الله وقداسته يتسائلون بشغف
"حتى متى؟" مشتركين مع المرنم:"حتى متى يا الله يعير المقاوم ويهين
العدو اسمك إلى الغاية
" (مزمور 74 : 10) أيها السيد القدوس والحق فهم يستندون في
طلبتهم إلى قداسة الله وحقه الذي لا يرضى بظلم الأشرار وطغيانهم.

 

لا
تقضي أ ي تحكم بأحكامك العادلة وتنتقم لدمائنا وفي هذا لا يطلبون الانتقام بقصد
التشفي أو بدافع الكراهية ولكن طلباً لعدل الله حتى يحصد الساكنين على الأرض من
الأشرار ثمار أفعالهم كما طلب المرنم "يا اله النقمات يا رب يا اله النقمات
أشرق
.ارتفع يا ديان الأرض.جاز صنيع
المستكبرين
.حتى متى الخطاة يا رب حتى متى
الخطاة يشمتون
. يبقون يتكلمون بوقاحة.كل
فاعلي الإثم يفتخرون
. يسحقون شعبك يا رب ويذلون
ميراثك
. يقتلون الأرملة والغريب
ويميتون اليتيم
. ويقولون الرب لا يبصر واله
يعقوب لا يلاحظ" (مزمور 94 : 1 – 4).

 

11فَأُعْطُوا
كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً
يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ
أَيْضاً، الْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ.

 

فأعطوا
كل واحد ثياباً بيضاً رمز النصرة والبهجة والمجد فهم يستحقون أن ينالوا عربون
انتصارهم في مكان الانتظار المعد لهم وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أي
قليلاً أيضاً وهنا يوضح لهم الهدف الذي يتمهل الله من أجله في معاقبة الأشرار فهو
يريد في البداية أن يكمل العبيد رفقاؤهم وإخوتهم أيضاً جهادهم على الأرض لكي
يلحقوا بهم ويتمتعوا معهم هؤلاء العتيدون أن يقتلوا مثلهم أي من يقدمون حياتهم
أيضاً من أجل كلمة الله وشهادة يسوع المسيح.

 

آه
أيها الرب الحبيب كم نشتاق أن يكون لنا نصيب مع هؤلاء المتسربلين بالثياب البيض..
نشتاق أن نرضيك ونشهد لك ونموت من أجلك.

 

12وَنَظَرْتُ
لَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ السَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ،
وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَالْقَمَرُ صَارَ
كَالدَّمِ،

 

يقول
القديس يوحنا ونظرت لما فتح الخروف الختم السادس من الختوم السبعة (أنظر رؤيا 6 :
1) والأخير في هذا الإصحاح والذي يعلن عن مجيء يوم غضب الرب العظيم والذي يرتبط
بمجموعة من العلامات التي رآها القديس يوحنا عند فتح هذا الختم والتي ترتبط بما
جاء في حديث السيد المسيح عن نهاية الأزمنة حينما قال "وتكون.. زلازل في
أماكن.. وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط
من السماء وقوات السموات تتزعزع" (متى 24 : 7، 29). وجميع هذه العلامات تشير
إلى عدم الاستقرار والرعب والاضطراب والتغير.

 

وإذا
زلزلة عظيمة حدثت والزلزلة هي هزة عنيفة للأرض وترمز إلى اضطراب أو تغير عظيم في
الأرض فتكون غير مستقرة ربما بسبب سقوط ممالك وإمبراطوريات أو تغيير في المبادئ أو
المذاهب الفكرية التي تسبب الاضطراب وعدم الاستقرار أو اكتشافات علمية قد تؤثر على
الثوابت التي اعتاد سكان الأرض عليها.

 

والشمس
صارت سوداء والشمس هي مصدر إضاءة الأرض بالنهار تشرق فتنير عليها وحينما تصير
الشمس سوداء يتوقف إشعاعها ويعم الظلام على الأرض وربما يشير هذا الظلام إلى جهل
الإنسان الذي رفض الله الحي وسار وراء آلهة أخرى غريبة " الذين استبدلوا حق
الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق" (رو 1 : 25)، ظلام بسبب
الابتعاد عن الإيمان القويم وطرق الرب المستقيمة، ظلام بسبب بعض البدع والضلالات
التي تحجب نور الحق، ظلام بسبب ضد المسيح الذي ينكر لاهوت السيد المسيح له المجد
ويقف معارضاً له " أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة. وكما سمعتم أن ضد المسيح
يأتي قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون. من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة.. من هو
الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح. هذا هو ضد المسيح الذي ينكر الآب والابن.
كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضاً ومن يعترف بالابن فله الآب أيضاً" ( 1
يوحنا 2 : 18، 22، 23).

 

كمسح
من شعر أي مثل ملابس الحداد السوداء المصنوعة من الشعر والذي يدل على الحزن
والنحيب والعويل على خطايا العالم الشرير الذي لم يعد مستحقاً أن ينظر نور الحق
بسبب آثامه واضطهاده للقديسين.

 

والقمر
صار كالدم وفي هذا إشارة رمزية إلى قضاء الله وغضبه على البشر وكما جاء في التلمود
اليهودي يشير إلى معاقبة العالم بالسيف. "
تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر
إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير
" (أعمال 2 : 20).

 

13وَنُجُومُ
السَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ التِّينِ سُقَاطَهَا
إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ.

 

ونجوم
السماء سقطت إلى الأرض وفي هذا إشارة إلى ارتداد بعض المؤمنين عن إيمانهم المستقيم
" لا يخدعنكم احد على طريقة ما.لأنه لا يأتي إن لم يات الارتداد أولا ويستعلن
إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلها أو معبودا حتى انه
يجلس في هيكل الله كاله مظهرا نفسه انه اله" (2 تسالونيكي 2 : 3) وربما كان
بعضهم من القادة المعتبرين الذين سقطوا من مستوياتهم الروحية العالية وانجذبوا
وراء العالم بشهواته ومكاسبه الزائلة " لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة
ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا" (متى 24 ك 24)..
وربما كان هذا بسبب هذه الريح العظيمة الممثلة في ضراوة الإضطهاد وشدته وكثرة
الآلام التي تعرضوا لها وبسبب عدم استعدادهم وضعف إيمانهم يسقطون كما تسقط شجرة
التين سقاطها من الثمار الغير ناضجة.

 

ليحفظنا
الرب من السقوط ولنلاحظ أنفسنا جيداً وما تعلمناه " أنظروا أيها الأخوة أن لا
يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي. بل عظوا أنفسكم كل
يوم ما دام الوقت يدعى اليوم لكي لا يقسّى احد منكم بغرور الخطية." (عبرانيين
3 : 12، 13).

 

 14وَالسَّمَاءُ
انْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفٍّ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا مِنْ
مَوْضِعِهِمَا.

 

والسماء
انفلقت
apecwrisyh أي
انفصلت عن الأرض كدرج ملتف أي التفت على نفسها مثل الدرج (أو اللفافة
a scroll راجع شرح رؤيا 5 : 1). وفي هذا إشارة
إلى الاضطراب الذي يسود قبل مجيء يوم غضب الرب العظيم "
من قدم أسست الأرض والسموات
هي عمل يديك
. هي تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب
تبلى كرداء تغيّرهنّ فتتغيّر
" ( مزمور 102 : 25، 26) "السماء والأرض تزولان ولكن
كلامي لا يزول" (لوقا 21 : 33). وفي انفصال السماء عن الأرض والتفافها إشارة
إلى غضب الله على الأشرار فقد اقتربت ساعة الدينونة الرهيبة ولم يعد الطريق إلى
السماء سهلاً كما كان من قبل فقد انفصل الكثير من سكان الأرض بإرادتهم الحرة عن
فكر السماء وإرادتها.

 

وكل
جبل وجزيرة تزحزحا من موضعهما وفي هذا إشارة رمزية إلى تغير حال الجبابرة والعظماء
والأغنياء فالجبل يرمز إلى العلو بينما ترمز الجزيرة إلى الغنى والخصوبة والأمان.
وكل من اعتمد على إمكانياته البشرية وعبد آلهة هذا العالم الغريبة سوف يفقد الأمان
والعظمة والغنى والجبروت "فيخفض تشامخ الإنسان وتوضع رفعة الناس ويسمو الرب
وحده في ذلك اليوم." (إش 2 : 17).

 

15وَمُلُوكُ
الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ
عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ
الْجِبَالِ،16وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: «اُسْقُطِي عَلَيْنَا
وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الخَرُوفِ،
17لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ
الْوُقُوفَ؟»

 

وبدلاً
من محاولة الأشرار التوبة والرجوع إلى الله نجدهم من كل الفئات ملوك وعظماء
وأغنياء وأمراء وأقوياء، عبيد وأحرار يحاولون الاختفاء من أمام وجه الجالس على
العرش يوارون خجلهم وخزيهم يحاولون الهروب من العقاب الذي أصبح وشيكاً أن يحل بهم،
يختفون في المغائر وصخور الجبال طالبين من الجبال أن تسقط عليهم حتى تخبئهم ولكن
هيهات لأنه قد جاء وقت الدينونة وجاء يوم غضب الخروف ربنا يسوع المسيح ومن يستطيع
الوقوف.

 

ليتنا
نستعد بكل قوانا، ليتنا نقترب من الرب، ليتنا نترك خطايانا وآثامنا وشرورنا لأن
يومنا هذا يوم مقبول وساعتنا هذه ساعة خلاص قبل أن تمر الأيام أو السنون ونجد
أنفسنا في مواجهة هذا الغضب الإلهي الذي لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا الذين
وضعوا حياتهم بين يدي الرب وبيضوا ثيابهم بدمه الكريم وأرضوه بحياتهم وعمل محبتهم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي