الإصحَاحُ
الْعَاشِرُ

 

1ثُمَّ
رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ قَوِيّاً نَازِلاً مِنَ السَّمَاءِ، مُتَسَرْبِلاً
بِسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ،
وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ

 

في
هذا الإصحاح يستكمل القديس يوحنا رؤياه فيخبرنا بهذه الرؤيا الجديدة التي تأتي بين
بوقي الملاكين السادس (9: 13 – 21) والسابع (11 : 5). وتتحدث هذه الرؤيا عن ملاك
آخر غير الملائكة الممسكين بالأبواق السبعة (8: 2). وهذا الملاك يتميز بالعديد من
المميزات والقدرات الخاصة فهو يظهر لنا مجد الله وقدرته وبهائه وعظمته قهو قوياً
قادراً على تتميم عمله المكلف به. نازلا من السماء مخبراً بأعمال الله العظيمة،
وأحكامه تجاه البشر، وتشجيعه لكنيسته المجيدة.

 

متسربلا
بسحابة معلناً حضور الله " فحدث إذ كان هرون يكلم كل جماعة بني إسرائيل أنهم
التفتوا نحو البرية.وإذا مجد الرب قد ظهر في السحاب." (خر 16: 10). كما أن
تغطيته الكاملة بهذه السحابة إظهار لطبيعة رسالته السماوية وتذكيراً بمجيء الرب
ثانية على سحاب السماء "الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ولتفرح الجزائر الكثيرة
. السحاب والضباب حوله.العدل والحق قاعدة
كرسيه
.قدامه تذهب نار وتحرق أعداءه
حوله
. أضاءت بروقه المسكونة.رأت
الأرض وارتعدت
. ذابت الجبال مثل الشمع قدام
الرب قدام سيد الأرض كلها
. أخبرت السموات بعدله ورأى
جميع الشعوب مجده" (مزمور 97: 1-6).

 

وعلى
رأسه قوس قزح وهو إشارة لميثاق الله مع أولاده "  فمتى كانت القوس في السحاب
أبصرها لأذكر ميثاقا أبدياً بين الله وبين كل نفس حيّة في كل جسد على الأرض."
(تكوين 9: 16) فهو يبعث الاطمئنان في قلوبهم أنه لن يهلكهم وإنما يمتعهم بمراحمه
الغنية التي حصلوا عليها نتيجة ارتباطهم بشخص المبارك ربنا يسوع المسيح.

 

ووجهه
كالشمس في قوة إضاءتها أي أنه سيكون ظاهراً للجميع، كما أنه ينير طريق أولاد الله
ويعرفهم طريق الانتصار والحياة الأبدية.

 

ورجلاه
كعمودي نار وفي هذا إشارة لغضب الله وعقابه للشر والأشرار وسحقه لقوات الجحيم.

 

2وَمَعَهُ
فِي يَدِهِ سِفْرٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى
الْبَحْرِ وَالْيُسْرَى عَلَى الأَرْضِ

 

ومعه
في يده سفر صغير (
a little scroll NIV
مفتوح أي أن رسالة هذا الملاك هي إعلان بعض النبوات المتعلقة بالأزمنة الأخيرة
والتي تخص شعوب وأمم وألسنة وملوك كثيرين وهو صغير إشارة إلى اقتراب النهاية
ومفتوح إشارة إلى أنها أصبحت في متناول كل إنسان يستطيع أن يتعرف عليها من خلال
كلمة الله الحية التي انتشرت في المسكونة كلها.

 

فوضع
رجله اليمنى على البحر واليسرى على الأرض إشارة إلى سلطان الله على كل العالم. وأن
رسالة هذا الملاك لجميع الناس في كل مكان، هي رسالة للثابتين في الإيمان كما أنها رسالة
للأشرار المتقلبين البعيدين عن الله " لان المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه
الريح وتدفعه." (يعقوب 1: 6)

 

3وَصَرَخَ
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَمَا يُزَمْجِرُ الأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ
الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا.

 

وصرخ
بصوت عظيم كما يزمجر الأسد لكي تصل رسالته إلى الجميع لكي يعرف الأشرار أنه قد
اقترب موعد دينونتهم ويتمم الأبرار جهادهم عالمين أنه قد اقترب موعد نجاتهم
"الرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطي صوته فترجف السماء والأرض.ولكن الرب
ملجأ لشعبه وحصن لبني إسرائيل." (يوئيل 3: 16).

 

وبعدما
صرخ تكلمت الرعود السبعة بأصواتها وترمز الرعود إلى إنذارات الله وتحذيراته
"فمدّ موسى عصاه نحو السماء.فأعطى الرب رعودا وبردا وجرت نار على الأرض وأمطر
الرب بردا على ارض مصر." (خروج 9: 23).

 

4وَبَعْدَ
مَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا كُنْتُ مُزْمِعاً أَنْ
أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً لِيَ: «اخْتِمْ عَلَى مَا
تَكَلَّمَتْ بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ».

 

وحينما
أراد يوحنا الرسول أن يكتب ما تكلمت به الرعود السبعة سمع صوتاً من السماء ربما
كان صوت الله نفسه يأمره بأن لا يكتب ما تكلمت به الرعود السبعة. لقد كان هذا
الإعلان إعلان خاص للقديس يوحنا وربما كان مفيداً له في كرازته وتعليمه كرسول
ولكنه ليس إعلان عام لجميع البشر وربما يكون هذا المنع في مصلحة الإنسان ومن أجل
خلاصه.

 

أما
عن محتوى ما تكلمت به الرعود السبعة فلا مجال لمحاولة تخمينه أو البحث عنه طالما
أن الله أمر بختمه.

 

5وَالْمَلاَكُ
الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ
إِلَى السَّمَاءِ، 6وَأَقْسَمَ بِالْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَالْبَحْرَ وَمَا فِيهِ،
أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ

 

وبعد
ذلك رفع الملاك يده إلى السماء وهي العادة المستخدمة في القسم أن يرفع الشخص يده
إلى أعلى مشيراً إلى أن ما ينطق به هو الحق أمام الله، أي ليكن الله شاهداً وقاضياً
على ما أنطق به "فقال ابرام لملك سدوم رفعت يدي إلى الرب الإله العلي مالك
السماء والأرض لا آخذنّ لا خيطا ولا شراك نعل ولا من كل ما هو لك.فلا تقول أنا
أغنيت ابرام." (تكوين 14: 22، 23)

 

وقد
أقسم بالله في أبديته فهو الحي إلى أبد الآبدين وقدرته الكلية فهو الذي خلق السماء
وما فيها والأرض وما فيها والبحر وما فيه. وطالما أنه هو الخالق فهو صاحب السيادة
والسلطان المطلق على خليقته كلها "أنت هو الرب وحدك.أنت صنعت السموات وسماء
السموات وكل جندها والأرض وكل ما عليها والبحار وكل ما فيها وأنت تحييها كلها وجند
السماء لك يسجد." (نحميا 9: 6) وهذا القسم تأكيد على حدوث ما يقوله الملاك
بطريقة لا تدع مجالاً للشك.

 

أما
موضوع القسم فهو أن لا يكون زماناً بعد أي أن الزمن سينتهي ومعه تنتهي الضيقة التي
يمر بها المؤمنون في هذا العالم وتبدأ الحياة الأبدية.

 

7بَلْ
فِي أَيَّامِ صَوْتِ الْمَلاَكِ السَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ يَتِمُّ
أَيْضاً سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنْبِيَاءَ.

 

يحدث
هذا في أيام صوت الملاك السابع من الملائكة السبعة حينما يبوق "ثم بوق الملاك
السابع فحدثت أصوات عظيمة في السماء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه
فسيملك إلى ابد الآبدين."(11: 15). هذا هو سر الله الذي بشر به عبيده
الأنبياء على مدى الأجيال حينما يأتي الرب ليدين العالم ويعطي كل إنسان حسب عمله.

 

وفي
هذا الوقت لن يكون هناك مجال للتوبة أو تغيير الأوضاع لأنه وقت الجزاء أما باب
التوبة فمفتوح الآن كما يقول الكتاب:" وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه
جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا
. فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم
لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. ويرسل يسوع المسيح المبشر به لكم قبل
. الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد
كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر."  (أعمال 3
: 18 – 21)

 

8وَالصَّوْتُ
الَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضاً وَقَالَ:
«اذْهَبْ خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ الْوَاقِفِ
عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ».

 

والصوت
الذي كنت قد سمعته من السماء (عدد 4) الذي سبق وأمره أن يختم على ما تكلمت به
الرعود السبعة كلمني أيضاً أي مرة ثانية بأمر جديد وهو أن يأخذ السفر الصغير
المفتوح في يد الملاك الواقف على البحر وعلى الأرض (عدد 2).

 

9فَذَهَبْتُ
إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: «أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ». فَقَالَ لِي:
«خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرّاً، وَلَكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ
حُلْواً كَالْعَسَلِ».10فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ
وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْواً كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ
صَارَ جَوْفِي مُرّاً. 11فَقَالَ لِي: «يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضاً عَلَى
شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ».

 

وهنا
نرى القديس يوحنا وقد استجاب للأمر الإلهي وذهب إلى الملاك وطلب السفر الصغير. وفي
هذا تعليم لنا أن نتمثل به فالله يضع أمامنا أوامره ووصاياه ووعوده في الكتاب
المقدس ويدعونا إلى الاستماع لها وأن تكون نوراً لحياتنا، ويبقى دورنا أن نقترب من
كلمته لنقرأها ونفهمها ونطبقها في حياتنا.

 

فقال
له خذه وكله أي افهمه جيداً واستوعب ما جاء فيه "وجد كلامك فأكلته فكان كلامك
لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يا رب اله الجنود." )إرميا 15 : 16).
نعم.. ينبغي أن نهتم بهضم كلمة الله لكي تسري في أجسادنا.. تمر بشراييننا.. تختلط
بدمائنا.. حتى تصير جزءاً من حياتنا.. بل كل حياتنا.

 

وقد
كان هذا السفر في فم القديس يوحنا حلواً لأنه إعلان الله له بقرب النهاية السعيدة،
وما يحدث من أجل نجاة أولاده وكنيسته، حلواً لأنه يتحدث عن الانتصار الوشيك. ولكنه
كان مراً في جوفه لما فيه من ذكر للضيقات الأخيرة التي يواجهها المؤمنين في فترة
ضد المسيح، كما أنها تتحدث عن ويلات وخراب وهلاك للأشرار من شعوب وأمم وألسنة
وملوك كثيرين.

 

نعم…
يفرح القديس يوحنا لنجاة أولاد الله.. ولكنه بمشاعر الخادم يحزن على هؤلاء الذين
ضيعوا فرصة التوبة فاستحقوا دينونة الله العادلة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي