الإصحَاحُ
الرَّابعُ

 

فتح
السفر المختوم

ص4-7

وصول
القديسين إلى السماء. ثم تهيئة الجو للحوادث الأولى الهامة بعد الاختطاف. ثم وقوع
هذه الحوادث التي أسماها الرب بفمه الكريم «مبتدأ الأوجاع».

ص4: أصحاح
العرش.

ص5: أصحاح
السفر المختوم، والخروف المذبوح.

ص6: ستة
ختوم.

ص7: مشهد
بين قوسين؛ ناجون من اليهود والأمم.

 

من
أصحاح 4 وحتى أصحاح 22:5 نجد صلب النبوة، أو بلغة السفر «ماهو عتيد أن يكون بعد
هذا» والأصحاحان 4، 5 يعتبران مقدمة للقسم النبوي، أما أولى الحوادث الني ستحدث
على الأرض بعد اختطاف الكنيسة فنجدها في أصحاح 6. ورغم أن الكنيسة ليست لها علاقة
مباشرة بهذه الحوادث -حيث أن النبوة بوجه عام تخص الأرض، بينما الكنيسة سماوية،
وستكون في السماء عندما يتم كل هذا- لكن كأن الله يعيد علينا ما قاله لإبراهيم
قديماً إنه لا يُخفي عن أحبائه ما هو فاعله (تك18:17).

 

يفتتح
الفصل الرابع من سفر الرؤيا بعبارة تتكرر مرتين؛ في أول العدد وفي آخره، وهي عبارة
«بعد هذا» وهي عبارة خطيرة تشير إلى نهاية فترة النعمة وسنة الرب المقبولة، ليبدأ
«يوم انتقام لإلهنا»(إش61: 2)!

 

ويسمع
يوحنا صوتاً من السماء يقول له «اصعد إلى هنا» ومرة ثانية نقرأ أن يوحنا صار في
الروح (قارن أصحاح1:10)، وإذ ذاك رأي في هذه المرة لا شبه ابن إنسان في وسط السبع
المناير الذهبية، بل عرش الله في السماء، ورأي الجالس عليه، كما رأي حول عرش الله
أربعة وعشرين عرشاً جالساً عليها أربعة وعشرون شيخا. ورأي أمام العرش سبعة مصابيح
نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

 

الشيوخ
الأربعة والعشرون يمثلون القديسين السماويين جميعاً انظر الملحق؛ السؤال الرابع.،
أو بالحري مؤمني العهد القديم والجديد باعتبارهم ملوكاً وكهنة (أصحاح1:5،6).
وصفتهم كملوك تظهر في الأكاليل الذهبية التي عليهم والعروش الذهبية التي هم عليها.
وصفتهم ككهنة ظاهرة في الثياب البيضاء التي يلبسونها، وفي الجامات الذهبية المملوة
بخوراً التي في أيديهم، وأيضاً في عددهم الذي هو أربعة وعشرون بعدد الفرق
الكهنوتية التي كانت مرتبة في العهد القديم (1أخ24،25). إذاً فهم يُرَون هنا في
سمو ملكي وقرب كهنوتي ! وجلوسهم ما أمجده! ففي وسط مشهد الدينونة؛ البروق والرعود
والأصوات، لا يقولون كما قال الشعب يوم إعطاء الناموس «لا يتكلم معنا الله لئلا
نموت» (خر20:19)، ولا حتى كموسى، وسيط العهد القديم، الذي قال «أنا مرتعب ومرتعد»
(عب12:21)، بل كما هو مكتوب «لنا ثقة في يوم الدين… لأن المحبة الكاملة تطرح
الخوف إلى خارج» (1يو4:17، 18).

 

ورأي
يوحنا كذلك أربعة كائنات حية سماوية عجيبة، تجمع في صفاتها بين صفات السرافيم
المذكورة في إشعياء 6، والكروبيم السرافيم جمع "سراف" بالعبري ويعني
"يشعل" أو "يسمو"، وهم نوع سام من الملائكة، لهم قرب خاص من
الله، ويسبحونه باستمرار (إش6). أما الكروبيم فهو جمع "كروب" بالعبري،
وهم نوع آخر من الملائكة سام أيضاً ويمثلون قوة الله في الخليقة والقضاء (تك3: 24،
حز10).* المذكورة في حزقيال1. فهي كالسرافيم لها ستة أجنحة (تمثل فورية تنفيذ
الأوامر)، ومثلهم أيضاً تقول نهاراً وليلاً «قدوس قدوس قدوس»، وهي كالكروبيم مملوة
عيوناً من قدام ومن وراء (الفطنة المميزة)، ولها نفس المناظر الأربعة التي
للكروبيم. هذه المناظر هي لكائنات لها التفوق المطلق في مجالها؛ فالمنظر الأول شبه
أسد (ملك الوحوش)، والثاني شبه عجل (أهم المواشي وأشهرها)، والثالث له وجه مثل وجه
إنسان (قمة كل خلائق الأرض)، والرابع شبه نسر طائر (ملك الطيور). الأسد رمز القوة
الواثقة، والعجل رمز الصبر المتأني، والإنسان رمز الفطنة المميزة، والنسر رمز
الانقضاض السريع. يا لخطورة هذه الصفات الأربع إذا اجتمعت معاً كما هنا! إنها صفات
الله القضائية؛ فقضاء الله النابع من قداسته لا يقاوم ولا يستكين ولا يتغير ولا
مهرب منه!

 

وتحدثنا
هذه الكائنات الحية الأربعة عن وسائل تنفيذ الله لأحكامه على الأرض، كيفما كانت
هذه الوسائل. وهي أربعة (رقم العالم بأطرافه الأربعة، نظرا لارتباطها بالأرض).
ونحن نعلم أن الله في العهد الجديد، كما كان في العهد القديم ينفذ سياسته القضائية
وأحكامه بواسطة «ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه» (مز103:20)
لكن في الملك الألفي لن يكون هذا من اختصاص الملائكة «لأنه لملائكة لم يخضع العالم
العتيد» (عب2:5)، بل إن السيادة فيه ستكون للمسيح ابن الانسان ومعه قديسوه. لذلك
فإن هذه الكائنات الحية الأربعة في أصحاح 4 هي تعبير عن الملائكة، بينما في أصحاح
5 تمثل المفديين كملوك حاكمين حيث تم استلام الخروف للسفر، وجاءت ترنيمة المفديين
عن ملكهم على الأرض (ع9، 10).

 

ولعلنا
نلاحظ أنه لم يرد ذكر الملائكة في أصحاح 4 رغم أن الرائي ذكر لنا فيه ما شاهده في
السماء، فلماذا لم يذكر الملائكة هناك؟ الإجابة لأنه ذكرهم ضمنا في الكائنات الحية
الأربعة. أما في أصحاح 5 فإننا نجد الكائنات الحية مع الشيوخ يكونون فريقاً
واحداً، لهم مركز أقرب إلى عرش الله، بينما يذكر الملائكة في هذا الفصل، ويرد
ذكرهم باعتبارهم فريقاً مستقلاً أبعد عن العرش من الفريق الأول. ومن هذا كله نفهم
أن الكائنات الحية في رؤيا 5 تمثل المفديين لا في صفتهم ساجدين (فهذا ما نجده
ممثلاً في الشيوخ)، بل في صفتهم ملوكاً حاكمين.

 

والمشهد
المذكور في هذا الفصل هو مشهد في السماء وبعد الاختطاف، رغم أن الاختطاف لم يرد
صراحة يري بعض الشراح أن يوحنا بداية من أصحاح 4 يمثل الكنيسة، حيث لن نعود نقرأ
عنها حتى ص22: 16، وأنه بصعوده إلى السماء يمثل الكنيسة المختطفة لكي تتابع
الأحداث من السماء، لا لتعايشها على الأرض؛ مثل ابراهيم الذي رأي فقط حريق سدوم
دون أن يعايشه. وعليه فهم يعتبرون صوت البوق الذي سمعه يوحنا يمثل " البوق
الأخير " (1كو 15: 51) الذي تتوق قلوبنا أن تسمعه. وأن الباب المفتوح في
السماء والصوت الذي دعاه إلى السماء يمثل الاختطاف.، لأن السفر سفر مسئولية لا
نعمة (كما مر بنا في الملاحظات التمهيدية) لكننا نستنتج حدوثه من عدة أمور:

 

1 –
القول «ما لابد أن يصير بعد هذا» أي بعد انتهاء فترة وجود الكنيسة على الأرض
(أصحاح2، 3).

 

2 –
كون المؤمنين ممثلين بأربعة وعشرين شيخاً؛ فكونهم شيوخاً أي بلغوا الكمال بفداء
الأجساد كما ذكر الرسول بولس في 1كورنثوس13:9-12 (قارن عب11:39)، وكونهم أربعة
وعشرين أي أن العدد قد كمل باختطاف الكنيسة من الأرض.

 

3 –
البحر الزجاجي الموجود أمام العرش صورة الثبات والاستقرار اللذين يميزان السماء.
ثم إن الكنيسة وقد وصلت إلى المجد ما عاد لها حاجة بعد إلى التطهير (انظر 1يو 3:2)
الذي يلزمنا ويلازمنا الآن (أف5:26، 27).

 

4 –
العرش المذكور هنا لا هو عرش النعمة (عب4:16) ولا هو عرش الملك (رؤ20:4)، فالنعمة
ولّى زمانها، والمُلك لم يأتِ بعد. فماذا يكون إذا؟ إنه عرش القضاء الذي يميز فترة
الضيقة التي ستلي اختطاف الكنيسة.

 

5 –
ألقاب الله المذكورة هنا ليست هي ألقابه المرتبطة بالكنيسة (مما يدل على أن دورها
قد انتهي من الأرض)، بل إنها توافق سياسة ملك المسيا على الأرض.

 

في
كلمة واحدة نقول إن أصحاح 4 هو أصحاح العرش بدخولنا إلى أصحاح 4 فإننا ندخل إلى
القسم النبوي، حيث تنفذ أحكام الله القضائية، وكان من المهم أن يشير فيه إلى
العرش. ومع أن سفر الرؤيا هو بالإجمال سفر العرش؛ حيث يبدأ به (1: 4) ويختم أيضاً
به (22: 3)، ويرد فيه أكثر من 36 مرة، إلا أن هذا الأصحاح وحده يرد فيه كلمة العرش
(بالمفرد) 12 مرة، رقم الحكم والسلطة. (مصدر الحكم) بينما أصحاح 5 هو أصحاح الخروف
(منفذ الحكم). وإن كنا في أصحاح 4 نري الرب الإله القادر يأخذ المجد والكرامة
والقدرة التي يستحقها كالخالق، فإننا في أصحاح 5 نري الخروف المستحق أن يأخذ
القدرة والغني والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة لأنه ذُبح واشتري. ولهذا
فإن أصحاح 4 يملأ القلب بالخشوع والورع أمام جلال الله وعظمته، لكن أصحاح 5 يحرك
العواطف بالسجود والتعبد أمام محبة المسيح وتضحيته.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي