الإصحَاحُ
السَّادِسُ – الإصحَاحُ السَّابعُ

 

هذا
يحدثنا عن ظهور من أسماه دانيال في نبوته «رئيساً آتياً» (دا9:26) وهو شخصية
إيطالية عادية لم تكن متولية الحكم من قبل، ولكن ما أن يفيق العالم من ارتباكه لما
حدث نتيجة للاختطاف، حتى تكون هذه الشخصية قد تقدمت لتأخذ الحكم في إيطاليا «أُعطي
إكليلاً». وسوف تلعب هذه الشخصية دوراً من أخطر الأدوار على الأرض منذ ابتداء
العالم. فبعد نحو ثلاث سنين ونصف من ظهورها سيُكرم باعتباره الله، وسيسجد العالم
كله سجوداً فعلياً له. لكن ما هي إلا فترة نظيرها حتى يكون هو أول من يُلقَي حياً
(أي بروحه ونفسه وجسده) لا إلى الهاوية بل إلى بحيرة النار والكبريت! وسيأتي
الكلام عن هذا فيما بعد.

 

نحن
نعلم أن دول أوربا قد نجحت في تحقيق حلمها القديم بالوحدة. ولقد بدأ الاتحاد عام
1958 بالسوق الأوربية المشتركة، ثم تطور فأصبح الآن تحالفاً اقتصادياً وسياسياً
وعسكرياً فيما يسمي بالتحالف الأوربي. لكن ما تحقق في أيامنا هذه، سبق الكتاب
المقدس وأخبرنا به في سفر الرؤيا بل وأيضاً في سفر دانيال الذي كُتب قبل المسيح
بنحو 600 سنة (دا2:42،7:24). كما أخبرنا الكتاب المقدس أيضاً أن زعامة هذا التحالف
ستكون عن قريب جداً من نصيب إيطاليا. ففي دانيال9:26 «وشعب رئيس آت يخرب المدينة
والقدس». ومعلوم أن هذا الشعب الذي أخرب أورشليم وهدم الهيكل سنة 70م هو الشعب
الروماني. إذا "فالرئيس الآتي " سيكون من إيطاليا. هذا هو إحياء
الامبراطورية الرومانية الذي سنعود نسمع عنه في هذا السفر، وسوف يقوم ربنا يسوع
المسيح بتحطيمها عند ظهوره كما ذكر دانيال في نبوته (دا2).

 

هذا
الزعيم يُري هنا راكباً على فرس ومعه قوس. والفرس صورة للقتال والقوس إشارة إلى
الحروب من على بعد. لكن نلاحظ أن الفرس أبيض والقوس بلا سهام، أي أنه يحرز
انتصارات سلمية كتلك التي أحرزها كل من نابليون وهتلر في أول عهديهما. كما أنه
يُري أيضاً وقد «خرج غالباً ولكي يغلب»، أي أنه يتطلع للزعامة على البلاد الأخرى.
«ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد» (دا9:27)، وسرعان ما تكون دول غرب أوربا قد
أقرت بزعامته.

 

أما
الختم الثاني فإنه لما فُتح «خرج فرس أحمر (لون الدم)»، إشارة للحروب. «وللجالس
عليه أُعطي أن ينزع السلام من الأرض»، وهكذا ستعم الأرض كلها الحروب، وأولئك الذين
سيحلمون بالسلام تحت سيادة ذلك الرئيس راكب الفرس الأبيض سيخيب ظنهم سريعاً، «لا
سلام قال الرب للأشرار» (إش48:22) «وأن يقتل بعضهم بعضاً» أي حروب أهلية. «وأُعطي
سيفاً عظيماً» – فليس قوساً بل سيفاً، أي ليست حروباً عن بُعد بل قتالاً بالسلاح
الأبيض. ويقال عن السيف إنه سيف عظيم لأن القوات المتعاركة متعادلة والصرعى مئات
الآلاف. هنا نري ما بات العالم كله يشكو منه اليوم؛ الإرهاب والاضطرابات الداخلية
والحروب الأهليه! ما أفظع هذا وما أشد أهواله!! كم انتشر حولنا في بلدان العالم
المختلفة، صورة لما سيعم العالم كله بعد الاختطاف. فهل تتعظ الناس؟!

 

ولما
فُتح الختم الثالث «إذا فرس أسود»، واللون الأسود هو دلالة الجوع كقول إرميا
«جلودنا اسودت كتنور من جري نيران الجوع» (مرا 5:10،4:8). «والجالس عليه معه ميزان
في يده»، والميزان دلالة على ندرة الموجود كما ورد في حزقيال 4:16 «هاأنذا أكسر
قوام الخبز فيأكلون الخبز بالوزن» وما هو مدي تلك المجاعة؟ «ثُمنية قمح بدينار» –
والثمنية هي قوت فرد واحد في اليوم. والدينار هو أجر العامل في اليوم (مت20:2)؛
فكل أجر العامل يذهب في أن يسد رمقه بالخبز فقط، فماذا بالنسبة لأسرته وما فيها من
أطفال ونساء وشيوخ؟ سيضطر العامل في هذه الحالة لأن يتجه إلى أرغفة الشعير التي لا
تؤكل في الوقت الحالي، لكنها ستؤكل في تلك الأيام، ليتقاسمها مع أسرته بالكاد لكي
يقي نفسه بالكاد غائلات الجوع الشديد، «ثلاث ثماني شعير بدينار».

 

وبينما
المجاعة تطحن الفقراء طحناً سيظل الأغنياء في رفاهيتهم لا يشعرون بشيء «أما الزيت
والخمر فلا تضرهما» -وهذا تكرار أكبر لما حدث قبيل الثورة الفرنسية عندما قالوا
للملكة إن الشعب لا يجد الخبز، فقالت: ولماذا لا يجربون البسكويت!

 

ولما
فُتح الختم الرابع «إذا فرس أخضر (أو شاحب
Pale) والجالس عليه اسمه الموت، والهاوية تتبع معه». فختام هذا الرباعي
هو الأوبئة المشار إليها بهذا الفرس الشاحب لتحصد بالموت الآلاف والملايين «وأعطيا
سلطاناً على ربع الأرض أن يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض».

 

ونلاحظ
أن ترتيب الحوادث كما ذكرناها الآن هو عين ما نطق به سيدنا في متى 24 «فإن كثيرين
سيأتون.. قائلين أنا هو المسيح» (ع 5)، وهذا يتمشي مع الختم الأول. «وسوف تسمعون
بحروب وأخبار حروب… لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة» (ع6،7)، وهذا هو
الختم الثاني. «وتكون مجاعات» (ع7)، وهذا هو الختم الثالث. «وأوبئة وزلازل في
أماكن» (ع7)، وهذا هو الختم الرابع. «ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع» (ع8).

 

الناس
اليوم يقولون سلام سلام، لكن السيف آت.

الناس
اليوم يحلمون بالرخاء والوفرة، لكن المجاعات آتية.

الناس
يتوهمون بأنهم انتصروا على الأمراض، لكن الأوبئة قادمة.

الناس
يحتجون لصالح الحيوان، وحقوق الحيوان! ناسين حقوق الله، لكن الحيوانات المفترسة لن
ترحم أولئك الناسين الله.

 

وعندما
نقارن هذا الرباعي بالمسيح له المجد كما نقرأ عنه في الأناجيل الأربعة نجد أن
الكائن الحي الأول؛ الذي يشبه الأسد هو الذي دعا تلك الشخصية الأثيمة للخروج. لقد
رفضوا المسيح الملك (كما يحدثنا عنه متى ) وسيقبلون ذلك المزيف، فإن من يرفض
«المسيح الرئيس» سيقبل «رئيساً آتياً» (قارن دا9:25،26).

 

والكائن
الحي الثاني الذي يشبه العجل هو الذي دعا الفرس الثاني للخروج. لقد رفضوا المسيح
الخادم الصبور (كما قدمه لنا إنجيل مرقس)، الذي جاء لا ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل
نفسه فدية عن كثيرين (مر10:45)، فكانوا بذلك كمن ينتحرون، إذ سيُنزع السلام عن
الأرض!

 

أما
الكائن الحي الثالث الذي له وجه إنسان فيحدثنا عن المسيح كما ورد في إنجيل لوقا.
فالذين رفضوا ذاك الذي حدثهم عن الوليمة العظيمة ودعوته للمساكين (لو14)، سيكون من
نصيبهم المجاعات القاسية في الحياة الحاضرة، وفي الأبدية أيضاً!

 

وأخيراً
فإن الكائن الحي الرابع الذي هو مثل النسر الطائر يحدثنا عن المسيح كما ورد في
إنجيل يوحنا، فأولئك الذين رفضوا المسيح الذي أتي ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل،
لن يبقي أمامهم سوي «الموت، والهاوية نلاحظ أن الهاوية ترد في الكتاب دائماً
بالارتباط بالموت (هو13: 14، 1كو 15: 55، رؤ1: 18، 6: 8، 20: 13،14،…) مما يعطينا
الانطباع أن الهاوية حالة وليست مكاناً. فكما أن الموت هو حالة الأجساد بدون
الأرواح، فإن الهاوية هي حالة الأرواح بدون الأجساد. ولهذا فإن القراءة الدقيقة
هنا أن الهاوية تتبع مع الموت، وليست تتبع الموت. تتبع معه» !

 

ثم
يواصل السيد كلامه عما سيحدث أيضاً في مبتدأ الأوجاع بما يتمشى مع الختم الخامس
فيقول «حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي».
والكلام هنا عن المؤمنين الأمناء من الشعب القديم، لأن الكنيسة وقتها ستكون قد
اختطفت إلى بيت الآب. «حينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم
بعضاً» – لذلك عند فتح الختم الخامس لا نجد صرخة أحد الكائنات الحية تأمر بضربة
جديدة على العالم، بل نسمع الصرخة من أولئك الشهداء الذين قتلوا من أجل كلمة الله
ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم، ويوجهون الصرخة لا إلى أحد راكبي الخيل بل إلى
الله «حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على
الأرض؟» -إنهم شهداء النصف الأول من الأسبوع الأخير لأسابيع دانيال السبعين (دا9:27)
أي في فترة الثلاث سنين ونصف الأولى التي هي «مبتدأ الأوجاع».

 

لذلك
في الختم السادس نجد الرد الفوري من السماء على صرخة أولئك الأمناء الشهداء «أفلا
ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً؟!» (لو18:7) إن الله يبقي على نظم
الحكم المختلفة لخير قديسيه الذين يصلُّون لأجل الحكام وجميع الذين هم في منصب
كيما نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوي ووقار (1تي 2:2) ولكن عندما ترحل الكنيسة،
ويصلي القديسون الباقون على الأرض، لا لأجل سلامة الحكام -كما هو حادث الآن- بل
لانتقام السماء منهم، فما الذي نتوقعه؟ إن الذي سيصرخ في هذه المرة هم ملوك الأرض
والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر.

 

ما
الذي حدث هذه المرة؟! كيف دارت الدائرة عليهم؟! إن هذه الفئات لم تشعر بوطأة كل
الضربات السابقة، بينما الضربة في هذه المرة ستتركز عليهم! نعم فهل دماء المؤمنين
رخيصة كما ظنها أولئك الحكام الظالمون ؟ أو ليس عزيزاً في عيني الرب موت أتقيائه (مز116:15)
؟! لذا فإن القوي التي اضطهدت القديسين سيفتقدها الله بالقضاء، وستقوم الشعوب
بثورات ضدهم، والجزاء من جنس العمل.

 

وتجميعاً
للحوادث الني ذكرناها الآن نقول:لقد جاء ذلك الرئيس الروماني فجاء معه الرجاء
والأمل في إصلاح الأوضاع المتدهورة وإعادة السلام. لكن ما لبث أن جاءت الاضطرابات
أشد مما كانت، بل قامت الحروب الأهلية فأهملت الزراعة والتجارة ونهبت المحال، ومن
ثم حدثت المجاعات الرهيبة، فزادت الفوارق بين الطبقات. ثم جاءت الأوبئة وانتشرت،
ساعدها على ذلك سوء التغذية وأضيف إلى كل ذلك الزلازل، ثم أرسل الله أيضاً وحوش
الأرض!! نتيجة كل ذلك انفجر الوضع وثارت الطبقات الفقيرة المحرومة على الطبقات
الغنية المتنعمة، ثورة شعبية انتقموا فيها من كل الأغنياء وذوي السلطة، مثل الثورة
الشيوعية التي قامت في روسيا انتقاماً من ظلم القياصرة، فإن التاريخ يعيد نفسه،
وكما قال هيجل الفيلسوف «التاريخ يعلمنا أن الإنسان لم يتعلم شيئاً من التاريخ».

 

فالزلزلة
المذكورة عند فتح الختم السادس ليست مجرد زلزلة طبيعية لا نستبعد طبعاً أن تكون
هناك زلزلة طبيعية أيضاً، استنادا إلى ما أشار إليه الرب في متى 24: 7. بل هي
زلزلة أخطر في كل البنيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي (تمشيا مع الطابع الرمزي
للسفر) حتى لم يعد أحد كبيراً أو صغيراً يأمن على نفسه.

 

فالشمس
والقمر والنجوم، التي رتبها الله لحكم النهار والليل (تك1:16- 18) تشير إلى الحكام
على اختلاف درجاتهم من رؤساء ووزراء ومحافظين، هذه أظلمت وسقطت إلى الأرض.

 

والسماء
التي تشير إلى الهيئة الدينية والروحية، «انفلقت كدرج ملتف في دانيال 12: 3 نقرأ
أن الفاهمين يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد
الدهر. أما هنا فنري الصورة العكسية تماماً، فاختفي الضياء من السماء. في دانيال
يحدثنا عن «الذين ردوا»، أما هنا فعن الذين ارتدوا.» أي سفر مطوي.

 

وكل
جبل؛ إشارة إلى الأشخاص ذوي المراكز والمفكرين الذين لهم الوزن في الهيئة
الاجتماعية، تزحزح من موضعه.

 

وكل
جزيرة؛ إشارة إلى ذوي الثروة ورجال التجارة والاقتصاد، أو قد تشير إلى البنوك –
«تزحزح من موضعه» (إشارة إلى انهيار البنوك وإفلاسها)، مما يدل على تزعزع البنيان
الاقتصادي.

 

هذا
كله حدث فلم يعد أحد يأمن على نفسه لا من الساسة المرموقين، أو رجال الدين
المحترمين، أو المفكرين البارزين، أو رجال الأعمال الناجحين.. لدرجة أن الناس
اعتبروا أن هذا هو يوم غضب الخروف العظيم مع أن هذا كله «مبتدأ الأوجاع»!!

 

طالما
وجّه الروح القدس نصيحته للحكام بأن يُقِّبلوا الابن لئلا يغضب، دون جدوى. وقال
لهم «عن قليل يتقد غضبه» (مز2:12)، فسدوا آذانهم، وانصرفوا لحال سبيلهم. ها قد جاء
الغضب فعلاً، ومن يستطيع الوقوف ويالها من سخرية أن الأصحاح الذي تمني البشر في
بدايته السلام والأمان، يختم بالهلاك بغتة ولا نجاة (1تس5:3). حق لهم أن يقولوا
مرثاة إرميا الأسيفة «مضي الحصاد وانتهي الصيف ونحن لم نخلص» (إر8:20)

 

يتوقف
الرب عن الاسترسال في هذا الحديث. فقبل فتح الختم السابع وبالتالي فتح السفر الذي
هو صك ملكية الرب لكل ما اقتناه له المجد بدمه الغالي، ذلك الختم الذي هو في ذاته
مقدمة للأبواق السبعة وما تتضمنه من دينونة رهيبة، فإن الرب يأتي مقدماً بمشهد
رحمة وسط مشاهد الغضب (حب3:2). إن سرور الرب الحقيقي هو في الرحمة لأن القضاء هو
فعله الغريب (إش 28:21). وفي وسط العواصف والأمطار الشديدة كم ينعش القلب ظهور قوس
القزح في السحاب، فلن يهلك كل بشر بل هناك بقية ستخلص بالرحمة من اليهود والأمم من
المهم أن نلاحظ أنه في الوقت الحالي لا يفرق الله بين اليهود والأمم، بل إنهما معا
يكونان إنساناً واحداً جديداً (أف2: 11-22). أما بعد اختطاف الكنيسة، عندما يغلق
الباب نهائياً في وجه المسيحيين بالاسم، سيخلص الرب أشخاصاً من كل من اليهود
والأمم، وسيعود التمييز بينهما كما كان قبلا.. لذا نجد ملاكاً آخر طالعاً من مشرق
الشمس معه ختم الله الحي، يأمر الملائكة الأربعة الذين أعطوا أن يضروا الأرض
والبحر بأن لا يفعلوا حتى يتم ختم الأمناء على جباههم. فقبل القضاء سيتم ختم
المختارين للدلالة على حفظهم (حز9:4-6). وكم هو جميل أن من الأسباط الاثني عشر
هناك ناجون. ومع أننا نرجح أن العدد المذكور (وهو 12000 من كل سبط) هو عدد رمزي
سبب اعتقادنا هذا هو ما يقدره الوحي في أماكن أخري أن عدد المخلصين من هذا الشعب
سيكون جيشا عظيماً جداً جداً (حز37: 10 قارن مع 1 أخ 12: 22، مز110: 3).، إلا أن
الحقيقة مؤكدة. فتلك العظام اليابسة التي رآها النبي حزقيال في يومه من كان يظن
أنها تقوم وتحيا. لكن هذا ما لابد أن يحدث كما قال له الله القادر على كل شي ء
(حز37). على أنه ليس من اليهود فقط، ولا من الأسباط الاثني عشر فحسب، بل أيضاً من
كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة «جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده» (ع9).

 

إذاً
فهذا الفصل يحدثنا عن ناجين من اليهود ومن الأمم. ولكي يلفت الوحي نظرنا إلى تميز
هذين الفريقين نري أن عبارة «بعد هذا» ترد في فاتحة كل قسم من هذين القسمين (ع1،
9). الفريق الأول يصور لنا أمانة الله، فعدم أمانة هذا الشعب لا تبطل أمانته هو من
جهتهم (رو3:3،4و 11:25-29). والفريق الثاني يصور لنا حكمة الله الذي أمكنه أن يخلص
هذا العدد الضخم الهائل من كل الشعوب، في زمن ردئ كهذا هو زمان إثم النهاية، وفي
أيام معدودة وقليلة هي أيام الضيقة العظيمة المقصَّرة. والفريقان معاً يصوران قوة
الله الذي حفظ هؤلاء وأولئك رغم اضطهاد الوحش والنبي الكذاب لهم، ومن ورائهما
الشيطان ببطشه وشراسته.

 

ولهذا
فإنه عندما كانت لدى يوحنا في (ع 13) استفسارات داخلية لم يفصح عنها، فإن واحداً
من الشيوخ أجابه عليها بأن هؤلاء المتسربلين بالثياب البيض هم الذين يأتون من
الضيقة العظيمة – إنهم والفئة السابقة من اليهود يكونان معاً رعايا الملك الألفي،
وهم يشبهون إلى حد ما الفريقين المذكورين في متى 25. الفريق الأول هم إخوة الرب
الأصاغر من اليهود، والفريق الثاني هم الخراف الذين عن اليمين من كل الشعوب. هؤلاء
وأولئك سيدخلون الملك الأرضي بأجسادهم الطبيعية مكونين ما نقرأ عنه في أماكن أخري
من الكتاب «ملكوت ابن الإنسان» (مت13:41). لذا نجدهم هنا يحتاجون لأكل وشرب
والخروف نفسه سيحل فوقهم للرعاية. وما أجمل هذا؛ فهو ليس فقط الحمل الذي ذُبح
لأجلهم (ع14)، بل أيضاً هو الراعي المهتم بأمورهم (ع17). وطبعاً ستتغير أجساد
هؤلاء القديسين الطبيعية إلى أجساد روحانية بعد الألف السنة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي