الإصحَاحُ
التَّاسِعُ – الإصحَاحُ الْعَاشِرُ

 

يحدثنا
عن البوقين الخامس والسادس كالآتي:

 

البوق
الخامس – أو الويل الأول:أعوان النبي الكذاب

«كوكب
كان قد سقط من السماء إلى الأرض» – هو ذاك الذي رأيناه في البوق الثالث «وأعطي
مفتاح بئر الهاوية ففتح بئر الهاوية فصعد دخان… عظيم فأظلمت الشمس والجو». فهنا
سيأخذ هذا الشخص صفته كالنبي الكذاب وسرعان ما يبث تعاليم فاسدة تسمم الجو وتفسده
وتظلمه. ومن وسط هذه الظلمة الروحية يخرج جراد على الأرض، ويتميز الجراد بكثرته،
وهكذا سيكون أتباع ذلك النبي الكذاب كالجراد في الكثرة (قض6:5). وجيوش الجراد إذا
أتت على أشجار شارقة ناضرة في حقل كبير، يكفيها خمس عشرة دقيقة فقط حتى تجعلها
جرداء تماماً بدون ورقة واحدة للتنفس، وهكذا جيوش النبي الكذاب لن يتركوا فضيلة
واحدة في البشر، ولا مجالاً واحداً للتنفيس عن النفس. «وقيل (للجراد) أن لا يضر
عشب الأرض ولا شيئاً أخضر ولا شجرة ما إلا الناس فقط الذين ليس لهم ختم الله على
جباههم» فهم ليسوا جراداً انظر الملحق "تساؤلات خارج المحاضرات"، السؤال
رقم9 حرفياً يتغذى على النبات بل على البشر. وهؤلاء الأتباع يشبّهون أيضاً
بالعقارب لأن العقارب غالباً لا تقتل من تلدغه بل تعذبه عذاباً يكون الموت أهون
منه. هكذا هنا سيتمنى الناس الموت ليرحموا من الضياع وعذاب الضمير، لكنهم لن
ينالوه ربما يتمنون موت الارتداد، أي إبعاد الله تماماً عن فكرهم فلا يستطيعون،
مما سيسبب لهم عذاباً نفسياً كبيراً وانفصاماً في الشخصية؛ ففي داخلهم أصوات تنادي
بحق الله ودينونته! (قارن إر8:3، أي 3:21)، بل سيعذبون خمسة أشهر (أي لفترة زمنية
تعبر عن طاقة البشر وأيضاً المسئولية؛ وهذه دلالة الرقم 5).

 

سيكون
للنبي الكذاب في فترة الضيقة العظيمة أعوان ورسل، جراد متعقرب، يبثون سمومهم في كل
الأماكن. وبالأسف سينجحون في تحويل كل العالم إلى عبادة الوحش والنبي الكذاب كقول
المسيح «أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني إن أتي آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه»
(يو5:43).

 

ثم
يرد بعد ذلك وصف رسل الضلال هؤلاء فيقول إنهم جيش يتقدم بسرعة لا تقهر «شبه خيل
مهيأة للحرب». ولهم الصورة الملكية «على رؤوسها كأكاليل شبه الذهب» عن هذا الأمر
يقول دانيال «من يعرفه (أي يعرف النبي الكذاب أو بعبارة أخرى أعوانه) يزيده مجداً
(أي يعطيهم مناصب ومراكز) ويسلطهم على كثيرين (كملوك) ويقسم الأرض أجرة (مكافأة
على ولائهم له)» (دا11:39). لكن سلطانهم وملكهم ليس إلا زيفاً ووهما لأنهم يتبعون
المسيح الكذاب. لاحظ التشبيه المزدوج «كأكاليل شبه الذهب يذكر دانيال أنه بعد
المجد الوقتي الذي سيعطيه النبي الكذاب لأتباعه، سيكون مصير هؤلاء «العار للازدراء
الأبدي» (دا12: 2)! يا له من مجد كاذب خادع يعطيه الشيطان لأتباعه! ويالمأساة من
يتبعونه؛ مجد وقتي، وعار أبدي !».

 

ويؤكد
أنهم بشر «وجوهها كوجوه الناس» وفي الترجمة الانجليزية يقول وجوهها كوجوه الرجال،
أي لهم مظهر التسلط، لكنهم في حقيقتهم خاضعون وتابعون لرئيسهم النبي الكذاب. وهذا
الخضوع يشار إليه بالقول «كان لها شعر كشعر النساء وجوه الرجال وشعر النساء!! ألا
تقابلنا هذه الصورة البشعة كثيراً! إنها نفس صورة أعوان النبي الكذاب.»، فالشعر
للمرأة علامة الخضوع لسلطان أعلى منها (قارن 1كو11:15). ولا عجب فرئيسهم وقائدهم
هو ملك، لكنه خاضع للرئيس الروماني (رؤ13:12-17)، وهو إله، لكنه «يكرم إله الحصون»
(دا11:36-38).

 

ثم
يتحدث عن وحشيتهم وإمساكهم صيدهم بقوة فيقول «وأسنانها كأسنان الأسود». ثم عن قسوة
ضمائرهم وتبلدها يقول «ولها دروع كدروع من حديد». ثم عن اليأس الذي سيصيب من يقع
تحت تأثيرهم فيقول «وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرة تجري إلى قتال» فلا أمل
للنجاة منهم.

 

أما
ملكهم فهو ملاك الهاوية، واسمه بالعبرانية أبدون وباليونانية أبوليون، وكلا
الاسمين يعني المهلك. فالذين رفضوا "يسوع" المخلص، لن يبقي أمامهم سوي
قبول المهلك، ذاك الذي مجيئه بعمل الشيطان. والذين رفضوا الذي «جاء لكي يطلب ويخلص
ما قد هلك»، وقالوا له «امض من تخومنا» سيكونون أسوأ حالاً من الخنازير التي أغرقت
في بحيرة طبرية (مر5)، إذ سيطرحون في بحيرة النار!

 

ولقد
أعطي اسم ذلك الملاك أولاً بالعبرانية ثم باليونانية، لأنه في المقام الأول مرتبط
باليهود (دا11:36، 37)، فهو منهم وهو ملكهم، وسيذيقهم عذاب العقارب – لكن تأثيره
أيضاً سيمتد ليشمل المسيحية الاسمية (2تس2). فالاسم الأول يشير إلى ما سيفعله في
اليهود المرتدين، بينما الاسم الثاني يشير إلى ما سيفعله في المسيحيين المرتدين
هذا النبي الكذاب حسبما ورد عنه في دانيال 11: 36- 39 لا يبالي بآلهة آبائه (في علاقته
باليهود؛ الذين لهم إله الآباء)، ولا بشهوة النساء (أي المسيح؛ الذي كانت كل نساء
اليهود يتمنون أن يولد منهن)، وذلك في علاقته بالمسيحيين. وهو بحسب 1يوحنا2: 22،23
ينكر أن يسوع هو المسيح (هذا هو موقف اليهود غير المؤمنين)، كما ينكر الآب والابن
(وهو موقف المسيحيين المرتدين)..

 

البوق
السادس أو الويل الثاني:

إن
كان الويل الأول يهودياً أكثر في طابعه، فإن هذا الويل موجه أساساً إلى الغرب
المسيحي المرتد. لهذا نجد إشارة من جديد إلى الثلث. وهناك ارتباط بين هذا البوق
والبوق الخامس، يمكن تلخيصه في قول الملاك جبرائيل لدانيال «وعلي جناح الأرجاس
مخرِّب» (دا9:27). فالأرجاس هي العبادة الأصنامية التي سينشئها النبي الكذاب في
هيكل الله، وسوف يحميه في ذلك الزعيم الغربي، أي الوحش. ولأنه سيحمي هذه الديانة
الأصنامية بموجب معاهدات يبرمها فإنه يسمي «جناح الأرجاس» -ما أبعد الفارق بين
جناح الأرجاس وبين جناحي الدجاجة الحانية اللذين كان بهما يريد ربنا يسوع أن يحمي
هذا الشعب من الخطر الذي كان محدقاً بهم، من النسر (إمبراطور روما). لكنهم إذ لم
يعرفوا ما هو لسلامهم أتت عليهم سنة 70 م أبشع مجزرة عرفها التاريخ. وأمامهم أيضاً
جناح الأرجاس الذي سيلجأ ولاة هذا الشعب قريبا للاحتماء به ليحميهم من ملك الشمال
(إش28) لكن ملك الشمال سيدوسهم وسيرسل الله المخرب ليخرب حاميهم، كما نري في هذا
البوق.

 

فإن
صوتاً مشتركاً سيصدر من أربعة قرون مذبح الذهب، الذي هو نفسه مذبح البخور. ونحن
نعلم أنه في هذه الفترة سيتوقف تقديم البخور والمحرقات في الهيكل لأن كل العبادة
ستكون موجهة إلى النبي الكذاب وإلى صورة الوحش الموجودة في الهيكل؛ إذ سيبطل الوحش
(أي امبراطور روما) الذبيحة والتقدمة (دا9:27)، تلك الذبيحة التي يؤخذ من دمها
ويرشونه على أربعة قرون مذبح الذهب (خر30:10)، وإذ لا يوجد دم مرشوش على قرون
المذبح سيخرج صوت من هذه القرون ينادي بالانتقام، ليفك الأربعة الملائكة المقيدين
في أصحاح7 نقرأ عن أربعة ملائكة أطهار يحجزون توقيع الغضب حتى يتم ختم الأبرار
لحفظهم، وهنا نقرأ عن أربعة ملائكة أشرار يحلون بغرض توقيع القضاء على الأشرار
لإهلاكهم. عند النهر العظيم الفرات ( نهر الفرات هو الحدود الطبيعة للامبراطورية
الرومانية في الشرق قديماً من جهة، كما أنه الحدود الشرقية لأرض الموعد (تك 15:
18) من الجهة الأخرى.) ويري البعض أن فك الملائكة المقيدين عند نهر الفرات (البوق
السادس) وكذا تنشيف النهر (الذي هو رمز السلام) في الجام السادس يعني الأمر بترحيل
قوات حفظ السلام الدولية التي ستكون مرابطة في منطقة الخليج الساخنة. ويكون
ترحيلها، كما حدث في الحرب مع اسرائيل عام 1967، إيذاناً ببداية الحرب، إذ تنساب
جيوش جرارة من الشرق إلى إسرائيل، لكنها توجه نشاطها إلى جيوش التحالف الأوربي، أي
جيوش الوحش. وإذ ذاك ستنساب جيوش جرارة إلى إسرائيل لكنها ستوجه نشاطها التخريبي
إلى جيوش الامبراطورية الغربية التي ستكون وقتها هناك لتحمي العبادة الوثنية.
ولذلك نقرأ في هذا البوق عن الثلث «يقتلوا ثلث الناس».

 

وعدد
هذا الجيش الذي سيأتي من الشرق خطير جداً «مئتا ألف ألف». وهذا العدد الهائل مزود
بأسلحة الكترونية معقدة، بالإضافة إلى أسلحة ذرية ونووية، توصف في الرؤيا بالقول
«لهم دروع نارية وأسمانجونية وكبريتية. ورؤوس الخيل كرؤوس الأسود ومن أفواهها تخرج
نار ودخان وكبريت، ومن هذه الثلاثة قتل ثلث الناس من النار والدخان والكبريت
الخارجة من أفواهها».

 

آه ما
أرهب ما ينتظر أولئك الذين احتقروا الحجر الكريم، ابن الله الحي، وظنوا أنهم في
أمان إذا احتموا بالإنسان. سيكتشفون لكن بعد فوات الأوان «أن الفراش قد قصر عن
التمدد، والغطاء ضاق عن الالتحاف، عندما يقوم الرب يسخط ليفعل فعله، فعله الغريب»
(إش 28:14-22).

 

في
الضربة السابقة (البوق الخامس) رأينا العقارب المؤذية أما هنا فنري الحيات
القاتلة. في الضربة السابقة رأينا الشيطان باعتباره الكذاب، ملك جيوش النبي
الكذاب، أما في هذه الضربة فنراه باعتباره القتال للناس من البدء «وأما بقية الناس
الذين لم يقتلوا بهذه الضربات فلم يتوبوا عن أعمال أيديهم حتى لا يسجدوا للشياطين
وأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب التي لا تستطيع أن تبصر ولا تسمع ولا
تمشي، ولا تابوا عن قتلهم ولا عن سحرهم ولا عن زناهم ولا عن سرقتهم».

 

«لم
يتوبوا»! نعم فلن يبقي للتوبة مكان في قلوبهم لأنه «جاء العريس والمستعدات دخلن
معه إلى العرس، وأغلق الباب» (مت 25:10).

 

«يسجدوا
للشياطين»! ألم نسمع فعلاً عن عبادة الشيطان، ليس فقط في الغرب المستبيح المرتد،
بل حتى في بلادنا المحافظة بطبيعتها. لقد أعلن رئيس كهنة كنيسة الشيطان في سان
فرانسسكو بأمريكا "أنطون لافاي " أن عصر الشيطان قد بدأ في عام 1966.
ولعلنا كلنا سمعنا كيف تقترن بهذا السجود للشياطين طقوس دينية مريبة وأفعال فاضحة
دنسة، يلخصها هذا الرباعي الشرير:قتل وعقاقير وزني وسرقة!

 

«ولاتابوا
عن قتلهم»:وها نحن نري الارتفاع الرهيب لمعدلات القتل. وبالإضافة إلى سبب القتل
الرئيسي وهو الكراهية والبغضة، هناك أيضاً القتل المرتبط بالمخدرات أو بالزنى أو
بالسرقة!

 

«ولا
عن سحرهم»:والكلمة في الأصل اليوناني هي
pharmakia والتي منها جاءت الكلمة الإنجليزية pharmacy أي عقاقير. والمقصود هو استخدام العقاقير المنتشرة الآن في كل
محافل السجود للشياطين وما على شاكلتها.

 

«ولا
عن زناهم»:وبالإضافة إلى صور الزنى التقليدية وانتشارها الرهيب نظراً لضياع القيم
والأخلاق، فهناك أعداد هائلة في الغرب من الرجال والنساء يعيشون معاً خارج رباط
الزوجية المقدس، وبعضهم ينجب الأولاد.

 

«ولا
عن سرقتهم»:سواء تلك المنسوبة إلى الفقراء أو إلى المليونيرات؛ سواء السرقات
التقليدية أو الاختلاسات والهروب من البلاد بالثروات.

 

بعد
هذا يقطع الرب هذا المشهد القاتم بمشهد آخر حلو فيه تظهر أمانة الرب نحو الأمناء
على الأرض. وها قوس القزح يظهر من جديد فاصلاً بين الويل الثاني والثالث، معلناً
أن الرب لا زال مهتماً بهذه البقية الأمينة على الأرض، كما ولازال متمسكاً بحقه في
الأرض. وفي هذا المشهد نجد الملاك الآخر، الذي قرأنا عنه في أصحاح 8، ينزل ويضع
رجله اليمني على البحر واليسرى على الأرض. ووضع الرجل هو تعبير عن الامتلاك (كما
نفهم من يشوع 1:3). ووصف الرب المذكور في هذا المشهد ينطبق على وصفه عند ظهوره.

 

ويرتبط
مع هذا الظهور للرب الصراخ بصوت عظيم. وبعدما صرخ تكلمت الرعود السبعة بأصواتها.
لكن الرائي وهو مزمع أن يكتب ما تكلمت به الرعود أُمِر ألا يكتب. مما يدل على أن
هناك بلايا ومصائب سوف تحدث في العالم لم تُذكر في هذا السفر. فحتى في الدينونة
«النصف لم نخبر به»، على حد تعبير ملكة سبا لسليمان (1مل 10:7).

 

وكان
مع الرب سفر صغير؛ هو سفر نبوات العهد القديم. وسمي سفراً صغيراً لأن ما يحتويه من
نبوات مشهدها الأرض ومدتها الزمان (فلا السماويات ولا الأبدية تدخل في نطاقها).
وأقسم بالحي إلى أبد الآبدين أن لا يكون زمان ليس أن الزمان سينتهي، لأنه بعد مجيء
المسيح إلى الأرض سيظل هناك ألف سنة. بل إن أناة الله قد انتهت. بعد. بمعنى لا
يكون تباطؤ ولا تأن أو إمهال بعد. كما قال الرب في متى 24 إنه «لو لم تُقصَّر تلك
الأيام»، فكأن تخطيط الرب أن هذه الأيام لا تطول بل يقصرها، لذا يقول «بل في أيام
صوت الملاك السابع متى أزمع أن يبوق يتم أيضاً سر الله كما بشر عبيده الأنبياء»
-أي يتم سر الله في احتمال الشر والأشرار؛ هذا السر الذي أعلنه الله هناك في الجنة
عن الصراع بين الخير والشر، متمثلاً في الصراع بين نسل المرأة ورأس الحية. لكن
قريباً جداً، كما أقسم الرب هنا «أن لا يكون تباطؤ بعد»، سينهي الرب صبره على
الشر. لَكَمْ تعثر الكثيرون واحتار حتى المؤمنين بسبب طول احتمال الرب للشر (أي 21:6-
15، مز 73، إر12:1، 2،.. إلخ) لكن هنا يقول الرب «لا تباطؤ بعد»

 

ويوحنا
أكل هذا السفر الصغير الذي كان مع الملاك كما أمره. فصار جوفه مراً رغم أنه كان في
فمه حلواً. وهكذا بالنسبة لنا إذ بينما نتأمل فيما سيتم عن قريب نفرح لأن سيدنا
سيتمجد وسنتمجد نحن معه، لكننا نحزن ونبكي على أولئك الرافضين الذين لا يعرفون
ماذا ينتظرهم نتيجة رفضهم المسيح بإرادتهم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي