الإصحَاحُ
الْحَادِي عَشَرَ

 

في
أصحاح 11 نجد الرب مشغولاً بالبقية الأمينة من شعبه الأرضي. لأنه بدخول ملء الأمم
تكون القساوة الجزئية لإسرائيل قد انتهت. وهنا الرب يعود من جديد للتعامل مع شعبه.
والجو في هذا الأصحاح كله يهودي، الأمر الذي نستدله من التمييز بين اليهود والأمم،
ومن الإشارة إلى مدينة أورشليم (ع2، 8)، والهيكل لما كتب يوحنا سفر الرؤيا (بعد
سنة90 م) كان الهيكل في أورشليم قد دُمِر. فهو إذا يقصد الهيكل الذي سيُبني في
أورشليم، على الأرجح، بعد الاختطاف. والدار الخارجية والمذبح، وكذا من الانتقام من
الأعداء (ع5،6،10). ويوحنا يعطى قصبة شبه عصا – والقصبة تستخدم للقياس صورة للحفظ
والامتلاك، كما أن العصا رمز للقوة يمكن أيضاً القول إن الرب بعد الاختطاف سيعود
للاعتراف بشعبه (قصبة القياس)، لكن هذا الاعتراف ليس للبركة بعد، بل للتأديب أولا،
وهذا هو مدلول العصا.. فبقوة الله ويده المخفية عن الناس ستحفظ البقية. لذا يُسمع
القول «قس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه» إشارة للأمناء المؤمنين من الشعب
القديم. فكما أننا في المشهد المتوسط بين الختم السادس والسابع رأينا ختم الأمناء
على جباههم، نري هنا بين البوق السادس والسابع قياس الهيكل والمذبح والساجدين.
والختم والقياس كلاهما يفيد الملكية «يعلم الرب الذين هم له». «أما الدار التي
خارج الهيكل (إشارة لمجرد المعترفين فقط – وهم الأكثرية من اليهود الذين سيتبعون
النبي الكذاب) فاطرحها خارجاً ولا تقسها».

 

وفي
هذه الأيام سيقيم الرب شهادة له من عدد كبير من الشهود الأمناء مرموزاً لها هنا
بالشاهدين (والرقم 2 هو رقم الشهادة -يو8:17، 2كو13:1،… إلخ). وطابع اضطهاد
الأمناء الذي ميز كل فترة أزمنة الأمم من بدايتها (قارن دا2، 3، 6)، سيبلغ هنا
ذروته. ومع قدر إحساس الشاهدين بالاضطهاد من الأشرار فإنهم سيحسون أكثر بانحراف
الأمة وشرها، الأمر الذي يستلزم التوبة ستكون شهادة الشاهدين في المدينة المقدسة،
أي أورشليم. لكن التي تدعى روحياً سدوم ومصر – في سدوم نرى الفساد من الداخل، وفي
مصر القسوة من الخارج. في سدوم النجاسة وفي مصر الوثنية. سدوم تعطي صورة للجسد في
إباحيته، ومصر تعطي صورة للعالم في اضطهاده لشعب الله.

 

ولهذا
فإنهما في مواجهة الغرور الإسرائيلي والزهو والعجب سيلبسان المسوح، داعين الأمة
إلى التوبة. ولا شئ آخر بديلاً عن التوبة يطلبه الله سواء من الفرد الخاطئ أو من
الأمة الخاطئة. وعلي الرغم من ظروف الشهادة الصعبة في تلك الأيام، لابد للشاهدين
أن يتمما شهادتهما. ثم يكون آخر عمل شرير للوحش اسم " الوحش " يرد في
سفر الرؤيا 36 مرة (6×6). هنا ترد المرة الأولى. وعندما يقول عن الوحش إنه صاعد من
الهاوية فللإشارة إلى مصدره الشيطاني الجهنمي. الصاعد من الهاوية أن يصنع معهما
حرباً. لكن ستتضح مصداقية قول الرب للأمناء في تلك الفترة «لأن من يمسكم يمس حدقة
عينه» (زك2:8). ولهذا فإن الرب بعد هذه الجريمة من الوحش سيلقيه حياً في بحيرة
النار كما سنرى. ومع أن الوحش سيغلبهما ويقتلهما، وتكون جثتاهما (معلقتين) على
شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحياً سدوم ومصر حيث صُلب ربهم أيضاً أعتقد أن
الإشارة «حيث صلب ربهم أيضاً» تربط بين ما فعله الأشرار بالمسيح في يومه، وما
سيفعلونه بالشاهدين في يومهما. فما لم يقدروا أن يفعلوه بالمسيح سيفعلونه بهذين
الشاهدين. فهم لم يقدروا أن يبقوا جسد المسيح معلقاً على الصليب، حرصاً على
المشاعر الدينية لليهود المجتمعين في المدينة المقدسة من كل أرجاء العالم «لأن يوم
ذلك السبت كان عظيماً» (يو19: 31)، لكنهم سيفعلون ذلك مع الشاهدين. أما مشاهدة
الشعوب والقبائل والألسنة والأمم لهما فربما يتم بواسطة شبكة الإنترنت. والرب سيجعل
غضب الإنسان يحمده، إذ بذلك سوف يشاهد قيامتهما كثيرون، كما سيشاهدون صعودهما إلى
السماء حيين.، ويفرح هذه هي المرة الوحيدة التي ترد فيها كلمة تعبر عن الفرح طوال
هذه السنين العصيبة، لكن إلى كم من الزمن سيستمر فرحهم هذا؟ إن الثلاثة الأيام
والنصف ستمضي سريعاً؛ كحلم، وعند التيقظ سيحتقر الرب خيالهم. نعم «أما علمت هذا
منذ القديم؛ منذ وضع الإنسان على الأرض، أن هتاف الأشرار من قريب وفرح الفاجر إلى
لحظة» (أي 20: ). الناس ويشمتون فيهما، ويرسلون هدايا بعضهم لبعض , نتذكر أنه يوم
صلب المسيح صار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما، لأنهما كانا من قبل في عداوة
(لو23: 12). والمشابهات بين هذين الشاهدين والمسيح كثيرة فمدة خدمتهم كانت ثلاث
سنين ونصف، ولم يقدر أحد أن يمسهم بسوء قبل إتمام خدمتهم ومجيء ساعتهم، وبعدها
قتلوا، وسيصلب الشاهدان «حيث صلب ربهم أيضاً». وتصاحب قيامتهم زلزلة. لكن هناك
أيضاً مفارقات بين الشاهدين وبين المسيح: فمع أنهما الزيتونتان إلا أنه هو المسيح
الذي ليس بكيل يعطيه الله الروح القدس. هما سيلبسان المسوح لأن طابع خدمتهما هو
التوبة، أما هو فكانت خدمته خدمة النعمة والفرح. معجزاتهما ستكون معجزات قضاء أما
هو فمعجزاته كانت كلها معجزات نعمة. لما مات المسيح فإنه دفن مع غني عند موته، أما
الشاهدان فلن يدعوا جثتيهما توضعان في القبور. وأخيراً فإن المسيح في قيامته وفي
صعوده لم يُشاهَد من العالم، بل من خاصته فقط، أما الشاهدان فستكون قيامتهما
منظورة من الجميع وكذلك صعودهما إلى السماء علنياً.، لكن فرحهم لن يدوم سوي ثلاثة
أيام ونصف. وبعدها يقومان قيامة منظورة من الجميع، وذلك في تتمة القيامة الأولى
كما هو مذكور في رؤيا 20.

 

ثم
يأتي البوق السابع أو الويل الثالث:

كان
الويل الأول شيطانياً موجهاً لليهود، والثاني بشرياً موجهاً للامبراطورية
الرومانية، أما هذا الويل فإلهي موجه إلى أمم العالم جميعاً. وفي هذا البوق نصل
إلى النهاية، إذ أتي صوت «مملكة العالم التي لربنا ومسيحه ليست «ممالك العالم» كما
في ترجمتنا العربية الشائعة، بل المملكة العالمية؛ امبراطورية ابن الإنسان التي
تغطي كل العالم، والتي سبق أن رآها نبوخذنصر في حلمه (دا2: 44)، ودانيال في رؤياه
(دا7: 7،22،27) قارن مع مزمور 2: 6-9. قد جاءت (أو بدأت)».

 

ألم
يقل هو لا يكون تباطؤ بعد؟! هذا الصوت حرك الشيوخ في السماء الذين كانوا جالسين
على العروش فخروا على وجوههم وسجدوا للّه لأنه أخذ قدرته العظيمة وملك.. لكن ماذا
كان رد فعل الأرض لأخذه الملك؟ «فغضبت الأمم»، مرة أخرى نجد هنا أن الأمم ارتجت
وأن الشعوب تفكروا بالباطل. «ولكن لا يكون الآخر كالأول» -ففي مجيء الرب الأول
عندما ارتجت الشعوب وتهيج الأشرار عليه فإنه لم يفتح فاه، بل سلم لمن يقضي بعدل،
أما في هذه المرة فنقرأ «فأتي غضبك وزمان الأموات لكي يدانوا». ثم يذكر لنا فريقين
من البشر بالارتباط بالملك؛ فريقاً سيجازي بالمشاركة في الملك وفريقاً آخر
بالهلاك. وعندما يقول «زمان الأموات ربما تعني دينونة كل أشرار الأرض على مختلف
مراحلها باعتبار أنهم جميعا أموات روحياً. لكي يدانوا» فإنه يأخذ فكرنا إلى ما بعد
الموت؛ إلى دينونة الأموات أمام العرش العظيم الأبيض. وبهذا نصل إلى نهاية الزمان،
إلى ما بعد الألف سنة حيث ستحترق الأرض والمصنوعات التي فيها، ليصنع الله بعدها كل
شئ جديداً:نعم فالأبواق السبعة – كما سبق وذكرنا – لا تنتهي إلا بانهيار هذا
العالم وزوال هيئته من الوجود.

 

يعود
الرائي بعد ذلك ليذكر ما يتضمنه هذا السفر الصغير الذي عندما أكله يوحنا جعل فمه
حلواً وجوفه مراً. وهذا ما سنتأمله في المحاضرة القادمة. لكن ما أمجد أن نتذكر
أننا في أثناء كل ما سيقع على العالم من حوادث أليمة سنكون على العروش جالسين أمام
الله، الذي يستحق كل المجد والسجود.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي