الإصحَاحُ
السَّادِسُ عَشَرَ

 

يأتي
أصحاح 16 ليرينا هذه الجامات السبعة التي نجد مشابهة كبيرة بينها وبين الأبواق
السبعة مع فارق أن الأبواق بالأكثر لها طابع العمومية وانتشارها أوسع بينما
الجامات مركزة أكثر وتأثيرها بالتالي أشد.

 

1 –
الجام الأول: «حدثت دمامل خبيثة وردية على الناس الذين بهم سمة الوحش والذين
يسجدون لصورته». والدمامل هي طفح يظهر في الخارج لعفونة موجودة في الداخل. ماذا
نتوقع عندما يُعبد الشيطان ويعبد الإنسان؟ إن كل الفساد والانحطاط الخلقي المروع
الذي لا يقل عن انحطاط سدوم وعمورة، سيصبح علناً (مز 53: 1). ولا عجب فالرب قال
«كما كان في أيام نوح…. كما كان في أيام لوط…. هكذا يكون في اليوم الذي فيه
يظهر ابن الإنسان» (لو17: 26-30).

 

2 –
الجام الثاني: صار البحر دماً كدم ميت. والبحر صورة لجموع الناس. وهكذا فالموت
الأدبي سيعم الجميع. «وكل نفس حية ماتت في البحر»! فلن يوجد شخص واحد يحتج أو يعظ
لإيقاف تيار الفساد الذي ظهر نتيجة الجام الأول. في أيامنا هذه كثيراً ما نقرأ على
صفحات الجرائد صيحات استنكار من تفشي الفساد. لكن في تلك الأيام لن تكون صيحة
استنكار واحدة ضد هذه الشرور.

 

3 –
الجام الثالث: صارت الأنهار وينابيع المياه دماً. فما كان المفروض فيه أن يقدم
للبشر الحياة والإنعاش، سيقدم لهم البؤس والموت. وهنا يقول الرائي إنهم سيشربون
الدم -ما أقوي هذا التعبير؛ سيتذوقون الموت! وذلك «لأنهم سفكوا دم قديسين
وأنبياء». و«الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً» (غل6: 7).

 

4 –
الجام الرابع: الشمس ستحرق الناس بنار – صورة للدكتاتورية المخيفة المرعبة من
الوحش. إن كل الطغاة الذين يذكرهم التاريخ ليسوا إلا صورة مصغرة لذلك الوحش، الذي
في غطرسته وبطشه سيسحق في الحال أي رأي معارض. وتكفي كلمات الوحي لتصور ذلك «الشمس
أُعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقاً عظيماً». إنه على النقيض تماماً
من المسيح الذي بظهوره ستتم كلمات النبي «تشرق شمس البر (العدل) والشفاء في
أجنحتها» (ملا4: 2). ولن تكون نتيجة ذلك توبة الناس بل ازديادهم في التجديف
والفساد، كفرعون قديماً لما كان قلبه يتقسى أكثر بعد كل ضربة جديدة.

 

5 –
الجام الخامس: صارت مملكة الوحش مظلمة، وما أرعب الظلمة! طالما قالوا للرب «ابعد
عنا»، الرب الذي قال «أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة» (يو8: 12).
هنا سيأخذهم الرب بكلامهم. ستصبح حياتهم مظلمة وبلا رجاء تمهيدا لطرحهم في «الظلمة
الخارجية» حيث «البكاء وصرير الأسنان». وفي هذه الضربة لن ينكر البشر وجود الله،
بل في قسوة قلوبهم سيجدفون عليه!

 

6 –
الجام السادس: يحدثنا عن موقعة إنها ليست معركة بحصر اللفظ، لأنه رغم ترسانات
الأسلحة المخيفة، وملايين الجنود الذين سيتواجدون في إسرائيل فإننا لا نقرأ أنهم
سيشتبكون معاً، بل إن الرب هو الذي سيبيدهم في ظهوره «لأن الرب قد أعد ذبيحة..
يصرخ حينئذ الجبار مراً… فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة… لأنه يصنع قضاء
باغتاً لكل سكان الأرض» (صف1:  7-18). هرمجدون الرهيبة. والتي لم يحدث مثلها في كل
تاريخ العالم وذلك لسببين على الأقل:

 

(أ)
حتى في الحربين العالميتين وجدت دول على الحياد. أما هذه المعركة فلن يستثني منها
أحد. وهنا يحدثنا بصفة خاصة عن «طريق بدأت الصين في إنشاء طريق يبدأ من الصين إلى
التبت إلى إيران، حتى سيناء. ولقد افتتح جزؤه الأول عام 1978، ويعتبرونه معجزة
الصين الجديدة، إذ قام به 10 آلاف عامل صيني لمدة ثماني سنين، شقوا الطريق في بعض
الأجزاء الجبلية الوعرة بارتفاع 5.5 كيلومترا. وكثيرون يعتبرونه سور الصين
الحديثة. ولقد اعترضت الهند عليه وقالت إن هذا الطريق يهدد السلام في آسيا. لكن لا
الهند ولا غيرها يعرف الخطورة الحقيقة لهذا الطريق كما سيتضح بعد اختطاف الكنيسة،
وكما نفهمه من الحديث عن سكب الجام السادس. الملوك الذين من مشرق الشمس» وهي على
الأرجح دول الشرق الأقصى كالصين واليابان (فعدد الجيش الرهيب الذي يذكر في البوق
السادس، إذا أخذ حرفياً، وهو 200 مليون، لا يمكن أن يخرج إلا منها). لكنها بصفة
عامة ستكون الحرب عالمية بكل معني الكلمة. ويقول الكتاب هنا «أرواح شياطين… تخرج
على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم».

 

أما
مكان هذه الموقعة فهو واد في أرض فلسطين يمتد من حيفا جنوباً إلى عكا شمالاً. رآه
نابليون في يومه فقال وكأنه يتنبأ: هذا المكان يصلح لموقعة حربية هائلة!

 

(ب)
الشيء الثاني الفريد في هذه الموقعة أنه لن يعود منها ولا ناجٍ واحد. فكل من يودع
بيته وأولاده وزوجته على أمل أن يرجع إليهم بعد انتهاء المعركة سيخيب أمله، وسيكون
وداعه هو الوداع الأخير. ألا يذكرنا هذا بكلام النبي الباكي «ابكوا ابكوا من يمضي
لأنه لا يرجع بعد فيرى أرض ميلاده * ** كلام إرميا هو عن يهوأحاز الملك الذي سباه
نخو ملك مصر إلى مصر، ولم يعد إلى إسرائيل. لكننا هنا طبقنا المبدأ فقط.*» (إر22: 10)!

 

والكلمة
«هرمجدون» تعني "جبل الذبح". ياله من اسم رهيب يرد كثيراً على صفحات
الوحي في العهد القديم (يش12: 21، قض5: 19-21، 2مل9: 27، 2مل 23: 29، 30)، ومعني
اسمه يتناسب مع ما سيحدث عن قريب في تلك المجزرة التي سيصل الدم فيها كما مرَّ بنا
(14: 20) إلى لُجم الخيل بطول كل أرض إسرائيل!

 

لقد
أرسل الله البشارة الأبدية لكل الأمم ليهيئ الشعوب لملكوت المسيح، وهنا نجد
الثلاثي الأنجس (التنين والوحش والنبي الكذاب) يرسلون أرواحاً نجسة كما تأثر آخآب
بروح الكذب في فم أنبيائه وذهب للحرب حيث مات (1مل22)، هكذا سيحدث هنا. إلى كل
المسكونة لعمل خطة مناوئة لله، حتى إذا جاء المسيح وجد كل العالم متكتلاً ضده!

 

والرب
يختم حديثه هنا بكلمة تحذير فيقول «ها أنا آتي كلص. طوبى لمن يسهر» هل سمعنا في كل
حياتنا عن لص يعلن أنه سيأتي، ومع ذلك سيظل العالم بالأسف غارقاً في سباته ويلفه
الظلام! وسيظل مجيئه غير متوقع للعالم. بل إنه عندما كان المسيح فعلاً في العالم،
لم يعرف العالم أنه هنا (يو1: 10،27). يا لجهل العالم!

 

7 –
الجام السابع: سكب الملاك السابع جامه فحدثت أصوات ورعود وبروق وزلزلة عظيمة.
فالذين رفضوا صوت المسيح الهادي الوديع، صوت النعمة، ستعود إليهم أصوات الرعود
والبروق من جديد (خر19)، وعندئذ ستتلاشى مدينة الإنسان ومدنيته تماماً. بصفة خاصة
بابل التي سنرى دينونتها في أصحاحي 17، 18 «صارت المدينة العظيمة * قد تكون
المدينة العظيمة هنا صورة للمدنية التي يفتخر بها العالم، ولا سيما دول التحالف
الأوربي. ثلاثة أقسام. ومدن الأمم سقطت وبابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها كأس
خمر سخط غضبه». عندئذ سيتم قول إشعياء عن ملك بابل «أهذا هو الرجل الذي زلزل الأرض
وزعزع الممالك؟ الذي جعل العالم كقفر وهدم مدنه؟» (إش14: 16،17).

 

يا له
من مصير قاتم ينتظر العالم الرافض للمسيح! لهذا فإننا نوجه الدعوة الحارة لكل شخص
غير متأكد حتى الآن من خلاصه، أن يهرب من الغضب الآتي.

 

عقابٌ
عقابٌ في يومٍ عصيب ***يا من دست ابن الإله الحبيبْ

يا من
قد حسبت دماء المسيح*** لا تكفي لا تشفي, احتقرت الذبيحْ

سيأتيك
يومٌ تنال الجزاء*** يا من قد رفضت إلهَ السماء

صعبٌ
عليك أيها الإنسان***أن تمضي دون نعمةَ الإيمان

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي