الإصحَاحُ
الْحَادِي عَشَرَ

 

الجزء
الثالث: شيوخ اليهود يرفضون المسيح (متى 11: 1- 20 : 34)

أولاً
– اليهود لا يؤمنون (11: 2- 12: 50)

11: 1
وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ أَمْرَهُ لِتَلامِيذِهِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ،
ٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ لِيُعَلِّمَ وَيَكْرِزَ فِي مُدُنِهِمْ.

بعد
أن علّم المسيح تلاميذه بخصوص إرساليتهم، مضى هو أيضاً يعلّم. المسيح قدوة. لم يقل
شيئاً دون أن يفعله. لم يعط نفسه امتيازات تختلف عن تلاميذه، ولم يضع نفسه فوق من
تبعوه. لكنه ترك لنا مثالاً لنسلك في أثر خطواته.

 

1 –
جواب يسوع لوفد المعمدان (11: 2- 19)

11: 2
أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي ٱلسِّجْنِ بِأَعْمَالِ
ٱلْمَسِيحِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلامِيذِهِ، 3 وَقَالَ لَهُ:
أَنْتَ هُوَ ٱلآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ 4 فَأَجَابَهُمَا يَسُوعُ:
ٱذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: 5
اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَٱلْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَٱلْبُرْصُ
يُطَهَّرُونَ، وَٱلصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَٱلْمَوْتَى يَقُومُونَ،
وَٱلْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. 6 وَطُوبَى لِمَنْ لا يَعْثُرُ فِيَّ.

بعدما
أرسل المسيح رسله إلى المدن والقرى تبعهم ورسَّخ عملهم، وأكمل خدماتهم وثبَّت
مستمعيهم في بشارة ملكوت السموات، فانتشرت شهرته إلى كل الأصقاع، فأخذوا يهمسون
فيما بينهم: أهذا هو الملك الجديد المرسَل من الله؟ ليس إلا هو القادر على إقامة
الموتى.

ووصل
هذا الخبر إلى يوحنا وهو سجين، فترقَّب أن يأتي المسيح ليطلقه من سجنه بمعجزة،
لأنه مهَّد طريقه باستقامته، وهو أعز صديق له، وقد تألم لأجل الحق مظلوماً سجيناً.
فانتظر بشوق فوز ملكوت الله العظيم. ولكن رغم الانتظار الطويل لم يأت الملك يسوع.
فبقى يوحنا في السجن.

بدأ
الشك في قدرة المسيح وألوهيته يغزو نفسه، فبعث إليه بسؤال: هل أنت المسيح المنتظر،
أم لا؟ ولم يجبه المسيح مباشرة، بل أرشده إلى نبوة إشعياء 35: 5، 6 مفسراً له أن
عبد الله الموعود به قد جاء، وهو يخلّص من الأمراض والخطية والموت. وهذه الأعمال
الفريدة هي البرهان القاطع أن يسوع هو المسيح المنتظر.

انتظر
يوحنا ملكاً سياسياً ليبيد بسلطانه الظلم في العالم، ويحرر الأتقياء المضطهَدين.
ولكن المسيح لم يرفع الفأس في يده ليقطع الشجرة الرديئة، إنما خلّص الضالين، وشفى
الضعفاء، وبنى الرجاء في قلوب المتشائمين، لأنه لم يأتِ كديَّان بل كحمل الله
الوديع الذي يرفع خطايا المذنبين.

 

11: 7
وَبَيْنَمَا ذَهَبَ هٰذَانِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ
عَنْ يُوحَنَّا: مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟
أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا ٱلرِّيحُ؟ 8 لٰكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ
لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَاناً لابِساً ثِيَاباً نَاعِمَةً؟ هُوَذَا ٱلَّذِينَ
يَلْبَسُونَ ٱلثِّيَابَ ٱلنَّاعِمَةَ هُمْ فِي بُيُوتِ
ٱلْمُلُوكِ. 9 لٰكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيّاً؟
نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. 10 فَإِنَّ هٰذَا هُوَ
ٱلَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاكِي
ٱلَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. 11 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ
يَقُمْ بَيْنَ ٱلْمَوْلُودِينَ مِنَ ٱلنِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ
يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ، وَلٰكِنَّ ٱلأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ
ٱلسَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. 12 وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا
ٱلْمَعْمَدَانِ إِلَى ٱلآنَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ،
وَٱلْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ. 13 لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأَنْبِيَاءِ
وَٱلنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا. 14 وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ
تَقْبَلُوا، فَهٰذَا هُوَ إِيلِيَّا ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. 15
مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر المزامير 62

عبَّر
المسيح عن ثقته بيوحنا المعمدان رغم شكوكه، لأنه أعدَّ طريقه بإخلاص حسب النبوات،
وضحَّى بحياته لله، وعاش بتقشف، ولم يجمع أرباحاً لنفسه. وقد بيَّن المسيح ثقته
فيه بشهادة لامعة أمام الجماهير، إذ قال إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم
من يوحنا.

لماذا
يكون المعمدان أعظم الرجال؟ لأن الله أعلن له عن المسيح أنه حمَل الله، ومعطي
الروح القدس للتائبين. فكان يوحنا خاتم أنبياء العهد القديم. ومع ذلك اعتبر ذاته
غير مستحق أن يحلّ سيور حذاء المسيح، ودلَّ الجماهير على يسوع أنه المسيح، ورأى
الروح القدس نازلاً على يسوع في هيئة حمامة، وسمع بأذنيه صوت الله «هذا هو ابني
الحبيب الذي به سُررت». فكان يوحنا أول شاهد وشهيد للثالوث الأقدس، أكثر من موسى
وكل الأنبياء الآخرين.

ولكن
المسيح أعلن وجود أناس أفضل وأسمى من يوحنا، هم أعضاء ملكوت الله المولودين من
الروح القدس، الذين برَّرهم المسيح بالنعمة، واصطفاهم ليكونوا سفراءه واضعاً عليهم
خدمة المصالحة مع الله.

هل
أصبحت ابناً لله؟ قُل: أنا عبد باطل، وأخلاقي الطبيعية ملطخة بالخطايا والعيوب،
ولكن الحمد لله: دم المسيح غسلني، وروحه القدوس قدَّسني وأوقد فيَّ نار المحبة.
فأعرف أن الله هو أبي السماوي، وأتكلم معه يومياً، وأصغي إلى كلمته الحنونة. لقد
أصبحت مواطناً في ملكوته، وسأظل محفوظاً فيه بقدرته. والموت بالنسبة لي باب يؤدي
إلى الحياة الخالدة مع أبي السرمدي.

إن
اعترفت معنا بهذا الإيمان، تدخل إلى ملكوت الله بالقوة، وتأخذ لنفسك حق النعمة،
لأن كل من يؤمن بالمسيح يخلص رغم خطاياه، كما قال يسوع «إيمانك خلَّصك»

 

11:
16 وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هٰذَا ٱلْجِيلَ؟ يُشْبِهُ أَوْلاداً جَالِسِينَ
فِي ٱلأَسْوَاقِ يُنَادُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ 17 وَيَقُولُونَ:
زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطِمُوا! 18
لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لا يَأْكُلُ وَلا يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ
شَيْطَانٌ. 19 جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ،
فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ مُحِبٌّ
لِلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ. وَٱلْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ
بَنِيهَا.

تراكضت
الجماهير إلى يسوع ليس بدافع الإيمان، إنما بدافع الفضول لرؤية العجائب. وقد
انطلقوا إلى البرية سابقاً لمشاهدة يوحنا الغريب، ولكنهم لم يتوبوا بل استمروا
سطحيين أشراراً، وانتقدوا يوحنا باستهزاء لأنه كان زاهداً متقشفاً منادياً
بالانكسار القلبي. وبعدئذ سَخِرَت الجماهير من المسيح، لأنه كان يأكل ويشرب ويعاشر
الخطاة والغوغاء ليتوبوا ويخلصوا.

لذلك
سمَّى المسيح المرائين «أولاداً»، لأنهم لم يدركوا حقيقة الحياة، بل كانوا يلعبون
وينوحون، ولم يعرفوا سبب الموت وقيود الخطية وعبودية الشيطان، التي انغمروا في
بشاعتها.

الصلاة:
أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك ولدتنا ثانية لمعرفة محبتك، وألصقتنا بابنك لنخدم
الناس في قوة روحك. إغفر لنا إن أهملنا دعوتك السماوية، وغلبتنا هموم اليوم وخوف
العصر. وجّه أبصارنا إلى مجيء ابنك لنستعد لاستقبال الآتي المجيد.

 

يسوع
يوبّخ المدن الخاطئة (11: 20-24)

11:
20 حِينَئِذٍ ٱبْتَدَأَ يُوَبِّخُ ٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي صُنِعَتْ
فِيهَا أَكْثَرُ قُوَّاتِهِ لأَنَّهَا لَمْ تَتُبْ: 21 وَيْلٌ لَكِ يَا
كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ
وَصَيْدَاءَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا
قَدِيماً فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ. 22 وَلٰكِنْ أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ
ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكُمَا. 23 وَأَنْتِ يَا
كَفْرَنَاحُومَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، سَتُهْبَطِينَ
إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ ٱلْقُوَّاتُ
ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكِ لَبَقِيَتْ إِلَى ٱلْيَوْمِ. 24 وَلٰكِنْ
أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرْضَ سَدُومَ تَكُونُ لَهَا حَالَةٌ أَكْثَرُ
ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكِ.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر هوشع 04

يرينا
يسوع في توبيخه للمدن أن مقاييسنا خاطئة مبدئياً. مثلاً مدينة صور وصيداء كانتا
مركزين لعبادة الأص نام. وكان الشعب المتديّن يفتخر بأصنامه الميتة ويتضرع إليها،
لعدم معرفته بالله الحي. ورغم هذا الجهل قال المسيح إن عقاب أهل هاتين المدينتين
سيكون أقل من عقاب أهل المدن والقرى التي شاهدته وسمعت كلماته ولم تؤمن به ولم
تقبله. إن رفض المسيح هو أعظم خطية في العالم، لأنه يعني رفض محبة إلهنا ونعمته
وخلاصه وغفرانه. وأخيراً يعني رفض الله ذاته.

لا شك
أن كل الناس خطاة فاسدون مستحقون الهلاك. إنما دم المسيح يطهّرنا من كل إثم.
والروح القدس يغيِّر الهالكين إلى قدّيسين. فويل لكل من يهمل نعمة الله في المسيح،
لأن جهنم مفتوحة لمن يرفض ابن القدير.

وأكبر
ذنب في زمن المسيح ارتكبته كفر ناحوم، مدينة المسيح، التي عمل فيها أكثر عجائبه،
فلم تؤمن به رغم معاينتها محبته المتجسّدة، وسماعها كلماته القوية. لم ينوحوا على
خطاياهم، فأعلن المسيح قساوة قلوب أهلها، وسمَّاها أنجس من سدوم.

الصلاة:
أيها الآب القدوس، نسجد لك ونتوب عن شكوكنا، ونطلب غفران بطء إيماننا. حرّرنا من
جمود أذهاننا، وقدِّس نوايانا لنقبل ابنك مع خلاصه، ونمتليء بروحك، ونشهد بصراحة
بالدينونة المُقبلة علينا، ليتوب الجميع إليك.

 

3 –
دعوة المتعَبين (11: 25-30)

11:
25 فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَالَ يَسُوعُ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا
ٱلآبُ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ
هٰذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا
لِلأَطْفَالِ. 26 نَعَمْ أَيُّهَا ٱلآبُ، لأَنْ هٰكَذَا صَارَتِ
ٱلْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ. 27 كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي،
وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلاّ ٱلآبُ، وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ
ٱلآبَ إِلاّ ٱلابْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ
لَهُ.

تُرينا
هذه الآيات صلاة المسيح الفريدة التي تفتح بصيرتنا إلى عمق قلب يسوع وعلاقته
بالله، فنتقدم بتأملاتنا إلى قدس الأقداس في حياة ابن الله، حيث يلتقي بأبيه،
ونشاهد مكالمة الثالوث الأقدس.

وبالرغم
من ضيق الاحتقار، ومرارة الرفض من المحبوبين، يعظّم يسوع الله أولاً ويشكره. ولا
ينوح ولا يولول، بل يؤمن بضابط الكل، ويسكن في إرشاده ويمجِّد اسمه القدوس.

وقد
خاطب المسيح الله بلقب الآب، لأن يسوع مولود من روحه، وكائن منذ الأزل عنده،
ومتَّحِد معه في كل حين، وثابت في محبته دائماً.

وسمَّى
المسيح أباه الرب كما تنبأ داود «قال الرب لربي إجلس عن يميني حتى أضع أعداءك
موطئاً لقدميك». فيسوع عرف أن أباه هو القادر على كل شيء، ولكنه قال «نعم» لمشيئة
أبيه، فحجب جوهره عن عظماء العالم والمتديِّنين، وسمَّى نفسه ابن الإنسان.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مودين ن

واعترف
يسوع في صلاته أنه شريك في قدرة الله، فبما أن الابن أطاع موافقاً على طرق أبيه،
دفع أبوه كل السلطان في السماء وعلى الأرض إليه. ولُبّ هذا السلطان هو معرفة الله
وجوهره، فالمسيح وحده يعرف الله. وليس نبي أدرك الخالق في حقيقته الجوهرية إلا
الابن، لأنه من جوهره، ويحمل ملء روحه في نفسه. فلم يستطع أحد أن يعرف الله كما هو
إلا يسوع، الذي حلَّ فيه كلُّ ملء اللاهوت جسدياً.

وهذا
السر المزدوج: معرفة الآب والابن، لا يدركه عقل الإنسان ولا يشعر به، إلا إذا فتح
الروح القدس عيني ذهنه منعماً عليه. فالإنسان الطبيعي لا يستطيع الإيمان من تلقاء
نفسه، بل يحتاج إلى نعمة الإلهام. فأنت لا تستطيع إدراك الله بمجهوداتك وصلواتك.
فالله هو الذي يُقبِل إليك ويطلبك، ويعضدك ويملكك. فدعوة يسوع تفتح عينيك الروحية.

11:
28 تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي
ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. 29 اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ
وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا
رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. 30 لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.

يدعو
المسيح جميع الناس إلى شركة الثالوث الأقدس، لأنه لا راحة لأنفسنا إلا بالثبات في
الله الحقيقي. والمحتاجون النادمون هم الذين يلبُّون دعوة المسيح، لأنهم يسمعون
صوته المعزِّي. هل تعرف نفسك، وهل سمعت دعوة المسيح المخلِّص الذي يدعو كل الناس؟
وحده صاحب السلطان أن يرفع أثقالنا، ويحرّرنا من الخطية والمرض والناموس والموت
والشيطان وغضب الله. فالمسيح هو المخلّص الوحيد القدير الذي لا يرفض طالباً
واحداً، بل يدعو الكل ليسرعوا إليه فيُلقوا أثقالهم أمامه.

لكن
قلوبنا شريرة، فلا يكفينا غفران الخطايا. إنما نحتاج إلى قوة مغيِّرة، تخلق حياة
جديدة فينا. لهذا يضع المسيح نيره الخاص علينا، لأنه مرتبط مع أبيه في انسجام تام
فيجذبنا إلى شركة مع أبيه. إن عشنا ومشينا في القرب مع الله تحت نير واحد، نتغير
بمجده فنحصل على راحة الضمير الحقة. لأنه لا راحة إلا في الله.

وليس
إنسان حراً، فإما أن يكون عبد الخطية، أو شريكاً في نير المسيح. ومن يتحد مع الآب
والابن مؤمناً، عليه أن يمشي معه بنفس السرعة والهدف. والمسيح يدرّبنا لنكون مثله،
ويعلّمنا فضائله. إنه وديع حقاً، وقد سلَّم إرادته لأبيه تماماً. وهو متواضع القلب
حيث أنه أخلى نفسه. فإن ارتبطت مع يسوع يحررك من عنادك واستكبارك وبُخلك، ويغيِّرك
إلى إنسان المحبة، فتفلّح مع المسيح أرض دنيانا، وتزرع فيها بذور الإنجيل. لكن لا
تعمل لله مستقلاً، بل تحت نير المسيح، الذي يوحّدك بالله. وهو مزمع أن يروي عطشك
إلى البر ويُشبع جوعك للاستقرار الروحي.

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، نسجد لك لأنك دعوتنا، فنسرع إليك ملتمسين منك غفران
آثامنا، ونعظّمك لأنك رفعت أثقالنا وأعلنت لنا اسم الآب، وجعلتنا أولاداً له،
وتغيّرنا إلى فضائلك، لنمشي معك ونثبت فيك. ساعدنا لكيلا نفارقك، بل نتبعك في كل
حين حتى تغيّرنا إلى صورتك المتواضعة الوديعة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي