الإصحَاحُ
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ

 

رابعاً
– آلام المسيح وموته (26: 1- 27: 66)

1 –
نبوة يسوع عن موته (26: 1- 13)

26: 1
وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ
لِتَلامِيذِهِ: 2 تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ ٱلْفِصْحُ،
وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ.

كان
الفِصح عيداً لذكرى تحرير شعب العهد القديم من عبودية فرعون رعمسيس الثاني
الطاغية، الذي لم يسمح للفعَلة العبيد أن يمارسوا عيدهم مع الله في البرية، فجاء
ملاك الرب المُهلك، وقتل كل بِكر في مصر من الناس والبهائم. ولم يكن أولاد إبراهيم
أحسن من الآخرين، ولكنهم آمنوا بقدرة حَمَل الله المذبوح، واحتموا بدمه وتقووا
بأكل لحمه، فنجوا من غضب الله ودينونته. فمنذ ذلك الوقت، احتفلوا بعيد الفِصح
ليذكروا مرور غضب الله عنهم.

وأكمل
المسيح معنى هذا العيد القديم، وشبَّعه بأفكار جديدة عن فداء العالم أجمع. وصار
بنفسه الذبيحة الكفارية، التي خلَّصت البشر كلهم من غضب الله الذي يعبّر عن كل
الذين يؤمنون بالذبيح الإلهي.

وكان
المسيح يعرف مسبَّقاً ساعة موته كما أنبأ بها الأنبياء كمحور التاريخ، كما عرف
أيضاً كيفية وفاته: إن اليهود المتعصبين سيسلّمونه إلى أيدي الأمم، الذين
سيعلّقونه على خشبة العار، وهو القدوس الحق.

 

26: 3
حِينَئِذٍ ٱجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ
وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ إِلَى دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلَّذِي
يُدْعَى قَيَافَا، 4 وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ
وَيَقْتُلُوهُ. 5 وَلٰكِنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي ٱلْعِيدِ لِئَلاّ
يَكُونَ شَغَبٌ فِي ٱلشَّعْبِ.

أبغض
زعماء اليهود المسيح لأنه بكَّتهم على ريائهم وذنوبهم، وطلب منهم تغيير الأذهان
والتوبة الحقة والإيمان بشخصه، بينما هم لم يعتبروه ابن الله بل مجدّفاً، وحسدوه
حقداً لأن الجماهير تبعته والعجائب شهدت لقدرته الكبيرة، فحمقوا في قلوبهم،
وسمُّوه مُضلاً شيطاناً، وصمّموا على قتله سراً، وخاصة بعدما كشف للكتبة
والفريسيين رياءهم. فاغتاظوا واجتمعوا في بيت رئيس الكهنة قيافا المدَّعي العام
ليتشاوروا على خطة ماكرة لإبادته، دون أن يلاحظ الشعب قتله.

وعرف
المسيح هذا التآمر السري فاختفى عنهم، لأنه قصد أن يموت في الساعة المعيَّنة من
عيد الفِصح كحَمَل الله الفريد، ليعلم الجميع السبب والغاية التي من أجلها أخذ
الله جسداً، فمات حسب إرادته الخاصة، وليس حسب تخطيط أعدائه.

 

26: 6
وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ
ٱلأَبْرَصِ، 7 تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ ٱمْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ
طِيبٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. 8
فَلَمَّا رَأَى تَلامِيذُهُ ذٰلِكَ ٱغْتَاظُوا قَائِلِينَ: لِمَاذَا
هٰذَا ٱلإِتْلافُ؟ 9 لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ
هٰذَا ٱلطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ. 10 فَعَلِمَ
يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُزْعِجُونَ ٱلْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ
عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً! 11 لأَنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ
حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 12 فَإِنَّهَا إِذْ
سَكَبَتْ هٰذَا ٱلطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ
ذٰلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. 13 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا
يُكْرَزْ بِهٰذَا ٱلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ، يُخْبَرْ
أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ تِذْكَاراً لَهَا.

سكبت
مريم أخت لعازر قارورة الطيب على جسد المسيح مندفعة بالروح القدس، لتدهنه كما
يُدهَن الملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء علامة لامتلائهم بالروح القدس، بالمسحة
السماوية، فكان المسيح في وفاته الممسوح الحق، الحال فيه كل ملء اللاهوت جسدياً.
وتمَّت هذه المسحة للموت بانسجام مع مشيئة الآب، فجرى هذا الرمز بتضحية امرأة بذلت
كل كنوز حياتها لتمجيد المضطَهَد المحبوب.

لم
يكن تلاميذ المسيح آنذاك ممسوحين بالروح القدس بعد، فحسبوا سكب قارورة الطيب
إتلافاً، قائلين: إنه كان من الأفضل بيعها، ويُنفق ثمنها على الفقراء الجياع. ولكن
المسيح مدح عمل مريم بمدح إلهي، وجعل خدمتها شهيرة كمقدمةٍ لصلبه ودفنه.

وبعدئذ
وضَّح يسوع بجملة قصيرة أن الفردوس والمساواة لا تأتي بسهولة على الأرض، والفقر لا
يُمحى من دنيانا، لأن القلوب تبقى قاسية إن لم تلن بمحبة الله والإيمان بالمسيح.
وبما أن الجماهير لا ينفتحون لروح المسيح، فلا ينتهي الضيق في العالم، بل تنفق
الشعوب الملايين على الطائرات والصواريخ والدبابات والقنابل، بينما يموت الملايين
جوعاً!

الصلاة:
أيها الرب يسوع، أنت الملك والقاضي الأزلي. نعترف أن جميعنا نستحق الإبادة لقساوة
قلوبنا ونجاسة أفكارنا وبخل أعمالنا. فنعظّمك لأنك لا تديننا حالاً، بل قد نزلت من
عرش مجدك وحمَلت خطايانا ومتَّ لأجلنا نحن المجرمين، فنشكر محبتك ونعظّم تضحيتك
ونلتمس منك الغفران.

 

2 –
خيانة يهوذا (26: 14-25)

26:
14 حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يُدْعَى
يَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ 15
وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟
فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. 16 وَمِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ
كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.

أحب
يهوذا المال أكثر من حبه لله. فلم يسمع لإرشادات وتعليمات معلمه خلال سنوات عديدة،
بل تقسَّى تدريجياً، وانفصل عنه على مراحل، وعارض محبته بقلبه الثائر.

وكان
يهوذا الوحيد الذي من منطقة اليهودية بين التلاميذ الاثني عشر، لأن الآخرين كانوا
جليليين. وربما كان يهوذا متعاوناً مع المجلس الديني في العاصمة «القدس» جاسوساً
له لحفظ الأمة من الانتقام الروماني، لكيلا يشاهد الرومان تجمُّع الشعب حول يسوع
فيقضوا على الأمة.

وبنفس
الوقت حاول يهوذا تخليص نفسه من تهديدات المجلس الديني، فعمد إلى تسليم معلّمه.
ولعل يهوذا فكَّر أيضاً أن يُجبِر يسوع ليعلن سلطانه وينشيء ملكوته ظاهراً،
بمواجهته رغماً مع الأعداء.

فسلَّم
«المحكوم عليه» وأتباعه إلى ضيق شديد. وظهرت رداءة موقفه بقبول المال للخيانة. فما
أنجسها تجارة، لأنه سلَّم إله المحبة بثمن تافه!

 

26:
17 وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ ٱلْفَطِيرِ تَقَدَّمَ ٱلتَّلامِيذُ إِلَى
يَسُوعَ قَائِلِينَ: أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ
ٱلْفِصْحَ؟ 18 فَقَالَ: ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، إِلَى
فُلانٍ وَقُولُوا لَهُ: ٱلْمُعَلِّمُ يَقُولُ إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ.
عِنْدَكَ أَصْنَعُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تَلامِيذِي. 19 فَفَعَلَ
ٱلتَّلامِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا ٱلْفِصْحَ.

امتنع
المسيح أمام يهوذا عن ذِكر المكان المقرر أن يجتمع فيه مع تلاميذه لآخر مرة، لأنه
لم يرد إزعاجاً لحفلته الإلهية مع تلاميذه، وقَصَد أن يهيّيء جواً هادئاً لإعلان
خُلاصة تبشيره وهدف مشيئته.

والأغلب
أن يسوع احتفل مع تلاميذه عشية يوم الخميس، ولكن يوم ذَبْح الحملان كان يوم
الجمعة. ويسوع ذاته هو الحَمَل المستعد للذبح لحماية البشر من الغضب الآتي.

 

26:
20 وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ ٱتَّكَأَ مَعَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ.
21 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ
وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. 22 فَحَزِنُوا جِدّاً، وَٱبْتَدَأَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟ 23 فَأَجَابَ:
ٱلَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي ٱلصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي. 24
إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ،
وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ
يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ
ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ. 25 فَسَأَلَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ: هَلْ أَنَا
هُوَ يَا سَيِّدِي؟ قَالَ لَهُ: أَنْتَ قُلْتَ.

عاش
المسيح دائماً مع تلاميذه في شركة قريبة، فلقد أحبوا بعضهم بعضاً في القداسة،
والله كان حاضراً معهم، وقوته الفعلية صبغت جوَّ شركتهم، فعمَّ الفرح والسلام
بينهم، رغم أنهم مضطهَدون ومُلاحَقون.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى تيطس زكريا إستاورو و

وفي
أثناء العشاء الربَّاني رفع يسوع قليلاً من الستار عن خائنه دون أن يعلن اسمه
صراحة لكيلا يشهّره، لعله يرجع عن شر قلبه بتوبة نادمة. وأما إعلان الخيانة
المُقبلة عليهم فسقط كقنبلة عليهم!

والمُرعب
أنه لم يكن بين التلاميذ واحد متأكداً من أمانته، فشعر كل منهم بإمكانية الخيانة
في قلبه. ولربما خطر لهم من قبل أن يفرّوا إلى العدو، لينجوا من غضب الأمة-فكلٌّ
منهم رأى نفسه مكشوفاً أمام الرب، فانكسر بخجل.

وبدأ
المسيح محاولة لربح نفس يهوذا، ليجذبه للتوبة والاعتراف، فرسم أمامه امتياز شركته
ومحبته وقدرته التي اختبرها يهوذا في ربه طويلاً، وحذَّره بنفس الوقت من الدينونة
في جهنم التي ستصيبه حتماً، لأنه قد اختبر نعمة الله وها هو يرفضها!

الصلاة:
أيها الآب ارحمني أنا الخاطيء، وانزع بذرة كل خطية نفسي. اغفر لي خبثي والشر
الساكن فيَّ، فبدون دم ابنك أنا هالك حتماً. خلِّصني من شهواتي، وقدّسني لأتبع
بأمانة ابنك مع كل التائبين في الأرض.

 

3 –
العشاء الربَّاني (26: 26-35)

26:
26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخُبْزَ، وَبَارَكَ
وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلامِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هٰذَا هُوَ
جَسَدِي. 27 وَأَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً:
ٱشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28 لأَنَّ هٰذَا هُوَ دَمِي
ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ
كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا. 29 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ
ٱلآنَ لا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ هٰذَا إِلَى
ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيداً فِي
مَلَكُوتِ أَبِي.

خلال
حفلة الفِصح في الغرفة المنعزلة أخذ يسوع الخبز وشكر لأجله أباه السماوي، وباركه
لأجل سر العشاء الربَّاني، الذي سمَّاه المسيحيون الأولون «سرّ الشكر». ليت شكرنا
ينمو إلى جانب محبتنا للمسيح، فبقدر محبتنا له يكون شكرنا له.

ووضَّح
يسوع معنى الخبز، كأنه يقول لتلاميذه: كما يدخل هذا الخبز إلى جوفكم، أريد أن أحل
وأسكن فيكم. وكما أن الخبز الطبيعي يقوّيكم للحياة والعمل والنشاط، أعمل أنا فيكم
للحياة الأبدية والخدمات اليومية، فلا تكلُّون وتضعفون، بل تخدمون بفرح. أنا هو
قوتكم.

وبعدما
شرح يسوع معنى الخبز في العشاء الربَّاني أنه جسده، أخذ الكأس ووضّح لهم معنى
الخمر. إنه رمز لدمه، لأن موته الكفاري أوجد لنا المصالحة مع الله. فبرُّنا ليس
مبنياً على سفك دم ثيران مثلما حدث في العهد القديم، بل ابن الله تجسَّد ومات
عوضاً عنَّا، سافكاً دمه الثمين ليُدخلنا إلى العهد الجديد مع أبيه، فيسكن روحه
القدوس فينا.

إن
موت المسيح على الصليب هو أساس العهد الجديد. وبذبيحته الفريدة لخَّص يسوع كل
أنظمة الذبائح في العهد القديم وأتمّها. فهو في ذاته حَمَل الله الذي يحفظنا من
غضب الله القدوس، وهو وحده ذبيحة العهد الجديد. فأوجد المسيح بموته فداءً كاملاً
لخلاصنا الأبدي.

وقال
يسوع إن فداءه سيتم في مجيئه الثاني، حيث يتكيء معنا كما اتكأ مع تلاميذه في
العُلّية. وعندئذ سيظهر ملكوت أبيه بأمجاده وقدرته، فلا ينتهي شكر سجودنا، لأنه
معنا وفينا ولن يفارقنا إلى الأبد.

 

26:
30 ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ. 31 حِينَئِذٍ
قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هٰذِهِ
ٱللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ
خِرَافُ ٱلرَّعِيَّةِ. 32 وَلٰكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ
إِلَى ٱلْجَلِيلِ. 33 فَقَالَ بُطْرُسُ لَهُ: وَإِنْ شَكَّ فِيكَ
ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لا أَشُكُّ أَبَداً. 34 قَالَ لَهُ يَسُوعُ:
ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ قَبْلَ
أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ. 35 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: وَلَوِ
ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لا أُنْكِرُكَ! هٰكَذَا قَالَ
أَيْضاً جَمِيعُ ٱلتَّلامِيذِ.

في
أثناء العشاء الأخير مع تلاميذه قطع يسوع العهد الجديد. وإذ رسم وشرَّع سرّ العشاء
الربَّاني، ختم الحفلة الفصحية بالتسبيحات المجيدة المكتوبة في المزمور 118. وبعد
ذلك قام، وتقدّم نحو موته بتصميم ثابت.

ولم
يفكّر أولاً في آلامه المُقبلة، بل في تلاميذه الضعفاء، وحذّرهم من التجربة
المزمعة أن تنزل بهم، وعزَّاهم بقيامته الأكيدة التي هي انتصاره. واليوم، يقود
المسيح رعيّته في موكب نصرته كما وعد، ويقوِّينا لحياة غالبة، فنسير في خطوات
المسيح المُقام من بين الأموات.

لم
يكن التلاميذ قد أدركوا الكفاح العنيف الذي ينتظرهم مع الأرواح المضادة لله.
ولعلهم ظنوا أن قوتهم الذاتية تكفي للنضال. لهذا كان على المسيح أن ينبئهم
بهزيمتهم الكاملة، لأنهم اعتبروا أنفسهم أقوى وأدهى حتى من الشيطان.

ولم
يفهم التلاميذ الآية التي اقتبسها يسوع من التوراة، ولم يدركوا أن الله سيضرب
الراعي الصالح فتتبدد الرعيّة! لقد فاق هذا الفكر عقولهم، وكان عثرة لهم كبيرة:
كيف يُعقل أن الله يقتل مخلّص العالم الوحيد؟

واستاء
بطرس من نبوة يسوع وأنه وكل التلاميذ سينكرون المسيح، فاعترض باعتداد، وأخذ يؤكد
لربه إخلاصه المطلق. ولكن يسوع سمع مسبَّقاً صياح الديك، وحذَّر بطرس بهذه
النبوّة، رغم علمه بأنه سيسقط في الخطية لأنه اتكل على نفسه!

 

4 –
صلاة المسيح في جثسيماني (26: 36-46)

26:
36 حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا
جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلامِيذِ: ٱجْلِسُوا هٰهُنَا حَتَّى
أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ. 37 ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَٱبْنَيْ
زَبْدِي، وَٱبْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38 فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي
حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى ٱلْمَوْتِ. اُمْكُثُوا هٰهُنَا
وَٱسْهَرُوا مَعِي.

كان
المسيح على علم دقيق بما ينتظره من العذاب، لأن خطية العالم كلها كانت واقعة عليه،
منذ أن تقلّد وظيفة حَمَل الله. ومقتضيات الفداء جعلته، وهو الذي لم يعرف خطية،
خطية لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه. وقد تجمَّع كل شر العالم على المسيح، قديمه
وحديثه، ولكنه لم يضعف محبة المسيح، ولم يعطله عن القيام بعمل الفداء، فمات موتنا،
وحمل دينونتنا.

من
يدرك عُمق وعظمة آلام يسوع؟ لقد تعبت نفسه لأجلنا، لأنه انتُزع من وحدة الثالوث
الأقدس، ليدخلنا نحن إلى عائلة الله. فمن يشكره لذبيحته الكاملة؟ وكيف تتوب عن
خطاياك لتثبت في الله؟

26:
39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً:
يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ،
وَلٰكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ.

سجود
المسيح لله لا يعني أنه في ساعات آلامه فقد لاهوته، وإنما متطلبات الفداء كانت
تستلزم اتضاعه إلى هذه الدرجة. والعبارات التي نطق بها في صلاته توضح لنا عُمق
كفاح المحبة من أجل خلاصنا.

قد
استهل يسوع سجوده بهذا النداء الرائع «يا أبتاه» لأنه أراد التمسّك بأبيه. لم يشكّ
في بنوته لله ومحبة الآب له. وما يعزّينا نحن أحسن التعزية في أوقات الأحزان أن
نعتبر الله العظيم أباً لنا، ونخاطبه بدالة البنين. ويحقّ لنا هذا الالتجاء، لأن
المسيح شرب عوضاً عنا كأس غيظ الله على رجاسات الناس وفجورهم. ففي صلاته في
جثسيماني رأى يسوع الكأس الممتليء بالغضب المهيأ له أن يشربه.

هل تبحث عن  مريم العذراء مريم فى صلوات الكنيسة مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر ر

وتمنى
المسيح في إنسانيته أن تعبر عنه هذه الكأس المريرة، وإن أمكن أن تتم إرادة الله
الخلاصية دون أن يُصلب. ولكن الابن أخضع إرادته الشخصية لمشيئة أبيه مبدئياً
وكاملاً، فظهر في هذا الكفاح الإيماني أن المسيح كان إنساناً تاماً، كما أنه كان
إلهاً تاماً. وكذلك كانت له إرادة إنسانية في وحدة مع مشيئته الإلهية.

 

26:
40 ثُمَّ جَاءَ إِلَى ٱلتَّلامِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ
لِبُطْرُسَ: أَهٰكَذَا مَا قَدِرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً
وَاحِدَةً؟ 41 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا
ٱلرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ.

بينما
كان المسيح يجاهد متألماً يصارع الموت وإبليس، كان التلاميذ نياماً، حتى المختارين
الثلاثة أيضاً. فلم يستطيعوا السهر معه، ولم يقدروا أن يسندوا المسيح ولا أن
يقدموا في سبيل الأخوَّة أبسط خدمة للمتضايق، أي الابتهال لأجله.

فعاتبهم
الرب، وأعلن لهم من اختباراته الخاصة أن جسد الإنسان ضعيف وخائف وغير مستعد
لاحتمال الصليب، فبدون الروح القدس لا يقدر أحد أن يخدم الله، إنما الغلبة تُعطَى
لمن يصلّي باستمرار فينال القوة ويتقوَّى في الإيمان ويحب أعداءه. فلذلك اقرأ
الكتاب المقدس يومياً، واصغ إلى العظات الصالحة لكيلا تسقط في التجربة.

 

26:
42 فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ
يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ إِلاّ أَنْ
أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ.

غلب
المسيح جسده بواسطة الروح القدس، فصلَّى صلاته الثانية متغيرة عن الأولى، وفي
انسجام كامل مع الله. فقد أدرك الابن أنه لا يوجد طريق لخلاص العالم إلا بالصليب،
فوافق في محبة لنا أن يشرب كأس الغضب الإلهي ويموت ذبيحة لأجل الخطاة وينفصل عن
أبيه الذي فيه وهو فيه.

 

26:
43 ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ
ثَقِيلَةً. 44 فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً
ذٰلِكَ ٱلْكَلامَ بِعَيْنِهِ. 45 ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلامِيذِهِ
وَقَالَ لَهُمْ: نَامُوا ٱلآنَ وَٱسْتَرِيحُوا. هُوَذَا ٱلسَّاعَةُ
قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي
ٱلْخُطَاةِ. 46 قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي
قَدِ ٱقْتَرَبَ.

صلَّى
يسوع ثلاث مرات في نفس الموضوع، واستخدم في صلاته الثالثة نفس الكلمات التي قالها
في الثانية-ليس لعدم الإيمان أو الشك في استجابة كلماته، بل لعلمه اليقين أن
المجرّب سيهاجمه في الساعات المُقبلة عدة مرات لينزعه من موقفه المطيع في خضوعه
لإرادة الله. فثبَّت يسوع نفسه بصلوات متكررة في مشيئة الله. وتيقّن بالمواظبة في
الدعاء أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع احتمال غضب الله عوضاً عن جميع الأنام.

الصلاة:
أيها الرب المسيح نسجد لك بتهلل وشكر، لأنك احتملت دينونة الله كلها. اقبل أجسادنا
وقلوبنا وأذهاننا، شكراً لموتك النيابي عنا، وقدّسنا لكيلا نسقط في التجربة.
علِّمنا الصلاة بالمواظبة لنثبت متحدين برأيك، واعين لكل محاولات من الشرير
لإضلالنا.

 

5 –
القبض على يسوع (26: 47-56)

26:
47 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ
جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ
ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ ٱلشَّعْبِ. 48 وَٱلَّذِي أَسْلَمَهُ
أَعْطَاهُمْ عَلامَةً قَائِلاً: ٱلَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ.
أَمْسِكُوهُ. 49 فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: ٱلسَّلامُ
يَا سَيِّدِي! وَقَبَّلَهُ. 50 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا
جِئْتَ؟ حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا ٱلأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ.

سمَّى
المسيح نفسه مرة أخرى ابن الإنسان، لأن الله دفع إليه دينونة البشر. وقد احتمل
ضعفاتنا، ورفع خطية الأنام في جسده، وهو غلب كل خطية وشهوة بواسطة ألوهيته، وثبت
قدوساً في كل التجارب. ولهذا السبب ظل مستحقاً أن يموت لأجلنا ذبيحة حية مرضية
أمام الله.

وفجأة
وهو في الصلاة هجم الجند وزعماء الدين عليه، وقيدوه ودفنوه وضربوه. ما أعظم
البلية! الحق الحر رُبط من المربوطين في الخطية. ولكنه بقى حراً رغم قيوده، فقد
أتت ساعة الظلمة ودان الظالمون الله بالذات لأجل محبته. ولكن المسيح لم يدن خائنه
المحتال الذي قبّله بقبلة الخيانة كاذباً، إنما رمقه بعينه، معطياً له آخر فرصة
للخلاص، وقال له «يا صاحب». إن محبة الله كلها ودعوته وغفرانه وخلاصه كان
متضمَّناً في هذه الكلمة اللطيفة. فمهما كانت خطيتك عظيمة يسمّيك المسيح «صاحباً».
هل تسمع صوته، وتنكسر تائباً باكياً؟

 

26:
51 وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ ٱلَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ
وَٱسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ
أُذُنَهُ. 52 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ
ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! 53
أَتَظُنُّ أَنِّي لا أَسْتَطِيعُ ٱلآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي
فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ
ٱلْمَلائِكَةِ؟ 54 فَكَيْفَ تُكَمَّلُ ٱلْكُتُبُ: أَنَّهُ
هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟.

أراد
بطرس حسب وعده الدفاع عن ملكوت الله بالسيف، وظن أن بركة العلي ستحلّ على سلاحه.
ولكن المسيح منعه من استعمال العنف. لأن ملكوته يأتي بواسطة اللطف والتأني والمحبة
وحدها. والرب لم يستخدم اثني عشر جيشاً من الملائكة تحت تصرفه، ولم يجرّب الروح
القدس الذي أنبأ بضرورة موته وقيامته لخلاص العالم، بل تقدّم نحو أعدائه وأحبهم.
فلا تجرّب تنفيذ أفكارك بالقوة ولا تحتدّ، بل اصبر وسلّم لربك أمرك، وأحبّ أعداءك
إلى المنتهى.

ثم
شفى المسيح أذن العبد الذي هاجمه بطرس ليقدر أن يسمع كلمة الله مرة أخرى. تصوَّر
تعجُّب العبد إذ رأى أذنه المقطوعة وقد أعادها «عدوه» ملحومة إلى موضعها ولم
يقتله. فهذا الشفاء يؤكد لنا أنه بالنعمة يغفر لأعدائه، ويفتح لهم ملكوت الله
مجاناً.

 

26:
55 فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ
خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ
مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. 56 وَأَمَّا
هٰذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ ٱلأَنْبِيَاءِ.
حِينَئِذٍ تَرَكَهُ ٱلتَّلامِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا.

أحب
يسوع مهاجميه ودافع عن نفسه، ليس بإنكار الحق، بل وبَّخهم بكلماته، وأراهم رياءهم
وجُبنهم وخوفهم من الشعب. وبعدئذ أعلن لهم أن ليس لهم سلطة عليه. إنما الله وحده
هو الذي أظهر بالأنبياء مسبَّقاً أن المسيح سيُسلَّم إلى أيدي الأمم ليفديهم من
رجاساتهم.

وإلى
تلك اللحظة كان التلاميذ ماكثين قرب يسوع. ولكن لمَّا سمعوا أن الله نفسه سلَّم
يسوع إلى أيدي أعدائه هربوا إلى ليل اليأس بائسين.

الصلاة:
أيها الرب يسوع، أنت وديع ومتواضع القلب، وسلَّمت نفسك إلى إرادة أبيك. اغفر لنا
كل عنف وخبث، وعلّمنا سماع كلمتك والإيمان بك، لنتغيَّر وننجو من سيف دينونتك.
فنسلُك ودَعَاء حيث تريد أنت.

 

6 –
يسوع أمام المحكمة الدينية (26: 57-68)

26:
57 وَٱلَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ
ٱلْكَهَنَةِ، حَيْثُ ٱجْتَمَعَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ.
58 وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَارِ رَئِيسِ
ٱلْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ إِلَى دَاخِلٍ وَجَلَسَ بَيْنَ ٱلْخُدَّامِ
لِيَنْظُرَ ٱلنِّهَايَةَ. 59 وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ
وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ
عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، 60 فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ
شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلٰكِنْ أَخِيراً تَقَدَّمَ
شَاهِدَا زُورٍ 61 وَقَالا: هٰذَا قَالَ إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ
هَيْكَلَ ٱللّٰهِ، وَفِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ. 62 فَقَامَ
رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ
بِهِ هٰذَانِ عَلَيْكَ؟ 63 وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة إرمس س

لم
يقدر الشهود الذين مَثَلوا أمام محكمة المجمع الديني أن يُثبتوا علّة واحدة على
المسيح، لأن كل أقوالهم تناقضت مع بعضها، فلم يجد الفقهاء والرؤساء والشيوخ سبباً
ملموساً لإدانة المسيح. فوقف أمامهم بريئاً.

ولم
يفهموا كلمة المسيح عن هدم الهيكل وإعادة بنائه في ثلاثة أيام، لأن المسيح أشار
بهذه النبوة إلى موته وقيامته. مع العلم أنه لم يقل بأنه هو شخصياً سيهدم الهيكل،
بل إن هدموا هم الهيكل فهو مستعد ليبنيه في ثلاثة أيام. وإنما قصد بذلك جسده
الممتليء بلاهوت الله.

وصمت
يسوع أمام افتراءات وأكاذيب البشر. ولمَّا وصلت المحاكمة إلى مرحلة فشلها، قام
قيافا رئيس الكهنة لتلك السنة، وقد كان لمدة طويلة المدَّعي العام الماكر والماهر
في أمته، الذي تلاعب بين الشريعة ومطاليب الرومان، وفي غيظه جرَّب أن يوقع بالمسيح
عن طريق استدراجه لقول يدينه. فيحكمون عليه فوراً. ولكن يسوع لم يجاوب على السؤال
الماكر، بل رمقه بعينيه وأدانه بلا كلمة!

 

26:
63 فَسَأَلَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ: أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ
ٱلْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ
ٱللّٰهِ؟ 64 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ
لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً
عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ.

لمَّا
انتهى استفهام الشهود وثبتت براءة يسوع، عزم قيافا أن يدفع المسيح لتصريح يعتبره
الناموس اليهودي تجديفاً، فاستحلف يسوع المقيّد أمامه ليعلن جوهره ويجاوبه على
السؤال القاطع: إن كان هو المسيح المنتظر ابن الله الحي؟

وفي
ذروة المحاكمة هذه خرج يسوع عن صمته، وأعلن دينونة قاطعة على قاضيه، إذ قال
موجّهاً خطابه أولاً إلى قيافا «أنت قلت. قد عرفت الحقيقة ونطقت بها. ولكن لم تؤمن
بألوهيتي. فستهلك بسبب قولك إن لم تتب».

ثم
وجّه المسيح خطابه لنواب الأمة المصغين إليه بأكثر انتباه، معلناً نفسه أمامهم
بشهادة باهرة أنه المسيح الحق، فسيجلس عن يمين أبيه، الذي هو القوة الوحيدة في
العالم رباً ومالكاً معه، وأنه سيأتي ثانية في سحابة المجد ليدين الأحياء
والأموات، ومن بينهم القضاة الحاضرين أمامه.

وقد
استخدم يسوع لإعلان نفسه نبوة داود في المزمور 110 «قال الرب لربي اجلس عن يميني
حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك». فباستخدام هذه النبوة سمَّى يسوع نفسه رباً
والشيوخ أمامه أعداء الله الذين سيرميهم مقيدين أمام كرسي يسوع.

وأكمل
يسوع إدانته الإلهية عليهم، وشهد أنه ابن الإنسان المذكور في سفر دانيال، الذي
سيأتي في سحاب السماء مفوَّضاً من الله أبيه ومكللاً بالمجد ليدين كل الشعوب
والأفراد. فيسوع المقيَّد أعلن نفسه القاضي الأزلي، وقُضاته الذين أمامه محكوماً
عليهم.

 

26:
65 فَمَزَّقَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: قَدْ
جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ!
66 مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَأَجَابُوا: إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ. 67
حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ 68
قَائِلِينَ: تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا ٱلْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟.

بعدما
أعلن يسوع مجده في جملة واحدة عظيمة، ودعا وجوه شعبه إلى التوبة والإيمان والسجود،
حنقوا وحمى غيظهم، فحكموا عليه بالإعدام لأجل ما سمّوه «تجديفاً» وأهانوا يسوع بكل
إهانة.

وكان
عليهم بمقتضى متطلبات أحكامهم الشرعية أن يضربوا المجدّف الذي في وسطهم فوراً،
رمزاً على أنهم لا يشتركون في ذنبه، بل يرفضون الشرير من بينهم. والبعض بالغ في
هذا الاستهزاء حتى سمّوه «نبي الله» طالبين منه نبوة!

فهل
أنت أفضل من زعماء شعب العهد القديم؟ ما هو قرارك؟ هل تعترف أن يسوع، هو المسيح
المخلِّص ابن الله الحي، أو ترفض ألوهيته وفداءه؟

الصلاة:
نشكرك أيها الرب يسوع، لأنك سكتَّ أمام المجلس الأعلى مدة طويلة، وأعلنت لهم بعدئذ
بجملة واحدة مجدك الكامل. فاملأ قلوبنا بطاعة الإيمان، لنذهب إلى العالم أجمع
وننشر اسمك فيأتي ملكوتك.

 

7 –
بطرس ينكر المسيح (26: 69-75)

26:
69 أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِساً خَارِجاً فِي ٱلدَّارِ، فَجَاءَتْ
إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةً: وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلْجَلِيلِيِّ.
70 فَأَنْكَرَ قُدَّامَ ٱلْجَمِيعِ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي مَا
تَقُولِينَ! 71 ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى ٱلدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى،
فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ: وَهٰذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ
ٱلنَّاصِرِيِّ! 72 فَأَنْكَرَ أَيْضاً بِقَسَمٍ: إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ!
73 وَبَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ ٱلْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: حَقّاً أَنْتَ
أَيْضاً مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! 74 فَٱبْتَدَأَ حِينَئِذٍ
يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لا أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ! وَلِلْوَقْتِ صَاحَ
ٱلدِّيكُ. 75 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلامَ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَ
لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً.

أراد
بطرس أن يتبع المسيح بعزم وجرأة وأمانة، وكان متحمساً ومتكلاً على نفسه، فتبع
المسيح سراً من بعيد، بينما تملَّك اليأس التلاميذ الآخرين فهربوا. ولعله لم يؤمن
بانكسار المسيح، بل رجا أن ينتصر في اللحظة الأخيرة بتأييد ملايين الملائكة،
فيساهم في الانتصار، ويكون لديه من المقرَّبين.

فعثر
لأول وهلة أمام استجواب خادمة بسيطة عرفته في دار الولاية المضاءة، وشهدت بصوت عال
أنه من أتباع يسوع، ولربما جاء لإنقاذه. ولم يرد بطرس النِّقاش مع امرأة، بل فضَّل
الكفاح ضد الرجال، فأنكر سيده أمام كل المستمعين قائلاً للمرأة «لا أعلم شيئاً مما
تقولين».

وهيَّج
سؤال الجارية قلبه بسبب خطر القبض عليه، ولكنه تظاهر بالاطمئنان واللامبالاة. وبعد
قليل قام متمهلاً وخرج من الباب إلى الدار الخارجية لينطلق من النور إلى الظلمة.
فلحقه الشيطان وأرسل امرأة أخرى إليه كشفته بعين المراقبة، فكذب ثانية، وحلف أنه
لم يَرَ المسيح طيلة حياته، فسقط من كذبة إلى أخرى.

ولمَّا
التفت إليه الحاضرون وبينهم جنود وهو يحلف ويصيح، تراكضوا عليه وبرهنوا له من
طريقة نطقه أنه جليلي ولا بد أنه من أتباع المتهم. عندئذ لعن بطرس وحلف أنه لا صلة
به بالمسيح ولم يره ولم يعرفه.

ولكن
المسيح في محبته سخَّر ديكاً ليوقظ بطرس، فصاح الديك وذكَّره بنبوّة المسيح، فأدرك
جُبنه وشرَّه وضعفه، فانكسر وبكى بكاءً مراً. فهنا مات بطرس لكبريائه، وانسحقت
ثقته بنفسه نهائياً. وأنت، ألم يصح الديك لكبريائك وثقتك بنفسك؟ هل عندك جرأة
لتقول إن المسيح هو ابن الله الحي، رغم المنكرين الذين حولك؟

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، اغفر لنا اتكالنا على أنفسنا، واخلق فينا الثقة بالله
وحده، لنثبت في حقك أمناء حتى ساعة التجربة. علّمنا أن نبتعد عن كل كذبة بيضاء،
ونعترف أنك ابن الله ولا ننكرك بصمتنا.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي