"أنتم ملح الأرض" [ع13].

 

 يُلمح
الرب بهذا إلى مدى أهميتهم القصوى للآخرين وكأنما به يقول: إن قيمتكم الاعتبارية
ليست في حياتكم الخاصة منعزلين عن الناس. فها أنا أرسلكم لا إلى مدينة واحدة أو
عشر مدن أو عشرين أو إلى أمة بأجمعها كما أرسلتُ الأنبياء قديمًا، بل إلى كل الأرض
والبحر والعالم بأسره الذي انغمس في الفساد.

وبقوله:
"أنتم ملح الأرض" يشير إلى أن الطبيعة البشرية كلها تفقد مذاقها الجيد
وتفسد بسبب خطايانا، ولأجل هذا يطلب منهم تلك الفضائل لضرورتها القصوى لتقويم
الجنس البشري كله، لكونهم صاروا قادة روحيين لهم ومَثل أعلى يُحتذى.

فالودعاء
والمسالمون والرحماء والأبرار لا ينغلقون أبدًا على أنفسهم، ولا يقصرون أعمالهم
الصالحة على ذواتهم، بل يعملون بكل ما في وسعهم أن تفيض هذه الينابيع الصالحة لخير
الآخرين.

ثم
أيضًا من هو نقي القلب، وصانع السلام، أو المطرود والمضطَهد لأجل الحق، إنما يضع
حياته من أجل الصالح العام، وكأن الرب يقول لتلاميذه لا تظنوا إذًا أنكم قد خرجتم
لأجل جهاد هيِّن أو أنكم صرتم مسئولين عن أمور تافهة بسيطة، بل أنتم "ملح
الأرض".

وماذا
إذن؟ هل سيُصلحون ما فسد؟ كلا! لأنه لا يمكن إصلاح ما تلف مهما نثرت عليه من ملحٍ.
فهذا ليس واجبهم، بل الذين قد سبق وتجددوا واُستعيدوا بالمسيح، وأوكل إليهم أمر
رعايتهم – بعد تحررهم من المذاق الرديء – هؤلاء يملِّحونهم لصيانتهم وحفظهم
وبقائهم على استمرارية جدة الحياة العذبة (
freshness) التي قبلوها من الرب، لأن العمل الصالح الذي أتمه السيد المسيح
هو أن يحرر أولئك الناس من فساد خطاياهم، أما (الرسل) فهم بخدمتهم الدؤوبة وعملهم
الغيور، إنما يَضمنون عدم عودتهم مرة أخرى إلى فساد خطاياهم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ش شرآصر ر

سموهم
على الأنبياء

أترى
كيف يتدرج الرب في الكشف عن سموهم على الأنبياء؟ في دعوته لهم ليكونوا معلمين، لا
لفلسطين وحدها، بل للعالم أجمع. وليسوا كمعلمين بسطاء بل ذوي مهابة وسلطان يرهبه
الجميع. وهذا هو العجب؛ أنه ليس بالمداهنة والإطراء والملاطفة، بل بشحذ هممهم بقوة
كملح الأرض ليكونوا محبوبين وأعزاء على قلوب الناس جميعًا.

وكأن
الرب يقول لهم:

"لا
تندهشوا الآن إن كنتُ أخصكم أنتم بحديثي دون الآخرين، وأدفعكم إلى مخاطر عظيمة
بهذا القدر"، حتى تدركوا إني سأرسلكم لا لترأسوا مدنًا وقبائل وأممًا كثيرة
وأقيمكم رعاة عليها. حيث لا أريد أن تكونوا أنتم أنفسكم حكماء، بل أن تجعلوا
الآخرين أيضًا كذلك. فإن مثل أولئك الأشخاص الذين اُستؤمنوا على خلاص الآخرين هم
في حاجة شديدة أن يكونوا على قدر كبير من الفطنة، وينبغي كذلك أن تكون حياتهم
زاخرة بالتقوى لينفعوا الآخرين أيضًا. لأنه إن لم تصيروا أنتم هكذا، لن تنفعوا حتى
أنفسكم.

فلا
تضيقوا ذراعًا بكلامي لكم، حتى وإن بدا لكم صعبًا بعض الشيء، فبينما من السهل على
الذين فقدوا مذاقهم الطيب أن ينصلحوا بكم، فإنكم أنتم إن فسدتم تفسدون آخرين معكم،
فأنتم بحاجة إلى اجتهاد أعظم بقدر ما كان ما اُستؤمنتم عليه جسيمًا.

فلهذا
يقول الرب:

"ولكن
إن فسد الملح فبماذا يُملَّح؟ لا يصلح بعد لشيءٍ إلا أن يُطرح خارجًا ويُداس من
الناس" [ع13].

لأن
عامة الناس (من غير المعلمين) حتى وإن تكرر سقوطهم، إلا أنه يمكنهم بسهولة نوال
المغفرة، أما المعلم فإن سقط فهو بلا عُذر، بل ويُحرم من كل عفوٍ، ويكون عقابه أشد
على كل إثم ارتكبه. ولئلا يتجنبوا ويحجموا عن الانطلاق للكرازة من قوله لهم:
"إذا ما عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة"، يصارحهم قائلاً:
"ما لم تستعدوا بالمضمون أمام كل ضيقة فقد صار اختياركم عبثًا، فلا ينبغي أن
تخيفكم السمعة السيئة، بل أن تخشوا المظاهر الكاذبة التي تفسد ملوحتكم وعندئذ تُداسون
بالأقدام. أما إذا ظللتم تحتملون كل ما يأتي عليكم من محنٍ في وعيٍ روحيٍ يقظ،
مهما قيل عنكم من كلامٍ شريرٍ، افرحوا وتهللوا. لأن تلك هي منفعة الملح؛ أن يكون
ترياقًا للفساد ويجعل الفاسد عديم فساد. فإن جاءتكم من الناس ملامة أو تعنيف، لا
يقدر أحد أن يضركم بأي حال، بل يشهد على ثباتكم. لكن إن تخليتم بسبب الخوف عن
رزانتكم اللائقة بكم، لدفعتم الثمن باهظًا خصمًا من سمعتكم الطيبة فتصيرون سيِّئي
الصيت، محتقرين من الجميع فهذا هو معنى "تداسون من الناس".

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياته وأعماله 15

 

عمل
على مستوى العالم كله "نور العالم".

11.
ثم يسمو بهم إلى صورة أعلى:

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي