5. "فمن ينقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلّم الناس هكذا،
يُدعى أصغر في ملكوت السماوات" [ع19]

 

وإذ
يخلصهم من شرور الشك ويسد أفواه المعارضين، يستمر في تحذيراته الشديدة تدعيمًا
للوصايا المُقدم على تشريعها. وهو يقول ذلك لا نيابة عن النواميس القديمة بل لأجل
الذي يخاطبهم من أجل تفاعلهم معها وتحقيق الوصايا الكاملة. فأنصتوا لما يلي:

"فإني
أقول لكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السماوات"
(مت 5: 20). لأنه إن كان يقصد إلغاء ونقض ناموس العهد القديم، كيف يقول: "إن
لم يزد بركم على…" لأن من يفعل نفس ما فعله القدامى لا يمكن أن يكون برّه
زائدًا عنهم، فما هو المطلوب؟

ألا
نغضب؟!

ألا
نشتهي امرأة ما شهوة رديئة؟!

فإنه
لأي سبب يا ترى يسمّي تلك الوصايا القديمة "الأصغر" رغم عظمتها وسموها؟
ذلك لأنه هو نفسه كان مزمعًا أن يُظهر لهم تحقيقه لنفس الوصايا. فكما وضع هو نفسه
– وكان يتحدث عن ذاته بمقدار – هكذا كان يفعل بالنسبة لما يشرِّعه من قوانين، فحين
علمنا أن نتواضع في كل شيء، وإذ استشعر شكًا ما حول هذه الوصية الجديدة، كان يتحفظ
في كلامه بعض الشيء. لكن إذا سمعتموه يقول: "الأصغر في ملكوت السماوات"
لا تفتكروا في الجحيم والعذابات، لأنه اِعتاد أن يقصد بكلمة "ملكوت" لا
التنعم هناك فقط، بل أيضًا ما يحدث في يوم القيامة عند مجيئه المخوف. فكيف يمكن أن
يُعقل أن من يدعو أخاه أحمق ويخالف وصية واحدة، ينزل إلى الجحيم؟ بينما من يكسر
الوصايا كلها ويخالفها قد يدخل الملكوت؟ كلا، ليس هذا ما يعنيه أبدًا، بل إن مثل
هذا الإنسان سيكون بمثابة "الأقل أو الأصغر" في ذلك الزمان. أي يعني أنه
سيُطرح في النهاية خارجًا. وبالتأكيد أن الأخير سوف يُطرح في الجحيم: لأن السيد
المسيح هو نفسه الله الذي يعرف بسابق علمه رخاوة الكثيرين، ويعرف مسبقًا أن البعض
سوف يظنون أن أقواله مغالى فيها!

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حدلاي 1

ولهذا
هم يجادلون في الناموس قائلين:

ماذا
لو أن أحدًا دعا آخر يا أحمق، هل يُعاقب؟ وإذا نظر شخص مجرد نظرة إلى امرأة، هل
يصبح زانيًا؟ ولهذا السبب عينه، وحتى يستأصل كل تمردٍ على وصاياه، يضع مسبقًا أقوى
تحذير ضد كل من يتعدى الوصية فيُعثر الآخرين.

 

من
عمل وعلَّم

 

وإذ
نصرف نحن بما يتحدونا إذا خالفنا وصاياه، فلنكف عن هذه المخالفة. وأن نمتنع عن
إحباط همم حافظي الوصايا. والرب يقول: "لكن من عمل وعلَّم، فهذا يدعى عظيمًا
في ملكوت السماوات". لأنه لا يليق بنا أن ننفع أنفسنا فحسب، بل أن ننفع
الآخرين أيضًا. لأن من يقود آخرين معه تعظم مكافأته، لأنه مثلما يدين المعلم أن
يعلم دون أن يعمل بتعاليمه حسب المكتوب: "فأنت الذي تُعلم غيرك، ألست تُعلم
نفسك" (رو 2: 21). هكذا من يفعل ذلك دون إرشاد الآخرين تنقص مجازاته جدًا.
وعلى الإنسان إذن أن يكون متميزًا في العمل، لكي يصوِّب نفسه بنفسه، ثم يتقدم
برعاية الآخرين وخدمتهم. على هذا الأساس شدد المسيح على العمل قبل التعليم، ليؤكد
أنه إن كان هناك من يقدر على تعليم الناس كلهم فلا سبيل أن يفعل ذلك، قبل أن يعمل
أولاً بما يعلِّمه. حتى لا يقول له أحد: "أيها الطبيب اشف نفسك" (لو 4:
23).

لأن
الذي لا يستطيع أن يُعلِّم نفسه، ومع ذلك يحاول أن يقوِّم آخر سيسخر منه كثيرًا،
ولن تكون لهذا الإنسان قدرة على التعليم على الإطلاق، فأعماله تناقض كلامه. لكنه
إن كان كاملاً في الأمرين معًا "سوف يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات".

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي