"ومتى صلَّيت، فلا تكن كالمرائين. فإنهم يُحبون أن يُصلوا
قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد
استوفوا أجرهم" [ع5].

 

وهؤلاء
أيضًا يدعوهم بالمرائين. لأنهم وهم يتظاهرون أنهم يصلَّون لله، يتطلعون حولهم
بحثًا عن الناس، مرتدين لا ثوب التوسل بل ثوب السخف. لأن من يتوسل يتخلى عن كل شيء
آخر، وينظر إلى هذا وحده، إلى الذي يملك القوة ليهبه مطلبه، ولكن إن ترك هذا
الواحد، وراح يتجول ويزوغ بعينيه في كل مكان فإنه سوف يمضي صفر اليدين، لأن هذه هي
إرادته.

ولم
يقل السيد المسيح أن مثل هذا لن ينال أجرًا، بل قد "استوفاه"، بمعنى أنه
ينال أجره من الذين هم أنفسهم يطلبون هذه الأجرة من الله والذي لا يريد ذلك، بل أن
يهب الناس المجازاة التي تأتي من عنده هو وحده. لكنهم يطلبون ما في أيدي الناس،
ومثل هذا لا يستحق بعد أن ينال شيئًا من الله. لأن الآخرين لن يفعلوا معهم شيئًا.

 ولكن
لاحظوا أرجوكم. أن محبة ورأفة الله هي في أنه يعدنا بأن يهبنا الأجر، حتى لأجل
الأمور الصالحة التي نطلبها منه. لكنهم إذ يزدرون بها فلا يطلبون ما يجب وما ينبغي
سواء من الموضع المناسب، أو بحسب ميولهم وتفكيرهم، يظهرون أنفسهم سخفاء جدًا، لهذا
يقدم لنا السيد الرب أمثل الطرق للصلاة ومنها الأجر قائلاً:

 ادخل
إلى مخدعك، فما قولنا إذن ألا ينبغي علينا أن نصلي في الكنيسة؟ بلى. علينا في
الحقيقة أن نصلي هناك دون أدنى شك. لكن بالروح الذي يتكلم عنه هنا. لأن الله يطلب
في كل مكان قصد الجميع أن يتم ما يأمرهم به لأنه إن كنت وأنت في مخدعك وقد أغلقت
بابك. فأنت تفعل ذلك للتباهي. فلن تنفعك الأبواب المغلقة بشيء، وهنا يجدر بنا أن
ننتبه إلى ما يعنيه هذا التعريف بدقة، والذي ذكره حين قال:

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر العدد كتاب حروب الرب ب

 "لكي
يظهروا للناس".

لهذا،
حتى وإن أغلقت بابك، فإنه يطلب منك أن تفعل ذلك بشكل ملائم، فالمقصود ليس إغلاق
الأبواب الخشبية، بل أبواب ذهنك. لأنه مثلما هو الحال في كل شيء آخر، أن تتحرر من
المجد الباطل، فبالأخص يكون الحال في الصلاة، لأنه إن لم نفعل ذلك، يتشتت ذهننا
ولا نركز ولا ننتبه إلى ما نقوله، فهل ندخل في هذا المرض أيضًا، وإن كنا نحن الذين
نصلي لا ننتبه، فهل نتوقع من الله أن يفعل هكذا؟.

 

4.
ورغم ذلك، فإن البعض رغم كل هذه التحذيرات الجادة، يسلكون بشكل غير لائق في
الصلاة. حتى وإن أخفوا شخصهم، فهم يجعلون من أنفسهم ظاهرين للكل بارتفاع أصواتهم،
إذ يصرخون دون لزوم، فيجعلون من ذواتهم موضع سخرية الآخرين؛ سواء بالإيماءات أو
الأصوات. ألا تعلمون أنه إن جاءنا أحد في السوق وفعل هكذا وتوسل في ضجيج وإلحاح
مستفز، نطرده حتى لو توسل إلينا. لكنه إن جاءنا في هدوء وبإيماءة لائقة وصحيحة،
فإنه يكسب عطف من يتوسل ويحسن إليه. فلنصلِ لا بإيماءات الجسد وحركاته ولا بارتفاع
أصواتنا، بل بجدية أذهاننا. لا في جلبة وضوضاء للتباهي أمام الناس القريبين منا،
بل بكل هدوء وتواضع، وتركيز الذهن وبآذاننا الداخلية.

لكن
هل أنتم متشتتو الذهن، ولا تقدرون على الكف عن الصراخ. صحيح أن المتألم ذهنيًا
يفعل ذلك، وأن يصلي ويتوسل مثلما قلت. لكن موسى النبي أيضًا كان متألمًا وصلى
بهدوء وتواضع فسمع الله له، ولهذا قال له الله: "ما لك تصرخ إليَّ" (خر
14: 15). وحَنَّة أيضًا لما كان صوتها غير مسموع، تحقق لها كل ما أرادت. "وإذ
كان قلبها يصرخ" (1 صم 1: 13).

وهابيل
لم يصلِّ وهو صامت بل وهو يحتضر! وصراخ دمه أقوى وأشد من صوت البوق (تك 4: 10).
فهل تئنون أنتم أيضًا مثل هذا القديس. أرجو ألا يكون جوابكم بالنفي. ومثلما يأمرنا
النبي: "مزقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يؤ 2: 13). عليكم أن تصرخوا من
الأعماق إلى الله، لأنه مكتوب: "من الأعماق، صرخت إليك يا رب" (مز 130:
10).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 00

إذن
من العمق من القلب اخرج صوتًا واجعل صلاتك سرية. ألا تعلمون أنه في قصر الملك
الأرضي تسكن كل جلبة، ويرنو صمت في المكان العظيم. أنتم أيضًا، تصرَّفوا هكذا
بلياقة عظيمة وأنتم تدخلون إلى قصر ليس على الأرض، بل هو مهيب أكثر، الذي هو في
السماء. أجلّ، لأنكم منضمُّون إلى طغمات الملائكة ورؤساء الملائكة وتشتركون مع
السيرافيم، وكل هذه الطغمات تُظهر نظامًا صالحًا جدًا، مرنمة في رعدة عظيمة ذلك
اللحن السري (الصوفي) وترانيمها المقدسة لله ملك الجميع، فامتزجوا إذن مع هؤلاء
حينما تصلون واقتدوا بترتيبهم السري.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي