لأنه
مع ما قاله الرب قبلاً. يضع لنا سببًا آخر للشعور بالثقة حيال هذه الأمور قائلاً:
"اطلبوا أولاً ملكُوت الله وبره، وهذه كُلها تُزادُ لكُم" (مت 6: 33).

 

هكذا
وحين حرر النفس من الاهتمام والقلق، ذكر السماء، لأنه في الحقيقة قد جاء ليخلصنا
من الأمور العتيقة، وليدعونا إلى وطن أعظم. لهذا فإنه يفعل كل شيء ليحررنا من
الأمور غير الضرورية، ومن عاطفتنا تجاه الأرض، لهذا السبب يذكر الأمم أيضًا
قائلاً: "إن الأمم تطلب هذه الأشياء" فهم الذين يتركز كل عملهم في
الزمان الحاضر، والذين لا يهتمون بالأمور الآتية (العتيدة). ولا بأي فكر سماوي.
أما بالنسبة لكم، فهذه الأشياء ليست أساسية، بل هناك أمور أخرى أهم. لأننا لم نولد
لهذه الغاية، أن نأكل ونشرب ونلبس، ولكن لنرضي الله، وننعم بالصالحات العتيدة.
ولما كانت الأمور الأرضية هنا ثانوية في عملنا، فلتكن أيضًا ثانوية في صلواتنا.
لهذا قال أيضًا: "اطلبوا أولاً ملكوت الله، وهذه كلها تُزاد لكم"، ولم
يقل "تُعطى لكم" بل "تُزاد لكم" ليعلموا أن أشياء الزمان
الحاضر ليست من بين العطايا الإلهية العظيمة، إذا ما قورنت بالأشياء العتيدة.
ولهذا لم يأمرنا كثيرًا أن نطلبها، بل وبينما نطلب أشياء أخرى لنثق، وكأن هذه
أيضًا قد زيدت على تلك.

 اطلبوا
إذن الأشياء الآتية (العتيدة) وستنالون الحاضرة أيضًا، لا تطلبوا الأشياء المنظورة
لأنكم حتما ستنالونها، بل لا يجدر بكم أن تقتربوا إلى ربكم بمثل هذه الأشياء،
وأنتم الذين يجب عليكم أن تصنعوا غيرتكم كلها واهتماماتكم لأجل البركات التي لا
يُنطق بها، فأنتم تخزون أنفسكم جدًا باستهلاكها في أشياء وقتية.

 ورُبّ
قائل "كيف يكون هذا، ألم يأمرنا أن نطلب الخبز؟" بلى، لكنه أضاف
"اليومي" أو "خبز هذا اليوم" أو (خبز الكفاف) وهو نفس ما
يفعله هنا. فهو لا يقول "لا تهتموا" بل "لا تهتموا بالغد"
مقدمًا، لنا الحرية في نفس الوقت الذي يربط فيه نفوسنا بأشياء أكثر ضرورية لنا، لأنه
لهذه الغاية يأمرنا أن لا نطلب وكأن الله يحتاج أن نذكره بها، بل لكي نتعلم أننا
نحقق ما نحققه بمعونته هو. وحتى نصبح بالأكثر خاصته بصلاتنا الدائمة لأجل هذه
الأمور. لأن الذي يمنح الأعظم، يمنح بالحري الأصغر بدرجة أكبر. إذ يقول الرب:
"إني لا أقول لكم لا تهتموا بهذه الفرص ولا أن تطلبوا، حتى تعانوا من الضيق،
وتتجولوا هكذا عرايا، بل لكي تتوفر لكم هذه الحاجات بوفرة أعظم" وهو أمر كما
ترون يناسب قبل كل شيء أمر انجذابهم إليه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس هـ هوديا ا

 ومثلما
يحدث مع الصدقة. حين كان يمنعهم أن يتباهوا أمام الناس، يأمرهم هنا أساسًا، ويعدهم
بأن يعطيهم حاجاتهم بحرية أوفر، إذ يقول "لأن أباكم الذي يرى في الخفاء هو
يجازيكم علانية" (مت 6: 4). هكذا هنا أيضًا إذ يبعدهم عن طلب هذه الأشياء،
يعدهم أن يعطيهم حتى لو لم يطلبوا، وبفيض أوفر. لهذا يقول إنه لهذه الغاية يأمركم
ألا تطلبوا وألا تأخذوا بأسلوبكم أنتم. فأنتم حين تقلقون حيال العطايا تجعلون
أنفسكم غير مستحقين لها ولا للأمور الأخرى الروحية، فيكون قلقكم بلا مبرر وتحرمون
أنفسكم من المتاح أمامكم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي