"ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريقُ الذي
يُؤدي إلى الهلاكِ، وكثيرون هم الذين يدخُلُون منه. وما أضيق الباب وأكرب الطريق
الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونهُ" [ع13-14]

 

ورغم
ذلك، قال بعدها "نيري هين وحملي خفيف" (مت 11: 30) وما قاله فعله، فكيف
يقول هنا إن طريقه ضيق وكرب؟

أولاً:
إن انتبهتم، فإن الرب هنا يشير أيضًا إلى أن الطريق خفيف جدًا وسهل، ومن الممكن
بلوغه. ورُبّ قائل: ولكن كيف؟ كيف يكون الطريق الضيق والكرب سهلاً؟. لأنه طريق
ولأنه باب، تمامًا مثلما هو الحال مع أيّ طريق وأيّ باب. فمهما كان واسعًا أو ذا
مسافة كافية، فهو في النهاية طريق وباب، ولا شيء يدوم فيهما، فكل شيء يزول- الألم
وكذلك خير الحياة- وليست الفضيلة فقط هي الهينة بل إنها في النهاية تصبح سهلة، لأن
الذي يعزي الذين في الطينة ليس زوال الأعمال والأتعاب في ظهورها في النهاية- لأنها
حتمًا تنتهي من حياتنا- لهذا تكون أتعابنا مؤقتة أما أكاليلنا فهي دائمة: فالأتعاب
تأتي أولاً، ثم تليها الأكاليل، الأمر الذي يمنحنا ارتياحًا كبيرًا في أتعابنا.
لهذا فإن بولس الرسول يدعو الأتعاب بأنها خفيفة، لا بسبب طبيعة الأحداث، بل بسبب
فكر الخصوم الذين ينافسوننا، وبسبب رجائنا المستقبل. إذ يقول: "لأن خفة
ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي، ونحن غير ناظرين إلى الأشياء
التي تُري بل التي لا تُري" (2 كو 4: 17-18) لأنه إن كانت الأمواج والتي تُعد
خفيفة ومحتملة بالنسبة للبحارة، وكذا الضربات القاضية للملاكمين، والصقيع بالنسبة
للكرَّامين، والمذابح والجراح بالنسبة للجنود في المعارك، فإن كل هذه هي بمثابة
الرجاء بالمكافآت المُجزية المؤقتة والزائلة، فكم بالأكثر السماء المُنتظرة
والبركات التي لا يُنطق بها، والمكافآت الآبدية. فكلها لا تجعلنا نستصعب المتاعب
في هذا الزمان الحاضر. فلماذا نهتم بها ولا نهملها؟ فإن الرب يجعلها هينة وخفيفة.
لذا يأمرنا ألا نتحدث إلى الكلاب وألا نقترب من الخنازير وأن نحترس من الأنبياء
الكذبة. ففي كل هذه الأحوال، لا نشعر وكأننا نواجه ضيقات فعلاً، وحقيقة أن الباب
ضيق إنما تسهل علينا الأمور بشكل كبير، إذ يتحتم علينا أن نكون ساهرين. وحين يقول
القديس بولس:

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس قاموس الكنيسة كينونيكون ن

 "
فإن مصادقتنا ليست مع لحم ودم" (أف 6: 12) فإنه يفعل ذلك لا لكي يثبط من
عزائمنا بل ليرفع من أرواحنا كمقاتلين أشداء، وهكذا يفعل السيد الرب لكي يوقظ
المسافرين من غفلتهم ونومهم، فيدعو الطريق بالكرب. وبهذا لا يجعل الناس ساهرين
وحسب، بل يؤكد لهم أن هناك أمورًا أخرى تسندهم وتشدد من أزرهم، وأن آخرين قد لا
يهاجمونهم هكذا علنُا بل هم يخفون أنفسهم، فهذه هي طبيعة الأنبياء الكذبة. ولهذا
يقول: "لا تهتموا، حتى لو كان الباب ضيقًا، والطريق كربًا، بل اهتموا كيف
ينتهي؛ إذ ينتهي إلى الرحابة والاتساع". لهذا اهتموا أن تكونوا يقيظين
منتبهين مستعدين، مثلما يقول في موضع آخر:

 "إن
الغاصبين يختطفون الملكوت" (مت 11: 12) هكذا حين يعلم من يجاهد ويصارع ويتألم
أنه في النهاية يظفر بالربح وترتفع معنوياته وتسمو روحه بالأكثر.

 لهذا
لا نتحير إذا ما اعترضتنا ضيقات كثيرة قد تربكنا، لأن الطريق والباب ضيقان لكن
المدينة واسعة ورحبة. لهذا لا يتوقع المرء راحة هنا، ولا ينتظر تعبًا هناك.

 

8.
ففي قوله "قليلون هم الذين يجدونه" [ع14]

يكشف
عن إهمال الغالبية ويرشد سامعيه إلى عدم الانتباه لآثام الأكثرية بل إلى أتعاب
الأقلية. ويقول الرب أن معظم الطريق إذا ساروا فيه- ليس هو باختيارهم والأمر يشكل
جرمًا شديدًا- ولكننا يجب أن نهتم بالأغلبية فلا تزعجنا تهديداتهم، بل أن نقتدي
بالأقلية وأن نستعد بكل وسيلة إذا ما أردنا الخوض في الطريق الضيقة، لأنه بجانب
أنها ضيقة، فإن هناك الكثيرين الذين يريدون إلقاءنا في الطريق الأخرى لهذا يضيف
الرب قائلاً:

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي