تَفْسِير إِنْجِيلِ
مَرْقُسَ

 

إسم السفر:

إنجيل
مرقس
Mark

الإختصار
: مر =
MR

كلمة
" الإنجيل " تعني بشارة مفرحة :" وهي تعبر عن رسالة المسيحية في
مجملها بكونها بشارة ملكوت الله المفرح.

ويسمي
إيمانيا " إنجيل يسوع المسيح " مر 1 : 1 بكون السيد هو سر دخولنا إلى الفرح
الأبدي إذ به ندخل إلى حضن الأب السماوي.

ويسمي
" إنجيل الرسل "2 كو 4 : 3، بكون الرسل هم الكارزون بهذه البشارة
المفرحة، لذا كثيرا ما يقول الرسول بولس " إنجيلي".

ويسمي
" إنجيل كل الناس " مر10:13،مر15:16بكونه الكرازة المقدمة لكل البشرية
لليهودي والأممي فتضم إلى الملكوت من كل لسان وأمة.

قدم
لنا الوحي الإلهي إنجيلا واحدا " هو إنجيل ربنا يسوع المسيح " بواسطة
الإنجيليين الأربعة " كل منهم يكشف لنا عن جانب معين من الإنجيل الواحد وكأن
كل منهم قدم لنا زاوية معينة حتى يعلن الإنجيل من كل زواياه.

 

كتب
متى – اليهودي – إنجيله إلى اليهود، ولكن يوحنا مرقس (أعمال 12:12) كتب أساسا إلى
الرومان. واسم يوحنا يشير إلى أصله اليهودي، ولكن الاسم اللاتيني مرقس ربما يشير
إلى أنه حاصل على الجنسية الرومانية. ولا يعرف شيء عن أبيه. ويرجح أن يوحنا مرقس
كتب إنجيله في روما أثناء السجن الأول أو الثاني للرسول بولس (فليمون 24:1؛ 2
تيموثاوس 8:1؛ 1:4). ولذلك، فعلى عكس متى الذي لم يقدم شرحا للعادات اليهودية، فإن
مرقس شرح العديد من العادات اليهودية التي قد تكون غير مألوفة لدى القارئ غير
اليهودي (مرقس 18:2؛ 3:7-4؛ 12:14؛ 42:15). وقد قدم تعريفا للأسماء الجغرافية
الفلسطينية والحياة النباتية (5:1،13؛ 13:11؛ 3:13)، وقيمة العملات اليهودية
بالمقابلة مع النقود الرومانية (42:12). وأيضا نظرا لأن الرومان يحبون القوة ولا
يهتمون كثيرا بالتعليم، فإن هذا السفر مليء بالأحداث – فهو يصف تفصيليا 20 معجزة
على الأقل من معجزات الرب يسوع.

ويسجل
مرقس في مناسبات عديدة مشاعر الرب يسوع وردود أفعاله: فنظر حوله إليهم بغضب حزينا
على غلاظة قلوبهم (5:3؛ أيضا 34:7؛ 12:8).

والغرض
الرئيسي من إنجيل مرقس هو إثبات ألوهية يسوع كابن الإنسان وابن الله ومخلص
المؤمنين التائبين. إن يسوع أكثر من مجرد إنسان عظيم، هذا ما نقرأه في افتتاحية
الإنجيل: بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله (مرقس 1:1). وقد أثبت مرقس ذلك بأن أظهر
السلطان الذي مارسه يسوع على الشياطين وعلى المرض وعلى الموت وعلى العناصر.

وتأتي
عبارة ابن الله خمس مرات في هذا الإنجيل (مرقس 1:1؛ 11:3؛ 7:5؛ 61:14؛ 39:15). وقد
سجل مرقس كلام الآب عند معمودية الرب وعلى جبل التجلي مشيرا إلى يسوع باللقب ابني
الحبيب (مرقس 11:1؛ 7:9).

وقدم
مرقس أيضا الرب يسوع كالخادم الكامل والعامل لحساب الله. وتتضح الإرسالية الهامة
للرب يسوع كخادم لله في بعض الكلمات مثل " في الحال " و" للوقت
" التي تستخدم أكثر من 40 مرة. لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل ليخدم
وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مرقس 45:10).

ولا
أحد يهتم بسلسلة نسب خادم، لذلك لم يذكر مرقس شيئا عن نسب يسوع. ولا يوجد ذكر
لملائكة تعلن ميلاده، ولا مجوس يبحثون عن الملك، ولا عن حكمته التي أدهشت أساتذة
اللاهوت عندما كان في الثانية عشر من عمره. وعلى عكس متى، فإن مرقس لم يسجل
الموعظة العظيمة على الجبل ومعظم أمثال الرب يسوع حيث أن الخدام لا يشتهرون بما
يقولون ولكن بما يفعلون.

لم
يكن مرقس واحدا من الاثني عشر رسولا ولكنه كان شابا مسيحيا يعيش في أورشليم. وأمه
مريم كانت أيضا مسيحية، وكانت الكنيسة الأولى تجتمع عادة في بيتها (مرقس 51:14-52؛
أعمال 12:12-13).

وكان
برنابا المرسل – وهو لاوي من قبرص – هو خال مرقس (أعمال 36:4؛ كولوسي 10:4). وقد
رافق مرقس بولس وبرنابا في رحلتهما المرسلية الأولى ولكنه عاد إلى بيته قبل
إتمامها (أعمال 25:12؛ 2:13-5،13). ولذلك رفض بولس صحبة مرقس في رحلته المرسلية
الثانية (أعمال 37:15-38). ولكن في وقت لاحق، كتب بولس قائلا: خذ مرقس وأحضره معك
لأنه نافع لي للخدمة (2 تيموثاوس 11:4). وقد ذهب مرقس أيضا مع بطرس إلى بابل (1
بطرس 13:5).

 

إنجيل
مرقس هو الثاني في ترتيب الأناجيل الأربعة مع أن هذا لا يعني بالضرورة أنه كتب بعد
إنجيل متى. وهو أقصر الأناجيل الأربعة والمادة التي يقدمها في تفصيل كثير. فتقدم
قصة حياة المسيح وأعماله وصلبه وقيامته بسرعة وفي تصوير رائع وفي مناظر تصويرية
قوية متعاقبة الواحد تلو الاآخر. وتسير هذه المناظر في ترتيب تاريخي متسلسل. ويوجه
مرقس عناية خاصة إلى ما عمله المسيح أكثر مما يوجهه إلى تعليم المسيح فيذكر لنا
لأربعة فقط من أمثال المسيح ويسجل لنا خطاباً واحداً طويلاً من خطابات المسيح ابن
الله القدير (مر 1: 11 و5: 7 و9: 7 و14: 61 وكذلك مر 8: 38 و12: 1 – 11 و13: 32
و14: 36)، والمخلص الظافر المنتصر. ويسرد مرقس الحوادث تحت عنوانين: مناداة المسيح
وخدمته في الجليل (مر 1: 14 – 509) والأسبوع الأخير في اورشليم (مر 11: 1 – 16:
8). ويصل بين هذين الموضوعين الرئيسيين بذكر الحوادث التي تمّت في المدة المتوسطة
بين هذين الزمنيين (مر 10: 1 – 52) وتسري فكرة الألم والصليب خلال الإنجيل كله
فيذكرها البشير ويعيد على الأذهان مرة بعد الأخرى وقد استعوب ذكر آلام ثلث الإنجيل
تقريباًُ ويظهر ظل الصليب في الصفحات الأولى من البشارة (مر 2: 20 و3: 6). فإن
طريق التتلمذ للمسيح هي طريق حمل الصليب (مر 8: 34 وما يليه). وتتضمن معمودية
الألم وتجرع الكأس (مر 10: 38 وما يليه). ولا توجد كلمات تصدق على مادة الإنجيل
وروحه أكثر من كلمات المسيح الواردة في مر 10: 45 وفي كلمات قائد المئة في مر 15:
39

 

كاتب السفر:

+
القديس مرقس الرسول، واسمه بالكامل يوحنا مرقس، لأن أسمه بالرومانية مرقس (مطرقة)،
وبالعبرية يوحنا (الله يتحنن).

+ أحد
السبعين رسولا، لم يكن من الأثنى عشر تلميذا وهو ابن أخت برنابا (كو10:4).

+ خدم
مع الرسول بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولي،وإذ عاد من برجة بمنفيلية (أع
13 : 13) ربما لمرضه لم يقبل الرسول أن يأخذه معه في الرحلة الثانية،فانطلق يخدم
مع خاله برنابا في قبرص (أع 15: 37)، وقد طلبه الرسول في اللحظات الأخيرة من حياته
بكونه نافعا له في الخدمة (2 تي4 : 11)،وقد أحبه بطرس الرسول كثيرا حتى أنه يكتب
عنه"مرقس ابني" (1بط 13:5).

+ كرز
في ليبيا موطنه الأصلي.

+ ذكر
اسمه تسع مرات في العهد الجديد.

+ جاء
مرقس الرسول إلى بلادنا المصرية ووعظ بالمسيح وأنشأ مدرسة الإسكندرية المسيحية
لمواجهة المدرسة الوثنية.

+
ووقع عليه اضطهادا عظيما من الوثنين فمات شهيدا من شدة العذاب بعد رسامته أسقفا
وقسوسا وشمامسة.

+ اسم
أمه مريم، وكانت تسكن في أورشليم وهى تقية،استخدمت علية بيتها كأول كنيسة في
العالم،فيها أسس السيد المسيح سر الإفخارستيا "الفصح الجديد"،وفيها تمتع
التلاميذ بظهور السيد المسيح بعد قيامته،وبحلول الروح القدس يوم الخمسين وفيها كان
التلاميذ يجتمعون خاصة في اليوم الأول من كل أسبوع لممارسة العبادة المسيحية
(أع12:12).

 

1-
الدليل الخارجى : إن الدليل الخارجى على كاتب هذا الإنجيل، هو ما جاء فى كتابات
الآباء، وفى المخطوطات القديمة. وأهم ما جاء فى كتابات الآباء، ما يلى :

 

أ-
بايياس : فى أسيا الصغرى فى حوالى 125م – (كما يقتبس ذلك يوساييوس): "وهذا ما
قاله الشيخ أيضاً: إذ أصبح مرقس مترجماً لبطرس، كتب بتدقيق كل ما تذكره (أو سجله)
عن ما قاله أو ما عمله المسيح، ولكن بغير ترتيب، لأنه لم يسمع الرب قط، ولم
يرافقه، ولكنه التصق فيما بعد – كما قلت- ببطرس الذى اعتاد أن يصوغ تعليمه حسب
الحاجة (حاجة سامعيه)، ولكن ليس من قبيل وضع رواية مرتبة لأحاديث الرب، ولذلك فأن
مرقس لم يخطئ فى كتابته بعض الأمور كما تذكرها، لأنه اهتم بأمر واحد وهو ألا يحذف
شيئاً من الأمور التى سمعها وألا يزيف شيئاً فيها".

ب-
يوستينوس الشهيد : فى فلسطين والغرب فى حوالى 150م- (فى حواره مع تريفو اليهودى):
" وعندما يقال أنه (المسيح) قد أطلق على واحد من الرسل اسم بطرس، وعندما يسجل
هذا فى "ذكرياته" مع هذه الحقيقة الأخرى، وهى أنه قد أطلق على ابنى زبدى
لقب "بوأنرجس" أى أبنى الرعد…إلخ".

ج-إيريناس:
فى أسيا الصغرى وبلاد الغال أى فرنسا (حوالى 175م – كما يقتبسه يوسابيوس):
"بعد أن ألبس الرسل قوة الروح القدس، وأعدوا تماماً لخدمة الكرازة لكل
العالم، أنطلقوا إلى أقاصى الأرض يبشرون بالإنجيل، فذهب متى شرقا إلى من هم من أصل
عبرأنى وبشرهم بنفس لغتهم، اللغة التى كان قد كتب بها إنجيله، بينما ذهب بطرس
وبولس غربا وكرزا وأسسا الكنيسة فى رومية، ولكن بعد رحيل هؤلاء سلَّم لنا مرقس
تلميذ بطرس وترجمه، الأمور التى كرز بها بطرس، مكتوبة".

د-
أكليمندس الإسكندرى : (حوالى 200م) : "كانت المناسبة التى كتب فيها إنجيل
مرقس كما يلى: بعد أن كرز بطرس علناً بالكلمة فى روما، ونادى بالإنجيل بالروح
القدس، توسل كثيرون من الحاضرين لمرقس كواحد من الذين تبعوا بطرس زمناً طويلاً
ويذكر كل ما قاله، أن يدون لهم ما تكلم به بطرس. وبعد أن كتب مرقس الإنجيل قدمه
للذين كانوا قد توسلوا إليه. وعندما نما ذلك الى علم بطرس لم يعترض عليه ولم
يشجبه".

وايضاً:
"ولما كان الرومانيون مفتونين بالنور الذى سطع على عقولهم من أحاديث بطرس، لم
يقنعوا بمجرد السمع وإعلان الحق الحى، بل أسرعوا يلتمسون بإلحاح من مرقس- الذى
إنجيله بين أيدينا، وكان من أتباع بطرس- أن يسجل لهم كتابة التعليم الذى قبلوه
مشافهة، ولم يكفوا عن إلحاحهم، حتى أقنعوه برأيهم، وهكذا كانوا سبب كتابه الإنجيل
المسمى "بإنجيل مرقس"، ويقال أنه عندما علم الرسول- بإلهام الروح القدس-
بما حدث، سر باهتمام الناس بذلك وأمر بأن يُقرأ ما كتب فى الكنائس".

ه-
ترتليان : من شمالى أفريقيا (حوالى 207م): يتحدث عن سلطان الأناجيل الأربعة فيقول
أن اثنين منها كتبهما رسولان، والأثنين الآخرين كتبهما رفيقان للرسل، "بما
فيهما ما نشره مرقس، لأنه يمكن أن يعزى لبطرس الذى كان مرقس مترجماً له".

و-
أوريجأنوس: فى الإسكندرية والشرق (حوالى 240م) : "والإنجيل الثاني لمرقس الذى
كتبه تحت إرشاد بطرس الذى يقول عنه فى رسالته الجامعة (مرقس ابنى) " (1 بط 5:
13).

ز-
يوساييوس القيصرى: من قيصرية (حوالى 325م): "ومع أن بطرس لم يشرع- لفرط
التواضع – فى كتابة إنجيل، فأنه مع هذا قد ذاع منذ البداية أن مرقس- الذى كان قد
أصبح من أتباعه الحميمين الملازمين له – قد سجل مذكرات بأحاديث بطرس عن أعمال
يسوع"، و"فى الحقيقة أن الذى يكتب هذا هو مرقس، ولكن بطرس هو الذى يشهد،
لأن كل ما فى مرقس أنما هى مذكرات أو تسجيلات لأقوال بطرس".

ح-
أيفانيوس : من قبرص (حوالى 350م): "وبعد متى مباشرة، إذ أصبح مرقس من تابعى
القديس بطرس فى روما، أوكلت إليه كتابة إنجيل، وإذ أكمل عمله، أرسله القديس بطرس
إلى مصر".

ط-
جيروم : فى الشرق والغرب (حوالى 350م) : "أن مرقس- تلميذ بطرس ومترجمه- كتب
بناء على طلب الإخوة فى رومية إنجيلاً مختصراً طبقا لما كان قد سمع بطرس يرويه.
وعندما بلغ بطرس ذلك، وافق عليه وأمر أن يُقرأ فى الكنائس".

كما
ذكر أيضاً: "… فقد كان عنده تيطس مترجماً، تماماً كما أن بطرس المبارك كان
له مرقس مترجماً، والذى كتب إنجيله، فقد كان بطرس يروى ومرقس يسجل".

وفى
مقدمة تفسيره لإنجيل متى : "والثاني هو مرقس، مترجم الرسول بطرس وأول أسقف
لكنيسة الإسكندرية، الذى لم ير الرب يسوع بنفسه، ولكنه سجل بكل دقة – أكثر مما
يترتب – أعماله التى سمع معلمه يكرز بها".

ويجب
أن يضاف إلى كل هذا، ما جاء بالوثيقة الموراتورية (وهى جذاذة صغيرة، ترجع إلى
حوالى 170م) التى تقدم لنا قائمة بأسفار العهد الجديد مع كلمة موجزة عن كل كاتب.
وقد فقد ما جاء عن متى ومعظم ما جاء عن مرقس، ولم يبق عن مرقس سوى عبارة مقتضبة.

أن
الأسماء المذكورة بعاليه، تمثل كنائس القرون الثاني والثالث والرابع، كما تمثل فى
الواقع كل ركن من أركان العالم الرومانى. وواضح جداً أن الرأى الشائع هو أن مرقس
كتب إنجيله الذى أعطانا فيه – أساساً– تعليم بطرس.

وليس
ثمة سبب معقول يدعو إلى الشك فى أن أنجيلنا الثاني هو المشار إليه فى كل هذه
الأقوال. والأربعة الأناجيل التى بين أيدينا، هى بكل تأكيد، الأربعة التى ذكرها
إيريناوس وتاتيان. وقد أثبت "سلمون" فى مقدمته أن يوستينوس الشهيد
وبابياس ومعاصريهما – سواء من قويمى العقيدة أو غنوسيين- قد قبلوا نفس هذه
الأناجيل الأربعة، وإشارة يوستينوس إلى اللقب "يوانرجس" تؤيد ذلك فيما
يتعلق بإنجيل مرقس، حيث أنه هو فقط الذى ذكر هذا اللقب (مر 3: 17).

وواضح
أيضاً – بنفس الدرجة – من هذه الأقوال، أن إنجيل مرقس – فى جوهره- هو لبطرس، فمرقس
يدعى تلميذاً وتابعاً ومترجماً لبطرس. ويرجع أوريجانوس فى هذا الخصوص إلى قول
بطرس: "مرقس ابنى " (1 بط 5: 13). وكلمة "تلميذ" تفسر نفسها،
وكذلك كلمة "تابع" التى لا تعنى مجرد رفيق فى السفر، أما كلمة
"مترجم" فأقل منهما وضوحاً، فيرى البعض أنها تعادل كلمة
"مترجم" بمعناها المعروف، أى أن مرقس إما ترجم أقوال بطرس الأرامية إلى
اللغة اليونانية للمسيحيين الهيلينيين فى أورشليم، أو أنه نقل أقوال بطرس اليونانية
إلى اللغة اللاتينية للمسيحيين فى رومية (سويت وغيره)، ويرى البعض الآخر – كل
القدماء ومعظم المحدثين (مثل زاهن وسلمون) – أنها تعنى "مفسراً أن مرقس سجل
كتابة ما علَّم به بطرس شفاهاً.

ولا
توجد أى إشارة صريحة إلى أن مرقس نفسه كان تلميذاً ليسوع، أو أنه كان شاهد عيأن
لما سجله، بل إنه يبدو من عبارة بابياس أنها تؤكد عكس ذلك، ومع ذلك فأن تلك
العبارة قد تعنى ببساطة أنه لم يكن شخصياً تلميذاً ليسوع، وليس أنه لم يره على
الإطلاق.

والوثيقة
الموراتورية غير واضحة، فقد فهمت عباراتها المتقطعة بصور مختلفة، ويرى" زاهن "
أنها تعنى : " …فى بعض الأحداث (فى حياة يسوع) كان موجوداً، فقام
بتسجيلها"، ويقول "تشيز" وآخرون أن المعنى هو أن مرقس – الذى يحتمل
أنه هو الشخص الذى قد قالوا عنه أنه لم يكن ملازماً لبطرس باستمرار – كان حاضراً
عند إلقاء بطرس لبعض أحاديثه فقام بتسجيلها "ويعتقد "تشيز" أن
العبارة التالية للعبارة السابقة، والتى تتعلق بلوقا تدعو إلى الاعتقاد بأن مرقس
ولوقا لم يريا الرب، ولكن لعل الذى كان فى ذهن الكاتب هو بولس وليس مرقس، ولكن هذا
التفسير يضعف- إلى حد ما- من ارتباط مرقس ببطرس.

ويمكن
اعتبار شهادة الآباء وجزة فى عنوان الإنجيل فى أقدم المخطوطات، وهو " بحسب
مرقس "، وهى تشير إلى الكاتب وليس إلى مصدر معلوماته، وإلا لكان من الضروري
أن تكون " بحسب بطرس "، ولهذا أهميته فى إلقاء الضوء على شهادة التاريخ
بالنسبة لكاتب الإنجيل الأول، حيث تذكره كل المخطوطات " بحسب متى ".

 

2-
الدليل الداخلي : ويقدم لنا الدليل الداخلي الكثير لتأييد هذا وليس العكس، وأن
بطرس كان من ورائه، مما يتفق مع الحقائق التالية :

أ- إن
التفاصيل الحية السابق الإشارة إليها (ثانياً –6)، لابد أنها جاءت عن شاهد عيان.

ب-
يمكن فهم بعض التعبيرات المحيرة فى قوائم الأسماء على أساس أنها ترجمة مرقس لما
جاء على لسان بطرس كما فى مرقس (1: 29)، فلعل بطرس قال: " وعدنا للمنزل
ورافقنا يعقوب ويوحنا ". وكذلك فى مرقس (1: 36) بالمقابلة مع وصف لوقا (لوقا
4: 42و43)، مرقس (3: 16)، (13: 3).

ج-
هناك فقرتان (مر9: 6، 11: 21) تصفان فكر بطرس الشخصي، وبعض الفقرات تذكر أحداثاً
قد لا يذكرها إلا بطرس، كما فى مرقس (14: 37و66-72، 16: 7،وكذلك 7: 12-23 في ضوء
ما جاء في أعمال 10: 15).

د-
ترتيب الأسماء فى مرقس (3: 7) يناسب وجهة نظر بطرس الجليلي، أكثر مما يناسب وجهة
نظر مرقس الذى كان من أورشليم : الجليل – اليهودية – أورشليم – أدومية – صور –
صيداء. إن هذه الإشارات البسيطة غير المتكلفة، لخير دليل على أن هذه لغة واحد رأى
بعيني رأسه، ويتحدث عن مشاعره الشخصية.

ه-
ويكتب مرقس – بصفة عامة، مثلما يكتب متى – من وجهة نظر الاثنى عشر، أكثر مما يكتب
لوقا. كما أن مرقس يكتب – أكثر مما يفعله متى – من وجهة نظر الثلاثة الذين كانوا
أكثر التصاقاً بيسوع (انظر مرقس 5: 37 مع مت 9: 32- حيث لا يشير متى بأي إشارة إلى
الثلاثة)، كما أن الترتيب غير العادي للأسماء فى الفقرة المقابلة لها فى لوقا (8:
51)، يدل على أن يعقوب كان مصدره الأساسي. وواضح أن لغة مرقس (فى 9: 14) هى لغة
واحد من الثلاثة، وقد تكون عبارة لوقا كذلك أيضاً، ولكنها ليست كذلك فى متى،
والمقارنة بين ما جاء فى إنجيلي متى ومرقس، وما جاء فى إنجيل لوقا (9: 51-18 :14)
يدعم هذا الرأي.

و-
التوافق بين ما جاء فى إنجيل مرقس مع ما أوجزه بطرس فى حديثه فى بيت كرنيليوس
(أع10: 37-41).

ز-
يتفق هذا الإنجيل مع صفات بطرس، فقد كان سريع الانفعال أكثر منه متأنياً، وعاطفياً
أكثر منه منطقياً. وعند مثل هؤلاء الناس، ليس للحوار أهمية كبيرة، بل الأعمال هى
الأهم.

وقد
يبدو أن مما يغض من هذا كله، أن الأحداث الثلاثة المثيرة فى حياة بطرس والمذكورة
فى إنجيل متى، وهى : المشي على الماء (مت14: 28-33)، وموضوع الجزية (17: 24-27)،
والكنيسة ومفاتيح الملكوت (16: 16-19)، لا يرد لها ذكر فى إنجيل مرقس، ولكن ليس
ذلك إلا مجرد لمسة من الكياسة والوداعة ونكران الذات، نتيجة رفقته وارتباطه بيسوع،
فنحن نرى يوحنا – فى إنجيله – يخفى نفسه بصورة مشابهة، فهؤلاء الأشخاص أكثر ميلاً
إلى ذكر الأمور التى تلقى الضوء على ضعفهم. والمرة الوحيدة التى يذكر فيها متى
أسماء الاثنى عشر، يطلق على نفسه لقب " العشار" (مت 10: 3)، وهكذا "
لا يظهر بطرس مطلقاً فى دور بارز فى إنجيل مرقس إلا عندما يتلقى التوبيخ"
(بيكون).

 أما
فيما يختص بكتابة مرقس لإنجيله، فالدليل الداخلي يبدو ضئيلاً، فهو كالباقين – لا
يبرز نفسه، ومع هذا، فإن أي تلميحات – مهما كانت ضئيلة – تصبح بالغة الأثر.

 ولعل
هناك شيئاً له أهميته، فيما يراه" زاهن " فى أن وصف يوحنا بأنه "
أخو يعقوب "، إعلان – عن غير قصد – لحقيقة أن اسم الكاتب كان " يوحنا
" (يوحنا مرقس). علاوة على ذلك، هناك فقرتان أخريان أكثر وضوحاً وتدعم
إحداهما الأخرى: فقصة الشاب التى وردت فى مرقس (14: 51) تبدو بملامح مختلفة عن
باقي أحداث الإنجيل، ولكن لو كان مرقس نفسه هو ذلك الشاب، فإن ورودها يصبح
مفهوماً، وفى هذه الحالة يكون من المحتمل أن العشاء قد أقيم فى منزله، وأن العلية
هى نفس المكان الذى ذكر فى الإصحاح الثاني عشر من سفر الأعمال، ومما يدعم هذا
الرأي الوصف الكامل للعلية الوارد فى إنجيل مرقس، وبخاصة كلمة " معدة "،
وهى لمسة طبيعية يتردد فيها صدى ارتياح ربة البيت عندما ترى أن كل شئ قد أصبح
معداً للضيوف، ويبدو هذا مؤكداً عند مقارنة مرقس (14: 17) بما يقابله فى إنجيلي
متى ولوقا، ففى متى (26: 20) نقرأ: " ولما كان المساء اتكأ مع الاثنى عشر
"، وفي لوقا (22: 14) : " ولما كانت الساعة اتكأ والاثنى عشر رسولا معه
"، بينما يقول مرقس : " ولما كان المساء جاء مع الاثنى عشر "، وهذه
العبارة لأخيرة تمثل تماما لغة واحد من أهل البيت يرى يسوع والاثنى عشر وهم
يقتربون من المنزل. وما أروع ملاءمة عبارات : " والتلاميذ.. الاثنى عشر
"، " والاثنى عشر رسولا"، " والاثنى عشر" للبشيرين متى
ولوقا ومرقس على الترتيب. ومثل هذه الظواهر التى تأتى دون تخطيط (إلا من الروح
القدس الذى أوحى بها إليهم)، هى التى لا يمكن أن تكون قد أضيفت مؤخراً، وتصبح أقوى
برهان على صحة القصة وتاريخيتها، وسنتناول وجهات النظر المعارضة فيما يلي :

 

تاريخ كتابة السفر:

ذكر
ايرينيوس أحد آباء الكنيسة الأولين أن مرقس كتب البشارة التي تحمل اسمه قائلاً: "بعد
أن نادى بطرس وبولس بالإنجيل في روما وبعد انتقالهما (أو خروجهما) سلم لنا مرقس
كتابة مضمون ما نادى به بطرس". وإذا كان الأمر كذلك فربما كتب هذا الإنجيل
بين عام 65 وعام 68 م.

ويلاحظ
أن الجزء الأخير من الإنجيل وهو (ص 16: 9 – 20) وجد في بعض المخطوطات القديمة ولم
يوجد في البعض الآخر مثل المخطوطة السينائية ومخطوطة الفاتيكان. ولكن يجب أن لا
يغرب عن بالنا أن حوادث الظهور الواردة في هذه الأعداد وكذلك أقوال المسيح المقام
المذكورة فيها حقائق دامغة يؤيدها ورودها في الأناجيل الأخرى.

 

أجمع
كل علماء الكتاب المقدس وكل الدارسين فيه، علي أن إنجيل مارمرقس هو أقدم ما كتب من
الأناجيل. وقد إختلف الكثيرون في تاريخ كتابته.

فابن
كبر يقول إنه كتب في سنة 45م. والقديس إيريناوس يقول إنه كتب بعد إستشهاد القديسين
بطرس وبولس أي بعد سنة 67م.

وتتراوح
التواريخ الأخري بين هذين..

ورأي
القديس يوحنا ذهبي الفم أن مارمرقس كتبه في مصر.

ومعني
هذا أنه كتب بعد سنة 55م أو حوالي سنة 61م والثابت أيضاً أنه كتب باللغة اليونانية
التي كانت معروفة وقتذاك وفي رومية أيضاً ثم ترجم بعد ذلك إلي اللاتينية وإلي
القبطية

 

هناك
انقسام شديد فى الأقوال القديمة عن تاريخ كتابة هذا الإنجيل، فالبعض يرجعون به إلى
السنة الأربعين بعد الميلاد، والكثير من المخطوطات ترجع به إلى عشر سنوات أو اثنتى
عشرة سنة بعد الصعود، ولكن سويت يرفض ذلك، باعتباره يعود إلى تقليد خاطئ بأن بطرس
بدأ خدمته فى رومية فى السنة الثانية لحكم كلوديوس (42م)، كما يرفض رأى يوحنا فم
الذهب (الذى تؤيده بعض المخطوطات القديمة) القائل بأنه كتب فى الإسكندرية، على أساس
أن ذلك خطأ نتج عن العبارة التى ذكرها يوسابيوس عن ذهاب مرقس إلى مصر وتبشيره هناك
بالإنجيل الذى كتبه، فهو يقول ذلك مخالفاً الأدلة القوية الكثيرة على أنه كتب فى
رومية فى زمن قريب من زمن استشهاد بطرس. كما أن هناك تعارضاً بين إيريناوس كما
يفهم عادة – وبين سائر الآباء، لأن إيريناوس – كما يبدو – يجعل ذلك بعد موت بطرس،
بينما جيروم وأبيفانوس وأوريجانوس وأكليمندس الإسكندري، يقولون بوضوح إن ذلك حدث
فى حياة بطرس. ولكن ليس من اللازم أن نحمل كلام إيريناوس على هذا المحمل، فقد يكون
قصده أنه كتب فى حياة بطرس، ولكنه نشر بعد موته. وقد رأى كريستوفورسن (1570م) ذلك،
مؤيداً رأيه بافتراض أن الكلمة هى “
ékdosin” أي " تسليم أو حبس "بدلاً من كلمة “éxodon” أي " خروج " التى تروى عن
إيريناوس. وقد اعتقد جريب ومل وآخرون أن إيرناوس لم يشر إلى موت بطرس ولكن إلى
رحيله من روما فى رحلة كرازية، ولكننا إن أخذنا كلمة “
éxodon” بهذا المعنى، فمن الأفضل أن نفهم منها الرحيل من فلسطين أو سوريا
بدلاً من الرحيل من روما. وبالتأكيد يبدو أن عبارة إيريناوس من أن الرسل أصبحوا
مهيئين تماماً لخدمة التبشير، تشير إلى أنهم كانوا يتأهبون لترك فلسطين. ثم يردف
بالقول بأن متى ومرقس، كتب كل منهما إنجيله. ويقرر يوسابيوس بصراحة أن متى بدأ فى
كتابة إنجيله " عندما كان على وشك أن يغادر فلسطين، ليذهب إلى شعوب
أخرى". ويحتمل جداً أن نفس الأمر ينطبق على مرقس. ولو كانت الحقيقة هي أن
الرومانيين فى قيصرية أو أنطاكية قد طلبوا من مرقس أن يكتب لهم الإنجيل، لكان من
السهل أن نفهم كيف تحول الموضوع كله فى زمن إيريناوس، إلى رومية.

 

ولو
قبلنا وجهة النظر هذه، لكان من غير المحتمل أن يكون ذلك قبل انعقاد المجمع فى
أورشليم والأحداث المذكورة فى الرسالة إلى أهل غلاطية (2: 11-15). والحقيقة هى أن
العهد الجديد يذكر أن الرسل قد غادروا أورشليم قبل ذلك، وكلن ليس من المحتمل أن
يكونوا قد تجاوزوا سوريا. وعلى أى حال، فإنه فى وقت حدوث النزاع فى أنطاكية، لم
يكن لديهم الوضوح الكامل عن العلاقة بين اليهود والأمم فى الكنيسة، أى لم يكونوا
" مهيئين تماماً لخدمة الكرازة فى كل العالم". ولكن أليس من المحتمل أن
عبارة بولس القوية عن خطورة الخطأ الذى وقعوا فيه، قد حسمت فعلاً المشكلة فى أذهان
القادة ؟ فإن كان الأمر كذلك، وإن كانوا فى بصيرة وغيرة جديدتين، يعودون إلى خدمة
الكرازة فى كل العالم، فإن ذلك كان يمكن أن يهيئ فرصة طبيعية وثمينة لكتابة
الإنجيل. وعليه قد تكون قيصرية أو أنطاكية هى مكان كتابة الإنجيل، وأن لا يكون
تاريخ الكتابة قبل 50م. هذه هى خلاصة الشهادة القديمة. أما الرأي الحديث فيما
يتعلق بالتاريخ، فقد امتد واتسع كثيراً عن الرأي القديم، فبوير وستراوس اضطرا –
تحت ضغط ميولهما ونظرياتهما الخيالية – إلى تحديد زمن كتابة الإنجيل فى القرن
الثاني الميلادي، ويميل النقد الحديث ميلاً قوياً إلى تحديد التاريخ فى الستينات
من القرن الأول، وعلى الأخص فى أواخر الستينات، مستندين فى هذا إلى بعض التلميحات
المذكورة فى الإنجيل نفسه من ناحية، ومن الناحية الأخرى على علاقته بإنجيلي متى
ولوقا. والتلميحات التى يرجعون إليها عادة هى المذكورة فى مرقس (2: 26)، وفى
الأصحاح الثالث عشر أيضاً. فالشاهد الأول يذكر الهيكل بصورة توحى بأنه كان مازال
قائماً، ولكن ليس لهذه العبارة هذه الدلالة إلا متى كانت الجملة الموصولة إضافة
توضيحية من مرقس. أما الأصحاح الثالث عشر فله دلالة أقوى، لأنه لو أن أورشليم كانت
قد سقطت من قبل، لما تغاضى عن الإشارة إلى هذه الحقيقة.

 

ويمكن
أن نذكر لمحتين بسيطتين أخريين، فعدم ذكر الأناجيل الثلاثة الأولى حادثة إقامة
لعازر، وعدم ذكر اسم مريم فى حادثة دهن يسوع بالطيب، يرجحان تاريخاً مبكراً حين
كان ذلك غير مقبول بالنسبة للعائلة، وعندما نشر الإنجيل الرابع، من المحتمل أنهم
لم يكونوا أحياء. كما أن وصف يوحنا بأنه أخو يعقوب (5: 37) قد يعود بنا ايضاً إلى
زمن مبكر عندما كان يعقوب أكثر الأخوين شهرة وتقديراً.

 

والعلاقة
بين الأناجيل الثلاثة مرقس ومتى ولوقا، لها أهميتها، وبخاصة إذا ثبت الاعتقاد
الواسع الانتشار بأسبقية مرقس. أما التاريخ الأكثر احتمالاً لسفر الأعمال فهو 62م،
كما يبدو من ذكر إقامة بولس سنتين فى رومية، ولا شك فى أن أنجيل لوقا كتب قبل
أعمال الرسل، ولعله كتب فى قيصرية فى حوالي 60م، الأمر الذى يلزم معه أن نرجع
بإنجيل مرقس إلى الخمسينات من القرن الأول.

 

إن
الاعتراض الكبير على مثل هذا التاريخ المبكر هو التفصيلات الكثيرة المذكورة عن
خراب أورشليم. ولقد أثار " أبوت" وآخرون اعتراضات أخرى عديدة، لكنها ذات
وزن ضئيل بل وتافهة فى معظمها، والمشكلة الأساسية هى أن قبول تاريخ مبكر عن عام
70م، معناه الاعتراف بأن الحديث كان نبوة وليس تاريخاً، ونكران ذلك – وبخاصة لمؤمن
بالمسيح – هو حكم مسبق لا أساس له. كما أن إنكار وجودها فى هذا الفصل معناه اتهام
لوقا- وهو المؤرخ المدقق باعتراف الجميع – بأنه يعزو ليسوع عبارات لم يقلها.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مقال سام م

 

والرغبة
الشديدة فى تحديد تاريخ كتابة إنجيل متى بعد عام 70م، يرجع إلى نفس السبب، ولكن ما
يجعل المشكلة أكثر تعقيداً هنا، كلمة " وللوقت " (مت24: 29)، فالبعض
يعتبر ذلك برهاناً إيجابياً على أنه قد كتب قبل خراب أورشليم، بينما يرى البعض
الآخر (ألن وبلومر، مثلاً) بأن ذلك يحول دون افتراض تاريخ متأخر كثيراً عن عام
70م، ويعتبرون أن عام 75م هو أقصى تاريخ ممكن. ولكن اليس من الممكن أن المسيح كان
يتحدث هنا كنبى، ولم يقصد أكثر من أن الحديث العظيم التالي، الذى يمكن مقارنته
بالهزيمة النهائية لليهودية، هو عودته الشخصية، وأن القصد الإلهي يسير قدماً من
الحادثة الأولى إلى الثانية. ولم يقل العهد الجديد مطلقاً إن المجيء الثاني يمكن
أن يحدث في ذلك الجيل، وعليه فليس ثمة سبب كاف فى حديث المسيح فوق جبل الزيتون،
يدعو إلى الرجوع بتاريخ كتابة لوقا أو متى إلى زمن متأخر عن 60م، وإذا كان مرقس
سابقاً لهما، فإنه على هذا يرجع إلى الخمسينات.

 

اعتبر
العقليون القدامى – أمثال باولوس – غيردون إنكار نسبة الإنجيل لمرقس – اعتبروا
العناصر المعجزية، سوء فهم للوقائع. ولأن استراوس قد اعتبرها أسطورية، فإنه اضطر
إلى افتراض أنه يعود إلى القرن الثاني. ومع هذا، فعندما رجعوا بالتاريخ إلى 70م أو
ما يقرب منها، شعروا بأن تاريخيته قد استقرت إلى حد بعيد. ولكن ظهرت حديثاً نظرية
" القيم البراجماتيه أو النفعية"، وبناء على هذا، يعتبر بيكون أن "
المفتاح لكل إدراك علمي صحيح لرواية الكتاب المقدس.. ليس تاريخياً محضاً، ولكنه
دائماً ايتولوجى وكثيرا ما يكون دفاعياً.. والتراث الإنجيلي يتكون من كثير من
الروايات التى تروى مراراً بهدف شرح عقائد وممارسات الكنيسة المعاصرة أو الدفاع
عنها ". ويحاول بيكون حل المسألة باتهام مرقس بأخطاء تاريخية صارخة. وقد يكون
فيما قاله بيكون بعض عناصر الحق، وأحد هذه العناصر هو أن مفردات اللغة فى عصر
متأخر قد تستلزم نوعاً من ترجمة الأصل، ولكن الترجمة لم تكن أبداً اختراعاً أو
تحريفاً.

 

 والعنصر
الآخر هو أن لكل كاتب هدفه الذى يحدد اخيتاره للمادة وتنظيمه لها، ولكنه لا يمكن
أن يخلق أو يسئ تقديم مادته متى كان الكاتب أميناً وعارفاً بما يكتب. والكلمة
" اختيار " منتقاة بروية وعن عمد، فالبشيرون لم تكن تعوزهم المادة، فكل
واحد من الاثنى عشر كانت له معرفة شخصية بما يفوق محتويات المصدر “
Q ” أو مرقس، فقد كانوا يمثلون المدار المركزى- بجانبيه الأخلاقى
والإنجيلي – ولكن كانت تشع من هذا المدار أشعة من الضياء الباهر فى كل الاتجاهات.
ومقدمة لوقا، وإعلان يوحنا الصريح الواضح، يشهدان على تلك الحقيقة. ولا يلقي يوحنا
أو لوقا أدنى ظل من الشك على صدق المادة التى لم يستخدماها، وليس ثمة داع
لاتهامهما بإساءة تقديم الحقائق، لإثبات وجهة نظر معينة. ويبدو أن بيكون مستعد
لتصديق أى كاتب قديم آخر بل مستعد لتصديق تخيلاته هو هو نفسه، أكثر مما يصدق
البشيرين، وبهذا فإن حكمه كله حكم ذاتي. وحيث أن المسيحية إعلان تاريخي، فإن تحريف
التاريخ يصبح تحريفاً لأهم التعاليم الدينية الجوهرية. ثم فى تحليله الأخير، يزعم
الناقد بأن له أن يقرر ما قد عمله بيسوع وما لم يعمله. ونستطيع رؤية مدى زيف
النتيجة، بالمقارنة بين شميدل وبيكون، فشميدل يؤكد أن الصرخة : " إلهي إلهي
لماذا تركتنى؟ " واحدة من أكثر أقوال المسيح أصالة، بينما يؤكد بيكون كل
التأكيد أن يسوع لا يمكن أن يكون قد نطق بها، كما يتهم بيكون مرقس بالسذاجة
المتناهية لأنه يكتب أن يسوع قال إنه جاء " ليبذل نفسه فدية عن كثيرين "
(مر10 :45). وهكذا نجد أنه فى أمرين بالغي الأهمية، يتهم البشيرين بالخطأ، لأنهم
لا يسيرون على هواه فى آرائه الدينية.

 

وما
أصدق ما يقوله بلومر: " إن الإصرار المسبق على القول بأن الله لا يمكن أن
يتجسد، أو إن الإله المتجسد يجب أن تكون له صفات معينة، لا يمكن أن يكون فلسفة
صحيحة ولا نقداً علمياً. ويقول روبرتسون : " كلما اقتربنا من يسوع التاريخي،
زدنا اقتناعاً بأنه عاش وعمل تماماً كما جاء عنه فى الأناجيل الثلاثة ". لقد
كانت للبشيرين الفرص لمعرفة الحقائق التى لا نعرفها نحن بنفس القدر. وكان المنهج
الكامل لتعليمهم وتدريبهم، فيه الضمان الأكيد للصدق والدقة، كما أن كلاً منهم يؤيد
الآخر، وقد قدموا لنا لمحات من الجمال الرائع والقدرة والقوة اللتين لا مثيل لهما،
وقد رسموا لنا صورة شخص يجول بين الناس، ولكن بلا خطية، معجزة فريدة قائمة بذاتها،
فإن كنا لا نصدقهم فى هذه الحقائق، فلا أمل إطلاقاً فى الوصول إلى معرفة الحقائق.

 

لمن كتب السفر:

كتبه
للرومان " الأمم "، لذلك لم يقتطف كثيرا من العهد القديم، كما أوضح
الكلمات العبرية (3: 17، 5 : 41، 7 : 11، 14 : 36) والتقاليد اليهودية (7: 3، 4،
14 : 12، 15: 42) وأستخدم الكثير من التعبيرات اللاتينية مثل لجيئون وقائد المئة..
الخ.

+
يعتمد الرومان علي سلطانهم المادي وسطوتهم، وقد عرفوا بالعمل وليس كاليونان رجال
فلسفة وفكر، لهذا أهتم الرسول بتقديم السيد المسيح كخادم للبشرية يعمل لحسابها، لا
بالقوة الجسمانية، وإنما خلال سلطانه الروحي الفائق، محطما إبليس عدو البشرية،
فقدم بشارته للرومان " إنجيل عمل " مظهراًأعمال السيد المعجزية اكثر من
كلماته، ذاكراًكثيراًمن معجزاته وأمثاله "كحوادث".

 

1-انجيل
الرومان:

 كان
غرض مرقس أن يكتب الإنجيل كما قدمه بطرس للرومانيين، هذا ما يقوله الآباء ويؤيدهم
فيه الدليل الداخلي أيضاً. وفى أي إضافات أضافها مرقس، كان نفس هؤلاء الناس فى
فكره. فلم يكتب مارمرقس إنجيله لليهود كما فعل القديس متي، وإنما كتبه للأمم،
وللرومان بوجه خاص. وقد شرحنا سابقاً أنه إشترك مع القديس بولس في تأسيس كنيسة
رومة.

أما
أن الإنجيل كان للرومان، فنراه فى :

أ شرح
اصطلاح يوناني باستخدام آخر لاتينى (12: 42).

ب
كثرة ذكر أعمال القوة والتركيز على السلطان (2: 10) والصبر والاحتمال البطولى (10:
17).

ج- ما
ذكره مرقس (10: 12) من تحريم ممارسة رومانية وليست يهودية. والذين يعتقدون أنه كتب
من روما، يجدون تلميحات أكثر فى ذكر روفس (15: 21، مع رومية 16: 13)، والتشابه
الموجود بين مرقس (7: 1-23) والأصحاح الرابع عشر من رومية. والملحوظة التى ذكرها
قائد المئة (15: 39) كانت هى ما أراد الكاتب إثباته، فهي تبين هدف مرقس، كما أن ما
جاء في يوحنا (20: 31) يبين هدف يوحنا.

 

2- إنجيل
الأمم، فواضح من :

أ
ترجمة الألفاظ الأرامية، مثل " بوانرجس " (3: 17)، " طليثا قومي
" (5: 41)،

"
قربان " (7: 11)، " وبارتيماوس " (10: 46)، " وأبا "
(14: 36)، " وجلجثة " (15: 22).

ب-
شرح العادات اليهودية (14: 12، 15:42).

ج-
حقيقة أنه لم يذكر الناموس ولم يقتبس من العهد القديم سوى مرة واحدة.

د-
الأجزاء المختصة بالأمم، وبخاصة الأصحاحات السادس والسابع والثامن.

و-
قلة إقتباسه من العهد القديم

 

أ-
ترجمته للكلمات الأرامية التي يستخدمها

 ترجم
إسم " بوانرجس " بأنه يعني إبني الرعد (3 : 17) (بينما لم يترجم كلمة
بطرس مثلاً ولا غيرها من الكلمات اللاتينية). وقال إن عبارة " طليثا "
قومي معناها يا صبية قومي (5 : 41) وإن كلمة " قربان " معناها هدية (7 :
11) وكلمة " إفثا " معناها إتفتح (7 : 34) وإتبع عبارة " جهنم
" بقوله " إلي النار التي لا تطفأ " (9 : 43). كما أتبع كلمة
" أباً " بكلمة الآب (14 : 36).

وفسر
عبارة " الوي الوي لما شبقتني " بأن معناها إلهي إلهي لماذا تركتني (15
: 34) وأن " جلجثة " معناها جمجمة (15 : 22). وطبعاً لو كان يكتب لليهود
ما كان في حاجة إلي تفسير شئ من هذا كله، ولكن الرومان يحتاجون

 

ب-
شرح عادات اليهود وأماكنهم وطوائفهم

 شرح
مثلاً عبارة " أيدي دنسة " بأن معناها أيدي غير مغسولة. وأتبع ذلك بقوله
: لأن الفريسيين وكل اليهود، إن لم يغسلوا أيديهم بإعتناء لا يأكلون، متمسكين
بتقليد الشيوخ. ومن السوق إن لم يغتسلوا لا يأكلون. واشياء أخري كثيرة تسلموها
للتمسك بها من غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسرة (7 : 2 – 4). وشرح اليوم الأول
من الفطير بأنه " حين كانوا يذبحون الفصح " (14 : 12) كما شرح الأستعداد
بأنه ما بل السبت (15 : 42).

وشرح
أن الفلسين قيمتهما ربع (12 : 42)، ولم يفعل ذلك بالنسبة للدينار الخاص بالرومان
(6 : 3 7). ولما تكلم عن الصدوقيين قدمهم للقارئ الروماني بأنهم " الذين
يقولون ليس قيامة " (12 : 18). وطبعاً هذا كله معروف لليهود.

ولما
تكلم عن المرأة الكنعانية حسب تسمية التوراة لجنسها قال : " وكانت المرأة
أممية وفي جنسها فينيقية سورية " (7 : 26) بالأسلوب الذي يفهمه الرومان. ومن
جهة الأماكن كان يوضح ما لا يحتاج اليهود مطلقاً إلي توضيحه. فالأردن كان يسبقه
بكلمة نهر (1 : 5). كذلك شرحه جلوس الرب علي جبل الزيتون بأنه تجاه الهيكل (13 :
3). ولما ورد ذكر بيت فاجي وبيت عنيا ذكر أنهما بالقرب من أورشليم (11 : 1).

ولأنه
يكلم أهل رومه، فعندما ورد إسم سمعان القيرواني قال إنه " أبو الكسندروس
وروفس " (15 : 21). وروفس موجود في رومه. أرسل القديس بولس إليه سلامه عندما
كتب رسالته إلي أهل رومية (رو 16 : 13).

 

ولكن
ليس من السهل أن يتخلص الإنسان من الإحساس بأن لنا فى هذا الإنجيل الصورة المرموز
لها" بعبد الرب ". ويقول ديفيدسون إنه توجد شخصيتان كبيرتان تدور حولهما
أفكار إشعياء، هما : الملك والعبد. فالملك سيبلغ من السمو ما لا يعلى عليه، "
الله معنا " أي أن " الإله القدير " سيعلن فيه، "سيكون الله
موجوداً تماماً مع شعبه". ونرى صورة الملك فى إنجيل متى، الذى نرى فيه أيضاً
صورة العبد (مت12: 18و19)، كما نرى صورة العبد واضحة فى إنجيل مرقس الذى ينظر إليه
– فى نفس الوقت – كالمسيا الملك (مرقس 11: 10، 14: 62). ويلخص ديفسون وصف العبد،
فى أنه:

أ
مختار الله.

ب-
وعمله هو تنفيذ القضاء على الأرض … وأداته هي " الكلمة "، والرب فى
" الكلمة " أو بالحري هو نفسه " الكلمة ".

ج-
يملؤه الروح القدس مع إيمان غلاب لا يقهر.

د-
فيه تمتزج العظمة والتواضع امتزاجاً معجزياً.

ه-هناك
آلام محتومة، فهو يحمل عقاب خطايا الآخرين.

و- هو
الذى سيفدى إسرائيل ويأتي بالنور للأمم.

ز-
تسبق توبة إسرائيل وردهم، تلك البركة الواسعة. وليس غريباً أن مفهوم العبد هذا،
هذا المزيج من القوة والخضوع، بلوغ النصرة عن طريق الانهزام الظاهري،، ليس غريباً
أن هذا المفهوم يستحوز على فكر بطرس، فقد كان هو نفسه غيوراً مخلصاً متحمساً، عرف
الهزيمة والانتصار، كما أنه هو نفسه كان يستأجر عبيداً (مر1: 20)، وقد أصبح منذ
سنوات عبداً للمسيح (أع 4: 29). أما أن هذا قد أرضاه، وأصبح أمراً مألوفاً عند
المسيحيين الأوائل، فيبدو واضحاً فى سفر أعمال الرسل (3: 13،4 :30). وفى رسالته
الأولى يأخذ من إشعياء سبعة عشر شاهداً، تسعة منها من الجزء الثاني من إشعياء،
ويبدو أن مرقس كان فى مزاجه شبيه ببطرس، وقد عاش فى منزل يتميز بالثراء، فقد كان
فيه خدم (أع12: 13). وحيث أنه كان هو نفسه مساعداً للرسل فى الخدمة المسيحية، فمن
ثم كان مؤهلاً لأن يقدر وأن يسجل صفات وأعمال العبد الكامل، عبد الرب، وكان لهذه
الصورة البطولية سحرها وفتنتها عند المسيحيين الرومانيين.

 

2-
خطة الإنجيل : ويبدو أن خطة الإنجيل قد تأثرت بهذا المفهوم، فقد فهم الاثنا عشر أن
المسيح ملك، فى وقت مبكر نسبياً، ولم يحدث إلا بعد القيامة – عندما فتح لهم يسوع
الكتب – أن رأوا فيه عبد الرب المتألم الموصوف فى الأصحاح الثالث والخمسين من
إشعياء. وكما رأينا كان هذا أساس الإنجيل الذى كرز به بطرس، وفى نفس الوقت رسم
الخطوط العامة فى كتابة هذا الإنجيل، فنحن نرى خطوطه العامة توضع أمام الرومانيين
فى الأصحاح العاشر من سفر الأعمال، وقد أكمل مرقس رسم هذه الخطوط، التى يمكن
تلخيصها فى التحليل الآتى للإنجيل :

 

العنوان
: 1:1

1-المعمدان
يعد الطريق (1: 2 –8، مع إشعياء 40: 3و4).

2-تكريس
المسيح نفسه للموت من أجلنا وحلول الروح عليه (مرقس 1: 9-13، مع إش 42: 1).

3-عظمته
– الخدمة فى الجليل (مر1: 14-8: 30، مع إشعياء 43: 52).

أ فى
المجمع – فترة الرضى الشعبي تؤدى إلى التصادم مع اليهودية الفريسية (1: 14-3: 6).

ب
خارج المجمع – تعليم الجموع بأمثال. اختيار الاثنى عشر وتدريبهم، ثم اعترافهم
العظيم (مر 3: 7-8: 30).

4-
اتضاعه – وبخاصة فيما وراء الجليل (مر8: 31- 15: 47،مع إش 52: 13- 53: 9).

أ فى
الشمال – الإعلان عن موته (مر 8: 33-9: 29).

ب فى
الطريق إلى أورشليم والصلب – عبر الجليل (9: 30-50)، وبيرية (10: 1-45)، واليهودية
(10: 46-52).

ج-
الدخول الظافر إلى أورشليم (11: 1-11).

د- فى
أورشليم وما حولها – مقاومة القادة له (11: 12-12: 44) – الإنباء بمصيرهم المحتوم
(الأصحاح الثالث عشر)، التأهب للموت (14: 1-42)، تسليمه والحكم عليه والصلب والدفن
فى قبر إنسان غنى (14: 43-15: 47).

5-
انتصاره – قيامته (الأصحاح السادس عشر، مع إش 53: 10 –12)، وما يذكره إشعياء بعد
ذلك نراه يتحقق فى سفر أعمال الرسل.

وبالإجمال
نرى أن خطة مرقس مرتبة تاريخياً، ولكن من الجلي أيضاً أن بعض المواد جمعت معاً
طبقاً للموضوع، فى بعض الأحيان.

ومفهوم"
العبد " هذا، قد يكون هو التعليل الحقيقي لبعض الملامح البارزة فى إنجيل
مرقس، مثل عدم ذكر سلسلة النسب، أو أى شئ عن الفترة الأولى من حياة يسوع،
والاستخدام المتكرر لكلمة " للوقت"، وسيطرة الأعمال وغلبتها، وعدم معرفة
الابن باليوم(13: 32)، والنهاية المبتورة (مرقس 16: 8).

 

رمز السفر:

 يرمز
له بأحد الآحياء الاربعه التى تحيط بالعرش السماوى وله وجه اسد

 

سمات السفر:

+ هو
الإنجيل الثاني في ترتيب العهد الجديد وأقدم البشائر، من جهة التاريخ هو أول
الأناجيل.

+ كتب
بالإسكندرية سنة 61 ميلادية كقول القديس يوحنا الذهبي الفم، واعتمد عليه
الإنجيليان متي ولوقا، وقد ورد ما جاء فيه في الأناجيل الأخرى ما عدا 31 آية،
ويسجل إنجيل مرقس من المعجزات أكثر مما يسجل إنجيل آخر.

+ الأهتمام بالتدقيق والتفاصيل:

 إمتاز
مارمرقس في إنجيله بالتدقيق، وذكر تفاصيل كل شئ، سواء في الأسماء، أو الوقت أو
المكان، أو العدد أو اللون، وحتي الملامح والمشاعر. مما يدل علي أن الكاتب كان
شاهد عيان لما يسجله.

فمن
جهة الأسماء مثلاً يذكر أن متي العشار هو إبن حلفي (2 : 14)، وأن بارتيماوس الأعمي
هو إبن تيماوس (10 : 46) وأن سمعان القيرواني هو أبو الكسندروس وروفس (15 : 21).
(أنظر أيضاً في إهتمامه بالأسماء 1 : 29، 13 : 3، 3 : 6، 15 : 40).

+ الإهتمام بتفاصيل المكان:

 من
أمثلة إهتمامه بتفاصيل المكان قوله، ثم خرج أيضاً من تخوم صور وصيدا وجاء إلي بحر
الجليل، في وسط المدن العشر (7 : 31). وقوله " إنه دخل السفينة وجلس علي
البحر، والجمع كله كان عند البحر، علي الأرض " (4 : 1).

تدقيقه
في قوله من أمثلة تدقيقه قوله في معجزة الخمس خبزات أنهم جعلوا الناس يتكئون
رفاقاً رفاقاً علي العشب الأخضر.. صفوفاً صفوفاً مئة مئة وخمسين خمسين (6: 39، 40).

وقوله
إن المسيح كان نائماً (علي وسادة) في السفينة (4 : 38) وقوله في التجلي "
وصارت ثيابه تلمع بيضاء كالثلج لا يقدر قصار علي الأرض أن يبيض مثل ذلك " (9
: 3). (أنظر أيضاً تفاصيل معجزة شفاء المفلوج، وشفاء مريض به لجيئون، وكذلك 8 : 7،
7 : 28، 1 : 13).

+ شرح المشاعر والملامح:

 من
إهتمام مارمرقس بالتفاصيل شرحه للمشاعر والملامح : فقد ذكر عن السيد المسيح أنه
تحنن (1 : 41)، وأنه إنتهر (1 : 43)، وشعر بروحه (2 : 8) ونظر بغضب حزينا!… (3 :
5)، وإلتفت… شاعراً في نفسه.. (5 : 30)، وأنه إغتاظ (10 : 14)، وأنه أن (7 : 34)،
وأنه أشفق (8 : 2)، وأن تنهد بروحه (8 : 12)، وأنه نظر إلي الشاب الغني وأحبه (10
: 21)، وأنه إبتدأ يدهش ويكتئب (14 : 33) وأنه إحتضن الأطفال وباركهم (10 : 16)…

 

موضوع السفر:

يقدم
شخصية الرب يسوع المسيح الملك العظيم في مملكته العظيمة كخادم للبشرية من خلال
أعماله وتعاليمه.

 

مفتاح السفر:

 "لان
ابن الانسان ايضا لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (10:
45).

 

الشخصيات الرئيسية :

 يسوع،
التلاميذ الأثنى عشر، بيلاطس، قادة اليهود الدينيون.

 

الأماكن الرئيسية:

 كفر
ناحوم، الناصرة، قيصرية فيلبس، أريحا، بيت عنيا، جبل الزيتون، أورشليم، الجلجثة.

 

مميزات السفر:

1-
المجال : يبدأ الإنجيل بخدمة يوحنا المعمدأن ينتهى بإعلأن القيامة، أن استبعدنا
الاثنتى عشرة آية الأخيرة، التى تذكر ما حدث بعد القيامة من الظهورات وإرسالية
التلاميذ والصعود وملخصاً موجزاً عن خدمة الرسل. وهكذا نجد أن حدوده تنطبق على ما
ذكره بطرس (أعمال الرسل 10: 37-43) فلا يذكر شيئاً عن الخدمة الأولى فى اليهودية.
ويكاد الإنجيل يقتصر على خدمة يسوع فى الجليل وأسبوع الآلام مع ما حدث فى أنتقاله
من الجليل إلى أاورشليم (الأصحاح العاشر).

2-
المادة المتميزة فى إنجيل مرقس : والمواضيع التى ينفرد بها مرقس هى ما جاء فى
الأصحاح الرابع (4: 26- 29) عن البذار التى تنمو سراً، وفى الأصحاح الثالث (3: 21)
عن مخاوف أقربائه وفى الاصحاح الثامن (8: 22-26) عن الأعمى، وفى الأصحاح الثالث
عشر (13: 33-37) عن البواب والسهر، وفى الأصحاح الرابع عشر (14: 51) عن الشاب
الهارب. وبالإضافة إلى هذا، هناك الكثير من الكلمات الحية التى تضفى لمعاناً على
المواضيع الأخرى. ورواية مرقس أو فى غير قليل من الأحداث المشتركة بين الأناجيل،
مثلما فى موضوع موت يوحنا المعمدان (6: 14-29)، والأكل بأيدى غير مغتسلة (7:
1-23)، والغلام الذى كان يصرعه الروح النجس (9: 14-29)، وحوار أحد الكتبة معه (12:
28-34) وهناك من مثل هذه الأجزاء ما يكفى لإثبات أن كاتب الإنجيل لم يعتمد
اعتماداً كلياً على البشيرين الآخرين.

3-
اقتباسات: مما يسترعى النظر أن متى فى كثير من الفصول، يجذب الأنتباه إلى أن يسوع
قد أكمل النبوات، بينما نجد أن مرقس لا يقتبس سوى مرة واحدة من العهد القديم ويضع
هذا الاقتباس فى صدر إنجيله. والجزء المقتبس من إشعياء يظهر فى الأناجيل الأربعة،
أما الجزء المقتبس من ملاخى، فلا يذكر إلا فى إنجيل مرقس فقط، على الرغم من وجود
تلميح لهذا الجزء فى إنجيل يوحنا (3: 28). وهذه الحقيقة وحدها يمكن أن تعطى
أنطباعاً خاطئاً عن موقف هذا الإنجيل من العهد القديم. ومع أن مرقس نفسه لا يقتبس
سوى هاتين العبارتين، إلا أنه يقدم يسوع كمن يفعل ذلك كثيراً، وفى هذه الناحية ليس
الفرق بينه وبين متى كبيراً، فهو يذكر 19 اقتباساً بالمقارنة مع 40 اقتباسا يذكرها
متى، 17 اقتباساً فى لوقا، 12 اقتباساً فى يوحنا – وثلاثة من هذه الاقتباسات
التسعة عشر، لا توجد فى مكان آخر من العهد الجديد، وكل الاقتباسات فى العهد الجديد
هى 160 اقتباساً، وعليه فلمرقس من الاقتباسات نصيب طيب. وإذا أخذنا فى الاعتبار
الإشارات إلى العهد القديم، الصريحة والضمنية، فإن النتيجة لا تتغير كثيراً، فيذكر
وستكوت وهورت (فى كتابهما : العهد الجديد فى اليونانية) لمتى 100 استشهاد، ولمرقس
58، وللوقا 86، وليوحنا 21، ولسفر الأعمال 107، وهكذا نرى أن مرقس أيضاً يستند إلى
العهد القديم باعتباره كلمة الله الموثوق بها. ويذكر سويت (فى كتابه: مقدمة العهد
القديم فى اليونانية – 393)، أنه فى تلك الاقتباسات المشتركة بين الإناجيل الثلاثة
الأولى، تستخدم عادة الترجمة السبعينية، بينما تستخدم العبرية – على الأغلب – فى الاقتباسات
الأخرى (وهناك مثال طيب لذلك فى مرقس 7:7 حيث تظهر الترجمة السبعينية فى العبارة :
"باطلاً يعبدوننى"، وهى صياغة مقبولة للنص العبرى، أما عبارة " وهم
يعلمون تعاليم هى وصايا الناس فهى فى العبرية أصحَّ منها فى الترجمة السبعينية)
أما الثلاثة الاقتباسات التى ينفرد بها مرقس فهى (9: 48، 10: 19، 12: 32).

4-
سفر الأعمال العظيمة: والأعمال تشغل جزءاً كبيراً من إنجيل مرقس فهو إذا إنجيل
الأعمال، فيسوع يعمل وحياته حياة النشاط المتدفق. إنه يسرع من عمل إلى عمل آخر
بنشاط وتصميم. وترد كلمة للوقت 42 مرة فى إنجيل مرقس بينما لا يستخدمها متى إلا
سبع مرات ولوقا مرة واحدة وفى أربع عشرة مرة من هذه المرات بالمقابلة مع مرتين فى
متى (ولا مرة فى لوقا)، تستخدم هذه الكلمة فى الإشارة إلى النشاط الشخصى ليسوع.
وعلى هذا فليس غريباً أن يتغاضى عن السنوات الأولى التى خلت من الأحداث (قارن يوحنا
2: 11)، وليس غريبا ايضاً أن تكون المعجزات أكثر عدداً من الأمثال. ويقول وستكوت
(فى مقدمة لدراسة الأناجيل – 480- 486) أن مرقس يذكر تسع عشرة معجزة وأربعة أمثال،
بينما يذكر متى 21 معجزة و15 مثلاً، ولوقا 20 معجزة و19 مثلاً ومن المعجزات ينفرد
مرقس بذكر اثنتين، كما ينفرد بذكر مثل واحد. كما يسجل البشير مرقس أعمال المسيح
أكثر مما يسجل أقواله. وهذه الحقائق تقدم لنا نقطة التقاء أخرى مع حديث بطرس (أع
10: 37-43)، فهى أعمال خير وإحسان (أع 10: 38) ولها دلالات قوية (أع 2: 22، أنظر
مرقس 1: 27، 2: 10 إلخ).

 

المعجزات التى سجلها مرقس:

الروح
النجس (1: 21-28)، المفلوج (2: 1-12)، اليد اليابسة (3: 1-5)، تهدئة العاصفة (4:
35- 41)، مجنون كورة الجدريين (5: 1-17)، ابنة يايرس (5: 22-24و35-43)، والمرأة
نازفة الدم (5: 25-34)، إشباع الخمسة الآلاف (6: 35-44)، وإشباع الأربعة الآلاف (8:
1: 10)، المشى على الماء (6: 48- 53)، ابنة المرأة الفينيقية السورية (7: 24: 30)،
الاصم الأعقد (7: 31-37)، الأعمى (8: 22-26)، الغلام الذى به شيطان (9: 4-29)،
برتيماوس الأعمى (10: 46-52)، شجرة التين التى يبست (11: 20- 24)، القيامة (16:
1-8)، والمعجزات الثلاث الأخيرة فقط هى التى حدثت فى اليهودية.

5-
العامل المعلم : ومع أن كل ما سبق صحيح فإن مرقس لم يصمت عن الحديث عن يسوع كمعلم.
كان يوحنا المعمدان كارزاً (مر 1: 4و7) وكذلك كان يسوع كارزاً يواصل رسالة يوحنا
ويوسعها، وكثيراً ما يذكر عنه أنه كان يعلم (مثلاً فى 1: 21، 2: 13، 6: 6 إلخ)،
وتتكرر كلمة "يعلم " فى إنجيل مرقس أكثر مما فى أى إنجيل آخر. وهناك
إشارات تلفت النظر إلى أصالة أقواله وأساليبه وشعبيته، فقد كان معلماً لا مثيل له
(مرقس 1: 22، 4: 1و 2و33، 11: 27-12: 37 وبخاصة 12: 34). وقد ذكرت إحدى المعجزات
بصورة خاصة لإظهار حقيقته وسلطاته (2: 10). ولم تكن معجزاته بدافع حنوه وشفقته
فحسب، بل كانت أيضاً للإعلان عن شخصه (5: 19و20، 11: 21-23). ولم يكن هو معلماً
فقط، لكنه اهتم كذلك بإعداد الآخرين ليكونوا معلمين (3: 13و 14، 4: 10و 11). ولا
يقل مرقس وضوحاً عن متى فى لفت النظر إلى تلك الحقيقة وهى أن يسوع – فى مرحلة
معينة من خدمته – بدأ يعلم الجموع بأمثال ثم يفسر الأمثال لتلاميذه (4: 2-12). ومع
هذا فمرقس لا يذكر منها سوى أربعة فقط. مثل الزارع (4: 1-20)، ومثل البذار التى
نمت سراً (4: 26-29)، ومثل حبة الخردل (4: 30-32)، ومثل الكرامين (12: 1-12). وعدد
الأحاديث -الطويلة إلى حد ما- وكمية التعليم، لأكبر مما يظن البعض، فالأصحاحان
الرابع والثالث عشر يكادان يبلغان فى الطول، الأقوال الواردة فى متى، ويطابقان ما
جاء فى الأصحاح الثالث عشر والأصحاح الرابع والعشرين من متى على الترتيب وفى مرقس
(7: 1-23، 9: 33-50، 10: 5-31 و39 – 45، 12: 1-44) نجد أقوالا كثيرة، فإن كان يسوع
عاملاً، فقد كان على الأكثر معلماً، وكانت أعماله تمهد لأقواله أكثر مما تمهد
اقواله لأعماله. وكانت تعاليمه تنساب طبيعية حسب المناسبات والظروف. لقد عمل
وعلَّم، ولأنه عمل ما علم فقد استطاع أن يعلم بتأثير وفاعلية، فكلا اعماله وأقواله
تعلنان عن شخصه.

 

6-
تفاصيل نابضة بالحياة : هناك الكثير من التفاصيل النابضة بالحياة، ويذكر مرقس
أعمال يسوع وتحركاته (7: 33، 9: 36، 10: 16)، وعن نظراته المستطلعة (5: 32)
ونظراته فى الصلاة (6: 41، 7: 34)، وفى الاستحسان (3: 34)، والمحبة (10: 21)،
والتحذير (ليهوذا بصفة خاصة 10: 23)، والغضب (3: 5)، والحكم على الأمور (11: 11).
كما يجوع يسوع (11: 21) ويطلب الراحة فى موضع خلاء (6: 31)، وينام على وسادة فى
مؤخر السفينة (4: 38)، ويشفق على الجموع (6: 34)، ويتعجب من عدم إيمان الناس (6:6)
ويئن ويتنهد على عمى الشعب وأحزانهم (7: 34، 8: 12)، ويحزن لقساوتهم (3: 5)،
وينتهر حزيناً – الفكر الخاطئ لبطرس كما ينتهر فى غيط غيره تلاميذه الخاطئة
ومطامعهم الأنانية (8: 33، 10: 14)، ويبين مرقس أن معجزات الشفاء كثيراً ما كانت
فورية (1: 31، 2: 11و12، 3: 5)، واحياناً تمت شيئاً فشيئاً أو بصعوبة (1: 26، 7:
32-35، 9: 26- 28)، كما لم يستطع مرة أن يصنعها " بسبب عدم إيمانهم (6: 5و6).
ويحدثنا مرقس فى لمسات نابضة بالحياة، عن سلوك الناس ومدى تأثرهم بما كان يسوع
يقوله ويعمله. كانوا يأتون بمرضاهم عبر الشوارع، ويحولون الساحات إلى مستشفيات (1:
32)، ويزحمونه يحتكون به عند شاطئ البحر (3: 10)، ويعبرون عن دهشتهم لأنه كان
يكلمهم بسلطان (1: 22)، وبقوة (2: 12)، ويخاف التلاميذ خوفاً عظيماً من سلطانه على
البحر (4: 41)، ويدهش التلاميذ والآخرون وينزعجون لنظرته الغريبة وهو يسير متوجهاً
إلى أورشليم وإلى الصليب (10: 32). وهناك الكثير من التفاصيل الحية الرائعة، مثل
"كان مع الوحوش" (1: 13)، " وكشفوا السقف " (2: 4)، وكان هو
فى المؤخر على وسادة نائما (4: 38)، ووصف مجنون كورة الجدريين (5: 4)، والجموع المتكئة
على العشب فى ثيابهم الملونة الزاهية كبستان من الزهور على سفوح الجبال الخضراء
(6: 39). والتفاصيل الأخرى التى يتميز بها مرقس هى الأسماء (1: 29، 3: 6، 13: 3،
15: 21)، والإعداد (5: 13، 6: 7)، والوقت (1: 35، 2: 1، 11: 19، 16: 2)، والمكان
(2: 13، 3: 8، 7: 31، 12: 41، 13 : 3، 14: 68، 15 : 39). وهذه كلها تدل على أنها
ملحوظات شاهد عيان، فهى مرجع حاسم. كما أن الإشارات الجغرافية تدل على أن الكاتب
كان يعرف تماماً المعالم الرئيسية للبلاد وبخاصة أورشليم وما حولها.

 

أصالة السفر:

+
إنجيلنا الثاني: من المحتمل أن يكون ترتيب الأناجيل فى العهد الجديد كما هو بين
أيدينا، راجعا إلى الاقتناع المبكر بأن هذا هو الترتيب الذى كتبت به الأناجيل، ومع
هذا، لم يكن هذا هو التريب فى جميع الأحوال. وقد قام التساؤل حول الترتيب عندما
حلت المخطوطات المجلدة (وهى الشكل الحالى للكتاب) محل الدرج المطوى. وقد أنتشر هذا
التغيير فى القرن الثالث الميلادى. وقد رأى أوريجانوس بعض المجلدات بالترتيب
الآتى: يوحنا – متى – مرقس – لوقا. ومن المحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى الرغبة فى
إعطاء الرسل مكان الصدارة. ويمكن اعتبار ذلك الترتيب والترتيب الشائع فى وقتنا
الحاضر هما الترتيبان الرئيسيان. الأول بحسب أهمية الكاتب، والثاني بحسب الترتيب
التاريخى. والترتيب الأول ترتيب مصرى ولاتينى أما الترتيب الثاني فتؤيده معظم
المخطوطات اليونانية والفهارس والآباء وكذلك السريانية القديمة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عبديلاتي ي

 

وتوجد
بعض الاختلافات فى هذين الترتبيين، فالترتيب الأول قد يكون هكذا يوحنا – متى –
لوقا – مرقس أو متى – يوحنا – مرقس – لوقا، أو متى – يوحنا – لوقا – مرقس والثاني
قد يكون : متى – مرقس – يوحنا – لوقا. ونلاحظ أن مرقس لم يوضع أولاً أبداً، وعندما
يوضع مرقس بعد لوقا فلا بد أن اعتبار الزمن قد أفسح المجال أمام عامل الطول.

 

+ النص:
أهم المشكلات المتعلقة بالنص هى ما يختص بالجزء الأخير من الأصحاح السادس عشر (16:
9-20)، فيرجون وميللر وسالمون يعتقدون أنه نص أصيل، ويفترض ميللر أنه إلى هذه
النقطة، قد سجل مرقس بصورة عملية أقوال بطرس ولسبب ما كتب الأعداد من 9-20 بناء
على معلوماته هو، ولكن معظم العلماء يعتبرونها غير مرقسية أصلاً، ويعتقدون أن
العدد الثامن ليس هو الخاتمة الملائمة، ولو أن مرقس كتب خاتمة، فلا بد أن هذه
الخاتمة قد فقدت، وأن الأعداد من 9-20 التى تضم تراثاً من العصر الرسولى، قد ضيفت
بعد ذلك – وقد وجد "كونيبير" فى مخطوطة أرمينية إشارة إلى أن هذه
الأعداد كتبها أريستون الشيخ الذى يقول إنه أريستون تلميذ يوحنا، الذى يتحدث عنه
بايياس وعلى هذا فإن الكثيرين يعتبرونها صحيحة، والبعض يقبلونها على اعتبار أن
الرسول يوحنا قد خلع عليها سلطانه وهى بدون شك ترجع الى نهاية القرن الأول،
وتؤيدها المخطوطات الإسكندرانية والأفرايمية والبيزية وغيرها، مع كل المخطوطات
المتأخرة المنفصلة الحروف، وكل المخطوطات المكتوبة بحروف متصلة، ومعظم الترجمات
وكتابات الآباء. وكانت معروفة عند ناسخى المخطوطتين السينائية والفاتيكانية،
ولكنهم لم يقبلوها.

 

ومن
الممكن أن يكون الإنجيل قد أنتهى بالعدد الثامن، وهذا الوقف المفاجئ، يدل على أنه
يرجع إلى وقت مبكر عندما كان المسيحيون يعيشون فى جو القيامة فكان يعتبر خاتمة
مناسبة الإنجيل "العبد المتألم"، فالعبد يأتى ويتمم عمله ثم يرحل، فلا
داعى للبحث عن نسبه أو تتبع تاريخه اللاحق.

 

+
اللغة :

1-
صفتها العامة : يستخدم مرقس اللغة اليونانية الدارجة التى كانت شائعة فى ذلك
العهد، والتى كان يفهمها الناس فى كل العالم الرومانى، لقد كانت – بكل تأكيد- لغة
الشعب "المعروفة والمقروءة من جميع الناس"، ومفرداته خالية من الكلمات
الفنية التى لا يستخدمها إلا العلماء، كما أنها خالية من الكلمات السوقية. لقد
استخدم مرقس لغة نظيفة نابضة بالحياة والقوة، موجهة مباشرة إلى الطبقة المتوسطة.

 

2-
المفردات : يبلغ عدد المفردات فى إنجيل مرقس (فى الأصل اليونانى) 1.330 كلمة، منها
ستون كلمة أسماء أعلام، وتسع وسبعون كلمة ينفرد مرقس باستخدامها (فيما يختص باسفار
العهد الجديد)، ومائتا كلمة وثلاث كلمات لا توجد إلا فى الأناجيل الثلاثة الأولى،
وخمس عشرة كلمة فى إنجيل يوحنا، وثلاث وعشرون كلمة فى كتابات الرسول بولس (بما فيها
الرسالة إلى العبرانيين) وكلمتان فى الرسائل الجامعة (واحدة فى يعقوب والثانية فى
بطرس الثانية)، وخمس كلمات فى سفر الرؤيا. ونحو ربع الكلمات التسع والسبعين التى
ينفرد بها مرقس، هى كلمات غير بليغة، بالمقابلة مع السبع فى لوقا، وأكثر من السبع
قليلاً جداً فى متى. كما يذكر هو كنز ثلاثاً أو وثلاثين كلمة أو عبارة غريبة غير
شائعة.

 

وثمة
دلائل لغوية على أن الكاتب كانت ثقافته فى صباه أرامية، ويبدو ذلك فى استخدامه
كلمات أرامية أكثر مما فى متى وضعف ما فى لوقا أو يوحنا، وأهمها طليثا قومى (5:
41)، افثا (7: 34)، وبوانرجس (3: 17).

 

3-
الأسلوب : أسلوب إنجيل مرقس بسيط جداً، ويتكرر حرف العطف "الواو"
كثيراً، وهو يخلو تماماً من العبارات البليغة الطنانة. والأسلوب القصصى موجز محكم،
وأحياناً نجد تكرار المعنى فى عبارات مختلفة منعاً من كل إيهام (كما فى : 32، 2:
25، 5: 19)، وأمثالها وهى خاصية مميزة لأسلوب مرقس. أما الوصف فنابض بالحياة بصورة
عجيبة، يبرزها بشدة، استخدامه لصيغة الفعل فى المضارع 151 مرة، مقابل 78 مرة فى
متى، وأربع مرات فى لوقا، وذلك فى غير الأمثال حيث أن مرقس لا يستعمله مطلقاً فى
الأمثال، بينما يستخدمه متى 15 مرة، ولوقا خمس مرات. ويستخدم يوحنا صيغة الفعل
المضارع 162مرة (أكثر قليلاً من مرقس)، ولكن مرقس يضفى على استخدامه له تنوعاً
وحيوية بأنتقاله السريع بافعاله بين الأزمنة المختلفة.

 

4-
اللغة الاصلية : إن خلاصة ما نستجمعه من أقوال الآباء هى أنه كتب اأصلاً فى
اليونانية، وترجمات هذا الإنجيل تمت نقلاً عن اليونانية لا إليها، فقد كانت اللغة
اليونانية هى اللغة المستخدمة فى كل العالم الرومانى، وبخاصة فى الرسائل، فكتب
بولس لأهل رومية باليونانية، ويونانية إنجيل مرقس تحمل طابع الأصالة ووحدانية
الكاتب.

 

 ولقد
ظن البعض أنه كتب أصلاً فى اللاتينة وليس من سند لذلك سوى بعض الإشارات فى القليل
من المخطوطات وفى الهرقلية والبشيطة السريانية. وقد نتج ذلك خطأ عن الاعتقاد بأنه
كتب فى رومية، أو عن أفتراض أن عبارة ("مترجم بطرس") تعنى أن مرقس كان
يترجم أقوال بطرس إلى اللاتينية.

 

ويدافع
"بلاس" عن أن إنجيل مرقس قد كتب أصلاً فى الأرامية معتقداً أن لوقا- فى
الجزء الأول من سفر الأعمال- قد أستقى من مصدر أرامى، وأن هذا المصدر هو ما سجله
كاتب الإنجيل الثاني، وعليه فإنه قد كتب الإنجيل الثاني فى الأرامية، ولكن الرد
الحاسم على هذا الرأى هو تفسيره للكلمات الأرامية القليلة الموجودة فى الإنجيل.

 

المصادر:
رأينا أنه طبقاً لشهادة الآباء، كانت كرازة بطرس وتعليمه، هما – على الأقل –
المصدر الرئيسي، وأن الكثير من معالم الإنجيل تؤيد هذا الرأي. وقد رأينا أيضاً
أسباباً دقيقة، ولكن لها وزنها، تدفعنا إلى الاعتقاد بأن مرقس نفسه قد أضاف
القليل. وهل نحن فى حاجة إلى البحث عن مصادر أخرى، أم أن البحث سيؤدى بنا إلى
تحليل تعليم بطرس ؟

 

يعتقد
" وايس " أن مرقس استخدم وثيقة مفقودة الآن كانت تضم أساساً أقوال يسوع
يطلق عليها فى الكتابات المبكرة " اللوجيا " أى الأقوال، وكان يرمز لها
بالحرف " سا " ولكنها تعرف الآن بالحرف “
Q ”، وقد أيده فى هذا مؤخراً، ساندى وستريتر. وقد حاول هارناك
والسيرجون هوكنز وفلهاوزن إعادة إنشاء “
Q ” على أساس ما لا ينتمى لمرقس فى متى ولوقا، أما " ألن"
فيستخلصها من متى فقط معتقداً أن مرقس أيضاً يحتمل أن يكون قد أخذ أقوالاً قليلة
منه. والبعض يفترض مصدراً معيناً للأصاح الثالث عشر، ويعتبره ستريتر وثيقة كتبت
بعد سقوط أورشليم بزمن وجيز، متضمنة أقوالاً قليلة مما نطق به يسوع، وقد أدمجها
مرقس فى إنجيله. ويفترض بيكون وجود مصادر أخرى شفهية كانت أو مكتوبة، لأجزاء صغيرة
من الإنجيل، وسماها بالرمز “
X”،
ويزعم أن الكاتب الأخير لإنجيل مرقس (ويرمز له بالرمز
R) ليس مرقس، بل شخصاً من مدرسة بولس من نوع راديكالي.

 

وحتى
يكون حكمنا سليماً، فإن الكثير يتوقف على مفهومنا لأسلوب يسوع والرسل فى التعليم.
فالتعليم والكرازة ليسا مترادفين، ويلخص متى الخدمة المبكرة فى الجليل فى الكلمات
: " يعلم، ويكرز، ويشفى " (مت 4: 23)، ويعطينا مادة ذلك التعليم كما
تأثر بها. وإن كان مرقس يسجل كمية أقل منها، إلا أنه يتحدث عنها أكثر مما يتحدث
متى أو لوقا. وواضح أن يسوع قد أعطى للتعليم مكانة عظيمة، كما أنه قد خصص جزءاً كبيراً
من الوقت لتعليم الدائرة الداخلية من التلاميذ. ولم يكن ذلك التعليم موسعاً ولكنه
كان مكثفاً، وقد التزم بالموضوع الحيوي، موضوع ملكوت الله. ولابد أنه قد كرر
الحديث عنه مراراً، ولم يتردد في أن يكرر الدروس التى تعذر فهمها على التلاميذ
المختارين أنفسهم. والتعليم بالتكرار أمر شائع معروف، وكلمة " يعلم" (أى
عن طريق الحوار، بالسؤال والجواب) تدل على ذلك. ويستخدم بولس نفس الكلمة عن
التعليم اليهودي (رو2: 18)، ويستخدمها لوقا عن التعليم المسيحي (لو 1: 4).

 

والجديد
فى تعليمه، لم يكن فى الأسلوب بقدر ما كان في المحتوى وفى السلطان وفى القوة
المعجزية المصاحبة (مر1: 27). ويقيناً لم يكن يكرر الكلام باطلاً، وكان اهتمامه
الأعظم بالروح، فلم يكن – بكل تأكيد – مهتماً بالشهرة بالأصالة والإبداع، أو
بالثروة أو الموارد المتنوعة، لقد كان اهتمامه متجهاً إلى تعليمهم الحق بقوة
تجعلهم مؤهلين بصفاء ذهني ةتعاطف روحي لتعليم الآخرين. والله فى عنايته – وهو يعطف
على الجميع، ولكن كثيراً ما تعترضه رادة البشر الذاتية – حر فى إتمام عمله الكامل،
وفى جعل كل الأشياء تعمل معا لإتمام قصده، وهكذا تجرى وتنشأ ظروف، ويظهر أشخاص من
كل لون على المسرح، مما يستلزم دروساً جديدة وأمثالاً حية وشرحاً للحق فى ملئه، فى
توازن سليم وتأكيد قاطع ومنظور صحيح.

 

وهكذا
أعلن قبل موته – الصفة العامة لذلك الملكوت ومبادئه وتوقعاته. وهكذا أعد السدى
(الخيوط الأساسية) للأناجيل، وكان الجوهر والمادة والشكل العام واحد لكل الاثنى
عشر، ولكن كل واحد منهم – من موقع شخصيته المستقلة – رأى جوانب خاصة وتأثر بتفاصيل
معينة، فلم يستطع أي واحد منهم أن يستوعبها جميعها إذ لم يكن فيهم من يماثل المعلم
في عظمته. وكم كان يكون غريباً لو أن أحداً منهم لم يكتب شيئاً من ذلك ! إن رمزي
وسالمون وبالمر على حق في إحساسهم بأنه ربما قد كتب شئ قبل موت يسوع، ولعل متى
كُتب ما ورد فى ذهنه ما قدمه لنا ما كان فى المرجع الذى يرمز إليه هارناك بالرمز“
Q ”، ولعل يوحنا ويعقوب فعلا نفس الشئ وأمدا لوقا بمرجعه الرئيسي.
ولكن سواء كان قد كتب فى ذلك الوقت أو لم يكتب، فإن الحقيقة الأساسية التى يجب أن
نذكرها هى أن المادة جميعها بكل تفاصيلها، كانت قد استقرت فى أذهانهم، وأصبحت –
نتيجة الاتصال والتشاور المستمرين – ملكاً مشتركاً بينهم جميعاً. إنهم لم يفهموا
كل شئ فى البداية، فلم يفهموا مثلاً – قيامته من الأموات، ولكن الكلمات كانت قد
استقرت فى الذاكرة، والأحداث التى تلتها، أوضحت معناها.

 

وجاءت
بعد ذلك أحداث موته وقيامته، وظل لمدة أربعين يوماً فى ظهورات متكررة، يعلمهم
الأمور المختصة بملكوت الله، ويفسر لهم الأمور المتعلقة به فى كل الكتب، وبخاصة
حتمية موته وقيامته، وكانت هذه لحمة (الخيوط المستعرضة فى نسيج) الأناجيل. ومع هذا
لم يكونوا متأهبين للعمل، لذلك يعدهم بروحه القدوس، الذى سيكون جزءاً رئيسياً من
عمله، أن يذكرهم بكل ما قاله لهم، وأن يرشدهم إلى جميع الحق ويخبرهم بأمور آتية،
وعندما يحل عليهم الروح القدس ينالون قوة للشهادة له.

 

إن
مفهوم الرسل عن عملهم – يشير إليه بطرس – إلى حد ما – عندما أصر على أن من
المؤهلات التى لا يمكن التغاضى عنها، فى خليفة يهوذا، هى أن يكون قد اجتمع معهم كل
الزمان منذ بدء خدمة المسيح وحتى نهايتها حتى يكون ملماً بأقوال المسيح وأعماله.
ومنذ يوم الخمسين فصاعداً، كرسوا أنفسهم – بصورة بارزة – للتعليم، والألوف الذين
تجددوا فى ذلك اليوم، كانوا يواظبون على تعليم الرسل. وعندما قامت المشكلة بين
اليهود واليونانيين، تم اختيار السبعة الشمامسة، لأن الرسل لم يكن فى إمكانهم أن
يتركوا كلمة الله ويخدموا موائد. ولعل الحاجة الماسة إلى هذا العمل، كانت أحد
أسباب بقائهم فى أورشليم عندما شتت الاضطهاد الكثيرين من أعضاء الكنيسة (أع8: 2)،
وهكذا ظلوا على صلة وثيقة سنوات عديدة، ليس خلال النزاع بين العبرانيين
واليونانيين فحسب، ولكن حتى قبول كرنيليوس الأممى وصحبه بواسطة بطرس، وهو ما أقرته
الكنيسة فى أورشليم. ولعلهم ظلوا هكذا حتى انعقاد المجمع فى أورشليم (أع15) الذى
رفض الاقتراح القائل بلزوم الختان للخلاص. وفى أثناء هذه السنوات، كانت أمامهم
فرصة واسعة للحوار المتبادل، كما أن أهمية التساؤلات التى واجهتهم، اضطرتهم إلى
الاستفادة – إلى أقصى حد – من هذه الفرصة. إن ولاءهم ليسوع – ولاء الشهداء – جعلهم
يبادرون إلى تحدى أى شئ تبدو فيه شبهة الإساءة أو سوء الفهم لتعليم سيدهم. وكل ما
جاء فى سفر أعمال الرسل عن مداولاتهم فى الأزمات الخطيرة، يثبت ذلك بصورة قاطعة.
ويشيد لوقا بنجاحهم فى تعليم الآخرين، وحرصهم على دقة التعليم، عندما يتكلم عن
" الأمور المتيقنة " أي الحق الذى لا شك فيه، " وصحة الكلام الذى
علمت به" (لو1 :1و4). وهكذا نرى أن تفسير يسوع للكتب لهم بعد قيامته، وخبرتهم
مع يسوع طوال هذه السنين، وإرشاد الروح القدس لهم، هى أساس كتابة الرسل للإنجيل.

وكان
بطرس هو القائد المعروف بين هذه الجماعة، وقد عمل أكثر من أى شخص آخر، لتحديد
القالب الذى صيغت فيه تعاليم ما بعد القيامة. ويخبرنا لوقا أن كثيرين قد حاولوا
تسجيلها، وهو نفسه في كتاباته الموجزة عن أحاديث بطرس، يرسم خطوطها العريضة. وقد
أخذ مرقس – بناء على طلب المسيحيين فى روما، وبموافقة بطرس – على عاتقه تقديم قصة
وافية بالغرض، وقد أثرت فى النتيجة، حقيقتان معينتان : أولاهما هى طبيعة الناس
الذين كتب إليهم، الثانية – كما يفترضون – وجود “
Q ” أى مجموعة الأقوال التى سجلها متى، وكان من الطبيعي بالنسبة له،
أن يكمل أكثر مما يكرر هذا الموجز الرسولي. وبالإضافة إلى ذلك، حيث أن “
Q ” قدم – بصفة رئيسية – الجانب الأخلاقي أو الجانب الناموسي
للمسيحية  فإن الإضافة يجب أن تقدم الجانب الإنجيلي فيها، وهكذا تصبح تكملة له.
هذا التقديم وحاجات الناس الذين يكتب لهم بصفة خاصة، تجعل من اللازم أن يضيف شيئاً
من صميم المادة التعليمية – شفوية كانت أو مكتوبة – غير الواردة في “
Q ”. وهكذا يبدأ مرقس إنجيله، بالقول : " بدء إنجيل يسوع
المسيح ابن الله "، فهو يقدم يسوع مكرساً نفسه للموت من أجل خطايانا، ثم
قيامته من بين الأموات، فهذا هو الإنجيل. ويبدأ يسوع خدمته بدعوة الناس أن "
يتوبوا ويؤمنوا بالإنجيل ". وإنجيل مرقس مكتوب من وجهة نظر القيامة، ويقدم
قصة الآلام وقصة الخدمة فى هذا الإطار المحدد. ولعله فى نفس الوقت، كتب متى
للمسيحيين من اليهود، وجمع بين الجانب التبشيري من التعليم وبين ما ذكره فى “
Q ”، مع الإضافة أو الحذف حسبما يتفق مع هدفه، وقام لوقا بعد ذلك
بخدمة مماثلة للمسيحيين اليونانيين.

 

إن
السؤال الوحيد الخطير عن صحة الإنجيل وسلامته، إنما يتعلق بالأعداد الاثنى عشر
الأخيرة – كما سبقت الإشارة – ويرى البعض أن مرقس (1: 1-13)، يماثل ما جاء فى مرقس
(16: 9-20)، ولعل الجزء ين قد أضافتهما نفس اليد، ولكن بما أن المفردات
والارتباطات هى الحجج الرئيسية ضد أصالة الجزء الأخير، فإنه فى كلا هذين الأمرين،
ترتبط مقدمة مرقس (1:1-13) بالموضوع الرئيسي للإنجيل. كما ليس ثمة سبب كاف لإنكار
أن الأصحاح الثالث عشر، هو رواية صادقة لما قاله يسوع. وما يزعمه
"وندلنج" عن وجود ثلاث طبقات يمكن تمييزها، لثلاثة كتَّاب مختلفين، هم
المؤرخ والشاعر وعالم اللاهوت، لم يعد يجد قبولاً. وباستثناء الأعداد الختامية، لا
يوجد ما يدعو إلى افتراض حدوث أى مساس بوحدة الإنجيل، أكثر من افتراض قيام مرقس
نفسه بإضافة مبكرة أو متأخرة، وأقوى نقطة فى هذا الخصوص، هى عدم ذكر لوقا للجزء
المدون فى إنجيل مرقس (6: 45-8: 26)، ولكن هوكنز يقدم أسباباً أخرى لذلك.

 

تعاليم السفر:

1-شخص
المسيح : من الطبيعي، أن يكون " شخص المسيح" هو الموضوع الرئيسي فى
الإنجيل، فهو المسيا، ابن الله، مصدر الإنجيل، وينتهى النصف الأول من هذا الإنجيل
باعتراف التلاميذ بأنه المسيا. وينتهى الجزء الثاني بالإثبات القاطع بأنه هو ابن
الله. ويقدم لكل من الجزءين، إعلان الآب عنه بأنه هو ابنه الحبيب (11:1،9 :7)، أما
أن هذه البنوية بنوية فريدة متميزة، فواضح فى إنجيل مرقس (12: 6،13: 32)، وفى نفس
الوقت هو ابن الإنسان – إنسان حقاً (4: 38، 8: 5،14: 34)، إنسان مثالي فى طاعة
كاملة لله (10: 40، 14: 36)، وهو رأس البشرية (2: 10و28)، وهو المسيا أو الملك
الشرعي (1: 1،14: 62)، ومع هذا فهو خادم الجميع (10: 44و45)، ابن داود ورب داود
(12: 37). وهذه البنوية الفريدة هى التفسير النهائي لكل شئ، لقوته،وعمله بكل
الحاضر (2: 5و8، 8: 17) والمستقبل أيضاً (8: 31، 10: 39، 14: 27 الأصحاح الثالث
عشر بأكمله)، وسموه فوق كل البشر، سواء من الأصحاب (1: 7،9: 3-8)، أو من الأعداء
(12: 34)، وعلى الكائنات الأسمى من البشر، سواء الكائنات الخيرة (13: 32) أو
الشريرة (1: 13و32، 3: 27).

 

2-الثالوث
الأقدس : فيتحدث الآب عن الابن (1: 11،9: 7)، ويتحدث الابن عن الآب (13: 32)، كما
يتحدث إليه (14: 36)، والفرق بين أبوته للمسيح وأبوته لنا، نراه واضحا فى مرقس
(11: 25،12: 6، 13: 32)، كما يذكر الروح القدس مراراً (1: 8و10و12، 3: 29، 13:
11)، والشاهد الأخير يبين شخصيته، بصورة خاصة.

3-الخلاص:
أما فيما يختص بالخلاص، فإن الابن هو من أرسله الآب أخيراً(12 :6)، وهو يبذل نفسه
فدية عن كثيرين (10: 45)، ودمه المسفوك هو دم العهد (14: 24)، وكان هذا يستلزم
موته بأكمل معناه. وكان يعرف من البداية ما ينتظره، فهذا فقط يمكن إدراك معنى
معموديته (1: 5و11، 2: 20). وقد بدأ فى الحديث عن ذلك بوضوح بعد حادثة التجلى (10:
32، 14 : 33-36). لقد كان هذا هو التدبير الإلهي للخلاص. لقد بذل هو نفسه (10 :
45)، والمطلوب من البشر هو التوبة والإيمان (1: 15، 2: 5، 5: 34و36، 6: 6، 9: 23،
16 :16)، ولكنه يمنح البركات الأدنى، بدون النظر إلى الإيمان الشخصي (1: 23-26، 5:
1-20، 6: 35- 43). وقوة الإيمان – بحسب إرادة الله – لا حدود لها (11: 22- 25)،
والإيمان يؤدى إلى عمل إرادة الله، والذين يعلمون مشيئته هم أقاربه الحقيقيون (3:
35)، والخلاص مقدم للأمم كما لليهود أيضاً (7: 24-30).

4-الأخرويات
: ونجد الحديث عن الأخرويات فى هذا الإنجيل بصورة رئيسية فى الجزء من (8: 34-9:
1و13)، ففى (9: 1) نجد نبوة عن خراب أورشليم، كرمز ودليل على مجيئه النهائي
للدينونة وللجزاء، وهو ما كان فى فكره فى الأعداد السابقة، وما الأصحاح الثالث عشر
إلا شرحاً لهذا. والحديث عن دمار أورشليم فى الأعداد (5- 23، 28- 31)، والمجئ
النهائي فى الأعداد (24- 27و 32). والتمييز واضح فى الضمائر المستخدمة فى العددين
(30و32) (انظر مت 24: 34و36)، وفى كلا الفصلين (9: 1، 13: 30) يتحدد سقوط أورشليم
تقريباً بنهاية ذلك الجيل. أما زمن المجئ النهائي، فهو معروف عند الآب وحده (13:
32). وبين حياة المسيح على الأرض ومجيئه الثاني، هو جالس الآن عن يمين الله (12:
36، 16: 19)، والقيامة التى أنبأ بها عن نفسه (8: 31، 9: 31، 10 : 34)، والتى حدثت
فعلاً (الأصحاح السادس عشر)، يؤكدها بالنسبة للآخرين أيضاً (12: 24-27).

 

مضمون السفر:

بعد
المقدمة (1 :1-13) وتجربة يسوع ومعموديته وسجن يوحنا المعمدان، نجد ثلاثة اقسام.
1) رسالة يسوع في الجليل (1 :14-9 :50). (أ) النجاح الاول (1 :14-45) : انضم إلى
يسوع تلاميذ. دُهش الناس من تعليم يسوع. على أثر الأشفية وطرد الشياطين، انتشرت
شهرته. (ب) 6 جدالات مع معلمي الشريعة (2 :1-3 :6). (ج) دعوة الرسل، تعليمهم
وتثقيفهم (4 :1-34) وتثبيتهم في الايمان بواسطة بعض معجزات التي تدل على سلطان
يسوع (4 :35-6 :13). حياة يسوع على الطرقات (6 :14-9 :50) وقمتها اعتراف بطرس في
قيصرية فيلبس وانباءات الآلام الثلاثة (8 : 27-9 :50). 2) رسالة يسوع في اليهودية
وفي اورشليم (10 :1-13 :37). دخول احتفالي إلى اورشليم (10 :46-11 :11). محاولات
رؤساء الشعب ليصطادوه (11 :12-12 :44). الرؤيا الازائية (13 :1-37). 3) خبر
الآلام، الملاحظة حول القبر الفارغ والظهورات (14 :1-15 :47)، خاتمة. نلاحظ أنّ
مرقس جمع أعمال يسوع لا أقواله. إننا لا نجد كثيرا من المقاطع الخاصة بمرقس. اهمها
: 3 :20ي (قلق اهل يسوع عليه)؛ 4 :26-29 (مثَل الحبة التي تنمو بدون مساعدة)؛ 7
:32-37 (شفاء الاخرس والاطرش في ديكابوليس أو المدن العشر)؛ 8 :22-26 (أعمى بيت
صيدا). حين نقرأ مر حسب المدى الذي يسير فيه الخبر، نكتشف أن مسيرة يسوع الجغرافية
على الأرض، تجد ذروتها في الآلام التي تأخذ حيّزًا واسعًا في هذا الانجيل. فهو،
بعد المقدمة (1 :1-13) يصوّر رسالة يسوع في الجليل (1 :14-9 :50) ثم صعوده إلى
أورشليم (10 :1-52) وأخيرًا آلامه وموته في أورشليم (11 :1-16 :8).

 أما
حين نقرأه حسب التوسّع الدرامي، فنكشف مسيرة لاهوتيّة تنقسم قسمين. القسم الاول (ف
1-8) يرينا وحيًا متدرّجًا عن يسوع المسيح ومخلّص البشر. في البداية هو موضوع
جِدال (1 :14-3 :6) يلتقي بالنار ويطرح عليهم الأسئلة. وهو أيضًا الكلمة التي
تتوجّه إليهم (3 :7-6 :6)، فتحرّك المخافة وتدعو إلى الايمان. ويكشف يسوع الضمائر
فينزع القناع عن قساوة القلوب لدى التلاميذ (6 :7-8 :30) ثم يضمّنهم إليه في
رسالته. سألهم في قلب الانجيل : "من أنا في رأيكم" (8 :29). فاعترف به
بطرس أنه المسيح. والقسم الثاني يجعل التلاميذ يسيرون وراء يسوع (ف 9-16).
فالتعلّق بشخصه هو أساس تصرّف كل انسان في طريق قد تبدو مستحيلة (8 :31-10 :31). ومن
طلب الصعود معه إلى أورشليم (10 :32-13 :37) وجد نفسه أمام مخطط الله ودينونة
التاريخ. وجد نفسه سائرًا معه في طريق الآلام التي تقود إلى الموت (14 :1-16
:20).وهكذا يلتقي بالله الحي، ويكشف نفسه شاهدًا للانجيل، وينتهي كل من هذين
القسمين باعتراف إيماني. بطرس يعلن المسيح (8 :27-30). قائد المئة يعلن ابن الله
(15، 39) باسم الوثنيين الذين سيكونون السامعين للانجيل، ولا سيّما في كنيسة رومة
حيث دُون انجيل مرقس. ثانيًا : الاصل (أ) حسب أقدم تقليد مسيحي، مر هو عمل يوحنا
مرقس وترجمان بطرس. هذا ما قاله بابياس، ايريناوس، ترتليانس، اوريجانس، اوسابيوس،
ايرونيموس. وزادوا : كتب مرقس حسب كرازة بطرس. وتُثبت المعطيات الداخلية شهادةُ
التقليد هذه. كان الكاتب يهوديا من فلسطين. عرف جغرافية البلاد وطوبوغرافيتها خاصة
في اورشليم حيث اعطى تفاصيل عديدة (11 :4، 16؛ 12 :41؛ 13 :3؛ 15 :8). مرقس هو
أقصر من متى ومن لوقا، ولكنه يتكلم اكثر منهما عن بطرس، ويورد تفاصيل لا تشرّف
بطرس كثيرا (8 :33؛ 14 :37). ثم ان شكل مر وتصميمه يذكّراننا بشكل تصميم خطب بطرس
في (أع 1 :21ي؛ 10 :37-43). والطابع الحي للاخبار يدل على انها ترتبط بشاهد عيان
(1 :10، 30، 40-45) هو بطرس. (ب) هدف مر، قرّاؤه، مكان وزمان كتابته. ما هو هدف
مرقس؟ العنوان (1 :1)، وأهمية أخبار المعجزات، واعتراف قائد المئة (15 :39)، تدل
على أن مرقس أراد أن يشدّد على الطابع الالهي ليسوع. ونجد أيضا الفكرة عينها في
خطب بطرس (اع 2 :22، 32، 36، 38؛ 3 :14-15، 26؛ 4 :9-12). مضمون مر. انه دوِّن
لمسيحيين جاؤوا من العالم الوثني. هناك ايرادات قليلة من العهد القديم. يُهمل
الإنجيليّ الأقوال عن شريعة موسى وعن رسالة يسوع الخاصة إلى اليهود. يترجم لقرّائه
كلمات وتعابير ساميّة (3 :17؛ 5 :41؛ 7 :34). يفسّر عادات اليهود وطرق عيشهم (7 :3؛
14 :12؛ 15 :42). ويقول التقليد إن قرّاءه هم مسيحيو رومة. وان مرقس كُتب في رومة.
هكذا نفهم بعض التعابير اللاتينية في انجيله (2 :4، 9؛ 6 :55؛ 11 :32؛ 14 :65؛ 15
:15). متى دوِّن مر؟ هناك خلاف. قال بعضهم : بعد موت بطرس، وقال آخرون : قبل موت
بطرس وبموافقته. اذا كان لا بد من وجود جماعة مسيحية لا يمكن أن يكون مر قد كُتب
قبل سنة 50. وبما ان مرقس لا يعرف دمار أورشليم فقد كتب إنجيله قبل سنة 70. (ج)
المراجع. يورد التقليد أن مر دوِّن انطلاقا من كرازة بطرس. إذًا مرجعه الرئيسي هو
كلمة بطرس الحية. ثم إن مرقس عرف بولس، ولا بدّ أنه تأثّر بأفكاره.

 

طابع السفر:

(أ)
الطابع الأدبي. أسلوب حي. استعمال الحاضر التاريخي يعطي انجيله نكهة خاصة. نحس حين
نقرأ مرقس وكأننا نشهد الأحداث بأم العين. يُكثر مرقس من استعمال "وفي
الحال"، وهكذا نحسّ أن حياة يسوع مرّت سريعا دون راحة حتى النهاية. ويبرز
مرقس الطابع المحلي في انجيله مقحما الكلمات الارامية (4 :41؛ 7 :35؛ 11 :21؛ 14
:45). دوِّن انجيل مرقس في اليونانية، لا في الارامية ولا في اللاتينية.

 (ب)
الطابع التعليمي. يقدم مرقس الكرازة المسيحية الاولى المستندة إلى تعليم يسوع.
نلاحظ اولاً السر المسيحاني. يفرض يسوع الصمت على الذين يسمّونه مسيحًا، ويمنع
الدعاية المليئة بالضجة. لا يريد أن يُعلن المرضى شفاءهم بصوت عال (1 :44؛ 7 :36).
إن يسوع لم يرد أن يُعلَن مسيحًا بطريقة ظاهرة، لئلا يشجع الامال السياسية لدى
معاصريه. فيسوع يشدّد دومًا على الطابع الروحي لرسالته. هو لا ينسب إلى نفسه لقب
المسيح، بل يسمّي نفسه ابن الانسان. ولا يظهر المعنى العميق لهذا اللقب الا حين
يماثل يسوع نفسه أمام السنهدرين مع ابن الانسان في دا 7 :13 فيطالب بكرامته كمسيح.
ولو اعلن يسوع نفسه مسيحا قبل ذلك الوقت، لحسبه الشعب ملكا ارضيا. أما هكذا حسبه
الرسلُ الذين لم يفهموا الطابع الروحي لملكوته (10 :35ي؛ مت 20 :20ي)؟

 

أقسام السفر:

 1 –
ميلاد يسوع المسيح الملك العظيم واستعداده كخادم (ص 1: 1- 13):

+
التعرف علي شخصية الرب يسوع، ابن الله (1، 11) الذي تنبأ عنه الأنبياء.

+
يوحنا يهيئ الطريق للمسيح الخادم (1 – 8).

+
يوحنا المعمدان، ومعمودية السيد المسيح ابن الله كاستعداد للخدمة (مر1:1- 11).

2 –
رسالة يسوع المسيح الملك العظيم وخدمته (1: 14 – 13 : 37) :

 أولاً:
عمل وتعاليم المسيح الخادم ومعجزاته إلى عيد الفصح في أورشليم (مر14:1- ص10).

+
السيد المسيح ابن الله كخادم للبشرية جاء ليحول طبيعتنا الوحشية إلى طبيعة
ملائكية، خادماًإياها أينما وجد سواء في الجليل أو فيما ورائه، أو في أورشليم،
فكان يختلي في البرية يصلي لأجلنا (1: 35)، مصارعاًضد إبليس ليحررنا من سلطانه،
فكان مع الوحوش تخدمه الملائكة (1 : 13)، وفي البيت كان يخدم (2 :1)، أو عند
الشاطئ (2: 13)، أو بين الزروع (2 : 23)، أو وسط المجمع (3: 1)، كما علي الجبل (3
: 13)، وكان يخدم بسلطان وليس كالكتبة

(1:
21، 6 : 1- 3)، يخدم اليهود " خاصته "، كما يخدم الأمم (7 : 24 -30)،
مظهراًمشاعر الحب نحو الجميع، وحتى وسط المقاومة لم يتوقف عن خدمته (3 : 6).

+
تلمذ آخرين للخدمة معه وبه (1: 16- 20، 2: 13، 3 : 14 -19، 4: 7 -13، 6 : 7 – 13)

+ جاء
ليحرر البشرية من الأرواح الشريرة (1: 23- 28، 5: 1 – 20، 9 : 14 -29 (بالصوم،
والصلاة).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م ماء النجاسة ة

+ جاء
ليحررها من الأمراض (1: 29 -34، 40- 44، 2 : 1 – 12، 3 : 1 – 3، 6 : 54 – 56، 7 :
31- 37، 8 : 23 – 26).

+ جاء
ليهبها سلطانا فتخضع لها الرياح والأمواج (4 : 35 – 40، 6 : 45 – 52)، ولا ترتعب
من الموت (إقامة ابنة يايرس 5 : 35 – 43) ويحررها من الحرفية والشكلية، (7 :1-23)،
ومن الرياء (8 : 14 – 21)، ومن عمي البصيرة (10 : 46 – 52) ومن الجوع (6: 34 – 43،
8 : 1 – 10).

+
بجوار الخدمة الظاهرة كالمعجزات والاشفية قدم خدمة للنفس البشرية بالكشف عن ذاته
إذ سأل التلاميذ " من يقول الناس إني أنا ؟ " (8 : 27) ليقدم ذاته لهم
" المسيح " (8 : 29) مخلصا وفاديا كما أعلن عن

 ذاته
بالتجلي (9 : 1 – 8).

+ لم
يخدم فحسب إنما أرادنا أن نخدم بروح الإتضاع (9 : 33 – 37، 10 : 41 -45، وبروح
التخلى) أى انكار الذات) وحمل الصليب (8 : 34 – 38، 10 : 17 – 31).

+ في
خدمته لا يحتقر أحدا بل يهتم بالمحتقرين ويجعل من الأولاد مثلا (9 : 36)، يدعو الأطفال
ويحتضنهم ويباركهم (10 : 13 – 16).

ثانيا:
المسيح الخادم المطيع (ص 11- 13)،

+
يدخل أورشليم للذبح بإرادته (ص 11)،

+
فادياً للنفس الإنسانية حتى إن قاومته أمته (ص12).

+
حديثه عن خراب الهيكل وانقضاء الدهر(ص 13) ليهبنا الاستعداد للأبدية.

 3
-موت المسيح وقيامته (14: 1- 16: 20):

+
تقديم الفصح الجديد، ودخوله تحت الألم، ومحاكمته دينياً(ص 14).

+
محاكمته مدنيا وصلبه (ص 15).

+
قيامته (ص 16).

 

 جاء
السيد المسيح كخادم للبشرية يجول يصنع خيرا ففي حياته علي الأرض كان يخدم، وبصلبه
قدم أثمن خدمه، فان أعظم ما قدمه في خدمته هو طاعته حتى الموت لكي يفدينا والآن إذ
قام من الأموات بقي خادما، وقيامته أعلنت مجد الخادم القادر أن يقيم من الموت،
وبعد القيامة خدمنا بإعلان ذاته للتلاميذ وإرسالهم للخدمة في العالم، لكي بصعوده
نصعد معه.

 

محتويات السفر:

يمكن
أن تقسم محتويات هذه البشارة إلى:

1 –
بدء الإنجيل 1: 13

(أ)
مناداة يوحنا المعمدان 1: 2- 8

(ب)
معمودية يسوع وتجربته 1: 9 -13

2-
خدمة المسيح في الجليل ومناداته هناك وقيام السلطات الدينية عليه (1: 14 – 8: 26)

(أ)
في الأماكن الواقعة حول بحر الجليل (1: 14 – 5: 43).

(ب)
في الأماكن البعيدة عن بحر الجليل (6: 1 – 8: 26).

3 –
المسيا والآلام العتيدة (8: 27 – 10: 45).

(أ)
اقرار بطرس (8: 27 – 33).

(ب)
التنبؤ باآلام (8: 31 و32 و9: 3 – 32 و10 : 32 – 34).

(ج)
التعليم عن التلمذة الحقيقية للمسيح (8: 34 – 38 و9: 23 – 37 و10: 13 و35 – 45).

(د)
التجلي (9: 2 – 13).

4 –
سرد حوادث الآلام (10: 46 – 52).

(أ)
في الطريق إلى اورشليم (10: 46 – 52).

(ب)
الدخول إلى اورشليم (11: -11).

(ج)
خدمة المسيح ومناداته في اورشليم (11: 12 – 13: 2).

(د)
خطاب نبوي عن خراب اورشليم والمجيء الثاني (13: 3 – 37).

(ه)
موت المسيح (14: 1 – 15: 47).

5 –
قيامة المسيح والقبر الفارغ (16: 1 – 8).

6 –
خاتمة عن ظهور المسيح بعد قيامته (16: 9 – 20).

 

المصدر
الذي اشتقت منه مادة هذا الانجيل :

كان
الاعتقاد السائد في أواخر القرن الأول الميلادي أن هذا الإنجيل كتب في روما ووجه
إلى المسيحيين الرومانيين. وكتب بابيوس مستنداً إلى ما استقاه من يوحنا الشيخ لهذه
العبارة التي اقتبسها يوسيبيوس في تاريخه الكنسي: "هذا أيضاً ما قاله لآرائه،
سجل جميع الاشياء التي تذكرها من أقوال المسيح وأعماله وذلك لأنه لم يسمع الرب ولا
كان من اتباعه ولكنه اتبع بطرس فيما بعد كما ذكرت آنفاً". وهذا الدليل الذي
يأتينا من نهاية القرن الأول أو فاتحة القرن الثاني يربط بين كاتب هذا الإنجيل
وبطرس. ثم أننا نجد ذكراً لمرقس فس رسالة بطرس الأول غذ يقول: "تسلم عليكم
المختارة مثلكم، التي في بابل ومرقس ابني" (ابط 5: 13). وبابل هنا اسم رمزي
لروما وهذا القول لا يربط بين بطرس ومرقس فحسب بل يشير إلى أنهما يخدمان معاً، وفي
الغالب أنهما كانا يخدمان في روما.

ومن
المحقق أن مرقس انتهز الفرص الكثيرة التي أتيحت له ليتعرف على أقوال المسيح
وأعماله من كثير من اللذين سمعوا هذه الأقوال وكانوا شهود عيان لهذه الأعمال إلى
جانب بطرس وكذلك عرف الكثير منها عن طريق أفراد الكنيسة الأولى وقريبه برنابا
والرسول بولس والتلاميذ الذين ترددوا على منزل أمه مريم (أعمال 12: 12 و17).

ومن
الواضح أن مرقس كتب بشارته للامم ويظهر هذا من شرحه وتفسيره بعض العبارات الواردة
عن اماكن في فلسطين وبعض العادات اليهودية وبعض التعبيرات غير المألوفة لدى الأمم
(مر 3: 17 و5: 41 و4 و11 و34 و12: 42 و14: 12 و15: 22 و42 وغيرها).

ثم إن
استخدام البشير لكلمات لاتينية كثيرة في صورتها اليونانية يرّجح الراي القائل بأن
البشارة كتبت في روما.

 

شرح السفر:

مرقس 1 – 3

يذكر
الكتاب المقدس – ولأول مرة – عن أن المسيح صلى بعد معموديته مباشرة. فلقد ظل يسوع
في نهر الأردن يصلي… وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة
جسمية مثل حمامة (لوقا 21:3-22). والمرة الثانية التي نراه فيها يصلي هي في قراءة
اليوم: وفي الصبح باكرا جدا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك (مرقس
35:1).

في
اليوم السابق، وهو سبت، كان في كفرناحوم، وكان يعلم في الهيكل، عندما قاطعه رجل به
روح شرير (مرقس 23:1-27). وبعد ذلك شفى حماة بطرس (مرقس 29:1-31)؛ ثم استمرت جموع
المرضى تزحمه حتى وقت متأخر من المساء (32:1-34). لقد كان يوما طويلا مليئا بالعمل
الشاق. وربما شعرنا أنه كان من الأفضل أن يأخذ ساعة إضافية من النوم بدلا من أن
يستيقظ ليصلي.

ومرة
أخرى، تحت ضغط شديد من الجموع، نقرأ: أما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي (لوقا
16:5). وهذا لا يشير إلى حادثة واحدة بل بالحري إلى عادة مستمرة على مدى أيام
عديدة أو ربما أسابيع. ففي الأوقات التي كانت فيها ضغوط الخدمة على أشدها، كان
يبدو أنه ينام وقتا أقل ليعطي وقتا أكثر للصلاة.

كان
في اليوم السابق قد اختار اثني عشر رجلا ليكونوا قادة للكنيسة، فنقرأ عنه أنه خرج
إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله (لوقا 12:6). فإذ كان يفكر في العمل
الهام الذي ينبغي أن يعمله في اليوم التالي، صلى طوال الليل. ولما كان النهار
(لوقا 13:6) دعا تلاميذه واختار منهم الاثني عشر.

كانت
الصلاة عادة ملازمة ليسوع طوال حياته على الأرض، فإننا نقرأ هنا: مضى إلى الجبل
ليصلي (مرقس 46:6). وأيضا حادثة التجلي حدثت بينما كان يسوع يصلي، عندما تغيرت
هيئته قدامهم (مرقس 2:9). وقد لفتت صلاته المستمرة أنظار التلاميذ، فقالوا له: يا
رب، علمنا أن نصلي (لوقا 1:11).

إن
حاجتنا إلى الصلاة تفوق بكثير حاجة يسوع إليها – فإننا نحتاج إلى أوقات فيها ننفصل
عن جميع الأنشطة، بل وعن خدمة الرب، لنكون على انفراد مع الآب. فإذا أردنا خدمتنا
أن تكون فعالة، فإننا نحتاج في كثير من الأحيان أن نضحي بالنوم والأشغال
والأصدقاء.. يجب تخصيص وقت للصلاة.

لقد
أعطانا يسوع العديد من الأمثلة الأخرى عن أهمية وفعالية الصلاة (مرقس 32:14،35-39؛
لوقا 18:9،28؛ 2:10-21؛ 1:11-4؛ 1:18-8؛ 36:21-37؛ 39:22-46؛ يوحنا 41:11؛ 16:14؛
1:17-26).

وقد
ذكر متى أنه بعد ما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردا ليصلي. ولما صار المساء كان
هناك وحده (متى 23:14).

لا
يتوقع الرب منا أن نصلي فقط، لكنه يشير إلى الضرورة الملحة للصلاة فيقول: إن
الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده
(لوقا 2:10).

عندما
نهمل الصلاة، فإن مجهوداتنا تصبح أقل فعالية وأكثر عرضة للتعطيل أو التضليل بواسطة
خدع الشيطان. أما إذا تتبعنا مثال ربنا يسوع فإننا نخصّص وقتا أكثر للصلاة.

ويطمئننا
يوحنا بكلمات الرب نفسه: مهما سألتم من الآب باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن.
إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله (يوحنا 13:14-14).

شواهد
مرجعية: مرقس 2:1 (انظر ملاخي 1:3)؛ مرقس 3:1 (انظر إشعياء 3:40).

 

 مرقس 4 – 5

أعطى
يسوع مثلا عن الزارع الذي خرج ليزرع: وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فجاءت طيور
السماء وأكلته. وسقط آخر على مكان محجر حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالا إذ لم
يكن له عمق أرض. ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف. وسقط آخر في
الشوك، فطلع الشوك وخنقه فلم يعط ثمرا. وسقط آخر في الأرض الجيدة، فأعطى ثمرا يصعد
وينمو، فأتى واحد بثلاثين وآخر بستين وآخر بمئة (مرقس 3:4-8). ومرتان يقول الرب
يسوع: من له إذنان للسمع فليسمع… انظروا ما تسمعون. بالكيل الذي به تكيلون [من
الفكر والدراسة] يكال لكم [من الفضيلة والمعرفة] ويزاد لكم أيها السامعون (مرقس
9:4،23-24).

هذا
المثل يبدو لأول وهلة محبطا حيث أن ثلاثاً بين كل أربعة بذور تضيع هباء، ولكن يسوع
يشرح لنا السبب. فالأرض الجيدة تمثل أولئك الذين يقبلون كلمة الله ويدرسونها
ونتيجة لذلك يأتي الفهم والإدراك المتزايد بحسب رغبتنا في عمل مشيئته.

وفي
إنجيل متى يتبع هذا المثل مثل العدو الذي زرع زواناً وسط الحنطة (متى 24:13-30).
والزوان يشبه الحنطة تماما إلى أن ينمو وينضج وعندئذ يتضح من رأس النبات أنه عديم
القيمة. وفي هذا المثل يقترح عبيد السيد أن يذهبوا ويجمعوه. ولكن السيد منعهم
قائلا: دعوهما ينميان معا إلى الحصاد… الحقل هو العالم، والزرع الجيد هو بنو
الملكوت (30:13،38)، والزوان يمثل أولئك الذين يبدون مؤمنين بالمسيح ويجتمعون مع
المؤمنين الحقيقيين.

إن
هذا المثل الثاني يبين أن الشخص المزيف، الذي ينقاد بدوافع شريرة ويندمج وسط
المؤمنين الحقيقيين، لا يمكن أن يصنع ثمرا روحيا. وفي النهاية، يرسل ابن الإنسان
ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار
هناك يكون البكاء وصرير الأسنان (مرقس 41:13-42).

والمثل
الثالث يصف ملكوت الله أنه مثل حبة خردل متى زرعت في الأرض فهي أصغر جميع البذور
التي على الأرض، ولكن متى زرعت تطلع وتصير أكبر جميع البقول وتصنع أغصانا كبيرة
حتى تستطيع طيور السماء أن تتآوى تحت ظلها (مرقس 31:4-32). فبالرغم من كثرة الأمور
المحبطة التي تحدّ اجتهادنا لتوصيل كلمة الله إلى العالم، فإن الغرض من هذا المثل
الثالث هو تدعيم الثقة من جهة ضرورة مجيء ملكوت المسيح.

ولد
ملك الملكوت كطفل في مذود صغير.. ومات على الصليب.. ولم يكن له سوى أتباع قليلون..
بعد ذلك اجتمع 120 من المؤمنين في العلية.. وامتلأوا من الروح القدس.. وخلال بضعة
أيام كان الآلاف قد حصلوا على الروح القدس واعتمدوا (أعمال 38:2-41). واليوم فإن
الملايين قد اعترفوا به مخلصا وربا.. ولا زالت البذرة مستمرة في النمو والتكاثر..
ولا بد أن تنجح نجاحا عظيما.. لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه
البحر (إشعياء 9:11).

شواهد
مرجعية: مرقس 12:4 (انظر إشعياء 9:6-10).

 

مرقس 6 – 7

كان
الفريسيون هم أكبر فئة دينية في أيامهم وكانوا يؤكدون إيمانهم بالمكتوب. ولكن الرب
يسوع كشف رياءهم بقوله: باطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس (مرقس
7:7). وكما أشار يسوع، فإن خطأهم كان أخطر من مجرد جعل تقاليدهم مساوية في أهميتها
للكتاب المقدس. قال لهم: رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم (مرقس 9:7). بل وأخطر من
ذلك: مبطلين كلام الله بتقليدكم الذي تسلمتموه (مرقس 13:7). فإن كلمة الله، على
سبيل المثال، توصي بالرحمة، وبمحبة الأعداء، وبتطهير القلب من الشهوات العالمية
والطموحات الخاطئة. ولكن الفريسيون كانوا مكتفين بالطقوس الخارجية فقط.

ولا
بد أن وقعت كلمات يسوع وقع الصاعقة على القادة الأبرار في عيني أنفسهم عندما قال
لهم: ويل لكم أيها… المراؤون! لأنكم تعشرون… وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة
والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك (متى 23:23).

لا
يوجد اليوم فريسيون، ولكن لا زال كثيرون يتجاهلون الحقيقة أن الرب يسوع وضع
لأتباعه مستوى للسلوك أرفع بكثير من التطبيق الخارجي للناموس، إذ قال: قد سمعتم
أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد
زنى بها في قلبه (متى 27:5-28).

إننا
نخدع أنفسنا إذا اعتقدنا بأنه لا ضرر من الأفكار الخاطئة طالما أنها لا تخرج إلى
حيّز التنفيذ. ولكن حتى العهد القديم يخبرنا أنه: كما شعر في نفسه هكذا هو (أمثال
7:23).

إن كل
واحد منا مسئول وقادر أن يستأسر كل فكر إلى طاعة المسيح (2 كورنثوس 5:10). وعندما
نخضع أنفسنا لإرادة المسيح المعلنة في كلمته عندئذ تصبح حياتنا تعبيرا عمليا
ويوميا عن المسيح الساكن فينا.

يعتمد
الإيمان – لنوال الخلاص، وأيضاً لنمونا المسيحي – على سماع كلمة الله (رومية
17:10). وهذا يحدث نتيجة لعمل مزدوج للروح القدس. فهو يعطينا روحه القدوس عند
التجديد، وهو يقدسنا يوميا وبتزايد عندما نميت بالروح أعمال الجسد [أي الأعمال
التي يحثنا بها الجسد] (رومية 13:8).

يهتم
الشخص المرائي بالسلوك الخارجي فقط وبالكلام الذي يبدو متدينا أمام الآخرين. أما
المسيحي الحقيقي فعنده الرغبة الصادقة في إرضاء الرب. فالمسيحيون الحقيقيون يرفضون
الأفكار الشريرة والإغراءات الشهوانية، ويحزنون بسبب الكبرياء أو عدم القناعة.
إنهم يبتغون التحرر من قساوة القلب، ولا يرضون بشيء أقل من التقوى الداخلية. فإن
الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون، ولكن الذين حسب الروح فبما للروح (رومية
5:8).

شواهد
مرجعية: مرقس 6:7-7 (انظر إشعياء 13:29)؛ مرقس 10:7 (انظر خروج 12:20؛ 17:21؛
لاويين 9:20؛ تثنية 16:5).

 

مرقس 8 – 9

أثناء
الأيام الستة السابقة كان يسوع وتلاميذه في قيصرية فيلبس (قارن مع متى 13:16؛
1:17). ويؤكد مرقس ذلك قائلا: وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم
إلى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيّرت هيئته قدامهم (مرقس 2:9).

كانت
قيصرية فيلبس تقع بالقرب من سفح جبل عال، هو جبل حرمون. ومع أنه جرت العادة على
ذكر جبل تابور بالارتباط مع حادثة التجلي، إلا أن هذا الجبل يبلغ ارتفاعه حوالي
1800 قدما فقط ويقع على بعد سفر ثلاثة أيام نحو الجنوب وعلى الجانب الآخر من بحر
الجليل. ولكن لم يأت على ذكر أي تغيير في الموقع إلا بعد التجلي، إذ نقرأ: وخرجوا
من هناك واجتازوا الجليل… وجاء إلى كفرناحوم (مرقس 30:9،33).

فلمدة
ستة أيام كانوا مجاورين للسلطة الرومانية والديانات الوثنية. ورقم 6 يشير إلى
الإنسان ومجهوداته. واليوم التالي، كان هو اليوم السابع، أي عدد الكمال، إشارة إلى
المسيح المتجلي بكل مجده، في حضور موسى وإيليا. وكان إيليا قد صعد إلى السماء في
مركبة (2 ملوك 11:2) دون أن يذوق الموت، أما موسى فمع أنه مات إلا أن جسده ظل تحت
رعاية خاصة من ميخائيل رئيس الملائكة (يهوذا 9:1).

وقد
أرشد الروح القدس متى أن يكتب قائلا: وأضاء وجهه كالشمس (متى 2:17)؛ أما لوقا فقد
ألهمه الروح أن يقول: صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضا لامعا (لوقا 29:9)، أي
أنه أشرق بمجد ألوهيته الذي ليس له مثيل.

ويبدو
أن الهدف من هذه الحادثة اللحظية هو الاحتفال بذكرى آلام المسيح – موته وقيامته –
وتكريم المسيا، مخلص العالم الموعود به، وذلك لأنهما تكلما عن خروجه [أي رحيله]
الذي كان عتيدا أن يكمله في أورشليم (لوقا 31:9). وما أنسب أن ينضم هذان الرجلان
إلى يسوع الذي قال: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل
لأكمل (متى 17:5).

فلقد
كان أمام الرسل الثلاثة الرجلان العظيمان اللذان يمثلان الناموس والأنبياء. لقد كان
موسى وإيليا من أعظم رجال الله، ولكن يسوع كان هو المكمل للناموس والأنبياء. إن
المسيح، بحكم كماله المنزه عن الخطية كابن الله المولود من العذراء، يفوق بما لا
يقاس أتقى الرجال في التاريخ. وهكذا فإن جميع القادة يتضاءلون عندما يصبح يسوع ربا
على حياتنا.

ولا زال
الصوت من السماء يقول: هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا (مرقس 7:9). وقد أخطأ بطرس
حين اقترح بأن يصنعوا ثلاث مظال واحدة لموسى وواحدة لإيليا وواحدة ليسوع. وهكذا
فإن أناسا كثيرين يقعون في خطأ مشابه ويضيعون على أنفسهم أفضل ما أعده الرب لهم
وذلك بإعطاء أهمية كبيرة للوعاظ المشهورين والكتب والشرائط الرائجة بدلا من أن
يطلبوا المسيح من خلال كلمته. ومهما كان الناس نافعين وأتقياء إلا أنهم لا
يستطيعون أن يحلوا محل القراءة الشخصية لما قاله الله في الكتاب المقدس – الذي هو
المصدر الوحيد للحياة الروحية والنمو الروحي!

في
البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله (يوحنا 1:1).

شواهد
مرجعية: مرقس 18:8 (انظر حزقيال 2:12)؛ مرقس 44:9،46،48 (انظر إشعياء 24:66).

 

مرقس 10 – 11

في
يوم الاثنين السابق للصلب، وهو اليوم التالي لدخوله منتصرا إلى أورشليم، دخل يسوع
إلى ساحة الهيكل وابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد
الصيارفة وكراسي باعة الحمام، ولم يدع أحدا يجتاز الهيكل بمتاع [إذ كانوا يتخذون
من ساحة الهيكل طريقا مختصرا للمرور] (مرقس 15:11-16).

فاغتاظ
رؤساء الكهنة وأرسلوا وفدا ممثلا للفئات الثلاث في السنهدريم – رؤساء الكهنة
والكتبة والشيوخ. فاقتحموا الحديث،إذ كان يسوع يعلم، وطلبوا منه أن يفسر سلوكه:
بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان؟ (متى 23:21). كانوا يشيرون إلى دخوله
الانتصاري وقبوله لهتافات الشعب القائلين أوصنا وتسبيحهم له كالمسيا. فلقد سمح لنفسه
أن يتقبل التحية الجهارية بصفته المسيح ابن داود. وقد أعطى نفسه أيضا السلطة
العليا على الهيكل إذ طرد الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل. فبأي سلطان كان
يسلبهم حقهم في السماح للصيارفة بممارسة عملهم وللتجار أن يعرضوا بضائعهم في رواق
الأمم؟ لقد كان يعطل مصالحهم!

كان
العابدون قادمين إلى أورشليم من مسافة بعيدة، وحيث أنهم كانوا تحت السلطة
الرومانية، فلم يكن لديهم سوى العملة الرومانية. وكان ينبغي أن يستبدلوا النقود
التي لديهم بالعملة اليهودية مقابل نسبة إضافية معينة حيث أنه لا ينبغي تقديم نقود
وثنية في خزانة الهيكل. ومن أجل "راحة" الناس القادمين من مختلف
الأماكن، سمح الكهنة ببيع الحيوانات اللازمة من أجل الذبائح وأيضا الدقيق والبخور
والملح وسائر الأشياء المطلوبة لعيد الفصح وعيد الفطير.

ولكن
يسوع لم ينخدع بجشعهم، ومرة أخرى اقتبس من العهد القديم بصفته المرجع الذي يتصرف
على أساسه، فقال: أليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأمم؟ وأنتم جعلتموه
مغارة لصوص (مرقس 17:11؛ إشعياء 7:56؛ إرميا 11:7). لقد أتى السيد بغتة إلى هيكله،
طبقا للنبوة، ليطهره (ملاخي 1:3-3).

لقد
أصبح من الواضح أن الرؤساء الدينيين كانوا يتجاهلون عمدا الأدلة النبوية العديدة
المتحققة، وأيضا المعجزات التي كانت تحدث في الهيكل. لقد أعماهم تعصبهم وكبرياؤهم
ونفوذهم ومركزهم، ولذلك كان اهتمامهم الأول هو حماية مصالحهم المادية. إن هذه
الحادثة تعلمنا درسا بأن كل من يقف إلى جانب الحق كما فعل المسيح عندما طهر الهيكل
لا بد أن يتعرض للمقاومة.

يوجد
احتياج اليوم إلى تطهير الهيكل، إلى شخص يقوم ويصنع سوطا من حبال ويطرد به
التقاليد والأساليب العالمية المنتشرة في وسط الخدمة المسيحية. واكتب إلى ملاك
الكنيسة التي في برغامس: هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين:… أن عندك
هناك قوما متمسكين بتعليم بلعام.. أن يلقي معثرة.. ويزنوا.. فتب، وإلا فإني..
أحاربهم بسيف فمي (رؤيا 12:2-16؛ أيضا عدد 1:25-2؛ 16:31).

شواهد
مرجعية: مرقس 6:10 (انظر تكوين 27:1؛ 2:5)؛ مرقس 7:10-8 (انظر تكوين 24:2)؛ مرقس
19:10 (انظر خروج 12:20-16؛ تثنية 16:5-20)؛ مرقس 9:11 (انظر مزمور 26:118)؛ مرقس
17:11 (انظر إشعياء 7:56؛ إرميا 11:7).

 

مرقس 12 – 13

إن
العلاقة التي كانت لإسرائيل مع الله الواحد الحقيقي، فصلتهم عن جميع شعوب الأرض
لكي تضمن لهم أن يكونوا شعبا مزدهرا وناجحا وقويا لو أنهم ظلوا أمناء لله. وهذا الحق
المجيد موضح في أهم خطاب لموسى: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد (تثنية 4:6).
فلقد دُعي شعب إسرائيل ليس ليعلن هذا الحق للعالم الوثني فقط، بل أيضا لكي يدين
الآلهة الغريبة التي في العالم ويدمر مراكز عبادتها.

وكلمة
Elohenu تعني إلهنا.
وجمعها هو
Eluhim. فهذا
هو إذن الإعلان المقدس المطلوب من إسرائيل أن ينادي به: اسمع يا إسرائيل، الرب
إلهنا (في صيغة الجمع)، رب واحد. والكلمة العبرية "رب واحد" تتضمن
إعلانا صريحا بأن الرب هو جمع في واحد. فكلمة "واحد"
echad تعبّر عن وحدة مجموعة. فهي لا تعني
الوحدة المطلقة بل الوحدة المركبة، على سبيل المثال "عنقود واحد من
العنب" أو "أسرة واحدة". فالكلمة العبرية "واحد" التي
تعني الوحدة المطلقة هي
yacheed وهذه
الكلمة لا تستخدم أبدا للتعبير عن الله مع أنها تستخدم في الكتاب المقدس للتعبير
عن معان أخرى.

وهذا
يكشف كذب جميع الذين يرفضون ألوهية يسوع المسيح – خالق جميع الأشياء (يوحنا 1:1-2؛
تيطس 13:2؛ كولوسي 16:1-17). وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يساعدنا على فهم الثالوث –
الله الآب، الله الابن، الله الروح القدس. لذلك استطاع يسوع أن يقول: من رآني فقد
رأى الآب (يوحنا 9:14-11،20؛ 18:5،23؛ 45:12).

عندما
سأله أحد الكتبة عن ما هي الوصية العظمى، اقتبس يسوع هذه الأقوال: اسمع يا
إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك
ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى (مرقس 29:12-30). وقوله اسمع يا إسرائيل يشير
إلى أن إجابة يسوع لم تكن موجهة فقط إلى هذا الشخص، ولكن إلى جميع الذين يفتشون عن
الحق في كلمة الله (إشعياء 2:55). وقد مدح يسوع هذا الرجل على إجابته بأن: محبته
من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل والنفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي
أفضل من جميع المحرقات والذبائح (مرقس 33:12). لقد كان هذا الكاتب يعرف أن الطباع
والسلوك لها أهمية قصوى.

يوجد
ميل لإعطاء الاهتمام الأكبر للسلوك الخارجي، مثل "خدمات العبادة"،
والأنشطة الدينية، مع إهمال أثقل الناموس [أي أهم الوصايا] – الحق والرحمة الإيمان
(متى 23:23) – أي أن يكون الإنسان لطيفا وصبورا ومحبا. والرب يذكرنا أن المحبة هي
تكميل الناموس. فإن أول كل الوصايا تتلخص في كلمة واحدة هي: المحبة. وإذا قلنا
أننا نحب الرب فهذا معناه أننا نعبده حقا بكل كياننا خاضعين لكلمته. والمحبة تعبر
عن نفسها بطرق عملية. فإذا كانت محبتنا للرب حقيقية، فإنها ستظهر في لغتنا
وتصرفاتنا مع الذين نتعامل معهم، وسنقوم مثله بمساعدة الآخرين.

بسبب
مقامنا السامي في المسيح فإن لنا امتيازات أكثر بكثير من تلك التي كانت لإسرائيل
الأرضي: وهو أن نعرف إله إسرائيل الواحد ظاهرا في الجسد، ملكنا الذي سيأتي سريعا
والذي قال: أنا والآب واحد… الآب في وأنا فيه (يوحنا 30:10،38).

شواهد
مرجعية: مرقس 1:12 (انظر إشعياء 2:5)؛مرقس 10:12-11 (انظر مزمور 22:118-23)؛ مرقس
19:12 (انظر تثنية 5:25)؛ مرقس 26:12 (انظر خروج 3:3-6)؛ مرقس 29:12 (انظر تثنية
4:6)؛ مرقس 30:12 (انظر تثنية 5:6)؛ مرقس 31:12 (انظر لاويين 18:19)؛ مرقس 32:12
(انظر تثنية 35:4)؛ مرقس 33:12 (انظر تثنية 5:6)؛ مرقس 36:12 (انظر مزمور 1:110)؛
مرقس 14:13 (انظر دانيال 27:9؛ 31:11؛ 11:12)؛ مرقس 24:13 (انظر إشعياء 10:13)؛
مرقس 26:13 (انظر دانيال 13:7)؛ مرقس 27:13 (انظر تثنية 4:30؛ زكريا 6:2).

 

مرقس 14 – 16

كان
قد مر شهر على إقامة يسوع للعازر من الأموات وبسبب هذه المعجزة كان السنهدريم قد
قرر أن يقتل يسوع (يوحنا 53:11). ولكن شعبية يسوع حالت دون القبض عليه لأنه كان
محاطا بعدد كبير من المعجبين (لوقا 2:22؛ مرقس 37:12).

كان
الوقت هو مساء السبت قبل الأحد الذي حدث فيه الدخول الانتصاري إلى أورشليم (يوحنا
2:12،12). وكان سمعان، وهو أبرص سبق أن شفاه يسوع، يعيش في بيت عنيا، وكان قد دعا
يسوع وتلاميذه إلى بيته لتناول العشاء (مرقس 3:14). وبينما كانوا متكئين لتناول
الطعام، سكبت مريم قارورة طيب على رأس يسوع (يوحنا 1:12-8؛ متى 6:26-13). وكان هذا
الطيب الغالي من الناردين الخالص ويقدر ثمنه بثلاث مائة دينار – أي ما يقرب من أجر
العامل في سنة كاملة (متى 2:20). فاغتاظ يهوذا قائلا: لماذا كان تلف الطيب هذا؟
(مرقس 4:4؛ أيضا يوحنا 4:12-5).

من
الواضح أن التقدمة كانت كبيرة، حيث أننا نقرأ أن الأختين كانتا تعملان في بيتهما
وأن مرثا كانت تخدم أثناء هذا العشاء (يوحنا 2:12؛ لوقا 40:10). فبالطبع كان كل
فلس له قيمته عندهما. ومع ذلك فلقد سكبت مريم كنزها على رأس يسوع. ولكن في نظر
يهوذا، كان العمل الذي قامت به مريم إتلافا عظيما، بل إن بعض التلاميذ اتفقوا معه
أيضا في هذا الرأي. فالكتاب يقول أنهم أيضا اغتاظوا (متى 8:26-9). ولكن ما هو
"الإتلاف"؟

الإتلاف
يعني، من بين معان أخرى، إعطاء أكثر من المطلوب. فإذا كانت سلعة تباع بدولار،
ولكني دفعت فيها عشرة دولارات، فهذا إتلاف للمال. وإذا كان عمل ما يمكن إكماله في
يوم واحد، ولكن اليد العاملة قضت فيه خمسة أيام، فإن هذا إتلاف للوقت والمال.

ولو
كان هذا الطيب قد بيع بثلاث مائة دينار، لكان يهوذا هو المستفيد الوحيد لأنه كان
سارقا وكان الصندوق عنده (يوحنا 6:12). ففي نظر يهوذا الذي لم يختبر أبدا سيادة
الرب يسوع، كل ما يسكب على الرب هو إتلاف. وهذا هو موقف العالم الرافض للمسيح من
جهة أي خدمة أو تقدمة تقدم ليسوع. ولكن يجب أن نعرف أيضا أننا لا نعتبر أننا قد
قدمنا للرب ما يليق به حقا إذا كانت الخدمة التي نقوم بها لا تكلفنا شيئا.

وحيث
أن يهوذا هو الذي تكلم علنا ضد تقدمة المحبة التي قدمتها مريم، فلقد وجه يسوع إليه
الكلام حين قال: اتركوها، لماذا تزعجونها؟ قد عملت بي عملا حسنا (مرقس 6:14).

فامتلأ
يهوذا بالمرارة بسبب ضياع فرصة بيع الطيب والاستيلاء على ثمنه بالإضافة إلى
التوبيخ الشديد من الرب يسوع له والإكرام العظيم الذي منحه لمريم، فقام في الحال
ومضى إلى رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم (مرقس 10:14؛ أيضا لوقا 3:22)، قائلا: ماذا
تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟ (متى 15:26). لقد توضّح سبب بقاء يهوذا بين
الاثني عشر وهو: "ما الذي يمكنه أن يجتنيه لنفسه؟"

وقد
ظن رؤساء الكهنة أنهم يجب أن يؤجلوا خطتهم للتخلص من يسوع حتى بعد عيد الفصح. ولكن
العرض الذي قدمه لهم يهوذا، وهم في وسط حيرتهم، أتاح لهم فرصة التعجيل بقتله. ولما
سمعوا فرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة (مرقس 11:14). ويضيف متى قائلا أن الثمن كان
ثلاثين من الفضة (متى 3:27).

هذا
كله كان قد سبق وتنبأ به النبي القائل: قلت لهم… أعطوني أجرتي… فوزنوا أجرتي
ثلاثين من الفضة (زكريا 12:11).

شواهد
مرجعية: مرقس 27:14 (انظر زكريا 7:13)؛مرقس 62:14 (انظر مزمور 1:110؛ دانيال
13:7)؛ مرقس 24:15 (انظر مزمور 18:22)؛ مرقس 28:15 (انظر إشعياء 12:53)؛ مرقس
29:15 (انظر مزمور 7:22-8)؛ مرقس 34:15 (انظر مزمور 1:22)؛ مرقس 19:16 (انظر مزمور
1:110).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي