الإصحَاحُ
الْحَادِي عَشَرَ

 

1
وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا،
عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، 2 وَقَالَ
لَهُمَا:«اذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ وَأَنْتُمَا
دَاخِلاَنِ إِلَيْهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ
مِنَ النَّاسِ. فَحُلاََّهُ وَأْتِيَا بِهِ. 3 وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ:
لِمَاذَا تَفْعَلاَنِ هذَا؟ فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَلِلْوَقْتِ
يُرْسِلُهُ إِلَى هُنَا». 4 فَمَضَيَا وَوَجَدَا الْجَحْشَ مَرْبُوطًا عِنْدَ
الْبَابِ خَارِجًا عَلَى الطَّرِيقِ، فَحَلاََّهُ. 5 فَقَالَ لَهُمَا قَوْمٌ مِنَ
الْقِيَامِ هُنَاكَ:«مَاذَا تَفْعَلاَنِ، تَحُلاََّنِ الْجَحْشَ؟» 6 فَقَالاَ
لَهُمْ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ. فَتَرَكُوهُمَا. 7 فَأَتَيَا بِالْجَحْشِ إِلَى
يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ. 8 وَكَثِيرُونَ
فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ
الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ. 9 وَالَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَالَّذِينَ
تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:«أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ
الرَّبِّ! 10 مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ
الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!». (عدد 1-10).

 

فقد
رأينا الرب أتخذ هنا لقب ابن داود وذلك الاسم يُنبئ عن إتمام المواعيد وعن يسوع
إنما هو ملك إسرائيل الحقيقي أما الاسم الذي تلقب بهِ بالعادة والأفضلية فابن
الإنسان. فهذا لهُ دلالة أعم جدًا لأنهُ يُخبر عن حق بسلطان وسيادة أعظم جدًا مما
لابن داود. وذلك مما يجعل للمسيح علاقة متينة مع كل البشر ويؤكد حقهُ والأمجاد
المختصة بابن الإنسان بحسب مشورة الله. ونرى في المزمور الثاني اللقبين معًا وهما
ابن الله الاسم الذي أُعطي ليسوع بحسب كونهِ وُلِدَ هنا في هذا العالم، وملك
إسرائيل وإن كان قد رُفض. ثم ان نرى في المزمور الثامن بعد إيضاح حالة شعبهِ في
المزامير الثالث، والرابع، والخامس، والسادس، والسابع. مجدهُ وأتساع سلطانهِ بحسب
كونهِ ابن الإنسان المُسلط على كل شيء. ونرى أيضًا في دانيال الإصحاح السابع انهُ
أُتي بابن الإنسان أمام القديم الأيام فقبل من يدهِ السلطان على كل الأمم ومعنى
ذلك انضمام هذين اللقبين معًا في تسلطهِ المطلق على كل المسكونة لا بل على كل شيء
أيضًا لان المسيح هو ابن الإنسان والقديم الأيام أيضًا انظر (رؤيا 13:1، 14).

 

ففي
الإصحاح الحادي عشر، والثاني عشر من إنجيل يوحنا نرى بعد رفض البشر ليسوع ان الله
شاء بتأدية شهادة كاملة لهُ في صفاتهِ وألقابهِ الثلاثة: وهي ابن الله، ابن داود،
ابن الإنسان. فالأولى- تُمثلها إقامة لعازر، الثانية- دخولهُ إلى أورشليم راكبًا
على جحش، الثالثة- لما أتى اليونانيون طالبين ان يروا يسوع. «فحينئذ قال السيد: قد
أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم: ان لم تقع حبة الحنطة في الأرض
وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» فلأجل الحصول على هذه الألقاب
اقتضى ان يصاحب شركاءَهُ معهُ وان يموت.

 

أما
في هذا الإصحاح الذي نحن بصددهِ فيتخذ اللقب الثاني ويقدم نفسهُ للأمة اليهودية
المدة الأخيرة على الأرض وفقًا لنبوة زكريا وسيعرض نفسهُ فيما بعد بالمجد ويتسلط
على كرسي داود أبيهِ. أما الآن فكل ما يعملهُ إنما هو تقديم نفسهُ لشعبهِ كالذي
وافى لإتمام المواعيد المتجهة نحوهم. وهو قد تيقن النتيجة وانهُ على وشك اتخاذ
اللقب الاسمي وهو ابن الإنسان وذلك لكي يرافق شركاءَهُ في الميراث حين يتقلد بسلطتهِ
العظمى ويملك بحسب مشورة الله أبيهِ، ولكن كانت الضرورة تدعو لأن تؤدي هذه الشهادة
من قِبل الله إلى الناس من الجهة الأخرى بأفواه الأطفال والرضع لنوال المجد
والتسبيح وعلى هذه الكيفية قد سبق فأنبأ عن توطيد مملكتهُ بالقوة فيما بعد.

 

فهذا
الملك كان عمانوئيل السيد نفسهُ ويسوع تصرف هنا على هذه الصفة فبعث بتلميذين ليأخذ
أتانًا وجحشًا معهما من قرية مجاورة فإذا سأل أربابه التلميذين عما يفعلان وجب ان
يُجيباهم حسب أمر يسوع ان السيد محتاج غليهِ فيُجاب الطلب على الفور. فكل ذلك كان
لكي تتم كلمة الأنبياء لان دائمًا نرى في هذا الإنجيل الحقائق معروضة لدينا ليس
فقط كنتائج النعمة الإلهية كما أنها هي كذلك بالحقيقة ولكنها ترد بمنزلة إتمام
للمواعيد الموعود بها شعبهُ.

 

فمن
ثمَّ أتى التلاميذ بالأتان والجحش ثم دخل يسوع أورشليم كملك فتقدم واحتاط بهِ جمع
عظيم قد تحرك بقوة الله. فإنهم كانوا قد رأوا آياتهِ ولا سيما قيامة لعازر وفرشوا
ثيابهم في الطريق وقطعوا أغصانًا من الشجر ليلقوها في سبيلهِ ويعطوهُ مقام مَلك
ومجدهُ وبالواقع ليعترفوا بهِ انهُ هو المَلك مسيَّا. فيا لعظمة ذلك المشهد! الذي
لم تكدرهُ احتجاجات البشر الفلسفية ولم يكن نتيجة أعمال المسيح العجيبة وان كان
أثمارها بل إنما كان من تأثير قوة الله في عقول الجموع وإلزامهِ إياها ان تشهد إلى
وقت وجيز لابن الله المحتقر. وقد أُقتبست أيضًا شهادة المزمور المئة والثامن عشر
تلك نبوة جديرة بالذكر عن أيام إسرائيل الأخيرة وقد تكرر اقتباسها في العهد
الجديد. ويسوع نفسهُ يذكر ما يسبق الآيات التي وضعها الله بأفواه الشعب أي ان
الحجر الذي رفضهُ البناؤون قد صار رأسًا للزاوية.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 05

 

فهنا
الجموع استخدموا الآية المليئة بالإقرار بابن داود بواسطة بقية إسرائيل. وهي
أُوصنا كلمة عبرانية معناها خلص الآن وهي كلمة جرى عليها الاصطلاح لطلب معونة الرب
حين الاعتراف بالمسيح الحقيقي أو بمسيَّا. أُوصنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب
أُوصنا في الأعالي. فهذا الهتاف إنما هو كناية عن الاعتراف بيسوع كابن داود،
ومسيَّا. وهكذا كانت مشيئة الله ان لا يترك ابنهُ بدون شهادة صريحة وبدون ان يفوز
بالكرامة على هذا الأسلوب. ثم تصرَّف يسوع في أورشليم وفقًا لهذا المركز والمقام.

 

11
فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى
كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا
مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 12 وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا
جَاعَ، 13 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ
لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا
إِلاَّ وَرَقًا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. 14 فَأَجَابَ يَسُوعُ
وَقَالَ لَهَا:«لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!».
وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُون. (عدد 11-14).

 

ثم
عاد إلى المدينة نظر شجرة التين على الطريق فطلب ثمرًا ولم يجد عليها إلا ورقًا
فقط فلعنها قائلاً: لن يأكل منكِ أحد ثمرًا بعد فيبست شجرة التين في الحال. فهذا
إنما كان كناية عن إسرائيل بحسب العهد القديم وكناية عن الإنسان بحسب الجسد. وهذه
هي الحالة الإنسان الذي اتفق الله كل الوسائل والوسائط لخلاصهِ حتى اسلم ابنه
الوحيد المحبوب لاستخراج شيء من الخير من قلبهِ والبلوغ إليهِ ليردهُ إلى نفسهِ
وإلى السبيل القويم. غير ان تلك الوسائل قد ذهبت كلها عبثًا. كان قد عفا عن الشجرة
هذه السنة أيضًا بتوسط خادم الكرم (لوقا 9:13) وحفر حولها وسمدها ولكنها لم تأتِ
بثمر فماذا كان يستطيع ان يفعل لكرمهِ ولم يفعلهُ؟ فنحن لسنا خطاة فقط بل لم نزل
كذلك بعد استخدم الله كل الوسائط الممكنة لإرجاع قلوبنا إليهِ فهذا مما يبين لنا
أهمية تاريخ إسرائيل وتاريخنا أيضًا مبنيًا على شهادة الله وينبئنا عن صبرهُ
العجيب وعن طرقهِ الفائقة. تلك بينة صريحة لا يسمو عليها إلا شهادة محبتهِ القاطعة
بموت المسيح. فهذا مما يزيد إثمنا لدى الله إذا صررنا على عدم الإيمان. فقد كان
على الشجرة ورق كثير ولكن لم يكن عليها ثمر قط. ذاك يُمثل الإدعاء بالتقوى
والمظاهر الدينية أما الثمر الحقيقي الذي يطلبهُ قلب الله ويرجو أن يراهُ في
خاصتهِ فمعدوم وغير موجود في الإنسان.

 

فقد قضى
إلى الأبد على إسرائيل بحسب العهد القديم أي على الإنسان بحسب الجسد لان الله
غرسهُ واعتنى بهِ فلن يأتي بثمر لهُ؛ لأن بطلانهُ وضح وضوحًا صريحًا وظهر عجزهُ عن
إيفاء عناية الله بهِ. لا جُرم ان الإنسان مقضي عليهِ طبعًا بالجدب والمحل الأبدي.
فهذه المعجزات جديرة بالاعتبار لان عجائب المسيح ليست فقط أدلة على قوتهِ وسلطانهِ
بل بينات على محبة الله. فالقوة الإلهية كانت حالة هنالك ولكنها قوة للشفاء
والتحذير من سلطة إبليس والموت ونقص كل نتائج الخطية في العالم غير ان ذلك جميعهُ
لم يُغير قلب الإنسان بل بالعكس قد أثار بإعلان حضرة الله ة العدوان الكامن فيهِ
نحو الله. ذلك عدوان كثيرًا ما كان مكتومًا في أعماق القلب حتى عن الإنسان نفسهِ
فلا نرى بين كل آيات المسيح آية لها صفة القضاء والدينونة مثل هذه المعجزة.

 

فقد
ظهرت حقيقة بهذه الحادثة كل الظهور وهي ان الإنسان ينبغي ان يُولد ثانيةً وان ينال
حياة آدم الثاني, ويمكن لإسرائيل أيضًا ان يفوز بالرجوع بالنعمة حسب العهد الجديد
غير ان الإنسان بنفسهِ حسب الجسد المقضي عليهِ بعد كل ما فعل لأجلهِ للإتيان بشيء
صالح. فلا يخلص الإنسان ويخوَّ لهُ الحياة الأبدية إلا الله وحدهُ. فعندما يقبل الإنسان
المسيح ينال حياة فيأتي بثمر. فالشجرة قد طعمت والله يطلب ثمرًا في الغصن
المُطعَمْ لكنهُ خذل الإنسان في الجسد وانفصل عنهُ ولم تبقَ علاقة بينهُ وبين الله
إلا العلاقة المختصة بالدينونة التي لابد من وقوعها عليهِ لأجل خطاياهُ. فالشكر
لله لانه شاء ان يعتقهُ بالنعمة من هذا الرب، وينقذهُ بدم ابنهِ يسوع ويلدهُ
ثانيةً ويصالحهُ مع نفسهِ ويتبناهُ كولدهِ ويجعلهُ بكر خلائقهِ.

 

فيا
لعظمة ذلك المشهد الذي يدخل بهِ المسيح ابن داود! عمانوئيل بيتهُ على الأرض حيث
عيناهُ الطاهرتان تنظران كل ما يفعل فيهِ الإنسان ويعلن غيظهُ ضد تدنيس ذلك المكان
وجعلهُ مغارة لصوص. فقد دافع عن مجد يهوه وسلطانهِ بطرد أولئك الذين دنسوا بيتهُ.
ثم وجد نفسهُ وجهًا لوجه تلقاء خصومهِ الذين توافدوا زمرةً فزمرة للقضاء عليهِ فلم
يعاينوا إلا النور والحكمة الكاشفة الحجاب عن خبث نواياهم فبدلاً من ان يقضوا
اصبحوا مقضيًا عليهم فتخلص السيد من دسائسهم وتفرغ لمتابعة عمل النعمة والفداء في
حضرة خصومهِ الذين أُرغموا على الصمت. غير ان كل فئة من أولئك القوم أظهرت شرها
ومقاومتها لله قبل أن يحكم الرب عليها بأجوبتهِ ثم بعد ذلك أخذ يخاطب تلاميذهُ عن
الصلاة التي يغلبون بها على الموانع التي سوف يضعها أولئك اليهود المقضي عليهم في
سبيلهم لأنهم كانوا متقلدين بالسلطة والنظام الديني ومسلحين بها لمعارضة رسلهِ
ومعاكسة أعمالهم وأما المبدأ الوحيد الموضوع لتصرف التلاميذ في خدمتهم فهو الإيمان
الخالي من الريب والمصحوب بروح المسامحة والغفران كما يظهر فيما يأتي.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى 13

 

15
وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ
يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ
مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. 16 وَلَمْ يَدَعْ
أَحَدًا يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. 17 وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً
لَهُمْ:«أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟
وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». 18 وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ
وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ،
إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. 19 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ،
خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ. (عدد 15- 19).

 

نعلم
من الأناجيل الأخرى ان المدينة كلها تحركت وسألت ماذا عسى ان يكون هذا؟ فقال
الجمهور ان يسوع الناصري هو النبي الآتي فدخل يسوع الهيكل وطهرهُ بسلطان يهوه
الحقيقي وطرد الذين دنسوهُ، وقضى على الأمة ورؤسائها بقولهِ: مكتوب ان بيتي بيت
الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموهُ مغارة لصوص ولكنهُ وإن كان حاضرًا في الهيكل بصفة
يهوه لم ينفكَّ عن الحضور بنعمتهِ لسد احتياجات شعبهِ فشفى الأعمى والمقعد. غير ان
تلك الشهادة لم تخرق حجاب عدم الإيمان السميك المغشى قلوب رؤساء الشعب عندما نظروا
الآيات فلما سمعوا الأولاد يصرخون حنقوا فعلَّم المخلص تعليمًا مؤداهُ ان زمان
الإقناع قد انقضى واستشهد بآية من المزمور الثامن تعني ان الله سبق فنظروا وأنبأ
عن هذه الأمور وهي من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحًا فإذا كان الشعب قد رفضهُ
واستخفت بهِ لم يتركهُ الله بدون التسبيح اللائق بشأنهِ من أفواه الأطفال.

 

أما
الشعب فكان قد انقضى زمان نجاتهِ إلى ان تأتي نعمة الله القادر، وتعمل في إيقاظ
بعضهِ في وسط الأرزاء الحالَّة عليهِ بسبب عدم الإيمان. فحينئذ تهتف تلك البقية
المنتهية للتوبة مثل الأولاد أُوصنا لابن داود وما ذلك إلا من عمل الشعب يعني ان
الله لا يعود يعرض على إسرائيل أو على الإنسان ان يحصل على بركة بموجب الشريعة أو
شرط يَشرط عليهِ. فهذا ما أوضحهُ السيد في الحادثة التابعة. فلم يشأ المكوث في
أورشليم المُتمردة العديمة الإيمان بل انطلق إلى بيت عنيا حيث كانت قد ظهرت قوة
القيامة وحيث وجد قلبهُ المُحبُّ موضعًا وملجًأ للراحة بين البشر بعدما رفضهُ
الشعب.

 

20
وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ
مِنَ الأُصُولِ، 21 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«يَا سَيِّدِي، انْظُرْ!
اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!» 22 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ
لَهُمْ :«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ. 23 لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ
مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ! وَلاَ يَشُكُّ
فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ
يَكُونُ لَهُ. 24 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا
تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. 25 وَمَتَى وَقَفْتُمْ
تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ
لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ. 26 وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا
زَّلاَتِكُمْ. (عدد 20-26).

 

فلما
عجب بطرس من يبس شجرة التين قال يسوع: ليكن لكم إيمان بالله لأن كل القوة المُضادة
البادية لدى أبصار التلاميذ الضعفاء تضمحلُّ وتتلاشى أمام الإيمان. فهذا مبدأ خطير
في سلوك المسيحي وخدمتهِ. ولكن لا يجب أن يخامر هذا الإيمان أدنى ريب بل لا بدَّ
من الثقة الكلية بالله ولا ينبغي أن ينشأ من عاطفة الإرادة بل من الشعور بحضور
الله ووساطتهِ. فحيثما وُجد الإيمان وتقدمت بهِ الطلبات ترتب على ذلك نتائج أكيدة
لا مُحالة. ومع ذلك كُلهِ ليست حضرة الله إلاَّ كناية عن حضرة إله المحبة فحين
نُصلي ونسأل تحقيق رغائبنا وإتمامها يجب أن نشترك معهُ روحيًا فحينئذٍ نشعر بقوتهِ
بإجابة صلاة الإيمان وإذ ذاك يحلّ في القلب روح المغفرة للأعداء. فإذا كنت مثلاً
حاقدًا على أعدائي وأضمرت لهم الانتقام لا أستطيع أن أرجو إجابة صلواتي حتى وإن
سمعني الله يُجيبني بالقصاص لأن الله لا يستجيب في حالة كهذه بل يرفض هذه النية
الشريرة كل الرفض حتى إذا شاء استجابة تلك الصلاة لا تأتي بالتأديب إلاَّ على
أنفسنا. فالمولى عزَّ وجلَّ لا يتصرف بسيادتهِ إلاَّ وفقًا لصفاتهِ وطبيعتهِ
الإلهية. فلننتبه جيدًا إلى هذا الموضوع لأن الله قد وضع لنا عرش نعمة لا عرش
قضاء. فإذا أردنا أن نستمدَّ منهُ بركةً بالصلاة يجب أن نقترب إليهِ عند عرش
النعمة من باب الرحمة ولا يليق بنا روح العدوان والانتقام. فلنحترز. فإننا إذا
خامرنا شيءٌ من ذلك وجدنا أنفسنا حالاً عند عرش القضاء حيث خطايانا وقصوراتنا
ظاهرة وطالبة القصاص علينا نحن قبل الكل. فلذلك ينبغي لنا أن نشعر دائمًا بحاجتنا
الشديدة إلى النعمة ونظهرها لنحو الآخرين وحينئذٍ نفوز بأجوبة جيدة من قِبَل الله
لصلواتنا وإن كانت الموانع والصعوبات عظيمة جدًّا في سبيلنا مثل الجبال فننقلها بالإيمان
والصلاة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية هنرى أيرونسايد 11

 

27
وَجَاءُوا أَيْضًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي الْهَيْكَلِ،
أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ، 28
وَقَالُوا لَهُ:«بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ هذَا
السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟» 29 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ
لَهُمْ:«وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَجِيبُونِي، فَأَقُولَ
لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا 30 مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنَ
السَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟ أَجِيبُونِي». 31 فَفَكَّرُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ:«إِنْ قُلْنَا: مِنَ السَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا
لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ 32 وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ النَّاسِ». فَخَافُوا الشَّعْبَ.
لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ نَبِيٌّ. 33
فَأَجَابُوا وَقَالوا لِيَسوع:«لاَ نَعْلَمُ». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ
لَهُمْ:«وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا». (عدد
27-33).

 

 ثم
دخل يسوع أورشليم ثانيةً لأنهُ ما أراد أن يبيت في مدينة أسلمها الله للهلاك. فبدأ
الآن يُراجع ويمتحن كل رؤساء الشعب الذين أشرت إليهم وشرع أولاً بامتحان السلطان
المدَّعي بالسمو والارتفاع عن سلطانهِ. فمشى في الهيكل وإذا برؤساء الكهنة والكتبة
والشيوخ أتوا إليهِ وسألوهُ بأي سلطان تفعل هذه الأشياء ومَنْ أعطاك هذا السلطان.
فمن ثمَّ نراهم يُنازعونهُ السلطان ويُصادرونهُ عليهِ. أما السلطة الرسمية
الخارجية فكانت في أيدي رؤساء الكهنة. أما الحق والطاعة لله فكانا بيسوع. فقد كانت
قوتهُ قد أُعلنت في جميع عجائبهِ ولكن لم يبدُ منها دليل على النقمة في الحال فإذ
ذاك قد كان ضربًا من العبث إعطاء آيات أخرى لأن الأُمة قد قضى عليها ورأت آية بعد
أخرى فقست نفسها في عدم الإيمان فحان زمان القضاء فلم يُجب يسوع أولئك الرؤساء عن
سؤالهم رأسًا. كان هو قد غار على طهارة بيت أبيهِ وطهرهُ.

 

ثم
سألوهُ بأي سلطان فعل ذلك. فلم يكن لهم شيءٌ من الغيرة على قداسة الله بل كانوا
غيورين جدًّا على سلطانهم. ذلك يُصدق أيضًا على كثير من رؤساء الدين في أيامنا
فإنهم يهتمون بسلطانهم لا بما لله. أما يسوع فلا يهتمُّ إلاَّ بسلطان الله وإن ما
فعلهُ إنما كان نتيجة لذلك. فلو لم تكن ضمائر الرؤساء قد تقست لصمتوا، وإن كانوا
لم يُسرُّوا بما فعلهُ الرب واعتراهم الخجل من الحالة التي كان عليها الهيكل
المفوَّض لعنايتهم. ولكن بما أنهم كانوا قد رفضوا الرب لم يستطيعوا الاعتراف
بسلطانهِ. فالأدلة والبينات كانت ضربًا من العبث من الآن فصاعدًا. غير أن حكمة
يسوع الإلهية حملتهم على الاعتراف بعجزهم عن الحكم بمسائل تتعلق بالسلطان والشهادة
الإلهية.

 

فسألهم
في ما إذا كانت خدمة يوحنا المعمدان إلهية. فقالوا: إذًا أجبنا إيجابًا كنا كمَنْ
أقرَّ بسلطان يسوع لأنهُ شُهد لهُ وإذا أجبنا إيجابًا سلبًا عرَّضنا سلطاننا
للأخطار لدى الشعب. على أنهم كانوا يُسرُّون بالحصول على هذه الكرامة المفقودة من
زمان مديد وهي قيام نبي في وسط إسرائيل. ولكن لك يُلائمهم الإقرار بخطاياهم.
فانطفأ ذلك النور في قلوبهم على الفور. أما الشعب فكان لم يفتأ يحسب يوحنا نبيًا.
وعلى ذلك لم يتجرأوا على الجواب إيجابًا أو سلبًا. ومن ثمَّ قد اعترفوا أنهم
عاجزون عن الحكم بدعوى إنسان أعلن أنهُ تقلَّد خدمة من الله لأنهم ما استطاعوا أن
يقولوا إذا كان يوحنا نبيًّا أو لا. فما دامت هذه الحالة حالتهم لم تكن حاجة لأن
يُجيبهم يسوع ويقنعهم بشأن خدمتهِ أو يحسبهم في منزلة قوم تقلَّدوا سلطانًا
إلهيًا. كان الله قد أرسل يوحنا المعمدان إليهم فلم يستطيعوا أن يحزموا بإرساليتهِ
وإذ ذاك فمن أين لهم وجه أن يسألوا يسوع عن إرساليتهِ؟ كأن لهم القدرة على الجزم
بها.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي