الإصحَاحُ
الثَّانِي

 

الجزء
الثالث اصطدامات يسوع مع فقهاء الدين وفرقة الناموسيين (الأصحاح 2: 1-3: 6)

 

1-
شفاء المفلوج وغفران خطاياه (الأصحاح 2: 1-12)

1ثُمَّ
دَخَلَ كَفْرِنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ.
2وَلِلْوَقْتِ ٱجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلا مَا
حَوْلَ ٱلْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِٱلْكَلِمَةِ. 3وَجَاءُوا
إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. 4وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا
أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْجَمْعِ، كَشَفُوا ٱلسَّقْفَ
حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا ٱلسَّرِيرَ ٱلَّذِي
كَانَ ٱلْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. 5فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ
إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ».
6وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي
قُلُوبِهِمْ: 7 «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هٰذَا هٰكَذَا بِتَجَادِيفَ؟
مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاّ ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟»
8فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هٰكَذَا فِي
أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهٰذَا فِي
قُلُوبِكُمْ؟ 9أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ
خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ؟
10وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً
عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا». قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: 11
«لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ».
12فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ ٱلسَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ
ٱلْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ ٱلْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ
قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هٰذَا قَطُّ!».

 

حيثما
تنبع قوة الله ظاهرة، يجتمع الناس جمهوراً لأن البشر يعطشون إلى قوة الخالق
المنعشة الوالدة حياة وسط الموت. وقد بشر المسيح بالإنجيل في سلطان أبيه. فامتلأت
البيوت ووقف الناس في الأزقة ليسمعوه.

 

وعاش
مفلوج معذب منذ سنين طويلة في كفرناحوم. ولم يقدر أن يمشي على قدميه إلى المسيح.
فأخبره أهله عن المخلّص وكلماته اللطيفة وقوته العجيبة، فاشتاق هذا المعذب وآمن
بقدرة المسيح، وطلب من أصدقائه الأربعة أن يحملوه إلى يسوع. ما أجمل هذا الموكب،
إذ يحمل الأصدقاء صديقهم المحتاج إلى المخلص. وهل أنت أيضاً حامل في صلاتك إنساناً
متضايقاً إلى المعين العظيم؟

 

وعندما
لم يستطيعوا التقدم إلى يسوع لتجمع الجماهير حوله، فتحوا كوة كبيرة في السقف
المصنوع من قصب وطين وقش، وهو فهم قصد الأصدقاء وإيمانهم المشترك، وأحب جرأتهم
فقال للمريض بسلطان إلهي: «يا بني مغفورة لك خطاياك».

 

سقطت
هذه الكلمة سقوط الصاعقة على الجماهير. ودخلت قلب السقيم الذي انتظر الشفاء من
ضيقه الجسدي. لكنه حصل بدلاً من ذلك على غفران خطاياه. ولربما شعر وفهم أن سبب كل
الأمراض والضيقات وحتى الموت ليس إلا فساد البشر وذنبهم. فحرره المسيح من القيود
الموروثة البشرية وسماه ابنه، لأن كل من يؤمن بالمسيح يصبح ابناً لله. فهل أدركت
غفران المسيح لخطاياك؟ تعال إليه لأنه لا ينتهرك ولا يرفضك إن تتقدم إليه بإيمان،
بل يخلصك فوراً.

 

لكن
الأتقياء المتعصبين من بين الجماهير اغتاظوا وارتعبوا مفتكرين في قلبوهم: «قد جدف
ليس أحد يستطيع غفران الخطايا إلا الله وحده».

 

ولكن
المسيح المتفحص القلوب وعارف الأفكار بكتهم وأراهم أنه إله سرمدي، خالق وفاد ومعز،
ويحق له أن يغفر في كل حين. فأمر المفلوج بالقيام ليحمل فراشه وينطلق. ولم يطلب من
المسكين مسبقاً صلوات كثيرة وتوبة مع الاعتراف، بل نطق في عظمته قائلاً: «أنا أقول
لك قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك».

 

فمن
هو المتكلم بصيغة «أنا»؟ إنه الرب بالذات القائل: «أنا الرب إلهك. لا يكن لك آلهة
أخرى أمامي». وقد تكلم عدة مرات أثناء مكوثه معنا في الدنيا هذه الكلمة: «أنا هو
نور العالم». «أنا هو خبز الحياة». «أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي
إلى الآب إلا بي». وفي ساعة القبض عليه عندما سألوه عن اسمه جاوبهم: «إني أنا هو».
ليدرك الجميع أن في جسده كان الله حاضراً بينهم.

 

فمن
يحب يسوع يدرك جوهره. لكن من يحب نفسه ويتزمت بدين الشريعة والاعتماد على الذات
يبقى أعمى في أعين قلبه. وأكثر من هذا يكره الآتي من السماء إلينا ويرفض محبة
القدير.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع. نسجد لك، لأنك أنت إله حق من إله حق، وغفرت لنا آثامنا. وفككت
قيود أنفسنا. ونبتهج فرحا لأنك أنت المخلص من كل الضيقات ونبتهل إليك لتخلص
أصدقاءنا. ونحملهم معاً إليك في صلواتنا. يا رب ارحمنا وارحم كل طالب الغفران
اليوم. آمين.

هل تبحث عن  م الملائكة ملائكة أبرار الملائكة وأصلها ا

 

السؤال:
17- كيف بيَّن يسوع سلطانه لغفران الخطايا؟

 

2-
دعوة لاوي العشار إلى اتباع يسوع (الأصحاح 2: 13-17)

13ثُمَّ
خَرَجَ أَيْضاً إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَأَتَى إِلَيْهِ كُلُّ ٱلْجَمْعِ
فَعَلَّمَهُمْ. 14وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى لاوِيَ بْنَ حَلْفَى جَالِساً
عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي». فَقَامَ
وَتَبِعَهُ. 15وَفِيمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِهِ كَانَ كَثِيرُونَ مِنَ
ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ يَتَّكِئُونَ مَعَ يَسُوعَ
وَتَلامِيذِهِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَتَبِعُوهُ. 16وَأَمَّا
ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ يَأْكُلُ مَعَ
ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ، قَالُوا لِتَلامِيذِهِ: «مَا بَالُهُ
يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ؟» 17فَلَمَّا
سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: «لا يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ
بَلِ ٱلْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى
ٱلتَّوْبَةِ».

 

أحب
المسيح الخطاة التائبين المشتاقين إلى الحق أكثر من المتدينين المتوهمين ببرهم
الذاتي الأجوف وغير المدركين أنهم فاشلون أمام الله القدوس. أما كل مؤمن حق، فيعرف
تماماً حالة قلبه النجس، لأن روح الله يعلن لنا فسادنا جلياً وعدم قدرة الإنسان
لإصلاح نفسه بذاته.

 

أيها
الأخ، أنت أمام الله مذنب، وشرير من بطن أمك ومنذ حداثتك. فتعال إلى يسوع المحبة
المتجسدة الممتلئ طهارة وحقاً. وفي ضوء وجهه السامي تدرك ظلمة قلبك، وأمام رحمته
تظهر أنانيتك.

 

أحب
يسوع التائبين مهما كانت خطاياهم متراكمة، ومن أي طبقة في المجتمع أتو إليه، فلا
يخرجهم خارجاً. وهكذا أنت فلا يخرجك خارجاً بل يقبلك كما عانق الأب الابن الضال
عند رجوعه إلى البيت.

 

كان
العشارون في ذلك الوقت موظفين من قبل السلطة الأجنبية الحاكمة لجمع الضرائب
الفادحة من مواطنيهم. فأصبحوا أغنياء أيضاً بسبب اختلاساتهم وسرقاتهم وزيادة
الضرائب. فكانوا لذلك مبغَضين ومحتَقرين من جميع الشعب، أكثر من أي طبقة أخرى في
المجتمع.

 

ولكن
حتى في صدر السارق يدق الضمير. وقلب المختلس ليس خال من الشوق إلى الله. ورأى يسوع
الأفكار في قلب لاوي خال من الشوق إلى الله. فمنح له فرصة حياته داعياً إياه بكلمة
واحدة: اتبعني فابن الله لا يهتم بالضرائب والكنوز، بل أصاب فؤاد العشار المحتقر
ونقله «بكلمة واحدة» من عالم المادية إلى عالم الروح والمحبة والحق.

 

لم
يتجاسر لاوي أن يتبع يسوع تلقائياً لأنه كان مرفوضاً من الجميع، لكنه كعشار عرف
الناس، ووجد في الناصري شخصية تفوق جميع الشخصيات التي التقى بهم سابقاً. فاشتاق
إلى شركته، ولكن استحى لأجل خداعته المعروفة. أما الرب المار أمامه فقرأ افكاره،
وواجهه أمام موكب تلاميذه بالكلمة: «اتبعني» هذه الكلمة غنت فرصة التبرير للعشار،
فتمسك بقول الرب فوراً، وترك كنوزه وحقوقه ومنصبه، وتجاسر على اتباع رب العالمين.
علماً أن لاوي أدرك بالخبرة التي اكتسبها من مهنته أنه ليس عند يسوع أموال أو
ضمان، بل محبة وقدرة سماوية.

 

وببهجته
الفائقة تجاسر أن يدعو يسوع وتلاميذه إلى بيته وجمع زملاءه الأغنياء والفنانين
والزناة، لا لكي يتظاهر أمامهم بالضيف الكبير بل ليعطي للمرفوضين من الأتقياء
الفرصة للتوبة والخلاص.

 

إن
مواجهة يسوع للسارق وجلوسه مع أناس من أدنى درجة في المجتمع. أعطت للناموسيين
وفقهاء الدين في مدينة كفرناحوم فرصة للنميمة والكلام وراءه لأن تصرفات يسوع لم
تطابق قالب قداستهم ونمط حياتهم. فحكموا على يسوع في قلوبهم ونبهوا تلاميذه، كأن
يسوع لم يكن يعرف المرفوضين من المجتمع الذين جالسوه.

 

أما
يسوع عارف القلوب فقد طعن كبرياء الأتقياء المزيفين، وبين لهم أن جميع الناس مرضى
في أنفسهم. إلا أن البعض يعرفون هذه الحقيقة، بينما البعض الآخر يظن أنه صحيح وجيد
وبار. ولكن هؤلاء الأتقياء ليسوا أمام الله بأفضل من كل الذين رفضوا. لأن كل من
يخطئ في وصية واحدة، مدان كأنه أخطأ في الناموس كله. فلا فرق «لأن الجميع أخطأوا
وأعوزهم مجد الله».

 

ماذا
تظن عن نفسك؟ هل أنت صالح أو شرير؟ هل تعتبر نفسك أفضل من أقبح إنسان في حيك أو هل
أدركت أن فيك تسكن الإمكانية لكل خطية لو لم تحفظم نعمة الرب من السقوط؟ وإن فكرت
أنك صالح ومقبول، فلا يستطيع يسوع أن يساعدك. وعوده تحقّ للتائبين والمنكسري
القلوب والصغار والمساكين بالروح وحدهم، هم المختارون إن تابوا وصحوا في حضوره.

هل تبحث عن  م الأباء يوحنا الدمشقى السجود للأيقونات ت

 

تغيّر
اسم لاوي بعدئذ إلى لقب متى. وفوضه جميع الرسل بعد موت المسيح وصعوده أن يجمع
كلمات الرب ويدونها لأنه كعشار سابق، كان ماهراً في كتابة اللغات المختلفة. فلم
يجمع بعدئذ مالاً وربحاً بل كلمة الله. وأغناها بغنى ربه، الذي يدعوك أيضاً قائلاً
لك: «اتبعني».

 

الصلاة:
أيها الرب المخلص، نشكرك لأنك لم تحتقر لاوي العشار، بل أصغيت الى صوت قلبه،
وأمرته بالأمر الإلهي «اتبعني». يا رب، أنا لست بأفضل من لاوي وتعرف أفكاري
وكلماتي وأعمالي السابقة. اغفر لي تكبري وأحلامي ونجاساتي وحبي للمال وحررني من
الارتباطات بالمادة، ليس نفسي بل كل زملائي المشتاقين إلى كلمتك المقدسة. شكراً
لمحبتك وصبرك معنا. آمين.

 

السؤال:
18- ماذا يعني جلوس يسوع مع العشارين والخطاة؟

 

آية
للحفظ:

«لا
يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. لَمْ آتِ
لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (مرقس 2: 17).

 

3-
البحث حول الصوم (الأصحاح 2: 18-22)

18وَكَانَ
تَلامِيذُ يُوحَنَّا وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ يَصُومُونَ، فَجَاءُوا وَقَالُوا
لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلامِيذُ يُوحَنَّا وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ، وَأَمَّا
تَلامِيذُكَ فَلا يَصُومُونَ؟» 19فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو
ٱلْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ
ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. 20وَلٰكِنْ
سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ
يَصُومُونَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. 21لَيْسَ أَحَدٌ يَخِيطُ رُقْعَةً مِنْ
قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ، وَإِلاّ فَٱلْمِلْءُ
ٱلْجَدِيدُ يَأْخُذُ مِنَ ٱلْعَتِيقِ فَيَصِيرُ ٱلْخَرْقُ
أَرْدَأَ. 22وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ،
لِئَلاّ تَشُقَّ ٱلْخَمْرُ ٱلْجَدِيدَةُ ٱلزِّقَاقَ،
فَٱلْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَٱلزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ
خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ».

 

الإنسان
المتدين يعتبر الصوم وسيلة ليربح نعمة الله باجتهاده وليؤثر على القدوس ليتسجيب له.
وحقاً ليس من السهل أن يصوم الإنسان يوماً كاملاً إذ أن المعدة تتقلص من الجوع
والشفتان تجفان من العطش.

 

أما
المسيح، فلم يعلم تلاميذه مرارة الصوم، بل الفرح والابتهاج في حضوره. قد جرب
أتباعه سابقاً عند يوحنا المعمدان أن يغلبوا خطاياهم بالصوم والتوبة، فأخفقوا.
ولكن المسيح شفى نفوسهم المتعبة بفيض محبته.

 

قد
تمسك الفريسيون، الفرقة المتعصبة للدين، بالحرف دون الروح وعزموا بإرادة حديدية أن
يشنئوا برهم الذاتي بأعمالهم الناموسية. ولم يدركوا أن الإنسان الصائم هو شرير في
ذاته وأن الصوم لا يغير طبيعة الإنسان البتة.

 

لقد
منح يسوع للمؤمنين به خلقاً جديداً وطهرهم بدمه وأحياهم في قوة روحه. وهكذا غلب
التقاليد والطقوس، وأوجد الحرية من الناموس مع ضبط النفس في قوة روحه. فلا حاجة
لأتباعه ليلفتوا انتباه الله إليهم بواسطة الصوم والصلاة. لأن القدوس جاء في ابنه
تلقائياً إلى البشر، كأن العريس يأخذ عروسه المستعدة للقائه. فمنذ مجيء المسيح إلى
العالم، نعيش في فرح العرس لأن الله يتحد مع المؤمنين روحياً، كما أن الإيمان
بالمسيح يعني عهداً جديداً.

 

الابتهاج
والسرور هو شعار الكنيسة وليس الصوم والبكاء. من يتبع المسيح يتبرر، والله يستجيب
لنا لأجل شفاعة المسيح وليس لأجل أعمالنا الناقصة. فمن يحاول أن يربح النعيم
بواسطة التبرعات والصيام، يسقط حتماً إلى الجحيم. لأنه لا يزال عائشاً على أساس
الإيمان بقدرة ذاته. ويحاول بحفظ الناموس إرضاء الله باطلاً.

 

أما
المسيح فحررنا من عبودية الشريعة إلى مسرة الله الذي حل بروحه في قلوبنا بالنعمة
مجاناً وليس في سبيل المكافآة التجارية. نحن في حالة عرس لأن يسوع يسمينا بني
العرس.

 

وأدرك
المسيح مستقبل كنيسته عالماً أن أتباعه لن ينسجموا مع الناموس. فإنجيله يشبه الخمر
الحديثة المختمرة في قوته. فالقوالب القديمة من الناموس والعبادات الحزينة الكئيبة
لا تنسجم مع فرح المتحررين. لذلك تحتاج القوة الجديدة إلى طرق جديدة في الاجتماع
والعبادة. ومنها تراتيل الحمد المشتركة أو الخدمات الخيرية في أوقات الضيق
والشدائد والصلوات المشتركة في حلقات البيوت ومحبة الأعداء في كل حين. إن روح
المسيح وفرح الرب ينشئ قوالب جديدة للروح الجديد.

 

الصلاة:
أيها المسيح، نشكرك لأنك دعوتنا إلى عرسك، وطهرتنا بدمك الثمين، وتقدسنا بروحك
القوي. املأنا بشكر مسرتك وعلمنا الإيمان في قوتك، لكيلا نسلك مكتئبين حزانى، بل
نعكس بهاء حضورك معنا في كل حين. آمين.

 

السؤال:
19- لماذا لم يصُم تلاميذ يسوع؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ق قِدرون ن

 

4-
الجدال حول تقديس السبت (الأصحاح 2: 23-28)

 23وَٱجْتَازَ
فِي ٱلسَّبْتِ بَيْنَ ٱلزُّرُوعِ، فَٱبْتَدَأَ تَلامِيذُهُ
يَقْطِفُونَ ٱلسَّنَابِلَ وَهُمْ سَائِرُونَ. 24فَقَالَ لَهُ
ٱلْفَرِّيسِيُّونَ: «ٱنْظُرْ. لِمَاذَا يَفْعَلُونَ فِي
ٱلسَّبْتِ مَا لا يَحِلُّ؟» 25فَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ مَا
فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ ٱحْتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ،
26كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ ٱللّٰهِ فِي أَيَّامِ أَبِيَاثَارَ رَئِيسِ
ٱلْكَهَنَةِ، وَأَكَلَ خُبْزَ ٱلتَّقْدِمَةِ ٱلَّذِي لا يَحِلُّ
أَكْلُهُ إِلاّ لِلْكَهَنَةِ، وَأَعْطَى ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَيْضاً؟»
27ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ٱلسَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ
ٱلإِنْسَانِ، لا ٱلإِنْسَانُ لأَجْلِ ٱلسَّبْتِ. 28إِذاً
ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضاً».

 

كل
إنسان في العهد القديم كان مستحق الموت إن لم يحفظ وصية السبت بدقة هامة، لأن هذا
اليوم كان مقدساً للرب ومفروزاً للعبادة. وكان مفروضاً على الأمة كلها الامتناع عن
مزاولة عمل ما والخلود إلى الراحة. فالسبت كان أحد رموز العهد القديم وبه اشتركت
الأمة في راحة الله.

 

وقد
حفظ المسيح بذاته السبت بمعناه الأصلي الروحي وأكمله. فارتاح يوم السبت في القبر
وقام يوم الأحد من بين الأموات.

 

ولكن
الفريسيين جعلوا من السبت قانوناً جامداً خالياً من المحبة، حتى أصبح الناس سجناء
هذا اليوم وعبيداً للنوافل التي يُفترض أن تكون هي خادمة لهم.

 

وهكذا
منع المتزمتون إضاءة النور في السبت، لأنه أشبه بإشعال النار، ذلك العمل المحرم
الممنوع في السبت. فلا يأكلون يوم السبت أكلاً مطبوخاً أو مسخناً، ولا يعملون أي
عمل ولو كان بسيطاً. وحسب المتعصبون فرك السنابل أيضاً ولو بالتسلية عملاً محرماً
وخطية في ذلك اليوم.

 

أما
يسوع فأراهم في علمه الشرعي وحكمته العميقة أن الإنسان غير مخلوق لأجل حفظ
النواميس والأحكام، بل بالعكس أنشئ الناموس مع أحكامه لخدمة الناس ومساعدة لهم.
وهكذا دخل داود إلى قدس بيت الله وأكل مع زملائه الخبزات المكرسة لله التي يحق
للكهنة فقط أكلها. وذلك لكي لا يموت داود وزملاؤه جوعاً لأن الإنسان أهم من الطقوس.
ولم يقاصص الله داود لأجل هذا التجاوز بل أثبت إيمانه ببركات عديدة.

 

وهكذا
وضح الرب يسوع أن حفظ السبت أو أيام أخرى لا يخلص الناس، بل الإيمان بلطف الله
وحده. فمن يظن أنه يربح النعمي بحفظ الوصايا، يقع تحت اللعنة. ولم يدرك بعد نفسه
الملوثة، ولا محبة الله الشاملة.

 

وهكذا
لم يأمر المسيح أبناء العهد الجديد أن يقدسوا أياماً أو أوقاتاً معينة، بل أن
يقدسوا أنفسهم رأساً، لتصبح سيرتهم مع أيامهم كلها مقدسة. فالمسيحيون الحقيقيون
يعيشون جميع أيام حياتهم في فرح حضور الرب الذي يقدسهم وهكذا كل ساعة بل كل لحظة.
ويجعل بقاءهم في الدنيا عيداً واحداً رغم المشقات العديدة.

 

لقد
حررنا المسيح من الناموس القديم مطلقاً. لكنه وضع في داخلنا ناموساً جديداً مبادئ
الروح القدس عربوناً لمملكته الأبدية. التي لا يوجد فيها أيام وأوقات وأزمنة، بل
الراحة والفرصة والحمد أمام الرب.

 

وبما
أن المسيح سمى نفسه رب السبت فأظهر ذاته المشرع الإلهي الذي له الحق والقدرة أن
يفسر الناموس بطرق جديدة. وبالاحرى أن يضع أنظمة جديدة في سلطانه الأزلي. فلم يبطل
المسيح السبت، بل أكمله بمحبته. وجعل بحلول روحه في المؤمنين كل أيام الأسبوع
سبوتاً، ومنح لنا راحة القلوب بتبريرنا المجاني.

 

وهذا
الروح أرشد آباء المسيحية ألا يجتمعوا يوم السبت فيما بعد، لأنه نقلهم من عبودية
الناموس لحرية أولاد الله في العهد الجديد. فاختاروا يوم قيامة المسيح كيوم معيّن
للاجتماعات ولممارسة العشاء الرباني رمزاً للعصر الجديد والغلبة على الموت وحلول
المسيح فيهم. فليس السؤال لنا: هل نقدس يوم السبت أم الأحد؟ بل: هل أنت قديس حر
مخلوق من الروح جديداً، أو لا تزال عبداً للناموس والخطايا؟

 

الصلاة:
أيها الآب، نشكرك لأن ابنك حررنا من الروح الناموسي الى الخليقة الجديدة ومحبتك
السرمدية، ووضع عربون ملكوته في قلوبنا، ومنح لنا راحة القلب بنعمتك. ساعدنا لكيلا
نرتد الى الروح الناموسي الخالي من المحبة، بل نمارس كل يوم أعمال لطفك. كما أنك
أنت وابنك تعمل وتخلص في كل حين. آمين.

 

السؤال:
20- لماذا اختلف يسوع مع اليهود على تقديس يوم السبت؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي