عظة (14)

"ها أنا
أرسلكم كغنم في وسط ذئاب… الخ"

(مت10: 16)

ألقيت
في عيد الشهداء

 

1. لقد
سمعتم أيها الإخوة عند قراءة الإنجيل كيف قوَّى ربنا يسوع المسيح شهدائه بتعاليمه
قائلاً: "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" تأملوا يا إخوتي ما يفعله.
فلو ذهب ذئب واحد فقط بين غنم كثير – ولو بلغ عدة آلاف – فإن جميعهم يرتعبون بسبب
الذئب الواحد، فرغم أنه قد لا يفترس جميعهم إلا أن الجميع يخافون. فمن أي نوع هذا
التدبير وهذه المشورة وتلك القوة، حيث لا يبث بين الغنم ذئبًا بل يرسل الغنم بين
الذئاب! إنه يقول "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط الذئاب"، فلا أن يقتربوا
من الذئاب بل "في وسط ذئاب". لقد كان هناك قطيع من الذئاب ولكن قلة من
الغنم، فعندما افترست الذئاب الكثيرة الغنم القليل تغيرت الذئاب وصارت غنمًا.

 2. إذن
فلتسمع نصيحة ذلك الذي وعد بالإكليل بل الذي دبّر أولاً المعركة، ذاك المُشاهد للمناضلين
والمساعد لهم في جهادهم. من أي نوع ذلك الصراع الذي وصفه؟ أنه يقول "فكونوا
حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" (مت 10: 16). الذي يفهم هذا ويتمسك به قد يموت
متأكدًا أنه بالحقيقة لن يموت. لأنه لا يمكن أن يموت أحد في هذا اليقين، ولكن الذي
يعلم بأنه يموت هكذا إذ يموت فيه الموت فقط، وأما الحياة فتكلل.

3. لذلك
ينبغي علبَّ يا أحبائي أن أوضح هذا لكم رغم أنني تحدثت كثيرًا في هذا الموضوع، وهو
ماذا يقصد ب "بسطاء كالحمام وحكماء كالحيات"؟ إن كانت بساطة الحمامة
تبهجنا، فماذا نفعل بحكمة الحيّة مع بساطة الحمامة؟

هذا ما أحبه
في الحمامة وهو عدم حقدها. وهذا ما أخافه من الحيّة وهو السم الذي فيها، ولكن لا
تخف من الحيّة كلية، فإن لديها ما تكرهه كما لديها ما ينبغي أن تقلده. فعندما يشعر
الثعبان بشيخوخته، عندما يشعر بثقل السنوات الطويلة يتقلص ويُجبر نفسه على الدخول
من ثقب ملقيًا جلده العتيق حتى يخرج إلى حياة جديدة. لتقلده في هذا أيها المسيحي،
الذي تسمع المسيح يقول "اُدخلوا من الباب الضيق" (مت 7: 13). ويحدثنا
الرسول بولس قائلاً: "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد"
(كو 3: 9-انظر أف 4: 22-24). على هذا فإنه لدى الثعبان أمرًا ينبغي أن تقلده فيه.
لتمت لا لأجل "الإنسان العتيق" بل لأجل الحق. الذي يموت لأجل خير زمني
فإنه يموت "لأجل الإنسان العتيق"، ولكن عندما تجرد نفسك من كل "ذلك
الإنسان العتيق" فإنك تقلد حكمة الثعبان.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر الأمثال 31

قلده في هذا
أيضًا، احفظ رأسك في أمان، وماذا يعني هذا" اِحفظ رأسك في أمان"؟ أي اِحتفظ
بالمسيح فيك. عندما أردتم أن تقتلوا أفعوانًا ألم يلاحظ بعضكم أنه يحفظ رأسه معرضًا
كل جسمه لضربات المعتدي؟ إنه لا يرغب في أن يُضرب ذلك الجزء الذي يعلم أن فيه تكمن
حياته. ونحن أيضًا حياتنا هو المسيح، إذ قال بنفسه "أنا هو الطريق والحق
والحياة" (الأبدية 14: 6). وفي هذا يقول الرسول أيضًا: "رأس كل رجل هو
المسيح" (1 كو 11: 3). فمن يحتفظ بالمسيح فيه يحتفظ برأسه لحمايته.

4. ما
الحاجة الآن لأوصيك بإسهاب عن بساطة الحمامة؟ لأنه ينبغي أن نحذر من سم الثعبان،
فهناك خطر في التقليد، هناك أمر مخيف، وأما الحمامة فلتقلدها مطمئنًا. لاحظ كيف
تبتهج الحمامة في جماعة، فإنهم يكونوا معًا أينما طاروا أو أكلوا ولا يحبوا
الانفراد. إنهم يبتهجون في وحدة، إنهم يحتفظون بالمحبة، هديرهم هو صرخات المحبة
الواضحة، وبقبلات ينجبون صغارهم. نعم حتى عندما يتنازعون على عششهم كما نلاحظ غالبًا
– فإنه يكون أشبه بنزاع سلمي. هل ينقسموا بسبب نزاعهم؟ كلاَّ، بل يطيرون معًا
ويقتاتون معًا ويظل نزاعهم نفسه نزاعًا سلميًا. تأمل نزاع الحمام فيما يقول الرسول
"وإن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل".
أقم المعركة، ولكن لتلاحظ كيف أنها معركة حمام وليست معركة ذئاب. لقد أردف للحال
"ولكن لا تحسبوه كعدو بل أنذروه كأخ" (2 تس 3: 14-15). إن الحمامة تحب
حتى أثناء النزاع، والذئب أيضًا يكره حتى إن تلطَّف.

لذلك إذ
تحصلوا على بساطة الحمامة وحكمة الحيَّات، بجِّلوا قداسة الشهداء في رزانة العقل
لا في المغالاة الجسدية، مرتلين تسابيحًا لله. لأنه إذ هو (المسيح) شهيد الله فهو
الله ربنا أيضًا، إنه سيتوِّجنا. فإن صارعنا حسنًا سيكلِّلنا ذاك الذي كلَّل الذين
نرغب في الاقتداء بهم"
[1].

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة الأقباط الأرثوذكس بطاركة الأقباط الأرثوذكس بنيامين الأول ل

 

+++

العظة الرابعة عشر:

1                   
مت10: 16

2                   
مت7: 13

3                   
كو3: 9- انظر افس4: 22-24

4                   
يو14: 6

5                   
1كو11: 3

6                   
(1) 2تس3: 14، 15

7       
لا يعن النص الأخير أن الشهداء نالوا جزائهم بل عبروا مع
اللص الذي عن اليمين إلى الفردوس معتوقين من عالم التجارب هذا… وهم مستعدين ليوم
الدينونة العظيمة حيث يتمجد اللَّه فيهم.. ويعطيهم ذلك المجد والميراث العظيم (انظر
مت 25).



[1] . لا يعن النص الأخير أنالشهداء نالوا جزائهم، بل عبروا مع اللص
الذي عن اليمين إلى الفردوسن معتوقين من عالم التارب هذا… وهم مستعدون ليوم
الدينونة العظيمة حيث يتمجد الله فيهم. ويعطيهم ذلك المجد والميراث العظيم (انظر
مت 25).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي