عظة (19)

كيف ننال الراحة؟

عن كلمات الإنجيل مت11: 28 "تعالوا إلي يا
جميع المتعبين

والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم"

 

1)
بالاتضاع:

1-
لقد سمعنا في الإنجيل أن الرب قد تهلل بالروح قائلا لله الآب "أعترف لك أيها
الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم
أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك. كل شيء قد دفع إليّ من أبي وليس أحد يعرف
الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له"(1)
أن عملي هو أن أحدثكم وأنتم تسمعون فلنصغي جميعا إلى ذاك الذي أردف قائلا "تعالوا
إلى يا جميع المتعبين"(2) فلماذا جميعنا متعبون إلا لأننا بشر فانين، خلائق
ضعيفة واهية، حاملين أنية فخارية حيث تتجمع وتقوم بعضها البعض. ولكن إن كانت هذه
الأواني الجسدية قد فومت فليتسع مجال المحبة. إذن ماذا كان يقصد (المسيح) ب
"تعالوا إلي يا جميع المتعبين" غير أنكم لا تعودوا بعد تتعبون أكثر؟
أقول في كلمة أن وعده واضح تماما. فإذا يدعو المتعبين فانهم يتسألون: ماذا ينتفعون
بالدعوة؟ لقد قال "وأنا أريحكم".

 

2-
احملوا نيري عليكم وتعلموا مني"(3) لا في صنع العالم ولا خلقه الأشياء
المنظورة وغير المنظورة ولا صنع المعجزات وإقامة الموتى في العالم الذي خلقه هكذا
بل "لأني وديع ومتواضع القلب أتريد أن تكون عظيما فلتبتدئ من الأخر. أتريد أن
تصنع بناءا عاليا قديرا "أذن فلتفكر أولا في أساس التواضع يا لضخامة البناء
الذي يرغبه الإنسان راسما أن يبني فوقه، يرتفع المبنى إلى أعلى أثناء البناء وأما
الذي يحفر الأساس فعليه أولا أن ينزل إلى أسفل جدا. هكذا ترى أن البناء يكون
منخفضا قبل ارتفاعه، وأما القمة فترتفع بعد الاتضاع.

3-
ما هي قمة تشييد هذا البناء الذي نؤسسه؟ إلى أين ستبلغ قمة هذا البناء العالية؟
أقول للحال إلى رؤية الله . والآن ترى كم هو عظيم أن تعاين الله. إن الذي ارتفع
إلى هذا يستطيع أن يفهم كل ما أقوله وما يسمعه. قد وعدنا برؤية الله، رؤية الله
ذاته تتعالى لأنه حسن أن نرى الذي يرانا، فالذين يعبدون آلهة باطلة يرونها بسهولة،
ولكنهم يرون التي لها أعين ولا تبصر. وأما نحن فقد وُعدنا بمعاينة الله الحي
المبصر حتى نشتاق لرؤية ذلك الإله الذي يقول عنه الكتاب المقدس: "الغارس
الأذن ألا يسمع؟ الصانع العين ألا يبصر؟" (مز94: 9) ألا يسمع ذلك الذي صنع لك
ما تسمع به، أما يرى ذلك الذي خلق ما ترى به؟ لذلك يقول في المزمور حسنا:
"افهموا أيها البلداء في الشعب ويا جهلاء متى تعقلون" (مز 94: 8)، لأن
كثيرين يرتكبون أفعالاً شريرة ظانين أن الله لا يراهم. حقيقة إنه يصعب عليهم أن
يعتقدوا أنه لا يستطيع رؤيتهم، بل يظنون أنه لا يريد ذلك. قليلون هم الملحدون
تمامًا الذي يتم فيهم المكتوب: "قال الجاهل في قلبه ليس إله". هذا جنون
القليلين فقط. فإذ قليلون هم الورعين تمامًا فانه ليس بأقل منهم أيضًا هم الملحدون
تمامًا، وأما غالبية البشر فيقولون هكذا، ماذا؟ هل يفكر الله الآن فيّ، حتى يعرف
ما أفعله في منزلي، وهل يهم الله ما قد أختار فعله على سريري. من يقول هذا؟
"أفهموا أيها البلداء في الشعب ويا جهلاء متى تعقلون" (مز 94: 8) فبكونك
رجل فإنه من شأنك أن تعلم بكل ما يحدث في منزلك وأن تصلك أفعال وأقوال خدمك. ألا
تظن أن لله عمل كهذا أن يلاحظك، الذي لم يتعب في خلقتك؟ أفلا يثبت عينيه عليك ذاك
الذي صنع عينيك؟ أنك لم تكن موجودا وقد خلقك وأعطاك الوجود. ألا يهتم بك الآن وأنت
موجود، الذي "يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة" (رو 4: 17)؟ إذن
لا تعد نفسك بهذا فإنه يراك، إن أردت أو لم ترد. وليس هناك مكان تستطيع أن تختبئ
فيه عن عينيه. "إن صعدت إلى السماء فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها
أنت" (مز 139: 8). عظيمة هي أتعابك بينما لا ترغب في الانفصال عن الأعمال
الشريرة، مع هذا فإنك لا ترغب في أن يراك الله . حقا يا له من تعب مضني! كل يوم
ترغب في صنع الشر ومع هذا أتشك في أنك لا تُرى؟ استمع إلى الكتاب المقدس القائل:
"الغارس الأذن ألا يسمع. الصانع العين ألا يبصر" (مز 94: 90). أين
تستطيع أن تخفي الأعمال الشريرة عن أعين الله؟ إن لم تمت عنها فإن بالحق تعبك
مضني.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر إشعياء 50

4-
إذن لتنصت إلى (المسيح) القائل "تعالوا إلي يا جميع المتعبين أنك لا تستطيع
أن تنهي تعبك بالهروب. هل تريد أن تهرب منه (المسيح) وليس بالأحرى إليه؟ لتجده إذن
حيث يمكن أن تهرب إليه وهكذا تطير. ولكن إن كنت لا تستطيع أن تهرب منه لأنه موجود
في كل مكان. اهرب إلى الله (فانه قريب جدا) الحال حينما وجدت. اهرب هوذا في طيرانك
قد عبرت السماء، أنه هناك. لقد هبطت إلى الجحيم. فهو هناك. أي صحاري الأرض ستختار
فانه هناك، ذاك الذي قال "أملاء السموات والأرض"(10). إذن إن كان يملأ
السماء والأرض فانه لا يوجد مكان يمكنك أن تهرب إليه منه، لتنهي تعبك هذا ولتهرب
إلى حضرته، لئلا يدركك مجيئه. لتتشجع بالرجاء أنك بالحياة الصالحة ترى ذاك الذي
يراك وأنت في حياتك الشريرة. ففي الحياة الشريرة تُرى ولا يمكن أن تَرى وأما
الحياة الصالحة فتَرى وتُرى. بأي حنان عظيم ينظر إليك ذاك الذي يتوج المستحقين،
هذا الذي بعطفه يراك وأنت غير مستحق ليدعوك؟ قال نثنائيل الرب الذي لم يكن بعد قد
عرفه "من أين تعرفني"(11) قال له الرب "وأنت تحت التينة
رأيتك" يراك المسيح وأنت في ظلك أفما يراك وأنت في نوره؟ لأنه ماذا تعني
"وأنت تحت التينة رأيتك"؟ ماذا يعني هذا؟ أن يذكرنا بخطية آدم الأصلية
التي فيها مات جميعنا. فعندما أخطأ أولا، صنع لنفسه مئزرا من أوراق التين، معلنا
بهذه الأوراق تهيج الشهوة التي سقط فيها بالخطية. هكذا نحن ولدنا، ولدنا بهذه
الحالة، ولدنا في جسد الخطية، الذي يكون شفاءه فقط" في شبه جسدا الخطية"
لهذا أرسل (الله ) ابنه في شبه جسد الخطية"(12) لقد جاء في العذراء التي كانت
قبلا عذراء. أنه اختار هذه التي خلقها. لقد خلق تلك التي دبر اختيارها لقد جاء
ثمرة العذراء دون أن ينقص نقاوتها. أنه الذي يأتي إليك بدون تهيج أوراق شجرة التين
يراك "وأنت تحت التينة" استعد إذن لتراه في علو مجده، الذي قد تطلع إليك
برحمته. وإذ القمة مرتفعة فكر في الأساس أي أساس؟ ماذا تقول "تعلموا منه لأنه
وديع ومتواضع القلب "لتحفر أساس الاتضاع هذا عميقا فيك، وبهذا تحصل على قمة
المحبة. لنرجع إلى الرب… (13)

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بغاء ء

——————-

(1)
مت11: 25-27

(2)
مت11: 28
come unto me all ye that labour

(3) مت11: 29

 (10)
ار23: 24

(11)
يو1: 48

(12)
رو8: 3

(13)
انظر نهاية العظة السابعة عشر.

+++

العظة
العشرون

 

أيضا
عن كلمات الإنجيل مت11: 28 "تعالوا إلي

يا
جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم"… الخ

 

2)
بالجهاد:

1-
أنه يبدو غريبا للبعض أيها الأخوة أن يسمعوا الرب يقول "تعالوا إلي يا جميع
المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لاني وديع
ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف"(1) ناظرين إلي
أن الذين يحنون رقابهم بخوف لهذا النير والذين يحملون ذلك الحمل على أكتافهم
باتضاع عظيم، ويتدربون على مصاعب عظيمة هكذا في الحياة، حتى يبدو أنهم لم يدعوا من
التعب إلى الراحة بل من الراحة إلى تعب آخر، حيث يقول الرسول أيضا "جميع
الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون"(2). لذلك قد يقول
قائل: كيف يكون النير هين والحمل خفيف عندما تحمل هذا النير وذلك الحمل الذي هو
ليس إلا لكي ما تعيش بالتقوى في المسيح؟ وكيف قيل "تعالوا إلي يا جميع
المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" ولم يقل بالأحرى "تعالوا إلي يا
من أنتم في راحة وكسل فتتعبون"، لأنه هكذا وجد المرتاحين والكسالى، هؤلاء
الذين استأجرهم حتى يتحملوا حرارة النهار(3)، ونسمع الرسول تحت النير الهين والحمل
الخفيف يقول "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في
ضرورات في ضيقات في ضربات … الخ"(4) وفي موضع آخر من نفس الرسالة يقول
"من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة ثلاث مرات ضربت بالعصى مرة
رجعت ثلاث مرات انكسرت بي السفينة ليلا ونهارا قضيت في العمق"(5) وبقية
المخاطر التي حقا يمكن إحصائها ولكن لا يمكن احتمالها إلا بمعونة الروح القدس.

 

2-
لقد كان يعاني دائما وبكثرة من كل هذه التجارب الخطيرة الثقيلة التي اشرنا إليها،
ولكن في نفس الوقت كان يعمل الروح القدس معه في ابطال الإنسان الخارجي وتجديد إنسانه
الداخلي يوما فيوم، فبتذوقه للراحة الروحية في مباهج الرب الغزيرة تهون المتاعب
الحاضرة على رجاء البركة المستقبلة وتخف كل التجارب الثقيلة. هوذا ما أحلى نير
المسيح الذي حمله، وما أخف ذلك الحمل حتى قال ان هذه المتاعب الصعبة والخطيرة التي
يقشعر كل من يسمعها عند تلاوتها كما سبق هي "ضيقات خفيفة" كما نظرها
بأعينه الداخلية، اعني بالإيمان. ياله من ثمن عظيم للأمور الفانية أن تشتري بها
الحياة القادمة والهروب من آلام الشر الأبدية والفرح الكامل متحررا من كل
المضايقات في سعادة البر الأبدية يعاني البشر التقطيع والحرق لا من أجل آلام أبدية
بل مقدمين الثمن وهو الآم أكثر قسوة من أجل الآم أكثر دوما من الالآم المعتادة
فالجندي يعاني أتعاب الحرب جميعها تاعبا السنوات الطويلة لأجل فترة من الراحة
قصيرة غير أكيدة في نهاية حياته، تاعبا أكثر مما يتمتع به من هدوء في النهاية. إلى
اية أمواج وزوابع وأي اضطراب مخيف ومريع للسماء و البحر يعرض التجار أنفسهم له من
أجل طلبهم ثروات زائلة كالريح ومملؤة بمخاطر وزوابع أعظم هولا من تلك التي
تحملونها للحصول عليها. كم يتحمل الصيادون من حرارة وبرودة، ومخاطر خيول والسقوط
في حفر، والأنهار والوحوش الضارية، أي الآم جوع وعطش، كم من أزمات تجعلهم يأخذون
مأكلا ومشربا رخيصا رديئا، هذا كله لأجل اصطياد وحش؟ أحيانا بعد كل هذا يكون لحم
(الوحش) الذي قاسى من أجله هذا كله غير صالح للطعام. رغم اصطياده خنزيرا بريا أو
إيلا إلا أنه يكون أعذب عند عقل الصياد لأنه اصطاده عنه في حلق الآكل لأنه معد له
للطعام.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ذ ذبيحة الخطيئة ة

كم
يخضع الأطفال الصغار إلى تهذيبات صارمة ترسم لهم يوميا. يالالآم المبرحة التي
يكابدونها في تدريبهم على السهر والتعب في المدارس، ليس من أجل تعليمهم الحكمة
الحقيقية بل من أجل الغنى والمجد الباطل، فيتعلموا الحساب والآداب الأخرى وتملق
الفصاحة.

 

3-
في كل هذه الأمثلة نجد أن الذين لا يحبون هذه الأمور يشعرون (بالاتعاب) أنها في
غاية القسوة أما الذين يحبونها فحقا يتحملونها هي بذاتها دون أن يبدو عليهم أنهم
يشعرون بقسوتها. لأن المحبة تصنع كل شيء. حقا بالاكثر وأسهل للمحبة أن تصنع بالنسبة
للبركة الحقيقية تلك التي تصنع ما تستطيع لأجل الاشتياق لأمور ليست هي إلا شقاءا؟
كم يسهل أن تحتمل الضيقات الزمنية من أجل تجنب العقاب الأبدي وإدراك الراحة
الأبدية! لم يقل الاناء المختار اعتباطا بفرح زائد "فاني أحسب أن الآم الزمان
الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا"(6) أنظر أذن كيف أن ذلك
"النير هين وذلك الحمل خفيف" فإن كان عسير على القليلين الذين اختاروه
إلا أنه سهل الذين يحبونه. يقول المرتل "على حسب كلام شفتيك لزمت طرقا
وعره"(7) الأشياء الصعبة للذين دبر الصلاح الإلهي أن لا يخضع بعد ذلك
"الداخل الذي يتجدد يوما فيوما"(8) للناموس بل للنعمة، ويتحرر من تلك
الملاحظات الغير محصية التي هي فعلا حملا ثقيلا، لكن تفرض بلياقة على العنق العنيد
متاعب عظيمة، تلك التي يمكن للأمير المطرود الذي يفرضها من الخارج على الإنسان
الخارجي أن يجعلها خفيفة بواسطة السعادة الداخلية الناتجة عن لطافة الإيمان البسيط
والرجاء الصالح والمحبة المقدسة. لأنه هكذا ليس هناك أسهل لدى الإرادة الصالحة من
الإرادة الصالحة ذاتها وهذا يكتفي به الله . إذن كم للعالم بالأكثر أن يغضب، بالحق
تهللت الملائكة عند ميلاد الرب بالجسد قائلة "المجد لله في الأعالي وعلى
الأرض السلام وبالناس المسرة"(9) لأن نير (المولود) هين وحمله خفيف"
وكما يقول الرسول بأن الله أمين الذي لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع بل يجعل مع
التجربة المنفذ لنستطيع أن نحتمل"(10).

————————-

(1)
مت1: 28-30

(2)2تيمو3:
12

(3)
أنظر مت20: 4

(4)
2كو6: 4

(5)
2كو11: 24 الخ

(6)
رو8: 18

(7)
مز16: 4 طبعة الكاثوليك

(8)
2كو4: 16

(9)
لو2: 14

(10)
أنظر أكو1: 13

+++

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي