الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

الافتتاحية

 

الأصحاح
الأول: 1 إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي
ٱلأُمُورِ ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، 2 كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا
ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً
لِلْكَلِمَةِ، 3 رَأيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ
ٱلأَّوَلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي إِلَيْكَ
أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، 4 لِتَعْرِفَ صِحَّةَ ٱلْكَلامِ
ٱلَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.

 

إن
مخلص العالم، ولد حقاً وعاش بيننا وصلب علناً وقام من بين الأموات وصعد إلى
السماء. هذه هي الأمور المتيقنة عند أتباعه، الذي حصلوا بإيمانهم على هبة الروح
القدس العظيم.

 

وهذا
الروح نبع منهم، ودفعهم إلى نشر بشرى الخلاص لكل أنحاء العالم. فكثيرون كتبوا
رسائل وألفوا كتباً، ليوضحوا الشخص الفريد يسوع المسيح لمستمعيهم. وكل خبر حق عن
يسوع يعني إنجيلاً، أكثر من المعنى الأصلي للكلمة: الخبر المفرح في بيت القصر عند
ولادة ابنه، أو نصرة جيشه على الأعداء. فلك الحق والامتياز أن تنشر الخبر عن ولادة
وانتصار المسيح في العالم.

 

وبعدما
سمع الوالي الروماني ثاوفيلوس كثيراً عن ملك الملوك ورب الأرباب أراد أن يعرف كل
شيء بدقة عن كل التواريخ الحادثة بين ولادة الرب وموته وقيامته الفريدة على
التوالي. فسافر لوقا الطبيب اليوناني لمقابلة شهود العيان في شركة المسيح، استفهم
منهم عن كل التفاصيل. ولم يبتدئ بإنجيله من وقت معمودية المسيح على يد يوحنا
المعمدان، بل تقصى أسرار ولادة المسيح بدقة وتابع حياته بانتباه كبير. فإيماننا
ليس مبنياً على المثل والآراء الفلسفية، بل على شخص حي أثر على تاريخ البشر
تأثيراً مكشوفاً واضحاً.

 

ووجد
لوقا مجموعة من أقوال يسوع التي جمعها الرسل خدام الكلمة وترجموها من الآرامية إلى
اليونانية بكل دقة وانتباه. ولا يوجد لدينا اليوم أم الأناجيل هذه في اللغة
الآرامية، ولكنه تظهر في الأناجيل الثلاثة الأولى جلية بقوة ومجد عظيم. وأضف لوقا
إلى هذه الأقوال الاخبار والأمثلة من الشهود المعاينين، الذين زارهم وفتش عنهم،
حتى استخرج بواسطة اجتهاده كلمات المسيح الثمينة والتي لم توجد في الأناجيل
الأخرى.

 

ونشكر
يسوع المسيح ربنا أنه أرشد بروحه القدوس الطبيب لوقا اليوناني، ليكتب إنجيله، لأن
في عمله المجتهد يتحد العمل الموضوعي بدقة مع قوة الوحي، وبصيرة المسافر العالمي
مع الإيمان البسيط في رحمة الله، الذي هو أساس سلام المسيح لكل الناس.

 

وكتب
لوقا إنجيله ليثبت الوالي الطالب الروحي في أحداث المسيح، ليس تاريخياً فقط، بل
روحياً أولاً، ليمتلئ بمسرة الله وفرحه. وهذا ما تكسبه بدراسة الإنجيل إن قرأته
بصلاة متواصلة.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع نشكرك لأنك قمت من بين الأموات، وأنت حي ومالك مع الآب في جوهر
واحد. ونعظمك لأنك أرشدت عبدك لوقا وكثيرين ليكتبوا إنجيلك بدقة. ساعدنا لنسمعك في
أقوالهم، ونفهم مقاصدك، ونؤمن بلطفك، ونتمم إرادتك، وننق الخلاص للآخرين. ونخبرهم
أنك أنت مخلص العالم، الذي يبشرنا شخصيا في إنجيله الفريد.

 

أولاً:
الحوادث التاريخية حول ولادة المسيح (لوقا 1: 5- 2: 52)

 

1-
إعلان ولادة يوحنا المعمدان (1: 5- 25)

1: 5
كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ ٱلْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ
ٱسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَٱمْرَأَتُهُ مِنْ
بَنَاتِ هٰارُونَ وَٱسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. 6 وَكَانَا كِلاهُمَا
بَارَّيْنِ أَمَامَ ٱللّٰهِ، سَاِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا
ٱلرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلا لَوْمٍ. 7 وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ
كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِراً. وَكَانَا كِلاهُمَا مُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَيَّامِهِمَا.

 

هيرودس
الأول ملك دموي دكتاتوري، جاء من أدوم وملك على اليهود. وقد ساعد الرومان في
معركتهم ببلاد مصر بحيلة وخيانة. فقووه كعميل لهم، فأبغضه شعبه بغضة الموت.
وهيرودس اشتهر عند موظفي الرومان، إذ داهن القيصر وبنى مدناً باسمه على النمط
ايوناني، ماصاً أموال شعبه الذين أرهبهم رغم بنائه الهيكل المجيد، ليداهنهم أيضاً.

 

وفي
وسط أيام البغضة والاستعمار والتيارات الصاخبة عاش كهنة الله بتواضع. وقدموا
الذبائح اليومية إلى الله، ليصالحوا الأمة الخاطئة معه عالمين أن غضب القدوس معلن
على كل فجور الناس. وقد عين الملك داود قبل المسيح بألف سنة أربعاً وعشرين فقة.
وكل واحدة منها، تقوم أسبوعاً كاملاً ليلاً نهاراً بالخدمات أمام الله للتكفير عن
الخاطئين. وفرقة أبيا هي الفرقة الثامنة المعتدلة الرتبة، وغير المسؤولة عن إدارة
كل الطقوس الكهنوتية.

 

فزكريا
الكاهن واسمه يعني الله يتذكر، كان قد تزوج بامرأته أليصابات ومعنى اسمها، الله
حلف في أمانته. وهي من أرومة كهنوتية أصيلة، ترجع إلى هرون رئيس الكهنة، الذي كان
أخاً لموسى. فعاشت عائلة زكريا ببركات من تبرير الذبائح اليومية، لأنه ليس إنسان
باراً من تلقاء نفسه.

 

وتقواهما
ومحبتهما لله، ظهرت في سلوك حكيم حسب الناموس وتفسيره. وهكذا عاشا متواضعين مصليين
خادمين، فأكرمهما الجيران وأحبوهما شاعرين أن هذه العائلة تصدر منها بركة الرب إلى
الآخرين. وحيث يكون الرب محور الزواج، فهناك تنبع نعمة فوق نعمةمن الزوجين إلى من
حولهما.

ولا
يتحقق التقديس في الإنسان، بلا حفظ الوصايا ولا بر بلا ذبيحة. وبواسطة هذين
المبدأين من العهد القديم التقديس والتبرير، يقودنا لوقا إلى الإيمان في العهد
الجديد، الذي هو أمام القديم، لأن المسيح بررنا في ذبيحته. والروح القدس،
يقدسنالحفظ الوصايا.

 

وقد
ابتدأ لوقا إنجيله منطلقاً من قصة حول الهيكل، وأنهاها بالأصحاح 24: 53 ضمن الهيكل
أيضاً، خاشعاً تجاه مسكن الله في العهد القديم، إلى أن رفض اليهود المصالحة في
المسيح. فدمر الرومان الهيكل نهائياً. بعدما فارقه الله حسب النبوة في سفر حزقيال.

 

وشعر
زكريا وأليصابات خلال صلواتهما بغضب الله الآتي مراراً كثيرة. لأنه لم يمنحهما
أولاداً، فتألما من عزلتهما في شخيوختهما، واعتبرا عقمهما عاراً عليهما. ولكن على
الخصوص في هذا الانكسار اليومي، بقيا بارين ولم يتبخترا ببرهما الشخصي، بل ألقيا
رجاءهما بالتمام على النعمة. ولا يترك الله الراجي المتواضع، بل يعرف صراخ قلبه
ويستجيب له في حينه.

 

الصلاة:
أيها الرب، نشكرك لأجل قديسيك في العهد القديم، الذين سلكوا أمامك منكسري القلوب،
وآمنوا بتقديسهم بواسطة الذبائح. اغفر لنا استكبارنا وساعدنا في غضبك الآتي، لأجل
ذبيحة المسيح وقوة الروح القدس.

 

1:8
فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ ٱللّٰهِ،
9 حَسَبَ عَادَةِ ٱلْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ ٱلْقُرْعَةُ أَنْ
يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ ٱلرَّبِّ وَيُبَخِّرَ. 10 وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ
ٱلشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجاً وَقْتَ ٱلْبَخُورِ. 11 فَظَهَرَ لَهُ
مَلاكُ ٱلرَّبِّ وَاقِفاً عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ ٱلْبَخُورِ. 12
فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا ٱضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. 13 فَقَالَ
لَهُ ٱلْمَلاكُ: «لا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَ طِلْبَتَكَ قَدْ
سُمِعَتْ، وَٱمْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ٱبْناً وَتُسَمِّيهِ
يُوحَنَّا. 14 وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَٱبْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ
سَيَفْرَحُونَ بِوِلادَتِهِ، 15 لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً أَمَامَ
ٱلرَّبِّ، وَخمْراً وَمُسْكِراً لا يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ
يَمْتَلِئُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. 16 وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِهِمْ. 17 وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ
بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُّوَتِهِ، لِيَرُدَّقُلُوبَ ٱلآبَاءِ إِلَى
ٱلأَبْنَاءِ، وَٱلْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ ٱلأَبْرَارِ، لِكَيْ
يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْباً مُسْتَعِدّاً».

 

كانت
تعقد عبادات جمهورية في هيكل الرب كل يوم في التاسعة صباحاً، قبل تقديم ذبيحة
المحرقة. وفي الثالثة ظهراً بعد الانتهاء من الذبيحة نفسها (أعمال الرسل 3: 1).
واجتمع في هاتين المناسبتين كثير من المصلين ليمجدوا معاً جلال القدوس. وليسكوا
أمامه قلوبهم. وحدث أن الفرقة الكهنوتية الثامنة، قامت أسبوعاً كاملاً في أورشليم
ليؤدوا كل خدمات الهيكل.

 

واختار
الرب زكريا بواسطة القرعة للخدمة المحترمة ليقوم بتقديم ذبيحة البخور. فتقدم الشيخ
إلى قدس الهيكل، وأوقد على تراتيل الصلوات الجمهورية ذبيحة البخور، رمزاً لصلواتهم
وتسبيحاتهم المتصاعدة إلى الرب (مزمور 141: 2 ورؤيا 5: 8 و8: 3 و4) أما الكاهن
الخادم، فارتمى إلى الأرض ساجداً لله القريب السميع، ملخصاً بكلمات طقسية الطلبات
الجمهورية. وكان له الامتياز أن يقدم طلبات شخصية مقدسة أمام وجه الرب. وقد استجاب
الله تنوحات الشيخ بطريقة عجيبة، لأنه فجأة رأى ملاكاً نورانياً في بها مجد واقفاً
عن يمين المذبح الفائحة منه رائحة البخور، وسط عتمة الغرفة المقدسة. فاضطرب
الكاهن، لأن كل ظهور لشخص روحاني يعني عقوبة ودينونة. فليس بار صالحاً أمام الله
من تلقاء نفسه. فلا تطلبن من ربك ظهور الملائكة أو المسيح، بل تب ما دام الوت.
وآمن بالمسيح فيملأك بروحه القدوس، الذي هو الله بالذات.

 

والملاك
لم يأت للدينونة، بل بشر زكريا بإجراء عصر نعمة الله. وليس إنسان يستطيع إدراك
التغيير المبدئي في خطة ربه. لهذا أرسل الله ملاكاً، ليدرك زكريا الانقلاب الروحي
الآتي. فعزى الملاك البهي الكاهن المضطرب، وأمره بعدم الخوف. ونجد هذه العبارة «لا
تخف» أو لا تخافوا 365 مرة في الكتاب المقدس. وهي كافية لكل يوم في بحر السنة
لكيلا نخاف البتة.

 

وأثبت
المخبر أن الله يستجيب الصلوات ربما متأخراً حسب شعورنا. ولكن بدقة حسب مشيئته
المحبة الحكيمة. فاطمئن إذ ليست كلمة أو عبارة من صلواتك منساة. كما لا يهمل الآب
الصالح طلبات أولاده الملحة. بل يستجيب في حكمته وحينه. فهل تؤمن باستجاة كل كلمة
من طلباتك حسب مشيئة رحمة ربك؟

 

وكان
الملاك شخصاً متكلماً بعبارات مفهومة. وبشرنا بأيام الفرح والابتهاج، لأن معنى
الاسم يوحنا المعلن هو «الرب ممتلئ الحنان». وشفى الخالق جسد إليصابات المريض،
لتقدر على الحبل. فليت الرب يلمس أجساد الكنائس الجافة، لتمتلئ ويكثر فيها ألاد
الله.

 

وقد
تمت بمجيء يوحنا المعمدان كثير من وعود العهد القديم (ملاخي 3: 1 و23 و24 وإشعياء
40: 1-4) ففرح بمجيئه كل الملائكة والمؤمنين، لأن ظهوره يدل على عصر جديد في خليقة
الله كلها. وكان يوحنا منذ ولادته منذوراً ومكرساً ومخطوباً لله القدوس، الذي ملأ
ساعي ابنه بالروح القدس من بطن أمه، ليستطيع القيام بخدمته الصعبة. فأصبح يوحنا
الأعظم من بين كل الذين ولدوا من النساء. وفاق الفلاسفة والملوك والأنبياء. ولكنه
لم يكن رغم امتيازه هذا مولوداً من الروح القدس، بل بالطريقة الطبيعية من زكريا
أبيه. فالأصغر في ملكوت الله أكبر من يوحنا العظيم.

 

وقد
حضر الله للمعمدان خدمتين. فكان عليه أن يدعو أولاً الجماهير إلى التوبة، لاكتشاف
ذنوبهم، وليعمد المنكسرين في الروح بمعمودية الغفران في نهر الأردن. فحرث يوحنا
الشعب كله بكلمته الحادة، وأعد القلوب للزرع الجديد. فأضرم نار حركة التوة
الكبيرة. وهنا ابتدأ خدمته الثانية أنه لا يسمي نفسه مسيحاً أو مؤسس عصر جديد، بل
اعترف بأنه ساع بين يدي الرب الآتي، ليدل الناس عليه. وعلم اليهود كلهم، أن المسيح
لا يأتي قبل أن يظهر قبله نبي بروح إيليا. فشهد يسوع بعدئذ جهراً أن روح وقوة يليا
عملت في المعمدان علامة لحقيقة المسيح (متى 17: 11-13).

 

وقاد
الروح القدس المستعدين من الشيوخ المتأصلين في تقاليد الناموس إلى تغيير الذهن
وانقلاب الفكر، ليتبعوا الجيل الجديد التابع للمسيح داخلين معاً في الأبواب
المفتوحة لعصر النعمة.

 

وكسر
الروح القدس بنفس الوقت عناد الشباب العصاة، وقادهم إلى خوف الله والتواضع
والإطاعة. وعلى هذا النمط يدعوك روح الرب إلى التوبة وإلى تغيير افكارك، لترضي
الله بقبول الإنجيل. فمن يدرك خطاياه ويعترف بها نادماً ويتركها بقبول خلاص المسح،
هذا يصبح عضواً حياً في شعب الله، الذي يمتد في كل الشعوب واللغات، ويسمى اليوم
المسيحية. فهل أنت خادم الرب في محيطك بارزاً بالتواضع والعمل الفعال؟

 

الصلاة:
نشكرك أيها الرب لإرسال يوحنا المعمدان وافتتاح عصر النعمة بواسطته. قدنا إلى
التوبة الحقة لنتغير في أذهاننا ونمتلئ بروحك ونصبح أعضاء حية لشعبك المقدس.

 

1:18
فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلاكِ: «كَيْفَ أَعْلَمُ هٰذَا، لأَنِّي أَنَا
شَيْخٌ وَٱمْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟» 19 فَأَجَابَ
ٱلْمَلاكُ: «أَنَا جِبْرَائِيلُ ٱلْوَاقِفُ قُدَّامَ
ٱللّٰهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهٰذَا. 20
وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتاً وَلا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى
ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي يَكُونُ فِيهِ هٰذَا، لأَنَّكَ لَمْ
تُصَدِّقْ كَلامِي ٱلَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ». 21 وَكَانَ
ٱلشَّعْبُ مُنْتَظرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي
ٱلْهَيْكَلِ. 22 فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ،
فَفَهِمُوا أَنَّهُ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فِي ٱلْهَيْكَلِ. فَكَانَ يُومِئُ
إِلَيْهِمْ وَبَقِيَ صَامِتاً. 23 وَلَمَّ كَمِلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ مَضَى
إِلَى بَيْتِهِ. 24 وَبَعْدَ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ حَبِلَتْ أَلِيصَابَاتُ
ٱمْرَأَتُهُ، وَأَخْفَتْ نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ قَائِلَةً: 25
«هٰكَذَا قَدْ فَعَلَ بِيَ ٱلرَّبُّ فِي ٱلأَيَّامِ
ٱلَّتِي ِيهَا نَظَرَ إِلَيَّ، لِيَنْزِعَ عَارِي بَيْنَ ٱلنَّاسِ».

 

إن
الخالق القدوس يكرم المصلين، ويكلمهم بواسطة الكتاب المقدس وشهوده الأمناء
وملائكته الخدام. فهل تؤمن بتكلم العلي، وهل تخضع لدعوته، وهل تقبل مواعيده فرحاً؟
إن الله نفسه يأتي إليك في كلمته. ومن يشك في عباراته يجعل الله كاذباً. ومن يفض
كلمته، يرفض الضابط الكل نفسه.

 

هل
تؤمن باستجابة صلواتك. إن زكريا صلى، ولكن خدمته صارت عادة كهنوتية، ولم يصدق بكل
قلبه باستجابة طلباته، وآمن باختباراته ومبادئ الطبيعة أكثر من ثقته بالخالق
الضابط الكل. فشك الكاهن بكلمة الرب، ولم يدرك مباشرة أن ظهور الملاك هو الكفلة
لتحقيق وعد الله. وهكذا لا يثق كثير من المؤمنين بكلمة المسيح كاملة، لأنهم لا
يدركون أن المصلوب هو الكفالة الفريدة لإتمام مواعيد أبيه. ليتنا لا نرفض مواعيد
الله، فتكون قلوبنا عندئذ كالأحجار الرافضة ما يأتيها من الماء، بل نقبلها
ونقبلهاونستلمها رأساً ونشكر لأجلها مؤمنين إيماناً لا يتزعزع أبداً.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياتة سؤال عن سلطان المسيح ح

 

وعندما
ظهر الشك في نفس الكاهن، غضب الملاك في قداسته قائلاً هأنذا حاضر، ألا تراني
وتلاحظ أن الله يكلمك شخصياً بواسطتي، وقد اختارك وفوضك مانحاً لك علامة تفوق عقل
الإنسان. إني أمثل جبروت الله آتياً من العرش المجيد إليك أيها الشيخ الخطئ في وسط
ظلمات عالمك، لأبشرك بفرح عظيم أفلا تؤمن؟! فهذا يظهر أنك كاهن بقلب قاس رغم ظهور
تقواك وصلواتك.

 

أيها
الأخ هل تؤمن بكلام الرب الموجه إليك، أو تقسي قلبك لجذب محبته؟ آمن ولا تتأخر
لكيلا تتغير نعمة الله إلى غضب ينسكب على الشاكين البطيئي الإيمان.

 

وضرب
المخبر بالفرح لسان الكاهن الشاك بالخرس ولكنه لم يبده، بل قاصصه بالنعمة ليبقي له
فرصة التأمل بمعنى إعلانات سفير الله إليه. وكلمة الله مفعمة النعمة وتخلق حياة من
المحبة، وتقاصص العصاة بعنف. ولكن هدف رحمة الله لا تسقط إلى الأبد.فالقدوس ينفذ
خطة محبته بدقة. ومخلصك يكمل طريقه معك إن كرست حياتك له ولم تعارضه قصداً.

 

وبينما
كانت المكالمة بين الملاك والكاهن المرتعب، كان الشعب منتظراً في الساحة الخارجية
بركة الكاهن، لأن من يعش بدون بركة الوسيط بين العلي والبشر، يسقط في التجرية
والدينونة. أما الكاهن المسكين فلم يقدر أن يتكلم بسبب عدم إيمانه. ولم ستطع أن
يعطي البركة لأن الله قاصصه. وللأسف فإننا واجدون اليوم كثيراً من خدام الرب،
متكلمين بالبلاغة. ولكن كلامهم فارغ وميت لأجل عدم إيمانهم بكلمة الله الكاملة.
وبركاتهم مجرد غشاوة طقسية بدون قوة، لأن يد المسيح لا تعضدهم قصاصاً لريائهم
ونانيتهم وشكوكهم. فهل تجري منك قوة الله للفرح، أو تشبه كاهناً أخرس صامتاً
ضعيفاً، خالياً من روح الله.

 

الصلاة:
أيها الرب حدثني بكلمتك تطلب إيماني بلا قيد ولا شرط اغفر لي كل تأخر بقبول كلمتك
وقوِ إيماني القليل لكي أثق بك ثقة كاملة بأنه يولد لك أولاد روحيون كثيرون من
أمتنا وينضجون في بركاتك.

 

2-
إعلان ولادة يسوع المسيح (1: 26- 38)

1: 26
وَفِي ٱلشَّهْرِ ٱلسَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ ٱلْمَلاكُ
مِنَ ٱللّٰهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا
نَاصِرَةُ، 27 إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ
ٱسْمُهُ يُوسُفُ. وَٱسْمُ ٱلْعَذرَاءِ مَرْيَمُ. 28 فَدَخَلَ
إِلَيْهَا ٱلْمَلاكُ وَقَالَ: «سَلامٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ
عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ». 29
فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلامِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَىأَنْ
تَكُونَ هٰذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ! 30 فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلاكُ: «لا
تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ
ٱللّٰهِ. 31 وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً
وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32 هٰذَا يَكُونُ عظِيماً، وَٱبْنَ
ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ
كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33 وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ،
وَلا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».

 

لا يذكر
العهد القديم اسم مدينة الناصرة قط، لأن نصر الله اتضح في العهد الجديد. وسمى
اليهود الأتقياء بلاد الجليل باحتقار دائرة الأمم الوثنيين المتخلفين (إشعياء 8:
23 و9: 1). ولكن الله بقصده شاء أن يعلن جلاله في ظلمات كثيفة. فلم يحدث ميء
المسيح في الهيكل وضجيجه، بل في البيت البسيط بأطراف البلاد. وملاك الرب لا يعلن
قصد القدوس اليوم في العواصم والكنائس فقط بل بنفس الدرجة في أكواخ القرى وخيم
البدو ويجد عند المتواضعين البسطاء غالباً إطاعة الإيمان أكثر مما عند الأذكياء
والأغنياء والمتدينين.

 

وكانت
مريم عذراء من سبط داود، ولا نعرف كثيراً عن ماضيها. ولكن اسمه يعني بالعبرانية
مرارة وحزن. ربما سماها أبوها بذلك حزناً لعدم ولادتها صبي. فهو لم يكن يدرك أن
موعد الله أعلن منذ البدء، أن المنتظر الإلهي سيولد من امرأة لا من رجل (تكوين 3:
16) فكانت مريم إنسانة حقاً ممثلة ضيقاتنا وخلاصة أحزاننا. كلنا ضللنا وليس من
يعمل صلاحاً ولا واحد. وقال المسيح «ليس أحد صالحاً إلا الله».

 

ولكن
فرق كبير بيننا وبين مريم، لأن قلوبنا قاسية أما قلبها فكان مستعداً للإيمان،
ومهيئاً لسماع كلة الله ومطيعاً لروحه. فاستخرجت القوة من التوراة، لتثبت عذراء
طاهرة منتظرة هدى الله. ووافقت على خطبتها من يوسف النجار في مدينة الناصرة،الذي
هو أيضاً من سلالة الملك داود مثلها. فاستحقا كلاهما المشاركة بمواعيد الله في هذه
الأرومة (2 صموئيل 7: 12 و14) ودخل ملاك الله إلى بيت مريم وأعدها لقبول أعجوبة
الأعاجيب، لتصغي إلى كلمة الرب وتؤمن بها وتقبلها، لأن المسيح هو مولود من كلم
الله فقط التي آمنت العذراء بها.

 

والكلمتان
الأولتان للمبشر الإلهي، تشبه فتح باب السماء على مصراعيه. لأن رسول الله شهد
«بالسلام والنعمة» للعالم أساساً للعهد الجديد، ككل الرسل المبشرين بالمسيح في
افتتاحات رسائلهم. فأنعم الله على مريم واختارها من كل النساء القابلات لموت، أن
تحمل الأزلي تحت قلبها. فكل بركات السماء وملء اللاهوت تمركز وحل في جنينها. فليس
المسيح ممتلئاً بالروح القدس في بطن أمه كيوحنا المعمدان ومختاراً من كل البشر، بل
أن المسيح مولود مباشرة من الروح القدس وهو الروح المتجسد بالذات بدون دخل رجل.
فكان الله مع مريم عملياً. وإلى هذا الحين، كان الله قريباً من البشر ولكن
مستتراً. أما مريم فابتدأت الشركة الجديدة القوية مع الله، التي تدلنا على الشهادة
أن المسيح يسكن في قلوبنا بواسطة الإيمان.

 

ولم
تكن مريم كاملة في نفسها، كالمسيح الذي تكلم مع الملائكة كخدامه، بل اضطربت وفزعت،
لأن نور الله كشف إنسانيتها تماماً. ولكنها لم تتكلم بسرعة، بل صمتت، وفكرت سريعاً
كالبرق ماذا تعني هذه التحية العجيبة. ليت كل الناس يسمعون دعوة اللهبسرعة
ويتأملون فيها مصلين. فينالوا من القدوس جواباً أعمق وأوضح مما سمعوا في الدعوة
الأولى.

 

وقد
علم الملاك أفكار العذراء واثبت لها أنها وجدت نعمة عند القدوس. فلم تكن هي ينبوع
كل النعم ولكن نعمة الله تجسدت في طفلها. فلهذا اقترح الملاك عليها ألا تخاف من
الملاك الجبار المنتقم الديان بل تطرح كل الخوف وتتمسك بنعمته ومحبته. فمريم بحثت
في كل حياتها عن الله الحي، إلى أن حصلت على ثمار صلواتها وأشواقها.

 

وأكملت
مريم ثقتها في الله، وألقت رجاءها تماماً على النعمة واثقة في محبة الله الطاهرة
وحمايته المقدسة.

 

عند
هذا الإيمان اليقيني، أعلن لها الملاك أسراراً سبعة عن ولدها الآتي:

1.
إنه ليس بنتاً بل صبي معروف قبل ولادته وسبب لفرحها العظيم.

2.
اسمه يسوع الذي يعني عون الله وخلاصه الدال على شعار العصر الجديد.

3.
ليس هو عظيم أمام الله كيوحنا المعمدان بل أنه عظيم في ذاته كأحد أقانيم الله.

4. هو
ابن الله شخصياً، إله من إله نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق ذو جوهر
واحد مع الآب.

5.
تعيينه برتبة ملك كالمواعيد المعطاة لداود المغني الممسوح بروح الله.

6.
كان يسوع من سلالة أرومة داود شرعياً وجسدياً، لأن لوقا يطلق اسم والد مريم أنه
والد يوسف (لوقا 3: 23) فنرى أن مريم ويوسف آتيا من الملك. فكان يسوع إنساناً حقاً
من إنسان حق، وليس شبحاً، أو روحاً عابراً الآفاق.

 

وليست
مملكة المسيح زمنية أو دنيوية كمملكة داود، بل روحية سرمدية كما اعترف يسوع أمام
بيلاطس «مملكتي ليست من هذا العالم، لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي» (يوحنا
18: 36 و37). فلم يسمع أكثرية اليهود صوت الله، بل صلبوا ملكهم.ولكن الرب يستطيع
أن يخضع لنفسه هذا الشعب العنيد ليجثوا أمامه وليسجدوا لمن طعنوه.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع، أنت ملكي وأنا مواطنك عبدك الباطل.اغفر لي كل عدم إيمان، وعلمني
الإيمان الحق بألوهيتك وولادتك وإنسانيتك. لأدرك كلماتك وأقبلها رأساً عند سماعها،
لتعظم قوتك في ضعفي.

 

1: 34
فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ
أَعْرِفُ رَجُلاً؟» 35 فَأَجَابَ ٱلْمَلاكُ: «اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ
يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُّوَةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ
أَيْضاً ٱلْقُدُّوسُ ٱلمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ
ٱللّٰهِ. 36 وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً
حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهٰذَا هُوَ ٱلشَّهْرُ
ٱلسَّادِسُ لِتِلْكَ ٱلْمَدْعُّوَةِ عَاقِراً، 37 لأَنَّهُ لَيْسَ
شَيْءٌ غَيْرَ ممْكِنٍ لَدَى ٱللّٰهِ». 38 فَقَالَتْ مَرْيَمُ:
«هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ
عِنْدِهَا ٱلْمَلاكُ.

 

لما
ألقى الملاك الوعد لزكريا، شك وتساءل كيف أعلم هذا؟ (1: 18) رغم أنه رأى المخبر
المجيد وسمع كلماته الواضحة. أما مريم فسألت الملاك كيف يكون هذا ولم تشك، بل آمنت
وفهمت وارتجفت في إنسانيتها من المستحيل. فلم يحسب جبرائيل سؤالها تشككاً بل
سؤالاً عن الكيفية التي تتم بها المعجزة. فهذا السؤال يستحق الإجابة من الله. فليس
من غير الجائز أن تسأل الله ليوضح طرقه في حياتك، إن لم تعارض مقاصده.

 

فلهذا
الاستعداد المطيع عند مريم، أعلن الملاك سر تجسد الروح القدس في المسيح وهو أن روح
الله بالذات بكل قواه وإمكانياته وأمجاده عزم أن يحل جنيناً فيها. فملء اللاهوت حل
في الابن، والروح القدس نفسه كان جوهره. أيها الإنسان هل تدرك أن اثالوث الأقدس
بكليته، كان مشتركاً ساعة حلول مخلص العالم في مريم العذراء؟ فلغتنا تعجز أن تعبر
عن هذه الذروة لتاريخ البشر، وعقلنا أصغر من أن يدرك كيف أحبنا الله، حتى ألبس
ابنه آلام العالم وتجسد إنساناً. اسجد للآب والابن والروح القدس الإله لواحد، وأحبه
من كل قلبك، لأن محبته للبشر الفاسدين، هي الدافع الوحيد للحبل بالمسيح.

 

ولم
يوجد في هذه الأعجوبة شهوة أو خطية أو أنانية أو دنس، لأن الله القدوس ظهر في
المسيح القدوس، الذي كان في حد ذاته ممتلئ القداسة بدون خطية موروثة. حتى أن كل
الدوافع الخاطئة من سلالة أبيه داود وأتباعه الموجودة في مريم، غلبت إلى طهار
كاملة وقوة إلهية وحق سرمدي.

 

لا
يقدر الإنسان، أن يدرك سر هذه اللحظة بدون الروح القدس. فالذين لا يولدون من محبة
الله، يجدفون على المسيح، قائلين أنه مولود من رجل بشري. ولكن من تجدد في التوبة
وحصل على الحياة الأبدية من كلمة الإنجيل يسجد لله الآب الذي أرسل لنا ابنه في
هيئة جسد الإنسان.

 

فربنا
يسوع المسيح هو إنسان حق من إنسان حق، وإله حق من إله حق، غير محتاج إلى ولادة
روحية ثانية. إنه المحيي الذي يمنحنا نحن المتبررين حياته في الإيمان به، لنصبح
بقوته أولاد الله متجهين إلى مجيئه القريب، الذي هو رجاؤنا الأكيد.

 

وقد
منح الملاك القوي لمريم المرتعبة علامة واضحة. لكي يصبح إيمانها بالمستحيل ممكناً.
لأن المباركة فكرت كيف يعقل، أن المخلوقة تحمل خالق العالم في بطنها. فأراها
الملاك الأعجوبة الإلهية في أليصابات قريبتها من جهة النساء وليست من صلب دود،
التي أصبحت حبلى وهي عاقر. فهذه علامة مشجعة، أعدت مريم لكلمة الرب القاطعة.

 

هل
عند الله مستحيل؟ أيها الأخ، هل تؤمن بقدرة الله غير المحدودة في حياتك وكنيستك
وأمتك؟ فلا تجعلن الله كاذباً ولا تخدعن نفسك بأفكار بشرية. هل تؤمن بقدرة الله المطلقة؟
وهل وضعت نفسك وعقلك وأمراضك وأصدقاءك وأعداءك أمام عرش النعمة مسلاً حياتك بين
يدي العلي؟ فأين محبتك له وكيف مقدار إيمانك؟ تمسك وتعلق بالله لأنه هو القادر على
كل شيء ويريد الخلاص ويستطيع تنفيذ الخلاص ويخلص عملياً حسب إيمانك. فأنت الباب
الذي تريد نعمة الله أن تدخل منه إلى محيطك.

 

وآمنت
مريم بقدرة ربها ففتحت نفسها لمشيئة المحبة ولم يحل المسيح فيها بدون موافقتها، بل
هي أتمت بتسليمها المتواضع مقاصد العلي. لو ترددت مريم في هذه الساعة أو شكت أو
رفضت كلمة الله لسقط العالم وبقينا في خطايانا مهلكين. ولكن العذراء كنت متمكنة في
التوراة، ومطيعة لإرشاد الروح القدس في حياتها، وآمنت بالنبوات، فقدرت على قبول
المسيح هدية الله للعالم.

 

وبموافقتها
الروحية، غسلت مريم العار الملصق بالإمرأة منذ سقوط حواء، وحولت ضعفها إلى مجد.
وقد تألمت العذارء كثيراً لأجل ابن الله الموضوع في قلبها، ولكنها احتملت عار
الاتهام بصبر وإيمان وشكر لربها كل حياتها.

 

الصلاة:
أبانا الذي في السماوات نسجد لك، لأنك ولدت بكل قداسة محبتك المسيح في أَمتك مريم.
ونعجب مبتهلين من أعجوبة حلولك، ونطلب اليك أن تجددنا كلنا لنؤمن رأسا بكلمتك
الموجهة إلينا، مؤمنين انك تغير وتجدد بواسطة إيماننا محينا الظالم.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر أخبار الأيام الأول 08

 

3-
زيارة مريم لأليصابات (1: 39- 56)

1: 39
فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى
ٱلْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، 40 وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا
وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. 41 فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلام
مَرْيَمَ ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَٱمْتَلأَتْ
أَلِيصَابَاتُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، 42 وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ
عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ
ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! 43 فَمِنْ أَيْن لِي هٰذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي
إِلَيَّ؟ 44 فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلامِكِ فِي أُذُنَيَّ ٱرْتَكَضَ
ٱلْجَنِينُ بِٱبْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. 45 فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ
أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ».

 

التجأت
مريم العذراء بقلبها الفائض إلى صديقتها الكبيرة الحنون في مدينة غير معروفة لنا
الآن، لتخبرها بأسرارها وتجد تقوية لإيمانها في صلوات مشتركة. فلم تقدر أن تتكلم
مع أحد في بلدتها الناصرة عن أعجوبتها. وكانت شاكرة الملاك، الذي أراه منفذاً في
ضيقها. فأسرعت إلى أليصابات الساكنة في مدينة جنوبي أورشليم، على بعد مائة كيلومتر
تقريباً من بلدها الناصرة. وأثبت الروح القدس لمريم إطاعة إيمانها، وعزاها تعزية
حارة عند وصولها إلى بيت الكاهن. وأعلن بنفس الوقت لأليصابات الشيخة إضاحاً
لأعجوبة العجائب، قبل أن أعلنت العذراء سرها. فامتلأت زوجة الكاهن من الروح القدس
الذي أعطاها قوة التنبؤ. وأعلن لها اسراراً، لا تخطر على بال الإنسان.

 

وأطلق
روح النبوة لسان أليصابات بتحية رائعة لمريم، التي حيتها: سلام لك. ولم تسمع
أليصابات لوحدها هذه الكلمات المفعمة بقوة الله، بل تحرك جنينها أيضاً ممتلئ
الفرح، لأن يوحنا المعمدان كان مفعم الروح القدس منذ كان في بطن أمه. وشعر بالميح
الروح الإلهي المتجسد مقبلاً إليه. فالروح القدس لا يحتاج إلى آذان وأعين وحواس
بشرية أخرى للمعرفة والشهادة، بل يشعر مباشرة بأعماق لا ندركها. ويعلن أسراراً لا
تدخل أذهاننا. فعرفت أليصابات فجأة بجلاء الروح كل أسرار مريم، بدون أن يخبرها أد.

 

عندئذ
انفجرت قوة الله بواسطة كلمات النبية، وصرخ لسانها بدون وعي وضبط عقلي وشهد روح
الله بواسطتها وقال: أنت مريم الصغيرة أعظم مني. ولست أنت كبيرة في نفسك، ولكن
بهاء جنينك يضيئك وبركاته تجعلك مباركة أكثر من كل النساء. ولكن هذه البرات ليست
منها بل من ابنها، ينبوع كل البركات.

 

وسمت
أليصابات يسوع رأساً رباً، لأن الروح القدس أعلن لها أن الله الرب سكن في مريم.
فارتجفت أليصابات في قلبها لأجل تقارب الله، لأن الروح القدس فيها شعر بوحدته
بالابن. فانحنت الشيخة الكبيرة أمام العذراء المتواضعة، لأن الروح القدس يكش
الأسرار للمؤمن حيث يفتح نفسه لإرشاداته. فأعلن المخبر الإلهي لأليصابات الاستحقاق
الجوهري في مريم، الذي صارت بواسطته لنا قدوة. إن العذراء آمنت بكلمة الله بلا قيد
أو شرط. فبواسطة إطاعة إيمانها، صار المستحيل ممكناً. هذا هو شرفها وامتيازها
حقها. فإيمان مريم هو الباب، الذي أتى به إلى الله عالمنا الوخيم.

 

وإيمانك
اليوم هو الوسيلة التي ينتصر المسيح بها فيك وحولك. فهل تتبع أم يسوع حسب إيمانها
الفعال؟ عندئذ تسمع نفس كلمات أليصابات التي أنبأت بها مريم، أن يتم ما قاله الله
سابقاً. فليس عليك أن تتم مشيئة الله بضعفك، بل هو يكملها بواسطة تليم إيمانك.
فاسمح للروح القدس، بأن يحررك من شكوك وخطاياك وقدرتك الشخصية، فتثبت في ثقة وفي
عفة وقوة ربك. التصق بالمسيح، فيجري قوة روحه فيك، كما يجري عصير الكرمة إلى
الأغصان، منشئاً أوراقاً وثماراً. نعم طوبى للذي يؤمن، ويتحد بالمسيح برباطالمحبة
في قلبه. فهذا هو التطويب الأول في الكتاب المقدس.

 

الصلاة:
أيها الرب القدوس، نسجد لك لأنك تدفع المؤمنين بروحك كما تشاء وترتب طرقهم. وتعلن
لهم أسرارك. اغفر لنا كل نميمة، أو اغتياب وشهادة زور. وساعدنا إلى طهارة وحق في
شركة القديسين.

 

1: 46
فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي ٱلرَّبَّ، 47 وَتَبْتَهِجُ رُوحِي
بِٱللّٰهِ مُخَلِّصِي، 48 لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى ٱتِّضَاعِ
أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ ٱلآنَ جَمِيعُ ٱلأَجْيَالِ تُطَّوِبُنِي،
49 لأَنَّ ٱلْقَدِيَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَٱسْمُهُ قُدُّوسٌ، 50
وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ ٱلأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.

 

إن
تسبيحات مريم، هي تاج مزامير العهد القديم، وبداية مجيدة لكل ابتهاجات العهد
الجديد. فالروح القدس، قد تكلم بواسطة مريم، وأعلن في كلمات العذراء البسيطة أسرار
حكم الله. إن ماضي البشر قد تجمع في هذه الكلمات. ومستقبلنا يتضح بواسطة كلمت
الروح القدس. وكنيسة الله، تنسجم في كل مكان في نشيد مريم بالشكر. لأن هدف كل رؤيا
وتحقيق الخلاص، هو تمجيد الله القدوس من قلب غير مستقيم.

 

وإنا
لواجدون أن كلمات مريم في العهد الجديد التي وصلتنا كانت قليلة (لوقا 1: 34 و38
و2: 2 و48، ويوحنا 2: 3 و5). فلهذا يستحق قولها هذا كل انتباهنا، ونجد فيه عبارات
معروفة من التوراة والمزامير، الأمر الذي يدلنا على أن العذراء تعمقت كثيرً في
كلمة ربها، وحفظت آياته وعاشتها. فالروح القدس وحد الكنوز المستترة فيها، لتسبيح
عظيم لله.

 

أتسمع
صوت الروح القدس؟ فهو يعظم الله ويعلن أن الإنسان صغير. ففرح معرفة محبة الله
كبير، حتى أنه يلقي الإنسان المؤمن إلى الغبار شاكراً منيباً، لأن سلام الله يشمله.
فلا تتحرك النفس باستكبار بل تعظم الرب. وهكذا يفرح الروح، لأن مسرة اله معلنة له،
ولا حزن يثقله. هل تفرح في ذهنك، أو أنت حزين؟ إن الحزين يهتم بنفسه، أما الفرحان
فيعيش لله، ويتحرر من أنانيته، لأن الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله
والله فيه.

 

أيها
الأخ، تعال إلى ربك، فيملأك بروحه فلا يوجد الروح القدس في إنسان من طبيعته. وقد
اعترفت مريم جهاراً، بأن الله مخلصها من ضيقات كونها. فليست مريم مخلصة الأنام، بل
الله هو خلص أم يسوع. والروح القدس لا يكذب. وكل الذين يكبرون أنفسهم أنفس الآخرين
أغبياء، لأن المنير السماوي يرينا في إنسانيتنا الفساد، ويجذبنا بنفس الوقت إلى
العلاء إلى محبة الله المخلصة.

 

فلسنا
مستحقين أن ندعى عبيد الله لأننا خطاة. ولكن الروح القدس، يؤكد لنا أن الرب قبلنا،
وغلب الخطية الموروثة فينا بالنعمة. فكل منعم عليه ينحني إلى الغبار، ويسجد
لمخلصه، ويقبل رجليه. ويضع نفسه تحت تصرفه، لخدمة أزلية. فهل أنت سيد ورب ستقل في
حياتك، أو عبد متواضع لربك؟ تواضع كمريم التي سمت نفسه أَمة الرب. إن الروح القدس،
يشاء انكسار كبرياءك وتحرير نفسك من التشامخ.

 

وكل
من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع. وقد اختبرت مريم هذا المبدأ لروح الله،
لأنها بعدما اعترفت باحتياجها إلى خلاص الله، معترفة بصفتها كأَمة للرب، رفعها
الله لتزداد سعادة فوق سعادة، ونعمة فوق نعمة.

 

أما
طريقها في هذه الحياة الدنيا، فكان مفعماً بالمرارة والاحتقار والاتهام. لأن
خطيبها ووالديها لم يعرفوا شيئاً من حبلها بالروح القدس. ولكن الله بالذات بررها
وأرشدها (متى 1: 18). وابنها ولد في اسطبل كريه، بينما شقت الملائكة السماء بعصفة
تسايبحها. وسجد المجوس أمام المولود في المذود، الذي هرب بعد قليل مع أبويه إلى
مصر لاجئاً. ووقفت مريم تحت صليب ابنها متألمة، ولكنها رأت أيضاً المقام من بين
الأموات منتصراً مالكاً الأكوان. وبقيت بين التلاميذ المنتظرين موعد الآب، وامتلأ
معهم بروح الله القدوس في عيد العنصرة، وثبتت في المسيح إلى الأبد، لأن كل من آمن
به، ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً وآمن به، فلن يموت إلى الأبد. فنطوب مريم مع
كل المتجددين في المسيح، لأنهم يعيشون أولاداً لله في سعادة سرمدية بلا انقضاء.

 

فيا
أيها الأخ، أتستطيع أن تلفظ كلمات مريم بالإيمان؟ تجاسر وانطق بالإيمان كلمات
الروح القدس: القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين
يتقونه.

 

لم
تدرس مريم دروساً لاهوتية، ولكن الروح القدس أعلن لها جوهر الله كقدوس رحيم، على
أساس اختباراتها الخاصة. ليت كل الشعوب تقبل إعلان الروح القدس هذا من فم العذراء.
فإلهنا نار آكلة الذي يحرق كل الذنوب والبشر غير التائبين. ولكن لب قداسه هو محبة
وليس إلا محبة. فمن يهتد ويستلسم لروح الله قابلاً المسيح مخلصاً، يجتذب إلى قداسة
محبة الله لأن ولادة المسيح ليس لها هدف آخر إلا أن تعمل منك قديساً ممتلئاً محبة
الله (رومية 5: 5 وأفسس 1: 4).

 

الصلاة:
أيها الآب القدوس، نحمدك ونسجد لك ونحبك ونعظمك لأجل عظائمك العديدة. ولأنك خلصتنا
في ابنك يسوع المسيح، ولم ترفضنا لأجل عيوبنا. بل قدستنا، وملأتنا بمحبتك. احفظنا
في تواضع المسيح، لكيلا نسقط من النعمة الفائقة كل العقول.

 

1: 51
صَنَعَ قُّوَةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ
قُلُوبِهِمْ. 52 أَنْزَلَ ٱلأَعِّزَاءَ عَنِ ٱلْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ
ٱلْمُتَّضِعِينَ. 53 أَشْبَعَ ٱلْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ
ٱلأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. 54عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ
رَحْمَةً، 55 كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى
ٱلأَبَدِ. 56 فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ،
ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.

 

إن
الله ليس روحاً جباراً بعيداً غير مفهوم، بل إنه يتدخل في تاريخ العالم. وليست
صفاته تصوراً منطقياً، بل هي ظاهرة عملياً في حياة البشر. فالله لا ينام، بل يعمل.
ومنذ سقوط الناس في الخطية لا يرتاح القدوس، بل يخلص ويطلب، ويعمل لخلاص اعالم.

 

ادرس
حكم الله للعالم، على لسان مريم. وتعمق في قدرة عمله حسب الأفعال التسعة، المذكورة
في الجزء الثاني من تسبيح العذراء. فتدرك أكثر مما لو حصلت على شهادة من الجامعة،
في درس الاجتماع أو العلوم.

 

إن
الله هو القوة، كما شهد المسيح بجوهر أبيه أثناء المحاكمة الأخيرة أمام اليهود
(متى 26: 64). فلا توجد في العالم قوة بناءة إيجابية، إلا هو. فبقدرته أوجد الكون.
فمن الحكمة سجودك للخالق إن تعمقت في أسرار خلقه أثناء الدروس الفيزيائية
ولكيميائية وعلم الأحياء، لأن كل العلوم هي إعلان عن قدرة قوة الله، الجميلة
العظمى.

 

ولكن
الإنسان استكبر في تجارب الشيطان، فطرده الله عن قربه. لأن كل إنسان يستقل عن
مصدره، يصبح عدواً للخالق في ذهنه. طوبى لك إن أدركت أن كل الناس عصاة، لأن روح
الشيطان، يعمل فيهم (أفسس 2: 1-5). ولهذا أصبحنا أبناء الغضب، مسلمين إلى شهوت قلوبنا.
فتاريخ البشر، هو إعلان عن موجات غضب الله علينا (رومية 1: 18 رؤيا 6: 19).

 

ودينونة
الله على كل استكبار وشهوات، هي أكثر فعالية مما تعرف. فلقد أعطى القدوس للإنسان
فرصة، ليحيا في خوف الله حسب خطة خلاصه. ولكن من يستكبر ولا يضع مواهبه ونقوده
وقدرته تحت تصرف الله، يسقط من كرسيه الموهوم إلى العار والبغضة والإباة. هل تدرك
كيف أن العذراء البسيطة بين البشر، أدانت الملوك والزعماء والكبار والمتخيلين
بواسطة كلماتها الموحى بها من الروح القدس؟

 

وقد
اعترفت في بصيرته، كيف أن المتواضع يشترك بتدبير ملك الله معه، والوديع يمتلك
الأرض. فالله يرحمك إن تثبت صبوراً لطيفاً، معتبراً أعداءك أفضل منك. فطريق المسيح
هو التواضع. لهذا رفعه الله جداً (فيلبي 2: 5-11) وإن رفعك الله، وأعطاك نعة
ومواهب ونجاحاً، فهل تثبت متصاغراً بسيطاً كطفل الرب؟ أو ترتفع كسائر المخلوقات،
ظاناً أنك شيء؟ أن الروح القدس يعلمك مت لنفسك وعش لله وحده.

 

وتذكرون
جيداً، كيف الله يباركك ويمنحك أنت العاصي خبزاً وفيراً. إنه أبونا وعائلنا، ولا
يهلكنا بسرعة، رغم أننا نستحق غضبه. فليت الناس يرجعون إلى خالقهم، فيروا بركاته
ويضعفوها. ويا للأسف المرير، فإن الدول تصنع من هذه البركات أسلحة باظة التكاليف،
علماً يقيناً أن ثمن طائرة حربية واحدة تكفي لإشباع ملايين الجنس البشري. وهكذا
فإن البشر، يتلفون مواهب الوهاب، الذي يغنينا بغناه. ولكن الأنانية تجعل الأغنياء
فقراء، لأنهم يهلكون أنفسهم، مستسلمين إلى شهواتهم حسب غضب الله.

 

وقد
علم شعب البرية كيف أن الله أشبعه بعنايته، وأنزل عليه المن والسلوى. ولكنهم
تذمروا ضد المنعم عليهم، ولم يفهموا اجتذاب روحه، ليصبحوا شعباً مقدساً. فسقطوا في
غضبه. ولكن الرب لم يهلك العنيدين نهائياً رغم عقوباته المستمرة عبر
القرونالطويلة، علامة لنا أنه لا يفك ولا يلغي نعمته معنا. لأنه يبقى رحيماً، وسط
عدله وقداسته وغضبه.

 

إن
الله أمين لمواعيده، التي أعطاها لإبراهيم وآباء الإيمان وأتباعهم. فما كان
استحقاق هؤلاء الآباء؟ أنه إيمانهم! فقد سمعوا كلمة الله، وتمسكوا بوعده مؤمنين
واثقين. فحسب هذا الإيمان براً لهم، ولأجل هذا الإيمان تعامل الله معهم. وهو لا
غير كلماته أبداً وذلك لأنه أمين.

 

هل
أدركت عمق الأسرار التي بلورها الروح القدس في مريم؟ افتح نفسك لصوت الله، بلا
بغضة أو استكبار. فتتعقل وترى الله، يعمل وسط فوضى عالمنا السحيق.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر الأمثال 19

 

وإذ
جاء الوقت لتلد أليصابات النبية ابنها، عادت مريم واصقة بالله أنه يحميها ويرشدها
ويهتم بها اهتماماً كبيراً. وقد اختبرت عنايته الفائقة الإدراك، ولكن رغم ذلك بقي
طريق مريم طريق الكفاح وصبر الإيمان لتكمل قوة الله في ضعفنا.

 

الصلاة:
أيها الرب العلي، إني غبي ولا أدرك طرق حكمك للعالم كما تراها أنت. اغفر لي الحكمة
الناقصة، وأنرني بروحك القدوس للتواضع. لكي أسلك حسب محبتك وحقك، وأتجنب غضبك
ثابتا في إرشاداتك ومطيعا لكلمتك يومياً.

 

4-
ولادة يوحنا المعمدان (1: 57- 80)

1:57
وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ٱبْناً. 58
وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ ٱلرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ
لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. 59 وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ جَاءُوا
لِيَخْتِنُا ٱلصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِٱسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. 60
فَقَالَتْ أُمُّهُ: «لا بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». 61 فَقَالُوا لَهَا: «لَيْسَ
أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهٰذَا ٱلاسْمِ». 62 ثُمَّ
أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُريدُ أَنْ يُسَمَّى. 63 فَطَلَبَ لَوْحاً
وَكَتَبَ: «ٱسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ ٱلْجَمِيعُ. 64 وَفِي
ٱلْحَالِ ٱنْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ
ٱللّٰهَ. 65 فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ. وَتُحُدِّثَ
ِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ
ٱلْيَهُودِيَّةِ، 66 فَأَوْدَعَهَا جَمِيعُ ٱلسَّامِعِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هٰذَا ٱلصَّبِيُّ؟»
وَكَانَتْ يَدُ ٱلرَّبِّ مَعَهُ.

 

إن
نعمة الله تتطور شيئاً فشيئاً وبالتأكيد في حياة المختارين. ولا يقدر أحد على
منعها. هكذا ولد يوحنا الممتلئ بالروح من أم عاقر. فوجد ساعي المسيح الذي يعد طريق
ربه. واعظم إنسان بين مولودي النساء قد ظهر. وفرح الأقرباء والجيران ملياً رحمة
الله، الذي منح الكاهن الأخرس نسلاً ليخلفه. وعظموا الله وفرحوا لنعمته هذه. وحسب
طقوس الدين قبل الصبي في أمته بواسطة طقس الختان وتعيين اسمه. فتعجب المجتمعون لما
طلبت الأم نيابة عن زوجها المربوط اللسان أن يكون اسم الصبي يوحنا، بدلاً م زكريا.
وهذا كان مخالفاً للعوائد المتبعة. فلماذا تكسر هذه المرأة نظام الشعب. واسم زكريا
كان جميلاً فمعناه الله يذكرنا. فاستاء الأقرباء استياء شديداً وطلبوا من الأب
الأخرس، أن ينطق أو يشير برأيه. وهذا المسكين كان له تسعة شهور صامتاً في مرسة
الروح القدس، حاملاً أسراره في قلبه. لكنه كتب منذ بداية خرسه لامرأته على اللوح
بإيجاز مثلما قال الملاك له ليفعل. فكانا فرحين لما حبلت الأم. وهكذا صار يوحنا
قبل ولادته كارز التوبة لأبيه. فالبركة أصبحت توبيخاً. وقد تعمق زكريا في التوار
كثيراً وصلى باستمرار، مدركاً أن مرضه يعني عقوبة من الله لعدم إيمانه.

 

وعلم
زكريا أيضاً أن لسانه سيحل عند ولادة ابنه المعطى من الله ولكنه لما ولد الصبي
وبقي لسانه مربوطاً، داخله الشك. ألم يكن إيمانه صحيحاً؟ وصلواته أليست مستجابة؟
ولكن الطفل المولود جاء تعبيراً لعلم النعمة. فقرر الآب حسب أمر الملاك أنيتجنب كل
الآراء البشرية، ويلقي رجاءه بالتمام على النعمة فكتب على اللوح أن اسم بكره
يوحنا، رمزاً لعصر النعمة المقبل.

 

ولما
تمسك زكريا بمواعيد الله وأمره، نجح في امتحان الإيمان الأخير فانفكت عقدة لسانه،
وانطلق صوته المحبوس متفجراً بتسابيح من صميم قلبه. فعظم زكريا الله، وأعلن أسرار
ولادة ابنه، وأخبر الحاضرين عن الملاك وكلماته وأراهم كيف تدخل الله ف حياته.

 

وفزع
الناس عند ذاك، عالمين من تاريخ شعبهم أن الله كان يخلق قبل التغييرات الجذرية في
سيرة أمتهم أولاداً بطرق غريبة، كما خلق اسحق وموسى وصموئيل. وبما أن شعار إعلان
الملاك، كان هو مجيء المسيح الذي يعد يوحنا طريقه، ارتعب الأتقياء والساسيون لأجل
مقاصد الله المقبلة عليهم. فالبعض تمنوا التوبة والتجديد والعدل وإقامة الموتى
لأنفسهم وأمتهم في مجيء المسيح. بينما الآخرون تهللوا في أنفسهم متمنين تحريرهم من
نير الاستعمار ولم يدركوا البتة أن المسيح لا يبني ملكوته على أسلحة وجند بل
بانسكاب الروح القدس الذي خلق التوبة وتغيير الأذهان وتجديد القلوب بنعمته. فولادة
المعمدان، سببت حركة عميقة في البلادة المقدسة، قبل أن ابتدأ بنطق رسالته.

 

الصلاة:
أيها الرب علمني الإيمان، خاصة حين تغمض علي إرشاداتك. وساعدني لشهادة حسب كلمتك
إن ضادني الناس، لكي أسبحك بلا نهاية. لأن خلاصك آت، ومملكتك ظاهرة وروحك يجدد
ملايين. فنشكرك لأنك ولدتنا في عصر النعمة.

 

1: 67
وَٱمْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ،
وَتَنَبَّأَ قَائِلاً: 68 مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ
لأَنَّهُ ٱفْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، 69 وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ
خَلاصٍ فِي بَيْتِ دَاوُد فَتَاهُ. 70 كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ
ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ هُمْ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ. 71 خَلاصٍ
مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. 72 لِيَصْنَعَ رَحْمَةً
مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ ٱلْمُقَدّسَ. 73 ٱلْقَسَمَ
ٱلَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: 74 أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلا
خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ 75 بِقَدَاسَةٍ
وَبِرٍّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا.

 

نقرأ
في الأصحاح الأول من إنجيل لوقا الذي يشرح الفترة التمهيدية لولادة المسيح كلمة
الروح القدس أربع مرات (15 و33 و41 و67). فالطبيب لوقا أدرك بكل وضوح أن الدور
الأول في مجيء المسيح، هو لله وليس للبشر. لأن روحه أعلن المقاصد الإلهية طرد
الشكوك، وأرشد المطيعين، وملأ الضعفاء بقدرته. هل أدركت كيف تخلق محبة الله معرفة
وإيماناً وثماراً في الذين يصطفون طوعاً في خطة خلاص الله؟ افتح نفسك لروح المسيح
فتختبر عجائب في انكسار كبريائك لتمجيد ربك في محيطك.

 

وقد
صمت زكريا تسعة شهور طوالاً، وتعمق في كلمات الملاك. ودخلت مريم بيت زكريا آنذاك،
فصرخت امرأته في فرح الروح القدس. وشهدت العذراء للكاهن الشيخ كيف ظهر الملاك
جبرائيل أمامها.

 

عندئذ
أدرك زكريا، أنه ليس هو ولا امرأته أو ولده أو مريم، هم محور تاريخ الله ومركز كل
هذه التحركات السماوية، بل جنين مريم وحده هو الموعود الأزلي. عندئذ عرف الكاهن
المدرب بكلمات التوراة، أن المسيح آت! فهذه المعرفة كانت كصدمة كهربائي في عقله،
فنسي نفسه وبيته وعظم الله لمجيء روحه للتجسد.

 

عظيم
هو نشيد الشيخ المنطلق اللسان، الذي صالح طيلة حياته الشعب الشرير مع القدوس
بواسطة ذبائحه. فأدرك أن المجيد البعيد، كان مقبلاً عليهم في المسيح ليزور
المعذبين. وحقاً قد وصل إليهم.

 

وهذا
المجيء الإلهي لعند البشر لا يعني دينونة وإهلاكاً وإفناء في نوره الساطع، بل نعمة
لطيفة وخلاصاً حنوناً وفداء أبدياً. وهذا المبدأ، اختبره الشيخ المتشكك في نفسه.
لأن الله قد غفر عدم إيمانه وعمق شكوكه وملأه بروحه القدوس. فعظم النعة، وجذب
مستمعيه إلى قوة محبة الله. فيا أيها الأخ هل أنت لسان معقود، أو متحرر مسبح لنعمة
الله؟

 

والعبارة
قرن خلاص تدلنا على الحلقة في مذبح المحرقة، التي يتعلق بها الناس الهاربون من
المنتقمين، ليجدوا رحمة وأمناً في الحرم القدسي. وبينما كانت الذبيحة تحترق كان
اللاجئون يقفون تحتها، معتبرينها نائبة عنهم، لينالوا الحياة. هكذا أدر الكاهن
الخبير، أن يسوع هو قرن الخلاص لكل الخطاة. ومن يتمسك به، لا يهلك في غضب الله
المنتقم من كل خطية. بل يتبرر ناظراً للذبيح النائب عنا على الجلجثة. فهل تتمسك
بقرن الخلاص؟

 

وكل
هذه المواهب الروحية لم تنصب علينا فجأة بل لها قصة طويلة وسبب عميق قد أنبأ به
الأنبياء من قبل، لأنهم رأوا بالروح القدس المسيح المقبل كشخص فريد مخلص العالم.
وشهادتهم هي حق ومتحققة تدريجياً ومتبلورة فينا، مكملة في مجيء المسيح الميد.

 

ووثق
آباء الإيمان بالله الحي، وهم راؤون الآن ثمار إيمانهم. لأن إلهنا ليس إله الأموات
بل الأحياء. فتهللوا في الفردوس يوم ولادة المسيح، وعظموا الله تعظيماً كثيراً على
قيامة المصلوب. واستقبلوا الصاعد إلى السماء، وهتفوا لجلوسه على العش. لقد رأوا أن
المسيح، هو الضامن العهد مع الله، لأنه ليس إنسان أو شعب يقدر أن يقطع عهداً مع
الله القدوس، ولكن دم ابن الله يطهرنا ويؤهلنا، لنقترب من الله، ونعيش معه في عهد
جديد يشملنا إلى الأبد بالنعمة والبراءة.

 

وقد
تحقق في المسيح قسم الله أمام ابرهيم البدوي المؤمن، لما كان مستعداً أن يضحي
ببكره اسحق مطيعاً لله. فكان بهذا الاستعداد متقارباً لمحبة الله، الذي بذل ابنه
الوحيد على الصليب لأجلنا. فحلف الله للمنكسر المطيع أن المسيح سيكون من نسل،
وتتبارك بواسطته كل الأمم (تكوين 22: 17 و17).

 

وقد
فهم زكريا هذه الخطة الروحية في العهد القديم حقاً، لأنه كاهن مطلع على التعاليم.
ولكنه بتفكيره اليهودي أخطأ، إذ ظن أن المسيح الآتي سينشئ ملكوت الله بالقوة.
ويجعل أورشليم مركز عاصمة العالم، حيث اشتاق زكريا الكاهن إلى شيئين: أولهم تطهير
الشعب الخاطئ، وثانيهما انتصار الأمة على العدو الدخيل.

 

ورغم
هذا الشوق الدنيوي الأخير، فإنه لم يشتق إلى الغنى والرفاهية والشرف، بل إلى حرية
العبادة الجمهورية وهداية أمته، فأدرك هدف مجيء المسيح الفريد كعبادة للأمة كلها،
في سبيل الإصلاح، ليقترب الجميع من الله. بتوبة وتطهير وتقديس وابتهال في قداسة
حقه وبر إلهي. وقد أتى المسيح إلينا بهاتين الصفتين الفائقتين عقلنا البشري. فمن
يتعلق بابن الله، يتبرر براً إلهياً. ومن يثبت فيه، يمتلئ من الروح القدس قداسة
كاملة إلى الأبد.

 

الصلاة:
نعظمك أيها الآب السماوي لأجل المسيح المتجسد، الذي أتى برجاء وخلاص عام للبشر.
أفدنا من كل اشتياقاتنا الدنيوية وثبتنا في برك وقداستك لكي نحمدك بكل حياتنا.

 

1: 76
وَأَنْتَ أَيُّهَا ٱلصَّبِيُّ نَبِيَّ ٱلْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ
تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ ٱلرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. 77 لِتُعْطِيَ
شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ ٱلْخَلاصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ، 78 بِأَحْشَاءِ
رَحْمَةِ إِٰلهِنَا ٱلَّتِي بِهَا ٱفْتَقَدَنَا
ٱلْمُشْرَقُ مِنَ ٱلْعَلاءِ. 79 لِيُضِيءَ عَلَى ٱلْجَالِسِينَ
فِي ٱلظُّلْمَةِ وَظِلالِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا
فِي طَرِيقِ ٱلسَّلامِ. 80 أَمَّا ٱلصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو
وَيتَقَّوَى بِٱلرُّوحِ، وَكَانَ فِي ٱلْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ
ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ.

 

كاد
الكاهن الشيخ في تسبيحه لله، أن ينسى ابنه لأن بصيرة تاريخ محبة الله وأهدافها
أنعشت روحه. ثم التفت إلى ابنه يوحنا رمز نعمة الرب وتنبأ عن جوهره ووظيفته وقوته
وثماره.

 

إن
يوحنا ليس ابن العلي بل نبيه ومخلوقاً من التراب، وممتلئاً بالروح القدس كما سائر
الأنبياء قبله. وامتيازه هو مجيئه في زمن اقتراب مجيء يسوع المسيح. فصار المعمدان
ساعي الرب ومعداً طريقه وخادم معموديته وشاهد مجده.

 

فأدرك
زكريا بالروح القدس بكل بيان، أن طفل مريم هو الرب بالذات. فالتمهيدات من الملاك
ودوافع الروح القدس أنارته لهذه الشهادة المخطرة التلفظ بها بين اليهود، أن الرب
يزور الأرض ويتجول بين الناس، وأن يوحنا يعد طريقه. هذه هي الثورة الكبى في الخلق،
لأن الخالق الآن يأتي إلى ملخوقاته امتحاناً وخلاصاً وتكميلاً. فهل مستعد أنت
لتستقبله؟ وكيف علاقتك بالله؟ هل انت أهل للالتقاء به؟ فاستحضر نفسك لحضوره
عاجلاً.

 

وعلم
زكريا ألا إنسان مستحق للالتقاء بالله وليس إنسان قادراً أن يسجد حقاً للمسيح في
المزود لأننا جميعاً خطاة. فأهم شيء في خدمة المعمدان كانت قيادة الشعب للتوبة
الأصلية، ليدركوا أنه ليس لهم خلاص إلا بغفران الخطايا. فهل غفرت خطاياك أها الأخ؟
وهل أصبحت قديساً طاهراً مقبولاً؟ امتحن نفسك في إرشاد الروح القدس، واعترف
بأكاذيبك وسرقاتك وكسلك وكل أنواع ظلمك وعارك. إن معرفة نفسك والاعتراف جهراً
بخطاياك هذه هي الطريقة الوحيدة التي تعد بها طريق الله إلى قلبك. تعال وانحن
أمامخالقك، ولا تخدعن نفسك، لأنك فاشل. اعترف بذنوبك واستغفر ربك.

 

عندئذ
تعرف أعجوبة محبة الله، لأن الابن أتى من عليائه إلى ظلمتنا الدنسة، وأشرقت تباشير
بره، كشمس بهية في ليلنا الأسود. افتح ذهنك وشعورك الباطني تماماً لرأفة الله
الظاهرة في المسيح، فتصح وتقوم وتسبح الله بكرة وأصيلاً.

 

وفي
المسيح وحده، ينتهي الخلاف والخصومة بينك وبين الله في قلبك. ويبتدئ السلام
الإلهي، وتعيش في انسجام كلي مع إرادة ربك. عندئذ لا تركض كحمار بري في دوافع
شهواتك الأشرة، عنيداً في براري الحياة. ولا تخاصم كل إنسان لأجل حساسيتك الزائدة
بل تتنازل عن حقوقك وتسامح أعداءك جهاراً، وتحتمل الصعبين بصبر. لأن فداء المسيح
يمنحك الاقتدار، لتعمل المستحيل فتموت أنت لشخصك ويحيا الله فيه.

 

وكبر
يوحنا في السنين جسدياً وروحياً، واعتزل العالم السطحي بتجاربه وسطحيته المرة،
واستعد مصلياً لله. ولربما اشترك مع فرقة الاسنيين في قمران، ليكون مستعداً ماشرة
لصوت العلي، إذ يدعوه شاهداً لشعبه. وهكذا نتمنى لك نمواً في الجسد والرو والنفس
في شمس بر إلهنا، لتصبح شاهداً بسلطان المسيح، وتدل محيطكم إلى مخلص العالم.

 

الصلاة:
نشكرك أيها الرب لأنك جهزت يوحنا خادما لك، وأرسلته لإعداد الطريق لابنك. طهرنا من
خطايانا وجدد أذهاننا، لكي نعد طريقه في محيطنا، ونستعد لمجيئه الثاني القريب.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي