الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

ثانياً:
التمهيد لعمل المسيح علانية (لوقا 3: 1- 4: 13)

 

1-
إظهار وكرازة التوبة وأعمال يوحنا المعمدان (3: 1- 20)

1
وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ
قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ وَالِياً عَلَى
ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ٱلْجَلِيلِ،
وَفِيلُبُّسُ أخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ
تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ٱلأَبِلِيَّةِ، 2
فِي أَيَّامِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا، كَانَتْ كَلِمَةُ
ٱللّٰهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّافِي ٱلْبَرِّيَّةِ، 3
فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ بِٱلأُرْدُنِّ
يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا، 4 كَمَا
هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي
ٱلْبَرِّيَّةِ، أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ، ٱصْنَعُوا سُبُلَهُ
مُسْتَقِيمَةً. 5 كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ،
وَتَصِيرُ ٱلْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً، وَٱلشِّعَابُ طُرُقاً
سَهْلَةً، 6 وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاصَ ٱللّٰهِ».

 

يدور
دولاب التاريخ إلى هدفه. وفي تلك الأثناء كان القيصر أوغسطس قد توفي في سنة 14 بعد
المسيح، بعدما حكم 45 سنة على حوض البحر المتوسط مسمياً نفسه مخلص العالم (31 ق م
إلى 14 ب م). وخلفه في روما القيصر طيباريوس، الممتلئ حقداً وكراهية كل الناس وشكا
بهم. وملك ابتداء من سنة 14 ب م إلى 37 ب م. فحدثت في أيام حكمه كل الحوادث
المدونة في الإنجيل.

 

وركز
الطبيب لوقا على السنة 28م29 ب م بدقة، لأنه في هذه السنة خرج يوحنا المعمدان ساعي
المسيح من عزلته الزاهدة في البرية. وكانت الأحوال السياسية والدينية آنذاك سيئة
تماماً، لأن الشياطين ملكت في البلاد كلها.

 

وكان
في هذا الزمن هيرودس الدموي العنيف قاتل أولاد بيت لحم قد مات من زمن. وأبناء
هيرودس أنتيباس وفيلبس قد قسما مع ليسيانوس مملكة الملك الذي كان عميلاً لروما.
فلم يكونا أقل من والدهما في العجرفة والتباهي والزنى، الذي ملأ قصورهم الفخة.

 

وقد
ألغت روما في الفوضى التي أعقبت موت هيرودس حرية اليهودية، وعينت ولاة سلطان مطلق.
والوالي الثاني فيها، كان بيلاطس البنطي حاكماً عنيفاً وبارداً بلا ضمير، الذي خلط
مرة دم أعدائه بدم الذبائح المقدمة في الهيكل، لإهانة الطقوس والنوامس وإيمان
الشعب.

 

والوالي
الذي كان قبله، عزل في سنة 15 ب م رئيس الكهنة حنان. وعين بدلاً منه بعض أقربائه،
وعزلهم أيضاً بعد ذلك. حتى وجد في قيافا الماهر المدعي العالم شخصية مطواعة له،
وتتمم إرادته. فأفتى قيافا الماكر بفتاو توافق سياسة بيلاطس مع شريعة اليهود
وتقاليدهم. وهكذا عاش في زمن واحد رؤساء كهنة عديدون معاً، مما يخالف أمر الناموس
مخالفة تامة.

 

وهكذا
ساءت الأحوال، وأشبهت قلوب العالم برية محتقرة بلا ماء. ولكن خصوصاً في غمرة
الفساد العام ابتدأ الله خلاص البشر، ليس في الهيكل بل في الوعر والصحراء. هناك
أتت كلمة الرب إلى يوحنا ابن زكريا، وليس العكس بالعكس، لأن الإنسان لا يقدرأن
ينشئ الخلاص بواسطة صلواته وأعماله الخاصة. إنما الله يخترق حائط خطايانا بكلمته،
وينير غباوة عقولنا بإنجيله. وهذه هي التعزية في بداية السنة وفي كل الأوقات. إن
كلمة الله تأتي إليك وتملأك، لكي تشبه عربة مقدسة مشحونة بكلمة ربك، منطلقة إلى
العالم لإشراق عصر جديد.

 

ويوحنا
أعظم الأنبياء، بشر العطاش إلى البر بكلمة صغيرة مؤلفة من حرفين: تب، ارجع إلى
ربك، التفت من أهدافك الدنيوية طالباً الله. غيّر ذهنك وأدرك القدوس، فتعرف خطاياك
الشنيعة. كل إنسان يبقى سطحياً وطائشاً، إن عاش بدون ربه، رغم شهاداته العليا
وسلوكه المهذب. تعمق في الإنجيل واعترف بكل خطاياك، مستغفراً العلي، فتحل قوة الرب
فيك.

 

إن
يوحنا قد جاء باسم الله بالمعمودية، رمزاً للتوبة، لأن الغرق في نهر الأردن يرمز
إلى إغراق اللص ودفنه بينما خروجه من الماء يعني إقامة المطهر لخدمة الله المقدسة.
فهل أدركت معنى معموديتك؟ وهل مت لنفسك وقمت في روح ربك؟

 

ولكن
يا للعجب! فإن الإنجيل لا يأمرك بالتوبة وإنكار النفس فقط، بل يدلك قبل كل شيء على
النبوة القديمة في إشعياء 4: 3-5 التي يكتبها لوقا في الترجمة السبعينية. فالدافع
في هذه النبوة، هو إعلان مجيء الرب. فكرازة التوبة والمعمودية لغفران لخطايا، كانت
عند يوحنا إعداد طريق الرب، لأن القدوس زار البشر في ابنه. فهل أنت مستعد، أن
تلتقي بربك، ومعد قلبك لاستقباله؟

 

إنك
لا تقدر أن تتقدم إلى ربك، وأنت نجس. فالروح القدس، يقودك إلى تجليس طرقك المعوجة،
وتحطيم جبل استكبارك، وملء أودية رجاساتك، وتعبئة خنادق ضلالك بنعمة الله. ولكن إن
جربت إصلاح نفسك، تختبر أنك لا تستطيع إعداد طريق الرب حقاً. فننصحك ن تسلم نفسك
الخاطئة بين يدي المسيح من أول يوم في هذه السنة. فيمنحك قوة الروح القدس، الذي
يمارس فيك التوبة النافعة، ويغلب خطاياك الفاسدة، ويملأك بخلاص الله. تب أيها الأخ
لأن ربك يأتي إليك.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الثانى 22

 

الصلاة:
أيها القدوس، لست أستحق سماع كلمتك. طهّر سمعي وقدس فؤادي، لكي أفهم قولك وأنعزل
عن العالم الفاسد، لأعد نفسي لخدمتك. شق طريقك إلى قلبي، واملأ ذهني بإنجيلك، لكي
أمتلئ ببشرى خلاصك، داعياً العالم إليك.

 

3: 7
وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ ٱلَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ:
«يَا أَوْلادَ ٱلأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ
ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي؟ 8 فَٱصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ.
ولا تَبْتَدِئُواتَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَباً. لأَنِّي
أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ ٱللّٰهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هٰذِهِ
ٱلْحِجَارَةِ أَوْلاداً لإِبْرَاهِيمَ. 9 وَٱلآنَ قَدْ وُضِعَتِ ٱلْفَأْسُ
عَلَى أَصْلِ ٱلشَّجَرِ، فَكُلُ شَجَرَةٍ لا تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً
تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي ٱلنَّارِ». 10 وَسَأَلَهُ ٱلْجُمُوعُ:
«فَمَاذَا نَفْعَلُ؟» 11 فَأَجَابَ: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ
لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هٰكَذَا». 12 َجَاءَ عَشَّارُونَ
أَيْضاً لِيَعْتَمِدُوا وَسَأَلُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا نَفْعَلُ؟» 13
فَأَجَابَ: «لا تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ». 14 وَسَأَلَهُ
جُنْدِيُّونَ أَيْضاً: «وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» فَأجَابَ: «لا تظْلِمُوا
أَحَداً، وَلا تَشُوا بِأَحَدٍ، وَٱكْتَفُوا بِعَلائِفِكُمْ».

 

كل من
ينتمي إلى عائلة شريفة، يفتخر بأرومته. فسمى أعضاء العهد القديم أنفسهم أولاد
إبراهيم، ظانين أنهم يتبررون من بركاته، ويتقوون من روحه. أما يوحنا فسمى
المتراكضين إليه من كل الجوانب أولاد الأفاعي، وقصد بذلك الشيطان الذي يصب من روحه
إلى البشر، ويضلهم للشك بمحبة الله. والاستقلال عنه في استكبار عنيد. فكل إنسان لا
يرجع إلى مصدره وهو مسمم بروح الرياء ويغر نفسه. فمن أنت؟ أخاطئ تائب أو مراء
شرير؟ أي روح يملك فيك، الكبرياء أو التواضع؟

 

ويل
للمذاهب والأديان والكنائس، التي تعلم أتباعها بأن التعصب والصلوات والصوم
والأعمال الذاتية تبرر التقي. فكل بان نفسه على استحقاقه الذاتي يسقط في الدينونة
الأخيرة، لأننا جميعنا بطالون، لا بل مجرمون في أشعة محبة الله القدوس. ويوم احساب
لا بد يأتي، حيث يكشف الرب القدوس أخطاءك كلها. وساعة غضبه قريبة، كما شهد كل الأنبياء
المخلصين (ملاخي 4: 1-5). عندئذ تقف خجلاً وبلا حجة، لأن قلبك يشبه وكر الحية
ممتلئ الأفكار الشريرة والتذكرات الرديئة.

 

ولا
تظن أن تخيلات توبتك أو حزن نفسك يرضي الله، لأن القاضي الأزلي لا يطلب منك شعوراً
وأمنية وصلوات فقط، بل تغييراً جذرياً، صادرة منه أعمال صالحة. فالله مستعد في
رحمته أن يغير حياتك كلها، عالماً أنك عاجز عن إصلاح نفسك. فلا تظن بلا مالاة، أن
الرب سيهمل أخطاءك. فلا يخلصك أي نبي حتى إبراهيم بالذات.

 

وقال
يوحنا مخاطباً شعب العهد: لا يحتاج الله إليكم، لأنه قادر أن يقيم من الحجارة
الكثيرة في هذه البرية أولاداً عديدين له. وإن لم تتوبوا وترجعوا إليه مسنحقين،
فإنكم ستهلكون. فكل إنسان يقسي قلبه لنداء الله، يتحجر في ضميره. ولكن من يصي
لكلمة الخالق، يحصل على قلب جديد وقوة إلهية. حمداً لله الذي يغير أناساً كثيرين،
ويجدد ملايين في كل أنحاء العالم.

 

وكل
أمة وشعب لا يرجع إلى الله، يشبه شجرة خالية من الثمار. ومالكها يقف بجانبها،
وبلطته في يده المرتفعة، ليقطع الشجرة الباطلة.فأي ثمار طيبة وصالحة، يجد الله فيك
وفي أمتك؟ هل تسقط الفأس القاطعة عليك، أو تتأخر لأن العلي يرى استعدادك لتوبة
ويعرف اشتياقك إلى الطهارة والحق؟

 

كثيرون
من مستمعي يوحنا تابوا حقاً، معترفين بخطاياهم جهراً، ومارسوا معمودية الغفران
رمزاً لدينونة الله عليهم. فقال المعمدان لهؤلاء المنحسقي القلوب، إن المحبة هي
تكميل الناموس. فإن كنت تحب الله فاقسم ملابسك معطياً للفقراء، وشاركهم ببزك
ومالك، وحضر لأجلهم عملاً، واعط للضعفاء في صفك دروساً إضافية مجاناً. وإن كان
عليك أن تطلب مالاً باسم الشركة، أو تبيع بضاعة وتتاجر فلا تطلب أكثر من الحق.
واكتف بالكفاف لكيلا تسقط في غرور الغنى. وقد قال المعمدان للجنود الحافظين
لبلادهم ألا يكونوا عنيفين أو شاهدي زور، وأن يعيشوا في قناعة لا أبهة فيها. فلم
يدعهم ساعي المسيح لترك مهنتهم، ليخدموا المسيح في انطوائية البرية. بل أرسلهم إلى
وظائفهم المختلفة آمرهم بممارسة المحبة والحق والتواضع. ليعدوا طريق الرب في
حياتهم العمية.

 

الصلاة:
يا رب أنت تعلم إذا كنت ابن روحك، أو ابن الأفعى الخبيثة، اغفر لي كل استكباري،
واشفني من غرور النفس والرياء. أعترف قدامك بكل خطاياي، طالباً منك الغلبة على
عنادي وشهواتي لكي أعيش قنوعاً متواضعاً قديساً في قوة كلمت.

 

3: 15
وَإِذْ كَانَ ٱلشَّعْبُ يَنْتَظِرُ، وَٱلْجَمِيعُ يُفَكِّرُونَ فِي
قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ ٱلْمَسِيحُ، 16 قَالَ يُوحَنَّا
لِلْجَمِيعَ: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلٰكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ
أَقْوَى مِنِّي، ٱَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ.
هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَنَارٍ. 17 ٱلَّذِي
رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ ٱلْقَمْحَ إِلَى
مَخْزَنِهِ، وَأَمَّا ٱلتِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأُ». 18
وَبِأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَعِظُ ٱلشَّعْبَ وَيُبَشِّرُهُمْ. 19
أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ
هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، وَلِسَبَبِ جَمِيعِ
ٱلشُّرُورِ ٱلَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ يَفْعَلُهَا، 20 زَادَ
هٰذَا أَيْضاً عَلَى ٱلْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي ٱلسِّجْنِ.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر إرميا 36

 

كان
ليوحنا المعمدان تأثير كبير على مستمعيه، لأنه كرز كمن له سلطان من الله، ولم يخف
من أي بشر. وندد بأعمال الملك هيرودس أنتيباس، ووبخه على خطية الزنى مع امرأة
أخيه، مظهراً لشعبه قدوة سيئة رديئة.

 

فتعجب
الشعب من جرأته واعتقدوا بأنه المسيح الآتي. ولكن يوحنا ثبت في أمانته ولم يستغل
المناسبة، وما أخذ لنفسه مركز المسيح، رغم أن الشعب كله كان مترقباً مجيء الموعود
لإصلاح الأوضاع جذرياً.

 

فأعلن
المعمدان للشعب جوهره وطبيعة رسالته وهي إعداد طريق المسيح بواسطة إنكار النفس في
التوبة الحقة. وفي المقارنة بين يوحنا والمسيح، قال إنه غير مستحق أن يحل حذاءه،
وارشد تابعيه من ذاته إلى المسيح، فأعطى أكبر مثال في التواضع لخدام ارب.

 

ثم
وضح للجماهير أن معمودية الماء لا تكفي للخلاص البتة، إنما هي دلالة لمعمودية
الروح القدس والنار، التي سيجريها المسيح بقوته الإلهية. فهل حل الروح القدس فيك
بواسطة إيمانك بالمخلص؟ هل تعرف القوة الوحيدة، التي تجدد القلوب والأذهان؟ ل تخف
من الروح القدس، لأنه ليس ناراً آكلة بل نعيماً مصفياً قلبك ومعزياً ذهنك. وهذا
الروح اللطيف هو الله بالذات. وأن الآب والابن يشاء السكن فيك وفي كل مؤمن. وقد
أتى المسيح ليصالحنا مع أبيه، ليقدر الروح القدس أن يحل في المتبررين ويثبتهم
فيشركة مع الله إلى الأبد. عندئذ يأتي المؤمن بثمار تليق بالتوبة، لأننا لا نقدر
على إتمام الناموس إلا إذا ولدنا من الله، وثبتت محبته فينا بواسطة الروح القدس.
وهذه هي الوسيلة الوحيدة، لتأتي بثمر صالح كثير ويدوم ثمرك.

 

ورأى
يوحنا المسيح كالحصاد في بيدر العالم، الذي يفصل في عاصفة دينونة الله القمح
الوازن من القش المتطاير. وهكذا سيفصل المسيح في نهاية الزمان المؤمنين العاملين
في المحبة عن غير الممتلئين بالروح القدس، العائشين بطيش لأن قوة روح المسيحوحدها
تجعلنا صالحين مقبولين، وبدونها نحن أشرار وهباء، وعلينا أن نحترق في نار دينونة
الله. فافتح نفسك اليوم لروح الرب لكي ينقيك في نار محبته الإلهية، فتتواضع
كيوحنا، وتعظم سلطان المسيح وتنحني أمامه، وتسجد له، شاكراً منيباً.

 

إن
الشيطان وأتباعه أبغضوا يوحنا لأجل شهادته الصريحة، وثماره القوية، وسلوكه القويم.
ولما أكمل يوحنا شهادته، سمح الله أن يلقي رسوله إلى سجن هيرودس الزاني، لكي يمتحن
إيمان النبي، ويظهر أمانته ثابتة إلى الموت. فأصبح حتى في آلامه، ساعيً ورمزاً
للمسيح الآتي.

 

الصلاة:
يا رب، أنت الروح. وقد أتيت إلى عالمنا، لتعمدنا بروحك القدوس. اخرج كل الأرواح
الشريرة من أنفسنا، وطهرنا تماماً لكي نمتلئ بمحبتك، ونظهر في يوم الدين بثمار
قوتك، التي تتضح اليوم بالتواضع والإيمان والرجاء، خصوصاً ف الأيام الحرجة.

 

2-
معمودية المسيح وتكريسه مسيحاً وأرومته (3: 21- 38)

3: 21
وَلَمَّا ٱعْتَمَدَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ
أَيْضاً. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي ٱنْفَتَحَتِ ٱلسَّمَاءُ، 22 وَنَزَلَ
عَلَيْهِ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ
حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّماءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ٱبْنِي
ٱلْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ!».

 

إن
ديان الكل ورب العالمين، الذي تنبأ عنه يوحنا المعمدان، هو يسوع من الناصرة الذي
اختلط بجماهير الشعب المتجمع على ضفاف الأردن، دون أن يلحظه أحد. والعجيب في أمره،
أنه وهو القدوس الحق اختار العماد مع الخطاة، كأنه محتاج للتطهير من الخطايا. ولكن
المسيح وهو القدوس الطاهر، قد عاش دائماً بدون خطية، ثابتاً في المحبة والصبر.
فمارس المعمودية في نهر الأردن عوضاً عنا، لأنه حمل خطايانا. فبان من أول ظهوره
أنه حمل الله. وفي معموديته وضح لنا مسبقاً ما هو مزمع أن يكمله على الصليب.

 

والمولود
من الروح القدس لم يخرج من عزلته بواسطة أعجوبة مثيرة أو خطاب مصقع، بل في رمز
معمودية الفداء لكل الناس. فأثبت معنى إرساله وانسجامه مع قصد الله. وبعد
المعمودية تكلم مع أبيه عن هذا الهدف الخلاصي، مصلياً ومخلياً نفسه. فانشقت
السماوات المغلقة، وانفتحت فوق الأرض، ونزل منها الروح القدس، ليس كصاعقة مبيدة
للبشر الفاسدين. بل بهيئة حمامة السلام، دلالة على المصالحة مع الله. فلم يحتج
المسيح إلى معمودية بالروح القدس، لأنه هو روح الله المتجسد بالذات. ولكن أباه بثه
بملء وحه إثباتاً وتجهيزاً لوظيفته الفادية، وإعلاناً لانسجامه بالروح القدس في
وحدة الثالوث الأقدس. فلا يشاء الله بكليته إلا خلاصنا. فهل شكرته لهذا الإعلان
الفريد؟

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر طوبيا 11

 

ولم
يظهر الله مجده لأعين يسوع والمعمدان فقط بل لآذانهم أيضاً، لأن كلمة الله تحوي كل
سلطانه معبرة عن معان مفهومة لعقولنا. فشهد الآب بأبوته الخاصة، وببنوة يسوع
وبوحدتهما الكاملة في المحبة الممتلئة بالسرور. وهكذا فإن الكلمات القليلة لمعلنة
بعد معمودية المسيح، تظهر لنا مجد جوهر الثالوث الأقدس أكثر من كل الفلسفات
البشرية. فليس خصومة أو اضطراب أو حزن بين الآب والابن. لأن المسيح عمل دائماً
مشيئة أبيه. فإلهنا هو إله السلام وإله المحبة وإله المسرّة.

 

وتعلن
لنا هذه المبادئ هدف فداء المسيح، لأنه يشاء أن يشرك كل المؤمنين به بصفات جوهره،
ليصبح الله أبانا السماوي، ونمتلئ بروحه القدوس، منسجمين مع إرادته لمسرة الآب،
وثابتين في محبته وسلامه. فأي روح يعمل فيك؟ هل اعتمدت بالروح القدس حقً؟ وهل حققت
قصده في قوته المقتدرة؟ عندئذ يقول الله لك: أنت ابني الحبيب، الذي به سررت.

 

الصلاة:
أيها الآب والابن والروح القدس، ليتقدس اسمك بواسطة معموديتنا بمحبتك وامتلائنا
بسلامك وثباتنا في مسرتك. اغفر لنا أنانيتنا واستقلالنا عنك، وادفعنا لننكر أنفسنا
ونضعها لأجل خدمة المصالحة عن كثيرين. لتنشق السماوات فوق أمتنا، ماطرة علينا
النعم الكثيرة.

 

3: 23
وَلَمَّا ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاثِينَ سَنَةً، وَهُوَ
عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ بْنِ هَالِي، 24 بْنِ مَتْثَاتَ بْنِ
لاوِي بْنِ مَلْكِي بْنِ يَنَّا بْنِ يُوسُفَ، 25 بْنِ مَتَّاثِيَا بْنِ عَامُوص
بْنِ نَاحُومَ بْنِ حَسْلِي بْنِ نَجَّايِ، 26 بْنِ مَآثَ بْنِ مَتَّاثِيَا بْنِ
شِمْعِي بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَهُوذَا، 27 بْنِ يُوحَنَّا بْنِ رِيسَا بْنِ
زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ بْنِ نِيرِي، 28 بْنِ مَلْكِي بْنِ أَدِّي بْنِ
قُصَمَ ْبنِ أَلْمُودَامَ بْنِ عِيرِ، 29 بْنِ يُوسِي بْنِ أَلِيعَازَرَ بْنِ
يُورِيمَ بْنِ مَتْثَاتَ بْنِ لاوِي، 30 بْنِ شِمْعُونَ بْنِ يَهُوذَا بْنِ
يُوسُفَ بْنِ يُونَانَ بْنِ أَلِيَاقِيمَ، 31 بْنِ مَلَيَا بْنِ مَيْنَانَ بْنِ
مَتَّاثَا بْنِ نَاَثانَ بْنِ دَاوُدَ، 32 بْنِ يَسَّى بْنِ عُوبِيدَ بْنِ بُوعَزَ
بْنِ سَلْمُونَ بْنِ نَحْشُونَ، 33 بْنِ عَمِّينَادَابَ بْنِ آرَامَ بْنِ
حَصْرُونَ بْنِ فَارِصَ بْنِ يَهُوذَا، 34 بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ تَارَحَ بْن نَاحُورَ، 35 بْنِ سَرُوجَ بْنِ رَعُو بْنِ فَالَجَ
بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالَحَ، 36 بْنِ قِينَانَ بْنِ أَرْفَكْشَادَ بْنِ سَامِ بْنِ
نُوحِ بْنِ لامَكَ، 37 بْنِ مَتُوشَالَحَ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَارِدَ بْنِ
مَهْلَلْئِيلَ بْنِ قِينَانَ، 38بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ٱبْنِ
ٱللّٰهِ.

 

إن
سلسلة نسب يسوع، الحاوية سبعة وسبعين اسماً، تصرح بأنه ابن آدم وابن الله. وقد
كانت معمودية يسوع خطاً بارزاً تحت بنوته الإلهية. أما سلسلة نسبه فقد كتبت لبنيان
أصله البشري. والأمران معاً ألهما الكنيسة عقيدتهما بأنه إله حق وإنسان حق

 

وبما
أن يسوع كان شريك الناس في الدم واللحم، كان مثلنا، واستجاب لصوت الدم، كأي إنسان
آخر. وتذوق فرح الربط العائلية، وشعر بأثقالها أيضاً. وكان متعلقاً بمصير شعبه لغة
وتقاليد وتاريخاً وإيماناً وتعاهداً مع الله.

 

وقد
أظهر لوقا لنا بوضوح أن يسوع ليس ابن يوسف، بل حسبه الجيران هكذا. وبالحقيقة فقد
كان الله أباه. كما أن البشير أكمل نسبه إلى آدم الذي هو لله. وبهذا يظهر أن يسوع
لا يخص شعب العهد القديم فقط، بل البشر كلهم. فشخصية المسيح عالمية لا شعوبية.

 

وسمى
بولس المسيح آدم الثاني مبتدئاً جيلاً جديداً مكوناً من أبناء الله، لأن آدم الأول
وهو مخلوق حسب صورة الله المجيدة فقد امتيازه لأجل استكباره وتمرده، وأصبح فانياً
مائتاً. أما يسوع الإنسان المولود من الروح القدس، فقد كان ابن الله الحق، وثبت في
التواضع مخلياً مجده ليخلص البشر الأشرار، وصالحهم مع الله، ليشركهم في بنوته
وبحياة قيامته. فبالمسيح وحده، نستطيع أن نصبح أولاد الله.

 

وابتدأ
المسيح خدمته الخلاصية، وهو في الثلاثين من عمره تقريباً. وامتنع عن الزواج
والعائلة والراحة وشرف الوجاهة في القرية، مختاراً الاحتقار ومحبة الأعداء، وحمل
خطاياهم. فضحى بنفسه في ملء قوة حياته كشاب ذبيحة مرضية لله. أليس هذا أعلى مثل
لأجلك، أن لا تعيش لنفسك، بل تصنع حياتك في خدمة مصالحة العالم مع الله، الذي
يرسلك إلى نشر خلاصه؟

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، أنت إله حق وإنسان حق. ساعدنا ونحن خطاة، لنصير أولاد الله
ونتبعك ونضحي بحياتنا في سبيل الخلاص للكثيرين. اغلب كل مواريثنا من الأصول
البشرية. وقدس أخلاقنا، لنأتي بثمر روحك الكثير.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي