الإصحَاحُ
الْخَامِسُ

 

3-
كرازة المسيح في السفينة وصيد السمك الكثير ودعوة التلاميذ الأول (5: 1- 11)

 1
وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ
ٱللّٰهِ، كَانَ وَاقِفاً عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. 2 فَرَأَى
سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ ٱلْبُحَيْرَةِ، وَٱلصَّيَّادُون
قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا ٱلشِّبَاكَ. 3 فَدَخَلَ إِحْدَى
ٱلسَّفِينَتَيْنِ ٱلَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ
يُبْعِدَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ
ٱلْجُمُوعَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ. 4 وَلَمَا فَرَغَ مِنَ ٱلْكَلامِ
قَالَ لِسِمْعَانَ: «ٱبْعُدْ إِلَى ٱلْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ
لِلصَّيْدِ». 5 فَأَجَابَ سِمْعَانُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا
ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلٰكِنْ عَلَى
كَلِمَتِكَ ألْقِي ٱلشَّبَكَةَ». 6 وَلَمَّا فَعَلُوا ذٰلِكَ
أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. 7
فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ
ٱلأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلأُوا ٱلسَّفِينَتَيْنِ
حَتَّى أَخَذَتَا فِي ٱلْغَرَقِ. 8 فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ
ذٰلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: «ٱخْرُجْ مِنْ
سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ». 9 إِذِ ٱعْتَرَتْهُ وَجمِيَع
ٱلَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَخَذُوهُ.
10 وَكَذٰلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ٱبْنَا زَبْدِي
ٱللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لا
تَخَفْ! مِنَ ٱلآنَ تَكُون تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ!» 11 وَلَمَّا جَاءُوا
بِٱلسَّفِينَتَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ
وَتَبِعُوهُ.

 

يجوع
الناس كلهم إلى روح كلمة الله وخلاصه. وكل فرد يتعطش إلى غفران خطاياه في عمق
كيانه. فلهذا افتح فمك، وبشر بالنعمة، وارسم المسيح أمام أعين زملائك، لأنهم مفعمو
الشوق إلى الجنة، ولو تظاهروا بعكس ذلك. كل إنسان يتشوق بقلبه إلى بيت أبه السماوي.

 

ولما
تراكضت الجماهير إلى المسيح، وازدحموا عليه حتى كادوا يلقونه إلى البحيرة، دخل
يسوع إحدى السفن، وطلب سمعان. وبتواضع سأله أن يساعده في عمل تبشيره مبتعداً
قليلاً عن الجماهير ليرى الجميع، وليسمعوه كلهم. فجلس، دلالة أنه المعلم الإله،
الذي يعلم البشر الجهال، كيف يدخلون إلى ملكوت الله بواسطة تغيير ذهنهم ورجوع
قلوبهم إلى قوة المحبة الأزلية. فالجماهير الكثيرة جلست على شاطئ البحيرة، مصغية
بهدوء إلى هذا الصوت الفريد. فلم يسمع شيء، إلا كلمات يسوع ووشوشة الأمواج.

 

وبعد
انتهاء يسوع من كلامه، أمر بطرس أن يصطاد في الظهيرة، على خلاف ما اعتاده
الصيادون. لأن السمك، تنزل إلى الأعماق، إذا توسطت الشمس السماء. ولكن بطرس تأثر
كثيراً عن موعظة يسوع، وسماه معلماً. وخضع لإرادته رأساً. إلا أنه أظهر تضايقاًحيث
تعب الليل كله، ولم ينل شيئاً. إنما من أجل أمر المسيح، كان مستعداً أن يعمل كل
شيء، ولو لم يفقه له معنى. حتى ولو شارف، أن يستهزئ به زملاؤه. أما المسيح فأراد
أن يكسر عبده في خبرته. ويظهر له، أن مهارته المهنية لا تنفعه شيئاً في ملكوت اله،
حيث تجري نواميس وقوى الروح القدس.

 

والمسيح
يدعو اليوم أناساً، أن يجروا إلى عمق بحر البشر. ويلقوا فيه شبكة كلمة الله. وربما
في الوقت الذي لا يبدو أنه مناسب مطلقاً. ولكن المسيح يرى التطورات المستترة في
أعماق الشعوب. اصغ إلى أمر المسيح، واحترز لشيء واحد، أن تلقي شبكة لمة الله
الكاملة، وليس جزءاً فقط، وإلا يكون لشبكتك ثقوب في العقيدة، لكيلا تهرب منها
السمكة. نظف شبكتك واستعد للصيد.

 

وقد
أطاع التلاميذ أمر المسيح. وفي إطاعة الإيمان هذه، تجد سبباً لانتصار الله. لو لم
يطع بطرس كلمة المسيح، لم يصبح تلميذه. أما الآن فدفعت إرادة يسوع سرباً من السمك
إلى شبكة الصياد الخبير، حتى كادت أن تتمزق. أيها الأخ، اليوم يوم الصي في أمتنا.
اليوم يسلك سرب السمك إلى كلمة الله. أين تكون أنت، لتكسب عدداً كبيراً من
أصدقائك، بواسطة شهادتك وكلماتك ورسائلك؟ أطع المسيح بتواضع وتشجع مصغياً إلى هدى
المخلص، فتسحب كثيرين إلى نوره ليدخلوا إلى الحياة الأبدية، من الموت في الظلمة.
اليوم إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم!

 

لم
يكن بطرس عنيداً وطماعاً، بل قسم صيده على الجميع. وأشار لزملائه أن يتعاونوا.
وهذا هو واجب المؤمنين اليوم، إنهم لا يملأون سفينتهم فقط، بل كذلك سفن الآخرين.
فلا تحزن إن دخل عضو من كنيستك في كنيسة أخرى، لأن المسيح سيمنحكم أعضاء جدد
كثيرين، إن تنشروا ملء كلمة الله بوضوح.

 

وفي
هذا الصيد أدرك بطرس أن يسوع هو الله. ربما صلى خلال الليل، ورتل مع زملائه، داعين
الله أن يملأ شباكهم. ولكن لما لم يحصلوا على شيء، تذمروا وجدفوا كثيراً. فالآن
استجاب يسوع صلواتهم بطريقة أخرى. وأعظم مما فكروا. فخجل بطرس لأجل عدم يمانه
وتذمره وعناده وتجديفه. وخر أمام ابن الله، مرتجفاً معترفاً بخطاياه. لأن الروح
القدس أعلن فساده وخبثه في إظهار المسيح، إنه ضابط الكل، والموجه للسمك في أعماق
البحر، والمبصر أسرار القلوب. فلم يشكر بطرس لأجل السمك الموهوب له، بل خجل لأل
قلبه الشرير. فهل تهتز نعمة الله في حياتك؟ لأنه باركك حيث تستحق الضربات. ومنحك
نعمة، حيث توجب عليك الموت لأجل جرمك.

 

وطعن
يسوع خوف بطرس الأناني، وأمره لتغيير الفكر، حتى لا يفكر بنفسه. ودعاه إلى خدمة
الله، وخدمة الناس أيضاً. واصبح بطرس بانكساره مستعداً للدخول إلى ملكوت الله.
وهكذا يدعوك ابن الله، أن تموت لاهتمامك بنفسك، وتلتفت إلى أخيك الإنسان، لصطاده
ليس بحيلة ومكر، بل بتواضع ومحبة، ولا ليموت على الشاطئ، بل ليدخل إلى ملء قوة
الله وحياته. وبالحقيقة، فكل إنسان ميت في الخطايا. ولكن من يدخل إلى شبكة كلمة الله
يحيا.

 

وبطرس
وزملاؤه، سمعوا دعوة المسيح الفاصلة. وكانوا مستعدين في قلوبهم بواسطة كرازة يوحنا
المعمدان. وتركوا في لحظة حصولهم على السمك الكثير كل غناهم. واختاروا طريقة فقر
المسيح والاضطهاد معه، ليشركوا البشر بمجد ابن الله. إن المسيح دعاك لى خدمته، فصل
وأطع لكل ما يأمرك به.

 

الصلاة:
أيها الرب، لا أستحق أن تكون معي. لأني رجل خاطئ في كل كياني. شكراً لنعمتك لأنك
تكرمني بنعمة فوق نعمة. تحفظني في نعمتك، ولا تخرجني خارجاً. أرسل كثيرين إلى صيد
الناس في أمتنا، وفي كل العالم اليوم.

 

4-
شفاء أبرص واختلاء المسيح في البرية (5: 12- 16)

5: 12
وَكَانَ فِي إِحْدَى ٱلْمُدُنِ. فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصاً. فَلَمَّا
رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدُ،
إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». 13 فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قائِلاً:
«أُرِيدُ فَٱطْهُرْ». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ. 14
فَأَوْصَاهُ أَنْ لا يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «ٱمْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ
لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ».
15 فَذَاعَ ٱلْخَبرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَٱجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ
لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. 16 وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ
يَعْتَزِلُ فِي ٱلْبَرَارِي وَيُصَلِّي.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مريبعل ل

 

اعتبر
البرص في العهد القديم قصاصاً من الله، لذنوب مستترة في الإنسان. فالجماهير كانوا
يحتقرون البرص، ويطردونهم من المجتمع، ويخافون من العدوى. فعاش المساكين كأموات
وهم أحياء. واعتنى أقرباؤهم بهم، ولكن بخجل وخوف. وإن اقترب إنسان سليم نحوهم كان
عليهم أن يصرخوا من بعيد: النجاسة النجاسة!

 

وأحد
هؤلاء المصابين. سمع عن قدرة المسيح العجيبة. واقترب منه بحذر، وقام فوراً،
فابتعدت عنه الجماهير غاضبين، مستعدين ليطردوه. ولكنه ارتمى أمام يسوع، عالماً أن
ليس إنسان قادراً، أن يساعده. لأن البرص وصل فيه إلى القمة. وقد تساقطت بعض
أعضائه.

 

واعترف
الأبرص جهراً بإيمانه بيسوع إنه القادر على كل شيء، حتى على البرص. هل تؤمن بقدرة
المسيح في حياتك؟ ولكن المريض، لم يكن متأكداً إذا قبل قدوس الله أن يساعده رغم
خطاياه الظاهرة في برصه. فسأل يسوع بتواضع، إن كان يقبل أن يشفيه. ووض كل رجائه
وشوقه الملتهب بهذا الطلب. وجاوبه المسيح جواباً إلهياً واحتضنه كما يقول النص
اليوناني الأصلي. لم يخف يسوع من العدوى والموت البطيء، لأنه كان رئيس الحياة. وقد
احتضن بتجسده كل البشر الفاسد. فتبين لهذا المسكين، أن المسيح يدخله إلى محبة
الله. هل تأتي إلى يسوع بضيقاتك، وتعترف بإيمانك جهراً؟ فلا يرفضك لأجل خطاياك، بل
يحتضنك ويحيطك بكل محبته.

 

وشهد
بعدئذ ابن الله بسر إرادته المخلصة، قائلاً أريد خلاصك أشاء شفاءك وأعزم أن أطهرك.
فإن تسأل نفسك، هل يريد الله عوني وخلاصي؟ فيجيبك المسيح أريد. هل تؤمن بجوابه؟
كلنا نعيش في عصر النعمة. ادخل إلى مسرة الله وأرد ما يريد هو، فتستلم لء قدرته.
ولا يقصد الرب تحسين أحوالك المالية، أو همومك المهنية أولاً، بل هدفه قلبك
الشرير. فحيث تستسلم إلى يدي يسوع نهائياً. يساعدك أيضاً في قضايا صحتك ومشاكل
مدرستك وتطورات مهنتك. لأن اتجاه مشيئة الله الرئيسي هو المحبة والبركة والتقوية
والانعاش الاجتماعي.

 

عندئذ
أمر يسوع الأبرص أن يتعافى ودفعه لينشط بإرادة قصوى وبقوله منحه القوة أن يصح.
فأمر الخالق كسر سلطة المرض وفك قيود الخطية في عمق باطن المريض. ومحبة المسيح،
غلبت كل الضيق في هذا المسكين، الذي استودع نفسه بين يدي يسوع. فالآن سرى يار إلهي
في أعضائه وجلده، فرجعت ونمت وسقط البرص كقشور من جلده. وليس تدريجياً بل رأساً. ومرة
واحدة صار المطرود من المجتمع سليماً.

 

وأرسل
يسوع المشفي إلى الكهنة حسب الناموس، لكي يقدم في الهيكل الذبيحة (لاويين 13: 49
و14: 10) ولكي يثبت هؤلاء الوسطاء بين الله وشعب العهد رسمياً، إن المسيح هو
الطبيب الإلهي، الذي حرر الناس من أمراض غير قابلة للشفاء.

 

وشعرت
الجماهير بحضور الرسول الإلهي، الذي حررهم من قيود الخطية ونتائجها فتجمعوا،
وسمعوا الإنجيل، وشربوا من ملء المسيح. وشعروا أن ملكوت الله قد ابتدأ، وأضمحلت
الخطية ونتائجها، بواسطة المسيح وقدرته.

 

انتبه
أن يسوع كلما ازدادت عجائبه، كلما ازداد صلاة مخلياً الميل إلى الشهرة ودفع كل
المجد إلى أبيه. فلم يكن منعزلاً بل صلى بلا انقضاء. لأن ُإيمانه لم يكن إلا صلاة.
ولم يعمل شيئاً مستقلاً عن الله، بل كل حركات يده ونطق كلماته تمت بانسام مع روح
أبيه. هل تصلي وتتكلم مع أبيك السماوي عن كل أمور حياتك؟ لا تقدر أن تعمل شيئاً
بدونه. وحيث يثبت فيك وأنت فيه، تأتي بثمر كثير.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع، نعظمك لأنك شفيت الأبرص من مرضه وخطاياه. طهرني أيضاً من كل
خطاياي، وقدسني للتمام. وأنا أؤمن بمشيئتك واستعدادك لشفائي. فأسلم نفسي اليك،
واشكرك لمحبتك ولخلاصك كل البشر.

 

5-
الاصطدامات مع الزعماء الدينيين المتزمتين (5: 17- 6: 1)

 5:
17 وَفِي أَحَدِ ٱلأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ
وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ
مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَٱلْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُّوَةُ
ٱلرَّبِّ ِشِفَائِهِمْ. 18 وَإِذَا بِرِجَالٍ يَحْمِلُونَ عَلَى فِرَاشٍ
إِنْسَاناً مَفْلُوجاً، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ وَيَضَعُوهُ
أَمَامَهُ. 19 وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ
ٱلْجَمْعِ، صَعِدُوا علَى ٱلسَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مَعَ
ٱلْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ ٱلأَجُرِّ إِلَى ٱلْوَسْطِ قُدَّامَ
يَسُوعَ. 20 فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَهُ: «أَيُّهَا
ٱلإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». 21 فَٱبْتَدَأَ
ٱلْكَتَبَةُ وَٱلفَرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ قَائِلِينَ: «مَنْ
هٰذَا ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ
خَطَايَا إِلَّا ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟» 22 فَشَعَرَ يَسُوعُ
بِأَفْكَارِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُبِكُمْ؟ 23
أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ
قُمْ وَٱمْشِ. 24 وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ
ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ
ٱلْخَطَايَا»- قَالَ لِلْمَفَلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ
فِرَاشَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». 25 فَفِي ٱلْحَالِ قَامَ
أَمَامَهُمْ، وَحَمَلَ مَا كَانَ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ
وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ. 26 فَأَخَذَتِ ٱلْجَمِيعَ حَيْرَةٌ
وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ، وَٱمْتَلأُوا خَوْفاً قَائِلِينَ:
«إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا ٱلْيَوْمَ عَجَائِبَ!».

 

الله
هو القوة. والمسيح هو قوة الرب. وجرت منه أنهر البركة، قولاً وعملاً وصلاة.
وكثيرون ابتدأوا يتبعونه.

 

فاستيقظ
المسؤولون في الهيئات الدينية، شاكين في شخصيته. لأن يسوع لم يدرس التوراة رسمياً
في مدارسهم. ولم ينضم إلى أحد أحزابهم. فارسلوا إليه جواسيس، ليمسكوه بأقواله
وأعماله. والفريسيون المتكبرون كانوا مشهورين بحفظ النواميس بقساوة. واكتبة كانوا
هم فقهاء التوراة. فأرادوا أن يعرفوا أعجوبة قوة يسوع. دققوا في كل كلمة من
كلماته، كأنهم مفتشون في الامتحانات المدرسية النهائية.

 

وشاءت
حكمة الله في هذه اللحظة، أن يأتي رجال بمفلوج إلى يسوع. فكان هذا أجمل وأقوى رمز
للتبشير. ولما صادفوا صعوبات من التقدم إلى يسوع، صعدوا إلى السطح ونقبوه، ودلوا
المفلوج إلى الغرفة، أمام قدمي يسوع، بدون أي كلام. ولكن عملهم الواضحكان صرخة
واحدة مفعمة الإيمان والطلبة والرجاء. وفرح يسوع من إزعاجه أثناء تعليمه، لأنه يحب
الإيمان. ورأى فيه رجاء المؤمنين الخارق للصعوبات. فهل تأتي في ابتهالاتك مباشرة؟
هل تكون عنيداً في محبتك، ليخلص يسوع رفيقك المفلوج روحياً؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس أماكن ر ر

 

ويعرف
المسيح سبب كل أمراض خطايانا. ولا تسبب خطية معينة عادة مرضاً معيناً، بل حياتنا
البعيدة عن الله هي سبب ضيقاتنا وعلة كوارث العالم كلها. ففك يسوع القيود
النفسانية في الشاب المريض مقدمة لشفاء جسده. فهل سمعت كلمة يسوع: مغفورة لك
خاياك؟ اسجد واحن رأسك أمام ابن الله، وتمسك بوعده مباشرة. هذه الكلمة الجوهرية
تخص كل إنسان يشتاق إلى طهارة وبر وسلام مع الله. مغفورة لك خطاياك. آمن بهذا
الإنجيل فتخلص. والمسيح يكلمك شخصياً، ويحل ربط خطاياك. آمن بكلمة ربك واشكره
فتتعاهد مع، ويجري فيك سلامه. والمسيح نفسه هو الضامن لقوله الإلهي المختص بكل
البشر.

 

ولما
سمع جواسيس الهيئات الدينية هذه الكلمة الغافرة، فكروا أنه لا يقدر ان يغفر الذنوب
إلا الله. كان الحق معهم. وفكروا أن هذه العبارة على لسان يسوع، هي تجديف. ولهذا
فهو مستحق الموت. فكانوا عمياً عن ألوهيته. ولم يشعروا بقوة الروح القس النابع من
شخص يسوع، بل أبغضوه، لأنه كان مختلفاً عنهم. لقد كان من فوق وهم من أسفل.

 

وشعر
يسوع بأفكارهم، وقرأ بغضتهم بأعينهم. وفضح كبرياءهم المدين. وبيّن قصر بصرهم بكل
جلاء. وسألهم لماذا يفكرون بهذه الأفكار الشريرة في قلوبهم؟ وجذب أعداءه إلى
التوبة، وأعطاهم برهاناً لقدرته. ليتعلموا الإيمان ويحبوه، ويحصلوا أيضاً عل غفران
خطاياهم.

 

والإنسان
يسوع شهد بسلطانه أن له الحق والقوة، ليحل الخطايا ويغفرها. ولم يتنبأ في العهد
القديم نبي بهذه الصفات عن المسيح. أما الآن فأعلن ابن الله امتيازه، أنه يشترك
بقدرة الله. وبيّن بهذه أنه واقف بنفس المستوى مع الله. واحد معه، وثابت فيه. وهذه
الشهادة، تفجر عقولنا. ولكن المسيح، حجب ألوهيته. وسمى نفسه ابن الإنسان ليدرك
مستمعوه الأعجوبة الأعظم، إن الله وقف بينهم متجسداً، حالاً خطاياهم بنعمته.

 

وبعد
هذا البحث الأساسي أعطى يسوع للجمهور الفزع والمبغضين المعارضين برهاناً ملموساً،
أعلنه لهم، قبل أن يتممه. وأمر المفلوج بكلمة واحدة، أن يقوم. فتوقفت أنفاس
الحاضرين، لما شاهدوا المتحرر من الخطية قد قام. لأنه شعر بمحبة المسيح، وتمسك
بكلمة الغفران. ودخل فرح الله في قلبه، فقفز باسم المسيح من فراشه. وجرب أطرافه
المتجمدة من سنين، وحمل سريره المبتل بالدموع. ومشى على رجليه حقاً. وسبح الله
وهلل بلسانه، وعظم يسوع مخلصه.

 

وارتعبت
الجماهير، وصلوا في قلوبهم. وسكت فقهاء التوراة. لأن قوة الرب انتصرت على خطايا
وأمراض علانية. ففار الدم في المغلوبين، وفكروا بقتل المسيح في غيظهم. لأنه في هذه
المناسبة، أظهر المسيح حقيقته وجوهر عمله أمام هؤلاء الجواسيس. فكرازته المبدئية
في الناصرة عن النبوة في إشعياء 61 تمت أكثر فأكثر. واهتزت قلوب الناس بزلزال
روحي. هل لمستك قوة الله؟ هل تأكدت من غفران خطاياك؟ اسجد لربك، لأنه هو هو أمس
واليوم وإلى الأبد.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع مخلصي وربي، أشكرك لأنك غفرت كل ذنوبي. وكفرت عن خبثي، من فرط
نعمتك وإحسانك، أُقبّل رجليك، وأسجد لك، وأحبك وأشكرك. لأنك أدخلتني إلى الحياة
الأبدية احفظني في برك، واجعل حياتي حمداً لإلهنا وخدمة النا.

 

5: 27
وَبَعْدَ هٰذَا خَرَجَ فَنَظَرَ عَشَّاراً ٱسْمُهُ لاوِي جَالِساً
عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي». 28
فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ. 29 وَصَنَعَ لَهُ لاوِي ضِيَافَةً
كَبِيرَةً فِي بَيْتِه. وَٱلَّذِينَ كَانُوا مُتَّكِئِينَ مَعَهُمْ كَانُوا
جَمْعاً كَثِيراً مِنْ عَشَّارِينَ وَآخَرِينَ. 30 فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ
وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلامِيذِهِ قَائِلِينَ: «لِمَاذَا تَأْكُلُونَ
وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخطَاةٍ؟» 31 فَأَجَابَ يَسُوعُ: «لا يَحْتَاجُ
ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. 32 لَمْ آتِ لأَدْعُوَ
أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».

 

اضطرب
كثير من الناس في حضرة يسوع متأثرين بسلطانه ومبكتين في ضمائرهم. والجابي الغشاش
المسمى لاوي أصيب أيضاً بكلمة المسيح في صميمه. فكره غشه، وأراد التحرر من خطيته.
وآمن بكلمة يسوع وغفران ذنوبه، وتعلق في قلبه بالمخلص. ولكن مهنته وصيها أبعدته عن
البار، لأن العشارين الموظفين من سلطة الاستعمار حسبوا من مصاصي الدماء النجسين
المجرمين. ورفضوا رسمياً من الأمة واحترامها.

 

أما
المسيح فيعرف الأفكار في قلوب الناس. ورأى كيف انفتح قلب العشار لاوي لبشرى
الإنجيل تماماً. فتقدم يسوع ونظره، وأمره بكلمة واحدة: اتبعني. وحيث يتكلم الله،
يخلق شيئاً جديداً. وهذه الكلمة جعلت من لاوي الخاطئ البشير متى، الذي جمع أقول
وأحداث يسوع التاريخية. لأنه كان عشاراً ماهراً باللغات، فكتب أصل الأناجيل باللغة
الآرامية بإشراف الرسل الأخر. ثم ترجمه إلى اللغة اليونانية. فالمسيح أخذه من مصنع
الخطايا إلى حرية الرب. فهل سمعت صوت يسوع أو لا زلت عبداً للمال والأهداف
النيوية؟ هل تتبع المسيح بقلب غير منشق؟ قم، واتبع مخلص العالم، فتصبح شجرة نعمة
ممتلئة ثماراً كما أصبح متى سبباً لخلاص الكثيرين.

 

والمدعو
ترك ماله وسجلاته ومكان عمله مرة واحدة، لأنه أدرك ان ابن الله قد دعاه، فتمسك
بجلبابه الإلهي لما مر به المسيح. واعتبر كل شيء آخر في الدنيا نفاية. ودعا العلي
إلى بيته، وحضر وليمة عظيمة، وأظهر رأساً روحه الرسولي، ودعا كل زملائه ليدخل
المسيح إلى قلوبهم القاسية. وحقاً فإن كثيرين من المرفوضين المحتقرين قد أتوا
مستعجبين من الشرف العظيم المعطى لهم من رجل الله.

 

ولكن
الأتقياء والناموسيين أبغضوا يسوع، لأنه كسر العادة الصالحة، وتعامل مع العشارين
عملاء الاستعمار، وقبلهم علانية، إذ تعشى معهم في وليمة ضخمة. والمتعصبون والفقهاء
نصبوا لتلاميذ المسيح فخاً، ليكتشفوا دوافع وأهداف عمله. فكانوا عمياًلرحمة يسوع
ولم يروا قلبهم القاسي. فطعن يسوع كبرياءهم، وأعلن رياءهم في عبارتهم الخاصة، كما
درجوا في أمثلتهم على القول، لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. فالعشارون
كانوا حقاً مرضى في الروح والنفس محتاجين إلى المخلص وقدرته ولم يدركوا ذل. أما
عدم التكلم مع الفاسدين فهو ذنب، لأنهم بحاجة ماسة أكثر إلى الخلاص والانقاذ
والتعليم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ت تكوين ربا ا

 

وكذلك
كشف يسوع رياء الأتقياء الظانين بأنهم غير محتاجين إلى الغفران والمخلص، إذ رأوا
في أنفسهم الصلاح والصحة في التعليم واستقامة السلوك. فويل للمكتفين والأبرار
المتكبرين، حيث أنهم لا يعرفون الله ولا هم يخشون لأنه لا أحد صالح أمام اقدوس.
الكل زاغوا وفسدوا معا، ليس من يعمل صالحة بعد، وبارة مستقيمة من ذاتها؟ فهذا أبشع
خداع للنفس. ادرس قداسة الله ومحبته، فتعرف حالتك الخاصة، إنك خاطئ مذنب. وكلما
اقتربت من نور مجد الله، تكتشف قلبك الشرير وذهنك المرفوض. اعترف أمام المسيح
بخطاياك الشنيعة، واشهد بكل أعمالك الشريرة، سرقة وكذباً ونجاسة وكبرياء، وبكل
لحظة تسببت فيها بأضرار إنسان ما. فتعرف حاجتك إلى خلاص المسيح وتصرخ: ارحمني يا
رب، حسب رحمتك وحسب كثرة رأفتك لا ترفضني. عندئذ تدرك محبة المسيح ولطفه الحنان،
وتخبر كيف أنه يطهر شعورك الباطني، ويمنحك سلاماً وبراً إلهياً.

 

ولكن
إن أمعنت في ظنونك أنك صالح ومقبول لأجل صلواتك وتضحياتك وصومك، فتكون مخادعاً
لنفسك، ولا تتبرر في ضميرك، ولا تدخلن السماء، لأن الله لا يقبل إلا التائب المطهر
والخاطئ المتبرر المتخلص بدم المسيح والمتكمل بواسطة شفاعته. فاصغ أيها الأخ لقد
جاء المسيح، وهو حاضر ويخلص عملياً، ويفديك حقاً، إن انكسرت أمامه، واعترفت بكل
فسادك. فلا تتأخرن، بل اكشف أفكار داخلك أمامه، والتجئ إلى رحمته.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع قد عرفتني وكل أفكاري النجسة وكلماتي القاسية وأعمالي الشريرة. لا
ترفضني من وجهك، ولا تنزع روحك القدوس مني. طهرني من كل خطية، وقدس شعوري الباطني.
لكي أخلص برش دمك الكريم، وأكمل أمانة شفاعتك. اجذبني بكلمتك إلى اتباعك المستمر.

 

5: 33
وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلامِيذُ يُوحَنَّا كَثِيراً وَيُقَدِّمُونَ
طِلْبَاتٍ، وَكَذٰلِكَ تَلامِيذُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضاً، وَأَمَّا
تَلامِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟» 34 فَقَالَ لَهُمْ: «أَتَقْدِرُوَ أَنْ
تَجْعَلُوا بَنِي ٱلْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ
مَعَهُمْ؟ 35 وَلٰكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ
عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ». 36 وَقَالَ
لَهُمْ أَيْضاً مَثَلاً: «لَيسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى
ثَوْبٍ عَتِيقٍ، وَإِلَّا فَٱلْجَدِيدُ يَشُقُّهُ، وَٱلْعَتِيقُ لا
تُوافِقُهُ ٱلرُّقْعَةُ ٱلَّتِي مِنَ ٱلْجَدِيدِ. 37 وَلَيْسَ
أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَة لِئَلَّا تَشُقَّ
ٱلْخَمْرُ ٱلْجَدِيدَةُ ٱلّزِقَاقَ، فَهِيَ تُهْرَقُ
وَٱلّزِقَاقُ تَتْلَفُ. 38 بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ
جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظُ جَمِيعاً. 39 وَلَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ
ٱلْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوقْتِ ٱلْجَدِيدَ، لأَنَّهُ يَقُولُ:
ٱلْعَتِيقُ أَطْيَبُ».

 

لم
يأت المسيح نبياً مكتئباً محضراً الناس لله بأصوام ونواميس. بل أن يسوع يشبه
العريس الذي يسبب الفرح العام لكل أتباعه ومريديه. فجاء ابن الله من السماء ليتحد
مع البشر اتحاداً روحياً طاهراً. فمحبة الله هي دافعة، وقداسته لباسه، ووداعت
شعاره وصبره قوته.

 

والعريس
الإلهي طلب عروسه غير الملتفتة إليه والمسترسلة بزناها مع أرواح هذه الدنيا
الدنية. أما المحب فإنه لم يرفض الخاطئة، بل طهرها بدمه، وقدسها بروحه. فالكنيسة
هي عروس مطهرة لابن الله. فكيف لا يعم الفرح في البشر وقد اتحدت السماء بالأرض
والله بالناس؟

 

ولقد
صام التائبون سابقاً، وجلدوا أجسادهم، ليجبروا الله أن ينعم عليهم إنعاماً غزيراً.
لكن الآن، فإن الله قد حضر في المسيح بين البشر، وأتى بفرط محبته إلى العصاة
العنيدين، وأدخل فيهم الفرح السرمدي. فكذلك انتهى الصوم. ولم تعد الصلوات لكئيبة
للوجوه المكشرة تتصاعد إلى السماء، بل أعظم زغردات الغبطة لأن الله وصل إلى الأرض.
فهل يشترك قلبك في الفرح السماوي، لأن الأزلي حضر حقاً بين البشر الفاني؟

 

والفريسيون
المتعصبون لم يدركوا سر ابن الإنسان. إنما انتقدوا فرح تلاميذه. وأتباع يوحنا
المعمدان أيضاً قطبوا جباههم، وأنغضوا رؤوسهم للتقوى الجديدة في المسيحيين، إذ
عاشوا طبيعيين واقعيين، وأكلوا وشربوا بالكفاية ككل الناس. ولم يعذبوا نفسهم
ليربحوا ملكوت الله.

وهؤلاء
المتعصبون للناموس، مع أنهم يعملون لمرضاة الله، لم يدركوا المسيح، إن فيه حل ملء
بركات السماوات مجاناً بيننا، بل أرادوا الاستمرار بأعمالهم الصالحة البشرية.
وتصرفاتهم الناموسية، وبرهم الكئيب ليتبرروا ويتقدسوا. وهذا مستحيل.

 

والفرق
بين التقوى في العهد القديم والبر في العهد الجديد، كبير جداً. اعتبر الناس أنفسهم
صالحين في السابق. وأرادوا تزيين ذواتهم بأعمال خاصة كثوب مياس متلألئ. ولكن هذا
الثوب، سرعان ما يتخرق ويعتق. إذ كل امرئ خاطئ وممتلئ ذنوباً أمام ربه. أما
المسيح، فقد أتى إلينا ببره الخاص. وطهرنا بدمه، وزيننا بثمار روحه. فلانعامه يلبس
كل مسيحي ثوب العرس الأبيض الطاهر الأبدي. ومن المستحيل أن نخلط بين هذين الثوبين
البشري والسماوي. فأما أن تستعد نفسك لعرس الله بثوبك العتيق الممزق المصوع من برك
الذاتي الخاطئ، أو تتقدس بدم المسيح وحده تقديساً كاملاً.

 

وشبه
المسيح روح عهده بالخمر الجديد. الذي لا تناسبه الزقاق العتيقة المحبوكة بألوف
الخيطان الناموسية. فمحبة المسيح تمزق كل الأحكام البشرية السطحية، وتحرر الإنسان
لخدمة الله والناس المحتاجين. فالحرية المقدسة لخدمة المحبة هي التقوى الديدة في
عهد المسيح، حيث لا يكسرنا روح الرب بممانعات ووصايا وأحكام، بل يشجعنا إلى حياة
جديدة، حيث تكون المحبة تكميل الناموس. إنما التقليديون تعودوا على أحكامهم
القاسية وتوبتهم المكتئبة. ولا يريدون أن يتركوا هذا الجو، بل يمصون نواميسهم كخر معتق،
وينعشون منه، فلا يعرفون قوة محبة الله، ولا الخمر الجديد الداخل إلى العالم في دم
المسيح، الذي يعمل في بطوننا وعقولنا طارداً كل الأقذار منا. وهكذا دعا المسيح
تلاميذه إلى طرق جديدة في الحياة وإلى قوة إلهية فريدة. وحررهم من الطقوس اجافة
ومن الأحكام الخيالية. فهل استعددت للعرس من ابن الله، وترافقه في خدمته للمحتاجين
والغوغاء؟ فادخل إلى فرح ربك واطلب المساكين فتجد العريس الإلهي عندهم.

 

الصلاة:
أيها الرب روحك القدوس يحررنا من ذواتنا، ومن مقاييس البشر. ودمك الثمين يلبسنا
ببرك وطهارتك وجلالك. ساعدنا لنثبت في محبتك وسلامك، لنصبح أعضاء أحياء في كنيستك
عروسك. وزيّنا بكل الأعمال الصالحة، النابعة من نعمتك الظيمة.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي