الإصحَاحُ
الرَّابعُ عَشَرَ

 

19-
المسيح في وليمة الفريسيين (14: 1- 24)

1
وَإِذْ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ فِي
ٱلسَّبْتِ لِيَأْكُلَ خُبْزاً، كَانُوا يُرَاقِبُونَهُ. 2 وَإِذَا إِنْسَانٌ
مُسْتَسْقٍ كَانَ قُدَّامَهُ. 3 فَسَأَلَ يَسُوعُ ٱلنَّامُوسِيِّين
وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ: «هَلْ يَحِلُّ ٱلإِبْرَاءُ فِي
ٱلسَّبْتِ؟» 4 فَسَكَتُوا. فَأَمْسَكَهُ وَأَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَهُ. 5 ثُمَّ
سَأَلَ « مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلا
يَنْشِلُهُ حَالاً فِي يَوْمِ ٱسَّبْتِ؟» 6 فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ
يُجِيبُوهُ عَنْ ذٰلِكَ.

 

لم
حفظ اليهود راحة السبت بكل تدقيق ومبالغة، حتى أنهم منعوا إيقاد النار وشفاء
المريض والسفر الطويل وأكثر من مائة منه أخر؟ إنهم رأوا في حفظ الناموس الطريق
المؤدي إلى الله. وقصدوا بالتشديد في الأحكام، أن يربحوا السماء. وكما منعوا السر
آنذاك في السبت، فإن بعض المتدينين منهم حتى اليوم، إذا ما وجدوا سيارة منطلقة،
ألقوا عليها حجارة، ظانين أن المسيح المنتظر لا يأتي إلى الأرض ولا ينشئ ملكوت
سلامه، إلا إذا حفظ كل أهل العهد القديم أحكام السبت بلا تجاوز.

 

وبهذه
الطريقة أخطأوا في فهم محبة الله خطأ كبيراً، وامتنعوا عن رحمة الله. فتمنوا
الخلاص بقوتهم الذاتية، ولم يقبلوا الفداء المجاني بالمسيح. فأصبحوا طرشاً لدعوة
الروح القدس، الذي يؤكد لنا عدم إمكانياتنا لحفظ الناموس من تلقاء أنفسنا، يعلن
لنا فسادنا في نوره العجيب، لنلتجئ إلى نعمة المسيح وقوته، ولا نتكل على برنا
الخاص البتة.

 

والفريسيون
الذين دعوا يسوع إلى وليمة في بيت رئيسهم، لم يمتلئوا بغضة نحو ضيفهم الكريم من
قبل، بل أرادوا تفحصه ومراقبته ليعرفوه ويكتشفوه، أو يروا عجيبة مدهشة. أما المسيح
فأبصر قلوبهم المفتخرة وسألهم ما هو الأهم: أجريان قدرة محبة الل إلى العالم، أو
حفظ الناموس بطريقة أنانية لكسب البر الخاص؟ فخجل المراقبون وصاحب البيت. لأنهم
كان لا يزال عندهم الحس والتعقل، ليدركوا أهمية محبة الله. ولربما شعروا أيضاً
بسلطان المسيح في كلمته. فطأطأوا الأعناق خشعاً ولم يجيبوا بكلمة واحد.

 

وكسر
المسيح كذب فهمهم لحفظ السبت بواسطة شفائه المستسقي. وأراهم أن الله ينجي المساكين
كل يوم، لأنه في العهد الجديد أصبح كل يوم هو يوم نعمة. وقد حررتنا محبة الله من
التمسك ببرنا، إلى خدمة المحبة طواعية. فأمسك يسوع الإنسان بجلده المتورم، لأن
قلبه وكليتاه لم تقدرا أن تفرزا الماء من الجسد. فشفى يسوع بقدرته الخالقة المريض،
الذي لا يقدر أي طبيب أن يشفيه. وذلك ليس بجراحة ولا إيحاء بل بكلمة قدرته. فقد
خرجت من شخصية المسيح تيارات القوى الإلهية حتى تنظمت واصطلحت طبيعة المريض
بإيمانه.

 

ولم
يرد المسيح أن يشفي المريض بجسده فقط، بل أبرأ المنعقدين في أرواحهم أيضاً. وأراهم
مرة أخرى بالمثل البشري عن خلاص الابن من البئر، أو إنقاذ الحمار الساقط في
الحفرة، إن كل إنسان عاقل طبيعي يكون مستعداً على الدوام لإنقاذ الضائقين، حى ولو
كان اليوم سبتاً، لأن فكر المساعدة ودافع الخدمة فينا هو الذي يقربنا من صورة
الله، الذي يساعد ويبارك ويخدم ويخلص الضالين بلا انقضاء.

 

فامتحن
نفسك. هل تتأمل وتصلي يوم الأحد لأجلك ولنمو معرفتك وترتفع نفسك متخيلة في جو
السجود والترانيم فقط، أو تفكر عملياً، كيف تعين أخاك الإنسان المتضايق؟ أيكون هدف
حياتك «الأنا» المنتفخة أو وجدت بخدمة كل إنسان غاية حياتك؟ إن المسيح قصد تغيير
ذهنك وتجديد نواياك ليعزز جوهره في قلبك، لأن الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت
في الله والله فيه.

 

الصلاة:
يا رب، نشكرك لمحبتك ونسجد لك لقدرتك الخارقة والفادية. اغفر لنا قلة محبتنا
والاهتمام بأنفسنا. وحررنا لروح الخدمة ودربنا لنخدم كل إنسان. اشف أصدقاءنا
ليصبحوا أصحاء جسداً ونفساً وروحاً.

 

14: 7
وَقَالَ لِلْمَدْعُّوِينَ مَثَلاً، وَهُوَ يُلاحِظُ كَيْفَ ٱخْتَارُوا
ٱلْمُتَّكَآتِ ٱلأُولَى: 8 «مَتَى دُعِيتَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى عُرْسٍ
فَلا تَتَّكِئْ فِي ٱلْمُتَّكَإِ ٱلأَّوَلِ، لَعَلَّ أَكْرَمَ مِنْكَ
يَكُونُ قَدْ دُعيَ مِنْهُ. 9 فَيَأْتِيَ ٱلَّذِي دَعَاكَ وَإِيَّاهُ
وَيَقُولَ لَكَ: أَعْطِ مَكَاناً لِهٰذَا. فَحِينَئِذٍ تَبْتَدِئُ بِخَجَلٍ
تَأْخُذُ ٱلْمَوْضِعَ ٱلأَخِيرَ. 10 بَلْ مَتَى دُعِيتَ
فَٱذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلأَخِيرِ، حتَّى إِذَا
جَاءَ ٱلَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ، ٱرْتَفِعْ إِلَى
فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ ٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. 11
لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ
يَرْتَفِعُ».

 

اتكأ
يسوع في جو الوليمة وراقب الناس وتصرفاتهم، ولاحظ سريعاً، كيف يزدحمون حول رئيسهم،
ليراهم، ويسلم عليهم، ويقبلهم، لأنهم فكروا أن ينالوا بعدئذ مساعدته. فليس أقبح من
المداهنة حينما تعشعش في القلب البغضة والحسد والاحتقار. ابتعد عن كل أنواع
الرياء، وفضل أن تكون صغيراً بين الناس، لكيلا تستكبر. وإذ ذاك يعتبرك الله كبيراً
حقاً.

 

والمسيح
قد نزل من قرب الله، وأصبح إنساناً بسيطاً مثلك. وكعبد حمل خطايانا مرفوضاً
مصلوباً. فرفعه الله ومجده، كما لم يمجد إنساناً مثله قبله أو بعده. فمن يتبع المسيح
يتغير إلى تواضعه، لأن ابن الله قد قال: إني أنا متواضع القلب. فلم يكن في قلبه
إلا التواضع. فكيف أنت في ضميرك؟ هل تريد الشرف والظهور والشهرة والاحترام من
العموم، أو تريد البقاء مجهولاً خادماً للمساكين الغوغاء؟ إن المسيح لم يذهب إلى
الملوك والولاة والرؤساء، بل طلب المرضى المشتاقين إلى الطهارة والحق. فهل أت
مستعد أن تتبع المسيح عملياً؟

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر المكابيين الثانى 14

 

اعرف
ذاتك، فإن كل إنسان طبيعي يريد ارتفاع نفسه منتفخاً كالطاووس. هذا الروح موضوع حتى
في الطفل الصغير، كما قالت ابنة وعمرها خمس سنوات: أريد أن أصبح تمثالاً مرتفعاً
في الساحة، لكي ينظرني كل الناس عالية.

 

أدرك
نفسك وانكر طبيعتك الشريرة، واطلب من المسيح أن ينزلك من كبريائك، ويريك أنك لا
شيء، ولا تعرف شيئاً، ولا تملك شيئاً، ولا تقدر على شيء. فعندئذ يطهرك بدمه
الثمين، ويملأك بروحه القدوس. فتنطلق إلى أعلى درجات الإنسانية، وتصبح ابناً أو
بنتاً لله، لأنك قد وضعت نفسك، وتبت حقاً، وآمنت أنك لا شيء. فحل روح الله فيك،
ورفعك إليه.

 

ولكن
المسكين الذي يفكر أنه شيء، ويركض مستكبراً في المجتمعات، ظاناً أنه إله صغير،
قاصداً الزعامة في محيطه، فهذا يسقط إلى خيبة خطاياه الوسخة، ويصبح عبداً لشهواته،
ويفقد ضميره المرتاح. ويهمل في تخيلاته نعمة الله، لأنه قد فتح نفسه لرو الشيطان،
الذي هو الأول من المستكبرين. وهو عكس المسيح الذي أخلى نفسه، وتواضع تواضعاً
حقاً.

 

أيها
الأخ، أأنت مستكبر أو متواضع القلب؟ إن جوابك الصريح يريك الطريق الذي تسلكه إلى
جهنم أو السماء.لا تكمل طريقك بلا مبالاة، بل تراجع عن كل حركة تنم عن الكبرياء.
واطلب إلى يسوع انسكاب روحه إلى نفسك. فلا تعيش لذاتك فيما بعد، بل تخبئاسمك في
اسم الرب، وتخدم الفقراء، وتضحي بمالك، وتبني ملكوت الله بإطاعة المسيح. صل إلى
المسيح بإلحاح، أن يبيد كل ميل في قلبك إلى الاستكبار، أن يدين حساسيتك الأنانية،
ويحررك من روح الشيطان الأصلي.

 

14:
12 وَقَالَ أَيْضاً لِلَّذِي دَعَاهُ: «إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلا
تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلا إِخْوَتَكَ وَلا أَقْرِبَاءَكَ وَلا ٱلْجِيرَانَ
ٱلأَغْنِيَاءَ، لِئَلَّا يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضاً، فَتَكُونَ لَكَ مُكَافاةٌ.
13 بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَٱدْعُ ٱلْمَسَاكِينَ:
ٱلْجُدْعَ، ٱلْعُرْجَ، ٱلْعُمْيَ، 14 فَيَكُونَ لَكَ
ٱلطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ، لأَنَّكَ تُكَافَى فِي
قِيَامَةِ ٱلأَبْرَارِ».

 

وقال
المسيح للأغنياء والرؤساء، ألا يفكروا في أنفسهم أنهم أفضل من البسطاء، لكيلا
يسقطوا في التجربة الاعتيادية باجتماعهم في حلقات على مستواهم الاجتماعي فقط. ويل
للأغنياء والمفكرين والأتقياء في حلقاتهم المغفلة، فهم لا يعرفون أنهم ليسا أصلح
من المساكين والجهلاء والخطاة. كلنا نعيش من رحمة الله العلي. فاطلب المحتاجين
المذدرين لا الشبعى المتخمين. ابحث عن المتعبين واترك الكسالى. لا تنظرن إلى نجوم
الرياضة بل انظر إلى الجدع والعمي، لأن المسيح يلتقي بك في المساكين لا المحتمين.
فمن هم أصدقاؤك، الصالحون الجميلون العباقرة الأذكياء؟ حاشا. فالمسيح واسى المرضى
واليائسين، وجالس الزناة التائبين، وخلص الخطاة الطالبين الله. فهناك مع هؤلاء
مكانك الصحيح. فلا تفكرن أنك خير من الخنافس، بل قل لهم كلمة الله لتطيب قلوبهم
وساعدهم طعاماً ونصحاً، فلربما يصيرون عقلاء ويخدمون الله مثلك.

 

ويقول
المسيح إن عندكم فقراء دائماً. فاطلب هؤلاء الفقراء واخدمهم، فتكسب تاج المجد عند
قيامة الأموات، حيث يلمع خدام الرب كشمس. وأما الأغنياء والأذكياء الغير المؤمنين،
فتخيم عليهم الظلمة الدامسة.

 

الصلاة:
أيها الرب العلي، أنت المتواضع والوديع والمحب الرحيم اغفر لي استكباري، وطهرني من
كل كبرياء وشبه كبرياء. واملأ قلبي بروح الخدمة والمحبة للمساكين، لأصبح خادماً،
كما أنت تخدم كل الشر.

 

14:
15 فَلَمَّا سَمِعَ ذٰلِكَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْمُتَّكِئِينَ قَالَ لَهُ:
«طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزاً فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ». 16 فَقَالَ
لَهُ: «إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيماً وَدَعَا كَثِيرِينَ، 17 وَأَرْسَلَ
عَبْدَهُ فِي سَاَةِ ٱلْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُّوِينَ: تَعَالَوْا
لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. 18 فَٱبْتَدَأَ ٱلْجَمِيعُ
بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ ٱلأَّوَلُ: إِنِّي
ٱشْتَرَيْتُ حَقْلاً، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ َأَنْظُرَهُ.
أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. 19 وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي ٱشْتَرَيْتُ
خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ
تُعْفِيَنِي. 20 وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي تَزَّوَجْتُ بِٱمْرَأَةٍ،
فَلِذٰلِكَ لا أَقدِرُ أَنْ أَجِيءَ. 21 فَأَتَى ذٰلِكَ
ٱلْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذٰلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ
ٱلْبَيْتِ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ: ٱخْرُجْ عَاجِلاً إِلَى شَوَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ
وَأَزِقَّتِهَا، وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا ٱلْمَسَاكِين وَٱلْجُدْعَ
وَٱلْعُرْجَ وَٱلْعُمْيَ. 22 فَقَالَ ٱلْعَبْدُ: يَا سَيِّدُ،
قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ، وَيُوجَدُ أَيْضاً مَكَانٌ. 23 فَقَالَ
ٱلسَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: ٱخْرُجْ إِلَى ٱلطُّرُقِ وَٱلسِّيَاجَاتِ
وَأَلْزِمْهُمْ بِٱلدُّخُلِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي، 24 لأَنِّي أَقُولُ
لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ أُولٰئِكَ ٱلرِّجَالِ
ٱلْمَدْعُّوِينَ يَذُوقُ عَشَائِي».

 

هل
حصلت مرة على بطاقة دعوة إلى وليمة لدى وجهاء بلدتك؟ لقد ظن ذلك المتكلم في محضر
يسوع أثناء الوليمة، أن بطاقة الدعوة إلى وليمة السماء مؤمنة له وفي حيازته. ولكن
يسوع فسر لهذا الفريسي المنتفخ، أنه ليس كل مدعو يأتي إلى الله. لأن ألوفالممانعات
تحرفه عن الذهاب إلى شركة الله. فكل اليهود كانوا مدعوين، ولكنهم لم يأتوا إلى
يسوع إلا قليل منهم، فأعطي ملكوت السموات إذ ذاك للأمم.

 

ونقرأ
في مثل المسيح عن أربع دعوات مختلفة. أولاً أعلن رب البيت للجميع عن حفلة سيقيمها
على شرف ابنه، واقترح على الكثيرين ألا يغفلوا عن موعد هذا الاحتفال. وهكذا يدعوك
المسيح مع أناس كثيرين لتستعد وتكون ضيف الله.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد جديد إنجيل مرقس 09

 

ثانياً
وجهت دعوة رسمية للأفراد، لما ذبحت الحيوانات، وهيأت المائدة الشيقة المكتظة
بالتوابل والكبب والطبيخ والفواكه والحلويات. وامتلأت المائدة بلذائذ الطعام. وهنا
نقرأ الكلمة الشهيرة: تعالوا لأن كل شيء قد أعد. وليس من الضروري أن يحض الضيوف أي
طعام معهم، لأن الداعي قد حضر كل شيء بوفرة. وهذه الصورة تدلك على ذبيحة المسيح،
الذي أكمل على الصليب خلاص العالم أجمع. فيقول لك رسل الإنجيل، تعال لأن كل شيء
معد. وليس ضرورياً أن تجلب معك أعمالاً خاصة وصلوات وطقوساً وصوماً وحجاًلتستحق
الدخول إلى شركة الله. فإن الرب قد أتم كل الشروط، التي تؤهلك للدخول إلى شركته.
فتعال لأن كل شيء جاهز. هذا هو لب الإنجيل، وصورة الرحمة، بلا مشارطة.

 

يا
للعجب! فقد حدث أمر غريب، إذ كل المدعوين من البلدة التي أُقيمت فيها الوليمة لم
يأتوا، بل استعفوا معتذرين بكلمات سطحية. والجميع كانوا مشغولين بأنفسهم واحتقروا
وأهملوا دعوة الرب وتناسوها. إنهم شبعى مكتفين معتدين بذواتهم، فرفضوا دعة الرب
بجلافة. أولهم أحب غناه وممتلكاته وقدرته وضمان مستقبله، والثاني أراد شراء ثيران
قوية، ليحصل بقوتها على منتوج باهر وغلال وفيرة وموسم عظيم. وثالثهم غرق حتى أذنيه
في الحب وأحب ذاته في شهواته، ولم يجد وقتاً لله والناس. ففي هؤلاء الثلاة نشاهد
التجارب الجذابة التي توشك أن تأخذنا بتيارها. فكل امرئ يتشوق مقهوراً لممتلكات
وغنى وضمان اجتماعي وشرف مرموق. وكثير من الناس يتفتت قلبه على سيارة براقة بمحرك
قوي بأحصنة هائلة، لينطلق بسرعة جنونية فيصفق له الناس. وكذلك يتقبح العالمأكثر
فأكثر غارقاً في الشهوة والسينمات، لاهياً داعراً. وللعجب فلا يصرف أحدهم وقتاً
لربه. وكلهم عارفون بأعماق ضمائرهم شيئاً عن دعوة الله ولا يرفضون بتاتاً، ولكن في
الدقيقة القاطعة، إن دعاهم الرب لملاقاته وترك ترهاتهم، لووا أعناقهم ولم يهتوا
به، معتبرين أن المال والفلاح والحب أهم منه. وهذا القرار منهم يعني احتقاراً لله،
ويسبب الرفض المباشر لشركته. فكل مدعو يسمع دعوة الله ولا يأتي إليها، فإن الرب
يرفضه في غضبه رفضاً قاطعاً.

 

لقد
رفض صاحب الوليمة المنصرفين عنه وغير المبالين، ودعا المحتقرين في محيطه. فانتبه!
أنه يدعو في المرة الثالثة الفقراء ومهلهلي الثياب والغوغاء والثوريين، وبعدئذ
المرضى وفاقدي البصر والضعفاء غير القادرين على المسير. فحمل عبيد السيد امساكين،
وساعدوهم ليصلوا إلى القصر، وفرشوا السجاجيد المريحة لأجلهم، ووضعوهم في الفرش
الوثيرة لإراحتهم. ولم يشمئزوا من جراحهم ونتن أجسادهن، لأنهم لا يملكون حماماً
ولا حوضاً. فالرب ميّز الأسفلين على الوجهاء، وفضلهم تفضيلاً كبيراً لأنهم لبو
دعوته واستجابوا لندائه. ولعلهم كانوا مخجولين من الدخول إلى النور والبهاء، لكن
الخدام شجعوهم للدخول بالكلام الطيب. وهذا يوضح لنا كل التوضيح، إن ليس الأتقياء
والصالحون في نظر أنفسهم والمحترمون والأذكياء والكبراء سيختبرون وسينضمون إلى شرك
الله، كلا بل المرفوضون والمحتقرون والخطاة وغير القادرين لكسب لباس الخلاص. فمن
أي فريق أنت؟

 

إن
بيت الله لواسع غير محدود. والسيد دعا في المرة الرابعة والأخيرة كل الغرباء
والنجسين وعابري السبيل ليدخلوا إلى فرحه. فلو كان هذا الداعي إلى الوليمة في
أيامنا هذه، لأرسل سيارات وطائرات وسفناً بحرية، لكي يحضر كل مشتاق إلى الوليمة
اعالمية. لكن من يصدق هذه الدعوة، إنه بإمكانه أن يدخل بلا شرط وبلا ثمن وبلا جهد
ليأكل هنيئاً مريئاً. فهكذا يوجه الله دعوة عامة للجميع كل بمفرده، ليدخلوا
ملكوته. والرب أمر رسله، أن يقنعوا المتشبصين والمتشككين، ويجروهم جراً لو أمكن
تقريباً، لأن الله نفسه ينتظرهم. علماً أن الأكل والشرب ليس هو هدف رجائنا، بل
الشركة المجيدة مع الله الآب والابن والروح القدس. فإن الإنجيل ليقولن لك كل شيء
معد فهلم اقبل.

 

الصلاة:
نسجد لك أيها الآب لأنك أكملت خلاصنا بموت ابنك. ودعوتنا بكلمة إنجيلك، لنشترك في
العشاء الرباني المجيد، لنتقوى بخبز الحياة، ونتطهر بدم المسيح: نعظم اسمك ونشكرك
لدعوتك ونطلب أن تعلم أقرباءنا وجيراننا ليأتوا إليك.

 

20-
الشروط لاتّباع يسوع (14: 25- 35)

14:
25 وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَٱلْتَفَتَ وَقَالَ
لَهُمْ: 26 إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلا يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ
وَٱمْرَأَتَهُ وَأَوْلادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ
أَيْضا، فَلا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً. 26 وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ
صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً.

 

سمع
كثيرون من الناس دعوة المسيح وتبعوه أفواجاً أفواجاً. لكن المسيح علم قلوبهم،
فغربلهم كالحنطة. وقال للمؤمنين. حيث يمنعكم رباط الدم والعاطفة أن تتبعوني
كاملاً، فعليكم أن تتركوا تلك الروابط الدنيوية. وحتى لو اضطررتم أن تتباغضوا مع
هلكم المحبوبين لديكم لكيلا تنفصلوا عني، أنا رب السماء، فافعلوا. فعليك أن تختار
بين الله وأقربائك. بل الأكثر من هذا أن المسيح يطلب منك إنكار نفسك وهواك وكسلك
وعاداتك، وأن تحكم على نفسك وتعتبر ذاتك مستحقاً موت الصليب المعير. فداوم يومياً
إدانة نفسك بهذه الطريقة، لكي تموت عن طبيعتك الخاطئة المتخيلة، وتصبح في أتباع
المسيح مشابهاً له. فمن لا ينفصل عن أبناء هذا الدهر حتى الذين يحبهم، وينكر نفسه
الأمارة بالسوء، لا يقدر أن يصير ابناً لله. اعط لربك وحده كل المجد.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أجاجي 1

 

وإنما
وصية المسيح هذه لا تلغي وصيته الخاصة بمحبة القريب، ولا تغبش وحدة الزوجية، ولا
تقلل إكرام الوالدين، بل تقرر الأولوية لله. فهو محور حياتك وهدفها ومصدرها وليس
غيره. وهو الذي يرسلك إلى أخيك الإنسان، لتخدمه باسم الرب، كأن الله يزره بواسطتك.
وهكذا يحررك العلي من ارتباطاتك العالمية، ويرسلك إلى العالم سفيراً له، ويكون هو
فيك، وكلمته على لسانك.

 

28
وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجاً لا يَجْلِسُ أَّوَلاً وَيَحْسِبُ
ٱلنَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ 29 لِئَلَّا يَضَعَ
ٱلأَسَاسَ وَلا يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ
ٱنَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، 30 قَائِلِينَ: هٰذَا
ٱلإِنْسَانُ ٱبْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ.

 

يدعوك
المسيح إلى الاشتراك في إنشاء مكلوت الله، المشابه للبرج العالي. ولكنه يطلب منك
التأمل والصلاة قبل أن تبتدئ بالمساهمة في خدمة الرب. أأنت مستعد لتدفع ثمن
الاشتراك الغالي لبناء برج الله، أو تفضل الحفظ والاطمئنان في عائلتك على اتاعك
المسيح؟ فكر جيداً، لمن تقدم خدمتك؟ هل تسجد لعشيرتك كإله معبود أو أنت مستعد
لتضحي بمالك ووقتك وأفكارك وقرابتك من أجل أناس غرباء غير شاكرين خدمتك؟ قرر في
نفسك، إن كنت مستعداً للتضحية بهذا المقدار من أجل العالم الشرير، لأنك لا تقدر أن
خدم الله والمال. ولا أن تحب المسيح كما يحق له وعائلتك بنفس الوقت.

 

واعترف
أيضاً أن قدرتك وقوتك الشخصية لا تكفي لإنشاء ملكوت الله. ولكن حيث يكون الرب معك
وتحل كلمته فيك، تستحق البدء في خدمتك الحقيرة. والرب يكملك وينصرك.

 

14:
31 وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لا يَجْلِسُ
أَّوَلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاقِيَ بِعَشَرَةِ آلافٍ
ٱلَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفاً؟ 32 وَإِلَّا فَمَا دَامَ
ذلِكَ بَعِيداً، يُرْسِلُ سَفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ. 33
فَكَذٰلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لا يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ، لا
يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً.

 

ومن
يخدم الله وحده يفوز فوزاً كبيراً. والمسيح يريك في مثله الحربي، أن إنشاء ملكوت
الله يشبه الجهاد المقدس، إذ تقصد أجناد الشر وجيوش الشيطان إهلاكك وإبادة كل
المؤمنين. هل تؤمن أن ملائكة الرب الغير منظورة التي معنا تغلب قوة العدو الائلة؟
لا ترتجف من الحكومات والقوانين ورجال التحري والعذاب حتى الموت. واعلم يقيناً أنه
لا يتكلل أحد من أتباع المسيح بتاج النصر إلا من يثق بكل قلبه متوكلاً على الرب
اتكالاً كاملاً. فلا تستطيع أن تحمي نفسك أو تدافع عن ذاتك. ولكن الذي يتكل لى دم
المسيح وبره المجاني، يتفاخر ويقول إن كان الله معنا فمن علينا. فامتحن نفسك، هل
المسيح هو تعزيتك الوحيدة وأساس قوتك، أو تريد الفوز في الجهاد المقدس بذكاء حيلك
وبلاغة فمك أو عضلات جسدك؟ لا تنسى أن إيمانك قد خلصك وليس المال أو الوساطةالتي
لأقربائك. والرب يقول لك: ليس بالقوة وبالقدرة بل بروحي وجسدي. فهل أنت مستعد أن
تستغني عن كل الوسائل البشرية لمساعدتك وتفتح الفرصة لتدخل المسيح وحده؟ ويل لك إن
تعاهدت مع الفلسفة أو الوسطاء الماكرين أو تتكل على مالك، فتفقد سلطان المسي وتصبح
عبداً لمساعديك.

 

واعلم
أن الله قد أوقف بجانبك إخوة مختبرين. وأعطاك عقلاً مثمراً. فلا تخض بخيالك في
خدمات روحية تفوق قدرتك ومواهبك، بل ابق صغيراً متواضعاً مجهولاً وكن أميناً في
الواجب الذي منحكه الله فتنتصر وتثبت.

 

14:
34 اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلٰكِنْ إِذَا فَسَدَ ٱلْمِلْحُ فَبِمَاذَا
يُصْلَحُ؟ 35 لا يَصْلُحُ لأَرْضٍ وَلا لِمَزْبَلَةٍ، فَيَطْرَحُونَهُ خَارِجاً.
مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!.

 

وقد
قال المسيح، أنتم ملح الأرض. وهذه المادة لها وظائف متعددة. فبعضها لتمليح الطعام
ولحفظ اللحوم والأغذية. والبعض الآخر يكون سماداً كيماوياً للأرض. فلا يقدر الناس
أن يعيشوا بلا أملاح. والمسيح يعتبر أتباعه مهمين إلى درجة أنه بدونهم صبح العالم
بلا نكهة ولا حس وتنتهي التوبة. فهل دخلت مرة حبة ملح إلى جرح مفتوح في جسدك، أو
إلى جفن عينك فهي تحرق وتؤلم كثيراً. وهكذا شهادتك للحق ودعوتك الناس للرجوع إلى
الله، يجب أن تصيبهم وتجعلهم مضطربين وتدفعهم إلى تغيير الذهن.

 

وإن
أهملت طلب المسيح لإنكار ذاتك، تصير بلا قيمة وأرخص من الزبل، الذي يوضع في
التراب. والمسيح يخرج هؤلاء العديمي النفع من بيته، ليسقطوا فريسة لسلطة الشيطان.

 

هل
سمعت دعوة الله، ولا زلت مستعداً لإنكار رابطة الدم والقربى والدخول إلى الجهاد
المقدس؟ فاشهد بحق الإنجيل بدون تحديد. ولكن إن لم تستعد لتكريس حياتك للمسيح
كاملاً، فالأفضل لك ألا تبتدئ باتباعه، لأن ربنا يتقيأ الفاترين من فمه.

 

الصلاة:
يا رب، أنت الملك المتعالي وباني ملكوتك. أنا لست إلا عاملاً مبتدئاً. حررني من
محبة ذاتي وأربطة دمي، لكي أصبح عاملاً أميناً مكرساً لك. احفظني في نعمتك، واملأ
كل أتباعك بروح شهادتك.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي