الإصحَاحُ
الثَّامِنُ عَشَرَ

 

28-
مَثَل القاضي الظالم والأرملة المهتاجة (18: 1- 8)

1
وَقَالَ لَهُمْ أَيْضاً مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ
وَلا يُمَلَّ: 2 «كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لا يَخَافُ ٱللّٰهَ وَلا
يَهَابُ إِنْسَاناً. 3 وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ.
وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي. 4 وَكَانَ لا
يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلٰكِنْ بَعْدَ ذٰلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ:
وَإِنْ كُنْتُ لا أَخَافُ ٱللّٰهَ وَلا أَهَابُ إِنْسَاناً، 5
فَإِنِّي لأَجْل أَنَّ هٰذِهِ ٱلأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا،
لِئَلَّا تَأْتِيَ دَائِماً فَتَقْمَعَنِي». 6 وَقَالَ ٱلرَّبُّ:
«ٱسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي ٱلظُّلْمِ. 7 أَفَلا يُنْصِفُ
ٱللّٰهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارا
وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ 8 أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ
سَرِيعاً! وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ
يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟».

 

أتترقب
مجيء المسيح وإشراق ملكوته؟ هل تلتمس من ربك إتمام وعوده لمختاريه؟ ربما أنك لا
تفهم المثل المذكور، إلا إذا اشتقت في نفسك لمجيء المسيح، وانتظرت إعلان مجده،
الذي يصرف كل الظلم، ويشفي كل مرض، ويبطل الموت. هل تفكر كثيراً بحلول الماء على
الأرض أو تكون من المهملين والسطحيين التي قلوبهم باردة، ولا يصرخون بالصلاة
المستمرة الصاعدة من الكنائس، لأجل مجيء المسيح السريع؟

 

فالمثل
يتضح من تفسير المسيح إن الله يشاء أن يساعد مختاريه ليجدوا إتمام الوعود، التي
صارت لهم حقاً ثابتاً. (7) فهو يحبهم ويشتاق إليهم. ولكن الزمن لا يزال غير ناضج،
ولم يصل الإنجيل إلى آخر قبيلة ولغة ولسان في العالم. والشر لم يتجسد عد كاملاً في
شخصية المسيح الكذاب. فلهذا يتأخر حضور حق الله الموعود للقديسين. ولكنهم يدعون
ليلاً نهاراً إلى أبيهم السماوي، بانسجام مع الروح القدس الدافع فيهم، الذي دعاهم
وأنارهم وجددهم، وملأهم بمحبته، ليزداد فيهم وسط البغضة والاضطهاد شوقم إلى
الاتحاد بالآب واللابن، أكثر مما تتشوق امرأة إلى بعلها البعيد عنها، الذي لم يرسل
لها منذ سنين طويلة خبراً. حتى قال الجيران أنه مات، وهي أرملة فمجيء المسيح
يتأخر. وانتظار المختارين يتهافت. فيأمر المسيح كنيسته بالصلوات المواظبة والتمك
بصورة الآب الأمين، لأن المؤمنين ليظنون بعض المرات أن الله لا يكون أباهم فيما
بعد، بل قاض صارم ظالم، لا يستجيب صلواتهم. فإن الله ليس بظالم بل هو محبة وحق،
وينحني بكل رحمته على مفديي ابنه، حتى ولو لم يدركوا عنايته. إن الله يسمع كل
صلوات، حتى وإن لم يستجب لها حسب أمنياتك، التي تريدها. ويعرف في محبته احتياجاتك
قبل أن تطلبها. ويساعدك سريعاً، عندما تنضج الأحوال المناسبة لمساعدتك. وهكذا يعرف
الآب السماوي، أن العالم يحتاج إلى مجيء المسيح الثاني حاجة ماسة. لأنه ليس خلاص
من اخطية والمرض والموت، إلا بواسطة مجيء ملكوت الله إلى عالمنا الشرير. هل تريد
انتشار سلام الله في كل أنحاء العالم؟ فصل بأمانة ومواظبة ليأتي المسيح. وابتدئ
اليوم، وكن متأكداً أن الله، يسمع صلاتك هذه، ويستجيبها حتماً. حتى ولو تأخرت
استجابته. لمسيح يأتي يقيناً ويعلن ملكوته الحق على كرتنا الأرضية.

 

والأرملة
في المثل تشبه الكنيسة العائشة منذ صعود المسيح إلى السماء بدون حضور ربها ظاهراً
فيها. فتصرخ وتصلي بإلحاح طالبة مجيئه، وتواظب بصراخها إلى الله، حتى يستجيب لها.
والمسيح يفسر اهتياج المرأة الملتهبة للحصول على حقها من القاضي، تى لكأنها تكاد
تخمش وجهه بثورتها وتهديدها، لينصفها. هكذا بالمعنى الروحي، علينا أن نصلي بشدة
الطلبة العارمة في الصلاة الربانية «ليأت ملكوتك». حتى يأتي الملك ظاهراً بيننا.

 

وربما
تفهم الآن سؤال المسيح الهام. ألعل ابن الإنسان يجد في مجيئه إيماناً من هذا النوع
على الأرض؟ فمن يرتقبه ملتهباً، ليس بشوق ومحبة ورجاء فقط، بل أيضاً بصلوات قارعة
باب الحق الموعود لنا نحن السائلين؟ فمن يدرس مواعيد الله في الكتابالمقدس بدقة،
ويتمسك بهذا الحق الموعود للكنيسة، ملحاً على ربه بصراخات دائمة، حتى يرسل ابنه
ثانية لإنقاذنا ولننال ملكوته، الذي يبينه لمختاريه؟ فليس علينا انتظاره متجمدين
متخيلين غير عاملين، بل يدعونا الرب لنشترك في مجيئه، ونصلي بفعالية، مقدمين إليه
باستمرار، ليفتح سماءه ويجدد الأرض، ويعلن مجده. فأين صلاتك؟ وأين محبتك للمسيح؟
واين إيمانك المبني على مواعيد الكتاب المقدس! وأين رجاؤك العظيم، حيث انسكب عربون
الروح في قلبك؟ وأين أمانتك في الابتهال؟ لأن هدف المثل، هو أن نصلي بواظبة وبلا
انقطاع: تعال أيها الرب يسوع.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، أنت الإله الحق ومالك ملكوتك. نسجد لك بتهلل، ونطلب إليك
أن تأتي سريعاً. علّمنا محبتك وقّو رجاءنا لمجيئك، ووجه كنيستك إلى إتيانك. لكي
نعيش في كل أمور دنيانا، منتظريك.

 

29-
الفريسي والعشار يصليان في الهيكل (18: 9- 14)

18: 9
وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ
ٱلآخَرِينَ هٰذَا ٱلْمَثَلَ: 10 «إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى
ٱلْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَٱلآخَرُ عَشَّارٌ.
11 أَمَّا ٱلْقَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هٰكَذَا:
اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ
ٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلّزُنَاةِ، وَلا مِثْلَ
هٰذَا ٱلْعَشَّارِ. 12 أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلأُسْبُوعِ،
َأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. 13 وَأَمَّا ٱلْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ
بَعِيدٍ، لا يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، بَلْ
قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: ٱللّٰهُمَّ ٱرْحَمْنِي أَنَا
ٱلْخَاطِئَ. 14 أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ هٰذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّراً
دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ
نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ».

 

كيف
تتم صلاة مختاري الله، لأجل مجيء المسيح وإشراق ملكوته؟ هل هؤلاء القديسون صالحون
وكاملون ومستعدون لمجيئه أو تنقصهم التقوى والبر والمحبة؟

 

فيرينا
يسوع فريسياً، ذهب أثناء الأوقات المعينة للصلاة في الهيكل (عادة الساعة التاسعة
صباحاً، والثالثة بعد الظهر) ليمجد الله. والمصلي كان من الناس المكتفين بأنفسهم،
والمتكلين على قدرتهم، أكثر مما على الله. فهذا المستكبر كان مقتنعاً ببره الذاتي.
ولم يخطر على باله ولو من البعد، أنه يمكن أن يكون خاطئاً. لأنه حفظ الناموس
وتفسيره لآخر دقة. وتمسك بجزئيات ثانوية تافهة لا قيمة لها. فتكلم لسانه بكلمات
كلها احتقار للبشر، حتى أنه لم يحب أحداً إلا نفسه. ودار حول شخصه دائماً مجداً
ذاته. فكان أنانياً حتى في الصلاة، رغم أنه جاءها بنية طيبة. ولكن شعوره الباطني
كان مفعماً بالأنانية حتى أنه نسي الله، فبعد تلفظه بكلماته الأولى عند ابتداء
الصلاة، انتصب فخوراً مغروراً كديك رومي نائياً عن المصلين الآخرين بخطوات. وباش
صلاته إلى الله بألفاظ منخفضة حسب مبادئ الطقوس. مبتدئاً كما يجب «اللهم أشكرك».
ولا بد أنه يليق بنا أن نعظم الله، لأجل كيانه وأعماله المباركة. فليت حياتنا تصبح
كلها شكراً لخلاصه، بل شرع أمام العليم يذكر حسناته البشرية، موضحاً «الأنا»
السينة، مرتفعاً على ظهر الآخرين، الذين احتقرهم وأدانهم. وسماهم لصوصاً ظالمين
زناة ساقطين، كما اختبرهم في حياته عدة مرات. ولم ير في نفسه أقل لطخة من الخطية
قط، بل أشاد باستقامته الظاهرة قبل كل شيء في حفظ الناموس.

 

وعمل
أكثر من المطلوب، الذي توجب صوماً مرة في السنة (لاويين 16: 29)، نافلة زائدة ككل
الفريسيين بصوم يومين من كل أسبوع (الثلاثاء والجمعة) لينزل بر الله بالقوة
لحياته. ولم تتم عبادته نظرياً حتى شملت ماله أيضاً. فقدم العشر، ليس من حقله
ومواشيه حسب طقوس الشريعة فقط. بل عشر أيضاً كل مقتنياته ومطعوماته البسيطة
الأخرى، ليمول خدمة اللاويين في هيكل الرب. فكان واقفاً أمام القدوس، مقدماً له
الحساب استظهاراً عن جداول فضائله بكل اعتداد وشموخ، حتى كأن على الله، أن يقول
معجباً به نعماً أيها الشاطر البار العظيم المستأهل الجنة رفداً الفافاً. ولكن إذا
نظرنا بالحقيقة، نرى أن هذا المصلي، لم يسبح الله في صلاته، بل امتدح نفسه، فأصبحت
صلاته تجديفاً على الخالق الرحيم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى خادم المسيح ح

 

وبينما
كان هذا الفريسي مصلياً منفرداً عن مجمع المصلين في الهيكل، وقف عشار خداع أيضاً
بعيداً عن الجماهير، وخجل من نفسه، لأنه علم أن كل الحضور يحتقرونه ويدينونه.
ومعهم الحق بذلك. فكان متخشعاً ومتذللاً بصلاته، ولم يتجاسر أن يدعو الله فضرب يده
على صدره متأسفاً، علامة على سوء عمله، واعترافاً بأن قلبه شرير. لقد انحنى هذا
الإنسان منكسراً أمام الله، واختبر في ضميره قرب القدوس، وذاب تقريباً من أعماله
الشريرة.

 

فالحمد
لله إذ تذكر الفاسد اسم ربه الحق، وصلى للثالوث الأقدس، مؤمناً أن الله الوحيد في
ثلاثة أقانيم. فلم يقل يا الله، بل اللهم، مقتنعاً بأنه يسمع كلماته المستحبة. ولا
يرفضه خارجاً، ولا يبيده كما يحق. هكذا تمسك الشرير بالنعمة طالباًالرحمة، لأنه لم
يقدر أن يقدم أعمالاً صالحة قط. ولم يجد في نفسه القوة ليقدم مواعيد لإصلاح ذاته،
ويمارس ذلك الإصلاح والتوبة. وفي تمسكه برحمة الله. تمتم بالكلمة الخارقة: اللهم
ارحمني، أنا الخاطئ! فلم يقل أنا أحد الخطاة، كما يقول معظم الناس بل ارحمني، أنا
الخاطئ والفاسد، أكثر من الكل. أنا المستحق الموت والإبادة رأساً.

 

والمعترف
بحالته لم ييأس، بل وضع نفسه بين يدي الله، واثقاً في نعمته الأزلية، وتمسك بمحبته
الحقة. عندئذ قال يسوع مبتهجاً منه: هذا التائب قد تبرر، واختبر في قلبه تعزية
الروح القدس، لأن الله الجواد استجاب صلاته وغفر ذنبه تماماً.

 

فأصبح
هذا المثل تفسيراً ملموساً لتعليم التبرير في رسائل الرسول بولس، لأن البشير لوقا
كان تلميذه، وسجل هذا المثل بمفرده عن البشيرين الآخرين، ليوضح لنا تبرير المسحوق
والنعمة المنسكبة على التائب، بدون أعمال خصوصية. احفظ جوهر هذه القص في قلبك.

 

أما
الفريسي فبقي في عنجهيته وخدع نفسه، لأن بره لم ينفع شيئاً. فسيظهر في إعلان ملكوت
الله صغيراً ظالماً مجتنباً في الأسفل، بينما الخاطئ المتواضع التائب الحق يرفعه
الله إلى مستواه، لأنه قد استجاب صلواته وطهره من كل إثم بدم المسيح الالي الثمين.
وهكذا يعلمنا يسوع كيفية موقفنا في الصلاة، لكيلا نصلي مستكبرين مقتنعين بتقوانا،
بل نتكل على الصليب وحده، عائشين من الله فقط.

 

الصلاة:
نعظمك أيها الآب والابن والروح القدس، لأنك قد رفعت الخطاة التائبين وبررتهم، حين
تقدموا إليك منسحقين في أفكار ذواتهم. علّمني يا رب المعرفة، إني أنا الخاطئ.
وثبتني متمسكاً بنعمتك لأقول الصلاة الكاملة: اللهم ارحمني أنا الخاطئ.

 

30-
يسوع يبارك الأطفال (18: 15- 17)

18:
15 فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ ٱلأَطْفَالَ أَيْضاً لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا
رَآهُمُ ٱلتَّلامِيذُ ٱنْتَهَرُوهُمْ. 16 أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ
وَقَالَ: «دَعُوا ٱلأَوْلادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلا تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ
لِمِثْلِ هٰؤُلاءِ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. 17 اَلْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: مَنْ لا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ
يَدْخُلَهُ».

 

ويرينا
يسوع بطريقة أخرى في هذه الحادثة، كيف نستطيع التقدم في صلاتنا إليه، ليس
لاستحقاقنا الخاص، بل كأولاد بسطاء بكل ثقة وفرح، علماً أن الأولاد لم يتقدموا إلى
يسوع شخصياً، بل أمهاتهم حملنهم، لأن الصغار لم يقدروا أن يمشوا بعد. فلا فل
للأولاد في البركة الممنوحة لهم. ولكنها هبة نعمة وعطاء.

 

ولم
يرد التلاميذ أن ينزعج المستعمون من صراخ الأطفال، ظانين أن الصغار لا يدركون
شيئاً. فإذا كان الكبار يكادون لا يفهمون سمو التعاليم، فكيف بالصغار إذاً؟ فطرد
التلاميذ الأمهات المهتمات بأبنائهن ليحصلن لهم بركة وقوة وإنارة بواسطة لمس
المسيح.

 

واخترق
يسوع قلوب تلاميذه المستكبرة الجاهلة، وأراهم أن تقدمهم في السن ونضوجهم الفكري لا
يؤهلهم لكسب ملكوت الله، بل تواضعهم واتضاعهم لدرجة الأطفال الغير مقتدرين. فبشر
يسوع تلاميذه المكتفين بواسطة بركته على الأولاد وتقبيلهم واحتضانهم

 

إن
ملكوت السماوات ومملكة الله لشيء عظيم، وخلاصة أفكار الله. فلا يقدر أي إنسان
طبيعي، أن يفهم مبادئ هذه المملكة ولا دوافعها، إلا بإنارة الروح القدس في غفران
خطايانا، الذي يؤهلنا لدخول الرحاب الأزلية. والله لا يختار أولاً الكبار والقوياء
والأتقياء، بل من يشاء هو. ويفضل الأولاد الضعفاء والمتكلين عليه بالدموع، لأنهم
مستعدون لقبول نعمته. ويريدون أن يربحوها ربحاً. ولا يمنعون طريق الله إلى قلوبهم،
لأنهم منكسرون وغير منتفخين.

 

أتمنع
مجيء الله إليك؟ إن هذه القصة، لا تقصد عماد الأولاد البتة ولا تسانده، بل تدلنا
على كيفية الصلاة والتقدم إلى المسيح، وعلى واجبنا أن نعلم الأولاد بكلمات حسب
إدراكهم معاني الإنجيل، ونمثل هذه البشارة بواسطة قدوتنا. وبالاختبار المهش نرى أن
الروح القدس لمس عدة مرات قلوب الأولاد والفتيان، خالقاً فيهن إدراكاً عميقاً
بالله وإيماناً واثقاً في أبوته، يفوق بعض المرات إيمان البالغين. فيدلنا يسوع على
شرط الدخول إلى ملكوت الله، أن نصبح كأولاد في الإيمان والثقة والقدوم إلىابينا
السماوي.

 

الصلاة:
أيها الآب السماوي، أنت أبي وتحب كل الناس، احفظني في بنوتك، واجعل كل الناس
أولاداً لك. خاصة جيراننا الصعبين. وكل أولاد صفي. واشكرك أيها الآب السماوي، لأنك
تحبني. آمين.

 

31-
الرئيس الغَني وخطر الغِنى (18: 18- 30)

18:
18 وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ: «أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، مَاذَا
أَعْمَلُ لأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ؟» 19 فَقَالَ لَهُ
يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ
وَهُوَ ٱللّٰهُ. 0 أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا: لا تَزْنِ. لا
تَقْتُلْ. لا تَسْرِقْ. لا تَشْهَدْ بِٱلّزُورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ
وَأُمَّكَ». 21 فَقَالَ: «هٰذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي».
22 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذٰلِكَ قَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ أَيْضاً شَيْءٌ.
بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَّزِعْ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي
ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي». 23 فَلَمَّا سَمِعَ ذٰلِكَ
حَزِنَ، لأَنَّهُ كَانَ غَنِيّاً جِدّاً.

 

جاء
معلم البر إلى يسوع ليستفهم منه، ماذا يعمل زيادة على الفرائض الناموسية، ليربح
الحياة الأبدية. فالحمد لله، إن هذا الرجل كان متأصلاً بكلمة الله، مؤمناً بالحياة
الأبدية، عالماً أن ليس إنسان يعيش تلقائياً إلى الأبد، بل الحياة الإلهة، إن هي
إلا بركة من الله. فالأموات بدون غفران خطاياهم لا يعيشون حقاً، بل هم مهترون
مضطربون في كيانهم الهالك. أما المنعم عليهم والثابتون في الإنجيل، فيحملون حياة
الله ونوره المضيء فيهم.

 

لكن
يسوع كسر سؤال المعلم الواثق بدرجته العلمية بكلمته الأولى، وأراه كيف أنه قد تكلم
بسطحية وليس حسب الكتاب. فلا صالح إلا الله. وهذا ما طرحه يسوع على الرجل بطريقة
غير مباشرة كأنه يسأله: أن تدعني صالحاً، أفتؤمن أني أنا الله؟ فإن يسو هو الراعي
الصالح، والصلاح المتجسد. فكان جواب يسوع لهذا الرئيس دليلاً واضحاً لألوهيته
ووحدانيته مع أبيه السماوي.

 

ولم
يدرك هذا الرئيس، أن الله بالذات واقف أمامه في المسيح، عالماً قلبه، أكثر مما هو
يعرفه. ولم يكتف بأجوبة المسيح المفحمة، وظل ينتظر إعلانات خصوصية، تدله على طريق
أفضل إلى الله.

 

فلم
يقل يسوع له آمن بي، بل أكمل الناموس تماماً. وعندئذ تعرف، أنك خاطئ كبير. ولربما
تدرك، أني أنا مخلصك الأمين. ولتوضيح هذه الأسس الروحية، غيّر يسوع المشروع الأزلي
تتابع الوصايا العشر، وذكر أولاً الطلب بالطهارة الكاملة، ليكشف قلب امتسائل
المفعم بالشهوة والخطايا. ولكن المتمسك بالناموس لم يدرك أن الوصايا العشر تدينه،
بل ادعى بأنه قد حفظ هذه الأحرف منذ حداثته. وحقاً فإنه لم يلامس امرأة غريبة، ولم
يقتل أحداً، ولم يسرق شيئاً لأنه غني. ولم يكذب عمداً. وأكرم والديه دائمً. فلهذا
السبب رأى نفسه صالحاً كاملاً. ولكن رغم هذا الاعتقاد شعر بعمق قلبه أنه ينقصه
شيء، ربما حياة الله وقوته بالذات. فقال يسوع بما شعر به هو تماماً: إنك ينقصك شيء.
وهو الأهم! ويسوع الحكيم لم يقل له، إنك ناقص في معرفة خطاياك، وناقص الإمان في
غفران الخطايا. بل أراه رأساً السلاسل الذهبية. التي قيد نفسه بها. وهي المال.
فهذا المتعلم الغني احتاج للتحرر من قيوده المادية، ليصبح فقيراً، ويتكل على الله
وحده. ولا يبني حياته على أساس ضعيف بالتمسك بالمال. وكأنه كان يقول له، وهو
حاوره: أنت تحب نفسك، طالباً الحياة الأبدية لذاتك. ولا تهتم بالفقراء. ولا محبة
ربك مطلقاً. انتبه! إن المحبة هي الحياة الأبدية. وبمقدار أن تحب، تساعد الفقراء
والبسطاء. فبع ما عندك ووزع أثمانه بين الفقراء، تصبح غنياً في المحبة، والله هو
حصتك في الروح.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد إنجيل متى 18

 

وإذ
سمع هذا المعلم الغني ما قاله يسوع، استاء مرتجف، وارتجف مستاء، لأنه لم يفكر أن
يسوع يصيبه من هذه الجهة أيضاً. فأراد أن يجمع لنفسه كنزاً في السماء. مضافاً إلى
كنزه الدنيوي. وتمنى تعليم كلمة الله، ولكن دون أن يصير فقيراً. فما تبعيسوع، ولم
يضع ماله في البنك السماوي. وهكذا فقد كنزه الدنيوي بموته، ولم يحصل أيضاً على
الحياة الأبدية آخرة، لأنه أحب قليلاً، ولم يضح. ولكن الذي يحب كثيرين يعيش حقاً.
فالبعض فقراء وهم أغنياء، وآخرون أغنياء رغم فقرهم.

 

18:
24 فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ قَدْ حَزِنَ، قَالَ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي
ٱلأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ! 25 لأَنَّ دُخُولَ جَمَلٍ
مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ
ٱللّٰهِ!». 2 فَقَالَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ
أَنْ يَخْلُصَ؟» 27 فَقَالَ: «غَيْرُ ٱلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ ٱلنَّاسِ
مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ».

 

وعمق
يسوع تلاميذه رأساً في مبدأ التحرر من المال، شرطاً للدخول إلى ملكوت الله. وأراهم
بواسطة مثل الجمل، الذي لم يقدر أن يدخل في ثقب الإبرة البتة، استحالة ولوج الغني
إلى الله وإرضائه. الله محبة ويبذر ما عنده ويهدي مواهبه بالغنى. فالأزلي لا يعيش
لذاته، بل يخدم مخلوقاته. فمن يرد الثبات فيه فليحب، ويعط كما يعطي الله، ويخدم
بلا انقطاع.

 

ولا
تنس أنك غني بمواهبك الروحية النفسية الجسدية. فبأي مبلغ تبيع قلبك، لو أتاك مريض
يتطلب نقل قلبك إلى جوفه؟ إنك تملك أشياء باهظة الثمن أكثر من الملايين، وأنت لا
تدركها. وبمعنى آخر فهل لا زلت تملك قلبك لخاصيتك أو أهديته حقاً ليسوع لمسيح؟

 

ولما
أراد التلاميذ طلب يسوع، فزعوا مثلما فزع ذلك المعلم الرئيس. وتمتموا قائلين: من
يقدر أن يخلص إذاً؟! فقد أدركوا، أنهم ما زالوا يحبون المال، وقصدوا مستقبلاً
مناصب الوزراء في ملكوت الله. ولم يريدوا تقليل مدخولهم المادي، بل زيادته،وضمان
مستقبل عائلاتهم.

 

فالمسيح
في رحمته شهد لهم، أن قدرة الله تستطيع تحريرهم من كل خطايا وأربطة إبليس. فلا
يقدر الإنسان أن يكسب الحياة المادية بتضحياته الشخصية، بل الله في نعمته يهبها له
مجاناً. وليس إنسان يعمل صلاحاً، فالله قد عمل المستحيل، وجعل ابنه إنساناً ليصبح
الأشرار أبناء الله. والروح القدس، الذي هو حياة الله اليوم في المؤمنين، يخلق
فينا محبة المساكين والفقراء، لكي نتعشق التضحية، ونضع أموالنا تحت تصرف يسوع
المسيح. فهل سلمت جزدان مالك لربك كاملاً؟ فأي فقير في محيطك قد ساعدته عمليً
وباستمرار؟

 

18:
28 فَقَالَ بُطْرُسُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». 29
فَقَالَ لَهُمُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ
بَيْتاً أَوْ وَالِدَيْنِ أَوْ إِخْوَةً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاداً مِنْ
َجْلِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، 30 إِلَّا وَيَأْخُذُ فِي هٰذَا
ٱلّزَمَانِ أَضْعَافاً كَثِيرَةً، وَفِي ٱلدَّهْرِ ٱلآتِي
ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ».

 

ماذا
تركت باتباعك يسوع؟ وهل تبعته لتحصل على استفادة وغنى وامتيازات أخر؟ أو لأن
شخصيته اجتذبتك؟ إن يسوع يؤكد لكل تابع أمين له، نفس ما قاله لرسله الذين تركوا
عملياً وظيفتهم وأقرباءهم وأملاكهم، إنهم يجدون في هذه الدار إخوة وأخوات وأولاداً
وملء البركات. وبزيادة على ذلك الروح القدس الذي هو عربون الحياة الأبدية. ولكن
انتبه لهذا السؤال الهام: ما هي غاية اتباعك يسوع؟ هل تريد تحسين أحوالك المادية
وضمان مستقبلك الدنيوي. أو أي فائدة اجتماعية؟ فتشرف على الخطر أن تفقد حصتك ف
ملكوت الله، لأنه هو قوة المحبة وطريق التضحية وإنكار المال، لأن الرب لا ينتصر
بالقوة والقدرة، ولكن بروحه العامل في إيمانك. فاتباع يسوع يغير حياتك جذرياً،
ويجعلك غريباً في هذه الدنيا، ولكن أهلاً لملكوت الله. أأنت مستعد لهذا التغيير
الفكر الجذري؟

 

الصلاة:
يا رب، حررني من الأفكار الدنيوية والقيود المالية. واملأني بمحبتك، لكي أسلك
اليوم في حياتك الأبدية، وأضحي بأموالي وأوقاتي وقواي لك. أنت الذي تلتقي بي عند
الفقير والمعوز. ارحمني يا رب، واعمل فيّ المستحيل لأحب كماتحب أنت كل المساكين.

 

32-
المسيح يؤكد موته وقيامته (18: 31- 34)

18:
31 وَأَخَذَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ
إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِٱلأَنْبِيَاءِ
عَنِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ، 32 لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى ٱلأُمَمِ،
وَيُسْتَهْزَأ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، 33 وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ،
وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ». 34 وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ
يَفْهَمُوا مِنْ ذٰلِكَ شَيْئاً، وَكَانَ هٰذَا ٱلأَمْرُ
مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ.

 

انفرد
يسوع بتلاميذه الاثني عشر. وتجنب معهم عن الجماهير واختصهم لثالث مرة بخبر هام عن
سر قمة كيانه. فملك الله استعد ليموت. لم يرد أن يبيد أعداءه بالسيف مثلما يفعل
السياسيون الدنيويون. ولم يرد اغتصاب السلطة بعون الملائكة، بل تهيأ للوت عوضاً عن
الأشرار، وعزم أن يصالح الخطاة بالله. فوجه طريقه نحو الصليب مصمماً نحوه بكل
وضوح. وبينما كان يستعد لموته منكراً نفسه تباحث تلاميذه عن مقدار المكافأة
ومهنهم. ففكروا دنيوياً، والمسيح فكر سماوياً، وحاول اجتذاب تلاميذه لمستوى أفكره،
لكن عبثاً. فلم يفهموا أن قوة الله تبدو مستضعفة. وما أدركوا أن المنتصر على
الأمراض والموت والشيطان يستسلم بدون مدافعة، ويوافق أن يذبحوه صامتاً كخروف بين
يدي جزار، دون أن يفتح فاه.

 

ورسم
المسيح أمام أعينهم حقيقة تألمه وموته وقيامته بكل وضوح، لكيلا يتزعزعوا في
إيمانهم إذا هجمت الأحداث عليهم. ولم يبنهم على نبواته الخاصة الصادرة منه فقط، بل
ثبتهم قبل كل شيء على النصوص من العهد القديم، التي أوضحت تألمه وموته مسبقً، لأن
الروح القدس اتجه منذ مئات السنين لهذه الساعة القاطعة في التاريخ البشري، ألا وهي
ساعة فداء العالم! والأنبياء الحقيقيون اتخذوا صليب المسيح محوراً لنبواتهم
(إشعياء 50: 6 وإشعياء 53 وزكريا 11: 12 و12: 10 و13: 7 والمزمور 22 وغيره).

 

فالملك
المستعد للموت، أعد تلاميذه الجهلاء لأصعب ساعة في حياته وحياتهم. ولم يقل لهم:
أنا صاعد وسط الجبال الصحراوية نحو أورشليم المرتفعة، بل قال: ها نحن صاعدون،
لأنكم تشتركون معي في الاحتقار والاضطهاد والبكاء، إذ تسقطون مباشرة في غرال
الشيطان المهزوز، لأنه يقصد إهلاككم، يا رسلي في المستقبل!

 

وسمى
المسيح الضيق الأكبر المقبل عليه تسليمه إلى ْأيدي الأمم، إذ أن هذا التسليم
للسلطة الكافرة يعتبر عند اليهود المؤمنين عاراً كبيراً، كان الله ترك المستسلم،
ولم يحمه بعدئذ. فكان انفصاله عن أبيه على الصليب من البداية هو سر الصليب احق، الذي
اكتأب منه يسوع، عالماً أن أباه سيحجب وجهه عنه، وينفصل عن ابنه الحبيب، ليسكب على
حمل الله كل غضبه، ويدينه عوضاً عن الخطاة.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر المزامير 12

 

فالآلام
الأخرى كلها المذكورة سالفاً، هي تفسير لهذا الترك الإلهي، وتعني التجربة
المتسلسلة ليسوع ليبغض ظالميه، فيسقط إلى خطية، ويفقد هكذا استحقاقه للموت كحمل
الله الفريد. ذبيحة عوضاً عنا. لكنه ثبت في المحبة الأزلية، مباركاً مضايقيه صلياً
من قلبه. وصرخ بكلمته الأولى على الصليب قائلاً: يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا
يعلمون ماذا يفعلون.

 

إن
إبادة قدوس الله كانت هدف الشيطان. والإنسان يسوع، سلم إلى يديه. وعبيد الشيطان
افترسوا جسده بضربات السياط، التي كان مربوطاً بسيورها اللاذعة قطع حديدية كاشطة
الجسم عن العظم. وأخيراً صلبوه، ليموت بواسطة ثقل جسده على الصليب، ليميتوانفسه
بنفسه. فتجمد جسده الممزق، وتوقف قلبه، ولكن روحه ثبت حياً، لأنه قد استودعه بين
يدي أبيه.

 

وقد
بقي المسيح بلا خطية، حتى وهو على الصليب، يعاني التجارب الشيطانية. فغلب بلطف
تواضعه الشيطان الماكر وكل قدرته. ولكن الذي بقي بدون خطية، فلن يموت، لأن أجرة
الخطية هي موت. فقام المسيح من بين الأموات وترك الموت كثوب مفتت، وبانت نفس
منتصرة على الخطية والشيطان والموت، حتى أنه أطفأ غضب الله، وصالح البشر كلهم مع
القدوس. فقيامة يسوع هي رمز ظفره وصورة رجائنا. فلا تنس أن يسوع أنبأ بموته قبل
قيامته مؤكداً أن حياة الله لن تموت فيه.

 

فمع
ذلك، لم يفهم التلاميذ أسرار شخصية يسوع ووظيفته. فكانوا عمياً، ليس لمعاني تألمه
وموته وقيامته فقط، بل أيضاً اعتبروا حدوث هذه الأحداث مستحيلاً، وفكروا أنه مثل
مثلاً غير حقيقي. فلم يكن الروح القدس قد انسكب في قلوبهم، ولم يكن قد ألن لهم خطة
خلاص الله بعد. فهم إذاً عمي، رغم أنهم اتبعوا ربهم، منذ زمن طويل. فهل لا زلت
أعمى أنت أيضاً، أو تسجد لحمل الله؟

 

الصلاة:
أيها الرب القدوس، نشكرك لأنك أصبحت إنساناً، لتتألم وتموت عوضاً عنا. ونشكرك
لتحملك الاحتقار والجلد والبصق والضربات والموت، لكي نشترك في قيامتك وحياتك
الأبدية. افتح أعين أصدقائنا، لكي يجدوا في صليبك حياتك.

 

33-
شفاء الأعمى في أريحا (18: 35- 43)

18:
35 وَلَمَّا ٱقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِساً علَى
ٱلطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. 36 فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْجَمْعَ مُجْتَازاً
سَأَلَ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هٰذَا؟» 37 فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ
ٱلنَّاصِرِيَّ مُجْتَازٌ. 8 فَصَرَخَ: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ
ٱرْحَمْنِي!». 39 فَٱنْتَهَرَهُ ٱلْمُتَقَدِّمُونَ لِيَسْكُتَ،
أَمَّا هُوَ فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيراً: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ
ٱرْحَمْنِي». 40 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ إِلَيْهِ.
وَلمَّا ٱقْتَرَبَ سَأَلَهُ: 41 «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟»
فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ». 42 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَبْصِرْ.
إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». 43 وَفِي ٱلْحَالِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَهُ وَهُوَ
يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ. وجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا
ٱللّٰهَ.

 

لم تفهم
أكثرية اتباع يسوع من هو في الحقيقة. فسموه معلماً، أو سيداً، أو نبياً، أو
ناصرياً. ولكن قليلين تجرأوا على القول، أنه المسيح الملك الآتي من عند الله. ولما
استفهم الأعمى الجالس على حافة الطريق العام في مدينة أريحا، وعرف أن يسع الناصري
يمر مع أتباعه، صرخ رأساً بصوت عالٍ: يا يسوع ابن داود ارحمني. فالأعمى المسكين
أدرك ثلاثة أشياء ونطق بها، أولاً، أن يسوع هو وارث داوود الموعود به. ثانياً: أن
يسوع هو الذي عزم الله أن يكون أباه. ثالثاً: يكفل الله له عرش أبيه إلى لأبد.
فبهذا الإيمان فسر الأعمى الوعد المكتوب في سفر صموئيل الثاني 7: 12-14 وفهم
انطباق معانيها على الطبيب العجيب يسوع واثقاً أن كل بركات الله وقواه تجري منه.

 

ولما
سمعت الجماهير التابعة ليسوع هذا الصراخ حاولوا إسكات هذا الطفيلي. ولكنه صرخ
بأعلى صوته، لأنه رغم انكفاف عينيه. فقد عرف بأعين قلبه من هو يسوع الناصري،
واعترف بإيمانه به، ولم يرضخ لتحذيرات الجماهير له، بل فكر في نفسه: الآن فرصة
ياتي، وإذا لم أغتنمها فستمر. لهذا السبب، فلأصرخ عالياً بأقوى ما أستطيع من
حنجرتي.

 

وفي
هذا التيقن آمن، أن خليفة داود هو رحيم، وليس سلطاناً متعجرفاً، بل يهتم
بالمساكين، وعنده وقت لأعمى محتقر، ويرحمه برحمة الرحمن.

 

ووقف
يسوع وكل الجمع التابع له، متريثاً إكمال الطريق إلى الصليب، متجهاً إلى هذا
المؤمن المسكين، وأمر بجلبه. فتملك الجمع صمت عظيم، لأن يسوع لم يرفض معنى هذا
الهتاف المختص به، إنه ابن داود المسيح، فاعترف بهذا أنه ابن دواد وابن الله بفس
الوقت.

 

ولما
وقف الأعمى أمام يسوع، سمع صوته المحب قائلاً: ماذا تريد أن أفعل لك؟ فيسوع جند
إرادة المسكين، مجتذباً كل أمنياته إليه ليرتكز على قدرته الشفائية. فلم يطلب
الأعمى من يسوع السماء أو المال، ولا الحياة الأبدية أو الغفران، بل بكل بساة
انفتاح عينيه. وهذا تماماً الذي أراد يسوع، أن يطلبه تلاميذه منه. ولكنه فكر أنهم
فاهمون كل شيء ويبصرون كل الأسرار. فكانوا عمياناً بالروح، رغم انفتاح أعينهم
المبصرة. ليتنا ندرك تحديد عقولنا، وقلة معرفتنا لكلمة الله، وضعف أعمال المحبة،
ونتعد لسؤال محبة الله: ماذا تريد أن أفعل بك. فكيف تجاوب على سؤال يسوع هذا؟ هل
تجاوبه كذلك المؤمن الأعمى بقولك. افتح عيني؟ وهل تصلي لتفتح أعين أصدقائك
وأعدائك؟ أو تكتفي ببصرك وإدراكك؟ اطلب من الرب القادر على كل شيء أن يريك أنانية
قلبك، لتسط قشور عميك. وتنظر إلى العالم بحنان وشفقة، مثلما ينظر يسوع في محبته
الإلهية.

 

وأمر
ابن الله المكفوف بكلمته القاطعة: أبصر. وبهذا الأمر وضع قوته الخالقة في إرادة
الأعمى، وأحيا أعصابه، وشجعه ليطيع أمره الملكي، مستخدماً كل القوى الهاجعة في
المسكين. ويأمرك يسوع أيضاً: كن مبصراً، أدرك عجائب خطة خلاص الله، وانظر قل كل
شيء الشخص الفريد يسوع. وهذا ما أثر في نفس المشفي تأثيره العميق لأول وهلة بعد
إبصاره، إذ رأى وجه يسوع أمامه، مفعم اللطف والمحبة والحق. ففهم رأساً: هذا هو
ملكي، يسوع الناصري ابن الله.

 

وقبل
أن ينفجر المشفي والشعب بعاصفة الحمد والشكر قال يسوع للمبصر: إيمانك خلصك. وهذا
الإيمان ابتدأ بتعمق المسكين في مواعيد الله المعطاة لداود. فأدركها متحققة في
يسوع، واثقاً أنه القدوس الرحيم، ورآه بأكثر وضوح أمام عيني قلبه. ولما سم عن
مجيئه، صرخ إليه مؤمناً متواضعاً مصمماً متمسكاً بعباءة منقذه المجتاز في الطريق.
إن هذا النوع من الإيمان يخلص. اقرأ في الكتاب المقدس، فترى يسوع بكل جماله، وتنال
قوته العظيمة.

 

واتبع
المشفي سيده يسوع رأساً، لأن رجوع بصره فجأة.كان له برهاناً قاطعاً على سلطان
المسيح، فعيناه لم تعودا توجعانه، ولم يلفهما بأربطة كما بعد عملية جراحية. بل يسوع
شفاه بكلمة واحدة. فهو إله خالق حاضر بين البشر، لأن الله قد زارهم مبتئاً بتأسيس
مملكته. ولكن كان جميع هؤلاء التابعين عمياناً، لأنهم لم يدركوا، أن يسوع كان على
طريقه نحو الصليب، حيث سيصلبه الذين يبتهجون به حاضراً.

 

الصلاة:
أيها الرب، أنا أعمى، ولا أرى خطواتك في تاريخ حاضرنا. افتح عينيّ لأراك وأدرك
قلبي الشرير، وأتمسك بلطفك. قّو إيماني، لأتقدم إليك مع كل أصدقائي، لتفتح أعيننا
ونرى المكفوفين حولنا، ونجلبهم إليك أنت المصلوب والمقام لحي. انك تريد تبصيرنا
وإنارة قلوبنا.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي